الفصل السابع عشر

3.8K 138 2
                                    


نظر إلي وجه صديقه الجامد فابتسم ببلاهة وأشاح بعينيه بعيدًا عن مرمى عينان الآخر وقال بخفوت : هل ستظل صامتا للأبد ؟
نظر له الآخر في غضب وقال بجمود : ألا ترى أنك من المفترض أن تغضب من نفسك قبل أن أغضب أنا منك ؟
زفر بقوة وقال : بل غضبت من نفسي وأنبت نفسي كثيرًا أمير ولكن ...
قاطعة بحده : ولكن ماذا ؟ أخبرني وليد ما الذي استفدته من مظهرك العابث هذا ، ماذا استفدت من تغليفك لنفسك بقناع الشاب المستهتر الذي لا مبادئ له ، رغم أنك داخليًا شخصية أخرى مختلفة اختلافًا جذريًا .
أطرق رأسه في خجل يشوبه بعض الضيق فأتبع الآخر بلهجة أكثر هدوئًا :حتى الفتاه التي كنت تعاملها بطريقة مختلفة خسرتها من أجل غبائك .
قال بضيق : لم أستطع أن أمنع نفسي .
سطع الغضب بعيني أمير وقال : لا تعيدها مرة أخرى ، لست حيوانًا بريًا لتقول لم أستطع أن أمنع نفسي أو أتحكم بنفسي ، أنت إنسان لك عقل ، أم أن عقلك يتوقف في تلك الأوقات .
قال بصوت مخنوق : كل ما فكرت به أني سأخسرها ، ستذهب لأحد آخر غيري ، شعرت بالقهر أمير وعندما لاح أمامي خاطر أنها تحبني أردت التأكد .
رفع الآخر حاجبيه بدهشه : تتأكد مما أيها الغبي ؟ ليست تلك الطريقة الوحيدة التي تستطيع التأكد بها ، هناك مليون طريقة أخرى
أتبع متهكما : أم هي تلك الطريقة الوحيدة التي تعرفها ؟
نظر له في غضب وقال : لا تؤنبي من فضلك ، أنا نادم بما فيه الكفاية .
تنهد أمير وقال : والحل الآن أيها العبقري ،ماذا ستفعل معها ؟
قال بضيق : لا أدري يا أمير ، أشعر بالقهر كلما أتذكرها مع ذلك ....
زم شفتيه بضيق فابتسم أمير فقال الآخر بقهر : لا تضحك من فضلك .
قال أمير بابتسامة : لأول مرة أرى الغيرة تلمع بعينيك .
قال بصوت هادئ : أحبها أمير ، لا أتخيل أن تذهب إلي أحد آخر غيري .
قال أمير بثقة : تستطيع أن تستردها وليد ، وأنت تعلم ذلك .
نظر له باستفهام فأتبع الآخر :أزل ذلك القناع الغبي الذي تغلف به نفسك وأظهر لها وليد الحقيقي .
هز رأسه بتفهم وقال : أنا أفعل ذلك ليس من أجلها ، بل لأني سئمت تلك الحياة التي ليس لها قيمة
ابتسم أمير بسخرية : لذلك أصبحت مثقف وتشتري الجرائد لتقرأها .
ضحك وليد باستخفاف وقال : ظريف حضرتك .
ضحك أمير بتعب : طول عمري .
اقترب وليد بجانبه وقال وعيناه تلمع : ألن تخبرني عن الحسناء التي قال عنها وجيه؟
قال أمير ببرود : لا أعلم عما يتكلم عنه وجيه ، ثم ألا تعرف وجيه أنه يخترع أشياء ليس لها وجود ؟
نظر له وابتسم وقال : أمير ، أنت تكذب .
نظر له أمير بحده : أنا أكذب .
ضحك وليد بقوة : نعم وأنت تعلم ذلك جيدًا ، توجد فتاه تغزو قلبك وعقلك ، لا تنكر.
ابتسم الآخر بخفة : وأنت من قررت ذلك .
نظر له وليد وقال : بل عيناك التي تلمع كلما أتت سيرتها .
احمر وجه أمير ليقهقه الآخر بصوت عالٍ فنهره أمير بقوة : وليد .
قال من بين ضحكاته : أعذرني يا صديقي ولكني لأول مرة أراك تحمر خجلاً هكذا.
ردد الآخر بدهشة : احمر خجلًا .
ابتسم وليد : انتظر سأطلب لك مرآة لترى وجهك بها .
ضحك أمير باستخفاف ليقهقه الآخر مرة أخرى ويقول من بين ضحكاته : لا يهم  الآن أن اعرف من هي يكفيني ما أراه على وجهك .
هم الآخر بالرد عليه ليطرق الباب بهدوء وتدخل الممرضة مبتسمة بمهنية : مساء الخير ، موعد الدواء .
قفز وليد واقفًا وهو يفسح لها مجال أن تتحرك حول فراش أمير واتبعها بنظره إلي أن انتهت وخرجت مبتسمة كما دخلت
سحب المقعد واقترب من أمير وقال بخفوت : ألا أستطيع أن أحجز الغرفة التي بجوارك ؟
نظر له أمير في دهشة وقال : لماذا ؟ هل أنت متعب ؟!
قال وليد بخفة : لا أنا بخير ولكن أنها فرصة لأحظى باهتمام تلك الحسناء .
ضحك أمير ثم كح بتعب : ألن تتغير وليد ؟
ابتسم الآخر بخفة وتلاعب : أنا فنان يا صديقي عيناي تعشق كل ما هو جميل .
نظر له وعيناه تلمع بابتسامة : إن شاء الله ياسمين ستقتلع عينيك .
ضحك وليد بحب : بل أنا سأقدمهم لها كهدية زواج .
نظر له أمير وقال باهتمام : إذن لديك خطة لاستردادها .
هز الآخر رأسه ولمعت الثقة في عيناه وردد بخفوت : إن شاء الله ، اهتم بشفائك لتحضر عرسي هذه المرة .
ردد أمير بسعادة : إن شاء الله
***
تجلس بوسط فراشها تضم ركبتيها لصدرها وتسند ذقنها عليهم تحتضن ساقيها بقوة وتهتز بتوتر ، الظلام يخيم على الغرفة إلا من الضوء الخارجي الذي يدخل من النافذة ، تلك النافذة التي تهاوى منها عبد الرحمن وهو يدافع عنها
انسابت دموعها على وجنتيها واهتزت بعنف وهي تتذكر ذلك الحقير وهو يلمسها بحيوانية ويردد كلماته القبيحة على  أذنيها ، انهمرت دموعها بغزارة عندما تردد على أذنيها صوته الخشن وهو يناديها لتستجيب له
خُيل إليها أنها تسمع صوته فقفزت واقفة وأسرعت في الخروج من الغرفة وهي مولية ظهرها للخارج وهي تتلفت حولها وتنظر إلي الغرفة باحثة عن مصدر الصوت في هلع .
***
اطمأن على الطفلين وجلس بجوار كلا منهما قليلاً ،ثم سحب نفسه بهدوء وخرج من غرفة أحمد وهو يجر ساقيه ، لا يريد المغادرة ولكنه سيغادر
عقد حاجبيه وهو ينظر إلي فاطمة التي تخرج بطريقة غريبة من غرفتها ، اقترب منها بهدوء ، وهمس : تومي .
انتفضت صارخة ليضع يده سريعًا على فمهما وهو يهمس : أنه أنا خالد ، ما بك ؟
عندما رأته شعرت أنها أخيرًا وجدت طوق النجاة فارتمت تحتضنه بقوة وتجهش في البكاء
انزعج من علو صوتها فسحبها بحنان إلي غرفتها وهو يهدئها بلطف ،وضعها في فراشها وهو يهمس لها : اهدئي فاطمة ، وكفي عن البكاء من فضلك.
شهقت عدة شهقات متتالية وسألته ودموعها تنهمر بغزارة : كيف حاله خالد ؟
عقد حاجبيه وهو يحاول أن يركز عمن تسأل ، لتتبع : هل مات ؟
ربت على ظهرها بحنان : لا ، أنه بخير .
لمع الأمل في عينيها : حقًا خالد ؟
ابتسم مطمئنا : نعم ، هو بخير لا تقلقي .
قالت في إصرار طفولي : اقسم بالله أنه بخير .
ابتسم بهدوء : والله بخير .
قالت وهي تحاول أن تسيطر على شهقاتها : أريد أن أذهب لأراه ، أرجوك خالد ، لا أستطيع أن أتوقف عن التفكير به وسقوطه من النافذة بسببي لا يفارق أحلامي .
زفر بقوة وقال بضيق : ليس بسببك فاطمة .
نظرت له متسائلة فقال بحنق : إن عبد الرحمن ضابط شرطة كان هنا من أجل حماية والدك وذلك الحيوان أتى لقتل والدك ، لم تكوني ضمن خطته لولا عودتك معي لما تعرضت لكل ذلك .
اتسعت عيناها بفزع وقالت وكأنها تتحدث مع نفسها : إذًا كان يظهر اهتمامه بي ويتقرب مني من أجل أن يقتل أبي .
رددت بشكل مبعثر : لذلك كان يسألني عن مواعيد أبي ومداخل الفيلا وكيف أخرج لهم بعد أن أخبرته أن أمي تضيّق على الخناق وتمنعني من الخروج .
اقترب منها بعد أن علا صوتها بالبكاء : اهدئي فاطمة من فضلك .
ضمها إلي صدره بهدوء محاولا تهدئتها لينتفض على صوتها الحاد وهي تقول بغضب : ماذا يحدث هنا ؟
***
واقف ينظر من النافذة وهو يشعر بالغضب يتملكه منذ أن غادر الغرفة وهو يشعر بالغيرة تدمر خلايا أعصابه
فعقله يفكر بشيء واحد فقط أنها تريد أن تتركه ،لم تعد تحبه وستتركه لآخري لتطلب منه الانفصال وتذهب لآخر غيره .
ضم كفية بقوة وزم شفتيه حتى لا تخوناه ويصرخ بقهر
كيف تفكر في ذلك ، كيف تطلب منه الزواج بأخرى ، ألم تعد تشعر بالغيرة عليه
ألم تعد تشعر بالحب نحوه ، كما أنها تتصلب كلما اقترب منها ، هل أصبحت تنفر منه بهذا الشكل
صرخ صوت بداخله : أهدئ هشام ، أخبرتك إنها ستبقى معك .
هز رأسه بسخرية :لا ستبقى من أجل كريم ، ليس من أجلي ، ليس من أجل حبها لي، بل من أجل طفلها .
لمع الغضب بعينيه ، فصاح هذا الصوت مجددًا : من حقها أن لا تعاني مع طفل أخر هشام ، لقد عانت بمفردها كثيرًا وأنت كنت هنا تمارس حياتك بشكل طبيعي وهي تنتقل بولدك من مشفى إلي أخر .
رقت ملامحه قليلاً وبدأ هذا الصوت بالعلو مرة أخرى : لا تحاسبها على خوفها من طفل سيكون مثل أخيه .
رمش بعينيه وصدح عقله " أنها أمور بيد الله ، وأنا أتقبل أي شيء من يدي الله ".
صاح الصوت مجددا : إذًا اخبرها بذلك لا تتشاجر معها ، لم تفكر في شعورها وهي تطلب منك هذا الطلب من أجلك أنت فقط ، من أجل أن يكون لديك أطفال أصحاء يحملون اسمك .
هز رأسه بندم وفكر " ما الذي فعله معها ؟ كيف تشاجر معها وهي تريد صالحه هو، نحت مشاعرها كامرأة وداست على قلبها من أجله "
أسرع إلي الغرفة لينظر إليها وهي نائمة على الغطاء كعادتها القديمة ،تذكر عندما كان يذهب إليها في الصباح ليوقظها ويجدها نائمة بذلك الشكل ، وكيف كان يتأخر على عمله بسببها ،
اقترب منها وجلس بجانبها ونظر إلي وجهها ليلوم نفسه على أثر دموعها المنسابة على وجنتيها ، تنهد بندم ثم أدار نظره عليها مرة أخرى بمنامتها البيضاء القطنية ذات الشورت القصير المقلم بخطوط سوداء اللون ، والقميص الواسع مرسوم عليها شخصيتها الكرتونية المفضلة تويتي
شعرها مبعثر على وجهها بشكل فوضوي قريب من نفسه
اقترب منها وهو يكتم أنفاسه ، وفعل كما اعتاد أن يفعل في الماضي ، قرب بأرنبة أنفه ومسحها بخدها الوردي وهو يستنشق رائحتها العبقة ، ثم مررها على جبينها لينزل بها إلي الأسفل ويضغط بها على أنفها بحب ويقبلها برقة على شفتيها
فتحت عيناها ببطيء ورمشت بهدوء ليهمس : آسف حبيبتي
قالت بصوت مبحوح : لم أكن أريد إغضابك .
مرر أنامله بخصلات شعرها الأشقر : أعلم ،
شدها إلي صدره بحنو وهو يهمس : أعتذر عن انفعالي الغير مبرر .
نثر قبلاته الرقيقة على وجهها فقالت بصوت مأخوذ الأنفاس : هشام .
فهمس بصوت أجش : لن نتناقش الآن ، ولكن لا تقلقي سأخذ احتياطاتي إلي أن نقرر ماذا سنفعل .
احمرت بخجل فأتبع وهو يقترب منها : أحبك هنادي ، لا تبعديني عنك
أكمل بهمس عذب في أذنها : أرجوك .
***
بعد أن خرج من الغرفة تركت لمشاعرها العنان وأخذت خ تبكي بقوة ، تبكي على حلمها الجميل الذي تبخر في ثواني ، تبكي على قلبها الذي انتهكه هو وأخيه دون التفكير بها ، أخيه خدعها وكذب عليها باسم الحب ، وهو خدعها وامتهن مشاعرها تحت راية الحب أيضًا
لا تهتم الآن بما فعله باسم أو ماذا كان يريد منها ولكنها تهتم به هو ، هو الذي لم يكلف نفسه عناء إخبارها بأنه يعمل مع الإنتربول ، لم يخبرها أنه تزوجها من أجل وصية أخيه ولم يخبرها بأن أخاه مجرم مات مقتولاً ليس بسببه بل بسبب شيء لم يدر بخلدها إطلاقًا .
سمعت صرخة فاطمة فتنهدت بقوة وخرجت لتذهب إليها ، فوجئت به يحتضنها ويهدئها بهدوء لتقف وتسمع ما دار بينهما ، تساءلت في دهشة "عمن يتحدثون ؟"
وقفت صامتة خارج الغرفة وهي تسمعه يخبرها بأن هناك من يريد قتل أباها
دخلت بخطوات بطيئة لتراه وهو يحتضن أختها بحنان شديد ويهمس لها مطمئنا
ليندفع شعور الغيرة المقيت مسيطر عليها وتقول شبه صارخة : ماذا يحدث هنا ؟
التفت ينظر إليها ببرود ويقول : لا شيء ، فاطمة متعبة قليلاً .
نظرت له بقوة : حسنًا من الجيد أنك هنا ، أريد أن أعلم ما حدث ليلة عودتك أنت وفاطمة.
نظر لها وقال بلا مبالاة : لم يحدث شيء .
صاحت بصوت عالٍ : بل حدثت أشياء كثيرة أريد أن أعرفها سيد خالد .
وقف أمامها وقال بجبروت : اخفضي صوتك .
أشاحت بيدها أمام وجهه وهي تقول بغضب أكبر : لا لن أخفض صوتي وأنت ستخبرني بكل شيء ، عن تلك الليلة وعن الماضي أيضًا .
أمسك يدها بعنف وشرارات الغضب تملأ عينيه ، جز على أسنانه بقوة والتفت إلي فاطمة مبتسما ببرود : تصبحين على خير .
خرج ساحبًا إياها وراءه ، ليدخل إلي غرفتهم ويدفعها بقوة وهو يزمجر : هل جننت منال ؟ ترفعين صوتك علي وتصرخين بوجهي أمام فاطمة ، ثم عن أي ماضي تتحدثين ؟
مسدت ذراعها من أثر أصابعه وهي تخفي ألمها من مسكته القوية ، نظرت له بتحدي : لم اجن خالد ، ولا أسمح لك بأن تتكلم معي بتلك الطريقة .
رفع حاجباه وعلامات الدهشة على وجهه فاستغلت الفرصة وأتت بالورق أمام عينيه وهي تقول : من حقي أن افعل ما أريد فأنت متهم أمامي وأنا أريد أن أعلم كل شيء، ما حدث سابقًا وما حدث تلك الليلة.
شحب وجهه وازدرد لعابه ، لتلمع عيناه بفرحة حقيقية وهو يعلم سر تغيرها واضطرابها منذ قليل ، قال بلهفة لم يتحكم بها : هذا هو سبب غضبك إذًا.
فقدت قوتها للحظات وهي ترى لمعة عينيه وتسمع لهفة صوته ، لتعود وتقول بتصميم : أخبرني عن كل شيء خالد .
زفر بضيق وقال بهدوء : حسنًا ، اجلسي واستمعي إلي بهدوء .
***
يجلس وسط مئات من الصور الفوتوغرافية له وهي معه ، يتأملها في صمت منذ نعومة أظافره وهي لا تفارقه ، بل كانت تمكث عندهم في البيت أكثر من مكوثها في بيت والدها ، قربها من سنه ومن سن إيناس وعدم وجود أخوة لها ، جعلتها فرد من أسرتهم وخاصة أن عمته كانت برفقة والده طوال عمرها ، فعندما كان خارج البلاد كانت معه وعندما عادوا من الخارج عادوا جميعًا معًا ، كانت طفلته المدللة ، يأتي دائما لها بالشوكولا ويدللها ويصالحها إذا غضبت أيضًا وعندما وصلا إلي سن المراهقة كان يعمل كحماية لها ولم يكن أي من الأولاد الأكبر سنًا منها أو زملائها يقتربون منها بسببه .
حتى عندما دخلا إلي الجامعة ، الجميع كان يعرف بارتباطهما الأسري والعاطفي
إلي أن ذهبت إلي تلك الإذاعة وابتعدت عنه
أغمض عينيه بألم وقال هامسًا لنفسه : أفسدتها بالدلال .
نظر إلي احدث صورة لها معه ، يقف خلفها وهي تنظر إليه و تبتسم بسعادة ، وعيناها تلمع ببريق رائع يخبره بمدى هيامها به .
مرر طرف سبابته على وجهها، وتذكر ما أخبر أمه به ، أيمكن أن تكون بعد كل ذلك لأحد غيره
زفر بضيق واشتعلت عيناه بغضب " لا تهتم بلال ، فأنت لن تستطيع مسامحتها على ما فعلته بك ، فمن الأفضل لك أن تنساها "
نظر إلي الصور المبعثرة أمامه وغرق في وجهها البريء مرة أخرى وابتسم ناسيًا كل ما تفوه به منذ قليل ، بل ابتسامتها محت كل الغضب الذي اشتعل في نفسه اتجاهها .
انتبه من مشاعره وأفكاره على صوت موسيقى قادم من الخارج فتمتم بحنق : إيناس.
***                        
انتفضت واقفة وهي تصرخ : إذن تزوجتني من أجل وصية أخيك .
قال بصبر : بل من أجل حمايتك أنت وطفليك وأخبرتك من قبل بذلك ، لم أخدعك منال ، كنت صادقًا معك ، لم أكن أحبك من قبل زواجي بك بل أحببتك عندما اقتربت منك .
نظرت له بحنق فأتبع وعيناه تلمع بمكر : عكسك أنت منال ، أحببتني منذ زمن بعيد ولكن كبريائك منعك من التفوه بها بينك وبين نفسك حتى .
نظرت له بعينين متسعة وقالت مغيرة للحديث : هذا لا يمنع أنك خدعتني ولم تخبرني عن وظيفتك ولا عما حدث مع باسم .
جز على أسنانه بقوة وقال بغضب: لم أخدعك ، كنت أفكر بك وبصدمتك إذا علمت بحقيقة باسم .
قالت بألم : استغفلتني ، كنت تسخر مني وأنت تخبرني في كل مرة عن مقارنتي المجحفة بينك وبينه ، كنت تخبرني أنه سياتي اليوم وتربح .
أغمض عينيه وتنهد : لم أستطع أن أجرحك وأخبرك بأنه لم يحبك يومًا .
لمع الغضب بعينيها فأتبع بهدوء : كوني منطقية منال ، لم تستمعي لي إطلاقًا ، لماذا كنت ستصدقينني حينها ؟
لمعت الدموع بعينيها : كما صدقت أنك تحبني .
قال بقوة : أنا أحبك ولم أكذب عليك في شأن مشاعري قط .
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه فمسكها من ذراعها وأدارها إليه بقوة ، تأوهت من مسكته وخاصة أنه امسكها من نفس اليد التي آلمها بها منذ قليل .
فزع من تأوهها ونظر إلي ساعدها فوجد مكان أصابعه واضح بقوة ، شعر بالندم على قوته وغضبه منها
رفع ذراعها أمام وجهه واحنى شفتيه ليقبل مكان الألم برقة ويقول : المعذرة .
ارتجف جسدها بقوة ، وانسابت دموعها على وجنتيها ، فقال بحنان : لا تبكي منال ، وأخبريني بما تريدين وأنا سأنفذه على الفور .
صمتت وخفضت عيناها أرضًا فضمها إلي صدره بقوة ، ثم بعدها عنه قليلاً ونظر إليها ، قبل عينيها برقة وهو يهمس: لا تبكي منال .
كفكف دموعها بشفتيه وهو يمسحها من على وجنتيها برقة وحب ولهفة : أرجوك منال ، توقفي ، لم أخدعك يومًا، أنا أحبك بل أعشقك .
شعر بها بين يديه تذوب برقة وشوق إليه فضمها إلي صدره وهو ينثر قبلاته على رأسها وعنقها همس في أُذنها : انظري إلي .
رفعت عيناها إليه فقال بلهفة : أخبريني أنك كنت غاضبة من أجل الأوراق وأن ما تفوهت به كان كذبًا لتغضبيني لا أكثر .
فهمست : نعم كنت غاضبة منك .
ابتسم : وأنا مستعد لتقديم فروض الولاء والطاعة ومصالحة أميرتي الجميلة .
***
أنهت غسل الأطباق وترتيب المطبخ رغم اعتراض الدادة على ما تفعله ولكنها كانت في حاجة إلي عمل أي شيء لتبعد رأسها عن التفكير ، سعدت كثيرًا عندما أتت إيناس وساعدتها في بعض الأشياء القليلة وتحدثا سويًا .
نشفت يديها من الماء وهي تستمع إلي إيناس الجالسة على المائدة الصغيرة الموضوعة في أخر المطبخ ، التي قالت بضجر : لا أعلم لم لا ترد على هاتفها ؟
نظرت لها وقالت : من هي ؟
سوزان ، لقد غادرت بشكل غريب ، أشك أنها تشاجرت مع بلال ، لا أعلم ما بهما ولكن العلاقة بينهما متوترة .
عقدت ليلى حاجبيها  : كيف ؟
ابتسمت إيناس : أن سوزي وبلال مولعان ببعضهما البعض منذ أن كنا صغار .
وقريبًا سيخطبها بلال.
ابتسمت ليلى بسعادة : ربنا يوفقهم .
تنحنحت إيناس وقالت : إذًا لن تخلدي للنوم تعالي لنسهر قليلاً أمام التلفاز ، فأنا لست معتادة على النوم مبكرًا .
اتسعت ابتسامة ليلى وقالت بدفء : طبعًا حبيبتي .
صفقت إيناس بطفولية : حسنًا لنجهز إلي السهرة .
ابتسمت ليلى وهي تراها تهرع إلي الثلاجة وتخرج منها الكثير من المشروبات الغازية وتأتي بأكياس الشيبس والمكسرات لتفرغهم في الأطباق وتضعهم بصينية كبيرة ، همت بحملها لتقول ليلى : انتظري سأحملها معك ، أنها ثقيلة عليك .
ابتسمت وهي تقول : لا أنا معتادة على الأمر ، لطالما أعددتها لقضاء سهراتنا .
سألت ليلى : كنت تسهرين بمفردك
ضحكت إيناس بعفوية : لا طبعًا ، رفيقة سهراتي الدائمة سوزان
أخفضت صوتها و اقتربت من ليلى وقالت بخفوت : وكان بلال دائمًا يتفنن في اختراع طلبات تعجيزية أصنعها له حتى يجلس معها بمفرده .
احمرت وجنت ليلى تلقائيًا وهي تضحك ، وضربتها على كتفها بخفة : ألا تخشين من غضبه إذا سمعك تتفوهين بما تقوليه ؟
قالت بتلقائية: بالطبع أخشى منه ولذلك أنا أخبرك بصوت منخفض .
صمتت قليلا وهي تدخل إلي غرفة المعيشة ، ووضعت الصينية من يدها والتفتت إلي ليلى وسألتها بتوتر : لن تخبريه أني أخبرتك أليس كذلك ؟
ضحكت ليلى على تلك الطفلة التي أمامها وقالت بحنو : لا حبيبتي ، ما بيننا من أسرار لن يخرج من بيننا .
اتسعت ابتسامة إيناس وجلست بجانبها في أريحية وأمسكت بجهاز التحكم في التلفزيون : ها ، ماذا تفضلين ؟
هزت ليلى رأسها أي شيء ، هاتي ما تفضلينه أنت .
بدأت إيناس في تحويل قنوات التلفزيون العديدة لتنتقي منها شيء يشاهدانه لتتبع ليلى:
__أخبريني إيناس ، أنت في الجامعة أليس كذلك ؟
هزت إيناس رأسها بالإيجاب : نعم في الجامعة الأمريكية .
هزت ليلى رأسها وقالت : لذلك لكنتك مختلفة عن بلال .
نظرت لها إيناس في استفهام فأكملت : لغتك العربية تشوبها اللكنة الإنجليزية الأمريكية .
ابتسمت إيناس في خجل : نعم لقد تربيت في مدارس أمريكية ودرست باللغة الإنجليزية وكان طبيعيًا أن اكمل دراستي في الأيه يو سي .
__ماذا تدرسين ؟
قالت بإنجليزية هذه المرة : إيكونيميست .
تداركت الأمر وقالت سريعا : اقتصاد .
ضحكت ليلى وقالت : أن لغتي الإنجليزية أكثر من جيدة ، واستطيع محادثتك بها أيضًا .
احمرت وجنتا إيناس بخجل وقالت : لم أقصد ولكن أمي تطالبني دائمًا بالتحدث بالعربية وتغضب عندما "ارطن" بالإنجليزية كما تقول .
ضحكت ليلى ثم سألتها : وما أخبارك في الجامعة؟
ابتسمت الأخرى في فخر : مرت السنة الأولى على خير الحمد لله ، وأتوقع أن احصل على تقدير جيد جدًا ، كونت صداقات عديدة غير صديقاتي اللاتي أعرفهم من قبل ، وكانت سنة سعيدة ، استمتعت بها .
ابتسمت ليلى وقالت : لديك هوايات.
هزت إيناس رأسها بقوة : طبعًا ، أهوى الغناء .
رفعت ليلى حاجبيها بدهشة والأخرى تتبع : أصدقائي أخبروني أن صوتي أكثر من جيد ، واشتركت في الفرقة الغنائية
أخفضت صوتها مرة أخرى وقالت : لكن لا أحد هنا يعلم ، أبي كان معارض لهوايتي الغنائية ولا أعلم رأي بلال في ذلك الأمر.
عادت إلي طبيعتها : ولكني أفضل الأغاني الأجنبية ، أشعر بموسيقاها اكثر وانطلق معها .
ابتسمت ليلى وهي تشعر بسعادة غريبة وتلك الطفلة الكبيرة تثرثر بطريقة محببه إليها وقريبة منها : إذًا اسمعيني شيئًا .
احمرت أذنيها وقالت بإحراج : لا ، أنا لا اغني بمفردي أبدًا
قالت ليلى بحماس : سأساعدك .
انتقل الحماس إلي الأخرى فقالت : انتظري إلي أن تأتي أغنية مفضلة لدي وسأغني معها ولكن لا تنسي وعدك بمساعدتي .
هزت ليلى رأسها موافقة : حسنًا .
أخذت تنتقل هذه المرة بين قنوات التلفزيون سريعًا وهي تبحث عن إحدى أغانيها المفضلة إلي أن رمت جهاز التحكم من يديها بعد أن رفعت الصوت وصفقت بجزل وهي تقول بإنجليزية : أنها مفضلتي .
ابتسمت ليلى واهتمت بسماع الأغنية التي كانت في بدايتها ومن الواضح أنها أغنية جيدة فالموسيقى في البداية هادئة ، لتموت الابتسامة على شفتيها وهي تنصت إلي الأغنية .
I was thinkin about you, thinkin about me.
Thinkin about us, what we gonna be?
Open my eyes; it was only just a dream.
I travel back, down that road.
Will you come back? No one knows.
I realize, it was only just a dream.
"كنت أفكر فيك
وأفكر في نفسي
أفكر في كلينا و ماذا سيحدث لنا
ثم أفتح عيناي
لقد كان مجرد حلم
وأعود من نفس الطريق
فهل تعود؟
لا أحد يعلم
وأدرك أنه كان مجرد حلم"
شعرت بالألم يسيطر على قلبها ولم تعد تسمع ما حولها وهي تفكر بأنه كان حلمًا بالفعل انتبهت على صوت إيناس يعلو مع الأغنية وهي تشدو بانفعال مع الفتاه التي تغني في الأصل
When I'm ridin I swear I see your face at every turn.
I'm tryin to get my usher on, but I can let it burn.
And I just hope you'll know you're the only one I yearn for.
No wonder I'll be missing when I'll learn?
Didn't give you all my love, I guess now I got my payback.
Now I'm in the club thinkin all about you baby.
Hey, you were(was) so easy to love. But wait, I guess that love wasn't enough.
"حينما أقود اقسم أني أرى وجهك في كل منحنى
أحاول ان اتبع دليلي ، لكني لا أستطيع الاستمرار
وكلي أمل أن تدرك أنك الوحيد الذي اشتاق إليه
لا عجب أني سأفتقدك حينما أدرك أنني لم أعطك كل الحب"
" اعتقد أني دفعت الثمن
والآن أجلس أفكر فيك حبيبي
لقد كان حبك سهلا
لكن مهلاً.. أعتقد أن الحب لم يكن كافيًا "
أغمضت عيناها بقوة وهي تطرد صورته من رأسها وعقلها ، تحاول أن توقف دقات قلبها المتسارعة ، تحاول أن لا تفكر به وبما فعله معها وأنه ذهب ولن يعود
لماذا أخبرها بحبه ، إذا كان سيغادر ولن يعود ، ولماذا تركها ؟
هل كان يخدعها أم لدية ظروف قهرية تمنعه من التواصل معها ، لن تنسى أنها اتصلت به أكثر من الألف مرة وهاتفه مغلق دائمًا.
انتبهت على صوت إيناس وهي تقول بحماس : هيا ليلى غني معي .

If you ever loved somebody put your hands up.
If you ever loved somebody put your hands up.
And now they're gone and you're wishing you could give them everything.
إذا أحببت يوم شخصًا ما فارفع يدك”
والآن مع ذهابهم تتمنى لو تعطيهم كل شيء"
نظرت لها والغصة تسيطر على حلقها والدموع تلسع جفونها دون أن تنساب أو تترقرق حتي في عينيها ، وجدت نفسها تبتسم باتساع وهي تنظر إلي إيناس التي بدأت في التمايل مع الأغنية بقوة وقالت برجاء وهي تسحب ليلى لتقف معها: هيا ليلى
وتعجبت أيضًا وهي تبدأ بالتمايل معها وتغني هي الأخرى وهي تشعر أن الكلمات تخرج من قلبها : 

I was thinkin about you, thinkin about me.
Thinkin about us, what we gonna be?
Open my eyes (open my eyes); it was only just a dream (it's just a dream).
I travel back (travel back) (i travel back), down that road (down the road)(down the road).
Will you come back? No one knows (no one knows).
I realize, it was only just a dream (No, no, no...).
And I was thinkin about you, thinkin about me.
Thinkin about us, what we gonna be?
Open my eyes (open my eyes) (open my eyes); it was only just a dream (it's just a.. it's just a dream).
So I travel back, down that road
Will you come back? No one knows.
I realize (i realize), it was only just a dream
(baby, it was only just... it was only just a dream)
Nooo... Ohhh...
It was only just a dream.
وقف ينظر لأختيه وهو يكتم ضحكته التي كادت أن تنفلت منه أكثر من مرة لا ينكر سعادته بانطلاق إيناس الذي كان يتوقعه فهو يعلم أخته جيدًا ، مرحة ومنطلقة ولكنها تأخذ القليل من الوقت للاعتياد على الأشخاص ، ثم أنه شعر بغيرتها الأيام السابقة فهي كانت المفضلة لأمه وأتت ليلى فجأة لتأخذ مكانتها كما تخيلت هي ابتسم وهو يشعر بأن الأيام القادمة ستمر على خير تنحنح ونظر لها بنصف عين : كم الساعة الآن إيني ؟
احمرت وجنتا ليلى بقوة وقالت الأخرى بدلال : لم أنظر بها .
قاوم ضحكته : ألم أخبرك أن ترحمينا من مواهبك الجليلة تلك ليلًا؟
تقدمت منه وهي تتمايل بدلال طفولي وأحاطت عنقه بذراعيها :لما ألا يعجبك صوتي ؟
لوى شفتيه نافيًا : لا للأسف .
احمرت وجنتاها بخجل ، فانطلقت ضحكته عالية وضمها إلي صدره : صوتك رائع ايني وأنت تعلمي أني أحب أن اسمعك وأنت تشدين به ولكن ليس بذلك الوقت صغيرتي.
قال بخفة وهو يدير نظره إلي ليلى : ولكن اليوم اهديتني شيئاً لم أكن أتخيله فبسبب غنائك علمت أن ليلى صوتها رائع أيضًا .
احمر وجهها بقوة وقالت بتلعثم : لا إن إيناس من كانت تغني .
ابتسم وقال : سأعرف كل شيء عن هذا في وقت أخر ، هيا اخلدا إلي النوم لدينا يوم طويل غدًا .
قبل وجنتي إيناس واقترب من ليلى وقبل رأسها وقال : تصبحون على خير .
غادر من أمامها فقالت ليلى : هيا إيناس فبلال محق يجب أن نخلد إلي النوم .
هزت إيناس راسها وقالت : حسنًا ،تصبحين على خير .
تركت إيناس مجبره فهي لا تريد الاختلاء بنفسها الآن  إطلاقًا ، لا تريد أن تفكر به وتستعيد ما حدث في تلك الأيام الأولى لاختفائه وبعده عنها ، عندما أتى بلال بها إلي منزل والدتها واكتشفت مدى قربه من بيت سيادة السفير فهو يقع بنفس المنطقة ، وعلمت بأمر عودة منال وذهبت إلي الفيلا كانت حزينة مما عرفته عن عمها ولكنها كانت سعيدة بالعودة إلي والدتها شعرت أنها تحتاج أن تتكلم معه ، تحتاج أن تستشيره فيما ستفعله مع عمها ، بل تشعر بالخجل الآن كلما تذكرت 
أنها كانت تشعر بشوق شديد له وتشعر بالشوق لأن يضمها إلي صدره لتبكي وتشكو إليه من خداع عمها لها ، تشعر بأن يمزح معها كما يفعل دائمًا .
شعرت بالعرق يضخ من وجهها واحمرت أذنيها بقوة وهي تتذكر قبلته ، وهمسه الذي غزى روحها ،نغزها جرح يدها القديم فضغطت عليه مكان شفتيه بقوة ليؤلمها أكثر وهي تفكر أنه كان مجرد حلم ليلى ، ألم تدركي إلي الآن ؟ كنت تحلمين عزيزتي وهذا هو واقعك اليوم فتعايشي معه.
*** 
ينظر إليها بحب وهو يتنفس بقوة ، حرك أنامله بخفة على كتفها العاري فدفنت وجهها في عنقه بخجل كما تفعل دائمًا ،ضمها إلي صدره وقبل راسها بحنان وهمس عندما شعر بها تهتز بين يديه : منال انتهينا من البكاء .
دفنت وجهها في تجويف رقبته وهمست : ألم تخبرني أنك ستنفذ ما سأطلبه منك خالد ؟
همس بهدوء : نعم منال .
قالت وهي تسيطر على دموعها : أريدك أن تغادر خالد،
تصلب جسده فأتبعت : لفترة قليلة من الوقت حتى استوعب ما حدث .
ابتسم بألم وقال وهو يربت على رأسها : على راحتك منال ، أبلغتني عندما تشعري بأنك تريدين عودتي .
نهض من جوارها واتجه إلي دورة المياه وهي تنظر في أثره بدهشة ، لم تصدق أنه سيتركها بهذا الهدوء ، ولكنه تحرك من جوارها دون أن يناقشها في أسبابها نظرت إلى باب دورة المياه وهو يفتح وهو مرتدي ملابسه فقالت بانزعاج: إلى أين ؟
ابتسم بهدوء وذهب إليها لينحني ويقبل رأسها : أراك على خير منال .
الصدمة عقدت لسانها والدهشة عمت حواسها ولم تستطع أن تنادي عليه وهي تراه أمامها يخرج من باب الغرفة لا تعلم لم شعرت أنه لن يعود إليها أبدًا ، غادر ولن يعود أجهشت في البكاء وهي تلعن غبائها
***                    
استيقظت متململة وحاولت أن تتحرك ولكنها لم تستطع ،يوجد شيء يمنعها عن الحركة، فتحت عينيها بقوة وهي ترى بشرته البيضاء أمام عيناها وشعرت بذراعيه القويتين تحاوطها وكأنها ستهرب منه ،شعرت بالخجل يغزوها وحاولت أن تتخلص من يديه التي تحيطها ، ليهمهم  هو بكلمات غير مفهومة حبست على أثرها أنفاسها
وتوقفت عن الحركة، فوجئت به يبتسم ويضمها إلي صدره ويهمس وعينيه مغمضة : صباح الخير حبيبتي .
انعقد لسانها وهو يضمها إليه اكثر ويقبلها بحب : صباح سعيد على كلينا .
احمرت وجنتاها بقوة وسألت بحياء : كم الساعة الآن؟
عقد حاجبيه وتقلب لينظر إلي ساعة يده : قاربت على الثانية عشر ظهرًا .
قفزت واقفة من الفراش وهي منزعجة قال بتعجب : ما بك؟
قالت بتلعثم وهي تلوم نفسها : كريم، أنه يستيقظ باكرًا، كيف نمت هكذا؟
اسند ظهره للفراش وقال بكسل : لا تقلقي من المؤكد أن المربية اعتنت به .
اتسعت عيناها بدهشة : المربية .
همهم وهو ينهض من الفراش : نعم لقد أتيت بمربية له كما قال الطبيب منها أن تعتني به ومنها أن تمارس التمرينات معه بطريقة يومية ليتحسن سريعًا .
قالت بغضب : دون أن تخبرني .
نظر لها ببرود : أنه طفلي هنادي، والآن علي أن أهتم به كما ينبغي يكفيك ما عانيته معه السنوات الماضية بمفردك .
اقترب منها وابتسم : ثم لا تقلقي أنها آتية بتوصية من طبيبه الخاص .
تركها بعد أن قبل جبينها وهي تنظر في أثره مدهوشة من تصرفاته الجديدة والعجيبة عليها تمتمت : هل جن هشام ؟!
***                
وقفت تصافح ياسمين وابتسامتها تعلو شفتيها ، همست ياسمين : لا داعي لدعاية معجون الأسنان ، أشعر بتوترك مهما فعلت .
زفرت بتوتر : لا تنسي أنها أول تجربة لي في الطيران .
ضحكت ياسمين بخفة : لا تخافي ، أنها متعة ستعتادينها مع الوقت .
مرحبًا ، كيف حالك ياسمين ؟
ابتسمت باتساع : بخير حال سيد بلال .
ضحك بخفة فأتبعت : اعتني بها حتى لا تلاقي غضبي .
احنى رقبته وهو يبتسم بجاذبية : لا أستطيع أن أغضبك يا جميلتي .
ابتسمت بدلال فطري فأتبع : أتمنى لك النجاح اليوم .
قالت بأمل : إن شاء الله .
احتضنت ليلى مرة أخرى وقالت :سأتركك الآن لدي مائة شيء يجب فعله قبل المساء .
قبلتها ليلى : أعلم ياسمين .
شدت على يديها بقوة : سأتصل لأطمئن عليك .
__إن شاء الله .
التفتت لتصافحه بقوة كعادتها وهمست : اعتني بها بلال .
انحنى ليهمس لها برقة : لا تقلقي عليها ، طمأنني عنك اليوم لا تنسي .
ابتسمت باتساع : إن شاء الله ، أراك على خير .
ودعتهم وانصرفت في عجالة من أمرها ، ليعود هو الي شقيقته : هيا ليلى لنأتي بأمي ، سينادون على طائرتنا الآن .
تدخل بسرعة إلي ساحة المطار لتودعه قبل أن يسافر مع والدته ، على أمل أن تزيل بعضًا من التوتر السائد بينهما الآن ، تسمرت ونظرت بغضب إلي تلك الفتاه التي تعرفها جيدًا ، وتفكر ما مدى معرفته بها لن تنساها قط ، هذه حبيبة وليد التي يخفيها عن العيون ، شعرت بالغضب يأكلها لتتقدم منه سريعًا وتقول بحنق : من تلك الفتاة؟ ومن أين تعرفها ؟
التفت اليها في حدة ونقل نظره بينها وبين ليلى في توتر ، ثم قال ببرود : صباح الخير سوزان .
جزت على أسنانها وظهر الغضب على وجهها لتقول ليلى بابتسامة دافئة :كيف حالك سوزي ، هل تسألين عن ياسمين ، أنها ابنة عمي .
شعرت بالحرج من وجود ليلى فهي لم تراها على الإطلاق بل كل ما رأته وهو يميل ويبتسم على تلك الفتاة "حبيبة وليد "
شعرت ليلى بالتوتر فقالت بهدوء : سأذهب لآتي بأمي وإيناس .
انتظر إلي أن انصرفت ليلى وقال بجمود : لماذا أتيتي؟
احمرت وجنتاها بإحراج وقالت بتلعثم : جئت لأودعك .
ابتسم بسخرية وقال : لم أكن أريد وداعك .
ازدردت لعابها في ضيق وقالت : بلال أرجوك لم اعتاد عليك وأنت قاسي بتلك الطريقة ، لم تغضب مني قط من قبل .
نظر لها وعيناه تنطق بشرارات الغضب فأتبعت : حسنا ، جئت لأودعك فقط ، لا أريد شيئاً أخر إلا أن تسافر وأنا مطمئنة عليك .
قال باقتضاب : شكرًا .
عضت شفتيها وقالت : ألن تخبرني ما مدى علاقتك بتلك الفتاة ؟
نظر لها من بين رموشه وقال ببرود : فقدتي الحق في هذا السؤال سوزان ولا أريد أن أتناقش معك في لماذا فقدتيه ؟
ترقرقت الدموع في عينيها وقالت برجاء : ألن تسامحني ؟
نظر لها وهو يشعر بطوفان يمحي كل مشاعره السلبية ولكنه ابى أن يهدر كرامته فقال بجمود : أبدًا.
صمتت وهي تنظر إلي وجهه الجامد ، لم يكن أبدًا بتلك القسوة ، قالت بانكسار : حسنًا سأنصرف أبلغ سلامي لخالتي وإيناس.
أعطاها ظهره وقال بقوة : مع السلامة .
قالت بخفوت : أراك على خير .
نظر لها بطرف عينه وأتبعها بنظره إلي أن اختفت من أمامه وهو يشعر بقلبه يتمزق، انتفض بقوة وهو يقول لنفسه : كن رجلاً لن تموت من غيرها .
***                    
فتح عينيه على صوت أنثوي حاد يصرخ : سأراه ولا تقولين ممنوع .
ردت الممرضة بهدوء :الزيارة ممنوعة الآن ، ثم أنه نائم .
ركز نظره جيدًا ليجد الممرضة المسئولة عنه واقفة في باب الغرفة وتتكلم مع أحد بالخارج ، تنحنح وقال بقوة : ماذا يحدث هنا ؟
التفتت الممرضة لتنظر إليه ففوجئ بأنها تُدفع قليلاً وتدخل من ورائها صاحبة الصوت الأنثوي الحاد ، رفع حاجبيه بدهشة : فاطمة !!
اقتربت منه في لهفة وجلست بالمقعد الملاصق لفراشه ، قالت بسعادة : حمدا لله على سلامتك .
ابتسم بهدوء : الله يسلمك ، ما الذي جاء بك ؟
أدارت عيناها بلهفة على وجهه :جئت اطمئن عليك ، كيف حالك الآن ؟
قال برسمية : بخير والحمد لله .
وضعت يدها على يده بحميمية فقال بجدية : فاطمة
قالت والدموع تملأ عينيها : لا أعلم كيف أشكرك على ما فعلته من أجلي ، أنت بطلي عبده .
قال بجدية : أنه واجبي وعملي .
هزت رأسها بعدم اقتناع فأتبع بصرامة : أنا مكلف بحمايتكم ومن الطبيعي أن أدافع عنك بحياتي .
نظرت إلي عينيه واقتربت منه لتلامس بشفتيها خده فانتفض وصاح باستنكار: فاطمة.
أبعدت عيناها عنه : أعلم انك تحب ليلى ولا أريد منك شيئاً ولكني أردت شكرك لا أكثر .
قال بحنان أخوي : انتبهي إلي نفسك يا صغيرتي .
نظرت له وقالت بهدوء : ألا تريد ان تتصل بها لتطمئنها عنك ؟
نظر لها بتفحص فأتبعت : لقد تركت العمل بعد أن انتقلت للعيش إلي والدتها ، سألت عن أخبارها اليوم لأطمئنك عليها .
ابتسمت بامتنان : من المؤكد أنها قلقة عليك .
قال بخفوت : كيف سأطمئنها علي ؟
لمعت عيناها بفرحة حقيقية وأمسكت هاتفها : أتيت برقم هاتفها
قال بسلاسة : أنا احفظه .
احمرت أذناه بقوة عندما نظرت له بدهشة ، ثم ناولته الهاتف ليعقد حاجبيه غضبًا سألت بتوتر : ماذا ؟
قال بجمود : الهاتف مغلق .
قالت سريعًا : حاول مرة أخرى .
صمتت قليلا ليقول بنفاذ صبر : أنه مغلق .
ابتسمت بخيبة أمل وقالت : سأحاول أنا معها وعندما ترد سأبلغها بوجودك هنا .
قال بحزم : لا فاطمة ، أنا سأتصرف .
تمتمت باعتراض : ولكن .
قاطعها بتصميم : خلاص ، سأتصرف أنا .
شدت على يده مرة أخرى وهي تقول : سآتي لك مرة أخرى .
قال بهدوء : لا تشغلي رأسك .
ابتسمت ونهضت : لا تقل ذلك .
انحنت لتقبله قبل أن تنصرف ليبتعد بوجهه عنها وينظر لها بلوم : كفي عن تلك التصرفات .
ابتسمت بخجل : إن شاء الله ، أراك على خير .
راقب انصرافها بهدوء لينتفض على صوت وليد الناعس يقول بهدوء : ما هذا يا روميو ؟ تفوقت على تلك المرة .
***
نظر إليه بدهشه وقال : أنت هنا .
ابتسم الآخر بسخرية : لا هناك .
ابتسم ببرود : ظريف حضرتك .
نظر له وليد بخبث : بعض مما عندكم يا باشا .
تأفف أمير بوضوح فأتبع الآخر : هل هذه هي الحسناء التي كان وجيه يتكلم عنها ؟
نظر له أمير من بين رموشه : ماذا تريد ؟
اقترب وليد وقال بابتسامة متلاعبة : أريد أن أعلم من تلك الحسناء التي قبلتك منذ قليل .
احمرت وجنتا أمير بقوة وقال بخشونة : وليد .
فقهقه الآخر بقوة وقال : حسنًا ، حسنًا لا تستعمل معي وجه ضابط الشرطة الأصيل.
راقبه أمير وهو يتحرك بسرعة في الغرفة : ماذا تفعل ؟
قال وليد بهدوء : لابد أن انصرف ،معرض ياسمين اليوم وسأذهب لأرى ما سأفعله.
نظر له أمير متسائلا : علام نويت ؟
تنهد بقوة : ادعي لي .
قال امير بابتسامه خفيفة : ربنا يوفقك
***                  
__أين كنتِ؟
توقفت بصدمة من لهجة أبيها الجافة قالت بهدوء : خرجت .
نظر لها وقال بقوة : اعرف هذا، أسأل أين كنت؟
تنفست بقوة : ذهبت لأطمئن على عبدالرحمن .
قال بحنق : دون أن تخبريني .
نظرت بتعجب : لم أخبرك يومًا أبي .
قال بجدية ولهجة حازمة : من الآن لا خروج لكي دون إذن مني ولن تخرجي بمفردك مرة أخرى ، يكفي ما تسببت به إلي الآن .
أغمضت عيناها بقوة وهزت رأسها بالإيجاب : حاضر أبي .
اندفعت إلي غرفتها وهي تحاول السيطرة على دموعها " لابد أن تتخطي هذه الأزمة يا فاطمة ، لابد أن تتناسيها وتكملي حياتك ،لابد فاطمة لابد.
***
واقفة تنظر بتوتر إلي رواد المعرض تشعر بتوتر كبير يسيطر عليها ، فاليوم يعتبر أول يوم لانطلاقها في حياتها العملية وردود أفعال النقاد ستبني عليها حياتها القادمة
تتلفت وتنظر حولها لتتوقف فجأة وتنظر بتركيز إلي القادم نحوها يبتسم باتساع
جزت على أسنانها وهي تنظر إلى الفتاه الرقيقة المتأبطة ذراعه
فكرت وهي تراها " من تلك الفتاه ؟ لا تشبه فتياتك وليد "
انتبهت من أفكارها على صوته وهو يقول بابتسامته الماكرة : كيف حالك يا صديقتي العزيزة ؟

سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " Where stories live. Discover now