الفصل الثالث والعشرون

5.6K 125 3
                                    

تحركت بجانبه وهي تشعر بسعادة جديدة عليها ، لا تعلم مصدرها ولكنها أخيرًا سعيدة بدون أي سبب يدفعها للسعادة
تتحرك بخفة وكأنها فقدت الكثير من الوزن ، جعلها خفيفة وتستطيع الطيران إذا أرادت ، أهذا بسبب أنها عادت لعائلتها الطبيعية ؟ أم بسبب أنها تغلبت أخيرًا على الألم الذي تشعر به عند ذكر والدتها أو رؤيتها لها ؟
أهذا بسبب أنها أنهت خلافها مع عمها ؟ أم بسبب نزهة البارحة التي قضت بها أمتع أوقات حياتها برفقة بلال وإيني ؟ أم بسبب محادثة ذلك الشاب الرائع الذي انتظرها طويلاً ؟ أم بسبب ...
هزت رأسها نافية وهي لا تريد أن تفكر في أن هذا هو سبب سعادتها .
ابتسمت مرة أخرى وتنفست بعمق وهزت كتفاها بأنها لا تهتم ، ما يهم الآن أنها سعيدة !!
انتبهت عليه يحتضن كفها بحنان كعادته ويهمس بشقاوة : أريد أن أعلم سر تلك البسمة التي تتلاعب على شفتيك .
ضحكت بخفة وبانطلاق جديد عليها هي نفسها : لمَ ؟ أممنوع علي الابتسام ؟
هز رأسه بالإيجاب وهو يعقد حاجبيه بغيرة لمعت بعينيه : نعم .
رفعت حاجبيها بدهشة ليكمل هو بمرح : الرجل كان سيسقط مغشيًا عليه بسبب ابتسامتك تلك .
احمر وجهها بتلقائية وهتفت بخجل : رجل ، أي رجل
أدارت رأسها باحثة عما يقوله ، فضحك واحتضن ساعدها بيده،
وهو يقول بهدوء : كفي عن ذلك التوتر ستتسببين لنا بفضيحة ، تحركي حتى لا يأتي ويتكلم معك وحينها سأضربه حقًا .
وقفت بقوة وقالت بتوتر : أنت لا تمزح .
نظر لها بقوة وشدها من يدها بلطف وهمس من بين أسنانه : طبعًا ، قلت لك تحركي.
تحركت بجانبه مرة أخرى وقالت بشرود : من هذا ؟
ضحك بخفة : ما بك ؟ لمَ كل هذا التوتر؟ ، انه شاب من الواضح أنه معجب بك
أكمل وهو يعقد حاجبيه مفكرًا :لا أعلم أشعر أني رأيته من قبل ، أعتقد أنه يعمل بالمشفى .
احتقن وجهها بقوة وهو يتبع ضاحكًا : كان لابد أن تري ملامحه وهو يعتقد أنك تبتسمي له ، كنت سأنفجر من الضحك بسببه .
ضحكت رغمًا عنها وقالت : أنت سعيد بذلك .
نظر لها بطرف عينه وقال بهدوء : لا طبعًا ولكني سعيد من أجلك أنتِ ، فأنت سعيدة اليوم للغاية وهذا يسعدني رغمًا عني .
أتبع بصوت جاد : وإذا كان هذا حدث في ظروف أخرى لكنت لقنت ذلك الأحمق درسًا لن ينساه يومًا .
انحنى مقتربا من أذنها وهمس : فأنا للأسف غيور جدًا يا أختي العزيزة ، ليس متفتح كما يبدو علي .
ضحكت بخجل وقالت مغيرة لمجرى الحديث : بالمناسبة إيني أخبرتني عن شيء وطلبت مني أن أحدثك بأمره وأنا الأخرى أريد أن أفهم ما يحدث معك .
نظر لها باستفهام فأتبعت بصوت هادئ وقور : لم تعامل سوزان بتلك الطريقة الغير مهذبة بالمرة ؟
وقف بطريقة قوية و اتسعت عيناه وظهر الغضب بهما واضحًا ، ارتبكت من ردة فعله العنيفة فأكملت بصوت متوتر حزين : هل تدخلت فيما لا يعنيني ؟
حاول أن يبتسم من أجلها ولكنه لم يستطع فقال بعصبيه : لا طبعًا .
نظرت له منتظرة أن يكمل حديثه فزفر بقوة : ولكن ذلك الأمر .
صمت وهو يطبق فمه بقوة ليقول سريعًا : لن أستطيع الحديث عنه الآن ليلى .
هزت رأسها متفهمه فأكمل وهو يحتضن كفها : أرجوك لا تغضبي ، والأهم أن تظلي سعيدة كما كنت ، لا أريد لأمر تافه كهذا أن يفسد مزاجك الرائع اليوم .
ابتسمت باتساع : ما رأيك أن نذهب في نزهة قصيرة كالبارحة ، احتفالا بتحسن أمي؟
ابتسم وسأل بشغف : سعيدة من أجلها ليلى .
نظرت له وقالت بتلقائية : بالطبع .
ضمها من كتفيها إلى صدره : أنت رائعة ليلى .
انفجر ضاحكا دون سابق إنذار فنظرت له متفاجئة وهي تحاول أن تتحكم في ضحكتها : بلال ، ما بالك ؟ أجننت ؟
وضع ذراعه أعلى كتفيها وقال بمرح : لا ولكن ذلك الشاب ظهر فجأة أمامنا وأنا أضمك إلى صدري ، فلم أستطع أن أتحكم بضحكتي وخصوصًا أن خيبة الآمل التي تجسدت بوجهه جعلتني أطير فرحًا.
لكزته بكوعها وهي تتحرك بجانبه مرة أخرى : لم أدرك أنك شرير إلى ذلك الحد.
ابتسم وقال بصوت صعد من داخله : حين يقترب الأمر من أحد يخصني فأنا لا أستطيع التحكم في ذلك الجزء السيئ من شخصيتي .
لا تعلم لم شعرت بالقشعريرة تنتابها بسبب تلك الكلمات القليلة ، من المحتمل لأنها خرجت صادقة لأبعد الحدود ، أم لأنها تذكرت ذلك الآخر ، فكرت ماذا سيفعل به بلال إذا علم بما فعله معها ؟ هل سينتقم لها منه ؟
ابتسمت بحزن تألق في عينيها وهي تفكر " أين هو ليلى ؟ أنه اختفى كالحلم !!"
هزت رأسها وهي تردد لنفسها " كان حلمًا جميلاً تحول إلى كابوس "
رفعت رأسها في تصميم وهي تؤكد لنفسها " وأنا اكتفيت من الكوابيس "

       ***                      

تمطت بكسل في الفراش ، ليس لديها عمل اليوم ، وعلى الرغم أنها استيقظت باكرًا إلا أنها لم تغادر غرفتها إلا لتذهب وتطمئن على كريم ، وجدته نائمًا فعادت إلى غرفتها وخلدت هي للنوم مرة أخرى وخاصة أن هشام غادر مبكرًا هو الآخر ، غادر على عجالة من أمره ، قبلها سريعًا وهو يخبرها أن عليه أن يسرع إلى عمله ، فلديه قضية ضخمة وهذا هو سبب تأخيره البارحة .
تنهدت بقوة وهي تفكر في ذاك الموقف الذي أصبح متأزما بينها وبين حماتها
لا تعلم كيف تتعامل معها الآن ، والأهم كيف ستتعامل مع تلك الحقيرة التي تكلمت عن طفلها بذلك الشكل المهين.
زفرت بقوة وقررت النهوض مرة أخرى لتطمئن على كريم وقبل أن تغادر الفراش فتح باب الغرفة بهدوء جعلها تكتم أنفاسها لترى من القادم بتلك الطريقة.

تحرك بهدوء لداخل الغرفة وهو يحاول أن لا يوقظها ، يحمل باقة أنيقة من الورود الحمراء مرصوصة باحتراف ، اقترب من الفراش وجلس بخفة عليه .

اكتشفت سريعًا من يدلف إلى غرفتها فرائحة عطره تسبقه دائمًا ، أغمضت عيناها وهي تدعي النوم ، تريد أن تعلم سبب قدومه بتلك الطريقة المتخفية
شعرت به يقترب من الفراش ويجلس بخفة إلى جانبها ،
انحنى مقتربا منها ليطبع قبله رقيقة بجانب شفتيها ، فتحت عيناها على أثرها
نظر لها بوله وهمس : صباح الخير .
ابتسمت باتساع : صباح النور .
ابتسم وطبع قبلة أخرى فوق شفتيها وقال وهو ينظر إلى عينيها : كنت مستيقظة .
لفت ذراعيها حول رقبته وهي تهز رأسها بالإيجاب : نعم ولكني أردت ان أرى كيف ستوقظني .
اقترب منها أكثر وهو يحيط خصرها بذراعيه : وهل أعجبتك طريقتي ؟
عضت شفتيها بغنج : أكثر من رائعة حبيبي .
تأوه بمرح عندما نطقت بتلك الكلمة الرائعة من بين شفتيها لينحني و يلتقط شفتيها في قبلة طويلة أضاعت أنفاسهما معًا .
عاد برأسه إلى الوراء قليلاً : قلقت عليك عندما أخبرتني مربية كريم أنك لم تستيقظي إلى الآن ، هل أنت متعبة ؟
هزت رأسها نافية : لا ولكني فضلت النوم على أن أجلس ولا أفعل أي شيء .
ابتسم ولف ليلتقط باقة الورود التي وضعها على كرسي خلفه وضعها بحضنها لتشهق فرحة : واو ما هذا ؟
ابتسم بخفة : أنه ورد أحمر .
ضحكت مغيظة : يا سلام ، أنا أرى أنه ورد أحمر .
اقتربت منه ومدت أناملها لتتداعب ربطة عنقه وسألت بابتسامة متلاعبة : ما مناسبتها ؟
أدار عيناه عليها بتمهل لذيذ جعل خدودها تحمر تلقائيا وقال بهمس مشتعل : إن لم تخرجي من الفراش الآن سيكون لي تصرفا أخر ، ولن تعلمي أبدًا سبب تلك الباقة .
نظرت له باستفهام فاقترب منها سريعًا : حسنا انت من قررت أن لا تعرفي السبب .
ضحكت بصخب وهو يحتضنها بين ذراعيه  ، تخلصت منه بصعوبة وهي تقفز من الفراش ، حملت الباقة برقة واحتضنتها بين ذراعيها
نظر لها بغيظ ظهر قويًا على ملامحه فقالت بشقاوة : أريد أن أعلم سبب تلك الباقة لا أكثر .
ابتسم بخبث : وإذا وعدتك أن أعلمك بالأمر لاحقًا ، هل ستأتي الآن ؟
ابتسمت بخجل : هل تعدني ؟
هز رأسه موافقًا وقال سريعًا : أعدك .
اقتربت منه في بطء مثير ، جعله يكتم أنفاسه في ترقب وتأملها وهي تتحرك أمامه في خطوات ناعمة وضعت باقة الورد من بين يديها في هدوء ونظرت له بحب
لتتقدم وتجلس على فخذيه ، أحاط خصرها بكفيه وقربها منه أكثر
فردت كفيها على صدره وسألته بهمس : لم أتيت من عملك مبكرًا ؟
همس وهو ينظر إلى عينيها : اشتقت إليك .
احتقنت وجنتيها تلقائيا ليكمل وهو يدير عيناه عليها : ثم كدت أن اجن لأني نمت البارحة من تعبي ولم أرى ذلك القميص جيدًا.
سأل بشقاوة : أنه جديد ، أليس كذلك ؟
همت بالرد ليقترب منها ويلثم شفتيها بقبلة طويلة أسكتها بها ليكمل بصوت أجش : سأكتشف ذلك بنفسي .

       ***                     

وقفت تنظر إلى المرآة ، لم يغمض لها جفن طوال الليل لا تستطيع استيعاب ما حدث البارحة
نظرت و حدثت نفسها " أكان ما حدث البارحة حقيقة أم أنه بقية الكابوس الذي حلمت به ؟
هل فعلاً أخبرها أنه انتهى من أمرهما أم هي تخيلت ما حدث ، هل تركها ورحل ، تركها واقفة تستجديه البقاء وهو رفض و أولى لها ظهره وغادر دون أن يتأثر بدموعها ولا رجائها "
هزت رأسها نافية : لا طبعًا خالد لا يستطيع الاستغناء عني أنه يهيم حبًا بي .
أومأت برأسها موافقة وهي تؤكد لقلبها " نعم إنه فقط غاضب مني ، لأني لم أعلمه بخبر حملي كما ينبغي. "
صعد صوت قلبها : وطلبت منه الرحيل "
وها أنا أطلب منه البقاء !!
تكلم الصوت من جديد " لا منال أنه غاضب بالفعل تلك المرة وأكد أنه لن يعود "
جزت على أسنانها " اصمت ، خالد لا يستطيع الابتعاد عنا "
نظرت إلى نفسها قليلاً وابتسمت بمكر أنثوي طغى على عينيها : حسنًا خالد تريد إقناعي إنني لا أمثل لك شيئاً ، سنرى حبيبي كيف أنك لا تستطيع الخلاص مني.
يجلس مع الطفلين في الحديقة يستمع إليهما ويتحدث معهما ، يبتسم لضحكات هنا الجميلة ويضحك بخفة على حديث أحمد الصاخب انضم إليهم منذ قليل حمويه ومعهما فاطمة ليتجاذب معهم الحديث بخفة وهو يشعر بالأمان يخيم عليهم
كم يعشق تلك العائلة ، فهو افتقد ذاك الجو الأسري طوال عمره ، ولم يشعر به إلا عندما تعرف إلى تلك العائلة الدافئة ، فوالدته كانت باردة الطباع ثم ذلك الموقف الذي اتخذته ضده منذ أن أصبح صبيًا  كان غير مفهوم إليه  ولكنه آثر حينها الابتعاد والاستقلال بحياته ، غلف نفسه بالبرود وأصبح كسائر قومه اللذين يشبههم
أصبح إنجليزي الشكل والطباع ، ومقابلته لذلك الرجل دبت فيه الروح المصرية من جديد ، بسببه اكتشف أنه لديه حس فكاهي ليس عاليا ولكنه لديه ، بسببه اكتشف أنه غيور كالشرقيين لا يتمتع بالدم البارد كما يطلق على الإنجليز ، بسببه اكتشف أنه يعشق وطنه الأم وأن من أجله سيضحي بالغال والرخيص
ذلك الرجل العظيم كان أهم نقطة تحول في حياته وبسبه أصبح ما عليه هو الآن ، يدين له بالكثير من الفضل والولاء .
ابتسم بامتنان وهو ينظر إليه ليتوقف مرة واحدة عن الابتسام وهو ينظر إلى ما وراء حماه ، لمع الغضب في مقلتيه لتتحول فورًا إلى اللون الأسود بعد أن كان زرقتهما صافية ، جز على أسنانه غضبا وهو ينظر إليها ترتدي فستان صيفي طويل مخصص للحوامل واسع من تحت الصدر وبحمالتين رفيعتين ، نظر إلى صدر الفستان العاري وقبض كفيه بقوة ، لتلتقط عيناه شعرها المجدول على الطريقة الفرنسية كما يحب ، تتدلى تلك الجديلة وبعض من خصلات شعرها القصيرة المبعثرة على كتفها الأيسر فتجعل الفوضى تدب بجسده وعقله ،
خفق قلبه سريعًا وهي تقترب ليجد ملامحها هادئة راقية بزينة صباحية أخفت بكاء البارحة وأظهرت جمال عيناها الذي يعشقه .
ابتسمت في هدوء وقالت بنبرة تعلم جيًدا تأثيرها عليه : صباح الخير .
أشاح بوجهه بعيدًا عنها وهو يتمتم بخفوت : صباح النور .
انتفض بقوة وهو يشعر بشفتيها وهي تطبع على خده قبلة رقيقة وتردد مرة أخرى : صباح الخير حبيبي .
التفت إليها مصعوق مما فعلته علنيا ، ليجدها تنظر إلى عينيه ، ولأول مرة لا يستطيع قراءة عيناها ، رمش بعينيه ليستوعب ما يحدث ليجدها تقبله على وجنته الثانية وتهمس له بجانب أذنه : كيف حالك ؟
رفع عينيه ونظر لها ببرود اعتاد عليه لفترة  طويلة وقال بابتسامة هادئة : بخير الحمد لله .
ابتسمت بتوتر وقالت وهي تجلس على كرسي بجانبه : الحمد لله حبيبي .
بدأت تتكلم مع الطفلين ووالديها بهدوء وراحة وكأن شيء لم يحدث بينهما ، ابتلع غصة تمكنت منه وهو يشعر بالاختناق يتملكه ،وهو يرى أنها ليست غاضبة مما فعله معها ليست متألمة مما قاله لها ، إذًا فأنا لست فارقا معها
لن تبكي علي أيامًا وليالي كما فعلت معه ، لن تفتقدني لسنوات ، لن تتذكرني إطلاقًا ولن تذكرني كل دقيقة كما كانت تفعل مع الآخر
همست نفسه " لم تحبك يومًا خالد ، كنت لعبة تسلي بها نفسها لتنسى ذلك الآخر "
أغمض عيناه بألم لتزيده نفسه تعذيبًا وهي تردد : أنت من فعلت بنفسك هذا خالد ، لا تلومها الآن .
انتفض واقفا فجأة لينظروا إليه جميعهم فقال باقتضاب : بعد إذنكم .
سار بخطوات سريعة مبتعدًا عنها ، لا يستطيع أن يتحمل ما يردده عليه عقله ، لا يستطيع أن يراها وهي بتلك الفتنة التي تقتل قلبه قهرًا وكمدًا
تنهد بقوة وهو يستعيد مظهرها الهادئ ، كم كانت طبيعية بذلك الشكل المثير إليه
تبتسم برقة كعادتها وتتكلم وهي تتلاعب بخصلات شعرها المتناثرة حول وجهها وكأنها لم تكتفي بخفقات قلبه التي تستجديه أن يكف عن ذلك العناد الأحمق فعذبته أكثر وهو يراها تلمس خصلات شعرها الذي يتوق هو لدفن أنفه بها .
دخل إلى الغرفة التي كانت مخصصة لعبد الرحمن من قبل وجلس على الفراش بقهر ليتجمد مكانه وهو يراها تدلف خلفه وتنادي برقة : خالد .

عندما شعرت به يتحرك اتبعته على الفور وهي تؤمر الطفلين أن لا يأتيا خلفها
أسرعت خطواتها عندها هم بالاختفاء من أمام نظرها لتجده يدلف إلى الغرفة التي كانت مخصصة للسائق من قبل
عقدت حاجبيها بقوة ودخلت بهدوء لتناديه : خالد .
وجدته أمام عيناها يجلس على الفراش أدارت عيناها في الغرفة لتنظر له بدهشة بالغة تجسدت في صوتها : أقضيت ليلتك هنا ؟
زم شفتيه بغضب وسأل ببرود : ماذا تريدين ؟
رفعت حاجبها باستياء وقالت بإصرار :أجب على سؤالي .
هز رأسه بنعم لتتسع عيناها بتعجب وقالت بحنق : قضيت ليلتك في غرفة السائق .
انتفض واقفا وقال بسخرية : يا للهول ، لم تنطبق السماء على الأرض منال ، لا أرى سببًا لذلك الحنق المبالغ فيه .
وضعت يديها في خصرها : لا تريد مني أن أغضب وانت تقضي ليلتك في غرف خاصة بالعاملين بدلاً أن تمضي ليلتك بغرفتك .
ابتسم ببرود وقال في هدوء : تقصدين غرفتِك أنتِ .
نظرت له في دهشة : أنها غرفتنا .
رفع حاجبه وقال : لا أنها غرفتك بمفردك منال .
دعتك أنفها بغضب : لا تستفزني خالد ، أنها غرفتنا وستظل كذلك .
أجاب بنفاذ صبر : أجئت لنتناقش في أمر الغرفة ؟
هزت رأسها نافية : لا ولكني غضبت من تركك لجميع الغرف في الفيلا لتبيت هنا .
ابتسم ببرود : حسنًا سأطلب من والدتك أن تعد إحدى الغرف لي .
اتسعت عيناها بغضب فعلي : أجننت خالد؟
اتسعت عيناه بقوة وهدر بها : منال ، احترسي مما تتفوهين به .
ردت بتحدي : وأنت الآخر احترس مما تريد فعله ، لا دخل للعائلة بما يدور بيننا .
جز على أسنانه قويًا وصاح بعنف وهو يدير ظهره إليها : لم أتيت ؟
فركت كفيها في بعضمها بتوتر ، و أزاحت خصلات شعرها خلف أذنها لتهمس : أتيت لاعتذر منك .
التفت لها في حده فأكملت برقة وهي تقترب منه : آسفة .
رمشت عيناه سريعًا وهو يراها تقترب منه أكثر لتقف على مقدمة قدميها وتتعلق  في رقبته : أنا حقًا آسفة خالد .
نظرت له بحب وهي تطبع قبلة رقيقة بشغف جانب شفتيه : لا تغضب حبيبي .
لم يستوعب ما يحدث معه إلا عندما لفحت أنفاسها الحارة وجهه ، حينها شعر بذراعيها الملتفتان حول عنقه وجسدها الملتصق بجسده ، شعر بقلبه يذوب من قربها له بتلك الطريقة الموجعة .
انتفض عقله وهو يشعر بغضبه الذي بدأ بالتلاشي والاختفاء ، ليمسك ساعديها بقوة ويفكهما من حول عنقه ويبعدها عنه ويقول بسخرية ظهرت في تلك الحلقتين السود اللتان اكتنفا المقلتين الزرقاوين : حقًا آسفة منال !!
شعرت بالتشتت وهي تراه ينظر إليها بتلك الطريقة لتجيبه بتبعثر : نعم .
انحنى لينظر لها بغضب : مم آسفة منال ؟
عقدت حاجبيها ونظرت له بعدم فهم فصاح بعنف : على أي شيء بعينه آسفة منال ؟
انعقد لسانها ليتبع بحنق وقهر : آسفة على تذكيرك لي كل يوم بزوجك السابق
آسفة على تحميلي ذنب موته وأني كنت السبب به 
آسفة على صراخك في وجهي كل يوم بأني ليس بزوجك .
آسفة على بكائك كل يوم بين أحضاني لتشعريني أنني أفعل شيء خاطئ ليس من حقي .
آسفة على طردي من حياتك عشرات المرات.
آسفة على عدم إخباري بأنك تحملين طفلي ؟ أم آسفة لأنك لم تحبيني يوما منال ؟!!
أغمض عيناه بقهر وهو يتبع بشرود : على ماذا أنت آسفة منال ؟ هيا أخبريني لأعلم وأنا أتقبل أسفك واعتذارك على أي شيء فعلتيه بي ، ولأقدر حجم ألمي منك .
دمعت عيناها وهي تشعر بمدى ألمه الذي تسببت به لتنهمر دموعها بقوة وهو ينهى كلامه ، حاولت الحديث لكنها لم تستطع أصابها خرس من هول ما فعلته به وهو يذكره كله بكل تفاصيله ، يذكر كل  صغيرة وكبيرة حدثت بينهما
أتبع بتعب حاول أن يسيطر عليه ولكنه لم يستطع : لا منال لا تبكي فأنا اكتفيت من بكائك ، اكتفيت من كل شيء ، اكتفيت منال .
سحب مفاتيح سيارته ,هاتفه ليخرج من الغرفة سريعًا ويتركها وراءه ومعها قلبه !!

         ***             

ابتسمت بحب وهي تنظر إليه وهو نائم بوداعه ، مررت أناملها بخفة بمنتصف ظهره العريض ، ليبستم باتساع ويهمس وعيناه مغمضة : كفي عن ذلك ، من الأفضل لك.
ضحكت بصخب لتميل عليه وتستلقي على ظهرها وتلصق خدها بظهره ،
قالت بغنج : لمَ ؟
تحرك سريعا من تحتها ليأتي بها بين ذراعيه و ينثر قبلات كثيرة على وجهها من بين ضحكاتها التي تندفع كشلال ماء عذب ، توقف لينظر إليها بهيام وهو يبتسم بهدوء ، توقفت عن الضحك ونظرت إليه مستفهمة ، فقال بصوت مليء بالعاطفة : لمَ توقفت ؟ اضحكي ، أحب أن أرى وجهك وهو لامع بتلك السعادة الصافية .
استندت على مرفقيها لتقترب من وجهه وتطبع قبلة هادئة على شفتيه : أنت سبب رئيسي في تلك السعادة هشام .
ضمها إلى صدره بحنو : أحبك .
تنهدت بقوة وهي تغرس نفسها بين ذراعيه أكثر وقالت بصوت أبح : لن تتركني .
أبعدها عنه قليلاً لينظر إلى عينيها وهو يزيح خصلات شعرها المبعثرة من حول وجهها : لا حبيبتي ، فأنت قدري وأنا راضٍ به .
ضيقت عيناها بغيظ ليتبع سريعًا : أجمل قدر حبيبتي .
ابتسمت باتساع : حسنًا أخبرني عن سبب الورد .
عقد حاجبيه لتذكرها فأتبعت سريعًا: بل الأهم كيف أتيت باكرًا وأنت أخبرتني صباحًا أن عملك هام اليوم ولن تستطيع التخلف عنه .
ابتسم وقال بخبث : حسنًا الاثنين إجابتهما واحدة تقريبًا وهي أن تعلمي سبب تأخري البارحة .
شحب وجهها بقوة لتنظر إليه وهو ينحني جانبًا ويأتي بشيء من جيب سترته ويحركه أمام عيناها ويقول بمرح : مفاجأة .
نظرت إلى ذلك المفتاح المدلى أمام عيناها وسألت بغباء : لا أفهم .
ضحك بقوة وهو يجلس بجانبها ويضمها إلى صدره : ستفهمين عندما نخرج بعد قليل وأريك ما حضرته لك .
مالت على صدره وحركت أناملها بحركات دائرية هادئة على صدره العريض ، مطت شفتيها بدلال وقالت : ليس لي مزاج للخروج .
ضمها إلى صدره بقوة فانطلقت ضحكتها بصخب وهي تنفلت من بين ذراعيه : لا إنني أمزح
رفع لها حاجبيه بغيظ فأكملت : أريد أن تخبرني عن المفاجأة.
زم شفتيه باستياء أتبعت وهي تقترب منه : في الليل سأفاجئك أنا الأخرى.
ضحك بخفة وسألها بلهفة لمعت في عينيه :حقا ؟!
هزت رأسها بالإيجاب وهي تبتسم ابتسامة رائعة مليئة بالوعود.
زفر بهدوء وأتبع وهو ينهض واقفا : حسنا ارتدي ملابسك وجهزي كريم حتى نخرج لنتناول الغداء في الخارج وأريك المفاجأة .
ابتسمت باتساع وارتدت روبها الستاني لتتجه إلى باب الغرفة ، وقفت بهدوء وهي تنظر إلى باقة الورود وابتسمت لتسأل بخفوت : هشام ، هل رآك أحدًا عندما أتيت ؟
هم بالدخول إلى دورة المياه ليسمع سؤالها أبتسم باتساع وقال بهدوء : لا .
شعرت بخيبة أمل كبيرة تسيطر عليها ، كم تريد أن تشعر والدته بحبه لها وتكف عن التفكير في هدم سعادتها وبيتها .
زفرت في قوة ونحت تلك المشاعر الكئيبة عنها وهي تفكر في مفاجأة هشام وسر ذاك المفتاح الذي أعطاه لها منذ دقائق .
ابتسمت باتساع وهي ترى كريم يحرك يديه باتجاهها لتحمله وتبدأ في حديث ضاحك معه وهي تقبله بين الفينة والأخرى ، تدور به وهي تهمس له بحبها الكبير  ، تبتسم لابتسامته وتشعر بسعادة كبيرة وهو يحاول أن يحدثها
انتبهت من سعادتها الخاصة بطفلها على ذراعيه القويتين تشدها بحنو عارم إلى صدره ويقبلهما الاثنين بحب ويهمس في غيرة مفتعله : رأيت ولدك ونسيتني .
اتسعت ابتسامتها لتقبله في خده : أنتما الاثنين أحبائي .
رفع حاجبيه وقال في دهشة سعيدة : تساويني بذاك الولد الصغير ، أنا هشام بك تساويني بذاك الشقي .
أنهى كلامه وهو يحمل الصغير من بين ذراعيها ويقول له بهمس ضاحك : تعالى لبابا فهو اشتاق إليك كثيرًا .
قبله بحنان والتفت إليها : اذهبي لتستعدي وأنا سأبدل لكريم ملابسه .
حاولت الاعتراض ليدفعا بخفة خارج الغرفة ويقول : هيا حتى لا نتأخر .
قبل الطفل مرة أخرى بجبهته وهو يهمس له : وأنت تعال لأعتني بك .

         ***                

توقف بالسيارة أمام بوابة ضخمه يظهر من ورائها قصر عريق ، عقدت حاجبيها وهي تنظر إلى اللوحة الصغيرة والمكتوب عليها بخط منمق " قصر آل الجمّال "
التفتت إليه وهو يشير إلى أحد الرجال الوقفين بزي رسمي ، فتكلم الآخر في جهاز إرسال وأمرهم بفتح البوابة
فتحت البوابة أمامهما لينطلق بالسيارة إلى الداخل ، تنحنحت وقالت في هدوء : إذًا أنت ابن سيادة الوزير .
ابتسم وعض شفته بخفة : ظننتك لن تستنجي هذا الأمر الآن .
رفعت حاجبها بغيظ : لماذا متخلفة عقليًا حتى لا ألاحظ هذا ؟ ثم يا وليد باشا الناس تتهامس عنك ومن الطبيعي أن أعرف عن الأمر دون أن تخبرني سيادتك .
كح بخفة وقال في خفوت : هل سيفرق الأمر معك ؟
ردت سريعًا : إطلاقًا.
لتتبع في هدوء : ولكني كنت أفضل أن أعرف بالأمر منك .
ابتسم تلك الابتسامة السينمائية وهو يقول بخفوت : وها أنا أخبرك بالأمر ، هيا انزلي ، فأنا أريد أن أعرفك بالعائلة .
تنفست بقوة وهزت رأسها موافقة ، فتح لها باب السيارة لتخرج منها بهدوء وخفة وهي تنظر مليًا للقصر الضخم ، أتى إلى جانبها وقال مبتسما : هيا بنا .
ازدردت لعابها وسيطرت على توترها وهزت رأسها بالموافقة
رن جرس الباب لتفتح له إحدى العاملات بالمنزل وتفسح لهما الطريق رحب بها ودعاها إلى الدخول لتجد شاب وسيم لا يشبه وليد نهض واقفًا عندما رآها وابتسم ببشاشة وهو يمد يده مصافحا لها : مرحبًا بك .
ابتسمت وهزت رأسها بالتحية : أهلاً بك .
وقف وليد بجانبه وقال : هذا هو أخي الأصغر دكتور أحمد .
ابتسمت : تشرفنا .
أتت من خلفه فتاه حسناء مبتسمة بترحيب ليقول أحمد : وهذه ولاء زوجتي الغالية .
ابتسمت ياسمين وهي تصافح الأخرى التي قالت بهدوء : تشرفت بمعرفتك .
صاح أحمد فجأة : إيمي وليد وصل .
انتفضت ياسمين ليضحك وليد وهو يقول : لا تخافي أنه مجنون قليلاً ، ستعتادين عليه مع الوقت .
ضحكت رغمًا عنها وهزت أكتافها بتلقائية همت بالحديث لتصمت وتحبس أنفاسها ، توقفت عن الضحك وتوقف الزمن بها وهي تنظر إلى تلك الفتاه التي أتت برفقته من قبل إلى معرضها ، ازدردت لعابها بقوة وهي تؤكد لنفسها " نعم إنها تلك الفتاة التي يريد منها أن تصبح أُمًا لأطفاله ولكنها لا ترتدي الحجاب كما رأتها المرة الماضية ، فرقعت أصابعها وهي تشعر بالغضب يتسلل إليها
لتنتبه على همسته بجانب أذنها : اهدئي .
نظرت له ليبتسم لها بخبث وهو يقول بصوت عالٍ قليلا : الآنسة إيمان بالطبع تتذكرينها .
أومأت برأسها وقالت من بين أسنانها : طبعًا تشرفت بمعرفتها من قبل .
ابتسمت إيمان بهدوء واقتربت منها متحدثة بمرح : أنا آخر العنقود .
نظرت لها ياسمين ببلاهة وقالت : ماذا ؟
ضحك وليد بخفة وقال : إنها أختي الصغيرة الآنسة إيمان ستتخرج هذا العام من الجامعة بإذن الله .
اتسعت عيناها بقوة ونظرت له وردت بدون وعي : أختك .
قهقه عاليًا وهو يكرر لها : نعم أختي ، بل بالأحرى ابنتي .
ضحكت إيمان بخفة : ليس لتلك الدرجة ديدو .
استوعبت الأمر أخيرًا وأنه كان يشعل غيرتها فقط المرة الماضية لتنظر له بتوعد ثم تهمس له : حسنًا وليد حسنًا .
ابتسمت باتساع للأخرى التي تقدمت باتجاهها لترحب بها وتقبلها : تفضلي أمي ستأتي حالا ، هي مشتاقة كثيرًا لرؤيتك .
جلست على مقعد منفرد ليجلس هو بأقرب مقعد لها  فأتبعت إيمان : أنها تعد الطعام بنفسها اليوم على شرف حضورك ياسمين .
ارتفعت حاجبي ياسمين بدهشة وغزا الخجل وجهها وهي تتخيل أن زوجة سيادة الوزير بنفسها دخلت المطبخ لأجلها تمتمت بخجل : أنه لشرف كبير لي .
قال أحمد بخفة : أنت مميزة لدى أمي ، فكل ما يتعلق بوليد مميز لها .
همت بالرد ليأتي صوت أنثوي وقور من ورائها : صدقت أحمد .
نهضت واقفة بتلقائية لتنظر إلى تلك السيدة الأنيقة وشعرت بدهشة عارمة وهي ترى الحجاب الأنيق الملتف حول وجهها الجميل الذي يدل على أمراءه ذات سحر خاص في الماضي . 
كل ما تنبهت إليه من ملامحها أن وليد لا يشبهها إطلاقًا ، ابتسمت وهي تفكر أحمد يشبهها قليلا ولكن إيمان تعتبر النسخة المصغرة منها
تقدمت ببطء اتجاهها وهي تمد يدها مصافحة إياها ، لتفاجئ بأن الأخرى أخذتها بين ذراعيها وأحتضنها بحب شديد
احتقن وجهها خجلاً وهي تبتعد عنها : تشرفت بمعرفتك سيدتي .
ابتسمت إنعام هانم وقالت بحنان : بل أنا من تشرف بك وبرؤيتك اليوم .
نظرت لولدها مؤنبة : أخيرًا فعل ما كنت أخبره به من أول يوم حدثني فيه عنك .
كح وليد بلطف وهمس بهدوء : ماما .
أشارت له بالصمت : اصمت من فضلك .
حك رأسه بتوتر فابتسمت ياسمين أتبعت إنعام هانم : تفضلي بنيتي .
هزت رأسها بهدوء وهي تجلس بارتباك أكملت السيدة : بسم الله ما شاء الله أنت أجمل بكثير عما وصفك وليد لي .
شعرت بالحرج فخفضت عيناها وسمعته يهمس : ماما .
لتقول السيدة : ماذا ؟ أنا أخبرها عن رأيي .
ابتسمت ياسمين بخجل : شكرًا سيدتي .
نطق أحمد بهدوء : نعم أنا أتفق معك أمي إنها أجمل حتى من تلك الصور التي يرسمها الفنان .
التفت إليه بحده وقال : أحمد .
هز أحمد كتفيه بلا مبالاة وقال : أنا الآخر أخبرها برأيي . 
نطق من بين أسنانه : احتفظ برأيك لنفسك .
ضحك أحمد وهو يحرك له حاجبيه مغيظا ، لتضحك هي بهدوء فقال أحمد : انظر هي توافقني في الرأي .
اتسعت عيناه بحدة وقال بحنق : أي رأي .
قال أحمد من بين ضحكاته : أنك فنان فاشل .
انفجروا بالضحك وقالت هي بمزح : لا ليس لدرجة الفشل ولكنه مصمم للديكورات أكثر بكثير من كونه رسامًا .
احمر وجه بحنق ونظر لها بعتب : هكذا .
فرفعت كتفيها وقالت مغيظة : لم أقُل شيئاً خاطئًا .
نظر لها بحب لم يحاول أن يخفيه فحذرته نظراتها بصرامة ، ليبتسم ويخفض نظراته عنها قالت الأم بهدوء : حسنًا لنتابع هذا الحديث أمام الطعام .
نهضت واقفة لينهضوا معها وقالت بحنو : تفضلي ابنتي .
هزت رأسها لتتبعها وهي تشعر بأن التوتر يتبدد ويختفي .

                    
      ***

هم بالخروج من باب الفيلا لينتبه على صوت فاطمة تنادي عليه بصوت عال :
خالد . خالد انتظر.
توقف رغمًا عنه وهو يقبض كفيه بقوة حاول أن يتنفس بانتظام لعله يهدئ فورة غضبه ، التفت إليها وهو يكتم ألمه بداخله ابتسم بشحوب : نعم تومي .
ابتسمت بارتباك لتقول سريعًا : ألن تأخذني لعبده ؟
تنحنح ليقول بصوت مخنوق : ليس اليوم فاطمة لدي عمل لابد أن أقوم به .
زمت شفتيها لتقول بصوت خافت : ألن تكفا عن الشجار قليلاً ؟
نظر لها بحده فقالت : آسفة إن كنت أتدخل فيما لا يعنيني ولكني حزينة بسبب الطفلين فهما أصبحا يعيان لكل شيء خالد .
ظهر الضيق على وجهه لتتبع هي : أتعلم أحمد من اخبرني أنك نمت البارحة في غرفة عبده .
اتسعت عيناه بذهول فهزت رأسها مؤكده : نعم لا أعلم هل رآك بها أم استنتج ذلك؟
زفر بقوة فأتبعت : لا تدع الخلاف الناشئ بينكما يؤثر على الطفلين خالد .
جز على أسنانه بقوة وهو يردد لنفسه " تماسك خالد تماسك لابد أن تتحكم في مشاعرك ، لابد أن تعود كما كنت من قبل ."
أكملت هي : وإذا كانت شقيقتي الغالية مجنونة ، فأنت عاقل بما فيه الكفاية لتتجنب تلك الخلافات.
صمتت قليلا أما هو فكان يحدث نفسه  " تلك الخلافات لا أستطيع تجنبها ولا أستطيع أن أتعايش معها بعد الآن "
أتبعت بنبرة مرحة : لا تنسى أيضًا أن هرمونات الحمل تؤثر عليها وتزيد من جنونها الذي هو بالأصل متزايد.
ضحك بخفة ضحكة باهتة خالية من الروح  لتقول هي بصدق تلك المرة : أرجوك خالد لا تنصرف وأنت غاضب ثم أنسيت اليوم موعد مباراة أحمد وهو يود أن تحضرها معه .
هز رأسه بالموافقة : حسنًا ، من الجيد أنك ذكرتني بأمر تلك المباراة .
تأبطت ذراعه : حسنًا هيا لنجلس سويا كما كنا وأرجوك أخرج خلافاتك أنت ومنال من رأسك قليلاً .
ابتسم : حسنًا يا صغيرتي .

           ***

وصلت إلي البيت وهي تتجاذب معه الحديث المرح كما اعتادت عليه ، تبتسم تلقائيًا بسبب أو بدون سبب ، سعيدة هي ولا تريد لسعادتها أن تنقضي
دلفت لتسمع صوت إيناس تتحدث بمرح ، عقدت حاجبيها وأسرعت خطواتها لتبتسم وهي ترحب بسوزان ووالدتها بهدوء .
هو الآخر شعر بالتعجب من حديث إيني ليسرع خطواته ويتسمر وهو يرى عمته العزيزة وابنتها يقبعان أمامه ، حاول أن يبتسم ولكنه لم يستطع إلا أن يرسم صورة لابتسامه مشوهة حملت الضيق و وسمته على وجهه
اقترب من عمته مقبلاً لها ومرحبًا بها بهدوء ، تنفس بعمق قبل أن يلتفت للأخرى ويقول باقتضاب : مرحبًا .
شعر بالذهول يتملكه وهي تتقدم باتجاهه وتطبع قبله خفيف على وجنته  كما كانت تفعل معه وهم صغارًا وتقول بخفوت : مرحبًا بلال ،
ابتسمت بخجل : كل عام وأنت بخير .
رفع حاجبيه بدهشة فابتسمت وقالت بصوت أعلى قليلاً : اليوم عيد ميلادك ،
أكملت هامسة : أتيت لأعيد عليك ، وبالطبع أطمئن على خالتي.
اتبعتها بسرعة وكأنها خائفة من أن تغضبه ،
شعر بحلقه جاف والكلمات هاربة منه ، لا يستطع أن ينطق بحرف واحد ، فهو إلى الآن غير مصدق أنها هنا .
أربكته هي بقدومها .. وجودها أمامه فجأة .. قبلتها الشفافة التي حملت له شوقها الصادق .. وأخيرًا تذكرها لعيد مولده الذي نسيه هو في الأساس
لم يهتم بالحوار الدائر بين أختيه وعمته ، بل كل ما يهمه هي تلك الصغيرة التي جلست في زاوية الغرفة وانطوت على نفسها تدق الأرض برجلها في توتر وترتعش شفتيها مؤنبةٍ نفسها على ما فعلته ، فركت يديها ببعضهما وهي تنظر إلى الأرض وعلامات الحزن ظاهره على وجهها ،
تحرك بهدوء وجلس إلى جوارها ، تصرف بتلقائية غائبة عنه منذ فترة ، نظر بعيدًا عنها وهمس في خفوت : اهدئي قليلاً .
انتفضت بخفة لتبتسم عندما تراه أمامها فهي كادت أن تجزم أنه سيخرج ويترك لها المكان بأكمله ، ولكن في المقابل وجدته جلس بجانبها ويحدثها أيضًا ، تشجعت قليلاً وهمست بخفوت : كيف حالك ؟
رد بشرود : بخير الحمد لله .
عضت شفتها بتوتر وهمست : اشتقت إليك .
نظر لها بتفحص فشعرت بالارتباك فأتبعت : لم أستطيع أن يمر يوم مولدك دون أن أكون معك .
ابتسم بسخرية وقال وهو يكتم ذاك الشعور المقيت بداخله : نعم أعلم .
شعرت بشيء غير مريح في جملته تلك ولكنها واصلت بإصرار : أريد أن أريك ما أحضرته لك معي .
نظر لها بطرف عينه : حسنًا ، انتظري قليلاً .
التفت إلى أختيه وهو ينظر إلى ليلى السعيدة اليوم على غير العادة وإيني المرحة دائما يخططان للخروج ، استأذنت عمته بإصرار وهي تخبرهما أنها متعبة من السفر ولابد أن تستريح واقترحت أن تخرج سوزان برفقتهم ، فأكدا الاثنين معًا أنهما لن يسمحا للأخيرة بالرفض.
ابتسم بثقة وهو ينظر إلى أختيه اللتان تتهامسان ومظهرهما يدل على أنهما يتفقان على شيء ما لتقف إيني فجأة وهي تقول سأذهب لأرتدي ملابسي فتتبعها ليلى سريعًا : سآتي معك.
تكلمت إيني قبل أن تخرج من الغرفة : سوزي سنتركك قليلاً ريثما نجهز .
هزت الأخيرة رأسها بتفهم ليسرعا الاثنين بالخروج من الغرفة ، كاد أن ينفجر ضحكا من مرح أختيه فهو علم منذ أن قبلته تلك أن هذا تخطيط أخته الصغيرة ، تنهد بقوة وهو يلتفت لينظر إليها وابتسامة ساخرة تتلألأ على شفتيه .

            ***

راقبته ينصرف أمام عينيها وهي تحاول أن تصيح به أن لا يذهب ، تحاول أن تتوسله للبقاء ، تحاول أن تستجديه أن يصفح لها وأن يغفر لها ما مضى ، تريد أن تطلب منه بداية جديدة بعيدًا عن هذا الماضي المقيت ، حاولت وحاولت ولكنها لم تتفوه بحرف واحد حنجرتها توقفت عن الحديث وعقلها توقف عن قدرته في تنميق العبارات وصياغتها ، وقلبها تعالت أناته وهو يصرخ فيها بأنها قاتله قتلته وقتلت حبيبها ، كيف استطاعت أن تعذبه وتنتقم منه على مدار تلك السنين الفائتة ؟
جلست أرضًا وأسندت ظهرها على الفراش وهي تبكي بحرقه وتنظر في أثره
"كيف استطاعت أن تطعنه في قلبه وتقف وتنظر إليه وهو ينزف بين يديها دون أن تحاول أن تسعفه أو تداوي جرحه ؟
كيف كانت ذات قلب صخري حجري توقف عن الشعور عندما أمرته هي بذلك ؟
كيف كانت كرامتها اللعينة تحركها و تؤمرها أن تكون أبيه دائمة وأن لا تخضع له او لحبه ، كيف كانت تصور لها أن هذا الحب العميق ما هو إلا امتلاك ..قيد يجبرها هو أن تضعه في عنقها ، فهو يريد إخضاعها له .
صاح عقلها بقوة وكأنه استعاد قدرته على الحديث " نعم هو كان يريد إخضاعك "
ليصرخ قلبها بحدة " اخرس أنت ، كل ما نحن فيه هو بسببك "
أتبع قلبها وهو يئن " أنسيت انك السبب في اختيارها لذلك الوغد الذي تزوجته ؟
أنت السبب في أنها اختارته هو دونا عن سائر الخلق وأوهمتها أنها تحبه ، بسبب معتقدات تافهة عن الشكل والمظهر وأنها لابد أن تتزوج من مصري الشكل والطباع نعم كان مصري الشكل ولكن طباعه كانت أبعد ما يكون عن الرجل الشرقي الحر
كان مختلف عما آمنت هي وحلمت طوال سنين عمرها ، وعندما كنت أخبرها بأنه لا يحبها وأنه لا يليق بها كنت ترغمني على الصمت وتوهمها بحبه الكبير لها
كان خائنًا لها ولوطنه ، كان فاجرًا وداعرًا وماجنًا ولكنك كنت تغمي عيونها عن كل مساوئه ، لم يحبها يوما كانت بالنسبة له درجة في سلم ، مجرد خطوة يخطيها ثم يتركها وراءه ككم مهمل .
تهدج صوت قلبها وهو يكمل : أنت من أجبرتها عن الابتعاد عن حبها الحقيقي منذ أول مرة التقته بها
" أتنكرين منال أنك أعجبت به منذ أول مرة لمحته به ، أتنكرين أنني خفقت بجنون عندما رأيت أول ابتسامه له ، أتنكرين أنني رقصت طربًا عندما سمعت صوته الرخيم ولكنته المحببة سكنت بين أوردتي ، أتنكرين أنني ذبت في بحر عيناه الصافي عندما تلاقت عيونكما "
رمشت بعينيها وهي تتذكر أول لقاء لهما في الجامعة وكيف كان ذو حضور طاغي ، كيف خفق قلبها بجنون عند رؤيته كيف انجذبت له من أول طله ، وكيف عنفت قلبها على تلك الخفقات بعدها  مرارًا وتكرارًا ، كيف صدمت عندما علمت أنه توأم زوجها المستقبلي ، وكيف كانت تقسو على قلبها عندما يعقد مقارنته بينهما ، وخاصة أن خالد تعمقت علاقته بأبيها وأصبح يزورهم كثيرًا ، كيف كانت تقف لتسترق إليه النظر وكيف كانت تلوم نفسها بعدها مرارًا ، فلا نشأتها ولا تربيتها تسمح لها بذلك النوع من الازدواج ، قمعت تلك المشاعر ودفنتها وأزهقت روحها معها ،
ولكن تبقت لها مشكلة وحيدة وجود خالد في حياتها فزوجها من توأمه شاءت أو أبت  سيجبرها على التعامل معه ، لتجبر عقلها بكرهه ، نعم كرهته أجبرت عقلها على أن ينظر له بنظرة ضيقة الأفق ، وأن يعدد أمامها عيوبه الكثيرة
لا يرى به ألا الأشياء السيئة ، يذكرها بخبثه دائمًا ، سخريته التي لا تطاق ، وسريته الدائمة ، اختفاؤه وظهوره من العدم أمامها وكأنه عفريت العلبة ، هدوئه المريب !!
كم شعرت بالراحة عندما أخبرها باسم أنهما سينتقلان لأمريكا ، زفرت بقوة وهي تشعر بأنها كعصفور يحصل على حريته ، أخيرًا ستنطلق بعيدا عن ذاك المدعو خالد وتأثيره عليها
كانت تشعر بالضيق إذا أتى باسم باسمه أو ذكره دون قصد ، كانت تفتعل معه المشاكل حتى لا يذكره أمامها ، وأقنعت نفسها أنه هو من يتسبب بحدوث المشاكل بينهما ، تغاضت عن تصرفات باسم المريبة في حين كانت تضخم ما يفعله خالد وتحمله فوق معناه ومحتواه .
حتى عند موت باسم ، اقتنعت بتلك القصة التافهة عن الرجل الذي أخبرها به باسم وأنه يبحث عن خالد لأنه مقترض منه بعضًا من المال ، وأقنعت نفسها أيضًا أن خالد هو السبب وراء رحيل زوجها ، ولكنها وجدت نفسها أمام مشكلة عويصة وأنها لابد من الزواج منه ، فأباها كان يعاني حينها من مرض القلب وكان خائف من أن يتوفى ويتركها هي وطفليها من وراؤه ، وقبل أن يدخل لإجراء جراحة هامة  استحلفها أن تقبل الزواج من ذلك الخالد فهو الوحيد القادر على حمايتها ورعايتها هي والطفلين .
تنفست بعمق  وهي تتذكر أنها شحذت همتها لتتذكر كل عيوب خالد ومساوئه ودفنت مشاعرها الأخرى عميقا وتناستها ، نحتها عن عقلها وذاكرتها
كانت عندما تراه بدلاً من ان تتحدث معه بصور عادية تشعره بكرهها له ، وتصرخ في وجهه بأنه من قتل زوجها ، هو من يتم أطفالها
هو السبب في البؤس والشقاء اللذان تعاني منهما ، وإنها تتحامل على نفسها لمجرد النظر في وجهه .

قبضت كفيها وضربتهما بقوة في الأرض من تحتها :" كيف فعلت كل هذا به ؟ كيف؟"
أجهشت في البكاء وهي تتذكر أول ليله لها معه ، كيف دق الباب بأدب ودلف إلى الغرفة في خطوات بطيئة متمهلة ، كيف كان ينظر إلى الأرض على غير عادته
كيف كان يتكلم بخفوت ؟ أذناه محتقنه بشكل غريب ، ظنت حينها أنه يخجل من وجوده في غرفتها ، وخاصة أنها كانت ترتدي ثياب النوم ، لا تعلم لم تعاملت معه بعجرفة هي نفسها تمقتها ، ليتحول ذلك الهادئ إلى بركان من الغضب ويطالبها بحقوقه منها كزوج ، فغرت فاهًا بدهشة ثم ضحكت بتعجب منه وقالت بلامبالاة " أنا زوجة أخيك "
لن تنسى أبدًا وجهه الذي اربد بعنف ليقطع المسافة بينهما سريعًا ويضمها إلى صدره بقوة وعنف ويقبلها بوحشيه لدرجة أدمت شفتيها وكأنه يعاقب شفاها على تلك الكلمات الغبية ، لم تندهش حينها من طريقته معها بل كل ما أدهشها هي استجابتها له ، ذابت بين يديه وكأنها كانت تنتظر أن يقدم بتلك الخطوة منذ زمن بعيد
توقف عن تقبيلها بقسوة لينظر لها بمقلتيه اللامعتين بلون أزرق غني ، ويهمس بصوته الذي يسري ذبذبات غريبة في جسدها " بل أنت زوجتي أنا "
حينها لهثت بقوة وهي تنتظر منه المزيد ليمطرها بقبلاته الندية ويغرقها في بحر عيناه الزرقاوان .
استيقظت صباحًا وهي تؤكد لعقلها أن ما حدث البارحة كان حلمًا ، لم تستطع أن تؤده كما فعلت مع البقية  قبل زواجها من الآخر لتصدم عندما شعرت بجسده إلى جانبها ، اتسعت عيناها بقوة ونظرت حولها فوجدت أنها كانت تتوسد ذراعه و تنام بأحضانه .
قفزت واقفة لتخجل من نفسها وتسرع إلى الدخول لدورة المياه وتنظر لنفسها في المرآة ليؤكد لها جسدها أن ما حدث كان حقيقة واقعة ، لم يكن حلمًا .
انتفضت حينها بقوة وأجهشت في بكاء جنائزي لم يكن سببه أنها تبكي على الراحل بل كانت تبكي على كرامتها التي رحلت ولن تعود !!
كرامتها التي ظلت لسنوات مضت تحافظ عليها وتدفن مشاعرها وأحلامها من أجلها
ضاعت وتمزقت وأصبحت حطامًا منذ أن قبلها واستجابت له ،
خرجت فوجدت الغرفة فارغة منه لتتنفس الصعداء وتنطوي على نفسها لبقية اليوم وهو لم يحملها عبئ أي شيء ذلك اليوم بل منع الطفلين عنها واعتنى هو بهما ، انطوت على نفسها وهي تكرر على مسامعها أن هذا لن يحدث وأنها سترفضه إذا أتى إليها مرة أخرى !!
لتفاجئ بنفسها تصمت عندما أتى ليلتها ليبت بجانبها ، بل شعرت حينها بأنها تتوق لأن يأخذها بين ذراعيه ، وكانت أكثر من راغبة بالفعل عندما مد يديه وجذبها إلى أحضانه !!
ظل الحال كما هو عليه ، تبكي في الصباح وتستلم له في الليل إلى أن قررت أن تغادر - تتركه وترحل ، فهي لم تستطع العيش بتلك الطريقة تعبت من تلك الازدواجية التي تخيم على حياتها
أوهمت نفسها تلك المرة أنها تهرب منه ، فهي تعمدت أن لا تخبره بأي شيء إلى أن وصلت لأرض الوطن لتكتشف عندما وصلت إلى بيت والدها أنه كان على علم بكل شيء وتركها ترحل بإرادته !!
يومها شعرت بالحنق منه أكثر وأكثر و لم تذكر له أنه أمن طريقها من البيت للمطار ومن المطار للبيت ، لا كل ما فكرت به أنه يقبع على أنفاسها دائمًا ويردد لها أنه يحبها ، تلك الكلمة الغير صادق بها ولكنه يرددها لأنه يريد امتلاكها بها !
نعم تتذكر كل شيء الآن بتفاصيله الحقيقية ، ليست تلك التي كانت تغذي عقلها بها ، وتجبره على تصديقها لم تكن يوما ذو نظرة ضيقة ولكن هو من أجبرها على ذلك فهي لم تستطع أن تعيش مع إحساس أنها تهيم بشخص لن يفكر بها على الإطلاق لأنها كانت ولا زالت زوجة أخيه !!
صاح قلبها مرة أخرى " لم يعاملك على أنك زوجة أخيه بل أنت من حشرت في رأسك تلك الفكرة كي يشعر بها دائما وأبدًا "
هزت رأسها بأسف " نعم كنت أتعمد أن أذكره أمامه وأن أبكي عليه ، كنت أخرج طاقتي في البكاء ، وابني حولي شرنقة حتى يبتعد عني ، لم استطع أن أتخيل  مجرد التخيل أنني سأتزوجه  لأفاجئ بأني أصبحت زوجته ."
وضعت كفها فوق شفتيها لتبكي بنشيج مكتوم " وبدلاً أن أفرح بقدري الذي اختاره لي ربي ، حزنت لأني شعرت انه مجبر على تلك الزيجة "
تنفست بقوة " نعم كان مجبرًا تزوج بي من أجل أبي ومن أجل وصية أخاه ولم ينكر ذلك الأمر "
صاح قلبها بجنون " ولكنه أحبك وأخبرك بمشاعره نحوك فتركتيه ورحلت ، ورغم غبائك وعنادك وكبريائك الأحمق ، أتى خلفك وحاول أن يشعرك بقيمتك لديه ، أخبريني بالله عليك ماذا فعلت أنت ؟
قالت من بين أنات بكائها " طلبت منه الرحيل "
ضربت يديها بقوة مرة أخرى " غبية منال ، غبية وحمقاء ، اللعنة على تلك الكرامة التي سأخسر حياتي من أجلها "
وقفت بتمهل لتمسح دموعها بكفيها وترفع رأسها بإصرار وتهمس داخليًا " لن أخسرك خالد سأفعل كل شيء لتعود إلى مرة أخرى ، فحياتي بدونك لا قيمة لها "

         ***               

دلفت إلى حجرتها وهي تبتسم بخفة  فهي اتفقت مع إيني على مساعدة سوزان فيما تريد فسمحا لهما بالانفراد  ليتحدثا الاثنين سويا وجها لوجه ابتسمت بخفة فأيني أفكارها جذابة ومرحة مثلها فهي من اقترحت على سوزي تلك القبلة التي جعلت بلال ينفصم عن العالم لو للحظات قليله باقي على الأخرى أن تحارب من أجله
تنهدت بقوة وهي تتمنى لأخيها سعادة طالما حلمت بها وتمنتها ولكن الله لم يكتبها إليها ،
لا تعلم لم قفز إلى ذهنها فجأة فاتجهت بخطى سريعة إلى الحاسوب وهي تفتحه على عجالة من أمرها وتتمنى أن يكون متواجدًا للتحدث معه وتعتذر منه عن خروجها السريع صباحا .
***
يزفر بملل من أوامر وجيه الكثيرة ، يشعر بأنه يريد أن يتخلص منه ويقذف به من نافذة الغرفة ،
زفر الآخر بغضب : ما بالك ؟ أجننت ؟
أشاح له بيده غير عابئًا ليتبع الآخر سريعًا : أمير ، استمع إلى تعليماتي ونفذها بدقة أرجوك ، لا ترهق نفسك وجسدك بدون داعي أنت تعلم جيًدا أنك لن تخرج من هنا إلى أن تأتي الأوامر .
التفت له ونظر بحدة جعلت الآخر يزدرد لعابه ويقول بصوت أقل حدة : أمير أرجوك لا تقسو على نفسك بهذا الشكل ستخرب كل ما فعلناه بتهورك هذا.
نظر له غاضبًا تلك المرة فأكمل الآخر بصبر : ألم يخبرك قائدك أن عليك أن تلتزم بأوامر الطبيب ؟
ابتسم ساخرًا فزفر الآخر بحنق : أنا الطبيب بحق الله لم لا تحترمني قليلاً .
ضحك تلك المرة بخفة وهو يتشاغل عنه بحاسوبه الموضوع أمامه ليشتم الآخر بخفوت ويستعد لجولة أخرى من الكلام مع ذاك المستبد
خرج صوتا ما من الحاسوب لتلمع عينا أمير ويلتفت سريعًا ناظرا إلى وجيه الذي تنبه لذلك الصوت وقال متسائلا : ما هذا ؟
تنحنح وقال سريعًا : لا شيء
صمت للحظة ليتبع : أتريد شيئا آخر ؟
قال وجيه بنفاذ صبر : أريدك أن تستمع إلى  وتنفذ برنامجك العلاجي .
هز رأسه موافقا بسرعة أثارت تعجب الآخر وسأل وهو ينظر بتفحص : ستلتزم بالأوامر .
نطق سريعًا : طبعًا ، هيا اذهب إلى زوجتك وولدك ولا تقلق سأفعل كل ما هو مكتوب في برنامجي العلاجي .
عقد الآخر حاجبيه وهو ينظر إليه متسائلاً ليقول أمير بنفاذ صبر : هيا انطلق إلى حياتك وأترك لي متسعًا أتنفس به بعيدًا عن أوامرك وبرنامجك العلاجي .
رفع وجيه حاجبيه ليزمجر أمير بقوة : وجيه أخرج الآن حالاً .
خرج الآخر على الفور فنظر هو مليا لما مكتوب أمامه
"هاي ، أنا عدت "
"أمير هل أنت هنا ؟"
صمت وهو يفكر بم يجيبها ليظهر أمامه " حسنًا من الواضح أنك لست موجودًا "
كتب سريعا "أنا هنا "
ابتسمت وهي تنظر إلى رده الذي أتبعه سريعًا رد آخر " حمد لله على سلامتك "
اتسعت ابتسامتها وكتبت " الله يسلمك "

قبض كفيه وبسطهما أكثر من مرة وهو يفكر كيف يشعرها بغضبه منها لتتسلل ابتسامة خفيفة على شفتيه وهو يقرأ " آسفة أمير على طريقتي الحمقاء في الخروج صباحًا ، فأخي أتى فجأة وذهبنا سويًا إلى المشفى ، أعلم أنك غاضب مني بسببها وبسبب عدم إخباري لك عن موضوع أمي من البداية ولكني لم أستطع حينها "
نظر إلى شاشة الحاسوب وهو ينتظر أن تكمل فهو يشعر بأنها ستتكلم من جديد لتظهر ابتسامته بوضوح وهو يقرأ " لم أتعمد الكذب ولكني كنت أخبرك عما أشعره وعما أعيش فيه "
كاد أن يفقد صوابه ويمطرها بحبه عندما قرأ " هلا سامحتني "
تنفس بعمق ومد أنامله يتلمس أزرار الحاسوب بشوق وكأنه يلمس روحها التي تتدفق أمامه
وكتب بهدوء " لم أغضب ليلى ولكني اندهشت "
أتبع سريعًا " سأعتاد الأمر لا تقلقي "
كتب وهو يبتسم بهدوء وعيناه تلمع بخبث " ماذا تسمعين ؟"

رفعت حاجبيها بدهشة وخلعت سماعتين الآي بود من أذنيها وهي تنظر إلى الحاسوب بريبة وكتبت بعفوية " كيف عرفت ؟"

ضحك بأريحية وهو يتخيلها بعينيها المتسعتين والدهشة متجسدة بهما ليكتب والخبث يطل من عينيه : "شعرت بك ."
اتسعت ابتسامتها وهي تشعر بشيء مألوف في ذلك الحديث ، وضعت السماعتين مرة أخرى بأذنيها : لا أعلم هل ستعرف تلك الأغنية أو لا فأنت لست من هواة الأغاني ولكنها مسيطرة على عقلي منذ أن استيقظت صباحًا !
كتب سريعا "أخبريني أنت عنها "
تنفست بقوة وهي تكتب له " بما أنني سعيدة اليوم على غير العادة فأنا استمع إلى أغنية مقربة إلى قلبي كثيرًا ، أعشقها بالأصح "
كتب سريعًا وهو يشعر بسعادتها غير المرئية تنتقل إليه تلقائيا " ما هي ؟"
نظر إلى الملف الذي بعثته له ليقبل حفظه وهو ينظر إلى ما كتبته " استمع إليها ، إنها رائعة "
ركز نظره على نسبة تحميل الملف وهو يشعر بالترقب وعند اكتماله قفز واقفًا وهو يبحث عن تلك الحقيبة التي أتاه بها وليد وهو متأكد انه أتى بسماعة إذن له مع الحاسوب  ، بحث عنها بعشوائية ليخرجها سريعًا لم يهتم بالأشياء التي تناثرت من الحقيبة ليسرع خطواته مرة أخرى إلى الحاسوب ويجلس أمامه ويستمع إليها على الفور
انسابت الموسيقى الهادئة إلى أذنيه لتشدو فيروز بصوتها الملائكي فيحشد هو كل
تركيزه ليستمع إلى تلك الكلمات الرقيقة

طل و سالني اذا نيسان دق الباب
خبيت وجي وطار البيت فيي وغاب

حبيت افتحلو
عالحب اشرحلو
طليت مالقيت
غير الورد عند الباب
بعدك على بالي
ياقمر الحلوين
يازهر التشرين
يا دهب الغالي
بعدك على بالي
ياحلو يا مغرور
ياحبق ومنتور
على سطح العالي
كاد أن يقفز فرحًا وهو يشعر أن تلك الكلمات الرقيقة موجهه إليه هو ، نطق عقله سريعًا " ليس لك "
ليقفز قلبه نابضًا " بل إلى أنا ، إنها لازالت تذكر عبد الرحمن ، كما أخبرتك أمير إنها تحبنا ولن تستطيع نسيانك مهما حدث ، هي مجروحة فقط من بعدك المفاجئ عنها "
ابتسم باتساع وهو يعيد تلك الكلمات التي ملأت روحه سعادة ورقص قلبه طربًا إليها

بعدك على بالي
ياقمر الحلوين
يازهر التشرين
يا دهب الغالي
بعدك على بالي
ياحلو يا مغرور
ياحبق ومنتور
على سطح العالي
ضحك بخفة فهو لا يفهم نصف التشبيهات ولكنه يشعر أنها تتغزل به
احتقنت أذناه بقوة وهو يشعر بسعادة غير طبيعية ليكتب "إنها جميلة ليلى "
كتبت سريعًا " بل رائعة ، أنا أعشقها "
صمت ليترك لها المجال لتفضفض قليلاً فهو شعر أنها تريد البوح ببعض مما تكتمه في صدرها  لمعت عيناه وهو يقرأ " تذكرني بأيام جميلة في حياتي "
تلألأ ت الضحكة بعينيه وهي تكمل " بل الأصح أنها كانت أجمل أيام حياتي "
سأل سريعا وهو يشعر بلهفته تتدفق من عينيه " لمَ كانت ؟!"
شعر بها وهي تبتسم ولكن الحزن يطل من عينيها " لأنها انتهت "
أغمض عينيه وهو يتنفس بقوة " لم تنتهي ليلى "
عقدت حاجبيها وهي تنظر إلى تلك الكلمتين لتسأله " ماذا تعني ؟"
ابتسم وكتب " الأيام قادمة ليلى لم تنتهي ، وستعيشين أيامًا أجمل من تلك بكثير ، ثقي بي "
ابتسمت بسخرية " حياتي علمتني أن لا أثق بأحد حتى نفسي لا أثق بها فهي تذهب بي إلى ما لا أريد "
صمت أمام تلك الكلمات الكئيبة التي تظهر روحها المتألمة وأنب نفسه كثيرًا على ما وصلت إليه بسببه ، فرغم كل ما حدث بحياتها وعودتها إلى عائلتها كما أخبرته إلا أن بعده الغير متوقع عنها احدث لها صدمة وشرخ عميق في نفسها.
انتبه من أفكاره على كلماها الرقيقة " من فضلك لا تغضب "
ابتسم بألم " لست غاضبًا ، أنا حزين "
شعر بسعادتها التي تنتقل إليه دون أن يدري كيف تختفي تدريجيًا وهي تكتب "أسفه"
كتب سريعًا " لا داعي للأسف ، وأنا من عليه أن يتأسف فقد ضايقتك "
ابتسم بمرح " وقبل أن تسألي كيف عرفت شعرت بتوهجك يخبو وينطفئ "
كتبت " لا أنا بخير والحمد لله ولكني تشاغلت عنك برفع الصور إلى ابنة عمي "
اتسعت عيناه وكتب سريعًا " صور أي صور ؟!"
نظر مليًا إلى كلماتها " البارحة تصورنا كثيرًا أنا وبلال وإيني وكنت وعدت ياسمين بأن أضعها لها "
كتب سريعًا " أين وضعتها ؟"
كتبت بتلقائية " على الفيس بوك طبعًا "
اتسعت عيناه وهو يشعر بالحنق منها وهو يذهب سريعًا ليرى تلك الصور التي تتحدث عنها

          ***
تنحنحت بهدوء وهي تشعر بالتوتر يسري بعروقها ، تنتظر منه أن يتحدث معها ولكن كل ما يفعله أنه ينظر إليها بتفحص وتلك الابتسامة الهازئة تزين شفتيه
حاولت الابتسام ولكنها لم تستطع فزفرت بقوة ونطقت بصوت مبحوح : بلال .
تنفس بعمق ورد في هدوء على قدر ما استطاع : نعم .
كحت بلطف وهمست برجاء : أنا آسفة ، سامحني أرجوك .
جز على أسنانه بقوة : علام أسامحك سوزان ؟
نظرت له برجاء فأتبع بسخرية : إلى الآن لا أعلم ماذا حدث بينكما .
ارتعشت شفتيها وقالت بنبرة غير صادقة : لم يحدث شيء .
ضحك ساخرًا : لا أصدقك .
زفر بضيق : لن تفعلي ما فعلتيه إلا إذا حدث شيء بينكما .
لمعت الدموع بعينيها فأكمل وهو يريد ان يؤلمها : هل وعدك وأخلف ولذا فعلتي ما فعلتيه ؟
شحب وجهها وهزت رأسها نافية بقوة وهمست بصوت مجروح : لا لا لم يحدث بينا أي شيء .
رفع رأسه في تغطرس وصمت لتتبع هي : صدقني بلال لم يحدث شيء .
تنهد بقوة : هل تعتقدين أنني طفل صغير سأصدق ما تخبريني به ، نحن نتكلم عن وليد الجمّال وأنت أدرى بمن هو ، وأدرى بسمعته .
انهمرت دموعها بقوة وقالت بتوسل : صدقني لم يحدث شيء مما في خيالك .
صمت قليلا ثم زفر بحرقة : أتعلمين سوزان هذا يؤلم أكثر !
نظرت له باستفهام فاتبع بحزن : إذا كان حدث بينكما شيء أو هو أجبرك على فعل أي شيء لكنت انتقمت منه على ما فعله ، لكن إصرارك أنه ليس مخطئا يؤكد لي أنك أحببته وفعلت ذلك انتقامًا منه على رفضه لك .
أجهشت في البكاء فهز رأسه بتفهم والألم يتجسد بعينيه : نعم إحساسي بك إلى الآن لم يخطئ .
نهض واقفًا ورفع رأسه عاليًا ليدفع الهواء إلى رئتيه بقوة ويزفره ببطء وأتبع : آسف سوزان ولكن أنت أنهيت كل شيء .
تعلقت في كفه بقوة وقالت : لا بلال لا تفعل هذا .
خلص كفه من بين يديها وقال وهو ينصرف من أمامها : أنت من فعلت سوزان ليس أنا .

            ****

وقف بسيارته أمام أحد العمارات الراقية الواقعة على كورنيش النيل ، لتنظر إليه بدهشة فقال بمرح : انزلي .
رفعت حاجبيها بدهشة : إلى أين ؟
اقترب منها وقال وعيناه تلمع بنظرة شيطانيه مفتعلة : سأختطفك .
رنت ضحكتها عالية وهي تشعر بمرح غريب لينزل من السيارة ويحمل كريم بين يديه .
نزلت وهي تنظر إلى ما حولها صاحت بطفولية : حقا هشام لم أتينا إلى هنا ؟
ابتسم باتساع واقترب منها بعد أن أغلق السيارة ، شبك كفه بيدها وقال وهو يبتسم : تعالي معي .
رافقته في خطواته الهادئة قال بلهجة مثيرة  وهو يلتفت لينظر إلى الكورنيش ويشير لها بعينيه: أتذكرين حينما كنا نتمشى هنا بعد أمسياتك الشعرية أو ندواتك السياسية ، أو عندما كنت تتأخرين في عملك ، أتذكرين ؟
هزت رأسها وهي تشعر بغرابة الحديث : طبعًا ، أنها أجمل ما عشت كيف أنساها .
تنهدت بقوة وهي تشير إلى الكورنيش : هذا الرصيف مكانته خاصة جدًا عندي .
ابتسم وهو يغمز لها بعينه : نعم وعندي أنا الآخر .
احتقنت وجنتاها بقوة فقهقه ضاحكًا : إذا تذكرين .
ابتسمت بخجل : نعم بالطبع .
شدها من يدها برفق : حسنًا ، تعالي معي .
دلفا إلى مدخل العمارة ليقف البواب محيي هشام وكأنه يعرفه ، رد له هشام التحية وتوجه إلى المصعد سألت بقلق : هشام إلى أين تأخذني ؟
رفع حاجبيه بتعجب : اهدئي هنادي أنا زوجك حبيبتي ، أنسيت ؟
تأففت بتوتر : لا طبعًا لم أنسى ولكن لا أشعر براحة وأنا سائرة على غير هدى هكذا .
تنحنح وقال بجدية : أنت معي هنادي لا داعي لهذا ثقي بي قليلاً .
قالها بنفاذ صبر لتقول سريعًا بلهجة رقيقة : طبعًا أثق بك ولكن أنت تعلم فضولي الصحفي .
ضحك بخفة : سأروي هذا الفضول إلى أن تشعرين بالتخمة ولكن انتظري قليلاً .
وقف المصعد ليخرجا منه سويا ، ويصطحبها إلى باب شقة ويقفان أمامه ، ترك يدها ليخرج شيء من جيبه لتتسع عيناها بفرح حقيقي وهو يدلي المفتاح أمامها مرة أخرى ، اختطفته من بين أصابعه وتقفز بسعادة : شقة ، كيف لم أدرك ذلك منذ أن أهديتني إياه .
قفزت بمرح لتتعلق برقبته وتقبل وجنته بقبلات كثيرة ، ضحك بقوة : حسنًا افتحي الباب وأدلفي للداخل ثم نفعل كل ما تريدين .
ابتعدت عنه لتنظر إليه بامتنان فانحنى هامسًا : لا تنظري إلى بتلك الطريقة أرجوك .
ابتسمت بخجل وفتحت باب الشقة لتدلف إلى الداخل سريعًا ، قال بهدوء : لم أؤثثها بعد ، في الحقيقة سأترك لك هذه المهمة .
اقترب منها وهي واقفة تنظر حولها بسعادة حقيقة وتحتضن المفتاح بين يديها : أريد أن تبني أنت كل جزء بها كما تتخيلين دائمًا .
دفعها بلطف أمامه لتسير وهي مغيبة من كثرة سعادتها أوقفهما أمام الشرفة الضخمة واحتضنها من خصرها مقربها إليه : انظري من هنا سترين كل يوم رصيف حبنا .
قهقهت ضاحكة لتدفن نفسها بحضنه وهي تقول : أحبك هشام ، أحبك .
ضمها إليه :وأنا أعشقك حبيبتي .
أبعدها عنه قليلا ليقول بمرح : تعالي لترين جميع الغرف .
ونظر إلى طفله : ما رأيك كوكي بالبيت ، تعال لأريك غرفتك أنت الآخر .
ابتسمت وقالت وهي تسير بأنحاء الشقة : إنها جميله هشام .
تحرك بجانبها وهو يحمل كريم على كتفيه ويمسك يديه بقوة : سعيد أنها أعجبتك ، هيا لنذهب ونتناول الغداء فأنا سأموت جوعًا .
هزت رأسها موافقة ليقول : وإذا أردت أن نرى محلات الأثاث بعدها ليس لدي مانع.
صفقت بيديها جزلاً : حسنًا .
وقفت مرة واحدة لينظر إليها فقالت بخفوت : ماذا ستفعل مع والدتك ؟
تنفس بقوة : لا تشغلي رأسك بذلك الأمر الآن ، ولكن أريدك أن تأخذي إجازة من عملك لنسافر إلى حفل الزفاف كما أردتِ .
رفعت حاجبيها بتعجب : ستذهب إذًا ؟
هز رأسه بالإيجاب فسألته : حسنًا متى ؟
أشار بيده غير مهمتا : بعد عشرة أيام تقريبًا لا أذكر الموعد تحديدًا .
هزت رأسها موافقة ليقول هو بجدية : أريد منك أمرًا هاما لابد أن تلتزمين به .
نظرت له ليكمل فأتبع : لا تحتكي بأمي إطلاقًا الفترة القادمة .
نظرت له بفضول فأتبع بابتسامة : تخلي عن فضولك الصحفي إلى أن أخبرك عن السبب .
تنفست بقوة وقالت : سأحاول .
ضحك بخفة ليقول بهدوء : وهذا أيضًا ينطبق على ابنة خالي العزيزة .
ضمت يديها بقوة لتقول بتوتر  : ماذا يحدث هشام ؟
اقترب منها : صدقيني لا شيء مهم .
حسنًا .
تنحنح فقالت : ما الأمر ؟
نظر إلى كريم الذي يناغي بقوة ثم نظر إليها وقال : اقتربي وقبليني قبل أن نخرج من هنا
نظرت له باندهاش فهمس : هيا تعالى.
اقتربت منه وضعت يديها على صدره العريض لتقبله برقه على شفتيه ، تنفست بقوة بعدها وقالت : الله لا يحرمني منك حبيبي .
تنهد بقوة : ولا منك حبيبتي أكمل وهو يغمز لها : لا تنسي وعدك لي .
ضحكت بخفة : لا تخف لن أنسى .
تحرك بجانبها : حسنًا هيا .

        ***

رمشت عيناه رغمًا عنه وهو يشعر بقلبه سيتوقف من كثرة دقاته الغير منتظمة
وهو يراها تقف في ميدان (تلفجار) وأخرى وهي تجلس على حافة النافورة التي تقع في نفس الميدان
جز على أسنانه غيظًا وهو يراها تقف إلى جوار ذلك الشاب الذي يحيط كتفيها بذراعه ويبتسم تمتم بغضب " يحق لك الابتسام "
صور عديدة لها مع هذا الشاب وأخريات مع فتاة جميلة صغيرة شقاوتها تقفز من عينيها وأخيرًا صورة قريبة لها تظهر ملامحها جيدًا وهي تبتسم
نظر إلى الصورة طويلاً ومد سبابته تلقائيا ليضعها على وجنتها ويمررها برقة ، تنهد بقوة وهو يشعر بالظمأ يمتلك كل حواسه
نظر إلى ابتسامتها الرائعة وعيناها البنيتين ، رقبتها المائلة بدلال وجنتيها الوردية ، عاد بسباته التي كانت تلمس وجنتاها ليضعها على شفتيه وهو يشعر برائحتها تملأ رئتيه فجأة ، تلك الرائحة الندية التي كان يشتمها كلما اقترب منها
نظر مرة أخيرة للصورة وزفر وهو يكتب " امسحيها "
" لماذا ؟"
كتب بغيظ " لا أريد أن يراك الناس جميعًا "
عقدت حاجبيها بعدم فهم وهي تشعر أنه غاضب من لا شيء فكتبت بصبر " ليس لدي أصدقاء كثيرون على أي حال "
جز على أسنانه غضبا "وابنة عمك؟"
" ما بالها ابنة عمي ؟
استغفر ربه بهمس مكتوم وكتب " ليس لديها أصدقاء هي الأخرى ؟"
رفعت حاجبيها وهي تتذكر حساب ياسمين الممتلئ بالأصدقاء من الجنسين فكتبت وهي تبتسم " لا طبعًا ياسمين شخصية اجتماعية من الطراز الأول ولديها أصدقاء من مختلف الأعمار والجنسيات أيضًا "
مرر يده في شعره بعصبية وهو يتمتم " ارحمني يا إلهي "
وكتب بغيظ وهو يدق على أزرار الحاسوب " إذًا امسحي الصور وأبعثيهم لها في رسالة خاصة "
رفعت حاجبيها باعتراض " لا أفهم سبب غضبك "
شعر بأنه سينفجر من الغضب ليكتب سريعًا " منذ متى ترفعين صورك على الفيس بوك "
لوت شفتيها بملل : "إنها أول مرة "
كتب وهو يدعو الله أن يلهمه قليلاً من الصبر " ولماذا بدلت رأيك ؟ "
أتبع سريعًا " اذكر أنك أخبرتِني من قبل أنك ضد هذا الأمر "
شعرت بالملل من الحديث الذي لا جدوى منه فكتبت بهدوء " لا أرى الآن فارقًا ، لست مهمة إلى ذاك الحد الذي يجعل الناس تتربص بي لتراني "
رفع حاجبيه بدهشة وشعر بأن قلبه سيتوقف من تلك الحمقاء ليكتب بغضب عارم تلك المرة " بل أنت مهمة أكثر مما تتصورين ليلى "
أتبع آمرًا " وهيا اذهبي لتمسحي تلك الصور التي وضعتها لابنة عمك "
ردت بطفولية " لن أفعل "
خرجت عيناه من محجريها وهو يعيد قراءة ما بعثته وهو يشعر بأن دمائه تغلي من الغضب فكتب بتسلط " لن أعيدها "
عقدت حاجبيها وهي تشعر بالغضب بدأ يتسلل إليها " ما شانك أنت على أي حال ؟"
فكتب بغضب " ألا تعلمين حقًا ؟"
ارتدت إلى الوراء وهي تشعر بوجنتيها تحتقن خجلاً وهي تقرأ " لا أريد لأحد غيري أن يراك أيتها الحمقاء "
اتسعت عيناها ورفعت خصلات غرتها المنسدلة على جبينها ، ازدردت لعابها بقوة وكتبت " هل رأيتهم ؟"
رد بتلقائية " طبعًا "
كتبت وهي تشعر بأنها ستبكي من الخجل " لم أسمح لك أن ترى صوري "
لم يستطع أن يمنع نفسه من الانفجار ضحكا وهو يكتب " أنت مجنونة ليلى ، أليس كذلك ؟"
أتبع وهو يشعر بأنها سيغمى عليها من الصدمة " أنت وضعت الصور للجميع  ليشاهدوها ليس من حقك أن تسمحي أو لا تسمحي منذ أن رفعتها للأمة تراها "
كتبت بخجل كاسح " لم أفكر بها من هذا المنطلق "
ابتسم وهو يشعر بخجلها " حسنًا ، اذهبي وامسحيها ولا تقلقي رأيي بك لم أغيره "

ازدردت لعابها مرة أخرى وكتبت بتوتر " لا أفهم ، ماذا تقصد ؟"
ليبتسم ويكتب وعيناه تلمع بخبث " أنت كما تخيلتك فأنا رأيتك بقلبي من قبل "
احمر وجهها تلقائيًا وكتبت له سريعًا " سلام أمير ، أراك على خير "
انفجر ضاحكًا وهو يتذكرها عندما كانت تغلق الهاتف في وجهه عندما كان يصرح بمشاعره نحوها ، أو يغازلها بجراءة تمتم بخفوت : حبيبتي .
تنهد بشوق وهو يغلق الحاسوب ويفكر في حديثهم معًا ، يشعر بسعادته مغلفة بقلق كبير فرغم أنه أدرك الآن أنه لم يختفي من حياتها كما كان يظن إلا أن هذا زاد قلقه فردة فعلها عند معرفتها بالأمر ستكون مدمرة ، زفر بضيق هذه المرة فهو يعلم أن ما يفعله معها الآن خاطئاً وانه كان من المفترض أن يشرح لها الأمر كله ولكنه لن يستطيع الحديث معها عن طريق الانترنت ، لذا ينتظر إلى أن تعود ويراها ويخبرها بالحقيقة كاملة 
كم يشتاق لعودتها ورؤيتها والاطمئنان عليها ، يريد استنشاق الهواء المحمل برائحتها الندية عندما يقترب منها
يريد أن يرى لون عينيها وهو يبرق من الغضب ، يريد أن يرى ابتسامتها البريئة الخجول التي تفقده صوابه ، يريد أن يسمع صوتها وهي تناديه بدلال فطري كما كانت تفعل مع الاسم الآخر ، كم يتمنى  أن يسمع اسمه من بين شفتيها
تنهد بقوة وهو يتمتم " اشتقت ليلى ، بل انتهيت من الشوق .

أغلقت الحاسوب وهي تشعر برجفة عميقة تجتاحها ، كتيار هواء بارد يصيبك فجأة في ليلة صيف ساخنة ، فينتفض جسدك بدون وعي منك
نظرت إلى حاسوبها مليا وهي تشعر بشيء مألوف يؤلم قلبها بشدة ، شعرت بسخونة شديدة تفيض من خديها لتلمسهما بكفوفها  الباردة وهي تهمس : ماذا يحدث لي ؟
أغمضت عيناها وهي تسمح لعقلها بالتفكير أخيرًا به ، فهو لا يريد أن يخرج من رأسها اليوم ، ، فهي حلمت به الليلة الماضية ولغرابتها الشديدة لم تشعر بالحنق منه ، فالحلم كان جميلاً احمرت وجنتيها قويا وهي تردد لنفسها " كان هو الجميل ليس الحلم "  كان مبتسمًا سعيدًا عيناه تلمع ببريق جذاب يسير بجانبها على شاطئ البحر ويهمس في أذنها بكلمات لم تتبينها ولم تفهمها
بل كل ما شعرت به هو الراحة الشديدة ، استيقظت من نومها وهي تشعر بسعادة غير مفهومة المصدر ، أو أقنعت نفسها بذلك !!
أمرت نفسها وعقلها ألا تتذكر ذلك الحلم الخفي ، ليسطع إلى بؤرة التفكير عندها  الآن فجأة ، عقدت حاجبيها وهي تشعر بشعور غريب .
وردد عقلها سؤال واحد " لم كلما تحدثت إلى أمير تتذكر الآخر ؟ ذلك الذي تريد أن تمحيه من حياتها "
ابتسمت بسخرية ورددت بعقلها " من الواضح أنني سأمحي ذاكرتي كلها  وهو سيظل قابع في ذاكرتي إلى الأبد "
مسدت جبهتها بهدوء وهي لا تزال تفكر في السبب الخفي وراء تذكرها لعبد الرحمن عندما تتحدث مع أمير "
عقدت حاجبيها بغضب وهي تشعر بقلبها ينتفض كعصفور أمطرت السماء عليه عند إتيانها باسمه وجزت على أسنانها وهي تهمس له بصبر " انتهينا من ذلك الأمر ، لن نعيده مرة أخرى "
لتتبع بتوسل " لا أستطيع أرجوك ، لا استطيع أن أكرر تلك المأساة ثانية ، سنمحي ذكراه من الأفضل لي ولك "
زفرت بقوة لتنهض واقفة وهي تقرر الخروج من الغرفة فهي قضت أكثر من المدة التي اتفقت عليها مع إيني ، ابتسمت وهي تفكر أن من المفروض الآن أن تخرج لتجد بلال مبتسمًا و سوزي سعيدة والاثنان يتبادلان الحديث الهامس والضحكات الخجول
لتقف وهي تنظر بدهشة إلى سوزي التي تبكي بقوة وإيني التي ترتب على كتفها مهدئة
سالت سريعًا : ماذا حدث ؟
لوت إيناس شفتيها بخيبة أمل : بلال تشاجر معها وغادر .
اقتربت لتجلس بجوار سوزان وترتب على كتفها : لمَ ، الم تتحدثي معه لتزيلي سوء التفاهم بينكما ؟
هزت رأسها وأجهشت في البكاء : حاولت ولكنه لم يعطيني فرصه .
أتبعت وهي تشهق بقوة : لازال متمسكًا بأفكاره الغير صحيحة !!
رفعت ليلى حاجبيها بتعجب ونظرت إلى إيناس التي هزت أكتافها بمعنى أنا لا أدري أي شيء ، لتهمس لها برفق : حسنًا اهدئي وانهضي الآن .
ساعدتها على النهوض هي وإيناس لتتبع : اذهبي وارتاحي قليلاً وأنا سأتحدث معه عندما يعود ،
همست لأختها : ابقي معها وحاولي أن تهدئي من روعها قليلاً إلى أن يأتي أخوك العزيز وأفهم منه ماذا يحدث بينهما ؟
هزت إيني رأسها موافقة ويدخلا الاثنان سويًا وهي تنظر لهما وخاصة إلى سوزان وتفكر " ماذا حدث ليغضب بلال بتلك الطريقة ؟"

           ***

تقف وهي مستنده على مقدمة سيارته ، تنظر إلى غروب الشمس البديع ، تبتسم وهي تشعر أن اليوم نهايته ستكون مختلفة تمامًا
أعادت ما حدث سريعًا من الصباح في رأسها لتجد أن اليوم من بدايته السعيدة إلى الآن يوم تاريخي بحياتها ، وخاصة لقاء أسرته الرائعة بدء من أمه الحنون
كم أحبتها هي ودخلت إلى قلبها ، وكم شعرت بحبها لوليد من حديثها عنه
لقد أرغمت نفسها على عدم البكاء وهم يرحلون عندما احتضنها وليد وقبل رأسها ويدها وهي تدعو له بالتوفيق والصلاح .
تنحنح بلطف بجانبها لتبتسم وتقول بتلقائية : الغروب من فوق المقطم لديه رونق خاص .
أدار نظره عليها بخصلات شعرها المبعثرة من النسيم والسعادة الصافية التي تقفز من عينيها ، تأملها كثيرا منذ ان وقفت مستندة إلى مقدمة السيارة ، تأملها وهي تغمض عيناها وتستمتع بالهواء النقي ، تأملها وهي تنظر إلى أشعة الغروب بحبور وسعادة ، تأملها ورأى بداخل مقلتيها الشمس وهي تغرب ليؤكد لنفسه أن معها ستغرب شمسه القديمة لتسطع شمس جديدة نقية تنير حياته كلها
همس بصدق : بل الغروب معك له رونق خاص .
ابتسمت بخجل وخفضت نظرها بعيدًا عنه ، تنفس بقوة وقال بصوت هادئ نسبيا:
ما رأيك في عائلتي ؟
اتسعت ابتسامتها : رائعين ، أحمد وإيمي مرحين للغاية ، ولاء هادئة وطيبة ، وجنى ما شاء الله عليها ، تأخذ العقل أما والدتك فهي ونعم الأم ، للعلم شعرت بالغيرة اليوم لأن أمي لم تكن حنون بالقدر الكافي .
ابتسم بهدوء : نعم سعدت باندماجك معهم .
هزت رأسها موافقة : وأنا الأخرى سعيدة جدًا بمعرفتي بهم .
أتبعت : ولكني لم أتعرف بوالدك .
ابتسم بتوتر وهز رأسه : ستتعرفين عليه حتمًا .
نظرت له بتفحص وقالت : ماذا تريد أن تخبرني وليد ؟
ضحك بخفة وقال : أعشقك عندما تقرئين ما بداخلي قبل أن أتفوه به .
ابتسمت وقالت وهي تسيطر على ذلك الخجل المتنامي بداخلها : حسنًا اخبرني بما تريد .
تنهد بقوة وقال في هدوء : أولاً تصحيحًا لمعلوماتك إنعام هانم ليست والدتي .
نظرت له ببلاهة ليؤكد لها بعينيه أنه لا يمزح ، اتسعت عيناها بدهشة وعادت إلى الوراء خطوتين وهمست بصوت مخنوق : مستحيل ،
اندفعت بقوة تلك المرة : لا أصدقك ،
نظر لها بدهشة فاتبعت : لا يمكن أن تكون غير والدتك وتعاملك بتلك الطريقة ، تنظر لك بهذا الحب العارم .
صمتت عن الحديث فجأة وهي تتذكر أنها لاحظت أنه لا يشبه السيدة إنعام إطلاقًا لم يرث أي شيء من ملامحها على عكس أحمد وإيمان لتنظر إليه بعطف
ابتسم بألم : إنها أمي ربتني وكبرتني ولكنها لم تنجبني .
رمشت بعينيها غير مصدقة فأكمل : أنا ابن امرأة أخرى لم تنظر خلفها ولو لثانية واحدة عندما قررت أن تبيعني.
شحب وجهها فجأة وشعرت بجفاف يسيطر على حلقها فلم تستطع النطق ، ليكمل هو : امرأة قررت أن تتخلى عني وتنجو هي بمستقبلها ، لم تضمني لحضنها ولو مرة واحدة ، بل كل ما ورثته منها حقارتها.
وضعت يدها على شفتيها مانعه نفسها من أن تشهق بصوت مرتفع وهي ترى دموعه تتجمع بعينيه ،  تنفس بقوة ليكمل : ولكني وجدت أُمًا أخرى تعتني بي وتحبني تدللني أكثر من أبنائها .
لم تستطع أن تكتم ذلك السؤال بداخلها لتنطق سريعًا بصوت مبحوح : كيف وصلت لعائلة سيادة الوزير ؟
عقد حاجبيه بعدم فهم ، نظر إلى عينيها ليهز رأسه نافيًا ويقول سريعًا : لا لست لقيطًا .
تنفست بقوة وقالت وهي تلكزه في كتفه : وليد أيها الغبي ، لم تقول أن والدتك الفعلية باعتك إذًا ؟
لم يستطع أن يمنع نفسه من أن ينفجر ضاحكًا وهي تكيل له لكمات كثيرة غير مؤذيه وتقول بغضب : علام تضحك أنت ؟ ،
أمسك يدها وشدها ناحيته ليقول من بين ضحكاته : اهدئي واستمعي لبقية حديثي .
زفرت في حنق وقالت وهي تشيح بيدها غاضبة : لم أشعرتني أن نهاية العالم في حديثك هذا ؟
تنفس بقوة : لأنها احتمال تكون نهاية عالمي بالفعل .
نظرت له بتعجب فأكمل : نعم لست لقيطًا وأنا من صلب سيادته الوزير وأحمل اسمه ودمه وجيناته أيضًا ولكني ابنا غير شرعي ياسمين .
نظرت له باستفهام فأكمل : أبي كان على علاقة بفتاه إيطالية الجنسية  نتجت أنا عن تلك العلاقة ، بالطبع أبي وقع اتفاقيه معها على أنني من حقه وهي وافقت بعد أن ترك لها مبلغًا ماليا محترما بدأت به حياتها وأصبحت الآن سيدة أعمال ولها دار أزياء شهيرة أيضًا .
رفعت حاجبيها بدهشة ونظرت له بتفحص لتقترب منه وتقف أمامه : لم تخبرني وليد ؟
نظر لها باستنكار فأكملت بمنطقيه : أنت ابن سيادة الوزير عاصم الجمال ، لا يهم إذا كنت ابنًا شرعيا أو لا فوالدك مكانته ستعمي العيون عن كل شيء.
جز أسنانه بقوة : لا أريد أن ابني حياتي معك على كذبة ياسمين .
رفعت عيناها له فأكمل : أخبرتك من قبل أن يوجد سبب رئيس لجبني وسببًا لأني أرى أنك تستحقي ما هو أفضل مني بكثير ، هذا هو السبب ياسمين
أنا ابنًا غير شرعي لسيادة الوزير .
ابتسمت ومدت يدها لتلمس وجنته لكنها توقفت وقالت : العقد الذي تتكلم عنه هذا ألم يكن عقد لتوثيق الزواج أيضًا ؟
عقد حاجبيه وقال : أعتقد .
اتسعت ابتسامتها : من الواضح أنه تم قبل أن تولد سيادتك .
لم يفهم ما تريد من وراء ذلك الحديث فقال بنفاذ صبر : نعم لم تسألين ؟
ضحكت بقوة وقالت بنبرة مغيظة : لأنك غبي وليد .
نهرها بعصبيه : ياسمين .
قالت بغضب : لا تصرخ ، أضعت أجمل أيامنا بسبب غبائك وعقدتك النفسية التي لا أساس لها ، أباك تزوج من أنجبتك قبل أن تولد سيادتك لم كل هذا التعقيد من الأساس ؟
نظر لها بدهشة فأكملت بحنق : لديك عائلة رائعة ، أب ذو مكانه عالية وأم تتعامل معك أفضل من أمهات كثيرات أطفالهن نفسهم  لا يحصلون على نصف هذا الحب والدلال الذي حصلت أنت عليه ، أخوه أكثر من رائعين ، ترف وغنى ومكانه اجتماعية ، لم تعقد حياتك لأنك ابن امرأة أخرى ، أخبرني ماذا يفعل من يبتلى بزوجة أب ممن كنا نراهم في الأفلام القديمة .
نظر لملامحها الغاضبة لينفجر ضاحكًا وهو يشعر بسعادة عارمة تتخلل خلايا جسده كلها حينما شاركته الضحك بقوة ، شدها من يدها مقربها له أكثر ليقف ويمسك كفيها بحنو تنفس بارتياح وقال برقة : حسنًا هلا أجبتِ عما سألتك إياه بمَ أنك لا يفرق معك أمر أمي هذا؟
ابتسمت بدلال : علام سألتني ، ذكرني من فضلك ؟
ابتسم تلك الابتسامة التي تجعل قلبها يخفق بجنون .. تنهد بقوة ونظر لها بحب ليركع على ركبه ونصف أمامها : هلا تزوجتني ياسمين ؟
احتقن وجهها خجلاً لتقول سريعا : لا يا أستاذ .
شحب وجهه فجأة لتضحك بخفة على تعبيره المصدومة : لن أعطيك رأيي الآن ، سأحدد موعد مع أبي وعندما يراك وتقنعه بأنك تستطيع الاعتناء بابنته الوحيدة ، حينها فقط  سأخبرك برأيي .

قفز واقفا وهو يضحك بقوة : حسنًا متى ستحددين موعد مع والدك ؟
لا أعلم سيعود الليلة من لندن
اتبعت سريعا : اها ، تذكرت لن يتم أي شيء رسمي إلا عندما تعود ابنة عمي ، هي الأخرى بلندن والدتها كانت تجري عملية هناك وعندما تتحسن سيعودان معًا .
زفر بقوة وقال حانقا : ياسمين لا يهم عودة ابنة عمك بالتأكيد ستحضر الزفاف.
أشارت بيدها قاطعة : لا لن يحدث أي شيء إلا عند عودة ليلى .
زفر بضيق : حسنًا ، ولكن حددي لي موعد مع والدك لأبلغ به سيادة الوزير .
ابتسمت وهزت رأسها موافقة أتبع وهو يفتح لها باب السيارة : هيا لأعود بك إلى منزلك .
سعلت بلطف ليقول بابتسامة : ماذا أيضًا أمرك حبيبتي ؟
ابتسمت وقالت بدلال : أنه طلب وحيد وعليك أن تنفذه .
تؤمري حبيبتي .
رفعت سبابتها في وجهه : سنتوقف عن المقابلة إلى أن تتم الخطبة رسميا .
اتسعت عيناه بقوة لتتبع : لن أخرج معك ولا تمر علي بالجاليري إلا بعد إعلان خطوبتنا .
تنفس وزفر بهيام  : حاضر ياسمين سأفعل كل ما تريدينه ، ولكن ستجيبين على اتصالاتي .
أومأت برأسها موافقة : حسنًا اتفقنا .
همس لها وهي تدخل إلى السيارة : أحبك .
ابتسمت بخجل وهمست بداخلها " وأنا أيضًا أحبك ديدو "

          ***
دق باب الغرفة عليها في هدوء وطل برأسه من الباب عندما سمعها تأذن له بالدخول، ونظر إليها وهي تعدل من وضع حجابها ، ابتسمت عندما رأته وقالت بتأنيب لطيف : ظننت أنك ستتأخر أو ستنسى موعدي .
ابتسم ابتسامه باهته وقال بهدوء : لا طبعًا
ابتسمت وسألته عن حاله بعينيها فنظر بعيدًا عنها وقال بخفوت : أرى أنك جاهزة هيا لنتحرك .
سحبت حقيبتها وتحركت خلفه ليخرجا سويًا من الشقة كلها ، تنهدت ببطء وقالت : أتمنى أن لا تضايق عمي تلك المرة بلال .
تنفس بصمت وقال بخفوت : لا تقلقي ، سأفعل ما يرضيك ليلى .
هزت رأسها باطمئنان ليتبع : ولا تنسي إنني أنا من اقترحت عليك أن تودعيه وتطمئني عليه قبل أن يغادر.
مطت شفتيها بدلال وقالت وهي تتأبط ذراعه : حسنًا ، حسنا لا داعي للغضب .
همس بشرود : لست غاضبًا .
ابتسمت وقالت بدلال : حسنًا سأودع عمي وسأرغمك على أن تدعوني على فنجان قهوة .
ضحك بخفة : سأدعوك دون إرغام .
احتضنت ساعده بامتنان  أعلم هذا جيدًا .
ابتسم بهدوء لتتبع هي باستفسار : أين ذهبت ؟
تنهد بقوة وقال وهو يشير إلى أحد سيارات الأجرة : إلى أمي طبعًا .
هزت رأسها بتفهم وهي تدلف إلى السيارة ويخبره بلال بوجهتهم إلى المطار لتسأله هي : كيف حالها الآن ؟
ابتسم بأمل : الحمد لله أنها تتحسن والطبيب سيخرجها غدًا أو بعد غد بالكثير من العناية المركزة .
حمدت الله بصدق ليبستم هو بشقاوة : وبمناسبة أمي والمشفى ، رأيت صديقك هناك.
عقدت حاجبيها بدهشة وسالت بدون فهم : أي صديق ؟
اتسعت ابتسامته وعيناه تلمعان بشقاوة وقال مغيظًا : معجبك المجهول .
احمرت وجنتاها تلقائيا وقالت بلوم : بلال كف عن ذلك ، لا تكن لئيمًا .
ضحك بخفة : أنا لا أمزح معك ، أنا بالفعل قابلته وتحدثنا سويًا .
اتسعت عيناها بغضب فعلي : تشاجرت معه بلال ؟
ضحك باستمتاع : من أتى بسيرة مشاجرة ، أخبرك بأننا تحدثنا فعقلك يقفز إلى استنتاج أنني تشاجرت معه .
نظرت له باستفهام فأتبع بشقاوة : حسنا سأقص لك كل شيء ولكن بعد ما تودعي عمك ، ليس الآن .
نظرت له متفحصة فقال : اصبري قليلاً .
هزت رأسها بالإيجاب : حسنًا .

           ***

طرق الباب بمرح واطل برأسه : مساء الخير .
ابتسم الآخر تلقائيًا : صباح النور ، وجهك مشرق يا صديقي .
اتسعت ابتسامة الآخر وضحك بسعادة : إلى هذه الدرجة تظهر سعادتي علي ؟
ضحك بسعادة بالمثل : طبعًا هيا أخبرني بما حدث .
تنهد بقوة ووقف مكانه ليفتح ذراعيه ويقول بطريقة مسرحية : ستحدد لي موعدًا مع والدها .
صاح أمير بشده : مرحى يا ديدو ، مبروك مقدمًا .
تنفس وليد قويًا : الله يبارك فيك ، العقب لك يا أميرنا العزيز .
ابتسم أمير ونطق بخفوت : إن شاء الله .
إجابته جعلت الآخر تتسع عيناه تلقائيًا ويقول بمكر : لأول مرة تنطقها ، أذكر أنك دائمًا تقول بعد الشر ، الآن تقول بوجه مبتسم ونبرة مليئة بالأمل " إن شاء الله "
قلد نبرة صوته ببراعة ليرميه أمير بزجاجة مياه بلاستيكية جعلت وليد يقفز متفاديًا إياها ويضحك بصخب ، شاركه الضحك إلى أن قال بنفاذ صبر : توقف وليد ، لا تأخذ مني سببًا لتخرج سعادتك .
اقترب وليد وجلس بجانبه : أنا بالفعل سعيد سأنفجر من كثرة السعادة التي أشعر بها ، وقلبي سيتوقف عن الخفقان من كثرة ما يخفق بقوة .
تمتم الآخر : بعد الشر عنك .
نظر إليه وقال : ولكني سعيد من أجلك أيضًا ، اليوم حالتك النفسية مرتفعة لحدود السماء وعيناك تلمع ببريق خاص .
ابتسم أمير وهمس داخليًا " تأثيرها الخلاب يا صديقي "
لينظر إليه : أنا الآخر سعيد من أجلك وسعيد أيضًا لأنني بدأت استعيد عافيتي .
ربت على كتفه وقال : مرحى لك أنت الأخر ، هيا أخرج من هنا لتحضر زواجي .
رفع أمير حاجبيه بتعجب : بهذه السرعة .
هز رأسه بثقة : نعم ولم التأخير ؟ ألم اكتف من البعد طوال السنوات الماضية ؟ كفاني بعدًا وعذابًا بعيدًا عنها ، الآن نحن في مرحلة القرب ونحن لا نريد فترة خطبة نتعرف بها على بعضنا البعض ، فلم التأخير ؟ سنتزوج حينما انتهي من تأثيث الشقة .
ابتسم أمير وقال : هنيئًا لك يا وليد .
زم شفتيه وهو يقول بغضب : ولكنها رمتني بشرط أريد الخلاص منه ولا أعلم كيف .
عقد الآخر حاجبيه : وما هو ؟
قال وليد بلهجة منفعلة غاضبة : تريد انتظار عودة ابنة عمها من لندن ، ما ذنبي أنا أن انتظر ابنة عمها ، وما الفارق إذا حضرت ابنة عمها الخطبة أو  لا ،
أتبع بغيظ وهو يقلد ياسمين : لن يتم أي شيء رسمي إلا بحضور ليلى .
قفز واقفًا عندما خبطه الآخر بقوة على ركبته وهو يتأوه ويقول بتعجب : ما بك ؟
أجننت ؟
ابتسم أمير ببلاهة وقال : لا شيء كنت أخرجك من اندماجك فأنت تثرثر وأنا لا أفهم سبب ضيقك تحديدًا .
دعك ركبته بضيق وقال : لا أفهم لمَ علي انتظار ابنة عمها .
ابتسم أمير وقال بمنطقية اجتهد لإخراجها ليستطيع إقناعه بدلاً من أن يقف ليقفز فرحًا فذلك الخبر السعيد ملأه أملأ وشوقًا : من المؤكد أنها غالية على قلبها وتريدها أن تكون معها .
أشاح وليد بيده : لست معترضًا والله ، أعلم أن ليلى بالنسبة لياسمين أخت وليست ابنة عم فقط .
جز على أسنانه قويًا وقال بهدوء : من أين علمت ؟
أتبع وليد بثرثرة : ياسمين تخبرني عنها كثيرًا ، فهي شقيقتها تربيتا سويًا لظروف يتم الأخرى ولكن إلى الآن لم أقابلها ولا مرة واحدة ، رغم إني طلبت من ياسمين أكثر من مرة أن تأتي بها إلى النادي لأراها وأعرف من تلك الليلى التي تتحدث عنها دائمًا .
صاح بضيق دون وعي منه : وما شأنك أنت بها ؟
عقد وليد حاجبيه وقال : لا أفهم سبب ضيقك .
زفر بقوة : لست متضايقًا ولكني متعجب منك ما دخلك بفتاه لا علاقة لك بها
قال بضيق : الآن أصبح لي علاقة بها ، فهي من تتحكم في إعلان خطوبتي الرسمي ، وياسمين تشترط أن لا أراها إلا حين يصبح كل شيء رسميًا ،
لمعت عيناه بخبث وقال : شيطاني يحثني على أن أذهب وآتي بتلك الليلى من لندن بنفسي  .
زمجر الآخر : وليد.
ضحك وليد بقوة : بالطبع أمزح أمير ولكني متضايق فعلاً من تلك الشروط .
ابتسم الآخر : أنت غاضب من عدم رؤية ياسمين فقط وليس أي شيء آخر ،
مط شفتيه بملل : فعلاً ، لا أعلم كيف لن أراها وهي في حكم خطيبتي الآن .
قال أمير بهدوء : لا تقلق ستعيش أجمل أيام حياتك ، ستتعلم روعة الشوق للحبيب وكيف تتغزل به دون رؤيته ، كيف ينشأ اتصال روحي بينكما يخبرك بأنه الآن سعيد ، أو حزينًا أو غاضبًا حتى ، أن تنصهر بداخله وينصهر هو بداخلك دون اتصال حسي ملموس ، أن تراه بعين شوقك وتتخيله بقلبك قبل أن تراه بعينيك ، تلك فنون العشق لم تسمع أنت بها من الأساس ولم تتعلمها وليد ، فأنت إلى الآن لم تعشق ، فتعلم كيف تعشق في تلك الأيام  !
انتبه من حديثه على عينا وليد المتسعتين الناظرتين له وصوت وليد الذي يقول بجدية : وجيه محق إذًا ؟
رمش بعينيه وتنحنح : ماذا تقصد ؟
قفز واقفًا : اخبرني من هي ؟
ردد أمير بجمود : من ، عمن تسأل أنت ؟
ابتسم وليد بخبث : عن تلك التي سرقت قلب الأمير .
كح بخفوت : كف عن المزاح .
اتسعت عينا وليد بقوة : لا والله لست أمزح و وجيه محق أنت غارق في الحب لأذنيك
سيطر على ابتسامته وقال : أتصدق وجيه ! أنه أحمق لا أعرف كيف أصبح طبيبًا ؟
نظر له وليد بتأمل وقال بجدية : حسنًا لن أصدق وجيه ولكني سأصدق ما رأيته بأم عيني وأنت تصف حالتك المستعصية أمامي الآن .
نظر له أمير وأظهر انه مندهش : عن أي حالة تتكلم أنت ،
أتبع بضحكة ظريفة : أنا أخبرك بإحدى العبارات التي قرأتها في كتاب ما ، لا أذكر حتى اسمه .
نظر له ليضحك بخفة ويقول : حسنًا أمير ، تذكر أنك من رفضت أن تخبرني ، سيأتي يوم وتحتاجني ويومها سأغمض عيني وأتظاهر بأني لا أرى كما سأتظاهر الآن بأني لم أرى تعبير وجهك الذي يفيض حبًا لتلك الفتاه المجهولة
ابتسم أمير بتهكم ثم قال : كف عن الوعيد وأخبرني إلى أي مرحلة وصلت في تجهيزات شقتي العزيزة .
تنفس وليد بقوة : شارفت على الانتهاء باقي أشياء قليلة فقط ، ثم نبدأ بوضع الأثاث إن شاء الله ، عندما تتكرم حضرتك علينا طبعًا وتقوم باختيار بعض المفروشات من تلك الكتالوجات الملقاة أرضًا وسيادتك لا تتكرم وتنظر بها لتخبرني الأنواع والألوان التي تفضلها .
زفر بقوة وقال : حسنًا سأنظر إليها .
نهض وليد واقفا : وأنا سأنصرف حتى أستطيع مقابلة أبي قبل أن يخرج أو ينام ، هيا ألقاك على خير .
لوح له بيده محيي : مع السلامة يا صديقي .
راقبه إلى أن انصرف وأغلق الباب خلفه لتتسع ابتسامته ثم يقهقه فرحًا لمجرد التفكير في أن موعد عودة ليلى أصبح قريبًا ، بل قريبًا جدًا فهي لن تتخلى عن ياسمين ، ستأتي يعلم ذلك بل ستأتي سريعًا  تنهد بحب وهمس "أخيرًا سأراكِ مرة أخرى "
هم عقله بالتفكير ، ليهز رأسه نافيًا " لا ليس اليوم سأغفو على ذلك الأمل ، ولتعلم يا عقلي الحكيم ، سأهرب من المشفى إذا اضطررت لأراها ، بل سأفعل أي شيء لأراها "
***
جلست أمامه على إحدى الطاولات ليبتسم بمرح : هيا اشربي قهوتك ولا تنظري إلى بتلك الطريقة .
ابتسمت : بل أنا سعيدة جدًا ، فلم أتوقع أن تتعامل مع عمي بتلك الطريقة المهذبة .
ضحك : لم حبيبتي أنا أخبرتك من قبل أنني من أجلك سأفعل أي شيء وكل شيء أيضًا .
رتبت على كفه بحنان : الله لا يحرمني منك .
ضحك وقال بشقاوة : كف عن تلك الحركات حتى لا يظن الناس أنني صديقك ليس أخاك ، كما ظن معجبك المجهول
أتبع جملته الأخيرة وهو يغمز لها بعينيه بمرح ليحتقن وجهها خجلاً وتهمس بحرج : كف عن ذلك بلال أنت تحرجني هكذا .
ابتسم بسعادة وقال : لا تشعري بالحرج فأنا أخاك .
هم بأن يكمل حديثه ليرن هاتفها وتبتسم هي باتساع وتقول بفرح : أنها ياسمين
هز رأسه بمرح : أخبريها سلامي .
ردت عليها : يا أهلاً يا أهلاً كيف حالك جاسي  ؟
صمتت للحظات وهي تستمع باهتمام لها وقالت بسعادة مغلفة بدهشة : حقًا ؟! متى ؟
انفجرت ضاحكة وهي تقول بسعادة حقيقية : مبروك ألف ألف مبروك ياسمين
أتبعت : لا تخافي سأخبره ولن يمانع طبعًا ، ولكني لن أستطيع القدوم بدون أمي ،
صمتت لتقول بهدوء : نعم إنها تتحسن الحمد لله  ستخرج قريبًا من العناية بإذن الله أومأت برأسها وهي تتبع : حسنًا سأبلغه الآن ، مع السلامة حبيبتي .
ارتشف قهوته ثم يقول : ماذا حدث لتلمع عيناك بفرح هكذا ؟
اتسعت ابتسامتها : ياسمين ستتزوج .
رفع حاجبيه بدهشة وسأل سريعا : متى ؟
هزت ليلى أكتافها : لا أعلم ولكني أتوقع أن تلك الزيجة ستتم سريعًا ، فهي ووليد يعرفان بعض منذ وقت طويل فلن يكون هناك فترة خطوبة .
عقد حاجبيه بضيق فاتبعت دون أن تلاحظ ضيقه : وتريد طبعًا مني أن أعود بأسرع وقت .
نظرت له مليًا : لم أشعر أنك غير سعيد ؟  
ضحك بقوة : لا بالعكس فأنا سعيد من أجلها ، ياسمين تستحق كل احترام وتقدير ،
سألت باستفهام : إذًا ؟ 
هز رأسه بدون اهتمام : لا شيء ولكني لا أحب اسم خطيبها ليس أكثر .
ضحكت بقوة : لمَ ؟
ابتسم وقال بهدوء : لا شيء محدد ولكنه اسم ثقيل على قلبي ولكن هذا الخبر المفرح مدخل جيد لما أريد أن أخبرك به ،
نظرت له باستفهام فأتبع : معجبك المجهول طلب يدك مني اليوم بعد أن سأل الممرضة الخاصة بأمي وأخبرته أنني أخاك و ليس صديقك كما أعتقد هو .
احتقن وجهها بقوة وهي تشيح بعينيها بعيدًا عنه وتقول : لا أفكر بتلك الأمور الآن  .
نظر لها بتعجب وقال : أنه شاب جيد لا أعرف عنه كثيرًا ولكني أستطيع السؤال إذا أردت .
شعرت بالتوتر يملأها فأتبع هو ولا يعلم ما سبب اضطرابها بتلك الطريقة : ولكن من الواضح أنه شاب محترم وإلا كان اعترض طريقك وأخبرك عن إعجابه كما يفعل الشباب الآن ولكنه فضل أن يأتي ليخبرني بإعجابه بك ويخبرني أنه يريد أن يتزوجك  .
صاحت بضيق : توقف بلال أرجوك لا أريد أن أتحدث في ذلك الأمر الآن .
رد سريعًا : حسنًا ، حسنًا لا تهتمي بحديثي وأنا سأبلغه رفضنا عندما أراه مرة أخرى .
ابتسمت بتوتر لتحاول أن تنطق بمرح : هيا حتى لا نتأخر على إيني وتغضب ويصعب علينا إرضاؤها .
ابتسم بهدوء : حسنًا هيا بنا .
***
عاد منذ قليل برفقة الطفلين و تومي من المباراة ، وهو يحمل أحمد فوق كتفيه ، يشعر بسعادة ذلك الطفل التي انتقلت إليه فعلى الرغم من خسارة فريق أحمد أمام الفريق المنافس إلا أن أحمد كان سعيدًا جدًا لأنه رافقه إلى المباراة
ابتسم وهو ينزله ويقبله بحنان : هيا اذهب لتغتسل وبعدها سأصحبك أنت وهنا و تومي للخارج ونتعشى سويا.
ابتسم الطفل تلقائيا ليكف عن الابتسام فجأة ويسأل بخيبة أمل : وماما ؟
ارتبك خالد فردت فاطمة سريعًا : طبعا ستأتي معنا إذا كانت غير متعبة
أكملت وهي تقترب من الصغير : أنت تعلم طبعًا أن والدتك متعبة من الحمل ولذلك هي لم تأتي برفقتنا إلى المباراة.
هز الصغير رأسه بتفهم ليقول : حسنًا سأخبرها أن تأتي معنا وهي لن ترفض.
ردت فاطمة سريعًا : انتظر أحمد اذهب واغتسل وأنا سأذهب إليها .
هز رأسه موافقا وصعد سريعا ومن خلفه شقيقته لتلتفت هي إليه وتقول له : ماذا ستفعل هل ستخبرها أم لا ؟
زفر بضيق وهم بأن يجيبها ليرن هاتفه فيقول : لحظة واحدة تومي
رد وهو عاقد لحاجبيه لتتسع عيناه ويقول : حسنًا سآتي حالاً
أسرع خطواته أمام دهشة فاطمة العارمة وأخذ يصعد السلم قفزًا واتجه إلى الغرفة كالإعصار
واقفة أمام المرآة تعدل من هندامها وزينتها ، تعيد الكلمات برأسها مرارًا وتكرارًا وهي تدعو الله بصبر أن يستمع إليها تلك المرة ، أغمضت عيناها لتنتفض فجأة على صوت الباب ودخوله السريع إلى الغرفة ، نظرت إليه في المرآة وهو يدخل إلى غرفة التبديل ولا يراها ويبحث في الدواليب عن شيء لا تعرفه هي
قالت بلهفة : ماذا يحدث ؟ عن ماذا تبحث ؟
لم يجيبها لتقترب منه وتسأل مرة أخرى بصبر : خالد ، ما الذي تبحث عنه ؟
خيل إليها أنه لا يسمعها أو يتعمد ألا يرد عليها لتلوي شفتيها بحزن وتقول برجاء : أجبني خالد من فضلك فأنا استطيع أن أدلك عما تريد دون أن تبحث هكذا كالمجنون
وقفت بنفاذ صبر تنظر إليه وهي تراه يخرج حقيبة جلدية أنيقة ، أخرج منها بعض الأوراق تفحصها سريعًا أخذ منها ورقة ثم رماها دون اهتمام ليخرج ورقة صغيرة دسها في جيبه ثم فتح أحد الأدراج وأخرج منه حقيبة فاخرة أخرى
اتسعت عيناها وهي تراه يخرج سلاحان منها ، نظر إليهما سريعًا ثم وضعهما في جراب مخصص للأسلحة علقه على كتفيه وهم بالخروج سريعًا من الغرفة
انتفضت مرة واحدة وهي تخرج من سباتها فتحركت سريعًا وراءه وتعلقت في ساعده : إلى أين تذهب ؟
نظر لها بدهشة وكأنه لأول مرة يراها وسأل بتعجب : ماذا تريدين ؟
تمسكت به بشده : إلى أين تذهب وما قصة ذلك السلاح الذي تحمله ؟
نفض ذراعه منها قويًا : ما شانك أنت بما افغعله ؟
قالت بتوسل : أرجوك خالد لا تذهب ، لا تتركني وتذهب.
نظر لها بغضب : أنا أحقق أمنيتك منال ، ثم أنا مستعجل الآن لنتكلم فيما بعد
تمسكت به مرة أخرى : لن تخرج من هنا إلا إذا استمعت إلى أولاً
زفر بحنق : ابتعدي عني منال الآن وعندما أعود سنتفاهم
تمسكت به بقوة : لا لن تذهب ، ثم أخبرني منذ متى وأنت تحمل سلاحًا
نظر لها بغضب : هل أنت مجنونة ؟ ابتعدي عني حالاً
صاحت بضيق وهو يتخلص منها بأدنى جهد يذكر ويخرج من الغرفة : خالد ، خالد انتظر.
أسرعت بالخروج وراءه وهي تنادي عليه لتتعثر في خطواتها وتهوي ساقطة!

سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang