الفصل الثاني والثلاثون

3.9K 113 8
                                    

ضغطت شفتيها ببعضهما ببطء وهي تعدل وضع احمر شفاهها اللامع بلونه الخوخ الشهي ، لتعيد من وضع أحمر خدودها سريعًا لتنظر لنفسها نظرة أخيرة تقييمية لزينتها التي اكتملت
تنفست ببطء وهي تحاول أن تهدئ من دقات قلبها الصاخبة التي لازالت تنتفض بعنف منذ مواجهتها الصباحية فهي للأسف حضرت أحدى نوبات غضب حماتها العاصفة
حماتها التي اقتحمت غرفة مديحة بطريقة عاصفة وهي تتوعد بالشر لابنة أخيها وتهددها بأن ما فعلته عواقبه ستكون وخيمة عليها
وعلى الرغم من عبارات التهدئة التي غمرتها بها والدة ديدي إلا أن فوزية هانم لم تستمع إليها بل لم تهتم لأمرها .. تجاهلتها كليا وهي ترمق ديدي بنظرات غاضبة وتتوعدها بعينيها
إلى أن وقعت عيناها عليها فهي لم تراها بأول الأمر من كثرة انفعالها وانشغالها بالتوعد لمديحة وعندما رأتها اتسعت عيناها بذهول تحول لاستنكار ثم تحتقن بغضب ممزوج بالشر أسرى في جسدها قشعريرة لدرجة أنها انتفضت مرة أخرى وهي تتذكر تلك النظرة التي شملتها بها!
وقبل ان تتوجه إليها بالحديث كانت ديدي واقفة بالمنتصف وتقول لها بتحدي وصلابة : تكلمي معي عمتي ولا شأن لك بها.
نظرت إليها فوزية هانم بغضب وقالت لها : إذًا أنت من أتى بها إلى هنا.
ابتسمت مديحة بسخرية : نعم أنا من فعلتها
ثم رفعت رأسها بغرور وأتبعت :نعم أنا من أقنعها بالمجيء .. وأنا من قدمها إلى جدي وقاربت بينهم أنا من رحبت بها في مجتمع عائلتنا المصون وأنا من أخبرت جدي أيضًا بمخططاتك كاملة
نظرت إليها بانتصار وقالت : ما رأيك عمتي ؟ هل نجحت وأفشلت خططك للسيطرة على سيادة المستشار ، أم أخفقت ؟!
اربد وجه السيدة فوزية بغضب عارم جعل هنادي ترتعد خوفًا لتتسع ابتسامة مديحة وهي تقول بثقة والفخر يشع منها : من الواضح أني نجحت نجاحا مبهرًا يا عمتي العزيزة.
زمجرت حماتها بصوت أرعبها لدرجة أنها حبست أنفاسها وهي تسمعها تصرخ بحقد : أيتها الحقيرة
رفعت يدها سريعًا لتنزل بها بقوة على خد مديحة في صفة توقعت هنادي أنها ستدوي بأنحاء الغرفة لتفاجئ بالصمت المطبق وهي ترى مديحة تمسك بيد عمتها وهي تقول بفحيح غاضب : إياك ، لست أنا من تفعلي بها ذلك عمتي فأنا ابنة أخيك المفضلة شبيهتك الجميلة ، أنسيت كلماتك لي أم ماذا عمتي ؟
نظرت إلى عمق عيني عمتها وهي تحنى رأسها قليلاً وتهمس : ألم تتوقعي ولا مرة عمتي أن ابنة أخيك المفضلة التي تتغني أنت بها وأنها تشبهك لدرجة كبيرة أنها تشبهك أيضًا في شخصيتك وطريقة تفكيرك ألم تتوقعي ولا مرة عمتي أني لست بتلك الساذجة التي أوهمت نفسك بوجودها.
رفعت رأسها بكبرياء وهي تقول بهدوء : لست أنا من تفعلي بها ذلك يا عمتي.
نفضت السيدة فوزية كفها من قبضة مديحة بقوة وقالت : ولست أنا من تنتقمي منها يا ابنة أخي الشبيهة بي ، ولا تتوقعي أن تفلتي بفعلتك مديحة فلم يأتي بعد ما يأخذ مني ما أريد الاحتفاظ به
نقلت عيناها إلى هنادي وهي ترمقها بنظرة مليئة بالشر : الكلام لك أنتِ أيضًا لا تحلمين بأنك انتصرت علي وأنك ستستحوذين على هشام
، هذا من رابع المستحيلات فولدي سيظل ملكي وأنتما الاثنتين لكما معي حساب عسير.
ابتسمت بابتسامة حملت كل مشاعرها السيئة باتجاه مديحة ، وقالت بسخرية : مبارك الزواج يا ابنة أخي يتمم لك الله على خير.
تحركت خطوتين مبتعدة لاتجاه باب الغرفة لتتوقف بهدوء وتقول : للأسف لن أستطيع حضور عقد قرانك فأنا عائدة للقاهرة اليوم في قطار المساء ولكن أبلغي والدك تحياتي ومباركتي لزواجك
لتنصرف بخطوات هادئة واثقة كعادتها وهي تبتسم بسخرية وسط ذهول مديحة التي اتسعت عيناها بصدمة ممزوجة باستنكار وتردد بخفوت : عقد قراني !
زفرت هنادي بقوة وهي تتذكر حالة الذهول التي انتابت مديحة بعد ذلك وخاصة أن والدتها أكدت تلك المعلومة التي رمتهم بها حماتها المصون قبل انصرافها وأن والدها وافق فأوامر جدها لا تقبل المناقشة !
ذلك التأكيد جعل مديحة تقضي بقية يومها في حالة من الصمت والتشتت وكأنها ليست واعية لما يدور حولها
شعرت بقلبها يتمزق على تلك الفتاة التي تواجه قدرها رغم كل شيء ولا تجرؤ على الاعتراض ، عدلت من هندام فستانها لتنتبه على صفارته التي صدحت من خلفها وهو يقول : رائع .
رفعت عيناها إليه بنظرة احتار هو في تفسيرها لتقول بطريقة مقتضبة : ما هو الرائع ؟!
عقد حاجبيه لتلك النبرة الباردة التي حدثته بها ليبتسم مرة أخرى وهو يقترب منها بحذر ويقول : ذلك الفستان المحتشم الذي ترتدينه رغم أنه مغلق إلا أن جماله مميز .
قالت بتهكم : جمال الأشياء ليس بعريها .
لمعت عيناه بشقاوة وهو يقترب ليحتضن كتفيها بكفيه ويقول : نعم أعلم
ليتبع بنبرة مميزة هامسا : ولكن رغم كل شيء أفضل ثيابك العارية.
عقد حاجبيه وهي تنظر إليه باستنكار وقالت باستفهام : أكنت تريدني أرتدي ثوبا عاريًا.
تحرك مبتعدًا ليخرج ملابسه من الدولاب وابتسامته تتسع : لا طبعًا ، لم أكن لأسمح لك بالخروج به من الأساس.
لفت اليه وهي تنظر إليه بعدم فهم ليتوقف قبل أن يدخل لدروة المياه ، ويقول : ولكن كنت سأمكث معك هنا حتى لا اهدر ارتدائك له.
جزت على أسنانها قويًا وهي تتمتم : سخيف.
تراجع عن الدخول ليتحرك خطوتين باتجاهها ويقول : عفوًا لم أستمع إليك.
تنحنحت وقالت وهي ترمش بعينيها : لم أقُل شيئًا.
رفع حاجبيه بمشاكسة وقال : حقا ؟!
هز كتفيه بلا مبالاة وهو يعود باتجاه دورة المياه وقال : اعتقدت أني سمعتك تتمتين ولكن لا يهم أنا أصدقك. 
توقف قبل أن يدلف فعليًا بعيدًا عن عينيها وقال : لا تذهبي بمفردك سنذهب سويًا.
همت بالاعتراض الذي شعره قبل أن يراه فأكد بصرامة : انتظريني. 

***

زفرت بضيق وهي تنظر من نافذتها بملل ، تجلس ملتصقة بباب السيارة وهي تنأى بنفسها عن قربه ، تشعر بالقهر وهي جالسة بجانبه فوالدتها أرغمتها على ذلك بل زجرتها من أجله وهي تنظر إليها بغضب فعلي عندما تجادلت معها وقالت لها من بين أسنانها بصرامة : اجلسي بجانب خطيبك وكفي عن افتعال المشاجرات بينكما.
وها هي تحترق من الغضب وهي تجلس بجانبه وهو يقود بهدوء كعادته ، لن تنكر أنها اندهشت عندما استجاب لطلبها وأخبرهم وهم مجتمعون على طاولة الغداء وهو ينظر إليها " أن عليهم العودة فهو لديه أمور هامه بالقاهرة"
زمجرت إيني معترضة في حين تنفست سوزان بارتياح تعجبت إليه هي في حين أومأت والدتها بالموافقة
أتبع هو بنبرة هادئة : لقد وعدت بلال بذلك.
شعرت بالصدمة تكتنفها فهي لم تكن تتخيل أنه سيستمع إليها ليفاجئها الآن بوعده لبلال نظرت له باستفهام فأجابها بعينيه أنه يعتذر كما طلبت، رفعت رأسها وعيناها تموج بانتصار ممزوج بكبرياء فابتسم بمكر أثار رعبها ،
ومسح البسمة من على شفاهها وهي تفكر فيما يخطط إليه !
تأففت إيني بصوت مسموع فانتبهت لها وهي تقول : أمير تصرف لا أتحمل الصمت المريب الذي تضج به سيارتك.
ضحك بخفة وقال : ماذا علي أن أفعل ؟ لست من هواة الأغاني ولا أحمل أسطوانات بسيارتي.
وموجة الراديو التي تفضلينها أنت مشوشة.
قالت بطفولية : لا أعلم لنتوقف ونبتاع بعض الأسطوانات.
ضحك بمرح وقال : نبتاعها من أين إيني ، لقد فوتنا الاستراحة خلفنا مع الأسف.
زفرت بحنق لتقول وهي تقفز بنصفها العلوي بين المنتصف بين الكرسين : لنبحث عن أي موجة للراديو تكسر ذاك الملل.
صاحت هي باستنكار : إيني.
لفت لها برأسها وهي تعبث بأزرار الراديو الموضوع بلوحة السيارة الأمامية : ماذا ليلى ؟
نظرت لها بغضب وقالت من بين أسنانها هامسة: اجلسي باعتدال ،
لتتبع بصوت طبيعي :اصبري الوقت المتبقي فلقد قاربنا على الوصول.
هزت رأسها بلا مبالاة وهمست هي الأخرى: سأبحث عن موجة الراديو وأعود للخلف.
نظرت لها باستهجان وقالت بهمس خافت : ما تفعلينه غير لائقًا بالمرة ، عودي للخلف وأنا سأبحث لك عما تريدينه.
تأففت إيني بشكل طفولي وهي تستلقي إلى الوراء مرة أخرى ، مدت هي يدها في نفس اللحظة الذي مد كفه هو ليعبث بأزرار الراديو وهو يقول : لا تغضبي صغيرتي.
التفت إليها وهو يتمسك بسبابتها التي حاولت أن تبعدها عنه سريعًا وينظر إليها برقت عيناها بتحذير لمعت له عيناه بضحكة ساخرة ليترك سباباتها وهو ينظر إلى الأمام مرة أخرى ويباشر عبثة بأزرار الراديو إلى أن سطح صوت موسيقى فهتفت إيني : اتركها امير ، إنها إذاعة جيدة ليست مفضلتي ولكنها جيدة.
عاد يقبض على المقود بكلتا راحيته وهو يزفر بهدوء ، يشعر بالضيق من تعنتها معه ، تمتم داخليًا " حمقاء "
ابتسم بخفة وقلبه يردد " أجمل حمقاء في العالم"
انتبه على صوت السيدة ماجدة وهي تقول : كم أمامنا من الوقت أمير ؟
قال بهدوء وهو ينظر اليها من خلال المرآه الأمامية : نصف ساعة على الأكثر أمي.
هزت رأسها بتفهم وقالت : تصل بالسلامة بني.
قال بود : الله يسلمك أمي.
تأففت بضيق فمال بجسده ناحيتها قليلاً وقال : كفي عن التأفف.
همست من بين أسنانها : أنا حرة أم ستجبرني أيضًا على الابتسام.
ابتسم بسخرية وقال في خفوت : استظلي غاضبة ؟!
هزت رأسها بالإيجاب وعينيها تشع إصرارًا فقال بجدية : أشعر أنكِ كنت تبحثي عن سبب لأن تغضبي ليلى ،
التفتت له بحدة وهي تنظر إليه بعيني متسعة باستنكار فقال بلهجة باردة غامضة : لا تنظري إلى بتلك الطريقة فسبب مشاجرتنا من الأساس أنت غاضبة منه ، ولا تردين على اتصالاته.
رمشت بعينيها غير مستوعبة لمعرفته فقالت بحدة : كيف علمت ؟
همس بتحذير : اخفضي صوتك ولا تنسي أننا لسنا بمفردنا.
قالت من بين أسنانها بصوت خفيض : لا أصدق أنك تفتش بهاتفي ؟
عقد حاجبيه ومط شفتيه باستياء ليسأل مستفهما :لم افترضت أني فتشت بهاتفك ؟!
قالت بغل : فعلتها من قبل.
عقد حاجبيه وقال بنبرة خفيضة غاضبة : متى؟!
قالت بحدة : عندما حفظت رقمك بهاتفي.
هز رأسه بطريقة جامدة وقال بلهجة حازمة : حسنًا سنتفاهم لاحقًا اهدئي الآن وكفي عن التذمر الذي لا داعي له !
زفرت بضيق لتعود وتضع وجهها بالنافذة وتنكمش على نفسها ثانية.

***

زفرت بتوتر وهي تحاول أن تسيطر على ساقها التي تهتز تلقائيًا من نفسها لتهمس لها الأخرى : اهدئي قليلاً.
همست بصوت مخنوق : أشعر أني سأختنق هنادي.
لمع الأسى بمقلتيها لتقول بخفوت : فات الأوان ديدي كان لديك حق الاعتراض ولكن الآن.
لوت شفيها بخيبة أمل فقالت الأخرى بحزن مؤلم : كنت أظن أنها مجرد خطبة وفوجئت اليوم بأن قرار جدي بعقد القران ، فلا داعي لتأجيله.
أتبعت بحشرجة : كنت أفكر اني سأفلت منه بعد ذاك فأكون نجحت في المحافظة على ما تبقى لي من علاقتي مع جدي ولم أتزوج من شخص لا أريده ، ولكن الآن لن أستطيع   النجاة من هذا المأزق الذي احكمه حولي جدي.
نظرت لها هنادي بعدم استيعاب وقالت بهمس خافت وهي تدرك أمرًا كان غائبًا عنها : إذًا كنت تماطلي فقط.
هزت الأخرى رأسها بالإيجاب لتمط هنادي شفتيها وتقول بلا مبالاة : وما المشكلة ؟
نظرت لها الأخرى باستفهام لتهمس هنادي : اخلعيه.
ضحكت مديحة بقوة وكانت تلك المرة الأولى التي تضحك بها منذ يومين أو على الأقل تبتسم ، وعلى الرغم من قوة ضحكتها إلا أن هنادي شعرت بها تسطع بخواء لم تعجز الأخرى عن السيطرة عليه !
نظرت هنادي حولها باضطراب وهي تراقب جمع النساء من حولهن واللائي التفت بعضهن لينظروا إلي العروس التي انفلتت ضحكتها ، لتهمس هنادي بتأنيب : توقفي عن الضحك
أتبعت بعتب : ثم علام تضحكِ ؟
ابتسمت الاخرى بسخرية وقالت : لأنك تشعريني أنك من بلد أخرى نودا
تنهدت بقوة وقالت : لن أستطيع أن أفعل ذلك ، فهو أحد أبناء عمومتي وإذا فكرت أن أقدم على شيء مثل هذا ، أبي أول من سيقف أمامي بل ويجبرني أيضًا على الزواج منه.
عقدت هنادي حاجبيها والغضب يشع من مقلتيها وقالت بعصبية : ذاك إجحاف في حقك.
ابتسمت مديحة وقالت بهدوء : أنا من تنازلت عن حقي عندما وافقت عليه ، كان من المفترض أن أرفض ولكني أملت أن أستطيع جعله يهرب.
ضحكت هنادي وهي تهز رأسها باستياء لتسالها باهتمام : هل علمت من هو من ابناء عمومتك ؟
هزت رأسها نافية وقالت : لم أسأل ولم يذكر أحدهم اسمه أمامي.
خفضت كتفيها بتعاسة : لن يفرق ذاك من تلك هنادي ، كلهم سواء بالنسبة لي.
همت بالرد لتعقد حاجبيها وهي ترى زوجها يدلف من باب الصالة الواسعة التي يجلسن بها ، يبتسم باتساع وهو يصافح
عدد من النسوة كبار السن يقبل رأس بعضهن ويحتضن البعض الآخر بمودة خالصة ، تهامست الفتيات عنه بطريقة أثارت انتباهها لتتنفس بعمق وهي ترى شقيق مديحة الأكبر وهو يتبعه ، والذي تعرفت عليه في وقت سابق حين وصولها للبلدة فهو من انتظرهم عند محطة القطار ليأتي بهما هنا.
اقتربا وشقيق ديدي يحمل دفتر كبير ، حيا هنادي برأسه ليبتسم في وجه مديحة بود هم بالتحدث فقاطعه هشام بمرح وهو يضع الدفتر أمامها : هيا يا عروس ضعي توقيعك وبصمتك لنتمم عقد القران.
ابتسم أخاها وقال : اتركني أبارك لها أولاً.
ضحك هشام بقوة وقال : أنت تعلم أنه أكد علينا الإسراع .
لوى الآخر شفتيه بملل : نعم إنه متعجل دائمًا وأبدًا ، كان الله بعونك يا شقيقتي الغالية .
لكزه هشام بكوعه في يده ونظر له بعتب فأتبع الآخر سريعًا : أنا أمزح بالطبع سيقدرك ويصونك ديدي وأنا سأمن عليك معه .
أتبع هشام بمرح : وإذا ضايقك أخبرينا ونعدك سنعلقه في الشجرة من أجلك .
ضحك الآخر قويا ليقول : هيا مديحة وقعي حبيبتي.
رفعت عيناها إليه وهي تشعر بكفيها يرتجفان والتوتر يمتلكها لدرجة أن جسدها انتفض ، نظر لها شقيقها بتفحص وهو يقول : مديحة ما بك ؟
بللت شفتيها بتوتر ونقلت نظرها لهنادي مستنجدة فزمت هنادي شفتيها بغضب وهمت بالحديث لينظر إليها هشام قويًا ويقول بهدوء وهو يحذرها بعينيه : ما بها يا رجل إنها متوترة كأغلب العرائس ، أنسيت زوجتك أنا من ذهب إليها بالدفتر واقنعتها للقبول بك .
ظهر الانزعاج على وجه الآخر قويًا وقال بنزق : توقف عن استفزازي .
ضحك هشام بأريحية وقال : تنكر أني من اقنعتها .
نطق الآخر من بين أسنانه : لا أستطيع .
ربت هشام على كتفه وقال : كانت مقتنعة من الأصل يا أخي ولكن احتاجت من يذكرها بخصالك الحسنة فأنت ونعم الأخ والزوج.
ابتسم وهو يضغط على كتف هشام بود ، ثم نقل نظره إلى شقيقته مرة أخرى فشعر بانزعاج حقيقي وهو يرى اصفرار وجهها ليبتسم وهو يحاول أن يهدئ من روعها : لا داعي لتوترك هذا مديحة ستكون جميع الأمور بخير.
دفعه هشام بهدوء ليقف أمامها هو وهو يقول بنزق : ابتعد يا رجل أنت تخيفها وتزيد من توترها.
نظر لها بصلابه وابتسم وهو يقول : وقعي مديحة فالعريس ينتظر.
زاغت عنيا مديحة ليجبرها هو على النظر إليه وهو يخبرها أن لا أمل مما ترجوه منه أخفضت مديحة عيناها وهي تشعر بأن قلبها تنزوي خفقاته أكثر وتتباطأ !
رفع نظره ليجد تلك المقلتين الرماديتين تحملقان فيه بغضب وجمود فابتسم بسخرية وأعاد نظره لابنة عمته وأتبع محثًا اياها بهدوء : هيا يا ابنة عمتي العزيزة .
ازدردت لعابها بقوة وهي تشعر بأن حلقها خشن من كثرة جفافه ، كتمت أنفاسها وهي تمسك القلم بكف مرتجف وتزيل الدفتر بتوقيعها أخيرًا ، أكمل بهدوء : وضعي بصمتك هنا .
توالت عليها ورقتين آخرتين لتزيلهما بتوقيعها وبصمتها ليبتسم هو باتساع ويقول : مبروك مديحة ، ربنا يتمم لك بالخير.
تحرك من أمامها وهو يحمل الدفتر ليقترب منها أخاها فنهضت لتواجهه بآلية ، قبل رأسها وضمها إلى صدره بحنو وهو يهمس لها : لا داعي للتوتر والخوف حبيبتي محمود يحبك كثيرًا وسيضعك بعينيه.
هزت رأسها بهدوء وهي تخفي عدم استماعها إليه ، هزت رأسها له حتى لا تزيد من قلقه الذي مسته جليًا ولكنها تشعر بأنها في مكان أخر ، فهي منذ أن وضعت توقيعها على تلك الورقة وهي تشعر بروحها انسحبت منها وذهبت لأحد أخر في مكان أخر ، كانت أوشكت أن تخبر ممدوح بأنها لا تريد الزواج كان سيغضب عليها ولكنه كان سينفذ لها طلبها ويؤجل عقد القران ولكن نظرة هشام لها وتدخله في الحديث جعلتها تتيقن أن لا فائدة من الانتظار وأنها إن عاجلاً أو آجلاً ستتزوج من أحدهم فلم لا تتزوج ممن تريده عائلتها ، خاصة أن جميعهم متحمسين له.
زفرت بقوة أكبر لتشعر بهواء صدرها يحشر في حنجرتها وهي تسمع صوت الزغاريد والاعيرة النارية التي انطلقت في الهواء والدالة على أن عقد القران تم ، شعرت بأنها ستنهار وتقع أرضًا بل  إنها أحست فعليًا بأن الأرض تميد من تحت قدميها ولكن هنادي اسندتها بقوة وقالت بصلابة : ليس الآن مديحة ، فأنت لا تريدين أن تتسببي بفضيحة لعائلتك
أتبعت بأسى ممزوج بالحزن : أكملي دورك للنهاية يا صديقتي ، ولتنهاري لاحقًا.
ابتسمت لها لتضمها الأخرى قويًا إلى صدرها فابتسمت مديحا من بين الدموع التي احتقنت بمقلتيها نظرت إليها فاستمدت من تلك الرمادتين قوة سطعت بهما والأخرى تهمس : مبروك ديدي.
توالت عليها المباركات والتهاني ممن تواجدن من حولها لتعلن والدتها بصوت عالٍ  أن العريس قادم.
شعرت بقلبها يرتجف الما كطائر ذبح للتو ، لا تريده لا تريد رؤيته لا تريد أن تتعرف عليه ، فهي لن تستطع أن تتجاذب معه أطراف الحديث ، لا تستطيع أن تنظر إليه ، لا تستطيع أن ترى شخصًا آخرًا يسمى بزوجها غير من حلمت به طوال عمرها.
لم تسأل عنه اليومين الماضيين لأنها لا تريد أن تتصل به بأي شكل ، بل أشاحت بعينيها الآن وهي توقع الأوراق حتى لا ترى اسمه أو تتعرف عليه ، لا تريده كل خلايا عقلها وقلبها ترفضه.
دوت أصوات الزغاريد قوية من حولها ، لتغمض عينيها بقوة وهي ترفض بقوة أن تراه ، تشعر بثقل قوي يوضع فوق قلبها يمزق روحها
شعرت بأحدهم يقترب منها فارتجف جسدها رفضًا وعادت خطوة للوراء لتنتبه على صوت جدها الذي قبل رأسها وهو يقول بهدوء : مبارك بنيتي .
فتحت عيناها ونظرت إليه ، فربت على رأسها بحنو وضمها إلى صدره مرة أخرى وهو يقول : كم أنا سعيد اليوم ، إنها أخر أمنية لي أن ازوجك مديحة.
انحنت تقبل يده وهي تهمس : بارك الله لنا بعمرك جدي وتعيش لتزوج أبنائنا.
ضمها من كتفيها إليه وهو يتحرك ليفسح المجال لمن يقف ورائه ،
ويقول : تقدم يا دكتور لتبارك لعروسك.
شعرت بنفورها يتجدد ولكنها لم تستطع أن تغلق عيناها ، بل شعرت بمقلتيها متعلقتين بذاك الظل الطويل الذي ظهر تدريجيًا من خلف جدها ، نظرت بتفحص لعرض كتفيه الذي أظهرتهما سترته الزرقاء بلونها الغامق و الذي ماثل عرض كتفين جدها ، صدره القوي النافر من تحت قميصه الأبيض الذي أظهر اسمرار بشرته رغم وجوده ، عروق رقبته النافرة وكأنه توقف عن التنفس ، ذقنه بذلك الشق الذي يشطرها لنصفين ،عقدت حاجبيها وهي ترفع نظرها إليه لتتسع عيناها بصدمة وهي تنظر إلي وجهه كاملاً ، وتتمتم بخفوت : أنت.
توقف عن الابتسام ورفع حاجبيه بدهشة ليهمس لها بمرح وهو يتناول يدها من يد جده : أخبروك بأحد أخر غيري ؟!
زمت شفتيها بحنق لتنتزع كفها من يده وقالت بغل طفولي : حقيقة لم يخبروني أنه أنت وإلا لم أكن وافقت على تلك الزيجة.
اتسعت عيناه بدهشة ليكتم ضحكته قويًا ويقول : حقًا مديحة توقفي عن اغاظتي فنحن أصبحنا كبارًا بما فيه الكفاية.
أتبع بسعادة صادقة ظهرت جليًا على ملامحه وشعت بمقلتيه : لكم أنا سعيد اليوم أننا ارتبطنا سويًا في أخر المطاف.
اتسعت عيناها بدهشة وهي ترى السعادة تتراقص بداخل مقلتيه لتشعر بتوتر يجتاحها وهو يتبع : مبروك حبيبتي.
***
دلف إلى الغرفة بخطوات هادئة بطيئة إلى حدٍ ما ، يبحث عنها بعينيه في ضوء الغرفة المعتم تقريبًا إلا من ضوء خافت للمصباح المجاور للفراش
أعلنت منذ وقت ليس ببعيد أنها ستصعد لتبدل ملابسها ، تركها دون أن يبدي اهتمام وهو يعلم أنها تتهرب منه ، فأعطى لها بعضًا من المساحة لتتنفس بها بعيدًا عنه ، لازال الخجل يحضر بينهم قويًا ، ويسانده عدم اعتيادها عليه فيقفز توترها لمعدلاته القصوى ، فتتسلل هي من بينه يديه برقة كالزئبق فلا يستطيع إحكام انامله عليها .
اتسعت ابتسامته وهو يراها مستلقية بالفراش تتمسك بالغطاء الواصل إلى طرف ذقنها قويًا ، كم يسعد ببراءتها الواضحة جليًا في تصرفاتها ،
ها هي تريد أن تقنعه أنها نائمة ، رغم أنها أبعد ما تكون عن النوم فيدها تقبض على الغطاء بقوة وجسدها مشدود كوتر القيثارة المستعدة للعزف.
ابتسم وعيناه تلمع بمكر ليتحرك بخفة باتجاه المصباح الأخر ويوقده ببساطة وهو يجلس على طرف الفراش البعيد عنها ، كتم ضحكته وهو يحس بها انكمشت على نفسها وزحفت ببطء إلى حد الفراش
خلع حذائه ونهض واقفًا مرة أخرى وأتجه إلى دورة المياه وأغلق بابها من خلفه. .ط
تنفست بقوة بعد أن سمعت صوت إغلاق الباب وهي تحاول أن تسيطر على توترها الذي سيطر عليها قويًا وخاصة بعد ما فعله بها في الأسفل منذ قليل ، لم تفهم كيف يستطيع ببراعة أن يسيطر على حواسها كلها بتلك الطريقة البسيطة السلسة ، إنه ينسيها عالمها .. مكانها .. وجودها بل ونفسها أيضًا . فتستجيب له دون قيد أو شرط تمنحه حبها بعاطفة غير مشروطة متدفقة كبحر هائج ارتفعت أمواجه فأغرقتهما سويًا
ارتعبت من قوة مشاعرها اتجاهه وأنه قادر على أن ينسيها خجلها في لحظة لتكون طوع بنانه في اللحظة التي تتبعها
فهربت إلى الأعلى وهي تسيق إليه عذر أنها تريد أن تبدل ملابسها فتبدلها بالفعل وتندس في الغطاء لتوهمه أنها نائمة
ابتهلت إلى ربها بالدعاء وهي تشعر بقربه ، برائحته التي تسللت إليها فسيطرت على رئتيها ليعلنا خضوعهما إليه !
شعرت بثقلة على الفراش ورائها فتمسكت دون وعي منها بالغطاء وهي تحاول أن تسيطر على انتفاضة الشوق التي اجتاحتها بسبب قربه
انكمشت دون وعي وهي تشعر بلهيب حارق يشتعل بعمودها الفقري وهي تشعر بحرارة جسده البعيد فعليا عنها القريب منها في الوقت ذاته !
انتبهت من أفكارها على صوت الباب يفتح لتعض شفتيها وهي تسيطر على أصابعها التي تشابكت معا لتبدأ في حركتها اللاإرادية لتفرقعهما.
أرغمت كفيها على الابتعاد عن بعضهما وهي تنظر إليه من بين رموشها مستغلة الضوء الخافت في أنه لن يراها ، وبعد المسافة بينهما.
اقترب بخطوات متمهلة كسولة من دولاب الملابس الواقع باتجاه نومها
ابتسم بمكر وهو يوليها ظهره ويفتح الدولاب بتلقائية ليوهمها أنه ينتقى ملابسه
كتمت تنفسها عندما وقف أمام نظرها مباشرًة ، لتشعر بأنه يحتل كيانها بأكمله ، تعلقت عيناها به رغمًا عنها ، بل تعلقت حدقتيها بتلك القطرات التي انزلقت على ظهره العاري تتخذ طريقها بحرية تامة دون وجود أي عائق لها ، فترتطم أخيرًا على حافة المنشفة العريضة التي يلفها أسفل خصره ، توقفت عن تأمل تلك القطرات التي هطلت متتابعة نتيجة لشعره المبلول وهي تنظر إلى تلك الحسنة السوداء التي تقع في أسفل ظهره لتشهق بخفوت ودون وعي منها وشعرت بأن وجهها سينفجر من الخجل وهي ترى المنشفة تنزلق لتسقط أرضًا
شدت الغطاء سريعًا لتغطي وجهها وهي تدعو أن لا يكون شعر بها.
كتم ضحكته بصعوبة وهو يسمع شهقتها على الرغم من خفوتها فيستدير بكامل جسده وهو يترك المنشفة تسقط أرضًا فيظهر من خلفها ذلك الشورت القصير جدًا وعلى الرغم من ارتدائه له إلا أنه لم يفلتها إطلاقًا إلا بعد أن استمع إلى شهقتها ، ولكنه عبث بها فقط متعمدًا اغاظتها ، قال بابتسامة ماكرة وهو يقترب ليجلس على ركبتيه أمام الفراش : أنت مستيقظة إذًا .
أتبع جملته بأنه سحب الغطاء من على وجهها سريعًا فشهقت بعنف وهي تغمض عيناها بحياء تجلى بوجهها.
ابتسم باتساع وهو يقول بتسلية : افتحي عينيك يا زوجتي العزيزة.
قالت بصوت مخنوق : توقف أرجوك.
ضحك بقوة وقال وهو يبتعد عنها إلى دولاب الملابس مرة أخرى ويرتدي أول منامة رآها أمامه : كنت أرتدي ملابسي بالمناسبة.
فتحت عيناها سريعًا ونرت إليه بصدمة فاحتقنت عيناها بدموع غاضبة وهي تشعر بأنه تلاعب بها ببراعة ، زمت شفتيها بعدم رضا ليقترب منها مرة أخرى وهو يدفعها بلطف فانزاحت إلى الداخل ويستلقي بجانبها يغرس كوعه بجانب رأسها و يشرف عليها من علو وهو يركن رأسه إلى قبضة يده وهو يهمس لها برقة: آسف على مزحتي الثقيلة.
قالت بحنق : تعمدت أن تفعلها إذًا.
ابتسم بحب طغى بعينيه وهو يتلاعب بخصلاتها : كما تعمدت أنت أن توهميني بأنك نائمة.
رجفت شفتيها وعقدت حاجبيها باستنكار وقالت بجدية افتعلتها : كنت نائمة.
ضحك بقوة وقال وهو يملس على عقدة حاجبيها برقة ويقول : نعم أعلم.
لكزته بحنق في كتفه وقالت : لا تمزح معي مرة ثانية.
لمعت عيناه بوميض جعلت ضربات قلبها تتزايد بقوة وهو يقترب منها أكثر ليحاوط خصرها بذراعه ويقربها منه : لنتوقف عن المزاح إذًا ونتكلم بجدية.
لمعت عيناها بدهشة وقالت بلهجة متعجبة : فيم ؟!
اقترب برأسه منها ليهمس بطريقة مغوية عند أذنها : ألم أخبرك صباحًا أن هناك ما ينتظرك في الليل ؟
هزت رأسها بالموافقة دون وعي منها وهي تشعر بأنها تسبح ببحور عينيه التي اشتعلت بلهيب بني حارق ، انتقل إلى حلقها ففغرت فاهها قليلاً لعل الهواء يهدأ من تلك النيران التي اندلعت من عينيه لتحرقها معه ، أتبع هامسا وشفتيه تداعب بشفتيها دون احتكاك فعلي بينهما : أنا ما  ينتظرك حبيبتي .

****
توقفت السيارة أخيرًا لتزفر هي بارتياح وهي تفتح الباب لتترجل منها سريعًا فتتوقف ببغته وهو يقول : انتظري ليلى.
ازدردت لعابها بقوة فاتبع : أريد أن اتحدث معك.
أكمل برجاء فخم : اتسمحين لي أمي ؟
قالت السيدة ماجدة بهدوء : بالطبع بني ، تفضل.
قال بهدوء : لا أمي أشكرك سأصحب ليلى معي ولن أتأخر أعدك.
هزت رأسها بتفهم وقالت : حسنًا على راحتك بني.
ابتسمت إيني بمرح وقالت وهي تترجل من السيارة : حسنًا ، أراك على خير أمير وسأنتظر ما وعدتني به.
هز رأسه بالإيجاب : إلى اللقاء يا صغيرتي ، لا تقلقي.
ترجلت سوزان هي الأخرى ليقول بانزعاج : انتظري سوزان إلى أين تذهبين؟
توترت سوزان بوقفتها وقالت بخفوت : سأستقل سيارة أجرة.
ترجل من سيارته بحدة وهتف بغضب : لماذا ؟
تنفس بقوة وقال : من فضلك تعالي سأوصلك بطريقي.
نظرت إلى إيني بعيني متسائلة لتكتم إيني ضحكتها وهي ترفع لها كتفيها بمعنى لا شأن لي فأتبع وهو يفتح لها باب السيارة : من فضلك تفضلي معي.
تمتمت وهي تدلف إلى السيارة مرة أخرى : شكرًا سأتعبك معي.
زفر بضيق وهو يعتدل أمام المقود مرة أخرى : لا احب تلك المقولة ثم أنت كايني لا فارق بينكما
أتبع بمرح مفتعل : ثم إن التعب متبادل فأنا سأتعبك طوال الطريق وأنت تصفين لي طريق منزلك وكيفية الوصول إليه.
ابتسمت وقالت : وهو كذلك.
صمتا لينظر هو لظهر ليلى التي تجمدت منذ أن امرها بالانتظار ليقول بهدوء : ليلى أغلقي الباب حبيبتي فأنا أريد تحريك السيارة.
شعر بها تتنفس بقوة وتجاهد لتعدل من وضع جلوسها لتغلق الباب بقوة انتفضت لها السيارة بأكملها ليرفع هو حاجبه وهو يجز على أسنانه غضبا ثم يبتسم وهو ينظر إلى سوزان في المرآه الامامية ، سوزان التي اتسعت عيناها على أخرهما وهي غير مستوعبة لفعلة ليلى التي رفعت رأسها بكبرياء مقيت جعل دمائه تغلى بعروقه ، قال بهدوء : ها سوزان كيف سنسير.
انتبهت على صوته الفخم لتدرك حديثه وتبدأ بوصف الطريق إليه في هدوء عم السيارة إلا من صوتها الذي اخذت تردد به الاتجاهات.
عقدت ذراعيها أمام صدرها وهي تستمع إلى سوزان التي تصف الطريق باستحياء وهو صامت وصامد بجانبها كالجبال.
كتمت أنفاسها وهي تشعر بالسيارة تتوقف لتقول سوزان برقة فطرية : أشكرك أمير بك.
قال بود ملكي : لا شكر على واجب آنستي ، بالعكس أنا من عليه شكرك لقد وصفتي الطريق بدقة أهنئك عليها.
خفضت سوزان نظرها بخجل وقالت : شكرًا. .
التفتت إليها وقالت وهي ترتب على كتفها : أراك على خير ليلى.
لتتبع وهي تترجل من السيارة : سلام.
ردت بخفوت : إن شاء الله . سلام.
لتتحرك السيارة مرة أخرى وهي لا تريد أن تفكر فيما يريده ، فكل ما تريده الآن أن تعود إلي منزلها لتنام ، لا تعلم لم رغبتها الشديدة في النوم تداهمها الآن وهي معه ولكنها لا تريد أن تفكر الآن تريد أن تغمض عيناها لتنام فقط !
انتبهت على صوته بعد قليل : ليلى أنت نائمة.
فتحت عيناها سريعًا وقالت : عفوا.
ابتسم بخفة وقال : حقا أكنت متعبة لتلك الدرجة لتذهبي إلى النوم في غضون دقائق ؟!
قالت مدافعة : لم انم كنت أغمض عيني فقط.
أتبعت بحدة : ثم نعم أنا متعبة ومن فضلك أعدني لمنزلي فأنا أريد أن أرتاح.
قال بهدوء وهو ينظر أمامه : ليس قبل أن نتحدث سويًا.
زفرت بحنق وقالت باستياء : لا يوجد ما نتحدث بشأنه .
قال بتصميم : بل يوجد الكثير لنتحدث عنه ليلى وأولهم موضوع الهاتف ذاك
أتبع بغضب تضمنه صوته : لا أفهم كيف تفكري بتلك الطريقة الحمقاء كليًا ، لست أنا من يفعل تلك الأشياء الطفولية .
لفت له بحدة وقالت وعيناها تتسع من الغضب : لماذا ألم تفعلها من قبل .
رد بلهجة قاطعة : لا
أتبع وهو يحاول على غضبة المتزايد : لم أفتش بهاتفك لكني سجل رقمي به دون أن أبحث به أو أفتش به .
سألته بريبه : من أين علمت إذًا أني لا أجيب اتصالات بلال .
تنفس بقوة وقال : سأتغاضى عن نبرتك المتشككة تلك وسأخبرك
سموك تركتني وصعدت وتركت هاتفك ملقى على طاولة المطبخ ولسوء حظي رن وأنا بجانبه فنظرت إليه بتلقائية لأجد بلال ينير شاشته بطلته الكريمة.
وعندما صمت الهاتف أخيرًا أخرج لي رسالة كبيرة تخبرني أن يوجد إحدى عشر مكالمة فائتة من ذاك الرقم.
شعرت بالخجل يعتريها لتقول بلامبالاة : حسنًا حصل خير.
نظر لها بدهشة افتعلها وقال : حقا ؟!
نظرت له بقوة : نعم لم أفكر بأن الأمر حدث كما شرحته الآن.
قال بسخرية متعمدة : بل لم تفكري إطلاقًا.
اتسعت عيناها بصدمة لتلتفت إليه بحدة وتقول باستنكار : ماذا تقصد ؟
زفر بقوة وقال : لا شيء.
رفعت حاجبها بتعنت ، وهي تنفث أنفاسها بحرارة عالية لفحته وقالت : حسنا أمير أنا لم أفكر بالفعل فأنت لا تعطي لأحد فرصة يفعل أي شيء وأنت بجانبه فأنت تفكر عني وعنك.
قال بغموض : ماذا تريدي ليلى لقد فعلت ما طلبته مني وعدنا جميعًا من أجلك.
أتبع بقوة : أردت مني الاعتذار وها أنا اعتذرت ماذا تريدي أيضًا ؟
رمشت بعينها لتشيح بنظرها بعيدًا عنه فيتبع : لا أفهم سبب غضبك الآن ولا من قبل ولكني اعتذرت لما تفوهت به لأني اعترفت بخطائي في حقك
أتبع بثورة جعلتها تنكمش في مكانها : لكن حقًا لا أفهم لمَ تريدي أن تحمليني خطئك مع بلال ؟
رفعت عيناها وهي تنظر له بذهول ماج بالتشكك فأتبع : تشاجرت مع أخاكِ لسبب لم تخبريني به وهو انصرف بطريقة غريبة ولم يخبرني بشيء أيضًا لأجد نفسي أمامك في موضع اتهام أنني لم أخبرك برحيله
أشاح بيده متهكما : ما علاقتي أنا بتلك الدراما التي تدور بينكما ؟
أتبع سائلا : ثم أنت غاضبة منه وتتجاهلي مكالمته وفي نفس الوقت ترتجفين خوفًا عليه ، ماذا حدث بينكما؟
تمتمت بخفوت : لا شيء لم يحدث شيئًا تشاجرنا فقط لا أكثر وأنا لا أريد الحديث معه لأني غاضبة منه ونعم أشعر بالقلق عليه أخي ومن حقي أن أقلق عليه.
قال بتهكم : هنيئًا له
زمجرت بحدة : توقف عن تلك الطريقة.
صاح بحدة : اية طريقة ؟
زفرت بضيق وقالت : حسنًا أمير هل أنهيت حديثك أم لا زال لديك بقية ؟
تنفس بقوة وقال : أردت بالفعل أن أعتذر عن تلك الكلمات التي تفوهت بها لم تقصدها ولكنك من دفعتني للنطق بها ، المعذرة ليلى.
شعرت بالهواء يصبح ثقيلاً من حولها لتبتسم بتوتر وتقول : لا عليك .
ساد الصمت بينهما لدقائق ليقول هو بنبرة حذرة : أتريدي مني الابتعاد حقًا ؟!
نظرت إليه بعيني زائغة ليسألها بقوة ونبرة صلبه : جاوبيني ليلى أتريدي أن أبتعد عنك.
نظرت له بصدمة لتمتم بخفوت : حقًا ، لا أعرف.
سيطر على صدمته التي هزت قلبه رغمًا عنه ليقول بهدوء : حسنا ليلى سأمنحك وقتا كافيًا لتفكري بمفردك.
اتسعت عيناها بدهشة وسألت بريبة : حقًا ؟!
هز رأسه بالإيجاب : نعم سأنتظر قرارك بصبر عندما تقرري ما تريدين أخبريني.

****

تنفست بقوة وهي تستلقي على تلك الاريكة العريضة الواقعة بركن الغرفة القصي ،تقلب في قنوات التلفاز بملل ليفتح باب الغرفة ويدخل هو بطريقة اعتيادية ، رفعت عيناها إليه ثم خفضتها وهي توجهها للتلفاز من جديد.
جلس بطرف الفراش وقال وهو يخلع حذائه : ماذا تتابعين ؟
زفرت بضيق وقالت : لا شيء لازلت أبحث عن شيء أشاهده.
سأل وهو ينهض مرة أخرى ويخلع سترته ويتجه إلى الدولاب ، ليعلقه به : ما نوع ذاك الشيء ؟
هزت كتفيها بلا مبالاة : لا نوع له
اعتدلت جالسة بحدة وهي تقول : لا حول ولا قوة إلا بالله.
التفت لها سريعًا وقال : ماذا حدث ؟
التقطت عيناه المشاهد التي تعرض على شاشة التلفاز وشريط عريض مكتوب أسفلها صور تعرض مباشرا لحادث القطار المأساوي
استغفر ربه بعمق ليتجه ويجلس بجوارها ويقول : لا حول ولا قوة إلا بالله
زاغت عيناها سريعًا وهي تقرأ تلك التفاصيل السريعة التي تعرض بشريط صغير أسفل الشاشة وتهتف برعب : إنه قطار المنصورة.
عقد حاجبيه بعدم فهم وقال : نعم اصطدم بقطار أخر لا أعلم كان واقفًا ماشيًا لم يحددوا إلى الآن كيفية وقوع الحادث فهو وقع منذ نصف ساعة على الأكثر
التفتت إليه وعيناها تهطل بدموع غزيرة وهي تقول : إنه قطار المنصورة هشام.
شعر بقلق فعلي وهو ينظر إليها فاتبعت بهمس وكأنها غير قادرة على النطق : ذلك قطار المساء المتجه من القاهرة إلى المنصورة أليس كذلك ؟
عقد حاجبيه بتفكير وقال : أعتقد ذلك.
رمشت بعينيها وقالت وهي تحاول أن تسيطر على صوتها : هاتف والدتك.
اتسعت عيناه بعدم تصديق وقال بصوت محشرج : وما علاقة والدتي بالأمر ؟
ازدردت لعابها بقوة وهمست بصوت شديد الخفوت : لقد ذكرت شيئًا عن عودتها به. .
انتفض واقفا و هو يتجه ليأتي بهاتفه و قال بغير تصديق : لا أمي ليست معتادة على ذلك ، لا تأتي وتعود بنفس اليوم أبدًا
صرخت في قوة : اتصل بها الآن.
تنفس بعمق وهو يسيطر على ذلك الخافق بصدره والذي كاد يتوقف عن الخفقان بسبب ما يريد ان ينفيه من تفكيره : اهدئي هنادي أمي لن تفعلها.
ردد بصوت هربت منه الثقة : لن تفعلها.
عبث بالهاتف في نفس الوقت الذي طُرق فيه الباب بطرقات يعلم جيدًا من صاحبها ليهرع ويفتح الباب ويجد أمامه جده وتتسع عيناه من رؤية تلك الدموع المتجمعة بعينيه وهو يقول : أسرع إليها هشام لقد أبلغني أحدهم أنها تعرضت لحادث ونقلت للمستشفى في حالة حرجة
***
ابتسمت وهي تنظر إليه يصفف شعره بالمرآه لتزم شفتيها بدلال وتقول : لست راضية عما فعلته.
ابتسم بمكر وآثر عدم الرد فأتبعت وهي تتحرك بخطوات ثقيلة في اتجاهه وتحتضن خصره من الخلف وتهمس بغنج : أحب شعرك وهو طويل.
نظرت إليه من خلال المرآه وقالت وهي تعقد حاجبيها بانزعاج : أما ذاك.
مطت شفتيها بعدم رضى وقالت بطريقة طفولية : لا يعجبني.
رفع حاجبيه بدهشة وقال بخبث : حقًا ؟!
هزت رأسها وهي تنظر إليه بكبرياء لتقول بعتب مدلل : لم قصصته خالد ؟
ابتسمت عيناه وقال ببروده الطبيعي : لا احبه طويلاً نانا.
نظرت له بجمود وهي تتذكر الأخرى التي كانت تدعوها بتلك الطريقة ، لتسأله بعد برهة : أحدثتها قريبًا.
لمعت زرقة عيناه بخبث فرح وقال متصنعًا الجهل وهو يرش قطرات من عطره : من هي ؟
وضعت يديها بخصرها وقالت بنفاذ صبر : خالد.
لف لها برشاقة وانحنى لينظر إلى عينيها وقال : عيون خالد.
نظرت له بصلابة وقالت : أحدثت بهار قريبًا ؟!
هز رأسه بفهم وقال وهو يعتدل واقفًا : آها أنت تسألين عن بهار إذًا
هز راسه بالإيجاب وقال : تبلغك تحيتها وقبلاتها أيضًا
أتبع مغيظا إياها : يا نانا.
لمعت عيناها بالغيرة وهي تراقبه يتحرك خارجًا من الغرفة وهو يحاول كتم ضحكاته على قدر ما استطاع
اتبعته بخطوات قوية وهي تصيح : خالد انتظر.
توقف عند أول السلم ولف إليها ليضع سبابته أمام شفتيه المضمومتين بإغواء وقال بخفوت : اخفضي صوتك حبيبتي.
احتقن وجهها بالغيظ لتتسع ابتسامته هو عندما سمعا صوت والدتها تسأل باستياء : ماذا يحدث ؟
أقبلت والدتها بخطوات راقية لتقف أمامها وتقول من بين أسنانها عندما رأته : صباح الخير.
رد بهدوء : صباح الخير ماما.
رفع حاجبيه وهو يشير إليها برأسه لتجيبها فتمتمت بحنق : لا شيء ماما.
نظرت إليه بغل ووالدتها تسأل بانزعاج حقيقي عندما تقدمت لتقف بجانبها وتنقل نظرها إليه بغضب لاح في عمق عينيها : إذًا لمَ صوتك مرتفع بتلك الطريقة في هذا الوقت المبكر.
قلبت عينيها باستياء وقالت : لا شيء ماما كنت أدعو خالد لينتظرني فأنا أشعر بقدمي ثقيلتين قليلاً.
أتبعت بمكر انثوي : خفت أن أنزلق من درجات السلم.
كتم ضحكته قويًا وعيناه تلمع بضحكة صافية وهو يرى ذلك المكر يلمع بحدقتيها فتشع بلون بني يعشقه لتغيم عينيه باضطراب ليصبح لونهما بالأزرق الداكن ووالدتها تقول بحنق : ألا تستطيع الشعور بها والعمل على راحتها قليلاً
أتبعت بعصبيه وهي تمر بجانبه : على أي حال لا داعي لتعجلك فحماك يريدك بأمر ما.
نطقت جملتها بشيء من الحقد جعله يعقد حاجبيه وهو يتنفس بعمق ليرفع نظره إليها وهو يتوقع رؤية الفرحة تقفز من عينيها ليجد الانزعاج متجسد بملامحها فقال : توقعت رؤيتك سعيدة.
ابتسمت بألم : وأنا الأخرى توقعت أن أسعد وأنا أرى أمي تكاد ترميك من هنا بسببي ولكن..
تنفست بقوة وهي تتبع بصدق : لقد استأت حقًا بسبب تلك الكلمات التي قالتها إليك.
ابتسمت بهدوء وقال وهو يشدها إليه بلطف ليحضن خصرها بكفه : إنها ليست غاضبة مني.
تحركت بجانبه لينزلا درجات السلم سويًا وسألت بتعجب : لا أفهم.
تنفس بقوة وقال : أعتقد أنها غاضبة من ذلك الأمر الذي يريدني به والدك.
أكمل بلامبالاة : يوجد أمرين ، اما هي رافضة لتدخلي بالأمر أو لا تريد لوالدك أن يعتمد علي.
ظهر الانزعاج جليًا على وجهها وقالت : لم لطالما كنت عونًا لأبي.
هز كتفيه بمعنى لا أعلم وقال : في معظم الأحيان لا أفهم والدتك منال ولكن ما اؤكده لك أنها كانت تنتظر أي شيء لتعبر عن ضيقها مني وليس بسببك.
زفرت قويًا وقالت : أعتقد أنني السبب الرئيسي في ذلك الضيق الغير مبرر فلوقت طويل أعلنت عن تذمري منك.
ضمها إليه مقربا وقال : لا عليك حبيبتي سينقضي الأمر مع الزمن فقط عندما ترى سعادتك القادمة ستنسى كل شيء.
زفرت بقوة وقالت بأمل : كم أتمنى أن انتقل إلى بيتنا لقد اشتقته حقًا.

ابتسم بهدوء وقال : وأنا الأخر.
أتبع : هيا لنسرع قليلاً فمن المؤكد أنهم ينتظرونا على الفطور ووالدتك ستكون بانتظاري لتنفث نيارها في وجهي.
ضحكت باستمتاع وقالت وهي تتعلق بذراعه وتقول : ستكون أجمل ووجهك تشوبه الحمرة خالد.
دلفا لغرفة الطعام وهما يضحكان بتسلية لتنظر إليهما السيدة هناء شذرًا ابتلع هو ضحكته وهو يحي سيادة السفير برزانة : صباح الخير عمي كيف حالك ؟
ابتسم سيادة السفير بوقار وقال وهو يطوي الجريدة : صباح النور بني ، أنا بخير والحمد لله كيف أصبحت ؟
ابتسم خالد وهو يجلس إلى يمينه ويبتسم بود : بخير حال عمي.
تقدمت منال لتقبل رأس والدها بدلال وهي تنظر إليه هو وتقول : صباح الخير حبيبي.
ابتسم بمكر وأخفض نظره عنها متعمدًا قال سيادة السفير : أنا بخير حال حبيبتي ، طمئنيني عنك وعن الطفلين.
نهضت واقفة لتجلس بجانب زوجها وتقول : بخير بابا لا تقلق.
قال سيادة السفير وهو يرتشف بعضًا من فنجان الشاي : من الجيد أنك ستشاركنا الفطور اليوم.
قال بهدوء : أتيت لأن امي أخبرتني أن .سيادتك تريدني.
لوى سيادة السفير شفتيه بملل وقال : توقف عن سيادتك وسعادتك وحضرتك إنهم يصيبونني بالغثيان.
ضحك خالد بمرح وقال بنبرة ساخرة بعض الشيء : حسنًا سأتبع أسلوب منال
أتبع مقلدًا إياها ببراعة : أخبرني بابا فيما تريدني.
ضحك سيادة السفير ضحكة صافية لتصيح هي معترضة : خالد توقف عن اغاظتي.
ضحك بسعادة لتدوي صدى ضحكاته بقلبها فتشرق الشمس بين غيوم حدقتيها فتنيرهم بلون بني رائق، تكلم بنبرة مميزة لم تسمعها منه قبلاً وهو يقول : أنا أحيا فقط لأجل اغاظتك نانا.
أخرج لسانه لها مغيظًا بحركة طفولية جعلت ضحكاتها المستمتعة تنطلق بقوة ويتردد صداها في الأفق ليحبس أنفاسه مبهورًا بتلك الضحكة التي لم يستمع إليها من قبل ، بل إنه يشعر بأنها مألوفة لديه وعقله يقفز به إلى تلك الضحكة التي خزنها عقلة منذ زمن بعيد لفتاة صغيرة السن لا يعرفها ولكنه قابلها صدفة بذاك المنتزه في لندن ، فتاة شقية بغمازة تزينها حسنة تقع بجانبها فتجعل خدها فتنة تسر الناظرين ، كانت تضحك باستمتاع وهي تتأرجح بقوة وشعرها البني ذو الغيمة الذهبية يتطاير حولها ، لمعت عيناه برزقة صافية وهو يتذكرها وعقله يخبرها بأنها هي ، أنها تلك الفتاة التي فتاة المنتزه ذات الإثني عشر عاما ، انها تلك الفتاة التي ضايقها الفتيه الصغار لتترك الأرجوحة وهم يغايظونها بأصولها العربية ، فلقنتهم درسًا لن يسنوه أبدًا ولم ينساه هو.
هتف بخفوت :يا الله.
وكأنها تجلس بداخل عقلة وتطلع على صندوق ذكرياته ، نظرت إلى عينيه وهي تأكد له أنها هي تلك المتعجرفة التي رفعت أنفها عاليا وهي تخبره ، عندما حاول مساعدتها ، أنها ليست محتاجة لمساعدة أحدهم وخاصة لو كان أجنبي أحمق مثله!
دمعت عيناها ليشعر بقلبة سيتوقف بكثرة دقاته التي اختلطت عددها وهو ينظر إليها ولا يستطيع احاده بصره عنها
لينكسر الاتصال الروحي بينهما على صوت والدتها المستاء وهي تقول باستنكار : تحيا فقط من أجل أن تتعمد اغضابها.
سكن بريق عيناه ليبتسم ببرود مستفز وهي تتبع : أعتقد أنك حققت غايتك خالد.
زمت منال شفتيها ووجها يحتقن بغضب وهمت بالحديث ليقول سيادة السفير بهدوء حازم : هناء.
تأففت بطريقة ملحوظة ليرفع خالد حاجبيه ويبتسم بهدوء وهو يلتفت إلى سيادة السفير : أخبرني عمي ما الأمر الهام الذي تريدني به ؟
قال سيادة السفير بهدوء وهو ينقل نظره بين ابنته وزوجها وقال بجدية : أريد مساعدتك.
عقد خالد حاجبيه والجدية تتجسد بملامحه وقال : تحت أمرك عمي.
أتذكر ذلك الشاب الذي تعرفت عليه في فرح نجل سيادة الوزير.
لمعت عيناه ببريق لحظي وهو يتذكر وائل لينظر إلى حماه بعدم فهم لتقول منال سريعًا : المهندس وائل.
التفت إليها بحدة وعيناه تبرق بغضب آتى ، ليبتسم سيادة السفير ويقول : نعم هو.
تكلم بجمود : ما به عمي ؟
قالت السيدة هناء سريعا : اتصلت والدته أول البارحة وأبلغتني أنهم يريدون زيارتنا قريبًا.
لاحت الحيرة على وجهه وهو يفكر فيما يريده حماه إذًا ،بينما تألقت الفرحة على وجه منال وهي تسأل والدتها بعينيها لتتأكد مما نمى بعقلها منذ يوم العرس قال بنفاذ صبر : أتريديني حاضرًا عمي من أجل مناقشة العمل أم ماذا ؟
ضحكت منال بخفة وقالت : لا حبيبي إنهم لن يأتوا من أجل العمل .
رفع حاجبه بدهشة ونظر إليها لتومئ له وهي تبلغه بعينيها "أخبرتك من يومها"
التفت لحماه سريعًا وقال : يريد أن يتزوج من فاطمة ؟
قبل أن يجيبه سيادة السفير قالت السيدة هناء بصلابة : نعم ونريدك أن تقنعها بالقبول!
***
طرقت الباب برقة وقالت وهي تقف بالخارج : صباح الخير ليلى ، هل مسموح لي بالدخول ؟
دعكت ليلى جبينها وقالت : صباح النور، بالطبع إيني تعالي.
ابتسمت إيني برقة وقالت برقة : أريد أن أسألك عن أمرًا ما ، وأرجو أن  لا تعتبريه تدخلاً في حياتك الخاصة.
عقدت ليلى حاجبيها بتعجب وقالت : حياتي الخاصة ،
تنفست بعمق وقالت : اسألي إيني ولا تقلقي لن أعتبره تدخلا في حياتي الخاصة.
تنحنحت إيني وقالت بخفوت : هل تشاجرت أنت وأمير ؟
ابتسمت ليلى بتوتر وقالت : لم تسألين ؟!
هزت إيني كتفيها بلا شيء وقالت : الاحظ أنك ضائقة إلى حدٍ ما لا تخرجين من البيت بل لا تخرجين من غرفتك بل تعتزلينا جميعًا ، أعلم أنك غاضبة من بلال أنا الأخرى غاضبة منه ولكن ما ذنبي أنا وذنب أمي.
ابتسمت ليلى برقة وقالت : لا حبيبتي لا اعتزلكم ولكني أفكر بأمر هام ولذا أجلس لوحدي كثيرًا.
تمتمت إيني بل تنامين كثيرًا ليلى وكأنك تفرين من ذاك الشيء الهام.
ازدردت ليلى لعابها وهي تنظر إلى إيني بعيني متسعة من الصدمة فتنهدت إيني بقوة وقالت : المعذرة ليلى لم أقصد ذلك.
رمشت ليلى بعينيها وقالت : لا عليك إيني أعتقد أن الأمر كذلك.
زفرت إيني مرة أخرى وقالت سريعًا وكأنها تتخلص من ذاك الحمل المثقل لعاتقها : أهذا المر الهام خاص بأمير .
لوت ليلى شفتيها وتمتمت بخفوت : أيوجد أحدًا غيره.
سألتها إيني بإصرار : إذًا أنتما متشاجران كما خمنت.
هزت ليلى راسها نافية وقالت : لا لسنا متشاجرين.
عقدت إيني حاجبيها بتعجب واختها تتبع : ولسنا متصالحين أيضًا
ابتسمت وقالت بالإنجليزية مقلده إياها : أنه لأمر معقد.
ضحكت إيني بخفة وهي تتقدم باتجاه ليلى لتتسع عيناها وحدقتيها تلمع بانبهار و تهتف بحبور وهي تنظر لعنق ليلى : واو.
رفعت عيناها لأختها وقالت : من أين أتيت بها ؟
التفتت ليلى حولها وقالت : ما هي ؟
ابتسمت إيني وهي تتلمس السلسال بين أصابعها وقالت : تلك
رددت بانبهار : أنا أسأل عن تلك السلسلة التي لم أراها من قبل.
وضعت ليلى يدها على السلسلة ووجنتيها تحتقن بقوة وعيناها تتسع بمفاجأة أنها لم تخلعها عن عنقها منذ أن ألبسها لها أمير ، بل لم تتذكرها إطلاقًا الفترة الماضية ، تفكر به ليل نهار وعن ماذا عليها أن تفعل معه وقراراها الذي احتارت كثيرًا به وهي ترتدي سلساله في عنقها ولا تشعر به وكأنه أصبح جزء من جسدها ، جزء مكملاً لها!
رمشت بعينيها وهي تنتبه لايني التي قالت بحبور : ما أرقه أعتقد أن أمير انتقاه بعناية شديدة.
أتبعت إيني تسأل بخبث : أليس هدية من أميرنا الغالي أيضًا.
عقدت حاجبيها بعدم فهم وسألتها :لماذا ينتقيه بعناية ؟
نظرت لها إيني بدهشة إن معناه واضح ليلى قلبين أحدهما أملس والأخر مزين بفصوص رائعة وذاك الأملس يحيط المزين بعناية شديدة.
احثتها ليلى على التتابع وقالت : ها أكملي.
عقد إيني حاجبيها وقالت باستياء : أكمل ماذا ؟!
أتبعت سريعا : إنها واضحة كالشمس ليلى ، هذا أنت وهذا هو ، أنه يخبرك بأنه سيظل بجوارك دائمًا يحيطك بعنايته وحمايته
أتبعت بوله : وأنه سيظل معك للأبد.
لمعت عيناها بدهشة ممزوجة باستنكار وهي تنظر إلي تلك القلادة المزينة لعنقها وهي تشعر فجأة أنها قيد لفه هو بطريقة غير مباشرة ليقيدها إليه ، قيد رحبت به هي بل وضعته بنفسها ليربطها به إلى أخر المطاف.
انتبهت من أفكارها المتضاربة  على صوت  إيني التي قالت بابتسامة : سننتظرك على الفطور لقد أعددته بنفسي.
ابتسمت ليلى بتوتر لتقول : حسنا ، ما الذي أيقظك باكرًا هكذا ؟
هزت إيني كتفيها وهي تقول : أنا امرن نفسي عليه فلدي تدريب بالجامعة بعد أسبوعين وبعدها ستبدأ السنة الدراسية الجديدة.
تمتمت ليلى : موفقه حبيبتي.
اتجهت للخارج وهي تقول : أمين سأنتظرك لا تتأخري ليلى.
وقفت تنظر إلى نفسها بالمرآه ، لتتعلق عيناها بتلك القلادة التي أهداها إليها لترمش بعينيها وهي تقرر أن لابد من مواجهته.
اتخذت قرارها وارتدت ملابسها واتجهت للخارج ، ألقت بتحية الصباح على إيناس التي تجهز المائدة للفطور ، ولم تنظر باتجاه بلال فهي غاضبة منه بل مازالت لا تتحدث إليه إلا بأقل الكلمات ، قبلت رأس والدتها وأخبرتها بهدوء أنها ستخرج.
نظر الى ساعته وقال بلين : في ذلك الوقت المبكر.
زمت شفتيها بضيق لتنظر إلى والدتها مرة اخرى : بعد اذنك أمي .
نهضت واقفة فقال بهدوء مسترضى : ألن تتناولين فطورك ؟
هزت رأسها نافية فنهض بدوره ورائها : انتظري سأوصلك إلي أي مكان تريدينه.
قالت باقتضاب : أشكرك لا داعي لذلك.
اقترب منها امام باب الشقة وقال برجاء : ليلى من فضلك.
تنفست بقوة وقالت : ليس الآن بلال.
خرجت وأغلقت الباب خلفها لتستعمل السلم بدلاً عن المصعد ، فهي تحتاج إلى أن تفرغ تلك الطاقة السلبية التي تملأها
خرجت من باب العمارة وهي تعلم جيًدا أنه سيظهر أمامها بعد قليل ، لا تحتاج أن ترتب موعدها معه فهو يقفز أمامها كظلها بكل مكان تذهب إليه لدرجة أنها توقفت من ثلاثة أيام عن الخروج حتى لا تراه
نعم فهي لا تريد رؤيته ، فرؤيته تربكها وتزعزع قرارتها بشأنه ، قلبها يضعف له ويتيه في بحور عينيه فتنسى نفسها وتنسى حقدها عليه
بل بعد دقائق قليلة تنسى ما يفعله بها وإرغامه لها على الارتباط به!
توقفت السيارة أمامها بعد أن كادت أن تصل إلى مفترق طرق ، ترجل من السيارة بفخامة كعادته وقال : إلى أين تذهبين الآن ؟
رفعت نظرها إليه وهي ترتدي نظارتها الشمسية ، تأملته قليلاً ملامحه مرهقة ابتسمت بحزن : أليس لديك بيت ؟
ابتسم ابتسامة طبيعية كانت تشتاق إليها منذ فترة طويلة ، ابتسامة دافئة حنونة كما اعتاد أن يبتسم لها – ليس تلك الابتسامات الماكرة التي تتألق على شفتيه لتمارس على عقلها نوع من أنواع السحر الذي يشل تفكيرها فلا تستطيع أن ترد عليه وتفيق من ذلك السحر على أنها وقعت بفخ جديد نصبه لها هو وأوقعها في شباكه.
تنهد بقوة وقال : بالطبع عندي بيت ولكني لا أستطيع العيش به الآن ، أنا أعده ليكون منزل للزوجية.
غامت عينيها وخفضت نظرها بعيدًا عنه ، شعر بتغيرها الذي لم يره فقال مرة أخرى : لم تخبريني إلى أين تذهبين الآن ؟
قالت ببرود : كنت أريد رؤيتك.
لمعت عيناه بفرح ولكنه قال بصوت هادئ : حقا ؟!
هزت رأسها بأسى : نعم وكنت أعلم جيًدا أنك ستظهر أمامي قبل أن اعبُر الشارع حتى ، لذا لم أفكر بالاتصال بك.
زفر بقوة : حسنًا اركبي لنذهب إلى أي مكان تريدينه.
هزت رأسها نافيه : لا سأخبرك بما أريده الآن.
نظر حوله ، وقال بتعجب : هنا في منتصف الطريق
هز راسه بعدم رضى وأتبع : لا يصح ليلى ، تعالي وسأذهب بك إلى اي مكان.
أو تحدثي معي بالسيارة ولكني لن أقف بتلك الطريقة لنتحدث.
زفرت بضيق وقالت بانفعال لم يفهم سببه : أنت لا تطاق لابد أن تفعل كل شيء كما تريده أنت. 
أشاحت بيدها وهي تتبع : لن أركب معك وأنا حرة وإذا كنت مصممًا لا أريد أن أتحدث معك.
قبض كفيه غضبًا وقال بلهجة حادة : أخفضى صوتك واهدئي.
أكمل بتفسير : لا أريد أن أرغمك ولكن فكري قليلا إذا رآك أحدًا من الجيران أو بلال مثلاً أليس موعد خروجه للعمل الآن ؟
هزت رأسها بالإيجاب ليتبع : لا أريد أن يراك واقفه هكذا ويغضب من خطيبك الجلف الذي لم يدعوك إلى الفطور في مكان يناسب سموك.
قال جملته الاخيرة بسخرية اعتادت عليها منه في الفترة الماضية ، زفرت بضيق من نبرته تلك لتقول بحنق : حسنا سأدخل إلى السيارة ولكن لن اذهب معك إلى أي مكان.
زفر بقوة وهو يشعر أنه سيخنقها بسبب ذلك العناد الذي أصبح يسيطر على شخصيتها ، تقدمها ليفتح لها الباب ليقف فجأة ويلف حول السيارة ويذهب ليجلس مكانه أمام المقود
نظرت له بتعجب لتفتح الباب وتدلف بجانبه وتقول باستفزاز : العادات القديمة لا تموت يا أسطى.
قبض كفيه قويًا على المقود وقال : أتيت لتتحدثي معي عن العادات القديمة يا أستاذة.
تنفست بقوة وقالت بهدوء وثقة : أريد أن نفسخ الخطبة.
التفت لها في حدة فأتبعت وهي تغتصب صوتها ليخرج هادئا : أنا أعلن استسلامي ، لست ندًا لك ولا أستطيع مجاراتك.
أتبعت بمرح افتعلته وهي تمد يدها له : اهنئك بالفوز وارجو أن تتقبل قراري.
اتسعت عيناه غضبًا وهو يقول : ما هذا الهراء الذي تتحدثي عنه ؟
عضت شفتيها بتوتر وقالت : ليس هراء عبدة.
صحح بحدة ومن بين أسنانه : أمير ، كفي عن مناداتي بذلك الاسم .
ضحكت بسخرية وقالت : حقا ؟!
خلعت نظارتها ونظرت إليه مليًا وقالت بهدوء : هل ستصدق إذا أخبرتك أني لا أعرف من أنت ؟
لا أعلم هل أنت عبد الرحمن أم أمير ، من أنت ؟
من الممكن أن تكون أي شخص أنا لا أعرفه ، لن تفرق الاسماء يا بك ، فأنت مبهم بالنسبة لي.
قال بصوت هادئ : أنا امير ليلى وأنت تعلمين من أنا جيدًا.
ضحكت بسخرية وقالت : لا ، لا أعلم من أنت ،
هم بالحديث لتقول بنبرة قاطعة : ولا أريد أن أعلم.
زفرت قويا وأتبعت : لا أريد أن  أعلم ، فأنا واثقة أني سأجرح ثانية وأنا اكتفيت من الجراح والآلام ، اكتفيت يا سيادة الرائد.
اكتفيت من تلك الحياة التي تتلاعب بي كيفما تشاء ، اكتفيت من تلك الصدمات التي تأتي على رأسي واحدة تلو الأخرى.
رقت ملامحه ونظر لها بحب ورفع كفه ليمسح وجنتها برقة لعله يمسح ذلك التعبير الموجع الذي ارتسم على ملامح وجهها الرقيق
ليتوقف وهو يسمعها تقول بشرود : عندما رأيتك واقتربت مني اقنعت نفسي أن الحياة أخيرًا تبتسم لي ، فأنت كنت أملي الأخير ، أملي أن أجد السعادة
حلمت كثيرًا بفارس يحملني ويذهب بي بعيدا عن واقعي المؤلم ، يطير بي كتلك الأميرات ، بطل قوي يكون خاص بحكايتي أنا
ولكني تعلمت بالطريقة الاصعب ، تعلمت أن الحكايات مجرد خيال لا تمت للواقع بصلة ، وأنت أيضًا بطل خيالي ليس بموجود في واقعي
قست ملامحها : أنت خيال أمير ، وأنا أقنعت قلبي بذلك فانا سئمت الخيال ، بل سئمت بكل ما يرتبط بالخيال ، يا أمير الخيال.
زم شفتيه بحنق من حديثها لتفاجئه بأنها تقول بصوت بارد لامبالي : لذا من فضلك يا سيد خيال ، أن توقف تلك المهزلة التي لا أرضى بها ، وأن تفسخ خطبتك بي.
نظر لها بغموض وقال : لن يحدث.
سألته بحدة : لماذا أمير ألم تخبرني أنك ستنتظر قراري ،
أتبعت وهي تصيح بغضب: ها أنا ذا أبلغك بقراري ألا وهو أني أريد فسخ تلك الخطبة.
نظر إليها بجمود وقال : نعم أبلغتك بذاك وأنا كلي أمل أن تتعقلي وتتوقفي عن ذلك الهراء الذي تحيى به الفترة الماضية.
رفعت حاجبيها بذهول لتساله : إذًا كنت ترضيني فقط وأنت مقررًا أنك لن تهتم لقراري
زفر بضيق وقال : لا لم أقصد ذلك
لتقاطعه بحدة : بل قصدتها أمير قصدتها
أتبعت والتحدي يسطع بعينيها : حسنا أمير ، سانهي الخطبة بطريقتي و تلك المرة لن أخاف أن أواجه العالم كله لأتخلص منك ، سأخبر بلال بما حدث بيننا وصدقني سيقف معي ويساندني أيضًا ، فأنا اعرف أخي جيدًا ، وسأخبر عمي أيضًا وليظن ما يظنه ، لن تنتصر أبدًا أمير لن أسمح لك بأن تجرني معك لذلك الزواج الفاشل من بدايته.
تنفس بعمق وقال ببرود : لمَ تحكمين عليه بالفشل وهو لم يبدأ بعد.
نظرت له وقالت بكراهية سطعت في صوتها : لأنك كاذب يا عزيزي ، وأنا لا اؤمن للكاذبين.
جز على أسنانه قو قويًا وقال : لم تستمعي لي ليلى ولا مرة ، لم تحاولي حتى.
قالت بغضب : لا أريد المحاولة ، فأنا لن اصدقك على أي حال ، وفر على نفسك وعلي هذا الحديث الممل الذي لا فائدة منه ، فنحن انتهينا امير ... انتهينا !
عم الصمت بينهما للحظات ، هو ينظر إليها بجمود وهي تتحداه بنظراتها ، قطع الصمت بهزة رأسه بالموافقة .
وقال وهو يشيح بعينيه بعيدًا عنها : حسنًا ليلى لك ما تريدين.
شعرت بالدهشة تعمها وشحب وجهها وهي تشعر بشعور حارق يمزق قلبها ، ازدردت لعابها ببطء وسالته بتردد : حقا ؟!
هز رأسه بالإيجاب مرة أخرى وقال وهو ينظر امامه : نعم.
شعرت بغصة كبيرة تملأ حلقها والحزن يسيطر عليها وسألت بصوت محشرج : ستفسخ الخطبة حقا ؟!
قال بلا مبالاة : أليس هذا ما تريديه ؟
هزت رأسها سريعا بالإيجاب وكأنها تخشى أن تعود بقرارها وتتمسك به من جديد بل تلك المرة ستتوسله ليسامحها عما بدر منها الفترة الماضية !!
فقال وهو يهز أكتافه بلا مبالاة : حسنا.
ابتسمت بألم وقالت بصوت مخنوق : حسنًا يا سيادة الرائد ، وداعًا.
نطقت بها بوجع لم يخفى عنه ليقول هو بغموض وهو يتحاشى النظر إليها : إلى اللقاء يا أستاذه.
خرجت من السيارة وأغلقت الباب ورائها ، لترفع عينيها إلى السماء وهي تحاول أن تتحكم في دموعها لتتحرك بخطوات سريعة باتجاه منزلها تضع يدها بأسفل رقبتها على تلك القلادة التي تحيط عنقها برقة تحاول أن تستمد منها القوة ودموعها تنهمر سريعا تسابق خطواتها المبعثرة !

سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن