30 النهاية

21 4 0
                                    

مذكرات شادية ❤️
بقلم إيريس نظمي
-------------------
(الحلقة الثلاثون والأخيرة)
-------------------
إنه أصعب وأخطر قرار في حياة الفنان.. وهو لذلك يحتاج إلى شجاعة.. فالشجاع هو الذي ينسحب في الوقت المناسب.. يختفي وهو في قمة القوة والنجاح والمجد.. وقبل أن تنحسر من حوله الأضواء.. وقبل أن يبتعد عنه جمهوره.. وحتى لا يضطر هذا الجمهور أن يحييه ويصفق له بدافع الشفقة وليس بدافع الإعجاب.. والنجاح متعة يعرفها الناجحون.. والأضواء لها سحرها الذي يعرفه النجوم..
لكن كل شيء لابد أن تكون له نهاية.. هذه هي إرادة الحياة.. نجوم تنطفيء.. ونجوم أخرى تأخذ مكانها وتضيء الكون والحياة بنور الفن.. وجوه معروفة تختفي.. ووجوه أخرى تبدأ نفس الرحلة.. والناس لن يظلوا طول العمر يصفقون لشخص واحد.. وعندما يعتزل الفنان فنه وجمهوره.. أو عندما يختفي من عالم الأحياء.. نسمع الذين يقولون.. لقد كان عظيماً.. كان رائعاً وإنساناً.. وإنه لن يتكرر.. وإن مكانه لن يملأه أحد.. وانه.. وانه.. ثم نكتشف بعد أيام أو شهور قليلة أن هذا كله ليس إلا كلمات عاطية. وأن نجوماً وأسماء أخرى بدأت تظهر وتأخذ مكان الذين رحلوا.. بل ويبادلهم الجمهور حبه وإعجابه كما كان يفعل مع الراحلين.. هذه هي الحياة.. والإنسان ضيف عابر مهما طال بقاؤه فلابد أن يرحل في النهاية.
وأنا لا أحب أن يعامل الفنان مثل الخيول.. عندما يكبرون نطلق عليهم الرصاص من شدة حبنا لهم وإشفاقنا عليهم.. إنه الحب القاتل.. ولا أحب أن يعامل الفنانون مثل الموظفين الذين يجب أن يحالوا إلى المعاش في سن معينة حتى لو كانت طاقتهم لا تزال شابة متجددة.
وأحياناً يظل الفنان يفرز رحيق الفن حتى سن السبعين والثمانين.. سبنسر تراسي مثلاً أو شارلي شابلن أو يوسف وهبي أو عبد الوارث عسر..
لكن هذه حالات نادرة.. والذين يقدرون على الاستمرار في تقديم فنهم حتى الثمانين ليسوا كثيرين.. ولابد أن يفاجأوا بذلك اليون الذي يكتشفون فيه أن طاقتهم الفنية لم تعد كما كانت أيام الصبا والشباب.. وأن أنفاسهم تتلاحق بعد أقل مجهود.. وأن التجاعيد بدأت تغطي وجوههم.. وأن الإرهاق أصبح يطل من عيونهم.. وأن الجمهور نفسه لم يعد متحمساً لأدوارهم كما كان يحدث في الماضي.. والماضي يذهب ولا يعود.. يتحول إلى ذكريات نتذكرها لننسى بها الحاضر.. أو لنهرب بها من الحاضر.
والشجاع هو الذي يستطيع أن يتخذ القرار.. قرار الانسحاب من على الشاشة أو من فوق خشبة المسرح.. ومن تحت الأضواء في الوقت المناسب.. وقبل أن يدخل مرحلة الوقت الضائع.. واللعب في الوقت الضائع.. بل والحياة في الوقت الضائع. معناه الخطر والمفاجآت التي لا تكون سارة دائماً.
ولا أستطيع أن أدعي هذه الشجاعة.. فأنا نفسي مازلت حائرة أمام ذلك السؤال الذي وجهته إلى نفسي لأول مرة منذ أربع سنوات.. هل حان الوقت للاعتزال؟ هل جاءت الساعة التي سأقول فيها لكل شيء وداعاً.. للشاشة والبلاتوهات والكاميرات.. وللجمهور أيضاً؟
هل أختفي بإرادتي قبل أن أضطر للتواري وسط كلمات الإشفاق والعطف؟
أسئلة صعبة.. وأجوبتها أكثر صعوبة.
منذ عدة سنوات اكتشفت فجأة أنني بدأت أكرر نفسي.. كل حفلة جديدة هي تكرار للحفلات السابقة.. وكلمات الأغاني متشابهة.. وحتى الميكروفون الذي أغني أمامه لا يتغير.. ونفس الفرقة الموسيقية لا يحدث لها أي تجديد.. بل إن أعضاءها لا يغيرون حتى ترتيب جلوسهم.. وحتى نفس الديكورات التى أقف وسطها أثناء هذه الحفلات لا تتغير هي الأخرى أبداً..
لا جديد.. لا جديد.. وأعصابي لم تعد تتحمل ذلك كله.. والصبر كما يقولون له حدود.. ونفذت قراري الذي أتخذته لا عودة.. لا عودة.. فما الجديد الذي سأضيفه؟
ومرت أربع سنوات من العذاب.. فابتعاد الفنان عن فنه هو أقصى عقوبة لنفسه.. إنه كمن يحكم على نفسه فجأة بالإعدام.
لكني ضعفت.. ثم ضعفت.. وعدت مرة أخرى إلى البلاتوهات والشاشة والأضواء.. وكدت أن أنسى قرار الاعتزال الذي اتخذته.. وعدت أبحث عن هذا الجديد الذي أحلم به..
إن أغاني هذه الأيام لم تعد تعجبني.. استمع إلى إحدى الأغنيات وأنا مشغولة بأعمالي المنزلية.. ولا أشعر بأنني مرغمة أو مشدودة للإنصات إليها.
أدخل إلى المطبخ وأعود.. أغسل الأطباق وأعود.. والأغنية لا تتغير.. نفس الكلمات ونفس الألحان المكررة.. لا أجد الأغنية التي تنتزعني من وسط مشاغلي وأعمالي المنزلية وتجبرني على الجلوس بجانب الراديو لكي أنصت وأمعن في التركيز والتفكير في كلماتها ومعانيها وألحانها المتطورة الجديدة.
إنني أشعر بالقلق الشديد على الأغنية المصرية التي تمر بمرحلة هبوط.. وهو ليس هبوطاً فقط في كلماتها ومعانيها بل هو هبوط أيضاً في الألحان.
وحين أحفظ أغنية جديدة ولا يعجبني مقطع من مقاطعها أجد نفسي استيقظ فجأة في منتصف الليل لا شعورياً ودون أن أقصد وأحاول أن أستعيد هذا المقطع الذي يقلقني ويشغلني.
ولم يكن قرار الاعتزال خاصاً فقط بالحفلات الغنائية بل حاولت أن أطبقه كذلك على أفلامي السينمائية.. وتوقفت فترة عن التمثيل بعد فيلم أضواء المدينة الذي كانت له ظروفه الخاصة التي شرحتها.. وقلت لنفسي مادمت لا أجدد القصص والأدوار الجديدة.. فقد آن الأوان لكي أقول لا للمنتجين والمخرجين.
لكن أفلام الشباب هي التي أعادتني للشاشة وجعلتني أعدل من قراري القديم.. إن حسين كمال وأشرف فهمي هما السبب.. وفقد وجدت في أفلامهما ذلك الجديد الذي أبحث عنه وعدت أسأل نفسي.. وماذا بعد ذلك؟
وجاءت الإجابة من هذه المكالمة التليفونية مع المنتج المعروف رمسيس نجيب.
أهلاً.. كيف حال صحتك الآن؟
ويرد قائلاً: أحسن قليلاً.. لا أعرف لماذا يعاندني المرض هذه الأيام.
وأحاول أن أطمئنه وأخفف عنه.
لكنه يحاول أن يغير سير الأحداث بعيداً عن المرض.. ويفضل الحديث عن العمل.. عن الفيلم الجديد الذي يستعد لإنتاجه "وادي الذكريات".. واستمع إليه طويلاً وهو يحكي لي بطريقته الجذابة فكر الفيلم.. وأنسى قراري القديم بالاعتزال مرة أخرى.. وأقول له: موافقة.
وتنتهي المحادثة التليفونية عندما قال لي: سأرسل لك السيناريو غداً صباحاً.
وأعجبني الدور.. وأصبحت في حالة مناقشة مستمرة مع رمسيس نجيب.. إنه الوحيد الذي تستمر مكالماته التليفونية ساعة كاملة وأحياناً ساعتين خصوصاً إذا كان يتحدث عن أحد أفلامه الجديدة.
وذهبنا إلى سوريا لتصوير المشاهد الخارجية هناك حسب أحداث القصة.. وعدت لأجد رمسيس نجيب راقداً في المستشفى.
وقبل أن يموت بيومين كان يحدثني عن الفيلم الجديد.. وأحاول أن أحدثه عن صحته.. لكنه يعود للحديث عن العمل.. عن الحياة.. عن السينما التي أَحبَّها إلى حد العبادة.. ومات وهو يتحدث عنها.
وتتزايد سُحب الأحزان الداكنة في سماء حياتي.. وبعد رمسيس نجيب يذهب حسن رمزي الذي ارتبطت به عن طريق المرأة المجهولة.. إن الشموع تنطفيء.. لكن العزاء الوحيد أنها أضاءت للناس طريق الحياة والحب والأمل.. وأنا شمعة من هذه الشموع.. وأرجو أن أكون قد أضأت بكل الأدوار والأغاني التي قدمتها بريق الأمل في نفوس الناس وأن أكون بالنسبة لهم ذكرى سعيدة في الليالي الحزينة.. بسمة فوق وجه كل حزين.. أنيسة لكل قلب.. بلسماً للقلوب الجريحة.
إنني أشعر بالفزع كلما تخيلت بأني لم أقدم للناس شيئاً لكن هذا الحب الذي أراه في أعينهم يعيد السكينة إلى قلبي.. إذن فقد استطعت أن أفعل شيئاً..
الآن أستطيع أن أنام مستريحة الضمير راضية النفس.. فسعادتي في سعادة الآخرين.. وسأكون تعيسة يوم أن أعرف أني لم أنجح في إسعاد الناس.
إنني من مواليد برج الدلو.. ويقولون أنه برج العطاء.. ومواليد هذا البرج يعطون بسخاء شديد دون أن ينتظروا جزاء.. يعطون ولا يأخذون شيئاً.. والعطاء هو حياتي.. بل وجودي كله.. أعطيت كل أحاسيسي ومشاعري ووفائي.. وماذا أخذت.. لا شيء.. لا شيء.. قصص زواج فاشلة.. شعور الأمومة ما يزال حبيساً في صدري.. وحدة شديدة تؤلمني كثيراً.. أعطيت الكثير ولم أخذ شيئاً.. إن حياتي هي أكبر دليل على ذلك الذي قالوه عن مواليد برج الدلو.. يعطون ولا يأخذون.. لكني غير نادمة على هذا العطاء السخي.. لأن سعادتي الوحيدة في هذا العطاء.. إن الإنسان ليس كمبيوتر يعد ويحصي كل شيء بحساب دقيق.. الإنسان قلب وأحاسيس وعلاقات إنسانية أروع مليون مرة من كل الصفات الرابحة.. الذي يبقى من الإنسان هو الذكرى. يقولون كان طيباً.. أو يقولون كان سيئاً.. ومهما كانت أمواله وثرواته فإنها لن تستطيع أن تخفي مساوئه وأخطاءه.
إنني لم أقابل أبداً مليونيراً من مواليد برج الدلو، مساكين مواليد هذا البرج.. لقد كتب عليهم أن يظلوا بعيدين عن الجاه والسلطان.. إنهم يعطون دون تفكير.. يتركون قلوبهم ومشاعرهم تحركهم وتوجههم.. قلوبهم هي التي تفكر قبل عقولهم.. أحاسيسهم هي التي تقودهم في عالم أصبح مادياً لدرجة مخيفة.
لكني أحببتك أيها الدلو.. يا رمز برجي وحياتي.. أحببتك رغم معناك الشائع المضحك.. وأنت في رأيي أعظم الأبراج يا برج العطاء السخي.. والمشاعر والأحاسيس.. أنت أنا.. وأنا أنت.. وشكراً لله أني أصبحت من مواليدك.. وحمداً لله أني لست من مواليد برج العقرب مثلاً.. ولو كنت كذلك لظللت طول عمري تعيسة.. لأني لن أكون قادرة على العطاء السخي بلا مقابل.. ولا يهم أن حياتي مضت دون أن أجني منها شيئاً..
لا استقرار الحياة الزوجية.. ولا فرحة الأمومة.. ولا حتى الثروة المادية.. لا شيء من هذا تحقق. لكني عثرت على كنز أعظم.. هو حب الناس!
اليوم ذهبت إلى الاستديو.. جلست ساعة كاملة تحت السيشوار.. أسلمت رأسي للكوافير ساعة أخرى.. كما أسلمت وجهي ساعة ثالثة للماكيير.. وبدأت أراجع دوري الجديد.. وبعد ذلك كله أفاجأ بإلغاء التصوير.
وكدت أصرخ من شدة الغضب.. وعدت إلى بيتي وفي قلبي بركان من السخط على حال السينما هذه الأيام.. وأيضاً من السخط على نفسي لأني قبلت الاستمرار في العمل السينمائي.. وبدأت أحاسب وأعاتب نفسي بشدة.. لمذا ضعفت وتراجعت عن قرار الاعتزال؟
لماذا لا أكون شجاعة وأعلن هذا القرار.. وأتوارى بعيداً عن الأضواء.. لأمضي بقية أيام حياتي في بيتي.. يجب أن أنفذ القرار هذه المرة.
يجب.. يجب.. ولابد.. ولابد..
ثم أهدأ قليلاً لأجيب بمرارة.. وماذا أعمل وحدي في البيت؟
لا زوج أحبه ويحبني.. ولا طفل أعطيه كل عطفي ووقتي.. ولا شيء سوى الصمت الثقيل والوحدة القاتلة.. والوحدة فظيعة.. والفراغ أفظع.. وشعوري بالقلق لا يزداد إلا إذا كنت بلا عمل.. إنني أحس بانقباض شديد في معظم هذه الليالي.. وفجأة أجد نفسي قد انتفضت من نومي في الثالثة أو الرابعة صباحاً.. وأسأل نفسي لماذا أن قلقة؟ لماذا كل هذه الانقباض؟ هل السبب هو عدم وجود الزوج الوفي الذي يعيش لي وأعيش له حتى آخر دقيقة من عمري؟
أم هو عدم وجود الطفل الذي أجد فيه صورة المستقبل الذي أصبح بالنسبة لي مقبضاً مزعجاً؟
أم أن السبب هو البقاء بلا عمل وإلحاح فكرة الاعتزال على عقلي؟
ألا يكفيني هذا العذاب الذي التهم سنوات عمري؟
لكنه عذاب حلو المذاق.. عذاب أجني منه في النهاية ثمرة لذيذة الطعم هي بالنسبة لي أكسير الحياة ومعناها الوحيد.
وأعاتب نفسي وأحاول أن أكون حازمة معها.. لماذا أضعف في كل مرة أفكر فيها في الاعتزال؟ هل أنا ضعيفة إلى هذا الحد؟
إن الإنسان قرار.. والشجاع هو الذي يقدر على اتخاذ هذا القرار.. لماذا لا أقاوم ضعفي.. لماذا استسلم له هكذا.
يجب أن أعتزل الآن وليس غداً.
فليودِّعوني قوية ناجحة لامعة.. بدلاً من أن يودِّعوني بعد سنوات بعبارات العطف والإشفاق.. فلتكن صورتي الأخيرة على الشاشة ناصعة.. فلا أحب أن أرحل باهتة في أذهان الناس.
الآن قبل الغد.. كوني شجاعة يا شادية واتخذي القرار.. ويدق التليفون.. إنه أحد المخرجين الشبان الذين لمعوا في الأعوام الأخيرة.. يطلبني ويرشحني لدور جديد.. وأتذكر أفلامه الناجحة السابقة.. وأستمع إليه باهتمام وهو يحدثني عن الدور الجديد.. وأجد نفسي أقول له.. موافقة.. أرجوك أرسل لي السيناريو لكي أقرأه..
ألم أقل لكم أنه العذاب الممتع.. العذاب حلو المذاق الذي لا يعرفه إلا الفنانون.

يارب..
الليلة ليلة القدر،
وليلة القدر ليست بالنسبة لي فقط ذكرى دينية عزيزة.. بل هي أيضاً ليلة مولدي.. في مثل هذه الليلة خرجت إلى الحياة لأبدأ هذه الرحلة الطويلة الشاقة.. لأذوق مرارة الفشل في حياتي الخاصة.. وحلاوة النجاح في عملي الفني.. رحلة الحب والعذاب.. وأيام القلق، وليالي الوحدة، والأمل الذي لا يموت أبداً.
لكني راضية عنها رغم كل شيء.. فهذه إرادة الله.. إنه يمتحن الإنسان عندما يضعه في مثل هذه المواقف.. إن الحياة تشبه نهراً هائجاً ثائراً.. بعضنا يستسلم لأمواجه فيغوص إلى القاع.. وآخرون يصارعون الأمواج ويحاولون الوصول إلى بر الأمان.
والسباحة في بحر الحياة أصعب مليون مرة من السباحة في البحور العادية التي نعرفها.
لم أكن سباحة ماهرة عندما وجدت نفسي فجأة وسط هذه الأمواج العنيفة.. لكني تعلمت السباحة في بحر الحياة.. مرارة الفشل علمتني.. وحب الحياة هو الذي جعلني أحاول التمسك بها والصعود إلى بر الأمان رغم كل الأخطار والمتاعب.
وأحياناً ألوم نفسي وأقول لو أني كنت وافقت على الزواج في سن مبكرة وابتعدت عن الفن.. لكنت الآن زوجة لا تشعر بالوحدة.. لأن أطفالها من حولها يرعونها ويسعدونها.
لكن هكذا شاءت الأقدار.. والإنسان لا يحقق أحلامه كلها دفعة واحدة.
لقد حققت حلم النجاح في الفن.. ولم أحقق حلم النجاح في البيت.. وأتذكر الجملة التي قالتها لي سيدة الغناء العربي أم كلثوم عندما أخذني أبي إليها وأنا مازلت صغيرة: إن الفارق بين الفنان الناجح والفنان الفاشل أن الأول يحب عمله.. وأنا أحببت عملي حباً شديداً.. إن هناك إناساً يولدون ويموتون دون أن يشعر بهم أحد ودون أن يفعلوا شيئاً.. ودون أن يتركوا أي أثر.. وحتى دون أن يعيشوا حياتهم.
ولكن والحمد لله عشت حياتي.. ومازلت أحبها رغم فترات القلق الذي يزعجني أحياناً..
قد يقول البعض أن هذا الفراغ سببه أني لا أعيش الآن تجربة حب.. والحب أحلى ما في الحياة.. لكن مفهوم الحب الآن أصبح مختلفاً عن مفهومي القديم له.. الحب بالنسبة لي هو الصداقة والحنان والتفاهم والإخلاص. إن الأمس بالنسبة لي هو الأمل..
والغد هو تحقيق الأمل.. أما القمة فلم أصل إليها.. ولكني أعتقد أنها مزعجة.. والأحلى من القمة هو محاولة الوصول إليها.. والوصول إليها هو العذاب نفسه.
الليلة ليلة القدر..
وأمي العزيزة سعيدة.. تروح وتجيء داخل الشقة بنشاط غريب على عمرها.. إنها ليلة مولدي..
وهي دائماً تنتظر هذه الليلة.. لاحتفل بمرور عام آخر من حياتي.
ولأقف مع الألوف أدعو معهم في هذه الليلة التي تستجاب فيها الدعوت.
يا رب.. احمني من الشعور بالوحدة.
فلا زوج.. ولا ابن.. ولا ابنة.. وهذه إرادتك.. ولا اعتراض لي عليها.. إن قلب الأم التي حرمت من مشاعر الأمومة هو الذي يناجيك.. وروح الزوجة التي حرمت من السعادة هي التي تبتهل إليك.
يا رب إني لم أحاول الإساءة لأحد لكنهم هم الذين أساءوا لي..
يا رب حاولت أن أفهمهم لكنهم لم يفهموني.
يا رب أعطيتهم كل مشاعري المخلصة بلا حساب فلم أخذ منهم غير التجاهل والنكران.
لكني لا أحمل لهم في قلبي حقداً ولا أضمر لهم شراً..
يا رب هذه حياتي أمامك.. بكل حلوها ومُرها..
فسامحني إذا كنت أخطأت.. وساعدني إذا كنت ضللت الطريق.
وحقق لي في أيامي القادمة السعادة التي عشت أبحث عنها.. يا رب.. يا رب.
**النهاية**

#شادية #مذكرات_شادية

مذكرات شادية  Wo Geschichten leben. Entdecke jetzt