الفصل الخامس والعشرون

5.8K 144 1
                                    

دلفت من باب الشقة تحمل طفلها بين يديها وهي تشعر بالإنهاك يتغلل بخلايا جسدها ، فمنذ أن أراها هشام الشقة وهي تحملت أمامه مهمة ترتيبها وتجهيزها وانتقاء الأثاث وها هي تدور بدوامة من الالتزامات ، فيوميًا تذهب إلي عملها ثم تعود إلي المنزل تصحب كريم معها وتذهب لاختيار الأثاث أو معاينة ما فعله العاملين بالمنزل ، بعض الأيام تذهب بكريم لجلساته العلاجية ، أو الذهاب لانتقاء المفروشات
زفرت بضيق وهي تتذكر ان هشام أخبرها أكثر من مرة الا ترهق نفسها وأنه سيطلب من أحد مهندسي الديكور أن يعتني بالشقة ويؤثثها ولكنها رفضت واصرت هي على أنها من ستقوم بتجهيز الشقة وانتقاء الأثاث ، نعم هو يساعدها لا تستطيع الإنكار ولكن على حسب ظروف عمله وتفرغه منه 
أخبرها أكثر من مرة أنه لا داعي للاستعجال ولكنها تريد أن تنتهي من الإقامة  في ذلك البيت التي تشعر به دائمًا أنها مقيدة .
التزمت هي بأوامر هشام وابتعدت عن والدته وابنة خاله المصون ولكن تلك الأخيرة تحاول أن تستدرجها للشجار بأي طريقة ولكنها أعقل من تلك المديحة
ما يرعبها حقًا هي فوزية هانم ، تشعر أنها تنتظر مترقبة ما سيحدث ، لا تفهم تلك السيدة ولكنها تشعر بالخوف منها ، وخاصة بعد أن اكتشف هشام بالصدفة أن عرس ذلك الشاب لن يكون تلك الأيام إطلاقًا فعندما هاتفه ليسأله بمودة عن احتياجاته كما يفعل الأقارب عادة اخبره الآخر أن عرسه أخر الشهر الحالي ، لذا هي شعرت بالخطر يزداد من حولها وخاصة أنها تذكرت أن والدته كانت تريد منه السفر بمفرده معها وتركها هنا هي وطفلها .
طرق السؤال عقلها بقوة " هل تريد منه السفر لتجبره على الزواج من تلك الأفعى التي تجوب امامها ذهابًا إيابًا وتنظر لها بثقة وكأنها تخبرها أنهما قريبا سيصبحان متساويتان في ذلك البيت التعس "
انتفضت بقوة من أفكارها على صوت حماتها تقول بهدوء كعادتها : هنادي .
لوت شفتيها بضيق وقالت بهدوء : نعم أمي .
تعالي من فضلك .
زفرت بخفوت وقالت : حسنًا ، سأضع كريم في فراشه وأبدل ملابسي أولًا .
فوجئت بالسيدة واقفة أمامها وقالت بهدوء : اعطيه للمربية وتعالي أريد أن أتحدث معك .
زفرت بضيق وهي تناول طفلها للمربية وتتبع تلك السيدة المستبدة إلي غرفة الصالون ، وجدتها خالية أمامها فتنفست قليلا من الهواء لعدم وجود الأخرى هنا
سألت بهدوء : أين مديحة ؟
قالت فوزية هانم ببساطة : خرجت لتبتاع بعض الأشياء لها .
هزت هنادي رأسها وقالت بشيء من السخرية : أصبحت تعرف طريقها جيدًا الآن .
تغاضت الأخرى عن نبرة السخرية التي اشتمتها في صوت هنادي وقالت بهدوء : ماذا تريدي هنادي ؟
نظرت لها هنادي باستفهام فاتبعت الأخرى : تكلمت معك في أول الأمر بالحسنى واخبرتك أن من حق ولدي أطفال أصحاء يحملون اسمه ونسبه ، وشعرت حينها أنك موافقة ولو ضمنيا على تلك الفكرة .
نظرت لها نظرة مباشرة : ما الذي غير طريقة تفكيرك وجعلك ترفضين ذلك الاقتراح ؟
اتسعت عينا هنادي بقوة وقالت : أنا التي لا أفهمك يا هانم ، تتكلمين معي عن زواج زوجي بأخرى وكأنك تتكلمين معي عن أحوال الطقس .
أتبعت بغضب : سأسالك أنا هل كنت ستتحملين إذا تكلمت مع حماتك عن رغبتها في تزويج ابنها من أخرى غيرك .
نظرت لها الأخرى ببرود وقالت : حماتي كانت مرحبة بي كزوجة لأبنها.
زمت هنادي شفتيها بحنق وتمتمت : عدنا من جديد فوزية هانم .
قالت الأخرى بلامبالاة : لم نكن انتهينا منه هنادي .
قفزت هنادي واقفه وهي تقول بثورة : ألم تكتفي بما فعلتيه بي سابقًا ؟ أجبرتني على الابتعاد عن هشام على الرغم من علمك بأني حامل منه وأني لازلت زوجته
أتبعت بألم : أنا أخبرتك حينها ولكنك بمنتهى الهدوء كذبت علي وأخبريني أن هشام لن يأتي ، لن يتركك ، ولن يعترف بذلك الولد !!
حينها كنت غبية وصدقتك ، كنت واثقة أنه لن يعصيك أو يغضبك فأنا لمست ذلك عمليًا ، وعلمت مدى حبه لك
سافرت وتركت كل شيء خلفي ، قضيت أيام عصيبة وأنا أدور بولدي على المراكز الصحية العلاجية وأنت لم تسألي عنا يوما واحدًا ، لم تسالي مطلقًا!!
سألت بنبرة متألمة : ألم تفكري بحفيدك طوال تلك الفترة الماضية ؟
ردت الأخرى ببرود : كنت اتحمل نفقات العلاج هنادي أم نسيت ذلك ، وها هو بعد جلسات علاجية مكثفة بالكاد يجلس .
زفرت بقوة وهي تتبع : كل ما أريده ان يكون لولدي أطفال اصحاء .
صرخت هنادي : لا أنت بالأساس لا تريديني زوجة لولدك ، تريدين أن تقهريني فتبحثين عن أي سبب لتريحي ضميرك به ، أنت لا يهمك هشام ، فإذا كان هشام يهمك كنت رأيتي مدى سعادته وهو معي .
أتبعت بألم : إذا كنت مهتمة بهشام لفضلتي سعادته وراحته على راحتك أنت ، ولكنك جعلتيها حربًا بينك وبيني رغم أني لم أضع نفسي ندًا لك في الأساس
أشعلت نار الحرب بيننا وعزفت الطبول وصممت على الفوز ونسيت أننا مختلفتان ، فهو يحبنا نحن الاثنتين أنا لن أكون له أُمًا أبدًا وأنت لن تكوني له زوجة أبدًا .
أتبعت بعصبية وهي تشير بيديها : لا وجه مقارنة يا فوزية هانم ، أنت والدته التي سيظل يحبها وممتن لها ويحملها فوق رأسه لو أدرتِ
وأنا سأظل زوجته التي يعشقها بجنون .
وقفت الأخرى وقالت بغضب : سيعشق غيرك ويستبدلك أيضًا لو أراد ولكنه لن يستطيع أن يستبدلني .
ظهر الحنق في عيني هنادي بقوة وقالت بثقة : لن يفعل ذلك.
قالت الأخرى بتجبر : بل سيفعل .. سيفعلها من أجلي .. ومن أجل أني أريده سعيدًا وأريد أن أرى له أطفال أصحاء يملؤون ذلك البيت ضوضاء وسعادة
أتبعت دون تفكير : ليس ذلك الولد الذي ينطق بالكاد حرفين .
صرخت هنادي بقوة : اخرسي لا تتحدثي أبدًا عن طفلي .
همت الأخرى بالرد لتنظر الي ما ورائها ثم يظهر الانكسار على وجهها وتقول : أرأيت هشام زوجتك تهينني في بيتي وبوجودك أيضًا ؟

وقف صامتا ينقل نظره بينهما هما الاثنين ، منذ ان دخل الي الشقة ووجد الباب مواربا وهو يشعر بالريبة وشيء ثقيل يجثم فوق صدره وتأكد شعوره بأن يوجد مصيبة ثقيلة تنتظره عندما سمع صوت هنادي العالي في بادئ الأمر لم يتبين محتوى الحديث إلا عندما اقترب وسمع الحوار الدائر بينهما حرفيًا
جز على أسنانه غضبًا   وهو لا يحتمل فكرة أن والدته تتصرف معه كقطعة شطرنج تستطيع أن تحركها كما تريد ، ولا يحتمل غباء الأخرى التي صدقت ما أخبرتها به والدته ، لم تثق به أبدًا بل تعاملت معه على أنه طفل صغير لن يستطيع تحديد مصيره .
ورغمًا من الاختلاف الناشئ بينهما إلا انهما اتفقا على أنه طفل لن يستطيع أن يزن الأمور ولا يقدرها ولا يستطيع أن يفعل إلا ما يريدونه الكبار !!
انتبه على والدته تتحرك نحوه مسرعة وترمي نفسها بحضنه وهي تبكي وتقول : هل أنت راضٍ عن معاملة زوجتك لي ؟
تحرك جفنه الأيسر بطريقة عصبيه ليقول بصوت هادئ وهو يرفع نظره لها  : لا أمي لا يحق لها أن تتحدث معك بتلك الطريقة .
شحب وجه هنادي بقوة وشعرت بالقهر يغتالها وهي تنقل نظرها  إلي الأخرى وترى نظرة الانتصار متألقة بعينيها ، شعرت بأنها على وشك الموت عندما أتبع هو : وعليها أن تعتذر لك بطريقة لائقة .
اندفع الدم بعروقها مرة واحدة كما انسحب منها فجأة ليحمر وجهها ويربد من الغضب لتقول وكل انش بجسدها يرتجف : ألم تسمع ما قالته والدتك عن كريم ؟
أتعبت بثورة : ألم تسمعها وهي تقول أن كريم ليس الصورة التي تتمناها لحفيدها ؟
نظر لها بصرامة وقال بقوة : هنادي . اخفضي صوتك .
ارتدت للوراء وهي تشعر بالتبعثر يمتلكها ليتبع هو : أمي يحق لها أن تقول ما تريد وأنت ليس لك أدني الحق في الرد .
اكمل آمرًا : اعتذري لها الآن حالاً .
جزت على أسنانها بقوة ونظرت له بتحدي : لن أعتذر فإذا كان من حقها المدافعة عنك والتدخل في شؤونك لأنها والدتك وتريد لك الأصلح ، أنا أيضًا من حقي أن أدافع عن طفلي أمام أي أحد حتى لو كانت والدتك .
انصرفت بثورة من جانبه وهي لا يرمش لها جفن ، غادرت الغرفة وهي في تمام الاقتناع أنها لن تتنازل أكثر من ذلك ، فحتى لو خسرت هشام لن تخسر نفسها أبدًا .
لن تنحني لتلك السيدة المتجبرة التي لا تنفك أن تتدخل بحياتها وتفسدها ، ستبقى كما اعتادت رأسها مرفوع ولن تحنيه حتى لو كان ذلك من أجله هو !!

جز على أسنانه غضبا وهو يغمض عينيه من تحديها السافر له ، كان يعلم أنها لن تعتذر ، فهي لن تتغير أبدًا.
انتبه على والدته التي تقول بغضب : أرأيت كيف لم تهتم بك وبكلمتك ، أرأيت كيف أنها لا تستمع إليك ، أخبرتك من قبل أنها عنيدة ولن تستطيع ترويضها ، ستبقى شوكة في خصرك تألمك كلما تحركت ، أنها تحتاج إلى أن تتعلم الأدب والتربية من أول وجديد .
جلس بتعب وهو يسمع كلمات والدته الغاضبة وينظر إليها وهو لا يتخيل أنها فعلت به ما سمعه بإذنيه ، كانت تعلم عن طفله وهي من أجبرت حبيبته على الرحيل ، فعلت كل ما استطاعت لتخرب حياته وبيته الذي حلم به طويلا ، وها هي تفعلها من جديد وهي تعلم جيًدا أنه لن يستطيع منعها!
تنبه من أفكاره على جملتها الأخيرة ليشعر بالسخرية تلبسه فابتسم بألم وقال : ماذا تقترحين أمي لإعادة تربيتها ؟
همست بفرحة : تزوج من غيرها .
حاول أن لا يضحك ، ولكنه لم يستطع ، انفجر ضاحكا بقوة إلي أن دمعت عيناه ، أمام نظرات أمه المندهشة ، سيطر أخيرًا على ضحكاته لينظر إلى نظرتها المتسائلة:
  علام تضحك هشام ؟
ابتسم باتساع وهو يقول باستهزاء : أخبريني أمي ، هل تعرفين كم عمري الآن ؟
عقدت حاجبيها بعدم فهم وقالت : ما دخل ذلك بحديثنا ؟
زفر بقوة : لقد أصبحت رجلاً كبيرًا أمي ، رجلاً أستطيع أن أفهمك جيدًا وأعلم ما ترمي إليه ، وماذا تريدين من وراء تلك الأفعال ؟ هل توقعت أني غافل عنك أو عن ذلك الكره الذي تكنيه لهنادي  ، هل توقعت أني لا افهم سبب اتيانك بمديحة من البلد معك وجلوسها معنا هنا
هز رأسه بسخرية : ما زلت تتعاملين معي على أساس أني الصبي ذو الخمسة عشر عامًا ، لم تدركي أني كبرت وأصبحت رجلاً أفهم ما يدور من حولي .
نظر إلي عينيها وقال بعتب : توقعت أن تفعلي أي شيء أمي إلا أن تهدمي سعادتي ، توقعت أن تتشاجري معها .. تضايقينها .. وكنت على أتم الاستعداد أن أفعل لك ما تريدينه من أجل أن افهمك أني لن أتخلى عنك أبدًا فأنت أمي ، أفنيت عمرك كله من أجلي
أتبع بغصة : لكني لم أتوقع أبدًا أن تتلاعبين بي بتلك الطريقة ، لم أتوقع أن تكونين على علم بوجود حفيد لك ولا تشتاقين لرؤيته ، بل تبعدينه عني تجبريها على السفر وأنت تعلمين أنها حامل بولدي ، بل أجبرتها وأنت تعلمين أني سأذهب إليها وأني حسمت أمري
أخبرتها أن الشاب الذي أحبته وتزوجت منه طفل صغير يأتمر بأمرك !! 
فخافت وهربت من الفضيحة
نظر إلي عينيها  التي اتسعت خوفًا : ألم تخبريها بذلك أيضًا أمي ؟ أني سأنكر نسب الولد وأننا لن نعترف به ، على الرغم أني أخبرتك بأن زواجي من هنادي كاملاً .
ازدردت لعابها بقوة وشبكت يديها ببعضهما لتنهض واقفة سريعًا أدارت ظهرها له وصمتت قليلاً محاولة أن تهدأ انفعالها ، رفعت رأسها بكبرياء وقالت بصوت هادئ قوي : نعم فعلت كل ذلك ومستعدة أن أفعل أكثر من ذلك بكثير .
ارتفع حاجباه بدهشة لتتحول الدهشة إلي غضب تجسد بعينيه وهو ينصت إلي بقية حديثها ، أتبعت بقوة : أنت ولدي ومن حقي أن تتزوج بمن اختارها أنا ، ومن حقي عندما أرى أن تلك الفتاه التي ارتبط بها لا تصلح لك أن أبعدها عنك ، من حقي أن أتدخل وأقومك عندما لا تستمع إلي .
وقف وقال بثورة : وأين حقي أنا ؟ أين حقي عندما تتعاملين معي على أني قطعة من الأثاث ستتصرفين بها كما شئت ؟! أين حقي عندما تنكرين علي السعادة وتحاولي أن تدمري بيتي ؟! أين حقي عندما تأتين بفتاه لإرغامي على الزواج منها ؟!
قاطعته بصرامة : لا ارغمك على الزواج من مديحة  ، فهي ليست تعنيني ، ما يعنيني حقًا أن تترك تلك الفتاه التي لا تستطيع أن تمنحك طفلا سليمًا وتتزوج من غيرها و تأتي بأحفاد يليقون باسم عائلة المنصوري !!
نظر لها بدهشة تغلبت على غضبه وقال : الكلام لا فائدة منه أمي ، أنت لا تريدين الاقتناع بأني ليس ملكًا لك .
اقتربت منه وعيناه تشتعل من الغضب : بل ملكي ، لقد أفنيت عمري كله عليك ، كل يوم كنت أحلم بك وأنت عريس ، أحلم بأحفادي وهم يملؤون ذلك البيت بالصراخ والضحك والبكاء أيضًا ، ليس من حقك أن تأتي وتهد الحلم بفتاه لا تليق بك وغير قادرة على الإنجاب أيضًا .
نظر إلي عينيها مليًا وقال بهدوء فاجئها : لست ملكًا لك أمي ، وما فعلتيه كل أم بتلك الدنيا تفعله ، ليس من حقك أن تملكيني من أجله ، وتهدين حياتي وحلمي من أجل حلمك أنت .
صمت قليلا واتبع بهدوء : كل ما يحق لك أن أعتني بك في الكبر وأحسن إليك .
نظرت له بعيني مليئة بالتخوف وقالت بنبرة مهزوزة : ماذا ستفعل هشام ؟
أغمض عينيه قليلا ثم تنهد بقوة : أراك على خير أمي ، سآتي لزيارتك اسبوعيًا ان شاء الله ، فقد آن الأوان أن استقل بعيدًا عن بيت العائلة لعلك تدركين أنني كبرت واستطعت الاعتماد على نفسي وتسيير شؤون حياتي بنفسي .
همت بالتمسك به لكنها سيطرت على نفسها وصرخت فيه بحنق : هل ستتركني من أجلها ؟
وقف معطيا ظهره لها وقال دون أن ينظر إليها : ليس من أجلها أمي بل من أجل نفسي .
تحرك بخطوات بطيئة لغرفة نومها وفتح الباب بهدوء وهو يشعر أن الاعصار يقبع خلف ذاك الباب !
شعر بالدهشة تخيم على عقله وهو يجد الغرفة مرتبه وهادئة ، نظر متفاجئ بالسكون الذي يلف الجو من حوله !!
عاد خطوتين ليذهب لغرفة كريم وينظر بها ليجدها فارغة هي الأخرى
تنبه عقله سريعا فعاد إلي غرفته ونظر إلي دولاب ملابسها فوجده فارغًا ، صرخ بقهر وهو يندفع خارجًا من الشقة وهو يعبث بهاتفه ليتصل بها
زم شفتيه بغضب وهو يتوعدها سرًا إذا هربت منه كما فعلت سابقًا  .
          ***
  ياسمين .
التفتت إليه ليحمر وجهها خجلاً من نظراته المسلطة عليها ، همست : توقف عن النظر إلي بتلك الطريقة
ابتسم بجاذبيه وهو يلثم كل انش في وجهها بمقلتيه ، تنهد بقوة ثم قال بتلك النبرة التي تخصها : لا أستطيع .
تنحنحت وهي تشعر بالحرج يملأها وخاصة أنها تشعر أنها تحت العدسة المكبرة وأن كل المدعوين ينظرون إليها ويتهامسون على احمرار وجهها ،
همست برجاء : أرجوك وليد أنا أشعر أن كل من بالحفل يعلمون عما تتحدث به معي ويقرؤون عيناك ويعلمون ما بها .
اقترب اكثر منها وهمس : لا يهمني أحد أنا أتحدث مع زوجتي .
تنهد بقوة مرة أخرى : كم هي رائعة تلك الكلمة .
شعرت أنها ستختنق من الخجل فقالت سريعًا قبل ان يسترسل في حديثه : كنت ستخبرني بأمر ما ؟ ما هو ؟
هز رأسه موافقًا : نعم كنت سأطلب منك أن نرحل الآن ، أريد أن أجلس معك بمفردي .
اتسعت عيناها في ذهول ونظرت له بعدم تصديق وهي تقول : أجننت وليد ؟ نغادر الحفل الآن ؟
زفر بملل وهي تتبع : لابد أن نظل لنستقبل التهاني ومباركات المدعوين .
تنهد بقوة وهو يقول بغيظ : ياسمين أنا أخبرت والدك أني أريد عقد قران عائلي ، انظري إلي كمية الحضور ، أهذا ما يسمى باحتفال عائلي ؟
ضحكت بقوة وقالت : نعم أعلم جيًدا ما كنت تريد وأنا الأخرى طلبت من والدي أن لا يدعو كل معارفنا ولكن والدك ووالدي اتفقا سويًا على إقامة ذلك الحفل ، وصراحتا
لمعت عيناه وهو يرى تلك النظرة الشقية تسطع من مقلتيها وهي تكمل: لقد تركت لهم أمر تنظيم ذلك الاحتفال كما يفضلونه هم لأني أريد أن انظم حفل الزفاف بطريقتي .
ضحك بمرح وقال بهيام : أحبك ياسمينتي .
احتقنت وجنتاها فهمس متابعًا : كل ما عليك أن تحلمي وأنا سأنفذ ولا تخافي لن يتدخل أحد في حلمك ، سأتحدى سيادة الوزير شخصيا إذا لزم الأمر .
ضحكت برقة : إذًا أنت مدرك أن حلمي لن يتناسب مع الكبار .
هز رأسه بمرح : طبعا ، فحلمي أنا الآخر بعيدًا عن كل تلك التعقيدات ،
أتبع وهو يحتضن كفيها ويقربها منه : أريد حفلاً بسيطًا وأنت ترتدين فستانا جميلا ، مسدل على جسدك بنعومة مثيرة تجعلني أفقد صوابي .
ابتعدت عنه بحرج وقالت بلوم :وليد توقف الناس ينظرون إلينا .
قربها منه مرة اخرى : دعيهم ينظرون ويتميزون غيظًا لأنهم ليسوا بموقعنا .
ضحكت بدلال وأتبعت وهي تنظر إليه بوله لمع في عينيها : معك حق ، أتعلم أريده أن يكون على الشاطئ وقت الغروب ، ترتدي أنت الاسموكي وأنا فستان الزفاف بأوله وبعد غروب الشمس نبدل ثيابنا إلي ملابس خفيفة وننطلق .
أكمل وهو ينظر إلي عينيها : لا نتوقف عن الرقص معًا ولا نهتم بأحد .
أتبعت : نعم نرقص على أغاني من اختيارك أنت إلي أن نسقط تعبًا .
همس بصوت دافئ وهو يسند جبينه إلي جبينها : يومها لن أشعر بالتعب قط ، سأحملك على كتفي إذا أردت ،
أتبع بهمس مثير : ولكن لن أسمح لك أبدًا بالسقوط إلا بين ذراعي .
حاولت الابتعاد عنه ولكنها لم تستطع أكمل وهو ينظر إلي شفتيها : لما لا يخبرونا بعد عقد القران أن من المسموح لك تقبيل العروس .
انطلقت ضحكتها مجلجلة ولم تستطع كتمانها ليتبع بغيظ : اضحكي ، من حقك فلست أنت من يكتوي بنار الهوى حبيبتي .
ابتسمت بحب وهمت بالرد عليه لتبتسم باتساع وتقول : والدتك .
عقد حاجبيه ونظر باستفهام فرددت : والدتك تقترب مننا .
ابتسم باتساع وهو يلتفت اتجاه والدته ويفتح ذراعيه مرحبًا بها تحرك سريعًا لتضمه إليها وهي تقول بصوت باكي يحمل عاطفة جياشة : مبروك حبيبي ، ألف ألف مبروك .
احتضنها قويًا وقبل وجنتيها ورأسها ثم انحنى ليقبل يدها وهو يقول : الله يبارك فيكي ماما .
ابتسم والدموع تتجمع في عينيه وهو ينتصب واقفًا ويفتح ذراعيه أمامها بمزح : أرأيتني وأنا عريس أمي ؟
انحنى يقبل رأسها مرة أخرى وهو يقول : هل ماثلت الصورة التي طالما رسمتها لي بخيالك ؟
ربتت على خده بحنان وهي تضحك : بل إنها أحسن من خيالي بكثير وليد.
لتمسكه من ساعديه بحنو وهي تقول بأمومة سطعت بعينيها وصوتها : أنت أجمل بكثير من كل أحلامي وليد ، أخيرًا بكري أراه عريسًا .
ابتسم باتساع وانحنى محتضنا إياها لتهمس له بصرامة : توقف عن مغازلتك العلنية لزوجتك.
احمرت أذناه وقال بحرج : لماذا أمي ؟
ابتسمت وهي تهمس له : انتظر إلي أن تصبحا بمفردكما لا تحرجها هكذا علنًا وأمام الناس .
هز رأسه بالإيجاب وقال : حسنًا ماما .
ابتسمت والدته وقالت : ابتعد عني حتى أذهب لأبارك لها .
ابتسم باتساع وقال بمرح وهو يضمها من كتفيها إليه مرة أخرى : لا لن أبتعد عنك .
ضحكت بمرح وهي تدفعه بعيدًا عنها عندما اقتربت من ياسمين التي اقتربت منها بتلقائيه وهي تقول لها : أترين زوجك العزيز ؟ لا يريدني أن أبارك لك .
ابتسمت ياسمين ليقول هو : سأبارك لها أنا بدلاً عنك .
نظرت له بدهشة وقالت : كيف ؟
أتبع بمرح : سأقبل وجنتيها واحتضنها بدلاً عنك أمي لا تتعبي نفسك .
لكزته أمه في جنبه وقالت الأخرى بعتب ووجهها محتقن بقوة : وليد .
ابتسم بمرح : حسنًا ، حسنًا سأصمت .
تبادلت الحديث مع حماتها بود فائق لتقترب ليلى منها مرة أخرى والغضب ظاهر عليها بوضوح ، ابتسمت بتوتر لياسمين : سأنصرف أنا .
عقدت ياسمين حاجبيها لتبتسم ابتسامة مقصودة وتقول بود : تعالي ليلى ، أنها والدة وليد ، إنعام هانم .
ابتسمت السيدة إنعام وياسمين تتبع : ليلى ابنة عمي .
ابتسمت ليلى بلباقة وقالت : مرحبًا سيدتي .
ابتسمت السيدة بود وصافحتها بحنو : مرحبًا بنيتي ، تشرفت بمعرفتك .
ابتسمت ليلى بخجل وقالت : الشرف لي سيدتي ، مبروك زواج وليد .
ابتسمت السيدة بإعجاب : الله يبارك فيك حبيبتي ، العقبى لك قريبًا .
تنحنحت ليلى ونظرت إلي ياسمين التي ابتعدت بها قليلاً عن وليد ووالدته وقالت بقلق : ما بك ؟ أشعر أنك متغيرة قليلاً ، أحدث شيء لبلال ؟
هزت ليلى رأسها نافية : لا بلال غادر من أجل شيء خاص بالعمل وأنا أشعر بالتعب قليلاً وأريد الانصراف .
نظرت لها ياسمين بعتب : ستتركينني بمفردي ، لا ليلى سأغضب منك إذا فعلتها .
تنهدت ليلى بقوة : حسنًا ، حسنًا سأبقى من أجلك .
همت بالحديث لتتبع ليلى سريعًا وهي تبتعد بعيدًا عنها : عريسك قادم .
ابتسمت ياسمين تلقائيا والتفت لتنظر إليه بهيام لم تستطع اخفائه ، اقترب منها وهو يبتسم وينظر إليها بشغف ، احتضن كفيها بحب وهمس وهو يقربها منه : لم أختر الأغاني تلك المرة ، فانا كنت أفعل كل شيء متعجلًا ولكني سأعوضك المرة القادمة في حفل الزفاف إن شاء الله
ابتسمت بدلال : وأنا سأتمهل إلي أن استمع إلي أغاني الزفاف .
قرب رأسه منها لينظر الي عينيها ويقول بخفوت : ولكني أريد ان أرقص معك حبيبتي ، فاخترت تلك الأغنية لنرقص عليها سويًا .
احتقن وجهها بقوة وقالت وهي تحاول الابتعاد عنه : لن أرقص أمام هذا الجمع من الناس .
ابتسم وهو يشدد قبضتيه عليها ويضمها إلي صدره ويهمس في اذنها : استمعي إلي الأغنية واشعري بها فهي رسالتي إليك اليوم .
نظرت إلي عينيه باستفهام فقبل جنب أُذنها برقة وهو يهمس : فقط استمعي إليها بقلبك حبيبتي .
تهادى إليها موسيقى هادئة ترتفع شيئاً فشيًئا ليتحرك هو بخطوات رقيقة بطيئة عليها ويجبرها على التحرك معه بحنو ورقي

دى اللى خدتنى منى
ودى اللى بتحسسنى انى
ملكت كل الدنيا ديا علشان لقيتها
قابلت كتير وخوفت
وقلبى صدقها اما شوفت عنيها
قولت ساعتها بس خلاص لقيتها

تنفست بقوة وهي تستمتع الي كلمات الاغنية لتبتسم بهيام وهي تتعرف عليها فور أن بدأت وتتذكر أنه كان يتحين الفرص ويديرها بالسيارة وهما معًا
نظرت له ليتبسم بقصد وهو يشير إليها بعينيه بالإيجاب أنه كان يديرها من أجلها
ابتسمت إليه وهي تقترب منه بتلقائية فتنفس بقوة وهو يردد مع الكلمات بخفوت في اذنها

وببقا هاموت واشوفها
وقد ايه بيوحشنى خوفها
كسوفها لما بكون واحشها
دى دنيا كنت هاموت واعيشها

لقيتها بيها
حلم حلمت بيه
كنت هاموت عليه


وقفت تنظر إلي ابنة عمها التي تشعر بها طائرة على غيمة الحب السماوية ، تبتسم من أجلها وتتمنى لها السعادة ، رغم القهر الذي تشعر به إلا أنها سعيدة من أجل ياسمين ، فهي لن تفكر به وبما فعله بها الآن ،
صدح صوت عقلها قويا " ليس الآن ولا بعد ذلك ، اكتفينا منه للأبد "
هزت رأسها بالموافقة وهي تتنفس بقوة وترفع رأسها بكبرياء وتهمس بخفوت " نعم اكتفينا منه للأبد "

تحرك من مكانه وهو يشعر بدهشة كبيرة تجتاحه لم يكن يتخيل أبدًا ، أن ليلى ستتصرف معه بتلك الطريقة ، ولكنه لا يستطيع لومها بل هو يعلم جيدًا أن عليه أن يعتذر عن تلاعبه بها الفترة الماضية ، قرر أن يقوم بمحاولة أخرى معها وتحرك باتجاهها
توقف قليلا والأغنية تخترق سمعه رغمًا عنه  ، لينظر لها مليا وهي تنظر بدورها إلي الرقصة الهادئة بين وليد وياسمين ، شعر بقلبه يهفو إليها وأنه يريد أن يشعر بقربها منه ومن تفهمها إليه
يريد ليلى الرقيقة الهادئة البشوشة ، ليست تلك التي تعاملت معه بعجرفة
شعر بأن الأغنية تصفها بدقة وهو يستمع الي الكلمات التي تشدو من حوله

دى اللى معاها بس بدات احس
ان اللى فات دلوقتى ممكن
بين ايديها فى لحظة يرجع
تنسيك اى حد
اهى دى اللى تستاهل بجد
انك تعيش ليها الحياة
ايه اللى يمنع

رمش بعينيه وهو يقترب منها مسحورًا بتلك الكلمات التي تعبر عن مشاعره جيدًا وهو يتذكر أنه ضرب بكل شيء عرض الحائط عندما رآها في فيلا السفير وتخلى عن حذره بسبب تلك الهالة التي تحيط بها وتجذبه إليها رغمًا عنه ، كان يعنف نفسه كثيرًا بسبب ما يفعله معها ولكنه لم يستطع أن يكبح جماحه ويبتعد عنها
زفر بقوة وهو يؤنب نفسه " إن استطعت أن تتحكم بنفسك قليلاً كان الموقف الآن مختلف كليًا "
اقترب منها إلى حد كاف ليهمس بصوت فخم كعادته : ليلى .
التفتت إليه في حدة وعيناها مترقرقه بالدموع ، لتتسع عيناها بغضب جمد الدموع بعينيها وقالت بكبرياء تألقت شرارته في بحور الغضب في عينيها : نعم .
شعر بالتوتر اللحظي بسبب ردها الجامد عليه فقال بهدوء واتزان : من فضلك استمعي إلي .
قالت بحدة قاطعة : لا أريد .
هم بالحديث لتقاطعه بإصرار : لا أريد الاستماع للمزيد من الأكاذيب ، فأنت أكاذيبك لا تنتهي ، أنت تستطيع تأليف المزيد والمزيد من الحكايات الرائعة التي لا تنتهي فهذه هي مهنتك على ما يبدو .
نظر إلي الأرض وهو يقبض كفيه بقوة محاولا أن يتخطى ما قالته ويسيطر على أعصابه ، مرت لحظات دقيقة وهو صامت ليرفع عيناه إليها ويقول بهدوء : أنا رائد بالشرطة وكنت أعمل بمهمة رسمية في فيلا السفير عندما التقيتك ، لم أستطع أن أخبرك بأني أمير الذي يحدثك عن طريق الانترنت فمقتضيات عملي تنص على عدم ذلك .
قاطعته بصرامة ولهجة باردة : وعملك نص على أنك تتلاعب بي وبمشاعري يا سيادة الرائد ؟!
هتف سريعًا : لم أتلاعب بمشاعرك يومًا ليلى ، لقد عنيت كل كلمة تفوهت بها معك ، لم أكذب قط بخصوص مشاعري اتجاهك .
ابتسمت بسخرية وقالت باستهزاء : بم تسمي ما فعلته إذًا يا سيادة الرائد ؟
أتبعت وهي تنظر إليه بغضب ظهر مليًا على وجهها : لم تتلاعب بي وأنا أعمل عند سيادة السفير ، ولم تتلاعب بي أيضًا الفترة الماضية ، ألم تتركني أحدثك عن حياتي كلها واقصها عليك بالتفاصيل المملة وأنت كنت تعلم كل شيء عني ، ألم أتحدث إليك بعفوية وأنت تسخر مني بردود أفعالك الكاذبة ، بل وأحاديثك المخادعة أيضًا ، ألم تقصد أن توهمني بأنك لست عبد الرحمن ، ألم تتقصد خداعي والكذب علي ، ألم تحاول ايهامي أنك تكن لي المشاعر وأن مكانتي لديك خاصة ، بل تفوهت ببعض العبارات  التي تغاضيت أنا عنها عامدة 
أكملت بثورة : لا يا سيادة الرائد أنت كذبت علي وخدعتني ، قصدت ذلك ، قصدت أن تهين قلبي وأنت تتلاعب به ، بل كذبت على قلبي وعقلي وسخرت مني متعمدا ، وهذا لن اغفره لك أبدًا .

هم بالحديث لتقاطعه بقوة وهي تقول : لا لا أريد سماعك فأنا لن أصدقك على أي حال ، فلا تهدر وقتك الثمين معي يا أسطى .
تحرك أمامها ليمنعها من المغادرة وهو يقول برجاء فخم : توقفي ليلى من فضلك واستعمي إلي .
رفعت عيناها إليه وقالت من بين أسنانها : إن لم تبتعد الآن سأتسبب لك بفضيحة و..
قال بهدوء وهو يقترب منها أكثر وينظر اليها  : لا تتصرفي بتلك الطريقة ليلى .
أشاحت بيدها قويًا وهي تقول بغضب عارم : سأتصرف كما يحلو لي ولن أهتم بك ولا بمشاعرك كما فعلت أنت بالضبط ، سأفعل كل ما يدمي قلبك ويعكر صفو مزاجك فابتعد عن طريقي من الأفضل لك
رفعت عيناها ونظرت إليه بقوة ، لتتسع عيناها بدهشه وتبتعد عنه تلقائيا وهي تنظر إليه بخوف ، التفت حوله وقال بتعجب : ماذا حدث ؟
قالت بشرود ودون تفكير : ماذا حدث لعينيك ؟
عقد حاجبيه بعدم فهم : لم يحدث لها شيئاً  ، لماذا تبدي مرتعبة ؟
ركزت نظرها قليلا لتشتعل عيناها من جديد وتقول له بحنق : أيها المخادع ، لم أرى في حياتي كاذبًا مثلك ،
أتبعت بثورة وصوت مرتفع أجبره على التراجع بعيدًا عنها : ابتعد عني .
انصرفت من أمامه وهو ينظر إليها في دهشة ليتمتم بحنق : مجنونة !!

       ***
                                     
  مستلقي على أريكة مكتبه وهو يرفع يده أمامه وينظر إلي تلك الدبلة التي اهدته إياه يوم عيد مولده ، ينظر من خلالها ، يغلق عينه اليمنى وينظر من خلالها بنصف عين ، يشعر بأنه يرى الكون كله من تلك الحلقة الضيقة
رمش بعينه وأطبق كفه عليها وهو يشعر بأنه مقيد بتلك الدبلة بل إنها تتسع وتلتف حول عنقه لتزيد من خنقته التي لم تفارقه منذ أن أتت له ذلك اليوم تترجاه أن يجد حل لتلك المصيبة التي أوقعت نفسها بها
يتذكر جيدًا دموعها التي اغرقت خديها وهي تبكي وتخبره أنها استاءت من تصرفات وليد معها فقدمت به الشكوى لإدارة الإذاعة  ، ولم تتخيل أن الاستاذة باكينام ستفعل الشكوى وتبعثها للنيابة .
يومها كتم انفجاره وعندما نظر إليها بجمود يسألها عما حدث ، قالت بنبرة مرتجفة أن وليد لم يقرب إليها ولكنه ضايقها بمغازلته الجريئة وأن أكثر من فتاه اشتكين من تصرفاته و أنها ارتبكت إحدى حماقتها الكثيرة التي معتاد عليها هو .
نظر لها نظرة جعلتها ترتجف أمام عيناه ولكنها لم تتفوه بحرف زيادة!!
يعلم جيدًا انها كاذبة ، يشعر بذلك ولا يستطيع أن يكذب حدسه وشعوره بها ، فلطالما حدسه انبئه بما تخفيه ، كانت تخترع الحجج لوالديها وتقنعهما بها وعندما ينظر إليها يعلم أنها تخدعهم .
تنفس بقوة وهو يتذكر مواقف كثيرة لهما معًا ، شريط سينمائي يعرض أمام عيناه ولا يستطيع أن يوقفه ، بل يستمر بالعرض مرارًا وكانه يجلده بذكرياتهما معًا !! 
أغمض عيناه وهو يشعر بفقدانه لها يعذبه ولكنه لا يستطيع أن يقترب منها أيضًا
باتت علاقته بها كمعادلة عويصة استعصى عليه حلها !!
غمغم عقله " بل مستحيل حلها ، لقد أغلقت أمامك كل الأبواب "
هز رأسه باسى وهو يعود ويفكر " نعم طبيعته لا تحتمل أن يقترب منها مرة أخرى وهو يشك مجرد الشك بأن قلبها دق لأحدًا غيره ، وخاصة أن ذلك الآخر لم يبثها عواطفه كما فعل هو ، بل لم يشعر بها من الأساس فقلبه ملك أخرى "
أغمض عينيه وهو يدفع بصورته بعيدًا عن مخيلته ، فهو إلي الآن لا يعلم كيف سيطر على أعصابه ولم يوسعه ضربًا ، ليس من أجل ما فعله بحبيبته الصغيرة ، بل لأنه سرق قلب ياسمين أيضًا
فتلك النظرة التي خصته بها ياسمين جعلت الاشتعال يزيد بصدره ، فذلك الوقح المستهتر لا يستحق فتاه رائعة كياسمين ، لا يستحق أن تمنحه حبها بتلك الطريقة
ضرب بقبضته المتكورة على دبلتها ظهر الأريكة المستلقي عليها بقهر وهو يقول بعنف خافت : بل لا يستحق أن تصبح زوجته أو تتنازل وتحمل اسمه
اشتعل الغضب في عينيه فتحولا لونهما البني إلي البني المحترق تماما من الغضب 
غاضب هو إلي أقصى درجة ، غاضب من الآخر الذي حطم أحلام طفولته وصباه وشبابه ، غاضب من أنه استولى على قلب ابنة عم أخته الكبرى والتي يعدها اخت أخرى له ، غاضب لأنه يرى أن ذلك المنحل لا يستحق
تمتم بغضب اغشى عيناه : نعم أنه لا يستحق !!

         *** 

اقترب من صديقه وهو يبتسم بهدوء ، رماها بنظره عاتبه لترفع أنفها بطريقة طفولية كاد أن يقهقه ضاحكًا عليها ، أبعد عيناه عنها مرغمًا ليلتفت إلي صديقه ويقول بفخامة كعادته : مبروك يا عريسنا الغالي .
صاح وليد بقوة : يا مرحبًا ، أتيت أخيرًا ، توقعت إلا تأتي وأنك لن تخرج اليوم من المشفى .
ابتسم وهو يرميها بنظره عابرة ليقول في هدوء : لم أكن لأفوت خطبتك وليد .
تنحنح وليد قويًا وقال : عقد قراني من فضلك .
ضحك بخفة وردد : عقد قران سيادتك ، مبروك يا صديقي .
ابتسم وهو ينظر إلي ياسمين : مبروك يا آنسة ياسمين .
لوت ياسمين شفتيها بملل وقالت : توقف عن طريقتك تلك فهي تصيبني بالحساسية ، نحن نعرف بعض منذ أمد بعيد يا سيادة الرائد فأرجو أن تتعامل معي بطبيعية .
ابتسم وليد وقال مغيظًا :هذا هو أمير يشعرك أنه خارج من إحدى الأساطير القديمة ، بل هو أسطورة في حد ذاتها .
رفعت حاجبيها بدهشه لتنظر إليه بحنق  وهي تفكر " أنه يعرف ابنة عمها بل ووليد أيضًا "
ابتسمت بسخرية وهي تجز على أسنانها غضبا " انه ينتمي لتلك الطبقة المخملية ، ليس هذا السائق الرائع الذي فخرت به لكفاحه وبنائه لنفسه وحياته "
انتبهت من أفكارها على ياسمين التي قالت : ليلى .
نظرت لها لترى أنها تعرفها به : سيادة الرائد صديق لوليد ومعرفة من النادي
نظرت له وقالت : ليلى ابنة عمي يا كابتن .
هزت رأسها بعجرفة و قالت بلامبالاة : أهلاً .
احمرت اذناه بقوة وحياها برأسه وقال بغلظة : تشرفت بمعرفتك يا أستاذة .
نطقها من بين أسنانه فشعرت بأنها على وشك الابتسام بسبب غيظه الذي تجسد في احمرار أذنيه .
تبادل الحديث مع وليد بهدوء لتقترب منها ياسمين وتمس بجانب أُذنها : ماذا بك ليلى ؟ لم تعاملت مع الرجل بتلك الطريقة الغريبة ؟
نظرت لها باستنكار وهزت رأسها : لا شيء ، لا تشغلي رأسك .
عقدت ياسمين حاجبيها وقالت بصوت منخفض : حسنًا توقفي عن العبوس وتلك النظرة الإجرامية التي تتألق بعينيك ، والتي لم أراها من قبل .
هزت ليلى رأسها بالموافقة وابتعدت عن ابنة عمها لتسمح بعريسها أن ينفرد بها قليلا ، وقفت تنظر إلي بعض الأزهار الوردية وهي تستغفر ربها بهدوء وتدعو أن يذهب ذلك الضيق عنها ، فهي لا تريد أن تقتل فرحة ياسمين
أشاحت بوجهها عنه وحاولت أن تنسى انه هنا ولكنه كان حاضرًا أمام عينيها بقوة ، كيف تستطيع الخلاص من حضوره الطاغي ، الذي دائمًا يطغي على كل شيء حوله
أصبحت الرؤية عندها محيط وجوده فقط ، يتنفس فتستمع لصوت أنفاسه الزافرة ، يبتسم فتشعر بتلك الذبذبات السعيدة التي تصدر منه ، يتحدث فتشعر بعقلها يتيه في نبرة صوته الفخمة وتغشى عيناها عن كل شيء إلا صورته التي يبثها عقلها أمام عينيها حتى عندما لا تنظر إليه !!
تأففت بقوة وهي تدعو أن ترحم من تلك الدوامة التي تشعر بها تأرجحها يمينًا وشمالاً فألى الآن لا تستطيع أن تتخذ موقفًا حازمًا اتجاهه ، لا تعلم أهي حانقة عليه أم مشتاقة إليه !!
انتبهت من افكارها على صوته يقول بدفء : ماذا بك يا أستاذة ؟
عقدت حاجبيها ونظرت له باستفهام فقال وهو يبتسم بهدوء : لم تتأففين ؟
قالت بعجرفة وهي تنظر إليه ببرود : الجو خانق هنا لدرجة لا أستطيع معها أن أتنفس .
رفع حاجبيه بدهشة وقال ببراءة : خانق ! أن الهواء يكاد أن يعبث بحجابك ، كيف لا تشعرين به .
ابتسم بمكر وهو ينظر إليها تعدل من وضعيه حجابها لتقول بضيق طفولي : يوجد بعض الأشخاص ثقيلون الظل لدرجة أنك لا تشعر باي شيء أخر في وجودهم .
حرك رأسه متفهمًا وهو يقول : آها
أتبع باستفزاز : من ضايقك وأنا مستعد أن اقتلع عينيه .
نظرت له بغيظ فقال وهو يضع يده على صدره بثقة : ثقي بي .
ابتسمت بسخرية وتألق الاستهزاء بعينيها : أثق بك ، أنه لحلم مستحيل الحدوث بل أنا أثق بالجميع ما عداك أنت.
توقف عن الابتسام ونظر إليها فنظرت له بكبرياء وابتعدت عنه دون أن تكترث به مما جعله سينفجر غيظًا منها ومن تعنتها معه !!

         ****

وقف ينظر إليهما معًا ، كفيهما المتشابكتان بقوة ، نظراتهما التي لا تنفصل لثواني معدودة ، ذلك الحوار الدائر بينهما بشغف دون أن تنفرج شفتيهما إلا بالابتسام ،
ابتسامته التي تعد بكل شيء وتطلب كل شيء وابتسامتها الخجول التي تجعلها تزداد فتنه .
رمش بعينيه وهو يتذكر أخرى كانت تبتسم بتلك الطريقة فتجعله يفقد عقله وينسى كل شيء عن ذكرياته الأليمة !!
تنهد بقوة وهو يفكر أنها انضمت هي الأخرى إلي باقي الذكريات الأليمة ،
ابتسم ساخرًا وهو يتوقف عن التفكير فيما يراه أمامه وينهر نفسه على تلك الذكريات التي انهمرت دفعة واحدة إلي عقله
تنفس بقوة ممحيًا أي آثار سلبيه ظهرت عليه من جراء اجترار الذكريات ،وتحرك ليدخل ويعلن حضوره للحفل الرائع ، ويقدم لأخيه الكبير وعروسه تهنئته


         ***

وقفت أمام طاولة المشروبات وهي تشعر بأنها ستنفجر من الغيظ ، لا تستطيع النظر إليه ولا الحديث معه استأذنت من ياسمين أن تنصرف ولكن الأخيرة اخبرتها أن تنتظر إلي أن ينتهي الحفل
تحاملت على نفسها وبقت من أجل ياسمين ولكنها  لا تستطيع أن تتحكم في ضيقها وخنقتها أكثر من ذلك
فهو لا ينفك أن يحادثها ، و يدور من حولها ويرغمها على مشاركته الحديث ، يحدثها بود ولباقة تجعلها تجز على أسنانها غيظًا تنظر إليه بقوة فيبتسم تلك الابتسامة الجانبية التي باتت تكرهها الآن
لطالما ازادته تلك الابتسامة جاذبية وغموض عشقته فيما قبل
نهرت نفسها بقوة " ويحك ليلى  ، انتهبي جيدًا إلي نفسك فنحن اتخذنا قرارنا ، لن نغفر له "
هزت رأسها مؤكده بقوة ذلك القرار ، لتعود وتقول ولكنها بالفعل إحدى ابتسامته الرائعة ، تجعلني أفقد عقلي عندما يبتسم
لم تستطع التحكم في ذلك الصراع الدائر بداخلها فذهبت لتشرب كوب من الماء لعله يهدئ حرة جوفها
ابتسمت للعامل الذي ناولها كوب الماء لتنتفض بقوة على صوته الفخم وهو يهمس بجانبها " توقفي عن توزيع ابتساماتك يمينًا ويسارًا "
شرقت من الهوى ، فكحت بقوة ثم التفت إليه وهي تضيق عيناها بتعبير شرس ، رفعت رأسها في كبرياء التقطه هو بسهوله لتنطق من بين أسنانها : عفوًا ، أتتحدث معي انا ؟
لم يستطع أن يتحكم في ابتسامته ، فابتسم بخفة وقال وهو ينظر إلي عينيها : نعم يا أستاذه ، اتحدث إلي سموك .
وضعت الكوب من يدها لتكتف ذراعيها أمام صدرها وقالت بأنفة واضحة : وما المناسبة ؟
أشاح بوجهه عنها ونظر إلي الإمام : اممم ، المناسبة ؟
وضع يديه بجيبيه وقال في هدوء وهو يلتفت لينظر إليها مرة أخرى هز كتفيه بلامبالاة : أعتقد أني أخبرتك من قبل أن لا تبتسمي لأحد آخرًا غيري .
احمرت وجنتاها بقوة ولمع الغضب بمقلتيها وقالت ساخرة : والله ، وهذا وأنت تلعب أي دور في المسرحية يا بك .
رفعت إصبعها في وجهه وهي تستمر بنفس النبرة الهازئة : آها تذكرت ، أخبرتني بذلك وأنت تلعب دور الشاب الفقير .
صمتت قليلاً وهي تمثل  التفكير العميق : أتعلم من رأيي دور السائق يليق بك أكثر ، لا يليق عليك ذلك الدور ، ابن العائلات الراقية والطبقة المخملية
أشارت بيديها الاثنتين وهي تبعد المسافة بينهما قليلاً : أنه متسع عليك قليلاً ، فابن العائلات الراقية لا يتصرف بتلك الح..
لمع الغضب في عينيه ونظر إليها بقوة وقال من بين أسنانه : احترسي لما تتفوهين به ليلى .
، لم تتوقف عن إتمام جملتها بسبب شرارات الغضب التي لمعت بعينيه ولكنها لم تستطع لفظها ، لم تستطع أن تهينه رغم أنه أهانها مئات المرات
رفعت رأسها وقالت بعجرفة استحضرتها : لن احترس يا أسطى ولعلمك لست خائفة من غيمة الغضب التي تتجمع في عينيك ولكني لن اهين نفسي معك أكثر من ذلك .
ردد بتعجب : تهينين نفسك معي !!
ابتسمت بسخرية : نعم يا أسطى فحديثي معك أنا أعتبره اهانه لنفسي ، بعد اذنك .
قبض كفيه بقوة وقال بفحيح غاضب : انتظري .
وقفت على الفور وانتظرت وهي تعطيه ظهرها فقال بجبروت : إذًا أنت ترين أن تجاذب الحديث معي اهانه ، حسنًا
اقترب منها ليقف على بعد انش واحد وانحنى هامسا بجانب اذنها بوعيد : سأرغمك على ما هو أكثر من الحديث ليلى  ، وأعلمي جيدًا أنك لست ندًا لي .


  اين الكابتن ؟؟
نظر له وليد : لا أعرف ، لم تسأل عنه ؟ والأهم ماذا فعلت به لأنه لم يطق أن أذكر اسمك أمامه
قهقه الآخر ضاحكًا ثم هز كتفيه : لا شيء ، لقد رأيته برفقة فتاه حسناء ووقفت أتكلم معه .
ضيق وليد عينيه وقال : فتاه ، لا تخبرني أنها المنشودة .
هز الآخر عراسه : ربما لا أعرف ولكنه كاد يحطم أضلعي بسبب دفعته لي ، لا أعلم كيف كان مريض وهو بكل القوة البدنية تلك
ضحك وليد قويًا وهم بالرد ليقاطعه الآخر وهو يقول بلهفة : أنها تلك الفتاه التي يتحدث معها .
التفت وليد سريعًا لمكان إشارة وجيه ، ليعقد حاجبية مفكرًا وتضيء عيناه بومضات سريعة متتابعة ، ثم ابتسم باتساع وهو ينظر مليًا للموقف الذي يحدث أمامه
أتبع الاخر وهو يقول بصوت هادئ : أنها تعاتبه على أمر ما ، انظر .
نظر الآخر مليًا لصديقة والحديث الدائر بينه وبين ليلى ليبتسم ويقول في خفوت : أنهما يتشاجران .
عقد الآخر حاجبيه ونظر مليًا لتلتفت وينظر إلي وليد مستفهما : انظر إلي وجه أمير وأنت تعلم أنها ليست معاتبة أنه يجز على أسنانها غضبًا من الواضح أن الآنسة تسمعه ما لا يعجبه وأنه يسيطر على أعصابه بصعوبة .
تأمل الآخر الموقف مليًا ثم قال : ربما وربما يتحدثان ليس أكثر
أكمل بحبور : انظر كيف انحنى عليها هامسًا ،
ليتبع ضاحكًا : انه يغازلها يا رجل انظر إلي وجهها الذي احتقن بقوة .
ابتسم وليد وأثر الصمت فهو يعلم صديقه جيدًا وما رآه في عينيه أنه يتوعدها بشيء بل إن وجه ليلى احتقن غضبًا وليس خجلاً ، ولكنه ليس مهتما بحديث وجيه الآن ، كل ما يجول بعقله الآن ، من أين يعرفان بعضهما ؟؟ ولمَ أمير لم يخبره بأنه  يعرف تلك الليلى
قفزت إلي عقله ردود أفعال أمير الغريبة عندما حدثه عنها في المشفى لتتسع ابتسامته ويتجه عائدًا إلي ياسمين نظر إليها ضاحكًا وهو يراها تنظر بعينين متسعتين لما كان هو يراقبه منذ قليل
ابتسم لنظرة التفكير التي اعتلت عيناها وهمس بجانبها : هل أخبرتك أنها تعرفه ؟
هزت راسها نافية وقال بشرود : لا ، أنا متعجبة لما أنكرت معرفتها به ، فمن الواضح أنها تعرفه جيدًا أيضًا .
ابتسم وقال : لا تشغلي رأسك من المؤكد أنها ستخبرك .
هزت رأسها بالية وقالت : بالطبع ليلى لا تخفي عني شيئاً ولكنها تنتظر الوقت الملائم فقط ليس أكثر .
هم بالحديث معها ليقاطعه صوت دافئ يعرفه جيًدا يقول : مبروك يا أخي العزيز .
التفت هي في دهشة لمصدر الصوت ليبتسم هو باتساع وهو يحتضن الآخر بود : اشتقت إليك أيها السمج ، لم تأخرت في الحضور ؟
ابتسم وائل بود : للأسف لم أتمكن من اللحاق بالطائرة فأتيت بالسيارة .
نظر إلي ياسمين وابتسم باتساع : مبروك ياسمين .
نقلت نظرها بينهما وقالت بهدوء : لا أفهم العلاقة بينكما .
اتسعت عينا وائل وقال بمرح مفتعل : ألم يخبرك الفنان عني ؟
كح وليد بخفة : أنه أخي الآخر ياسمين لقد أخبرتك عنه .
نظرت له في دهشة لتنقل نظرها إلي الآخر وهزت رأسها وهي تطبق شفتيها بقوة وتنظر له بنظرة متسائلة يعلمها جيدًا
تنحنح الاخر في حرج وقال : من الواضح أني قطعت حديثًا خاصًا بينكما .
خفض بصره بعيدًا عنها وقال سريعًا : لا كان حديثًا عاديًا ، أخبرني عنك أنت .
ابتسم الآخر : أنا بخير والحمد لله .
أتبع : الحفلة رائعة ولكن لا أفهم لماذا لم تقيمونه في القصر؟
اقترب من ياسمين ليحتضن كفها بحنو وقال بفخر : أنه اختيار ياسمين .
ابتسم الآخر ولم يغب عنه حركة الأخير – الذي من الواضح أنه يعتذر بطريقة ما على أمر لا يفهمه هو – قال بمرح : أنه اختيار موفق .
قالت بجدية : أشكرك .
ابتسمت في وجه ليلى التي قالت سريعًا : ياسمين سأنصرف أنا .
ابتسم وليد باتساع وهو يجد الآخر يقترب منه فقال : لمَ ليلى ألن تأتي معنا ؟
ابتسمت ليلى بحرج : لا أشكرك .
قال وليد : لم إخوتي واصدقائنا سيحتفلون بنا بطريقتهم بعيدًا عن تعقيدات الكبار .
ابتسمت ليلى : لا شكرًا سأنصرف فأنا لست ميالة لتلك الحفلات الصاخبة .
ابتسم بقوة وقال : المعذرة لم أَعرفك .
أشار إلي وائل وقال بمرح : أخي المهندس وائل .
نظر إلي وائل وقال بابتسامة وهو ينظر إليه أن يجاريه فيما يفعل : أنها ليلى ابنة عم ياسمين وأكثر من شقيقتها .
هز وائل رأسه لتبتسم هي بحرج وتقول : تشرفنا .
قال وائل بابتسامة مدروسة : مرحبًا يا آنسة بل الشرف لي .
أتبع بابتسامة ودوده وهو ينظر إليها مليًا : وسأزداد شرفًا إذا وافقتي على الحضور معنا ، فأنا من أعد الحفل لاحتفل بأخي وعروسه .
احمرت وجنتيها بقوة وقالت بحرج : المعذرة لن أستطيع .
قال وائل بود : من أجل ياسمين ، هل ستتركينها بمفردها ؟
همت بالرد لتنتفض على صوته الغاضب يقول بخشونة : أهلاً وائل .
كتم وليد ضحكته ونظر إلي ياسمين التي رفعت حاجبيها اعتراضًا على خشونة الآخر ، ونظرت لليلى بتفحص لتجد الأخيرة تشيح بنظراتها بعيدًا عنه !!
اتسعت ابتسامة وائل بقوة : يا مرحبًا بك ، أين أنت يا رجل ، لا أفهم إلي الآن أين تختفي وتظهر فجأة بتلك الطريقة كيف حالك ؟
ابتسم أمير وقال :بخير .
قال وليد بتلقائية : كان في المشفى أعلم عندما يختفي بتلك الطريقة أنه مصاب بحادث ما وأنه طريح الفراش .
ضحك وائل : حمد لله على سلامتك .
ابتعدت الفتاتين تلقائيًا عندما أتى أمير لتهمس ليلى : ما بك ؟
هزت ياسمين رأسها : لا شيء .
قالت ليلى بإصرار : وجهك مختلف عن زي قبل ، هل حدث شيئاً ؟
هزت ياسمين رأسها : لا لم يحدث شيء ولكني مرهقة ليس أكثر .
صمتا الاثنتين وكل منهما تتحدث مع نفسها فياسمين تفكر في كيف لغى وجود ذلك الوائل من حياته ، كيف لم يخبرها عنه ؟ والأدهى كيف هي نسته ولم تسأله عنه ولا مرة ، لم تتذكره في الأصل لتسأله عنه ولكنه هو تعمد أن لا يذكره لها ، كان يعلم أنها تعرفه وتعمد إلا يخبرها أنه اخوه ، أخبرها بالطبع ان لديه أخين أحمد ووائل ولكنه لم يخبرها أنه ذلك الوائل الذي كان يظهر أمامها كعفريت العلبة بل أخبرها صراحتا أنه معجب بها
اتسعت عيناها وهذا الخاطر يجول برأسها " أمعقول انه كان من يبعث أخيه ليتحدث معها "
هزت رأسها نافية بإصرار " تعرف وليد جيدًا وهذا ليس أسلوبه والمرة الوحيدة التي رأى وائل معها  كاد أن يتشاجر مع الآخر "
زمت شفتيها بغضب "يوجد شيء لا تفهمه حلقة مفقودة لا تفهمها فاليوم يتعاملان معا كاخين حقيقين ، المعاملة مختلفة كليًا عن المرة الماضية "
فكرت " ماذا حدث "
ابتسمت بخفة " إذًا لهذا السبب تحديدًا كانت تتذكره عندما ترى وائل ، كيف لم تلحظ تلك الابتسامة التي يتشابهان بها ولمعة العينين التي تجعل عيون وليد أكثر غموضًا ، نفس تقاسيم الوجه تقريبًا وشكل الجسد ولكن وائل أطول قليلا منه "
زفرت بقوة وهي تفكر فيما يخفيه وليد عنها !!

أما الأخرى فكانت تريد أن ينتهي ذلك الحفل سريعًا فهي تريد أن تتخلص من تأثيره المدمر لخلايا عقلها وحضوره الطاغي على نفسها ، تريد أن تهرب من وجوده وتعود لبيتها لتقنع نفسها أنه لم يظهر أمامها من جديد
وتقنعها بعدم وجوده وأنه لم يتلاعب بها ، فكل ما حدث لم يحدث
أنها على استعداد أيضًا أن تنسى أنها كانت تعمل عند عائلة السفير حتى تنسى وجوده في حياتها
ستفعل أي شيء حتى يتوقف ذلك الشعور المؤلم الذي تحس به يغلف قلبها ، ستفعل أي شيء لتتخلص من ذلك الارتباك وتلك الحيرة التي تخيم على عقلها ، ستفعل أي شيء حتى تجعله يختفي من أمامها
تحركت عيناها رغمًا عنها لتقع عليه ، ارتدت رأسها للوراء وهي ترى هاتين المقلتين تنظران إليها بوعيد !!
رفعت حاجبيها بحنق لتزم شفتيها بغضب وهي تفكر في تهديده الصريح لها ، ركزت نظراتها عليه فوجدته يبتسم بضيق لشيء قاله وائل الذي نظر إليها وابتسم بود وهو يحيها برأسه .
لا تعلم لما شعرت بالبهجة فجأة وهي ترى الغيظ ينبع من عينيه وهو ينظر إليها بغضب تجسد على ملامحه
ابتسمت بهدوء وهزت رأسها لوائل كردا على تحيته ، لتنقل نظرها إليه وهي ترفع حاجبها بتحدي وتنظر إليه بانتصار تألق في عينيها .

         ***

تحرك بعيدًا عن أخيه وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه وينظم انفعالاته ، فعقلة وقلبه يزيدونه لومًا وتقريعًا على ما يفعله بنفسه ،  قبل ذلك كان سينظر إلى وليد ويشعر بالحقد والكراهية عليه ولكنه اليوم سعيد من أجله ، فهو توصل إلي انه السبب فيما يحدث له وليس وليد ، لم يعد يحمل أخيه أخطائه كان هو المخطئ في الماضي والحاضر أيضًا
فهو متخصص بأن يضيع فرص عمره من بين يديه
زفر بقوة وتحرك بذهن غائب ليرتطم فجأة بأحدهم ، هم بالاعتذار ليصمت على صوت انثوي حاد يقول بالإنجليزية : أيها الأحمق ، تبًا لك .
رفع حاجبيه بتعجب ونظر إلي الأسفل ليرى من تلك التي اهانته لينظر إليها مليًا
هم بالاعتذار مرة أخرى لتندفع هي بقوة : ألا ترى أمامك أيها الغبي ؟
احتقن وجهه بقوة وقال بعصبية : أنت الأخرى ارتطمتِ بي ، لم ارتطم بك بمفردي .
عقدت حاجبيها وقالت بعجرفة واضحة : أنا من كان يمشي ورأسه للوراء ، أوف ماذا أفعل الآن بتلك البقعة الكبيرة التي توسطت الفستان .
هم بالحديث لتشير إليه بيدها وتقول بقوة : اصمت لا أريد سماعك
أشاحت له بيدها وهي تتبع : ابتعد عن طريقي  .
تنحى جانبا وهو ينظر إليها بدهشة ليزم شفتيه قويًا وهو يشعر بالغضب يملأه وهو يراقب  تلك الصغيرة سليطة اللسان  التي تحركت مبتعدة عنه دون أن يأخذ بحقه  منها!

تحركت مبتعدة عن ذلك الغبي الذي ارتطم بها قويا وهي ممسكة هاتفها وزفر بقلق على شقيقتها التي لا تجيب على هاتفها ، زفرت مرة أخرى وهي تتصل بخالد للمرة التي لا تعرف عددها ولا مجيب أيضًا ، لا تعلم تشعر بالقلق عليهما معًا وعدم إجابتهما على الهاتف زاد من توترها وقلقها
زفرت بضيق وفكرت قليلاً لتمسك بالهاتف وتعبث بأزراره سريعًا ، انتظرت لثواني حتى قالت بملل : أعطيني منال .
اتسعت عيناها بخوف : ماذا حدث ؟ ومتى ؟
قالت سريعًا : حسنًا أتعلمين إلي أين أخذها ؟
أغلقت الهاتف وهي تتحرك بسرعة إلي والديها اللذان كانا يجلسان لتوهما وأخبرتهم بم عرفته ليذهب والدها ويستأذنوا جميعًا في الانصراف  .

         ***

يجلس ورأسه بين كفيه يشعر بهم كبير يجثم فوق صدره ، يستعيد صورتها مرارًا أمام عينيه وهي واقعة أرضًا أمامه
فعندما التفت إليها وهو يخبرها بهدوء أن أوراق الطلاق ستصل إليها لم يجدها أمامه ولكنها وجدها مرماه أرضًا ، وقف قليلا ينظر إليها ببرود وقال بقوة : منال لن يفدك ما تفعليه الآن ، ما بيننا انتهى .
تشاغل عن نبض قلبه الذي أخذ يقفز بجنون بل سد اذنيه عن صوت عقله الذي أخبره أنها واقعة أرضًا وعليه أن يذهب لإسعافها
جز على أسنانه غضب غضبًا ليهتف قلبه وهو يرجوه أن يذهب ويسعفها فهي على أي حال أم لطفليه .
تحرك ببطء وهو يحاول أن يتحكم في دقات قلبه الواثبة قليلا ، انحنى عليها ومد يده ليلمس وجنتها ، لينتفض بقوة وهو يشعر ببروده وجنتها تلسع كفه الساخن وصوت عقله يهتف به قويًا " ستفقدها خالد بسبب كبريائك ."
اقترب عليها وشدها لحضنه وهو يقول بلهفة لم يحاول أن يخفيها : منال ، ردي علي .
ربت على خدها بخفة وهو يردد : منال ، تكلمي معي .
ليحملها ويتحرك بها سريعًا إلي الخارج ، وضعها في السيارة بحنو وانطلق إلي أقرب مشفى ليدخلها إلي الطوارئ أخبر الطبيب بهدوء عنها وأنها حامل لتأتي الطبيبة النسائية وتطلب منه الانتظار في الخارج قليلاً .
تحرك بعصبية الي أن خرجت تلك الطبيبة وهي تنظر له بضيق وقالت في خفوت : ماذا حدث ؟
هز كتفيه بعصبية : لا شيء لقد سقطت مغشية عليها .
زفرت الطبيبة بملل : لديها انخفاض في ضغط الدم ، الطفلين بخير ولكنها تعاني من سوء التغذية والارهاق أيضًا .
لقد كتبت إليها بعض الفيتامينات ، علاجها الغذاء الجيد والراحة التامة ، وراجع طبيب النسائية الخاص بها .
زفر بقوة ليشعر باللوم فجأة يغمره وهي تقول : ومن الأفضل لها البعد عن اية انفعالات في الوقت الحالي إلي أن تضع مولودها .
لا يعلم هل تأنيب الضمير الذي أصابه بسبب نبرة تلك الطبيبة التي أشعرته أنها تعلم جيًدا أنه السبب فيما حدث لها ، أم بسبب النظرة التي رمقته بها والتي أخبرته أنها متأكدة من ذلك ، أم بسبب أنه بالفعل يشعر أنه السبب فيما أصاب منال وجعلها طريحة الفراش في الداخل .
جلس بتعب وهو يفكر " ماذا فعلت ؟ كيف استطعت أن أعاملها بتلك الطريقة ؟ لماذا لم أرحل عنها وابتعد ، لم آثرت أن أظل بجانبها اعذبها وأتعذب معها ؟"
زفر بقوة وهو يدعك جبهته لينهض واقفًا وهو يقرر أن يدخل إليها ليراها ويتفاهم معها على الانفصال بهدوء بدلاً عن معسكرات التعذيب التي يتفننا هما الاثنين في صنعها لبعضهما البعض  .
تحرك بخطوات ثقيلة ليفتح باب غرفتها وينظر إلي وجهها الشاحب ويشعر بأن قلبه يئن شوقًا إليها ويصرخ به حزنًا عليها .
ازدرد لعابة بقوة وهو يشعر بالخوف من أن يفقدها ليصرخ قلبه قويًا : أنت خسرتها بالفعل .
انتبه من افكاره على صوت الممرضة التي اكتشف وجودها توًا تقول بهدوء : اطمئن ستكون بخير .
هز رأسه بتفهم وقال بسكون : هل لازالت فاقدة الوعي ؟
ابتسمت الممرضة وقالت بنبرة مطمئنة : لا أنها نائمة فقط .
أعاد شعره للوراء بكلتا يديه وهو يزفر بقوة ويشعر ببعض من الراحة .
انتظر إلي أن خرجت الممرضة من الغرفة وأغلقت الباب ورائها ليذهب هو بخطوات بطيئة ويجلس على الكرسي الموضوع بجانب فراشها
نظر إليها بشوق ولوعة وهو يتأمل ملامحها المستكينة بسبب النوم ، نظر إليها وهو يؤنب نفسه كثيرًا على قسوته معها الفترة الماضية
تلك القسوة التي جعلت الحزن يترسب بملامحها وينبعث من بين تقاسيم وجهها الآن
قرب يده من شعرها بترقب ليتنفس بقوة ويغمض عينيه عندما لامس خصلاتها المبعثرة ، شعر بقلبه يقفز فرحًا عندما حس بملمس شعرها الناعم بين يديه ، وعندما تلاعب بخصلاتها فتهادت إليه رائحتها الندية لتجعله يفقد اتزانه وعقله وينحني عليها مقبلاً جبينها برقة وحنو
همس وهو يضعها شفتيه على جبينها : آسف حبيبتي ، لم أقصد أن أفعل ما فعلته ولكنه حدث رغمًا عني .
شعر بأنها على وشك الاستيقاظ ليعود إلي وضعيته الطبيعية في الجلوس وينظر أمامه بهدوء منافي لما يشعر به اتجاهها
زم شفتيه وهو يشعر بأن قلبه سينفجر من كثرة الصراخ به " أن يكف عما يفعله به وبها ولكنه لم يهتم  .
تمتم عقله بجبروت : إلا كرامتي  .

فتحت عينيها لتجد وجهه الجامد ينظر إليها بعينين خاليتين من التعبير ، شعرت برغبة ملحة في البكاء بل بالانهيار بين يديه كما كانت تفعل سابقًا
لعلها تشعر ببعض من حنانه الذي كان يغدقها به
ورغمًا أنها شعرت به وبقبلته الحنون الرقيقة وهو يلثم بها جبهتها ، وسمعت اعتذاره الرقيق إلا أنه الآن يجلس بكبرياء مقيت تشعر أن يوجد به نهايتهما معا  .
نظرت له والدموع حبيسة في عينيها وتنذر بالسقوط فقال بهدوء : حمد لله على سلامتك .
تجلى العتب بعينيها وهي تنظر إليه وقالت بصوت مبحوح : هل كنت أحلم أم ما حدث حقيقيًا خالد ؟
أغمض عينيه بقهر وقال : بل حدث منال ، كان حقيقيًا مع الأسف .
انهمرت دموعها بقوة وقالت بنشيج مؤلم لقلبه : لم فعلتها خالد ؟ كنت سأتحمل أي عقاب تفعله بي إلا هذا العقاب ، لم أستطع تصديق أنك نطقتها ، كيف طاوعك قلبك أن تطلقني بذلك الهدوء وكأني لا أعنيك.
قال بشيء من الجمود : لم ؟ ألم تطلبيها من قبل مئات المرات ؟ ألم تردديها على مسامعي صارخة بها في وجهي يوميًا ؟
نظر لها قويا وقال بهدوء كعادته : ألم تخبريني من قبل أن زواجنا خاطئًا ، ها أنا صححت ذلك الخطأ الذي تغنيتِ به على مسامعي طوال الأربع سنوات الماضية .
نظرت له بحزن وقالت : وإذا ترجيتك الآن أن تكف عن تصحيح اخطاء الماضي ماذا ستفعل ؟
نظر لها مليًا وقال بعد ثواني بإصرار : لن أستمع إليك .
أكمل بدون تردد وهو ينظر إلى ملامحها المصدومة : فأنا مصر على تصحيح كل اخطاء الماضي منال .
شحب وجهها بقوة وانهمرت دموعها بغزارة فقال بهدوء : كفي عن البكاء.
ازداد نشيجها المؤلم لقلبه  فاتبع بعد أن زفر بقوة : اسمعي منال ، بدايتنا كانت خاطئة بالفعل ولذا نحن نحتاج إلي بداية جديدة تكون على أسس سليمة .
نظرت له بعدم فهم وقالت وهي تحاول ان تسطير على دموعها المنهمرة : لا أفهم .
تنفس بقوة وأعاد شعره إلي الوراء مرة أخرى ، قبض كفيه قويًا وقال : لن نستطيع أن نكمل حياتنا سويا وأشباح الماضي تطاردنا ، أنا لا أشعر بحبك لي وأنتِ لا تثقي بي .
مسحت دموعها وقالت بقوة حضرت بحضور جملته عن الثقة : اسمع خالد ، أنا اثق بك رغم أنك أخفيت عني كل شيء يخصك تقريبًا ولكني أثق بك ، أثق بك وأحبك
نظرت اليه برقة وقالت بلهفه : ولا أستطيع الابتعاد عنك ، كل مرة كنت أصرخ في وجهك وأخبرك أني أريد الابتعاد عنك ، كنت أكذب لأني أريد أن أدفن بين حنايا ضلوعك ، بكل مرة كنت أبكي بين ذراعيك ، لم أكن أبكيه كما كنت تتخيل لا كنت أبكي لأني أشعر بانك لم تتزوجني لأنك تحبني كما كنت أريد ، بل تزوجتني مرغمًا !!
عقد حاجبيه بدهشة وهو  ينظر إليها وقال : ما هذا الهراء الذي تتحدثين عنه ؟
قالت بصوت متعب : أنها الحقيقة خالد .
نظر لها بعينين متسعتين من الدهشة وقال بعصبيه : اية حقيقية ؟
قالت بعشق لمع بعينيها : حقيقة أني أحبك منذ أول مرة التقيتك بها في الجامعة .
نظر لها بعدم استيعاب وهم بالحديث لينفتح الباب وتدخل فاطمة مثل الاعصار وتقول : ماذا حدث ؟

         ****


احتضنتها بقوة وهي تبارك لها للمرة التي لا تعرف عددها ، تمسكت الأخرى بها وقالت بهمس : أبقي قليلاً .
زفرت ليلى بقوة : أعذريني ياسمين ولكني أريد العودة للمنزل فأنا متعبة للغاية .
نظرت لها ياسمين مليًا فأتبعت الأخرى بهمس : سأخبرك فيما بعد .
ابتسمت ياسمين وهزت رأسها بتفهم ، اقترب وليد وقال بمرح : لا تبكين عروسي من  فضلك .
ابتسمت ليلى وهي تنظر إلي ياسمين ثم قالت بمرح : لا تخف ياسمين قوية ولن تبكي بسهولة .
نظرت إليه وقالت : مبروك لك أنت الآخر .
ابتسم باتساع وقال بلهجة ودوده مميزة وهو يلتقط بعينه الآخر الذي يقترب منه : العقبى لك أنت أيضًا .
ابتسمت بخجل وصمتت حتى وجدته اقترب منهم بالفعل لتقول بنبرة هادئة : في القريب بإذن الله .
رفعت ياسمين حاجبيها لتظهر التسلية على وجه وليد وهو يرى اذني الآخر التي احتقنتا بقوة ، قالت ياسمين : ما هذا ؟ أهو خبر حصري .
ضحكت ليلى بخفة وقالت بهدوء وهي تنظر إلي اذنيه التي كشفت ضيقه  : ألم أخبرك ؟ أن أحدهم طلب يدي من بلال .
صاحت ياسمين بفرح : واو ، من هذا ؟ وأين حدث ذلك ؟ ولماذا لم تخبريني ؟
هزت ليلى كتفيها بلا مبالاة : اهدئي ، أنا لا أعرفه أنه أحدهم رآني ونحن بلندن وتقدم إلى بلال ، بلال أخبرني أنه شاب جيد ولم أخبرك لأني انتظرت حتى تنتهي من أمورك الخاصة .
توقفت عن الحديث وهي تشعر بنظراته تحرقها ، رفعت عيناها اليه ونظرت إليه بقوة متحديه اياه أن يتحدث أو ينبس بحرف واحد ، ها هي تريه أنها الأخرى ندًا له وأنها ستذيقه العذاب كما فعل معها الفترة الماضية .
ضيق عيناه وهو ينظر إليها وتمتم داخليًا " حسنًا ليلى ، تثيرين غيرتي وتتحديني أيضًا ، تعلمين جيدًا مدى تأثير حديثك علي وتفعلينها متعمدة ، سأريك انك لست أهلاً لي ولا تستطيعي مجاراتي "
صافح صديقه مرة أخرى وقال بهدوء ظاهري : أراك فيما بعد وليد .
كف الآخر عن الابتسام وهو يشعر بأن صديقه يقف على فوهة البركان  يعلم هو جيدًا سبب غضب أمير ويقدره لذا قال بهدوء : سأهاتفك .
ابتسم بهدوء لياسمين : مبروك يا سيدة الجمال .
ابتسمت ياسمين بغيظ : ظريف يا سيادة الرائد ، كف عن تلك الطريقة .
ابتسم بفخامة كعادته وقال : حسنًا ، مبروك ياسمين .
هزت رأسها بالتحية وقالت : الله يبارك فيك ، العقبى لك .
ابتسم بخبث لمع بعينه وقال وهو ينظر إلي الأخرى : قريبًا إن شاء الله .
نظر إليها قويًا وقال : تشرفت بمعرفتك يا أستاذه ، من المؤكد أننا سنلتقي مرة أخرى .
زمت شفتيها وقالت وهي ترفع رأسها بكبرياء : لا أعتقد يا سيادة الرائد .
ألقت كلمتيها الأخيرتين بسخرية أثارت حفيظته وجعلته يجز أسنانه غض غضبًا منها فقال بوعيد سطع في عينيه وصدح بصوته : سنرى يا أستاذة ، سنرى !!
جمد وجهها ونظرت له متحدية ليرفع نظره عنها ويقول بهدوء : بعد اذنكم .
انصرف وهي ترتعد من الغضب زمت شفتيها بحنق وهي تضم يديها بقوة ، قالت ياسمين بهدوء : ما الذي يحدث ليلى ؟
زفرت بغضب : لا شيء يحدث .
نظرت لها ياسمين متفحصة فاتبعت : ليس الآن ياسمين ، ليس لدي أي رغبة في الحديث الآن .
هزت الأخرى رأسها وقالت لتهدئة الأخرى : حسنًا اهدئي فأنت ترتجفين غضبًا .
أغمضت ليلى عينيها وقالت بتعب فعلي : سأذهب فأنا أريد الانصراف على أي حال .
قالت ياسمين : هل ستعودين مع بابا ؟
هزت رأسها بالإيجاب : نعم .
قبلت وجنتيها وقالت : إلى اللقاء .
ابتسمت ياسمين : سأحاول أن أمُر عليك غدًا .
قالت ليلى وهي تنصرف : إن لم تأتي أنت أتيت أنا .
أشاحت لها مودعة : سلام .
نطق وليد أخيرًا بعد أن غابت ليلى عن عينيه : ماذا يحدث بينهما ؟ ألم تخبرك ؟
هزت ياسمين رأسها نافية : لا هي لم تخبرني عنه من الأساس ، ولكني أشعر أنها غاضبة لأبعد الحدود ، لم أرى ليلى تتحدث مع أي شخص بتلك العجرفة التي لا تليق بها أبدًا.
قال وليد في خفوت : سأحاول أن افهم منه رغم أني أعلم جيًدا أنه حائط صد ولكني سأحاول معه .
هزت رأسها بتفهم لتلتفت وتنظر إليه نظرة ذات مغزى ، فأتبع بهدوء : سأخبرك عما تريدين معرفته ولكن ليس الآن .
ابتسمت بهدوء : وأنا سأنتظرك إلى أن تتحدث .
               
           ***


أوصلها للبيت بعد أن كتبت لها الطبيبة على الخروج واطمأنت عليها جيدًا ، وقف بالسيارة وخلفه سيارته حماه الذي أتى برفقة فاطمة التي قطعت عليه حديث شائك بالنسبة لقلبه
أغمض عينيه بغضب وهو يتذكر دخولها العاصف إلي الغرفة وكيف قطعت ما كانت ستقوله منال والأشبه بنوع من الفضفضة ولكنها متأخرة نوعًا ما
عقد حاجبيه وهو يشعر بنوع من الاندهاش مغلف بالحذر فاعتراف منال له بأنها كانت تحبه منذ أول مرة رأته بها ، لا يستوعبه إلي الآن !!
يريد أن يفهم ماذا كانت تعني بتلك الكلمات التي لا يستطيع تصديقها ، هل كان يهذي أم يتخيل ؟!
زم شفتيه بحنق لينتبه إليها تقول في همس ضعيف : خالد أن لا أستطيع النزول ، أشعر بدوار شديد .
نظر لها بعدم فهم فقالت بصوت متعب : من فضلك ساعدني .
جمد وجهه وهو يفكر في مقدار العذاب الذي سيتعرض له من لمسها فقط واسنادها حتى تصل إلي فراشها ، ليتنهد بخفوت ويرتجل من السيارة ويذهب إليها
فتح باب السيارة بشيء من العنف شهقت على أثره بدلال ، جعله يرفع حاجبيه ويدعو الله سرًا ان يمنحه القوة ليتغلب على شعوره بها .
مد لها يده لتتكئ عليها فتحركت ببطء ووجها يظهر مدى ألمها ، همست بجانب اذنه وهو ينحني لها لتتمسك بكتفيه وهي تنهض من السيارة : حبيبي .
رمشت عينيه سريعًا وهو يشعر بحرارة صوتها التي اخترقت اذنيه وقلبه ،ازدرد لعابه وهو يستمع إلي بقية حديثها برأس مشوش فأتبعت بدلال مضاعف : احملني فأنا لا أستطيع السير .
هز رأسه سريعًا ليضع يديه تحت ركبتيها ويحملها بعصبية ، شعرت بأنها تطير في الهواء فتمسكت بعنقه قويا ودست أنفها في تجويف رقبته
جز على أسنانه قويًا ونحى كل شعوره بها ، سيطر على أعصابه جيدًا وتحرك رفضًا أن يشعر بتأثيرها القوي عليه ، رافضًا أن يحس بملمس جسدها الطري تحت راحتيه ، رفضًا أن يشتم رائحتها المميزة التي يتعرف عليها ببساطة وتجد طريقها لقلبه بسلاسة ، رافضًا أن يشعر بأنفاسها الدافئة التي تدغدغ عنقه ، ورافضًا أن يشعر برقة ودلال صوتها الذي تغلل خلايا مخه
صعد السلم سريعًا وكأن هناك شيئاً يطارده ، نعم فهناك آلاف الأشياء تطارده وتجبره أن يهفو بمشاعره إليها ، تجبره أن يتذكر مئات المرات التي حملها بها مستمتعًا بدلالها ورقتها الفطرية وهي بين يديه ، فيغدق عليها من مشاعره الجياشة ويطرب أذنيها بعشقه الصريح لها !!
عند هذه الحد من الذكرى شعر بالغضب يزأر بعقله ويجبره على تذكر ما فعلته به وكيف طلبت منه الرحيل ، كيف أهانت مشاعره وحطمت قلبه .
أراد أن يتخلص منها الآن ، يرمي بها من بين يديه ولكنه حمد الله على بعضًا من العقل الذي ذكره بأنها لازالت حاملاً لطفليه وستظل أما لأولاده !
زفر بضيق وأسرع بخطواته ليدخل الي غرفتهما التي وجد بابها مفتوحًا وفاطمة بالداخل ترتب الفراش لشقيقتها ،
وضعها بضيق وتنفس بعمق وكانه تخلص من هم ثقيل كان يجثم على قلبه
ولكنه تسمر بدهشة وتصلبت عضلات ظهره عندما قالت وهي تقبل وجنته : شكرًا حبيبي .
رفع حاجبيه بتعجب ونظر لها بتشكك وتنبه لابتسامة فاطمة التي اتسعت و بدأت بالنظر إليهما في شغف ، ابتسم بتوتر وقال : سأنصرف أنا لدي عمل هام على القيام به .
قالت بدلال جعله يغمض عينيه بقهر : سأنتظرك على العشاء حبيبي .
هز رأسه بعصبية فأتبعت : لا تتأخر فالطبيبة أوصتني أن أهتم بغذائي وأنا لن أكل من غيرك .
التفت لها بحده ثم نظر لها مليًا ليقول والخبث يطل من عينيه : حسنًا لن أتأخر لا تقلقي .
ابتسمت باتساع وقالت بدلال : سأشتاق إليك .
جز على أسنانه قويًا ولمع الغضب في زرقة عينيه ليدور على عقبيه وينصرف من الغرفة بخطوات غاضبة ، نظرت في أثره  إلي أن  اختفى من أمامها لتغمض عينيها وتقول بهدوء : سأنام قليلاً فاطمة لا تزعجيني .
ابتسمت فاطمة وقالت بعفوية: ألن تتحضري للقاء العشاء ؟
عقدت حاجبيها وفتحت عينيها لتنظر إلي شقيقتها التي تبتسم بفهم وتقول : أعتقد أنك تحتاجين أن تشحني طاقتك كلها منال لتكوني ندًا قويًا لخالد بك .
نظرت لها باستفهام فأتبعت فاطمة : انهضي وازيلي أثار الحزن عنك يا شقيقتي ودعيه يرى منال التي أحبها ، ليس تلك المستكينة الضعيفة التي تحملت قوته الفترة الماضية كلها ، بل استعيدي جنونك وقوتك فهذا بثي  عواطفه اتجاهك أكثر من ذلك الخنوع الذي تلبسك الفترة الماضية .
أكملت وهي تهم بالانصراف : انهضي منال وأريه أنك قوية وأنت معه فهو لا يريدك مستسلمة له أبدًا .
وقفت وهي تتمسك بباب الغرفة : أريه أنك ستحاربين لاستعادته بضراوة وأنوثة كما تفعلين دائمًا .
رفعت حاجبيها وهي تنظر في أثر شقيقتها التي اختفت بعيدًا عن ناظريها وتقول بهمس : تغيرت كثيرًا تومي ، كثيرًا !!


          ***


عدلت من وضع كرسي كريم ومن وضعه هو ، أعطته إحدى لعبه المفضلة ليلتهي بها ، أغلقت باب السيارة وانحنت لتحمل الحقيبة الأخيرة وتضعها في السيارة لتغلق حقيبة السيارة وتنظر بهدوء لتلك التي وقفت أمامها تتلفت حولها وكأنها من مرتكبي الجرائم .
رفعت حاجبها وهي لا تعلم إلي الآن لم قامت تلك بمساعدتها ، ابتسمت بسخرية وتساءل قلبها : ألا تعلمين حقًا هنادي ؟ أنها فرصة مناسبة لها لتنفرد بزوجك أيتها الغبية .
رمشت بعينيها وابتسمت بألم " لا يهمني ، فليبق مع والدته وليسعدها كما يريد فأنا بالفعل لا أصلح له ولن أستطيع اسعاده "
انتبهت الأخرى لنظراتها لتتنحنح وتقول بخفوت : أين ستذهبين الآن ؟
تنهدت بقوة وقالت بصدق : لا أعلم .
نظرت لها الأخرى بصدمة وقالت بانفعال : الوقت قارب على منتصف الليل وأنت لا تعلمين إلي أين ستذهبين ؟
أكملت بتوتر : وأنا الغبية من ساعدتك على الهروب من عمتي .
اتسعت عينا هنادي بغضب وقالت بزمجرة : الهروب من عمتك ، أنا لا أهرب من أحد أنا أغادر وهذا حقي .
نظرت لها الأخرى وكأنها آتية من كوكب أخر لتقول بتشتت : ولكنك لا تستطيعين الخروج بدون موافقة زوجك .
احمرت عينا هنادي من الغضب وقالت بثورة : بل أستطيع الخروج وقتما أحببت وأستطيع مغادرة حياته أيضًا عندما أحدد أنا لست تابعًا لأحد لانتظر أن يملي علي أوامره أو يشكل حياتي خلاف ما أريده أنا .
سطع الانبهار في عيني الأخرى وقالت بصوت منخفض : حسنًا ، حسنًا اهدئي قليلاً وأخبريني عما ستفعلينه .
تنهدت هنادي بقوة وقالت بغضب : لا أعلم ، سأبحث عن فندق نبيت به الليلة ، وغدًا سأبحث عن شقة مفروشة أسكن بها .
لمعت عينا مديحة وقالت بخبث : ألا تريدي أن تأتي بحقك من عمتي المصون ؟
نظرت لها هنادي بشيء من القلق وقالت : لا أفهم .
قالت الأخرى والحقد يتصاعد بصوتها : ستتركين كل شيء كما فعلت المرة الماضية ، ستتركينها تفعل ما تريد ، ستتركين هشام وتهربين .
رفعت حاجبها ونظرت لها مليًا فأتبعت الأخرى : أعلم أنك تشكين بنواياي ، وهذا من حقك ، لكني بالفعل أريد مساعدتك .
نظرت لها بتفحص منتظرة تكملة الحديث ، فركت الأخرى يديها بسبب نظرات هنادي وأخيرًا رفعت عيناها لها وقالت بهدوء : في الفترة الماضية اكتشفت كم يحبك هشام ، لن أنكر أن الأمر صدمني قليلاً بل كنت أحارب صوت عقلي الذي أخبرني مرارًا أنه يعشقك ، وأنه لن يتركك من أجلي .
عقدت هنادي حاجبيها وتوترت وقفتها لتتتبع الأخرى سريعًا : هشام لم يبادلني يومًا الشعور بل كان دائمًا يتعامل معي كأخت صغيرة له ، ولكن أنا أحببته ، لا أعلم حقا هل أحببته أم أحببت اهتمام شاب كهشام بي ، كنت صغيرة وهو كان حلم لبنات العائلة جميعًا ، فهذا ابن العم أو الخال الساكن بالقاهرة ومن سيختارها ستنتقل أميرة إليها ، من سيختارها ستكون أميرة العائلة وأفضل الفتيات ، من سيختارها ستحظى بمعاملة مختلفة من الجد ، فهو يعتبر هشام ابن له ليس حفيدًا .
كبرت على حلم أن هشام لي بسبب حديث طريف كان يدور بين والدتي وعمتي ، عمتي التي كلما رأتني قالت بحبور " ما شاء الله كلما كبرت بالعمر كلما أصبحت أجمل مديحة "
ابتسمت بشجن وقالت : أصبح الحلم كبيرًا بداخلي فحولته لواقع ، غيرت اسمي ليلق به ، وأجبرت الجميع على مناداتي بديدي فهو سيليق أكثر بزوجة المستشار .
ازدادت عقدة حاجبي هنادي فقالت الأخرى بابتسامة طريفة : نعم جميعنا نناديه بذلك ، فهذا أمر الجد لنا ، كما كان يناديه والده سنناديه جميعًا .
لن أنكر صدمتي الكبيرة عندما سمعت عن خطبتكما ، بل انهرت ولزمت غرفتي لمدة اسبوع أبكي بها ، وخاصة بعد سخرية بنات عمومتي مني ، فهم كانوا دائمًا يخبروني بأنه لا ينظر إلي ولن يفكر بي فأنا صغيرة للغاية حتى يلتفت إلي سيادة المستشار .
هزت كتفيها : ولكني لم أستمع إليهن لم ا أستمع ألي شيء إلا عقلي الغبي الذي كان يفسر كل حركة أو سكنه منه على أنها إعجاب بي .

رقت ملامح هنادي وهي تنظر إلي التعبير الرقيق الذي ارتسم على وجه الأخرى ، تلك الفتاه التي أخفت رقتها طوال الفترة الماضية وكانت تحاربها بضراوة من أجل تحقيق حلمها وأن تشعر بالانتصار أمام نفسها وأمام جميع من سخروا بها
أكملت الاخرى وعيناها تلمع ببريق عجيب : كم شعرت بالسعادة تملاني وأنا أسمع خبر طلاقكما ثم خبر هروبك ومغادرتك للبلاد .
شعرت بالأمل يأتيني من جديد ولكن كل شيء اختفى باختفاء هشام نفسه ، فهو كف عن زيارة الجد كف عن القدوم إلي البلد كما كان يفعل دائمًا ، بل اكتفى بالاتصال بأبناء عمومته المقربين ، سمعت بعدها أنه تغير وأصبح شخص آخر ، ازداد عندًا وقوة ، أصبح أقرب شبه للجد من اباه كما قالت عمتي
تنفست بألم وهي تكمل : انتظرته أن يأتي طويلاً ، انتظرت أن أراه ، انتظرت لأخبره أني احبه وأني سأفعل كل ما يرضيه بل سأجعله ينسى كل شيء مر بحياته من قبلي .
ولكنه للمرة الثانية يصفعني بخبر خطوبته من أخرى ، أخرى حملت منك الكثير بل زادت عنك جبروتًا كما قالت عمتي .
شحب وجه هنادي وهي تتذكر تلك الفتاه المنطلقة تذكرت عيناها التي تلمع بقوة وكبرياء ، أنها صلبه كما تقول الأخرى ، صلبه وقوية وكبريائها يملأها .
تنبهت على الأخرى تقول بخفوت مؤلم : كلما تذكرت كلمات والدتي وهي تخبر أبي والتي نقلتها عن عمتي عنها ، أشعر بقلبي يتمزق .
تنفست بقوة وهي تقول : ولكنه تركها ، تركها من  اجلك.
تنحنحت هنادي وقالت : بل من أجل كريم .
ابتسمت الأخرى بسخرية ونظرت إلي عيني هنادي بتفحص : هل تصدقين ذلك ؟
هزت هنادي رأسها بقوة وقالت بحدة : نعم فهو عاد إلي من أجل كريم .
ضحكت الأخرى باستمتاع وقالت : لا أعتقد ذلك ، حتى بدون وجود كريم ، كان سيعود إليك .
قالت بشرود : ألا ترين نظره عينيه لك ، ألا تشعرين بخفقات قلبه القوية نحوك ، ألا تحسي بشروده بك وفيك ، أنت تسيطرين عليه بطريقة غامضة لا أفهم سببها إلي الآن ولكنها قوية للغاية ، قوية لدرجة أنه لا يحيد بنظره عنك حتى قبل أن تظهري أمامه ، يشعر بك قبل أن تأتي إليه ، يفكر بك وأنت بعيدة عنه بأميال ، بينكما رابط قوي أقوى بكثير من رابط كريم .
ارتدت هنادي للوراء لتبتسم الأخرى بوجهها وقالت بخجل : كنت أراقبه هنادي بل أراقبكما أنتما الاثنين لعلي أقتنع أنه لن يتركك من أجلي .
أكملت بحزن سطع على محياها : فأنا للأسف صدقت عمتي عندما أخبرتني أنه سيتركك من أجلي .
أطرقت براسها للأسفل وقالت بأسف : بل حاولت أن اقنع نفسي بذلك هنادي ، ركضت وراء سراب  وراء حلمي القديم ، وعمتي أقنعتني ببراعة و عرفت كيف تؤثر بي وبعقلي ، فأتيت معها وأنا أعلم انها تريد الخلاص منك وكم كان يسعدني ذلك .
ارتدت هنادي للوراء ونظرت لها بغضب وقالت : إذًا ساعدتني الآن لتتخلصي مني .
هزت مديحة رأسها وقالت : لا طبعًا ولكني استمعت لما حدث بينكما وغضبت منها ، وأردت بالفعل مساعدتك عندما رأيتك تخرجين من الشقة ولأني تكهنت أيضًا بما ستفعلينه وهو الهروب مجددًا .
تململت هنادي بعصبيه لتتبع الأخرى وتقول : استمعي إلي فقط ولن تندمي .
نظرت لها هنادي بتفحص فاتبعت : ثقي بي قليلاً .
قالت هنادي بواقعية : صعب أن أثق بك وخاصة بعد صراحتك معي منذ قليل .
ابتسمت الأخرى وقالت : لا أريد لعمتي أن تكسب تلك الجولة أيضًا على حسابك .
قالت هنادي بهدوء : لماذا ؟
صمتت الأخرى قليلاً لتقول من بين أسنانها : لأنها تلاعبت بي أنا أيضًا .
ضيقت هنادي عيناها فأتبعت الأخرى : لم تكن تريدني أنا زوجة لهشام كما أخبرتني بل كل ما تريده  الخلاص منك أنت ،
أكملت بعصبيه : فاختارتني أنا لأكون طوع بنانها كما توقعت فأنا ابنة أخيها المقرب ، أنا الصغيرة مديحة التي ستفعل كما تريد منها وبالطبع لن أستطيع الاستيلاء على قلب هشام فقلبه سيظل ملكًا لك انت وبتالي ستظل هي تستحوذ على اهتمام وحب هشام كما تريد .
اتسعت عينا هنادي بقوة وهي تنظر إليها فابتسمت الأخرى بثقة وقالت : تغافلت عمتي العزيزة عن شيء صغير ولكنه هام جدًا .
تساءلت هنادي عنه بدون أن تنبس بحرف واحد فأكملت الأخرى : أني أنا نسختها المصغرة وأني أستطيع فهمها أكثر من أي شخص آخر .
ظهرت الدهشة على وجه هنادي مليًا والأخرى تتبع : لذا دعينا نحارب عمتي على طريقتها

          ***

هم بمغادرة البيت ليقف على صوت حماه يقول بهدوء أمر : انتظر خالد أنا أريد الحديث معك .
التفت سريعًا ونظر إلي الرجل الوقور باحترام وقال : نعم عمي .
نظر له سيادة السفير مليًا ليقول : تعال ، سنتحدث بمكتبي .
أتبعه ع الفور وهو يشعر بالريبة تتخلله من نظرات حماه المتفحصة ، ولكنه شعر بقلق فعلي عندما خطى إلي المكتب ليجد حماته العزيزة تجلس على إحدى الكراسي وهي تزفر بضيق
توتر للحظات وهو يشعر بأن الحديث القادم لن يسره على الإطلاق فالسيدة هناء عبرت أكثر من مرة عن عدم ارتياحها إليه وأنه لا يستطيع اسعاد ابنتها الكبرى
تنحنح بهدوء وقال : مساء الخير أمي .
رفعت عيناها ونظرت إليه بغضب ذكره بغضب الأخرى وعيناها المشتعلتين دائمًا
ليزفر بضيق " وهو يتذكر أنها كفت عن الاشتعال أصبحت حزينة وذابله وتركت الاشتعال والغضب يؤكله بمفرده "
ابتسم بلباقة ليرفع عينيه إلي حماه وهو يقول بهدوء كعادته : اجلس خالد .
جلس بهدوء على حرف الكرسي وهو يشعر بعضلاته متصلبة شبك كفيه ببعضهما ونظر إلي حماه الذي زفر بقوة وقال : ماذا يحدث ؟
نظر له بعدم فهم فقالت السيدة هناء بقلة صبر : معك أنت ومنال .
رفع حاجبيه باعتراض على لهجتها العصبية فقال سيادة السفير بلوم : هناء .
فانتفضت بغضب وقالت : ماذا ؟ هل قلت شيئاً خاطئا ، أتريديني أن انتظر أن تتكلم أنت بهدوء وهو يصمت مستفهما إلي أن تشرح له الأمر كاملا وكأنه لا يفهم عم تتحدث فعلاً ؟
جز على أسنانه قويا وهو يرى انفعال حماته الواضح وضيق حماه الظاهر على وجهه ، قال سيادة السفير : اهدئي أو اتركينا بمفردنا .
وقفت على الفور وقالت بعصبية : لا لن أترككم وسافهم الآن ما السر وراء مرض ابنتي وذبولها الفترة الماضية كلها .
نظرت إليه بقوة وغضب وقالت : وأنت ستجيب عن اسئلتي كلها وبدون مراوغة .
نظر لها بهدوء لينقل نظره إلي حماه الذي قال بنفاذ صبر : هناء .
زمت شفتيها بحنق وجلست مرة أخرى وهي تنظر إليه بوعيد طفولي ذكره بحبيبته ،خفض عينيه وهو  يكتم ضحكته مرغمًا واحمرت اذناه وهو يتذكر ما كان يفعله بالأخرى عندما تزم شفتيها بتلك الطريقة المدمرة لأعصابه ، ابتسم رغمًا عنه
ليفاجئ بصوتها الغاضب تقول : انظر أحمد أنه يضحك وكأن الأمر لا يعنيه .
رفع وجهه لها والدهشة تلم ملامحه والبراءة تسطع بعينيه ، زفر حماه بقوة وقال بتوتر : استغفر الله العظيم ، اهدئي هناء قليلاً وكفي عن مهاجمته .
قالت بغضب : لا تدافع عنه .
هز سيادة السفير رأسه بمعنى أن لا فائدة فقال : انتظري قليلاً حتى نستمع إليه .
نقل نظره إلي خالد وقال : أخبرني بني ماذا يحدث بينك أنت ومنال .
نظر ملياً لعيني حماه وهم بأن يخبره عما حدث فعليًا لكن نظرات حماه القلقة ونظرات حماته الغاضبة جعلته يتراجع ولو قليلاً فقال بهدوء : لا شيء عمي .
شعر بتحرك حماته بعصبيه فأتبع سريعًا : تشاجرنا فقط بسبب ذلك الفستان الذي ارتدته فصعدت لتستبدله بأخر ولكنها سقطت مغشي عليها .
رفعت السيدة هناء حاجبيها بعدم تصديق ونظرت إليه بشك وقالت : فقط هذا ما حدث بينكما .
هز رأسه بالإيجاب فأتبعت بتشكك : ولماذا وجدناها تبكي إذًا ؟
نظر لها بصلابة وقال : لا أعلم فمنال تبكي دائمًا بدون أسباب .
نظرت له بغضب ليقول بقوة : تستطيعي سؤالها أمي إذا كنت لا تصدقين ما أخبرتك به .
ظهر الانزعاج على وجه حماه فرمق زوجته بنظره محذره وقال : بالطبع بني أصدقك ، فأنت لن تسيء لمنال أبدًا ،
توترت عيناه لينظر إليه حماه مليًا وقال : أليس كذلك خالد ؟ لن تفعلها لأجلي حتى لو منال أغضبتك .
شعر بقلبه ينهال عليه لومًا وتقريعًا وهو يستمع للهجة حماه الهادئة والتي تحمل القلق المبطن ، أدرك جيدًا أن حماه العزيز يعلم جيدًا بالتوتر الناشئ بينه وبين زوجته فقال بهدوء وثقة وهو يخفض عينيه عنه حتى لا يقرأ ما بهما بوضوح وقال : بالطبع عمي ، من أجلك ومن أجل منال أيضًا .
زفر الرجل الوقور بارتياح : لطالما فخرت بكونك زوج ابنتي خالد .
رفع رأسه ونظر اليه بامتنان والآخر يتبع : بل بكونك ولدًا لم انجبه ، وها أنا أشعر بسعادة عارمة لأن منال ستاتي بطفل يحمل أسمك ودمك أنت ويربطني بك بدماء فعليه تجري في أوردته .
شعر بالخجل يغمره وهو يستمع إلي كلمات اباه الروحي الحانية ليقول بصدق : أنا من له الشرف عمي أن يأتي لي طفل نصف جيناته يعود إليك ، بل في الحقيقة أنا انتظر قدومه بفارغ الصبر .
تلملمت السيدة هناء في مجلسها اعتراضًا فقال سيادة السفير : اذهب خالد لزوجتك واحتويها قليلاً فهي بفترة حرجة لا تنس ذلك أبدًا .
زفر بقوة وقال : حسنا عمي سأفعل ولكن لدي عمل هام لابد أن اقوم به وسآتي في الغد .
تحرك خارجا من المكتب ليقف على صوت حماته الغاضب الي حد ما : هل منال تعلم بذلك أم ستنتظرك للغد بدون نوم كما تفعل كلما تأخرت في الظهور .
التفت إليها سريعا وهو يردد بدهشة : تظل بدون نوم ؟!!
أومأ برأسها وقالت بعتاب واضح : نعم وبدون أكل أيضًا ، تهمل نفسها وهي تنتظر طلتك البهية.
شعر بالسخرية الصاعدة من نبرتها وعينيها الصارمتين ليزدرد لعابة بقوة ويقول بهدوء : بالطبع أخبرتها وسأذهب الآن لأشدد عليها الإهتمام بنفسها إلي أن آتى غدًا .
زفر بضيق من نظراتها المشككة به وفيما يقوله : بعد اذنكم .

غادر وأغلق الباب خلفه ليقف ويرفع رأسه ناظرا لفوق وهو يفكر فيما أخبرته حماته به الآن ، زفر بضيق وهو يتذكر حديث الطبيبة المليء بلوم مبطن لحالتها الصحية السيئة والتي تأكد بالفعل أنه السبب الرئيسي بها
تنفس بعمق وهو يتمتم داخليًا  " ماذا أفعل بك منال ؟ أشعر بالضيق يعصرني كلما نظرت إليك الآن ، ولا أستطيع الابتعاد عنك ، ألا تستطيعِ أن تتركيني قليلا ، قليلا فقط أشعر بالهدوء يخيم على نفسي وعقلي ، وأستطيع مراجعة كل ما يخصنا معًا والتوصل إلي قرار سليم بشأن علاقتنا "
زفر بقوة مرة أخرى وهو ينتبه أن ساقيه أخذته رغمًا عنه إليها ، سيخبرها أن لا تنتظره وتتوقف عن التفكير به ، فهما الآن أصبحا ماضي  .
دلف إلي الغرفة ببطء وهو يخفض نظره ويشعر بالحرج من دخوله إلي غرفتها وهو ليس لديه أدنى حق في ذلك الآن .
احمرت اذنيه بقوة وهو يشعر بالغضب من ذلك الأمر ليهز رأسه ناف نافيًا تلك الفكرة التي سطعت في مخه أن منال أصبحت غريبه عليه ، وأنه ليس لديه الحق في الجلوس معها بمفردهما ولا يحق له أن يلمسها ثانية ، لا يحق له أن يشعر بخصلاتها الناعمة بين يديه ولا بمذاق شفتيها المسكر لعقله
عقد حاجبيه بقوة والغضب يحرق الزرقة بهما ويحولها إلي رماد يتطاير من عينيه ، لينسحب اللون من وجهة وتتبدل نظرة عينيه إلي المفاجأة ، وهو يجد الفراش فارغًا ولا أثر لها بالغرفة .
توترت وقفته وهم بأن يخرج ليبحث عنها لينتبه على صوت قفل دورة المياه الذي صدح وصوت خطواتها البطيئة وهي خارجة منها
التفت بقوة لينظر إليها وهي ملتفة بمنشفة ورديه كبيرة وقطرات المياه تلمع على كتفيها العاريتين  ، تحنى رقبتها اتجاه اليمين وتحمل منشفة صغيره بين يديها تنشف بها خصلات شعرها المبلولة ، بطنها بارزة من تحت المنشفة لتذكره بأنها تحمل طفليه وأنها تنتمي اليه بكاملها
لمعت عيناه وهو ينظر إليها مليا وعقله يردد له كلمة واحدة " ستظل ملكك خالد ، ستظل ملكك "
خرجت بخطوات بطيئة بعد أن انهت حمامها ، فهي بالفعل قررت أن تعمل بنصيحة فاطمة ستعود كما كانت من قبل ستحارب الوجود بأكمله من أجله هو ، ستحاربه هو نفسه إذا لزم الامر ، ولكنها لن تتخلى عنه سيظل ملك لها لأخر العمر
شعرت بوجوده في الغرفة لتعدل رأسها وتنظر اليه وهي تشهق بخوف ، ارتدت إلي الوراء بضع خطوات وهي ترى لمعة عيناه التي اخافتها قليلاً
احمرت وجنتيها بقوة وهي ترى نظراته التي اشعلت جسدها كاملاً
تمتمت بخفوت : عدت سريعًا .
نظر إلي عينيها بغضب لتنظر إليه وهي تتأسف عما حدث منها في وقت سابق هذا اليوم ، انفرجت شفتاها قليلاً وحاولت ان تعتذر مرة أخرى
لم يستطع أن يتحكم في نفسه وهو يراها بتلك النظرة الآسفة الصادقة وخديها موردين أثر حمامها الدافئ ارتجفت شفتيها معلنة عن بدء حديث لا يريد سماعه فقطع المسافة بينهما سريعا ليحملها من خصرها ويشدها إليه 
لتشهق بقوة وهي تشعر بنفسها طائرة بين يديه يحملها من خصرها وهو يقول بغضب عارم : لا تنطقيها حتى لا أتذكر فعلتك تلك منال ، فأنا لا أريد أن اتذكرها
همت بالحديث ليقاطعها هو بقبلة ضارية وكأنها تحمل غضبة الكامن بداخله منها ، لم يتركها إلا عندما تذوق طعم الدماء بفمه ، ليترك شفتيها وهو ينظر إلي عينيها متحديا إياها على الاعتراض ، شهقت بعنف وهي تشعر بالهواء يملئ رئتيها وشفتيها تؤلماها ، لتنظر إليه وتقول باعتراض : لا تكن عنيفًا خالد ، ألمتني .
زمت شفتيها بغضب فعلي ، ليمنع نفسه من الابتسام بالقوة وهو ينظر إلي ذلك التعبير المحبب لنفسه وقلبه وقال بصوت ماكر : إلى الآن وأنا اتحكم في غضبي منال ، وإذا تكلمت عن الألم مرة أخرى ساريك معناه مجسدًا ، فلا تستفزيني .
نظرت له بعتب ليحتقن وجهها بقوة وهي تحاول أن تتملص من بين ذراعيه ، تمسك بها قويًا وقال : اهدئي لا تتحركي بتلك الطريقة حتى لا تؤذي نفسك .
قالت له بهلع : اتركني كيف تجرؤ على ما فعلته منذ قليل وأنت تعلم أنه ليس من حقك الآن
رفع حاجبيه بتسلية وقال : حقاً ، وهل كان من حقي حملك وكان من حقك أن تقبليني بوجنتي ؟
لتلمع عينيه بقوة وهو يقول ثم أنا رددتك لعصمتي .
اتسعت عيناها بدهشة وتحكمت في ابتسامتها التي كادت أن تفلت من بين شفتيها وقالت بتعجب : هكذا بتلك البساطة
أبعد جسده عنها قليلاً ولكنه ظل متمسكا بها بين كفيه وقال بهدوء ونبرة حازمة قوية : لا ليس بتلك البساطة منال ، إذا كان الأمر يخصني بمفردي لكنت استمريت على قراري ولم أكن لأتراجع عنه ولكن هناك اشياء كثيرة تربطنا معا من المستحيل تمزيقها أو التغاضي عنها حتى
تصلب جسدها وشعر بها تريد الابتعاد عنه ولكنه تمسك بها لتظل واقفة أمامها ، تنظر إليه بتلك القوة التي افتقدها منها الفترة الماضية قالت بهدوء قدر استطاعتها
مثل ؟!
  الطفلين القادمين ، والطفلين المتواجدين بالفعل ، علاقتي بوالدك وبفاطمة ، بل بالعائلة كلها ، وجودي هنا بجانبكم تلك الفترة حتى أطمئن على عائلتي وأخيرًا وصية باسم رحمة الله عليه
تشنج جسدها وقالت هادرة : لا تأتي بسيرته مرة أخرى ، لا أريد سماع اسمه ثانية .
مط شفتيه باعتراض ليقول : لا تنسي أن من لا تريد ذكر اسمه هو شقيقي وتؤامي  وكان في يوم من الأيام
وضعت أناملها برقه فوق شفتيه وقالت بخفوت : لا تقولها ، أريد نسيان تلك الفترة من حياتي ، لا أريد أن أتذكر دقيقة واحدة منها ، أريد نسيان غبائي اللعين الذي أوصلنا إلي ما نحن فيه الآن .
ارتسمت الحيرة على وجهه وهم بسؤالها عما تعنيه من كلامها الآن ليدق الباب بهدوء فيقول هو بنزق : أحمد .
قالت بتلقائية : ادخل حبيبي .
نظرت له بتعجب من ذلك التعبير الغامض الذي ظهر بعينيه وتحرك مبتعدًا عنها لا تعلم لم شعرت بأنه ضائق على خلاف طبيعته من وجود أحمد في ذلك الوقت
ابتسمت بهدوء وهي تنظر إلي طفلها وقالت بود : تعال حبيبي ، أردت شيئاً .
ابتسم الولد بغموض ليذكرها بعمه فنقلت نظرها إلي الآخر الذي جلس بطرف الغرفة تنبهت لطفلها يقول بهدوء : أريد أن أتحدث مع دادي بخصوص مدرسة كرة القدم .
نقلت نظرها إلي خالد الذي زفر بقوة وقال : حسنًا حبيبي غدًا سنتحدث كما تريد اذهب الآن لغرفتك .
شد على  جملته الأخيرة وقالها بصرامة مخالفة للهجته الدائمة مع الطفلين لترفع حاجبيها وتنظر إليه بدهشة معترضة على أسلوبه الجاف مع طفلها ،ابتسمت لطف في وجه أحمد المكفهر خجلاً وقالت بهدوء : اذهب لتنام الآن حبيبي وغدًا في الصباح تحدث مع دادي كما تريد .
هز أحمد رأسه بالإيجاب وتحرك خارجا وهو يغمغم بتحية المساء .
نظرت له بغضب ليشيح بنظراته بعيدًا عنها ، توجهت بخطوات قوية غاضبة باتجاه غرفة الملابس لترتدي ملابس النوم ، شعرت بالغيظ يملأها بسبب طريقة تعامله مع الصبي لتعود إليه بعصبية وتقول له غاضبة : لم تعاملت معه بتلك الطريقة ؟
نظر له باندهاش وقال بلامبالاة : اية طريقة ؟
اشتعلت عيناها بغضب عارم وقالت : خالد كف عن أسلوبك هذا ، أنت تعلم أنك تعاملت مع أحمد بطريقة سيئة للغاية .
رفع حاجبيه باستهتار وقال بسخرية لاذعة : سيئة للغاية .
هز كتفيه بلا مبالاة وقال : لم اتعامل معه بطريقة سيئة كل ما أردته أن ينتظر إلي الصباح ، ثم لا تتدخلي بيننا أنا أعلم جيًدا كيف أتعامل مع ابني .
قالت بغضب مكتوم : ولكنه ليس ابنك .
اتسعت عيناه وتألق اللون الأسود بهما وهو يهدر بها : ماذا قلتِ ؟
رفعت عيناها إليه : ليس ابنك ألم تخبره أنت بذلك أنك ليس والده وأنه ابن أخيك .
اقترب منها بهدوء خطر وقال بفحيح : أهذا يجعله ليس ابن لي ؟
مسك معصمها بقوة وشدها إليه وقال بصوت منخفض قاسي : هل أسأت إليه يومًا ؟ هل تعاملت معه يوما بطريقة شعرت بها أنى زوج أم له ؟
احتقن وجهها بقوة وهزت رأسها نافية وقالت : لا وهذا ما يدعوني أن اسالك عن السبب وراء تلك المعاملة القاسية معه منذ قليل .
قال بغضب من بين أسنانه : ليست قاسية ولكني سئمت من حديثنا الذي لا يكتمل ، أريد أن أفهم ما تتفوهين به ويجعلني أشعر بالغباء يسيطر على عقلي ، أشعر بحيرة من تلك الكلمات التي تفوهت بها في المشفى ومن تلك الكلمات التي تفوهت بها منذ قليل .
خلصت معصمها منه وقالت في غضب : ما الذي يحيرك خالد ؟
نظر لها بغضب وقال بهدوء مخالف مشاعره السلبية التي يشعر بها ناحيتها : لم تكذبين منال ؟ لم تريدين خداعي وتخبريني بأنك احببتني حتى قبل أن ت…
شعر بخنقة كبيرة تتملكه ولم يستطع أن يكمل حديثه لتقول هي بخفوت : قبل أن أتزوج باسم .
ظهرت شرارات الغضب بعينيه ونظر لها منتظرًا أن تتحدث لتقول هي بصدق : لأنها الحقيقة
شعر بأن كلمتها تصفعه على وجه بسبب تلك النظرة الصادقة التي لمعت في عينيها ليقول بدهشة عارمة : اية حقيقة ؟
رفعت رأسها بكبرياء وقالت في هدوء : أني أحبك منذ أن رأيتك لأول مرة .
رفع حاجبه ونظر لها بشك لتقول : هل تتذكر تلك المرة أم لم أعلق في ذاكرتك أبدًا خالد ؟
هل تتذكر تلك الفتاه مصرية الملامح التي سخرت منها ؟ هل تتذكر كيف لم تعيرني أي اهتمام ؟ لم تتحدث معي ولم تشترك في نقاشنا بل نظرت إلي بسخرية جعلتني اتصلب وأنا اشعر بالازدراء من نفسي .
رمش بعينيه سريعًا لعله يتذكر ما تتحدث معه بشأنه  لتتبع هي بسخرية : لن تتذكر خالد أتعلم لماذا لأنك فوجئت بي في حفلة خطوبتي على أخيك ، كنت لأول مرة تراني حينها  .
عقد حاجبيه وهو يتذكر تلك الليلة وتذكر كيف كان يشعر بأخيه سعيدًا وكم شعر بالخوف على ابنة ذلك الرجل الوقور فأخيه لا يؤتمن وخاصة في أمور الفتيات
هز رأسه بسخرية وهو يؤكد لنفسه " بل كان لا يؤتمن على الإطلاق "
انتبه عليها  تقول : لم تراني يا خالد حتى في تلك المرات التي كنت تأتي إلينا وتزورنا في بيت والدي ، لم تنتبه لي ولا مرة .
ظهرت الحيرة على ملامحة وهو يحاول أن يتذكرها فابتسمت وقالت بسخرية : لن تتذكرني خالد ، فتوقف عن البحث في ذكرياتك عني .
زفر بضيق وهو يقول : لا أفهم العلاقة بين ذلك وحبك لي .
شهقت بدهشة وقالت : حقًا لا تفهم .
أكملت بمرارة صدحت بصوتها : ألا تفهم معنى أن أتعلق بأحد ومشاعري تتجه ناحيته كليًا وهو لا يراني في الأصل ، لا يشعر بي ولا بوجودي حتى
أتعلم أن أشعر بأني خائنة للأخر وكلما رأيت وجهه أتذكرك أنت ويرتعش جسدي كله خوفًا  أن يكتشف الآخر أن مشاعري ملكًا لأخية
ماذا تعلم أنت عن مرار ليالي طويلة ابكيها بسبب أني انتظرتك تنظر لي وأنت لم تفعل لأنك كنت مهمتا بتلك الشقراء التي تتأبط ذراعك
ماذا تعلم أنت عن شعور الخزي الذي يملاني  كل مرة لا تنتبه لي وأنا أشعر بوجودك حتى قبل أن أراك
ماذا تعلم أنت عن ازدرائي لنفسي لأني أحببت شخصا آخر غير من تزوجت به
ماذا تعلم أنت عن اختلاقي لكذبة كبيرة اسمها حبي لباسم وزواجي منه والتظاهر بأنني سعيدة ، وأن أتغاضى عن كل مساوئه وأقنع نفسي بحبه لي
صرخ هادرًا بها : كفى.
انتفضت بخوف وهي ترى ذلك التعبير الشرس الذي ظهر على وجهه وهو يقول بعينين معتمة : كفى لا أريد أن أستمع إليك .
نظرت له بدهشة فاكمل : تظنين أن ما تخبريني عنه الآن سيشفع لك جميع تصرفاتك السابقة منال .
رمشت بعينيها دون استيعاب ليكمل وهو يقترب منها لينقض عليها ممسكًا ذراعها بقوة لدرجة أنها تأوهت ألمًا وهي تنظر إليه والدموع تتجمع بعينها ليكمل هو بفحيح غاضب : بل سيزيد عقابي لك منال ، إذا كنت الفترة الماضية تألمت من طريقة معاملتي السيئة ، فالاتي معي اسوء ، أنا سعيد أني رددتك لعصمتي ، فالآن أستطيع جيدًا أن اؤخذ بحقي منك كاملاً !!

          ***
   
نظر بهدوء إلي تلك العمارة الشاهقة التي دلفت إليها الآن أمام باب عيناه ، نقل عيناه إلي سيارة عمها التي تحركت ليتأكد أن شقة والدتها هنا
تمتم بخفوت : إذًا هذا منزلك الجديد ليلى .
نظر مرة أخرى وعقله يفكر " أن العمارة تقع بنفس الشارع الذي يقع بأخره منزل سيادة السفير "
زفر بقوة وأدار سيارته لينطلق بها مرة أخرى ويتجه بها إلي كورنيش النيل
أوقفها عند مكان محدد ليرتجل منها ويسير بهدوء ليقف أمام صفحة النيل السوداء
ينظر إليه مليًا وكأنه يحاول العثور على شيء غير مرأي بالنسبة للجميع ولكنه هو بمفرده من يراه
تنفس بقوة ومد راحتيه ليستند بهما على الاطار الحديدي أمامه ، أغمض عينيه فظهرت له كما رآها منذ قليل بابتسامتها اللبقة وبدلتها الأنيقة
كانت متألقة .. خلابة .. جذبت أنظار العديد من المتواجدين وخاصة الأمهات اللائي تبحثن عن عروس لابنها أو لأخيها الشاب
جز على أسنانه قويا وهو يتذكر حديث إنعام هانم مع إحدى السيدات عنها والذي استمع له عرضيًا ، واكتشف من خلاله أن السيدة الاخرى هي زوجة عم ليلى
التي أشادت بأخلاقها وجمالها !!
كم شعر بالغيرة تنهشه كحيوان مفترس أطبق أسنانه عليه وصار يضغط بهما حتى أصبح وشيكا لفصل قلبه عن بقية جسده
ولذا اقترب منها مرة أخرى ليتحدث معها ، رغمًا عنه فهو كان غاضبًا بسبب تلك الكلمات التي قذفتها بوجهه كالحمم البركانية
اقترب منها وهو يحاول أن يثبت لمن سيراهما أن العلاقة بينهما ليست صداقة ولا مجرد تعارف بسيط بل هي علاقة وثيقة وهي ساعدته بذلك بغير قصد منها
لمعت ابتسامة خفيفة على شفتيه وهو يتذكر أنه عندما انحنى ليهمس لها رفع عيناه سريعًا ليجد كلًا من عمها وزوجته يحدقان بهما بدهشة عمت ملاحمها ،
أظهر عدم ملاحظته لهما وظل ينظر بأثرها إلي اختفت من أمامه .
ولكن عاد له جنون الغيرة وهو يسمع ملاحظة وائل القيمة عنها وهو يقول أنها جميلة على الرغم من احتشامها ولكن حضورها طاغي
حينها قبض كفيه قويًا حتى لا يلكمه بقوة ونبه نفسه جيدًا أن هذا التصرف لا يليق به وأنه لن يتسبب بفضيحة مجهولة السبب !!
لتسبب هي بتعكير صفو مزاجه عندما تباهت أمام ياسمين ووليد عن ذلك العريس الذي تقدم لها بلندن
قبض كفيه بغضب على الاطار الحديدي إلى أن ابيضت سلامياته وعقله يتمتم بغضب " كيف ؟ كيف لم تخبرني بذلك من قبل ؟ كيف أخفت عني ذلك الخبر ؟
وكيف استطاعت أن تتحدث عنه أمامي بتلك الطريقة الوقحة ؟ "
فتح عينيه ليطل الغضب منهما كوحش أطلق سراحه  " حسنًا  ليلى تتحديني بتلك الصفاقة ، أوقعت نفسك بفخ محكم وسنرى حبيبتي ، فأنت لست ندًا لأمير الخيّال "

                 

          ***

أوقف السيارة تحت بيتها وتمسك بالمقود قويًا حتى لا تفلت يديه وتذهبان إليها ،
نظر لها بعشق وقال بخفوت : هل استمعت ؟
ابتسمت بهدوء : نعم الاحتفال كان رائعًا احببته بقدر حفل عقد القران .
ابتسم وقال : وأنا ايضًا
نظرت له مليًا فتنحنح بهدوء وأطرق راسه حتى لا ينظر إليها فهو يحتاج بعض القوة حتى يستطيع أن يوضح لها بعض النقاط التي لازالت عالقة ، مط شفتيه للأمام وقال بهدوء : المعذرة لأني لم أخبرك عن وائل ولكني نسيت أمره كليًا .
رفعت حاجبها باعتراض فأتبع وهو يشعر باعتراضها دون أن تتفوه به : لم أفهم إلى الآن سبب تكرار زياته لك ولا تعرفه عليك ولكن ما أعرفه أنه تغير بدون ابداء اسباب
نطقت بدهشة : تغير ؟!
زفر بقوة : نعم ، كان يكرهني بشده والآن عاد كما كان في السابق .
عقدت حاجبيها وانتظرت أن يكمل حديثه ، شعر بانتظارها ، فاسترسل دون أن ينظر اليها : كنا كالتؤامين ونحن صغار إلي أن وصلنا لسن الثامنة عشر ، دخلنا إلي الجامعة نحن الاثنين التحقنا بالهندسة فحلمي أن  أصبح مهندسًا معماريًا بات قريبًا ، حينها تعرف على إحدى الفتيات وهام بها حبًا ، لم أتدخل في اختياره ولكني لم اتقبلها ، كانت تصرفاتها مريبة ونظراتها تخنقني ، شعرت بجموحها نحوي وكذبها عليه ، ابتعدت عنه حتى لا أثير زوبعة بيننا ، واستقصيت عنها وعلمت أنها غير مخلصه له ، في نفس الوقت كان صديقنا المقرب منه هو يعاني منها الأمرين فهي تحوم حوله ، إلي أن انفجر وأخبره ، لا أعلم ماذا حدث له لم يصدقه بل اتهمه بالكذب ، وقفت عاجزًا أن أفعل له شيء وأنا أعلم جيًدا أنها لا تستحق ذلك الحب الذي أغشى بصره عنها وعن أفعالها ، وقفت حائرًا وغير مصدقا فلطالما كان ذكيًا بل حاد الذكاء وسريع البديهة إلي أن يصل لها ويستغنى عن عقله .
تنهد وأكمل بمرارة : للأسف تصرفت بتهور وكنت اجازف على أنه سيسامحني ، تقربت منها كما تريد وجعلته يراها وهي معي لعله يصدق أنها لا تستحقه !!
ارتفع حاجبيها و اكفهر وجهها غضبًا وهي تنظر إلي البؤس الذي تجسد على وجهه ولكنه لم يحرك مشاعرها الغاضبة أو يهدئها قليلاً : انقلب وائل منذ تلك اللحظة إلي شخص آخر ، نعم جعلته يرى الحقيقة بأم عينه ولكني خسرته بعد ذلك لوقت طويل ، بل خسرت معه معظم أحلامي ، وكدت أن أخسر نفسي أيضًا  .
التفت لينظر إليها لترميه بباقة الورد خاصتها وهي تهتف بغضب : أيها الغبي  .
ارتفع حاجباه بدهشه وهو يرى وجهها المحتقن وعينيها المشتعلتان غضبًا وهي تتبع بثورة : ألم تجد حلاً آخرًا لتفهم أخيك غير هذا الحل المنحل ، ثم ألم تفكر به ولو للحظات ماذا سيكون شعوره لبقية حياته ، ثم كيف تفعل ذلك من الأساس ، ألم يكن لديك عقل ؟
زم شفتيه بحنق وقال بخنقة : نعم لم يكن لدي أدنى ذرة من العقل والفهم وإلا لما كنت فعلت ما فعلته به وبنفسي !!
هدأت قليلا لتقول من بين أسنانها : وطبعًا أخيك كان يتقرب مني ليرد لك الصاع صاعين ، فيوم الشاطئ كان يخبرني بإعجابه المضنى بي .
اختلجت عضله صدغه لا إراديًا وقال بصوت محشرج : لا كان يتعرف عليك فقط، أخبرني بذلك بعدها .
رفعت حاجبيها بتسلية وهي ترى حركة صدغه وتتذكر مئات المرات التي كانت تتحرك لا إراديًا كالان وتستوعب حينها أنه كان يشعر بالغيرة عليها أو الغضب منها
نظرت له بعدم تصديق وهي تعلم أنه يكذب ولكنها آثرت الصمت وعدم التعليق ليتبع هو بصوت حاول أن يخرجه طبيعيًا : نسيت أن أخبرك أنه أخي وانت لم تسأليني عنه .
هزت رأسها بتفهم وزمت شفتيها بحنق فقال بضعف : ياسمين  أنا أريد نسيان كل ما فعلته في الماضي لا أريد لشبح الماضي أن يخيم على حياتي مرة أخرى ، أرجوك ساعديني على ذلك .
التفت وهو ينظر إليها بعينين غائمتان بالعاطفة : سأبدأ معك من جديد فأنت حياتي كلها الآن وستظلين كذلك إلي أخر يوم بحياتي .
انتفضت بغضب وقالت بنزق : توقف عن ذكر ذلك الأمر فأنا لا أحب أن نتكلم عنه نهائيًا .
ابتسم وهو يقترب منها وعيناه تلمعان : تخافين علي .
رفعت حاجبها الايمن وقالت مغيظة : لا .
نظر إلي عينها بهدوء وقال : حقًا؟!
هزت رأسها بالإيجاب فقال وهو ينظر إلي شفتيها بنهم : متى سأسمع منك كلمة تجبرين خاطري بها .
ابتسمت بتسلية : عندما أصبح زوجتك
قال من بين أسنانه : أنت زوجتي الآن .
اقترب منها ليحاصرها بين ذراعيه وباب السيارة لتقول وهي تضع يدها برفق في صدره : لا إلي الآن لست زوجتك ، عندما أكون في بيتك سأصبح زوجتك.
ابتعد عنها سريعًا وأدار السيارة مرة أخرى فقالت بدهشة : ماذا تفعل ؟
حرك حاجبيه بتسليه : سآخذك إلي البيت .
ضحكت بقوة وقالت بهدوء آمر : توقف عن الجنون !
التفت إليها مرة أخرى وهو ينظر إليها ويقول بخفوت : كيف أتوقف عن الجنون وأنت معي ، ألا تشعرين بتأثيرك علي ياسمين ، كل شيء بك يدفعني إلي الجنون بطواعية .
اقترب منها أكثر وسحبها ليضمها إلي صدره بلهفه سطعت بتأوهه باسمها بنبرة عاشقة ، تأوه مرة أخرى وهو يقول وهو يدس أنفه بشعرها : كم انتظرت تلك اللحظة طويلاً، حبيبتي
شعرت بالخجل يسيطر على حواسها وهو يضمها بقوة ويدفنها بين ذراعيه ،
شعرت بيديه تتحركان على ظهرها لتنطلق صافرة الإنذار في عقلها مدوية وتبتعد عنه سريعًا وتقول بخجل : لقد تأخر الوقت .
نظر لها في دهشه غير مستوعب ما تقله فلحظة كانت بين يديه يستشعر بنعيم قربها منه ولحظة وجدها بعيدة عنه فقال : علام تأخرنا ؟
ابتسمت بخجل وقالت : لابد أن اصعد إلي البيت فهذا لا يليق .
همهم بتشتت وهو لا يفهم ما تقول : ولكن
لتخرج من السيارة سريعا وهي تقول : تصبح على خير ديدو .

         ***

سيدي
صدح صوت سكرتيرته عاليًا لينتبه هو من خضم أفكاره عليه
ضغط على الجهاز الموضوع بجانبه : نعم أسماء .
  الرائد أمير الخيال يريد مقابلتك سيدي .
عقد حاجبيه وهو يبحث عن الاسم في عقله ، ليزفر بقوة ويقول : ادخليه من فضلك .
استقام واقفًا وهو يرى الآخر يدلف من باب مكتبه في هدوء وفخامة ، يبتسم بثقة ويقول بصوت هادئ : مساء الخير بلال بك .
ابتسم ببشاشة وهو يمد يده ليصافحه وهو يشعر بثقة وارتياح انتاباه لا سبب لهما إلا رؤيته لذلك الأمير : مساء النور يا بك .
تحرك من خلف مكتبه وأشار إليه أن يتحركا ليجلسا بالجلسة الموضوعة في طرف الغرفة ، ابتسم بود : ماذا تفضل ؟
ابتسم أمير بمرح : لا تشغل رأسك .
هز رأسه بنفي : لا يجوز سيد أمير لأول مرة تشرفني بزيارتك ، لابد أن نشرب شيئاً سويًا .
ابتسم أمير بفخامة : إذًا قهوة .
التفت إلي مديرة مكتبه وقال بلطف : كوبين من القهوة من فضلك أسماء .
هزت رأسها موافقة لتغادر بعدها الغرفة
التفت إليه وقال بهدوء : شرفت سيد أمير كيف ستطيع أن اخدمك  .
كح أمير بحرج ليرفع عينيه بنظرة متسائلة اتقنها جيدًا : المعذرة ،
صمت قليلا ليقول بهدوء : ألم تخبرك ليلى عني ؟
رمش بلال بعينيه سريعًا وقال بدهشة : عفوًا ؟!
تنحنح أمير مرة أخرى وهو ينظر من حوله وقال وهو يعتدل في جلسته : الآنسة ليلى ، كريمتكم ألم تخبرك أني سآتي إليك اليوم ؟
احتقن وجه بلال بقوة وقال بقوة : ما علاقة ليلى بك ؟ ولم تخبرني عنك ؟
ابتسم أمير بإحراج ونظر إليه قليلاً ليقول بهدوء : أعتقد أنها خجلت من اخبارك عني.
اتسعت عينا بلال بقوة فأتبع الآخر :سبب زيارتي اليوم أني أتيت لأتعرف عليك وأحدد موعدًا آتي فيه اليكم واطلب يدها رسميًا .
نظر اليه بلال في بلاهة وقال : يد من ؟؟
تحكم في ضحكته قويا ليبتسم بهدوء : الآنسة ليلى كريمتكم .
صمت وهو يعطيه الفرصة ليستوعب ما أخبره به توًا وما خطط ليوهمه به دون الكثير من الكلمات ، نظر إليه مليًا والتفكير يظهر على وجه الشاب الصغير هذا ، وجه محتقن بقوة وامارات الدهشة ترتسم على ملامحة .
تنحنح بلال وقال بصوت مخنوق : إذًا أنت تعرف ليلى من قبل .
كح بلطف وقال في لباقة : نحن أصدقاء .
رمش بلال بعينيه وابتسم بفتور : حسنًا .
هم بالحديث ليقطعه دقتين على الباب ودخول اسماء ومن خلفها العامل يحمل كوبين القهوة ، انتظرهما الي أن انتهيا
قالت اسما بهدوء : أي شيء آخر سيدي .
هز برأسه نافيًا لتخرج من باب الغرفة وتغلقه ورائها ، التفت إليه وابتسم وهو يناوله كوب القهوة وقال في ود استحضره رغمًا عنه : هلا أخبرتني عنك يا سيادة الرائد .
ابتسم أمير بود وقال : بالطبع ، أنا رائد بالبوليس ، من عائلة متوسطة وميسور الحال ، وسأحافظ على كريمتكم وسأضعها في عيني .
شعر بتوتر الآخر الذي ظهر مليًا في جلسته المهتزة و أومأ برأسه سريعًا : حسنا ، لابد انك تعلم أن ليلى ليست شقيقتي .
هز أمير رأسه بالإيجاب وقال : طبعًا ، أنك أخاها من والدتها ، بالطبع أنا أعلم .
أغمض بلال عينيه بقوة ليبتسم بعصبية لم يغفل عنها الآخر : وتعلم أن لابد من موافقة عمها هو الآخر .
هز أمير رأسه وارتشف من قهوته ليقول بهدوء : نعم ولكني ظننت من الأفضل أن أتكلم معك أولاً ، وسأذهب إلي عمها بالطبع .
صمت قليلاً ليتبع : ولكن ليلى أخبرتني أنك قريبا منها وستتفهم الأمر .
زم الآخر شفتيه بقوة وهز رأسه بإيماءة عصبية فأكمل أمير وهو يشعر بالشفقة على ذلك الفتى مما يفعله به  ولكنه رغمًا عنه فهذا هو السبيل الأوحد للوصول إليها  ابتسم :من وجهة نظري أن أتعرف إليكم أولاً  ثم أذهب إلي عمها لأتقدم له أيضًا .
ابتسم بلال وقال : لا عليك سأدعوه عندنا وتتعرف على العائلة كلها معًا .
لمعة عيناه بظفر ليبستم باتساع ويقول : كانت صادقة عندما أخبرتني عنك .
نظر له باستفهام فأكمل أمير وهو يبتسم له بامتنان : قالت أنك نعم الأخ ، وأنت بالفعل كذلك .
ابتسم بلال بطبيعية لأول مرة وهو يعلم جيدًا مدى تقدير اخته الكبرى له ، نظر إليه : حسنًا سأنتظرك في الغد .
ابتسم أمير بود : عفوًا أرجو أن لا تمانع أن آتي اليوم
ظهرت الدهشة بعيني الآخر فأتبع أمير بإقناع : هي على كل حال ليست زيارة رسمية أنه لقاء للتعارف فقط .
هز بلال رأسه   موافقًا ليكمل أمير بثقة : وسأترك بيناتي إليك لتستطيع السؤال علي وعلى عائلتي وتأتي بكل المعلومات التي تخصني .
ناوله ملف لأول مرة يلاحظ بلال أنه معه وقال : أنها صورة من ملفي في الداخلية به كل المعلومات الشخصية عني وتقارير رؤسائي أيضًا  .
امسكه بلال وقال بحرج : لا داعي لهذا .
ابتسم أمير : لا من حقك أن تعلم عني كل شيء .
انتصب واقفًا وهو يقول : سعدت بالتعرف عليك يا بلال بك .
قال بلال بمرح : لا يوجد داعي للألقاب بينا ، ثم أنا الأسعد يا سيادة الرائد .
أشار له أمير بيده في طبيعية مرحة : لنكن طبيعيين ، لا يستحق الأمر للتشريفات أو الألقاب .
ابتسم بلال : حسنًا أمير سأنتظرك اليوم في الثامنة .
اتسعت ابتسامته وتألق الفرح في عينيه : سأكون على الموعد تمامًا .
خرج من باب المكتب وهو يشعر بأن كل ما يريده الآن هو أن ينظر إلي وجهها عندما تراه في منزلها يترأس جلسة اليوم .



سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " Where stories live. Discover now