الفصل الثامن والعشرون

6.1K 129 1
                                    

تجلس أمام المرآه بعد أن أنهت استعدادها للخروج برفقة ياسمين ووليد لشراء أشياء تخص التجهيزات الأخيرة لبيتهما .
وكعادة ياسمين مؤخرًا فهي تسحبها معها في كل مرة تخرج برفقة وليد دون أن يرافقها أيًا من والديها، بل في بعض الأحيان كانت تصحبها هي ووالدتها سويا
لم يغب عن ليلى تأفف وليد من تلك الطريقة ولكنها لم تلق بالا للأمر فهو وخطيبته متساويان في الجنون وهي أيضًا لا تستبعد أن تكون ياسمين تفعل ذلك متعمدة إغاظته !!
فياسمين نقلت لها حرفيًا عدم اقتناعها بموعد الزفاف القريب وعندما ناقشتها ليلى وقالت: لماذا لم تخبريه بالتأجيل ولو لقليل من الوقت ؟
ابتسمت الأخرى بغموض وقالت: أنه حر ليتذكر جيدًا أنه من اختار ذلك الموعد القريب دون أن يستشيرني
عقدت ليلى حاجبيها وقالت : علام تنوي ياسمين ؟
لتبتسم الأخرى بمكر وقالت ببراءة مفتعلة : لا شيء.
حينها ضحكت ليلى بقوة وهي تعلم أن ابنة عمها بالتأكيد تحضر إحدى مقالبها لزوجها المستقبلي ولكنها لم تستطيع أن تتوصل ماهية ذلك المقلب الذي سيضج مضجع الآخر ويجعله يفكر مائة مرة بعد ذلك أن يقرر أمر دون أن يستشيرها به. 
ابتسمت وهي تفكر في ابنة عمها الغالية ، كم تحبها وتقدرها وتتمنى أن تأخذ نصف شجاعتها ، لتستطيع التصرف في ذلك المأزق الذي وقعت بإرادتها الحرة دون أن تذكر نفسها بأنها لن تستطيع أن تفعل ما أخبرتها به ياسمين ، لأنها ببساطة ليست ياسمين
ليست قوية كياسمين .. ليست جريئة كياسمين .. ليست مجنونة كياسمين
هزت رأسها بياس وهي تنظر إلى تلك الدبلة الملتفة حول بنصرها الأيمن ، ذلك القيد الذي ربطها به لعمرها الباقي كاملاً
لفته بإبهامها بحركة متوترة صحبتها الأيام الماضية وتقريبًا بعد أن ارتدته في ذلك الحفل الصغير الذي ضم والدتها وأخوتها.. عائلة عمها ووليد، والذي حضر بناء على صفتيه فهو صديق العريس و خطيب لابنة عمها. 
تتذكر جيدًا لمعه عيناه وهو يضعه بيدها ليرفعها ويقبل موضع الدبلة برقة ويهمس لها " مبروك حبيبتي"
تتذكر صفير إيناس الحاد الذي صدح ليتجهم وجه بلال بقوة و ينهاها عما تفعله بعينيه ، تتذكر احتقان وجهها خجلاً وهي تتذكر قبلته الأخرى التي حطت على يدها منذ أشهر قليلة ، تتذكر كلمته التي حملت لها مشاعر صادقة ضربت صميم قلبها وأعادت أليه الحياة لتشعر بخفقاته تعلو وتعلو ويعود لها ذلك الشعور الرائع الذي رافقها لأيام قليلة قبل أن تعلم باختفائه .. تتذكر تلك القبلة والكلمة التي وصمتا قلبها بختمه إلى الأبد
تنفست بقوة وهي تريد أن تتخلص من تلك المشاعر التي تسيطر عليها كلما راته وتعيدها إلى الماضي بينهما
تريد أن تتذكر فقط اهانته لها ، تلاعبه بها ، كذبه عليها ولكنها كلما رأته ونظرت إلى عينيه اللتين تبرقان بقوة تتذكر فقط كلمته التي تدوي بقوة في أذنيها ليرفرف قلبها عاليا وتطير هي معه وتنسى كل شيء! 
تمتم بغضب : تبًا لك عبده. 
لتغمض عيناها بأسى وهي تتنفس بقوة وتردد من بين أسنانها : أمير .. أمير .. أمير. 
دوى صوته في عقلها وهو يقول بهدوء لم تعكسه عيناه الغاضبة : متى ستعتادين عليه ؟
سألها بذلك بعد أن تجادلت معه يوم خطبتهما مجادلة خافته ظهرت للبقية كهمس الأحبة ، فهما يضعان رأسيهما ببعض ويتناقران كالديوك ولكن الظاهر للعيان أنهما يتغازلان وخاصة مع احمرار وجهها الذي أشارت إليه إيناس في وقت لاحق لذلك وهي تتوسل أليها أن تخبرها عما كان يدور بينهما. 
زفرت بقوة وهي لا تعلم إلى متى ستتحمل تلك الضغوطات المتجمعة عليها بمفردها
فمن ناحية إيناس التي لا تنفك أن تسألها عن القصة الرائعة التي جمعت بينها وبين رائد الخيال ، كما تسميه إيني ، فهي ترى أنه خيالي أكثر مما توقعت
بالنسبة لإيناس فهو فارس الأحلام المثالي! 
قفز قلبها " أنه مثالي ليلى لا تنكري ذلك" 
هزت رأسها بقوة وهي تزم شفتيها برفض وتقول بغل سطع في عينيها : أنه كاذب ومخادع ولا تجرؤ عن الدفاع عنه في حضرتي. 
ومن ناحية أخرى لا تعلم كيف تفر منه ، فهو يظهر أمامها باستمرار في تلك المرات المعدودة التي خرجتها برفقة ياسمين كان يُظهر لها نفسه بعد أن تنهي التزامها مع ياسمين ليصر على مرافقتها للمنزل حتى يطمئن عليها
بكل مرة تحشد قوتها لترفض عرضه ولكنها تخفق أمام إصراره ، في كل مرة تدلف إلى السيارة وهي تشعر بالغضب يتأجج بداخلها ، تتعمد أن تتشاجر معه وتخبره أنها لا تريد رؤيته فيبتسم ببرود ولا يعلق على موجات غضبها التي تصبها فوق رأسه
وعندما تصل إلى المنزل يبتسم بهدوء ويهمس لها : عمت مساءًا حبيبتي.
ويتركها ويرحل وسط دوامة غضبها منه واقفة تنظر إلى أثر رحيل سيارته وقلبها يقفز طربا بسبب تلك الكلمة التي يملكها بها
حاولت كثيرًا تخطي تلك الكلمة التي تثير مشاعرها تجاهه ، ولكنها لم تستطع
فهي عاشقة لصوته وهو يقولها، فبكل مرة يهمس لها بها تخرج صادقة فتمس شغاف قلبها وتزيد أسره لها!! 
تنهدت بقوة وهي تنظر لانعكاس صورتها في المرآه وتخبر نفسها : لا فائدة ليلى ، ستخسرين أمامه مهما حاولت. 
عضت شفتيها بقهر وهي تردد بداخلها : لقد أخبرني وهو متأكد من خسارتي أمامه
زفرت بقوة وقالت بعزم تألق في عينيها : ولكني سأكون ملعونة إذا لم أحاول الفوز
عدلت من وضع حجابها وهي تهز رأسها بتأكيد وتمتمت : سأحاول.
***

يجلس يدور بكرسيه في حركة متوترة وهو لا يعلم كيف سينتهي من تلك الدوامة التي تبتلعه ، يشعر بالغضب إلى الأن يجري بدمائه فهو لم يستطيع التغلب على رؤية ذلك الحقير ليلة خطبة أخته ، بل كان سيلغي الخطبة بأكملها عندما علم بصداقته إلى أمير! 
ولكنه لم يستطع ، كيف يفعلها وبأي مبرر؟! 
ليس لديه سببًا واحدًا وخاصة أن أخلاق أمير على النقيض الآخر من صديقه ، فهو استعلم عنه جيدًا الفترة الماضية قبل الخطبة ليتأكد له حسن أخلاقه وصدقه في تلك المعلومات التي قدمها إليه
تنهد بقوة وهو يتذكر الآخر الذي أتى برفقة زوجته كما تعمد أن يشاكسها بتلك الكلمة أمامهم ، ورغم أنه كان في قمة التهذيب وهو يتعامل معها أمامهم إلا أن ذلك الخيط الغير مرئي الذي يربطهما معا لم يغفل عنه هو! 
نظر إليه متفحصًا ودون وعي منه أخذ يقيمه ، أنه خفيف الظل ذو شخصية آسره لبق في حديثه ولم يكن تافهًا كما توقع هو ، بالعكس جذب اهتمامهم جميعًا في حديث اجتماعي رائع ليبعدهم عن متابعة أمير وليلى اللذان أخذا يتهامسان بشكل ودود أثار غيظه هو! 
أما هو فلقد أبتعد كليا عنهم جميعًا ، لم يشأ أن يخرب ليلة أخته المميزة فغض بصره عنها هي وخطيبها ولم يشأ أن يعكر سعادة ياسمين فتجنب الحديث معهم نهائيا حتى لا يحتك به ، بل ظل مراقبًا لذلك الوغد الذي حطم قلبه دون قصد منه! 
أغمض عينه بقوة وهو لا يريد أن يذهب لذكراها ، لا يريد أن يتذكرها الأن وليس وهو بتلك الحالة الغاضبة ، ليس وهو لازال يتذكر ذلك الوقح الذي أخذ منه كل شيء وحطم حبه لها ، أنه يحاول بشده أن ينحيها من أفكاره وعقله
وينجح كثيرًا لكن يظل قلبه مشغولاً بها ، يظل يذكره بها مرارًا   وتكرارًا وكأن  لا شيء بداخله إلا هي ،
  "أوليس ذلك صحيحًا بلال؟" 
تنهد بقوة وهو يعود برأسه إلى الوراء ويسند عنقه إلى حافة الكرسي ويتوقف عن الحركة وهو ينظر إلى السماء وقت الغروب ويتمتم : بل صحيح كليًا ، فهي حياتي كلها. 
سحب الهواء إلى صدره قويًا وهو يتذكر أخر مرة رآها بها ، لقد تعمدت أن تعرج لزيارتهم قبل أن تسافر إلى عمها لتبارك إلى ليلى وتعتذر منها عن عدم مقدرتها لحضور حفل خطبتها فهي ستكون خارج البلاد
ولكنها تعلقت برقبته قويًا قبل أن تغادر وهمست بأذنه أنها أتت خصيصًا لتودعه،
زفر بقوة وهو يتذكر تلك الهمسة الرقيقة التي لامست أذنه كرفرفة الفراشة فحطت بجناحيها في قلبه و اتكأت به معلنه بداخله أنه ملكها وسيظل كذلك !!
صدح صوتها عاليًا: مفاجأة.
أجفل بشده وهو يرمش بعينيه وهو يظن أن صوتها نتج من مخيلته ليرد عقله أنه أكثر من حقيقي ، ألتفت في حده وهو يشعر بضربات قلبه تقفز لأعلى معدلاتها لينظر إليها ويبتسم ببطء ويقول من بين أسنانه : مرحبا. 
رفعت حاجبيها بدلال وقالت وهي تقترب منه : هل أزعجك مجيئي ؟
نهض واقفًا ليرحب بها بطريقة تليق وهو يحاول أن يتحكم في مشاعره الثائرة بداخله والتي ثارت أكثر برؤيتها وقال : لا أبدًا
لف حول مكتبه ليقابلها أمامه ليكتم أنفاسه وهي تحيط عنقه بدلال وتقول: اشتقت إليك فأتيت لأراك.
احمرت أذنيه قويًا ليشعر بالتوتر وهو يرى أسماء التي ظهرت من العدم وتقول : سيدي لديك اجتماع.. 
شهقت أسماء بخجل وأخفضت عينيها بعيدًا عنهما وقالت : المعذرة. 
لم تبتعد عنه بل ظلت قريبه منه وقالت : مرحبًا اسما.
هزت أسماء رأسها بالتحية ووجهها يحتقن خجلاً ، تنحنح بقوة وقال : حسنًا اسما أجلي الاجتماع نصف ساعة. 
بسطت راحة يدها على صدره لتشعر بدقات قلبه القوية تحت راحتها ، فابتسمت بدلال يعشقه : سأنصرف سريعًا.
رمشت عيناه وشعر بأنه يفقد تعقله وقوته الوهمية أمام تصرفاتها ذات الدلال الفطري ، ابتسم بطبيعية وقال بصدق : لماذا ؟ هل أتيت لتنصرفي ؟
ابتسمت باتساع وقالت بنبرة مغوية : أتريدني أن أبقى بلال ؟
نظر لها تلك النظرة القديمة التي غلفها بها من الصغر وقال بصوت مبحوح : لم أتيت ؟
بللت شفتيها بطريقة أطارت صوابه : أخبرتك من قبل ، اشتقت إليك. 
أكملت وهي تنظر إليه بمقلتين لامعتين بحب صادق : أنت لم تأتي لرؤيتي كعادتك عند عودتي من الخارج وأنا أتيت لك بالبيت مرتين ولم أجدك ففكرت أن أمُر عليك هنا ،
أتبعت هامسة بعشق : شوقي إليك وصل لحد الجنون. 
لمعت عيناه بشعاع من اللهفة وتنفس بقوة وهو يقول بصوت أجش : حقا؟! 
هزت رأسها بالإيجاب وخفضت بصرها مرة أخرى بعيدًا عن عيناه التي بدأت بالتهامها وقالت : لم اعتاد منك على ذلك الجفاء بلال ،لطالما أحببت حنوك ودلالك لي. 
أحاط خصرها بذراعيه وقربها منه وهو يفقد كل شعوره بالزمان والمكان من حوله وهمس وهو ينظر إليها بتساؤل لمع في عينيه : أحقا أحببتني؟! 
احتقنت وجنتاها خجلاً وخفضت عيناها بعيدًا عنه وهمست وهي تفرد راحتيها على صدره بدلال اعتادت أن تتعامل به معه : بل ما أشعره نحوك أكثر من الحب بكثير بلال. 
سحب الهواء إلى رئتيه بقوة وهم بأن يضمها إلى صدره وشعرت هي بما ينوي فحاولت الابتعاد عنه بهدوء بعد أن أغرقها الخجل ودون أن تقطع ذلك الوهج الذي أحاط بهما وافتقدته هي لمدة طويلة عانت بها كثيرًا لابتعاده عنها.
ابتسمت بطبيعية وقالت وهي تحاول أن تسيطر على خجلها واحتقان وجهها : مبارك لليلى ، هل كانت ليلة الخطبة مميزة ؟
وكأنها نطقت بشفيرة لفك السحر الذي كان يهيم به فانقلب وجهه بقوة وابتعد عنها سريعًا لدرجة أنها شعرت بالتبعثر حافظت على هدوئها رغم شعورها بشيء خاطئ حدث لم تتبينه هي ، جلس على كرسي مكتبه مرة أخرى وقال بجمود وصل أليها جيدا : أه نعم كانت ليلة جميلة. 
حاولت المرح فقالت وهي تقترب من حافة المكتب بدلال وقالت : هل افتقدت وجودي معكم ؟
لمعت صورتها بمخيلته وهي ترتدي إحدى فساتينها الجميلة تجلس بهدوء أمام الآخر وتبتسم إليه ، ليشعر بعقله يغلي من الغضب فرفع عيناه ينظر لها بمقلتين جامدتين لا حياة بهما : آسف سوزان لدي اجتماع كما تري أنا مشغول نكمل حديثنا لاحقا.
زفرت بإحباط وهي تنظر إليه وقالت بهدوء : حسنًا لن أعطلك أكثر من ذلك ولكني
صمتت لينظر إليه باهتمام وقال: ماذا ؟
ابتسمت بعتب ليشيح بنظره بعيدًا عنها فقالت : أتذكر وعدك لي؟! 
انسحب اللون من وجهه وقال بخشونة لم يتعمدها: أي وعد؟ 
اتسعت ابتسامتها ونظرت له بحب سطع في عينيها : أنك ستاتي لي بعمل إذا أردت أن أترك عملي بالإذاعة. 
إتيانها بتلك السيرة في وقت قصير من خيالاته التي لم يتعمد الذهاب إليها جعل الدماء تندفع لرأسه قويًا ويشعر بالغضب يتملكه ، شعرت به يبتعد أكثر عنها والجفاء والغضب يحل عيناه بدلاً من تلك النظرات الرقيقة المحبة التي كان ينظر إليها بها منذ قليل.
تمسك بحافة مكتبه في قوة وهو يشعر بأنه على وشك فقدان تحكمه في أعصابه ،فنظرت له بإصرار وقالت بابتسامة هادئة : بلال ، أنسيت حديثك لي ؟
هز رأسه نافيا وقال بجمود : بلى أتذكر. 
جلست بأريحية على طرف المكتب من ناحيته ، لينظر لها بصدمة وساقيها تتمرجح أمامه لتشتت ذهنه ، تنحنح وقال بخشونة : سوزان ، اجلسي باعتدال. 
شدت جسدها للأعلى وقالت وهي تجلس بنفس الطريقة : هكذا. 
منع نفسه من الابتسام وهو يرى تلك الشقاوة المحببة إليه تشع من عينيها لطالما كانت أكثر من قادره على أن تبدل حالته المزاجية من النقيض إلى النقيض الآخر ، تحكم في قلبه جيدًا وقال بصوت آمر : لا ليس هكذا. 
زفرت بقوة وهي تنهض وتذهب فتجلس على إحدى الكرسين أمام مكتبه
وقالت : حسنًا حتى لا آخذ من وقتك الكثير ، هل أنت ملتزم بتنفيذ وعدك لي أم أبحث أنا عن عمل بمكان أخر ؟
هز رأسه وقال بطريقة عملية : لا ملتزم بوعدي لك ، تعالي من الغد واستلمي عملك في قسم الدعاية لدينا هنا في المجموعة. 
تألقت عيناها بالفرح : حقا حبيبي. 
تنحنح قويا وقال بصوت جاف : سوزان. 
ابتسمت مرة أخرى بدلال وقالت : حسنًا ، حسنًا سألتزم بقواعد الشركة. 
ضغط على زر استدعاء ليقول بهدوء : تعالي اسما من فضلك. 
أخرج أوراق أمامه وقال بهدوء وهو يملي بعض البيانات بها: هذا هو قرار تعيينك ستبدئين العمل من الغد وآتي بشهادة تخرجك وأوراقك كاملة لا تنسي. 
نهضت واقفة وقالت بسعادة حقيقية : لن أنسى. 
ابتسم بهدوء وهو يرى اسما تدلف أمامه فنهض واقفًا وناولها إياها : خذي تلك الأوراق للأستاذ حسن وأخبريه بتعيين الآنسة سوزان لدينا. 
شهقت اسما بفزع وقالت بتلعثم : ستعمل هنا. 
لفت سوزان رأسها ونظرت لها بتفحص وقالت بلهجة عابثة : ألديك اعتراض اسما ؟
هزت الأخرى رأسها نافيه ووجها يشتعل من الحرج : لا طبعًا. 
نظرت لها سوزان بتفحص لتبتسم بطبيعية على قدر ما استطاعت ولفت إلى بلال مرة أخرى واقتربت منه لتقف على مقدمة حذائها وتطبع قبلة رقيقة على وجنته وهي تقول بصوت أصرت على أن تسمعه الأخرى : شكرًا حبيبي. 
احتقنت أذناه بقوة وهو يشعر بخلايا وجنته تنصهر تحت ملمس شفتيها الرقيقتين ونظر لها بعتاب وقال من بين أسنانه وبصوت منخفض: توقفي من فضلك.
نظرت له ورمشت بعينيها بدلال وقالت بصدق: أبدًا، لن أتوقف.
تحركت أمامه لتغادر وقالت وهي تلوح له : أراك غدًا يا
لم يخرج صوتها ولكنها حركت شفتيها هامسة : حبيبي. 
لوحت للأخرى وهي تنظر لها بحذر: سلام اسما. 
لمعت عيناه بحب لم يستطع إخفائه وهو ينظر في أثرها وشعر بأنه طائر في السماء ليرمش بعينيه بعد أن اختفت من أمام نظره وقال بخفوت بعد أن زال تأثيرها : ما الذي فعلته الأن ؟
***
تسير باستمتاع وهي تضع سماعتي الاي بود بإذنيها وتستمع إلى صوت فيروز الشجي يطربها بإحدى أغانيها المفضلة وهي تدندن معها بخفوت ، رفعت رأسها ونظرت إلى السماء الصافية واستنشقت الهواء العليل بقوة ، لتخرجه من صدرها ببطء واستمتاع وهي تشعر بانتعاش يتغلل أوردتها
تنهدت بقوة وأكملت سيرها باتجاه زهورها التي بدأت في زراعتها اليوم التالي لقدومها إلى هنا
لم تكن تتوقع أن يستقبلها جد هشام بتلك الطريقة الرائعة التي فعلها ، بل لقد كانت تدخل إلى البيت وهي مترددة تحرك رجلاً وتؤخر الأخرى خوفًا من مقابلته
وكم شعرت بالارتياح عندما ابتسم بوجهها ورحب بها ترحيبًا جما بل إنه حمل كريم بين يديه وقبل رأسه وهو يرحب به بدوره ويقول له : نورت بيتك بني. 
التفت أليها هي الأخرى وردد نفس جملته : نورت البيت بنيتي ، تفضلي لا تقفي هكذا. 
وبدأ في إصدار أوامره للعاملين بالبيت أن يصحبوها إلى غرفة هشام العلوية لتستريح من عناء السفر هي وولدها
اتبعتهم في هدوء وهي غير مصدقه لما حدث معها وكيف أن ذلك الرجل الذي كانت ترتجف لرؤيته أعطاها إحساس رائع بالأمان وهي معه ، ذلك الإحساس الذي افتقدته منذ وفاة والدتها!! 
تتذكر وهي تدلف إلى غرفة هشام كما أسماها الجد لتدرك أنها جناحًا كبيرًا معدًا ومخصصا له فقط، بفراش واسع ودولاب ملابس كبير بحمام خاص وجلسة عربيه جميلة أحبتها هي على الفور
بل أحبت الغرفة كلها   إذا استطاعت أن تطلق عليها لفظ الغرفة كما قال الجد عنها 
واكثر ما أحبته بها روح هشام المستوطنة بها ، بل كم شعرت بقلبها يخفق قويًا وهي تفتح دولاب الملابس لترى بعضًا من أشيائه معلقة به ، ومنذ تلك اللحظة وهي تخرج تلك الأشياء كل يوم وتملي عيناها بها قبل أن تخلد إلى النوم وهي تحتضن إحدى ستراته ، لم تكن تصدق عينيها عندما وجدتها هنا
تلك السترة الكحلية الخاصة بفصل الشتاء التي كانت تحب ارتدائها لتغيظه فقط
ابتسمت بحب ولمعت الدموع في عينيها وهي تتذكر كم المرات التي اختطفتها منه قبل أن يرتديها بغرض أن تبقيه معها قليلاً وهي تتدلل عليه كي لا يغادر ويتركها
تتذكر كم المرات التي سارا بجانب بعضهما في عز الشتاء وكي لا ترتجف من البرد كان يخلعها ويلبسها إياها ويحتضنها إلى صدره فتشعر بدفء كاف بل وتتمطى بكسل من بين أضلعه
تتذكر كم من المرات نساها لديها ليعود ويؤخذها مرة أخرى فيبقى بدل أن يرحل عنها فتشعر هي بسعادة منقطعة النظير وهي محتمية بدفئه من ليلة أخرى تقتلها وحدتها فيها
تلك السترة لها ذكريات كثيرة بينهما لم تكن تتعجب بأنه يأتي أليها بها دائمًا فهو كان يعلم شغفها بها ، برائحتها وصوفها الإنجليزي الرائع ، بل كان في بعض الأحيان يتركها لديها متعمدًا عندما لا يستطيع أن يبات لديها
تلك الليالي التي كان يعتذر لها بها لأنه وجب عليه الرحيل فوالدته غاضبه منه أو متذمرة من تأخره أو أي شيء كانت تقصد الأخرى أن تقض مضجعها بها
كانت تعلم جيًدا أن فوزية هانم تقصد وتتعمد أن تضايقها وتنغص عليها حياتها مع هشام ، بل أنها أخبرتها بذلك صراحتا تلك الليلة القاسية عليها والتي شكلت فارقا مميزا في حياتها ، اندفع القهر يسيطر على حواسها وهي تتذكر الأخرى وهي تخبرها أن عليها الرحيل عن ولدها
فالفتيات من نوعها لا تليق أن تتزوج من شاب ذو أصل ونسب وعائلة كبيرة كهشام
وعندما اعترضت بشده وقالت لها في لهجة قوية أنها توازي هشام في أصله ونسبه ابتسمت الأخرى ابتسامة كريهة وقالت بسخرية : إذا كنت فتاة ذات اصل حسن وتربية عالية لما كنت سمحت له بأن يكون زوجك قبل زواجكما الفعلي.
ازدردت لعابها والألم يعاودها بقوة كأول مرة شعرت به حينها ووجها الذي شحب بقوة وقالت بهدوء : أنه زوجي وأنا لم أفعل شيئًا خاطئًا. 
ابتسمت السيدة فوزية بسخرية وقالت : أنت فتاة متحررة منحلة وأنا لا أتشرف أن يستمر ولدي في تلك الزيجة بعد الأن. 
صفعتها الإهانة قويا، لتقول في حدة: أنا لا أهتم بما ترينه سيدتي فكل ما يهمني هشام.
رفعت السيدة حاجبيها وقالت بإصرار : أنا أبلغك بقرار هشام أيضًا. 
بهتت فجأة وقالت: كاذبة أنه أخبرني أننا سنتمم زواجنا وسنعيش سويًا سيترك كل شيء لأجلي.
ضحكت فوزية هانم بسخرية مست أعماقها وقالت : وهل صدقت تلك الترهات ؟
كان يخترع لك سببًا لكي يخرج من هنا ويأتي لي ويخبرني أنه سأم منك وأنه يريد إنهاء تلك الزيجة التي أخذ منها كل ما يريد. 
سقطت جالسة على المقعد ورائها وقالت بتلعثم: لا هشام لن يفعل ذلك أنت كاذبة.
وقفت السيدة فوزية وقالت بلهجة قاطعة : اسمعي ليس لدي وقت لأناقشك أتيت لأعطي لك بعض النقود كي تستطيعي العيش الفترة المقبلة من حياتك وأعرض عليك إذا أردت أن تسافري للخراج كما كنت تنوين سأساعدك في السفر.
حينها همست دون وعي : أنا حامل. 
كانت الصدمة من نصيب الأخرى تلك المرة وقالت: ماذا ؟
فرددت هنادي وهي ترتجف : أنا حامل ، تأكدت اليوم صباحا.
لمعت عينا الأخرى بكره لم تخفيه وقالت بحدة : هل أخبرت هشام ؟
هزت هنادي راسها نافية فقالت فوزية هانم بحقد : أيتها الغبية الحمقاء هل تجرأت على أن تحملي من ولدي ، لتأتي له بطفل مشوه يهدم له حياته بأكملها! 
ثم سحبتها من مرفقيها لتوقفها أمامها وتهزها بعنف وهي تقول : دمرت حياة ولدي كلها.
أبعدتها بعنف وهي تقول في غطرسة وقوة : اسمعي ستسافرين إلى باريس كما اتفقت مع هشام ولكن بمفردك ، وجميع تكاليف سفرك سأتحملها أنا حتى رعاية الطفل الصحية ولكن بشرط أن لا تخبري هشام بهذا. 
حينها استجمعت جزء من شجاعتها الهاربة والتي زلزلتها تلك المرأة القوية لتقول برفض : لا لن أفعل ذلك ، بل سأخبر هشام عن طفله أنه من حقه أن يعلم ذلك.
قالت بهدوء وهي تنظر إلى عينيها : لن يهتم لا بك ولا بطفلك بل سيتركك كما أخبرتك منذ قليل
ابتسمت باستهزاء وقالت : هل تتوقعي أنه سيعود إليك من أجل طفل عديم الفائدة سيأتي مشوهًا ، هل تتوقعين أن هشام سيترك عائلته جميعا من أجلك أنت وذلك الطفل الذي لن يفعل شيئا إلا هدم حياته ،
أكملت بازدراء أغرق هنادي في الحرج : أنه طفل لا يليق بهشام مثلك بالضبط ، كلاكما لا تليقان بولدي ، ومن الأفضل لكما أن تغادرا حياته للأبد. 
تنفست بقوة و رفعت رأسها في كبرياء وقالت : لن أفعل ، سأبقى أنا وولدي في حياتك فوزية هانم رغما عن إرادتك. 
اتسعت ابتسامة الأخرى وقالت بتحدي تعلم جيًدا أنها فائزة به : في أحلامك يا فتاة ، بل سترحلين عن حياتي أنا وولدي وإذا لم تفعلي
اقتربت منها ونظرت إليها بمقلتين تألق بهما الكره والغضب وهي تقول بلهجة جمدت أطراف هنادي : فتحملي النتائج وأولها أني سأشكك في نسب ذلك الطفل.
اتسعت عيناها بخوف وقالت: ولكنه طفل هشام وهشام..
قاطعتها الأخرى بعنف وقالت : انسي أمر هشام ، هشام سيفعل ما أريده أنا لن يبق عليك ولو لثانية واحدة وأنت تحملين ذلك الطفل الذى سيهدد مستقبله
رفعت سباباتها في وجهها مهددة : اسمعي ، إذا لم تفعلي ما أريد سأحرص على أن أدمر حياتك بأكملها. 
جزت على أسنانها قويا وهي تريد أن تتخلص من تلك الذكرى المؤلمة ، تريد أن تتخلص من مشاعر القهر التي ملاتها لسنوات وهي تفكر بأن هشام تخلى عنه من أجل عائلته كما أفهمتها تلك السيدة الجبارة ليتضح لها عكس ذلك! 
تنفست بقوة وهي تشعر باشتياق جارف إليه ، كم تتمنى أن تعود إليه ولكنها لن تفعل ذلك مرة أخرى قبل أن تتأكد من اختياراته وأنه لن يقف في المنتصف كما كان يفعل دائمًا بل سيتخذ موقف ، وموقفا حاسمًا أيضًا. 
تحركت برشاقة بعض أن قطفت بعض الأزهار في طريقها لبوابة المنزل الكبيرة لتشعر بزخم في مشاعرها وهي تستنشق رائحته محمله في ذرات الهواء العليل ، ذلك الشذى العائد إليه أربك خطواتها لتشعر بتنفسها يتوقف وهي تراه واقف أمامها يحمل كريم بين ذراعيه ويبتسم بهدوء ويقول : هيا كريم قل مرحبًا مامي. 
***
زفرت بضيق وهي تحاول أن تركز جيدًا على ما تقرأه في الكتاب الممسكة به منذ ساعة دون فائدة فهي تشعر بكريات دمها الحمراء تغلي بداخل عروقها
وخاصة وهي تسمع صوت ارتطام يديه بالماء ناتج عن سبحاته المهارة ،
لا تعلم من اقترح تلك الفكرة السخيفة التي أدت إلى ارتفاع ضغطها إلى معدلاته القصوى ولكن لا يهم ، الهام الأن هو سباحته أمامها بتلك الرشاقة والاحترافية
نهت نفسها كثيرًا وطلبت منها بل رجتها إلا تنظر إليه، أتت بتلك الرواية الرائعة لتقرأها وتشغل عقلها عنه ولكن بدون فائدة
كل محاولاتها باءت بالفشل الذريع فعندما تسمع صوت جسده الذي يشق المياه بمهارة كمهارة الدلافين تجد أن عيناها تعلقت به رغمًا عنه
تنفست بقوة وهي تنظر إليه بشغف فقد توقف عن السباحة وارتكن بجسده على حائط المسبح ، مالت برأسها وهي تنظر إليه برقة وهو يعدل خصلات شعره السوداء وتاقت أناملها لتلمسها وتقبلها كما كانت تفعل في أيامهما الأخيرة معًا
كم تاقت لتسمع همهمات الرضا من بين شفتيه عندما كانت تفعل ذلك ، وضحكاته الخافتة التي كان يصاحبها غزل دافئ يداعبها به عندما تميل لتقبل منابت شعره
تنهدت بقوة وهي تفكر أن تذهب وتخبره بأنها اشتاقت إليه ، ولكن للأسف لا تستطيع أن تفعلها فإلى الأن لازال كبريائها يمنعها وخاصة مع وجود الأخرى! 
ومع ذكر الأخرى طلت أمامها وكأنها تملك تعوذيه سحرية خاصة بها ، فكلما تذكرتها الأيام الماضية تظهر أمامها في نفس اللحظة!! 
تنفست بقوة وهي تتذكر الأيام الماضية وكيف مرت عليها وهي تشعر بضيق خانق من وجود تلك القريبة التي لا ترغب بها هي
فكيف ترغب بتلك الفتاة الصغيرة صاحبة مواصفات فتاة أحلامه هو. 
أنها تقريبًا تحمل كل شيء يحبه خالد ، وكأنها خرجت من مخيلته للتو
نظرت لها مليًا وهي تتقدم باتجاهها مرتدية ثوب للسباحة من قطعة واحدة وتلف حول جسدها ثوب رقيق من الشيفون يجعلها أكثر إغراء عن ذي قبل
جزت على أسنانها بقوة وهي تتذكر ما أخبرها به قبلاً " نعم كنت مولع بالشقراوات، ذوات العيون الملونة، كان نظري دائمًا يتعلق بالشعر الأشقر ومواصفات الجسد الفرنسي... وكنت أضع مواصفات فتاة أحلامي تشبه أمي إلى حد كبير. لابد أن تمتلك عينين رماديتين وجسد رشيق وشعر ذهبي جميل..." 
أدارت عيناها عليها مرة أخرى وهي تستعيد تلك المواصفات اللعينة في عقلها وتقارنها بها فيحدث تطابق مذهلا بينهما، وكيف لا يحدث وتلك الفتاة تشبه والدته إلى حد كبير كما أخبرتها هي ذاتها وهي تقول بفخر: أنا أشبه عمتي
وعندما نظرت منال لها مستفهمه اتبعت الأخرى بثرثرة : والدة خالد
اقتربت من منال وقالت وهي تحاول أن تشرح لها ما تريده : أنها ليست عمتي ، أنها ابنة خالة والدي ولكن أبي كان يحبها كثيرًا ويقدرها كثيرًا و دائمًا يخبرني عنها ونزورهم دومًا ، فكبرت وأنا متعلقة بهم وخاصة خالد فأنا كنت فتاته المدللة. 
زفرت بقوة وهي تنفي تلك الثرثرة الرهيبة من عقلها وهي تعاود النظر إليها فهي ليست قلقة من جمال الأخرى ، لأنها تعلم جيًدا أن خالد لن يهوى جسدا دون روح ، وإلا كان فعلها من قبل ، أن ما يقلقها هي شخصية تلك الفتاة التي على الرغم من كرهها لوجودها هنا إلا أنها لا تملك إلا أن تعاملها بلطف ، فالفتاه ناضجة على رغم صغر سنها لديها عقل راجح .. مثقفة .. مطلعة .. ومحاورة بارعة.. مناقشتها اليومية معها تثري حياتها هي فماذا ستفعل بخالد ، وهي تملك تلك الشخصية الثرية الجذابة ، التي جذبتها إليها رغما عنها! 
والأهم مما سبق كله أنها تذكرها بنفسها ، تشعر بأنهما متقاربتين في كل شيء ، فكلما رأتها تذكرت نفسها في الماضي. 
تنبهت على وقوف الأخرى أمامها وانها تنادي عليها فابتسمت وأعارتها انتباهها كاملا لتقول الأخرى ضاحكة : ألن تنضمي إلينا ؟
رمشت بعينيها سريعًا: ماذا ؟
فكررت بهار : سأسبح مع خالد ، ألن تأتي معنا ؟
رددت هي باستنكار : مع خالد. 
أجابت الأخرى بعفوية : أه نعم ، أنه يشير إلى ، أعتقد أنك لن تستطيعي بسبب الطفل. 
أكملت وهي تتحرك باتجاه المسبح بعد أن خلعت ذلك الثوب الشيفوني ليظهر جسدها ذو اللمعة النحاسية براقًا تحت أشعة شمس المغيب : من رأيي أن تنضمي إلينا فالمياه ستكون رائعة. 
قالتها لتقفز بمهارة تساوي مهارة قريبها الذي أطلق صفيرا معجبا بتلك القفزة الرائعة كما اسمها بصوته العال! 
قبضت كفيها على الكتاب بقوة وهي تنظر إليها تنضم إليه بالفعل ليسبحا معًا في انسجام تام لتشعر بأن أحدهم لكمها قويًا بمعدتها
لم تستطع أن تغمض عينيها عنهم وهما يتسابقان بعفوية ومرح أثار خالد واضحكه بشكل طبيعي عندما اعترضت بهار على أنه يسبقها دوما.
تجمعت الدموع بعينيها وهي تراه يقف مرة أخرى يستند بمرفقيه على حائط المسبح لتتبعه الأخرى بعد قليل ويتحدثا سويًا بطريقة عادية ولكنها كانت لديها أبعد ما تكون عن العادية ! 
اتجهت ناحيته لتتوقف عن السباحة وتقول بنبرة هادئة : ادعوها خالد لتنضم لنا. 
عقد حاجبيه ونظر لها مستفهما فأكملت وهي تبتسم : ألا تفهم حقًا ؟ أنا أتكلم عنها ، فهي من تشغل تفكيرك طوال الوقت. 
نظر لها بهدوء وآثر الصمت لتقول بجدية : هل تشاجرتما ؟
قال وهو ينظر بعيدًا : لم تقولين ذلك ؟
بللت شفتيها وقالت في هدوء تتبعه لتستطيع ترتيب أفكارها: أنتما تقريبًا لا تتحدثان معًا شفهيا ولكن حديث العيون مستمرًا دائمًا، لا أفهم معظمه ولكنه مليء بالعتاب، هكذا شعرت.
لمعت عيناه بانبهار ونظر لها منتظرًا أن تكمل ما تقوله، فاطرقت برأسها وقالت في خفوت : هل وجودي السبب في شجاركما ؟
ضحك بعفوية وقال : لا يا صغيرتي. 
صمت ونظر لها بإصرار وقال بخشونة : هل ضايقتك منال بشيء ؟
هزت رأسها نافية سريعًا وقالت بابتسامة : بالعكس أنها رائعة وقريبًا سنصبح أصدقاء ، أنها شخصية جذابة ترغمك على أن تقترب منها وتلتصق بها أيضًا. 
ابتسم بغموض : نعم أعرف. 
لمعت زرقة عيناه وهو ينظر إليها وهي تقف فجأة لترتدي نعالها بحركة عصيبة جعلته يعقد حاجبيه وهو يراها تغادر سريعًا. 
تنفس بعمق وهو يرغم نفسه على عدم الذهاب خلفها والسكون مكانه
ولكنه لم يستطع فتحرك خارجًا من المياه بهدوء بعد أن اعتذر لبهار بلباقة فحركت هي حاجبيها بإغاظة وقالت بمرح : أرأيت أنا محقة.
ابتسم بهدوء وهو يتجه ليجلس مكان الأخرى التي ملكته ويفكر بأن تلك الصغيرة بالفعل محقة ، فمناله تسكن قلبه وعقله قبل أن تسكن عيناه وكما كانت تراقبه منذ قليل كان هو الآخر يراقبها
فهو اعتاد على ذلك من قبل في أيام زواجهم الأولى عندما كان يجلس صامتا لأنها لا تتحدث معه. 
تنهد بقوة وهو يفكر أنه أصبح يدمن تلك العادة ، على الرغم أنه يحفظ جميع سكناتها قبل حركاتها إلا أنه لم يمل قط من مراقبتها
اتسعت ابتسامته وهو يتذكرها منذ قليل وهي تتأمله وعيناها تفيضان رقة وحبًا كم احتاج إلى أن يكون قويًا ليمنع نفسه من الذهاب إليها واغراقها في بحر حنانه ليمحي تلك النظرة اليائسة التي تنظر إليه بها
أن يخبرها أن ينسيا الماضي ويبدأن سويًا من جديد ولكنه ببساطة لم يستطع فهو لن يكرر أخطائه ثانيًا!! 
ضحك بخفوت وهو ينظر إلى ذلك الكتاب الذي خلفته ورائها وتذكر أنها لم تقرأ منه ولا كلمة فهي كانت تمسكه بالمقلوب
جلس مكانه وابتسامته تزداد عندما قرأ عنوان الكتب وهمس روميو وجولييت
أكمل وهو يرف الصفحات بأصابعه : ألم تسأمي منها منال ؟
زفر بقوة وهو يتذكر العشرة أيام الماضية وهي تتحاشى بكامل قوتها أن تتواجد معه في نفس المكان غضب في بادئ الأمر ولكنه عذرها عندما فهم السبب " بهار " أنها هي السبب الأساسي في كل ما تفعله منال
وبقدر سعادته أنها تغار عليه حزن لأنها إلى الأن لا تستطيع أن تترجم تصرفاته بالشكل الصحيح
فهي وبجداره فشلت فشلاً ذريعًا في تفهم العلاقة الأخوية بينه وبين بهار ، فبهار كفاطمة لديه ، الاثنتان أختيه تربتا أمامه وشعر بمسئولية الأخ الكبير اتجاههما وعلى ذلك باشر بحمايتهما ووضعهما تحت مظلته. 
لوى شفتيه وهو يهز رأسه بيأس ويرمي الكتاب من بين يديه ويتمتم : غبية. 
صرخ قلبه فجأة : لا تكذب خالد فأنت كنت تريد ذلك منذ البداية أن تحرقها بنار الغيرة ، لعلك تشعر بأنك انتقمت منها بشكل كاف على ما فعلته معك.
أظلمت عيناه بشده وقلبه يكمل بل ذلك الاتصال الذي تلقيته من بهار جعلك تشعر بالسعادة لأنك ستستطيع الانتقام منها وأنت تعلم جيًدا أنها ستربط بين بهار وفتاة أحلامك المزعومة
زم شفتيه بقوة وهو يفكر " وهذا يزيدها غباء "
أكمل داخليًا : نعم أردت أن تتجه بتفكيرها لتلك النقطة ولكن ليس لتتعذب بها بل لتنفيها وتؤكد لقلبها أني أحبها هي وأن تلك المواصفات الحمقاء لم تعد تهمني بشيء فهي كل شيء يهمني الأن. 
جمد وجهه فجأة وهو ينظر أليها آتية تتبختر في ثوب قصير سماوي اللون يكشف عن ثلثي ساقيها ، متسع ليلف بطنها المنتفخ وبحمالتين رفيعتين وصدر مكشوف تتحرك بدلال فطري وإغراء أنثوي تتقنه جيدًا ، ترفع شعرها لأعلى رأسها بشكل فوضوي أثاره وجعل قلبه يدق كطبول الحرب
تنفس بقوة وهو ينظر لها متفحصًا حركتها لعله يفهم علام تنوي ليقفز واقفًا وهو يراها تتجه لسلم المسبح
سأل بصرامة : ماذا تفعلين ؟
لفت له بعفوية جعلته يكتم تنفسه وقالت وهي ترفع نظارتها الشمسية بعيدًا عن عينيها ليزم شفتيه بقوة وهو ينظر إلى عيناها المكحلتين بمهارة كما يحب هو! 
قالت بهدوء : سأسبح  .
رفع حاجبيه وقال بدهشة : والطفلين؟! 
حركت كتفيها بلامبالاة وقالت : ماذا عنهما ؟
تنفس بقوة وقال مستفسرًا : كيف ستسبحين وأنت حامل ؟
ابتسمت بتلقائية : ليست أول مرة أفعلها فانا كنت أسبح من قبل وأنا حامل بأحمد وهنا وباسم لم يعترض.
عضت شفتيها بقوة بعد أن نطقت بها ، فهي لا تريد أن تعود لذك السلاح الغبي القديم وشتمت نفسها وهي تراقب جمود وجهه وعيناه التي غامت بالسواد ، ليقل ببرود : نعم ، أنه لم يكن يهتم. 
رمشت بعينها وقالت باستفسار : عفوًا ؟
ردد بصوت قوي : لم يكن يهتم لا بك ولا بطفليه. 
ظهر التعجب على وجهه بوضوح وهو يرى ابتسامتها التي ملأت وجهها وقالت وهي تقترب منه بإغواء مدروس : إذًا أنت تهتم بي وبطفلي حبيبي
قال قاطعًا : لا.
اقتربت منه وهي تفرد يدها بعفوية وتضعها مباشرة فوق قلبه وتهمس وهي تنظر إليه : لا أصدقك. 
أتبعت بهمس شجي أطرب قلبه وهي تحرك يدها على جسده الحار وتلف سبابتها بحركة دائرية زادت من تسارع دقات قلبه : إلى الأن أستطيع الشعور بدقاته جيدًا وهو يهمس باسمي دائمًا ،
رفعت عيناها لتنظر إليه بيقين أجفله : أنا أشعر بك خالد وأعلم أنك تثير غيرتي فقط وأتمنى أن لا تتمادى في ذلك فأنا لا أعلم كيف ستكون ردة فعلي حينها. 
ابتسم ببرود وهو يزيح يدها عن صدره ببساطة أتقنها : لا تهمني ردة فعلك منال ، وصدقيني لقد ولى زمن اهتمامي المريض بك ، فلا تتوهمي أشياء ليس لها وجود وأعلمي جيد جيدًا أن كل ما يهمني الأن هو الطفلين
ولذا أنا أمنعك من السباحة فحالتك حرجة كما أخبرتني الطبيبة في أخر زيارة لنا، ولولا تلك الطبيبة وتعليماتها الصارمة ما كنت أتيت بالخادمة والبستاني ليخدموك
ربت على ذقنها باستفزاز : أفيقي منال ، فكل ما تشعري به مجرد أوهام. 
ابتسمت ببرود أتقنته وقالت بهدوء : حقًا؟!
غمزت له بعينها ليشعر بالتعجب يملأه ولكنه لم يسمح لذلك التعجب بالظهور عليه
وهي تكمل : على أي حال لن أصدقك مهما فعلت أو قلت. 
أدارت جسدها وهي تبتعد عنه لتذهب وتجلس مكانها مرة أخرى لتمسك كتابها المفضل وتحاول أن تقرأ به لعلها تخفف من حركة جسدها المتوترة
أما هو لم يتحرك قيد أنمله وهو يشعر بسعادة غير مألوفة تظلل قلبه ليبتسم وتتسع ابتسامته تدريجيا وهو يشعر بالتفاؤل سيكون رفيقه الأيام المقبلة

***

لملمت أشيائها سريعًا وهي تتحدث مع الفتاة التي تعمل معها بالجاليري في الأوقات التي هي ستكون غير متواجدة بها ،
تحركت لتغادر، وهي تنظر إلى ساعتها بحنق وتمتمت : ليلى ستقتلني. 
أشارت لدعاء بالتحية وهي تقول لها : لا تتأخري كالبارحة أغلقي الجاليري ولا تنسي نفسك بالعمل.
ابتسمت في وجهها باتساع وهي تكمل :سأنتظرك في ليلة الفتيات ولا تعترضي يكفي أنك رفضتي حضور زفافي.
ابتسمت الأخرى باتساع وقالت : لن أستطيع السفر وترك والدتي وحيدة. 
هزت رأسها بتفهم وهي تتذكر أنها بدون تلك الفتاة لكانت أغلقت الجاليري تلك الفترة ، لولا وليد واقتراحه العبقري فهو من أشار عليها بأن تأتي بأحد يعمل معها ويساعدها تلك الفترة الخاصة بالعرس وشهر العسل وخاصة أنها ستحاج فيما بعد لأحدهم ليساعدها فهي ستقطع جزء من يومها للبيت وللأسرة. 
ابتسمت وهي تتذكر كم أعجبت بذلك الاقتراح ووافقت عليه وقبل أن تضع أعلانًا على واجهة الجاليري كما أخبرها وليد أن تفعل ، رشحت لها سلمى تلك الفتاة
وأخبرتها سلمى عنها بحماس فهي خريجة كلية الفنون أيضًا وتعمل بنفس المجال وأنها رفضت العمل مع مصطفى رغم أنها مصممة أكثر من جيدة كما أخبرها زوجها ولكنها تهوى رسم اللوحات أكثر من أي شيء أخر. 
بل أن ياسمين أعجبت بعملها لدرجة أنها طلبت منها أن تعرض لوحاتها في الجاليري
شهقت بفزع وهي تعود للوراء خطوتين عندما همت بالخروج لتجده أمامها
ارتبكت خطواتها وشعرت بأنها ستسقط لولا أنه تسمك بها بين ذراعيه جيدًا
تنفست بقوة وهي تشعر بقلبها يكاد أن يتوقف من شدة خفقانه لتصيح به لائمة : وليد أفزعتني وكدت أن أقع بسببك.
قالت جملتها الأخيرة وهي تزيح يديه عنها بنزق واضح وتبتعد عنه بغضب وهي تتبع : كيف ظهرت هكذا أمامي من العدم. 
نظر لها مليًا لتختلج عضلة صدغه بقوة ولكنه قال بهدوء : المعذرة لم أقصد إفزاعك ولكن أنت لم تكوني منتبهة لوجودي ، كيف لم ترينني من باب الجاليري رغم أنه زجاجي. 
شعرت بالارتباك من عتبه الذي سطع في عينيه ،وضيقه الذي وضح جليًا من تلك الحركة الغير إرادية منه ، لتحمر حرجا وهو يرفع رأسه وينظر إلى ما ورائها ويبتسم بود ويقول : مرحبًا دعاء كيف حالك ؟
ابتسمت الأخرى بحرج وقالت : مرحبًا يا باشمهندس ، أنا بخير والحمد لله. 
أتبعت وهي تخفض نظرها عنهما الاثنين وتقول : مبارك الزفاف. 
ابتسم باتساع وقال : الله يبارك فيكي ، العقبى لك بإذن الله.
احمرت الفتاة خجلاً وتحركت سريعًا للغرفة الداخلية للجاليري وهي تمتم : شكرًا. 
ضحك بخفوت وهو ينظر في أثرها ويقول : لذيذة تلك الفتاة. 
رمش بعينيه وهو يقابل عيناها المتسعة الغاضبة وهي تقول بهدوء : ماذا تقول ؟
ظهر على وجهه التعجب وهو يردد : لذيذة ، أنها مرحة وخفيفة الظل. 
رفعت حاجبها وهي تنظر له غاضبة وتقول : لا والله!
أتبعت بنبرة غاضبة ميزها هو بوضوح : أتعرفها من قبل ؟
اتسعت عيناها ذهولًا وقال سريعًا : لا طبعًا ، من أين سيتسنى لي معرفتها؟ 
تمتمت من بين أسنانها : كانت تعمل مع مصطفى. 
عقد حاجبيه مفكرًا : لا لم أراها من قبل. 
هزت رأسها بحركة غير مفهومة لديه ولكنه شعر بغضبها الغير مبرر فقال وهو يقترب برأسه منها : لم أنت غاضبة ؟
مطت شفتيها بغضب وقالت : لا شيء. 
لمعت عيناه بمكر وهو ينتبه لسبب غضبها فقال بمرح : أتغارين ياسمين ؟
هزت رأسها نافية وهي تشيح بوجهها بعيدًا عنه وتقول وهي تتحرك خارجة من الجاليري ليتبعها هو : لماذا جئت الآن ؟
رفع حاجبيه بتعجب وقال بجمود : غاضبة من وجودي إذًا ؟!
نفت سريعًا : لا طبعًا ، أنا أتساءل.
لمع المرح بعينيه : إذًا أنت تغارين؟ 
تأففت بقوة وقالت : وليد أنت تخرق الاتفاق. 
رفع يديه عاليًا وقال : لا ، أنا أتحدث معك ولكن أنت بخيلة جدًا فلا تريدي الحديث أيضًا ، والذي بالمناسبة لم يكن ضمن الاتفاق. 
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت : ولكن كان من ضمن الاتفاق ألا تأتي هكذا دون أن تخبرني. 
مط شفتيه دون رضى وقال : لم أرتبها كنت قريب من هنا وفكرت أن أمُر عليك فلا أرى فائدة أن يذهب كلاً منا بمفرده
أتبع بحنق : وخاصة أني لم أفعل شيئًا يخرق الاتفاق. 
تحرك باتجاه سيارته وهو يقول: لن أجبرك على أن تأتي معي ، على راحتك ياسمين. 
شعرت بأنها أغضبته بالفعل الآن لتقول بهدوء : أعلم بالطبع ولكني.. 
هزت رأسها بتشتت ثم زفرت بقوة وقالت وهي تشيح بيديها : لا عليك سآتي معك طبعًا. 
ضحك بخفوت وقال وهو يمرر عينيه على كل سنتيمتر بها : أحبك. 
اندفع الدم لوجنتيها بقوة فشعرت بأن السخونة تغلف وجهها لتشيح به بعيدًا وتقول بتذمر ولكن بصوت خافت : أنت الآن تخرق الاتفاق وليد. 
ضحك بمرح وقال : لم أستطيع كتمانها .
فتح باب السيارة لها وقال : هيا يا مجنونتي لنذهب فابنة عمك ستقتلنا سويًا ، لأننا تأخرنا عليها.
عقدت حاجبيها بتعجب وقالت : كيف عرفت أن ليلى سترافقني؟
ضحك بقوة تلك المرة وهو يقول : ألم ترافقنا المرات السابقة ؟ طبيعي أن تأتي تلك المرة أيضًا. 
أغلق بابها ليلف حول السيارة وهو يتمتم بخفوت : وإلا سيقتلني سيادة الرائد.
***
تنفست بقوة وهي تعبر الطريق لتوقف إحدى سيارات الأجرة لتركب بها وتلحق موعدها مع ياسمين ، فتلك الأخيرة شددت عليها عدم التأخر
لوت شفتيها بحنق وهي تشير لأحدى السيارات التي لم تتوقف بها ومرت مسرعة
لتزفر بقوة وهي تنظر لتلك السيارة القادمة من بعيد وتمتمت : تبًا. 
تحركت بخطوات مبتعدة عن مكان وقوفها ولكن هيهات ، توقفت فهي لن تركض أمامه كتفت ساعديها ونظرت إليه بثبات حاولت أن تبثه في أعماقها قبل أن تظهره له وهو يركن سيارته جانب الرصيف ويرتجل منها
ابتسم بخفة وهو يرتجل من سيارته وينظر إليها : مساء الخير عزيزتي. 
قلبت عيناها بملل وقالت : ماذا تريد ؟
رفع حاجبه ونظر لها ببرود وقال وهو يشير برأسه إلى السيارة : اركبي. 
قبضت كفيها وقالت برفض : لا لن أركب. 
وضع يديه بجيبي بنطلونه وركن بجسده على السيارة قائلاً ببرود : كما تريدين أنت من سيتأخر على قريبته.
ظهر الغضب بعينيها وقالت بعصبية : من أين علمت ؟
عقد حاجبيه وابتسم باستخفاف : وليد أخبرني ،
أتبع باستهزاء : تتوقعي من أين علمت ؟ إلى الآن لم أتجسس على هاتفك وبالطبع لم استأجر مخبرًا خاصًا لمراقبتك ؟
ضحكت بسخرية وقالت : ولمَ تفعلها  أنت كافٍ ووافٍ.
لمعت الابتسامة بعينيه ولم تصل الي شفتيه وقال بمكر : أترين أنا أعود إلي البساطة من أجلك ، فتخليت عن رتبتي العظيمة وأصبحت مخبر خاصًا لأجل عيناك يا ليلتي.
اقترب منها فجأة لتتراجع الي الخلف بخطوتين وهي تتنفس بسرعة وهو يهمس بلطف : ألن تعودي أنت الأخرى لما كنت عليه ؟
لمع الشر بعينها وقالت من بين أسنانها : أبدًا. 
اتسعت ابتسامته وهو يفتح لها باب السيارة ويقول : حسنًا ، على راحتك أنا مستمتع معك في كل حالاتك حبيبتي. 
نظرت له بكبرياء وتخطته لتدلف الي المقعد الخلفي وتقول بهدوء : شكرًا يا اسطى فلم أجد سيارة تقلني.
لمعت عيناه بغضب عنيف وجمد وجهه ليقول من بين أسنانه وهو يفتح بابها بعنف: لا تتحديني ليلى.
ابتسمت بغموض أنثوي أسره قليلاً : إذا لم تتحرك حالاً لألحق موعدي مع ياسمين سأنزل من السيارة واتصل ببلال ليأتي ويقلني إليها.
لتتبع وهي تبتسم بسخرية والثقة تلمع بعينيها : وأنت تعلم بلال ، سيأتي في غضون خمس دقائق على الأكثر. 
زم شفتيه بحنق وقال باستياء : أه نعم أعرفه جيدًا ، اشك في بعض الأحيان أنه لا يذهب إلي عمله.
رفعت حاجبيها وآثرت ألا ترد عليه وعندما رأته لا يتحرك من مكانه وضعت يدها على مقبض الباب ليقول بهدوء : حسن ليلى ، لك ما تريدي.  
***
طلت عليها وهي تنظر إليها بفضول لتسأل بتعجب : ماذا تفعلين نانا ؟
ابتسمت منال من كنيتها الصغيرة التي أصرت الأخرى على تدليلها بها وقالت بمرح : لا شيء أصنع بعضا من الحلوى. 
لوت شفتيها بعتب والأخرى تغمس طرف أصبعها في الكريمة وتلعقها بتلذذ وتقول : يمي إنها لذيذة جدًا. 
ضحكت منال وهي تتذكر شقيقتها والتي كانت تفعل المثل تقريبًا بكل مرة كانت تعد هي إحدى الحلويات وقالت : ستعجبك أكثر حين انتهي منها.
ركنت بهار جسدها على طاولة المطبخ وقالت : وأنا انتظر. 
ابتسمت منال لتعبس فجأة ثم تمسد جبينها بأناملها في رقة ، فقالت الأخرى باهتمام : هل أنت متعبه ؟
ابتسمت منال بتعب وقالت : لا ولكني أشعر برأسي ثقيلة ليس أكثر. 
رفعت الأخرى حاجبيها وقالت : لم إذًا تقفي لتصنعي تلك الحلوى اتركيها ليس ضروريا صنعها. 
ابتسمت بخبث وهي ترفع جسدها بذراعيها برشاقة لتجلس على الطاولة وتهز ساقيها بدلال : أم أن خالد يحبها ولذا أنت تتفننين في أغرقانا بأصناف الحلوى كل يوم.   
احمر وجه منال تلقائيًا فصفرت الأخرى بمرح وقالت وعيناها تلمع بانبهار : أنت تخجلين نانا ، لا أصدق! 
رمشت منال بعينيها سريعًا وقالت بلهجة قوية كما كانت تفعل مع شقيقتها : بهار. 
لتضحك الأخرى بقوة ومرح وهي تقول : منذ متى تزوجتما أنت وخالد ؟
زفرت منال بقوة وقالت : عيد زواجنا الخامس الشهر بعد القادم. 
رفعت الأخرى حاجبيها وظهر الأعجاب الفعلي على وجهها وقالت : إذًا ستقيمين حفل كبير كما هو معتاد إنها السنة الخامسة. 
ابتسمت منال بألم وقالت : ربما. 
أتبعت الأخرى وكأنها لم تسمعها : خمس سنوات وإلي الآن تخجلين؟! 
ابتسمت منال بخجل وآثرت عدم الرد فأتبعت الأخرى سائله : كيف تزوجتما ؟
نظرت لها منال بتعجب لتتبع الأخرى سريعا : أنا لا أعلم ظروف زواجكم فأنا علمت الخبر بالصدفة وبعد زواجكما بفترة. 
أتبعت بعفوية : لا أعلم إلى الآن كيف تزوج خالد وبصدق تفاجأت من خبر زواجه!
عقدت منال حاجبيها وسألتها باهتمام : لماذا تفاجأت ؟
ابتسمت بهار بحب : كنت أتوقع أن لا يتزوج خالد أطلاقًا ، واذا أراد الزواج سينتظرني أن أكبر ليتزوج مني.  
ابتسمت بخجل لم تراه منال وهي تتبع : كان دائمًا يرددها على مسامعي وكنت صغيرة وأفكر بطريقة طفولية إلي حد ما
أكملت بثرثرة لم تستمع إليها الأخرى : ولكني لم أغضب أو انفعل من خبر زواجه فلطالما أيقنت أنه سيتزوج بمن يحب.
رفعت عيناها لترى جمود وجه الأخرى التي نظرت لها بنظرة خالية من الإحساس
فازدردت بهار لعابها وقالت ووجنتيها تلمع بحرج : آسفه لم أقصد أن أتدخل بشؤنكما وثرثرت دون وعي مني.

توقف الزمن لديها عند سماعها جملة الأخرى لتقفز صورتهما من خيالها وهذه الفتاة بصورة أصغر متعلقة بيد خالد ومتشبثة به وتتمازح معه بشأن حبيباته بدلالها الفطري وروحها المرحة فيرد هو بصوته الرخيم الجذاب هامسًا وهو يميل عليها مقبلاً أذنها بمرح كما يفعل إلي الآن : سأنتظرك يا حلوتي لنتزوج.
ابتسمت الأخرى بسعادة وهي تندس بدفء ذراعه أكثر لتنتفض هي بقوة وهي تشعر ولأول مرة بالقلق يداهمها قويًا من تلك الفتاة ، نظرت لها بجمود وهي تشعر بخلو روحها لتنتبه على اعتذار الأخرى.
ابتسمت منال ببرود وقالت : لا عليك.
صمتت قليلا لتبوح بهدوء ،وهي لا تعلم ما السر وراء شعور البوح الذي انتابها فجأة ، ولكنها شعرت بشيء ثقيل يجثو فوق قلبها فأرادت أن تتخلص منه ،نظرت بشرود إلي قالب الحلوى التي كانت باشرت تزينيه بالفعل وقالت بخفوت مؤلم : لقد تزوجني خالد رغمًا عنه لظروف خاصة بالعائلة.
رفعت الأخرى حاجبيه بدهشة فأتبعت منال: تزوجني بعد موت باسم في حادث غامض من أجل أن يحمي الطفلين!
قاطعتها الأخرى بدهشة من الواضح أنها لم تستطع كتمانها : باسم!
نظرت لها منال باستفهام فقالت الأخرى سريعًا : هل كنت متزوجه قبل خالد ؟
عقدت منال حاجبيها وقالت : نعم كنت زوجة باسم "رحمة الله عليه". 
اتسعت عينا الأخرى بدهشة واستنكار وقالت : أنت ، أنت كنت زوجة لباسم.
ردت منال بضيق : نعم ولدي طفلين منه
اتبعت بحنق : كيف لا تعلمين ذلك الأمر وأنت مقربه من خالد بتلك الطريقة ؟
قالت الأخرى سريعًا وهي تشعر بأنها تمادت وأغضبت منال فعلاً : لا لم أسأل خالد من قبل عن ظروف زواجه لقد علمت الخبر وأنا بلندن وكان هو بأمريكا ظلت الاتصالات بيننا ولكن ليس كالسابق بحكم انشغالي في دراستي الجامعية وهو بعائلته وعندما اتصلت به لأخبره أني سآتي لمصر وأريد أن أراه رحب بي كثيرًا واخبرني أنه سعيد لتقديمي إليك ، وعندما وصلت هنا وجدتك أنت فقط وكانت المرة الأولى التي أتعرف عليك فعليًا فخالد قليل الحديث كما تعلمين ولم يخبرني باسمك إلا عندما رأيته في المطار
احتقن وجهها بقوة وهي تقول : وأنا استحيت أن أسأله عن أي شيء يخصك حتى لا يتهمني بالفضولية.
ابتسمت منال ابتسامة لم تخرج من قلبها وقالت بهدوء جاهدت لتخرجه طبيعيًا : لا عليك.
نظرت لها بهار وقالت : أشعر أنك غاضبه مني.
نظرت لها منال وقالت : لا لست غاضبة منك.
أتبعت وهي تحمل قالب الحلوى لتضعه بالمبرد : ولكني متعبه كما أخبرتك من قبل وسأذهب لأستريح.
قالت الأخرى بهدوء : ساراك قبل أن أغادر.
هزت راسها بطريقة غير مفهومة فهي لم تستمع جيدًا لما قالته الأخرى ولكنها تريد الخروج من ذلك المكان الذي أصبح خانقا لدرجة لم تعد تحتملها ، تحركت لأعلى وهي تشعر بالاختناق يتملكها بقوة تسير بخطوات متعبه وأن تلك الغمامة التي تسيطر على رأسها تزداد وهي تستمع الي جملة واحدة تطن بأذنيها " سينتظرني أن أكبر ليتزوج مني" 
فتحت باب غرفتها وهي لا تقوي على السير، تجمعت الدموع بحلقها وشعرت بالاختناق يزداد فلم تستطع أن تتنفس وعقلها يردد " تزوجني رغما عنه، لظروف أسرية خاصة بالعائلة" 
شهقت بقوة لتدخل الهواء الي رئتيها فانهمرت دموعها كشلال ماء عذب يخط وجنتاها بخطين رفيعين دون أن تشعر بهما ، تحركت بتبعثر وهي لا تستطيع أن ترى أمامها فتلك الغمامة تزداد وتزداد وتكاد أن تبتلع ما بقى منها
استلقت على الفراش أخيرًا وهي لا تعلم كيف وصلت إليه وشعرت بالطنين يهدا في رأسها رويدًا رو رويدًا  وهي ترى صورته أمامها فأغلقت عيناها عليها لعلها تحتفظ بصورته باقية دافئة في عقلها وهي تهمس "وداعًا "
***

وقف ينظر إليها بتسلية والابتسامة الساخرة تلمع بعينيه ، رفت بعينيها وهي تحاول أن تستوعب أنه هنا واقف أمامها يحمل كريم ويبتسم في وجهها وكأن لم يحدث شيئًا بينهما وكأنه كان يعلم بوجودها هنا! 
شحب وجهها من ذلك الخاطر وتقدمت ببطء وهي تحاول أن ترسم ابتسامة باهته على وجهها وخاصة أنها شعرت بنظرات الجد المسلطة عليهما
قالت بصوت مبحوح : حمد لله على سلامتك.
ابتسم بسخرية لمعت في عينيه وهو يرد بهدوء ظاهري : سلمك الله حبيبتي.
نظر لها بوعيد جعلها تزدرد لعابها بقوة وهي تحاول أن تجابه نظراته وتنظر إليه ببعض من التحدي لتنتفض بقوة على صوت مديحة التي شهقت بفزع عند رؤيتها لهشام بعد أن كانت تضحك مع إحدى العاملات في البيت.
نهرها الجد بقوة : ما بك يا فتاة ؟
التفت هشام للأخرى واتسعت ابتسامته وظهرت التسلية بوضوح على وجهه وقال باستهزاء : ديدي هانم كيف حالك ، أتمنى أن تكوني قضيتي وقتًا ممتعًا في القطار.
تلعثمت مديحة وجاوبت بكلمات غير مفهومة وهي تنظر لهنادي الذي امتقع وجهها
لينتشلهم الجد من حالة الصدمة التي انتابتهما وقال بهدوء : اصعد يا ولدي لترتاح من عناء السفر فغرفتك معدة هنادي أقامت بها الفترة الماضية.
التفت الي هنادي وابتسم : اذهبي مع زوجك بنيتي.
احمر وجهها بشده ليكتم ضحكته هو على رعبها الذي وصل إليه ليتحرك فيوقفه الجد : هشام ، اترك كريم معنا هنا فأنا اشتقت إليه اليوم ثم أن جلسة علاجه ستبدأ بعد قليل.
ارتبكت لتتمتم سريعًا : سيتعبك جدي.
ابتسم الجد وهو يتناول الطفل من هشام ويجلسه على رجليه : لا أنه هادئ جدًا وأنا أحب هدوئه هذا يذكرني بجده رحمة الله عليه.
أشار براسه لمديحة وقال : وإذا أراد أي شيء ستقوم تلك الفتاة بفعلها له ، أليس كذلك مديحة ؟
ابتسمت مديحة واقتربت من كريم الذي تعلقت به الفترة الماضية اكثر من أي طفل أخر بالعائلة هتف قلبها " ولم لا أليس ابن سيادة المستشار " : قرصت خد كريم بلطف وهي تحاول أن تنحي تلك الأفكار التي عادت إليها بقوة وخاصة عند رؤيتها لهشام : طبعًا أنه كوكي حبيبي.
عقد الجد حاجبيه وقال بغضب : كوكي.
ضحكت هنادي خفوت والأخرى تقول : أنا أدلله جدي.
أشار بيده لها غاضبًا وقال : لا أريدك أن تدلليه مرة أخرى أنه كريم ، كريم باشا المنصوري.
اتسعت ابتسامة هنادي وشعرت بالفخر لكون أن طفلها أصبح له سند قوي يحميه لينتصب جسدها على صوته وهو يهمس بوعيد في أذنها : اتبعيني للأعلى من فضلك.
شبكت يديها سويا وهي تنظر للأمام لتتلاقى نظراتها بعيني مديحة فتومأ الأخرى لها بثبات لتهز رأسها وتزفر هواء صدرها قويا وتتبعه للأعلى
تبعتها بعينيها لتنتفض على صوت الجد وهو يقول بهدوء : مديحة.
التفتت أليه وهي تبتسم بتوتر قصدته: نعم جدي.
أشار لها أن تقترب منه ليقول بصوت منخفض آمر : أخبريني الان ما يحدث هنا ؟ فالقصة التي أخبرتني بها من قبل من الواضح أنها غير صحيحة
نظر إليها بنظرة جمدت أطرافها وهو يتبع : أليس كذلك ؟
ارتعدت مديحة بدون قصد منها وهزت رأسها بالإيجاب رغمًا عنها فنظر لها مليًا وقال : اجلسي وأخبريني عن كل شيء الآن يا فتاه.
ولم تجد أمامها حلاً أخرًا غير ذلك وعلى الرغم من خوفها الفعلي من جدها فهي لا تستطيع التوصل كيف سيكون ردة فعله على ما ستخبره إياه إلا إنها كانت تبتسم داخليًا وهي تشعر بأن كل شيء يسير وفقا لما خططته هي.
دلفت إلى الغرفة لتراه وهو ينزع سترة بدلته فيظهر عرض كتفيه بوضوح لها ، تأملته مليا وهي تشعر بأنه افتقد بعضا من الوزن ، زمت شفتيها قويًا وهي تنظر إليه بشوق تخلله بعض الحزن المُطعم بالغضب.
التفت إليها ونظر لها مليًا ليدور بينهما حديث صامت عاتب ،أنهاه هو وهو يتحرك باتجاهها ويقول في صوت منخفض ولكنه غاضب : ألن تتوقفي عن الهروب هنادي ؟
رمشت بعينيها وقالت : لم أهرب منك ، أتيت لأخذ حقي منك ومن والدتك المصونة ، التي تتعامل معي مثل معاملة الجواري.
ظهر الانزعاج على وجهه جليًا فأضافت هي بنبرة ساخرة : لا تندهش هشام ، فما فعلته والدتك كثير.
صمت وهو ينظر إليها مليا ليقول فجأة بصوت الألم يصدح منه : هل اشتكيت لي يومًا من أمي ولم آتي لك بحقك.
اتسعت عيناها بغضب عارم وهي تقول بثورة اختزنتها كثيرًا : وهل فعلت شيء عندما سمعتها تهين ولدك ثم تبكي وتخبرك أني طويلة اللسان وأن عليك تأديبي.
كررت : هل فعلت شيء في الماضي وأنت تعلم جيًدا كيف كانت تضايقني بالكلمات والأفعال.
رددت بصوت يحمل الأسى : هل فعلت شيء هشام عندما أعلنتها صراحة أنها لا تريدني زوجة لك ؟ هل فعلت شيء ؟
هزت رأسها نافية بحزن ظلل عمق مقلتيها الرماديتين بلون أسود قاتم : لم تفعل شيئا هشام ، كنت ولازلت تقف مكتوف الأيدي ولا تحرك ساكنًا ، تتركني أتجرع مرار الإهانة دون أن تهمس مجرد همس توفيني به حقي.
نظر لها بهدوء تعجبت منه ليكرر بنبرة جليديه : لم أفعل شيئاً ، لم أفعل شيئاً.
تحرك بعنف وضح في عضلات جسده لترتد هي خطوتين بجزع وهي ترى شرارات الغضب تندفع من عينيه ، ولكنها رفعت رأسها تواجهه بكبرياء
وهو يتبع بغضب هدر من صوته : لم أفعل شيء ، ألم أعقد قراننا عندما اعترضت أمي عليك ، ألم أتمسك بك وأتحداها وأتحدى جدي الذي أتيت حضرتك الآن لتحتمي به مني ؟ ألم أفعل لك أي شيء ،ألم آتي بشقة لك تخصك وقررت أن انتقل وأترك والدتي من أجلك عندما شعرت أنها عادت لمضايقتك من جديد ، كيف تجرؤِ على أن تتهميني بأني لم أفعل لك شيء ؟ أخبريني
اكمل بألم غاضب : أنت التي لم تثقي بي دومًا ، تركتني وسافرت رغم اني وعدتك بأن أترك العالم كله من أجلك
تحرك بعيدًا عنها وهو ينظر إلي الجهة الأخرى والألم يسيطر عليه :سافرت دون أن تنظري خلفك ، سافرت دون أن تعيري كلماتي اهتمامك ، سافرت دون أن تقرئي الخطاب الذي تركته لك قبل أن أغادر وأذهب لأخبر أمي أني أتركها لأجلك
عقدت حاجبيها وقالت : خطاب ، أي خطاب.
لف لها في حدة ، واتسعت عيناه باتون مشتعل حول لون عينيه الي لون العسل الرائق : الخطاب الذي أرسلتِه لي مرة أخرى ولم تكلفي نفسك عناء فتحه.
صاحت بغضب : لم تترك لي أية خطابات.
قبض على ذراعيها بعنف وقال : لا تكذبي هنادي ، لقد تركته بنفسي عند ساعة الحائط القديمة كما كنت تفعلين أنت عندما تتركين لي ملاحظاتك.
نزعت ذراعيها منه بقوة آلمتها ولكنها قالت شبه صارخة : لم أرى أية خطابات.
وقفا ينظران إلي بعضهما بعنف وغضب صدريهما يعلوان ويهبطان بقوة وعيناهما يتطاير منها شرار غاضب مشتعل ، صوت أنفاسهما يعلو مشوشًا على أي صوت أخر خطى باتجاهها خطوة واحدة وسحبها إليه مقبلا إياها قبلة حملت كل شوقه وغضبه منها.
حاولت أن تتملص منه فلم يعطها فرصه، بل ازدادت قبلته قسوة وعنفًا، شعرت بغضبها يخبو شيئًا فشيئًا رغم قسوته معها ليحل مكانه حنينها إليه فتمسكت بذراعيه وبدلاً من دفعه بعيدًا عنها قربته منها وهي تشعر بالدموع تنساب بهدوء على وجنتيها
شعر بدموعها تبلل شفتيه فنظر الي مقلتيها معتذرًا بصدق وهو يقلل من ضغط جسده عليها وتتحول قبلته إلي أخرى رقيقة .. صادقة .. محبه!
ضمها إلي صدره وهو يهمس من بين أنفاسها وعيناه تتجولان على ملامح بشوق لم يحاول إخفائه : اشتقت إليك أيتها الهاربة.
انهمرت دموعها بغزاره ليهمس وهو يمسحها من على وجنتيها برقة : أش ، كفي عن البكاء نودا ، لا أحب رؤية عيناك والدمع يظللهما.
أتبع بصدق بعد أن زفر بعمق : أعلم أني أخطأت بحقك واعتذر عن خطأي هذا ولكني أيضًا غاضب منك ومن عدم ثقتك بي ،
همت بالحديث ليقاطعها بهدوء وبإشارة من يده حازمة : ليس هنا هنادي لن نتناقش ونتشاجر هنا ، عندما نعود الي بيتنا سنفعل كل شيء تريدينه ولكن ليس هنا من فضلك فأنا لا أريد أن يعلم جدي عن أي شيء دار بيننا. 
أتبع وينظر إليها بفخر : أشكرك لأنك لم تخبريه عما حدث من أمي ، علمت هذا حينما قابلني بالترحاب فمعرفة جدي بأنك أتيت إلي هنا غاضبة كانت كفيلة بأن يربطني جدي بالشجرة الكبيرة كمان كان يعاقبنا ونحن صغار.
اتسعت عيناها برعب وسألت بهدوء: هل كان يفعل هكذا معك ؟
ضحك بقوة وهو يضمها إليه : لا بالطبع كيف يعاقب سيادة المستشار ولكنه كان يفعلها مع أبناء عمومتي الأشقياء.
ابتسمت بتوتر وتحركت مبتعدة عنه لينظر إليها بهدوء ويقول : سنغادر حينما ينتهي العرس.
زمت شفتيها قوياً وقالت بعد صمت دام لدقيقة كاملة : لن أغادر.
اتسعت عيناه باستنكار فأكملت بهدوء حاولت أن تحافظ عليه : لن أعود معك لذاك الجحيم مرة أخرى.
زفر بقوة وقال بهدوء: لم أطلب منك العودة لبيت والدي، بل طلبت منك العودة لبيتنا.
نظرت له باستفهام فأتبع بتحذير : ذلك الأمر أنت لست مخيرة به هنادي ستعودين معي رغمًا عنك ، شئت أم أبيت ولكن وجب على التوضيح
اكمل وهو ينظر الي عينيها : أنا أخبرك أننا سنعود لبيتنا فانا انتقلت له منذ ليلة هروبك
قال وهو يصر على حروفه تلك المرة : هروبك الذي لم اغفره الي الان !!



.
.
امتقع وجهها وهي تنظر إلي عيني جدها الغاضبة لتشهق بألم وهي تضع يدها على خدها الذي صفعها عليه ، لم تكن صفعة مدوية ولكنها مؤلمة ، لن تترك أثرًا في وجهها لكنها ستترك عظيم الأثر في نفسها قال بجمود وهو ينظر الي عينيها : أتعلمين تلك لأن ولدي لم يحسن تربيتك
أكمل بعينين مشتعلتين بالغضب : أتذهبي لتعرضي نفسك عليه ، لم أتوقعها منك مديحة
أتبع بلهجة شابها الازدراء: ظننتك أعقل من ذلك.
لمعت الدموع بعينيها وقالت في خفوت : عمتي طلبت مني.
قاطعها بغضب : عمتك طلبت منك أن تذهبي لتقنعي ولدها بتطليق زوجته ويتزوج منك ، أم طلبت منك أن يتخذك زوجة ثانية له.
أتبع بنبرة غاضبة مزقت أوردتها ألمًا : وإذا طلبت منك عمتك ذلك ،هل هذا مبرر لتذهبي معها.
هزت رأسها نافية وقالت : ولذا أتيت بهنادي معي ، حاولت مساعدتها عندما رأيت مدى عبث عمتي بحياتها هي وهشام.
جز على أسنانه غضبًا وقال: عمتك تلك سأعلمها أن لكل شيء حدود وعليها الالتزام بها.
ابتلعت ريقها وهي تنظر إلي عينيه الجامدة وقال : أما أنت فتجهزي لزواجك.
امتقع وجهها بقوة وقالت بتلعثم : زواجي.
قال بنبرة هادئة ولكنها قاطعة : نعم زواجك ، ابن عمك طلبك مني وأنا وافقت.
أكمل ببرود : هل لديك رأي أخر ؟
شعرت بالدموع تتجمع في حلقها وأن جسدها يصرح رافضًا ولكنها لم تستطع فقالت بصوت متألم وهي تكبح لجام نفسها حتى لا تنهار: لا جدى.
هز رأسه موافقًا وهو يقول : حسنًا لنحتفل بخطبتك وهشام هنا ، إنها فرصة ليحضر الحفلين معًا.
هزت رأسها بالإيجاب لتنهض واقفة وتتمتم وهي تندفع خارجة من البيت : بعد إذنك جدي.
زم شفتيه بحنق وهو ينظر في أثر خطواتها المتعثرة يعلم أنه قسا عليها ولكنها تستحق تلك القسوة فما فعلته بنفسها لا يغتفر ولكنها مازالت صغيرة وتصرفاتها ستكون متهورة بعض الشيء الخطأ الأكبر يقع على عمتها المصون ، لمعت عيناه بغضب شديد وهو يهمس من بين أسنانه : فوزية.

***

مضى الطريق عليها مملاً ، هو لا ينظر ناحيتها وهي ثبتت رأسها باتجاه النافذة وتنظر منها إلي الخارج ، تشعر باضطراب كبير لم تكن تتخيل ولا في أحلامها أنه سيستجيب إليها ويدعها تجلس في الخلف ، تعلم أنه لو كان شدد في لهجته لكانت تراجعت على الفور ولكن عقلها جعل بلال يقفز أمام عينيها فجأة ، فرمت الفكرة سريعا في وجهه ولحسن حظها استجاب إليها!!
تنهدت بقوة وهي تفكر " الي متى ليلى ؟ هل ستهربين منه إلي الأبد ؟ هل ستبقين تلك الضعيفة إلى الأبد ؟ ألم تسأمي تلك الشخصية المقهورة ؟
أتذكرين لمَ أحببته وانجذبت إليه ، لأنك معه لم تشعرين أبدًا بذلك القهر ، ولكن الآن كل ما يفعله يقهرك و يؤلمك ، ويمزق قلبك ، ورغم كل هذا قلبك يئن حنينًا وشوقًا إليه
انتبهت على صوته وهو يتحدث إليها لترى أن السيارة توقفت عن الحركة
نظرت إليه وهو ملتفت إليها ويكلمها بهدوء ، لتحرك رأسها وتنظر حولها
شق صوته سماعها مرة أخرى وهو يقول بهدوء حاني : ليلى.
نظرت إليه وهي تحاول أن تنحي تلك الأفكار من رأسها ليكمل هو بحنو : لم تبكين ؟
ردت سريعا متعجبة : أبكي ؟!
حرك ظهر سبابته على وجنتها بحنان ليلتقط دمعاته القليلة : نعم ، أنت تبكين.
رمشت بعينها وأبعدت رأسها عن يده وقالت بصرامة : أنا لا أبكى .
تنهد بقوة وقال : حسنًا ، أنت لا تبكين وأتمنى أن لا تبكي أبدًا ليلى.
صمت قليلاً ليلتفت وينظر إلي الأمام ويقول بحذر : أتمنى أن لا أكون سبب بكائك ليلى.
شحب وجهها وقالت بألم : حقًا ؟!
نظر لها في مرآه السيارة الأمامية وهز رأسه بالإيجاب لتتبع هي بقوة : إذًا توقف عما تفعله بي ، إذا كنت تهتم فعلاً.
أنهت جملتها لتقفز خارجه من السيارة ليزفر هو بقوة ويغمض عينيه ويتمتم : استغفر الله العظيم.
ترجل من سيارته وتبعها بهدوء ليجدها واقفة بجوار ابنة عمها التي رفعت نظرها إليه وحيته برأسها وهي تبتسم له بغموض : مرحبًا أمير بك.
ابتسم بخفة : مرحبًا يا هانم ، كيف حالك؟
هزت ياسمين رأسها بدلال فطري : بخير والحمد لله.
لمعت عيناه بمكر وسأل : أين زوجك ؟
زمت ياسمين شفتيها باستياء وردت بحدة : خطيبي.
ضحك بقوة على وجه ياسمين الذي امتعض ليقول بهدوء : أين هو ؟
ليأتي وليد من خلفه ويقول : ها أنا ذا
صافحة بقوة : كيف حالك يا كابتن ؟
رد أمير : بخير.
ابتسم وليد باتساع وهو ينظر إلي ليلى ويمد يده ليصافحها : كيف حالك لولا ؟
تأوه وليد وهو يعقد حاجبيه من مصافحة أمير إليه للمرة الثانية وهو يرص على حروفه : الأنسة ليلى بخير والحمد لله.
سحب وليد يده وهو يقهقه ضاحكًا ويسالها : أنستي الغالية ليلى كيف حالك؟
زمجر الآخر غاضبًا : وليد.
لتنطلق ضحكة وليد مرة أخرى فيتبع أمير بغيظ وهو يقول لياسمين : إذا كنتِ تريدين إتمام زفافكما في موعده اذهبي أنِت وزوجك لتبتاعا ما أتيتما من أجله.
أتبع وهو يبتسم بخفة : لا يرضيني أن يتم زفافكما في المشفى.
ضحكت ياسمين باستمتاع وقالت بخفوت : تستحق ما يفعله بك يا سيادة الرائد.
لمعت عيناه وهو ينظر إليها ليبتسم ويهمس دون أن يصل صوته لليلى : إذًا هي أخبرتك.
نظرت له ياسمين ببلاهة مفتعلة : عن ماذا ؟
ليبتسم هو ابتسامته الجانبية ويقول : عن أحوال الطقس عزيزتي.
ضحكت ياسمين بشقاوة وقالت : إنها ممتازة.
اتجهت لوليد الواقف ينظر إلي إحدى المعروضات بنظرة تقييمية وقالت : هيا وليد لنرى ما أتينا لأجله.
التفتت إلي ليلى : هيا لولا.
وقف أمامها سريعًا وقال بهدوء : اتركي ليلى سنذهب سويا لنرى المعروضات في الدور العلوي ، اذهبا أنتما.
تبادل النظرات مع صديقه ليقول الآخر : حسنًا ، هيا جاسي.
نظرت لابنة عمها بارتباك لتبث الأخرى إليها نظرة قوية وتقول بمكر وهي تنظر لأمير : وقتا ممتعًا.

سارا بجانب بعضهما وهما يتناقشان بخصوص المعروضات لتنظر إليه بطرف عينها وتقول : هل أنت غاضب مني ؟
لف ونظر إليها بدهشة: لا طبعًا ، لماذا تسالين هكذا ؟
هزت كتفيها بمعنى لا أعرف وقالت :محتمل مما حدث في الجاليري ، لا أعلم أنا اشعر بك مختلف.
ابتسم بخفة وقال وهو يقلب عينيه في المعروضات : لا لست غاضبًا ، بالطبع تمنيت أن تستقبليني بشكل مختلف ولكن هذا سيأتي تدريجيًا بالوقت وإجابة عن سؤالك أنا لست مختلفًا ولكني التزم بالتعليمات.
ابتسمت بتوتر فاكمل : أنا أريدك أن تشعري بالأمان معي ياسمين ولا أعرف السبيل لذلك.
تنحنحت وقالت وهي تسير إلي جواره : أنا أشعر بالأمان معك.
ابتسم بسخرية وقال : حقًا ؟!
تنفس بقوة وهو يتبع : لا أعتقد.
تنفست بقوة وقالت : لا وليد أنا أشعر بالأمان معك ولكني فقط أريد أن أعتاد على وضعنا الجديد قضيت فترة طويلة وأنا أقنع نفسي بأنك صديقي المقرب فقط ليس إلا ، والآن أنت تريد إقناعي أنك زوجي في مدة قصيرة ،
نظرت إليه وهي تقول بصدق : أنا أشعر بالارتباك ليس إلا.
نظر لها مليًا ليقول بهدوء بعد قليل من الصمت : أتعلمين لماذا صممت على عقد القران ؟
انتظرت أن يكمل دون أن تسأله ، فأتبع هو بصوت مكتوم : حتى أبث لعلاقتنا الأمان ياسمين ، لأني خفت من سمعتي السيئة والتي تعلمين مداها جيدًا ، تخيم على علاقتنا فتفسدها
تنهد وهو يكمل : لأني خفت أن تراودك فكرة أني سأتركك يومًا ، لأني خفت أن تقارني نفسك بالسابقات
ورغم أني قصدت أن أعقد قراننا حتى تطمئني لو قليلاً معي ، فوجئت بك ترميني بمخاوفي جميعًا صبحية عقد القران
نظر لها وهو يكمل : لذا فكرت في إسراع زواجنا لعلني أطمئنك ولو قليلاً ، وأؤكد لك أني أريد الاستمرار معك وأنك لست مثلهن ، فأنت دائمًا مختلفة بالنسبة لي
لتضعي تلك الشروط المجحفة في حقي ،
امتقع وجهها ليتبع هو سريعًا : لست غاضبًا من تلك الشروط ياسمين ، فلو هي مفتاح الأمان بيننا سأنفذها كلها وأكثر منها أيضًا ، ما يهمني أن تشعري بالأمان ياسمين ، أن تشعري بالاستقرار معي ، أن تتقبليني في حياتك كزوج وليس كصديق ذو سمعة سيئة.
اختنق صوته وهو يتبع : لا أريد للماضي أن يفسد علاقتي بك ياسمين ، أرجوك انسيه ، فأنا نسيته وحذفته من عقلي وحياتي.
ابتسمت بحب تألق بعينيها وقالت بصوت حاني : لا شيء على وجه الأرض سيفسد علاقتنا سويًا وليد ، لا تقلق حبيبي.
لمعت عيناه بجزل وهو يقول سريعًا : ها ، ماذا قلت ؟
احتقن وجهها بقوة وبدأت في السير مرة أخرى وهي تقول : لا شيء.
تحرك خلفها شبه راكض وهو يقول بخفوت : توقفي حتى لا تلفتي الأنظار إلينا ، وكرري ما قولتيه.
ضحكت بشقاوة وقالت : انتظرت طويلاً وليد ألا تستطيع الانتظار لقليل من الوقت.
ابتسم بسعادة وقال : بل أستطيع انتظارك العمر كله حبيبتي.
احمرت وجنتاها بقوة وقالت بعتب : وليد.
ضحك قويا وقال وهو يرفع يديه باستسلام : حسنًا لنعود إلي قواعدنا سالمين ،
أتبع بابتسامة : متى ستنتقلين إلي الفندق حتى تشرفي على الترتيبات النهائية للزفاف.
تنفست بقوة وقالت :بعد غد إن شاء الله ، سأذهب أنا وأمي والفتيات.
ابتسم بهدوء : سأكون هناك بإذن الله
أتبع بتساؤل : ألن تقيمي احتفال بليلة الحناء؟
ابتسمت بشقاوة وقالت مغيظة : بل سأقيم حفلا لتوديع العزوبية.
بهت وجهه ونظر لها بحدة وقال : ماذا ؟
ضحكت بقوة وقالت : ماذا ديدو ألن تقيم واحدًا ؟
جمد وجهه وقال بصوت مكتوم : لا ياسمين لن أقيم واحدًا.
دار على عقبيه وتحرك مبتعدًا لترمش بعينها وهي تتبعه وتسأله بدهشه : ماذا حدث ؟
نظرت إلي وجهه الغامض لترتعش عضلة صدغه لا إراديا فأتبعت : لماذا غضبت ؟
تنفس بقوة وقال : لم أغضب جاسي.
نظرت له وقالت : صداقتنا الطويلة علمتني كيف تكون غاضبا ،
أتبعت : كنت أمزح بخصوص ليلة توديع العزوبية ، أعلم انك لن تفعلها ولكني..
صمتت ليتبع هو بعتب : أردت التأكد مني أليس كذلك ؟
ابتسمت بتوتر وقالت وهي تفرقع سبابتها:أردت التأكد أنك سترفض عرض أصدقائك.
ابتسم وهو ينظر إليها بوله وقال بهدوء آمر : أولاً توقفي عن تلك الحركة المريضة التي تلازمك كلما توترتِ
ضمت كفيها وهي تذعن لأمره ليتبع هو بضحكة خافتة : ثانيًا من أخبرك عن أمر حفلة الأصدقاء ؟
بدأت في فرقعة أصابعها مرة أخرى ليضحك هو ويمسك بيدها ويقول: توقفي.
سحبت يدها من يده سريعا ليتنهد ويقول : حسنًا لا تجيبِ
ابتسم بحنان وقال : واطمئني لن أحضر تلك الحفلة فانا لدي حفلة أخرى سأحضرها.
عقدت حاجبيها ونظرت له باستفهام فاكمل : ماما وإيمي يعدان لي احتفالاً وأنا متشوق جدًا لأحضره ، سأمضي اليوم مع عائلتي فإنه أخر يوم أمضيه معهم وأنا عازب.
ابتسمت وقالت : سيكون يومًا مميزًا ،
هز رأسه موافقًا : نعم أعرف.
***
تنظر حولها بتوتر وهي لا تعلم لم أتى بها الي ذلك القسم من المعروضات ، زفرت بضيق وهي تنظر إليه يفحص المكان بعينيه ويتأمل المعروضات بجدية فقالت بنزق : هل من حقي أن أعرف لم نحن هنا ؟
قال ببساطة وهو يقترب من إحدى الغرف المعروضة : نحن هنا من أجل ابنة عمك ، ألست تواعدتِ معها؟
وضعت يديها بخصرها واعترضت بطفولية : ولكني لست مع ابنة عمي ، أنا هنا معك ولا أعلم لماذا ؟
نظر لها بدهشة وظهر المرح بعينيه وقال : ليلى نحن في مكان عام وأنت تضعين يديك بخصرك وتتصرفين كالأطفال هكذا!
رمشت بعينيها واحتقن وجهها خجلاً وتراجعت خطوة للوراء ليبتسم هو ويقول : أنتِ تتسألين إذًا عن تواجدنا في ذلك القسم.
هزت رأسها بالإيجاب فقال وهو ينظر حوله : أنه قسم لغرف العروسين.
اختنقت تلك المرة من الخجل : نعم أعلم ، ولا أرى سببًا لوجودنا هنا.
هز رأسه وقال وهو يرفع يديه : أوه ألم أخبرك عن سبب تواجدنا هنا.
نظرت له بتفحص وهزت رأسها نافية بحذر فأتبع : تعالي ليلى ، لنسير سويًا وأشرح لك لم نحن هنا.
تنفست بهدوء وتحركت بجانبه فاتبع : لقد استلمت شقتي الجديدة ، كنت اشتريتها منذ سنتين أو سنتين ونصف ، أنت تعلمين ذلك النظام أدفع بعضًا من ثمنها كمقدمة والباقي كدفعات متساوية.
قالت بهدوء وهي تزن كلماته : أه ، نعم أعلم.
قال وهو ينظر إحدى الغرف ويشير إليها لتتقدمه ناحيتها : وأنا بالمشفى وليد أخبرني أنه استلم خاصته ، فهو الآخر قدم على خاصته بنفس المجمع السكني ، خاصتهم لا تبعد عنا إلا بشارعين.
ظهر الفرح على محياها وقالت دون وعي منها : حقًا ؟!
ابتسم بهدوء : نعم ، حينها أخبرته أن يبدأ في تأثيثها وبالفعل لقد قام مكتب الديكورات الذي يمتلكه هو والمهندس مصطفى بإنهائها ولكن ظلت غرفة النوم بدون أثاث
نظر لها بطرف عينه وقال : وأنا في حيرة من أمري هل انتقي لها غرفة نوم حديثة أم غرفة على الطراز القديم.
مطت شفتيها وظهر التفكير على وجهها لتقول : أعتقد أن الغرف نوم تكون أجمل وهي على الطراز الحديث.
سأل والحنان يفيض من عينيه : ماذا تفضلين أنتِ ؟
أجابت بتلقائية : أنا أفضل الطراز القديم ، يبهجني ويشعرني بالفخامة يذكرني بوالدي ولكن غرف النوم مهمتها الأساسية أن تشعرك بالراحة والهدوء والسكينة ، وأن تكون بها على راحتك فلذا أخبرك أنها ستكون أجمل وهي على الطراز الحديث
لفت برأسها في المكان وقالت وهي تشير إلي إحدى الغرف : انظر إن تلك رائعة.
نظر إلي الغرفة وأشار إليها بأن تتقدمه ليسير بجانبها وقال : ولكن الفراش صغير.
مطت شفتيها وقالت : حسنا لتنتقي فراشًا أكبر إذا أحببت.
هزت كتفيها بلا مبالاة وهي تكمل : أحببت فقط أن أريك ما قصدته.
هز رأسه بتفهم وقال : أعلم ولكني أريدك أن تنتقي أنتِ تلك الغرفة.
عقدت حاجبيها ونظرت له بتعجب فأتبع: أنا أثق بذوقك.
هزت رأسها بلا مبالاة : حسنًا.
سارا قليلاً وسط الأثاث الموضوع لتلمع عيناها فجأة وتقول: انظر عبده تلك رائعة.
جمد وجهه ونظر لها بقوة وقال من بين أسنانه: أمير ، اسمي أمير.
زاغت عيناها باضطراب لتنظر إليه مرة أخرى فيتبدد ذلك اللمعان من مقلتيها ويندثر ليظهر لمعان أخر حرق اللون البني بعينيها وهي تنظر إليه بحدة وتقول : نعم أعرف من أنت.
تنهد بقوة وسأل بهدوء : ماذا حدث الآن ليلى ، بم شعرت لتتبدلي بتلك الطريقة التي لا أحبها.
ظهر الغضب على وجهها مليًا فاكمل سائلاً برجاء فخم كعادته : أريد أن أعرف ليلى ، أريد أن أفهم بم تشعرين حتى أستطيع أن أخفف عنك.
تجمعت الدموع بعينيها وقال وهي ترفع رأسها بكبرياء : لم يحدث شيء وأنا بخير ، أريد العودة فقط.
اقترب منها وسائلها : انظري إلي. .
رفعت عيناها له ليقول بهدوء ولكن بصوت قوي صادق : لم أتعمد خداعك ليلى ، لم أتعمد أن أؤذيك لا الآن ولا من قبل ، لو كنت استمعت إلي لما كنت تتعذبين هكذا الآن.
نظرت له وقالت بألم : ما الفائدة أمير لقد تألمت بما فيه الكفاية ، لقد أذيتني وانتهى الأمر ، سماعي لك لن يعوض علي ألآمي السابقة ، ولن يمحو أذيتك لي.
تنفس بقوة وقال : ولكنه سيوقف بحر الآلام الذي تصرين أن تغرقي نفسك به.
نظرت له بقوة وقالت : لا أثق بذلك أمير ، فمن الممكن جدًا أن يؤلمني ويؤذيني أكثر من ذي قبل.
هم بالتحدث لتقول :من فضلك أمير أريد العودة.
هز رأسه بالموافقة : حسنًا ، انتظري دقيقة فقط.
ذهب ليتكلم مع أحد العاملين ليشير إليها أن تتبعه فأتبعته للأسفل ، ليتوقف مرة واحدة عن السير نظرت إليه فوجدت وجهه مكفهرًا.
اقتربت منه بدهشة وقالت : ماذا حدث ؟ لمَ توقفت عن السير؟
هالها عيناه الجاحظتان من الألم وعروق رقبته التي نفرت مرة واحدة لتسأله شبه صارخة وهي تراه ينحني ليستند على أحد المقاعد : أمير ماذا يحدث لك ؟
تنفس سريعًا وحاول أن يتكلم لترى هي وليد وياسمين يقتربان فتشير إليهما ، أسرع وليد إليها وهو يقول : ماذا حدث ؟
قالت سريعًا : لا أعلم لقد توقف فجأة ولا يجيبني.
هزه وليد بقوة : أمير ، أمير.
أشار له بيده لينتظر ثم يعود ويقف مرة أخرى منتصبا ويقول بصوت خافت :لا شيء أنا بخير.
نظر له وليد بتفحص وقال : لقد توقفت عن الذهاب لجلساتك الفزيائية أليس كذلك؟
تنفس بقوة وقال : أنا بخير وليد ، ساقي آلمتني قليلاً.
اشتد الغضب بعيني وليد وقال : كادت أن تخرج روحك من شدة الألم الذي عانيته وتقول قليلاً.
قال بقوة وهدوء : أنا بخير وليد لا تقلق.
نظر لها ليجد الدموع تطفر من عينيها وهي تقول بلهفه كادت أن تفقده تعقله : أخبرني أنك بخير.
اقترب منها سريعًا ليقول وهو يمسك كفيها : أنا بخير لا تقلقي.
تنفست بقوة وقالت : ماذا حدث لك ؟ لم تألمت بتلك الطريقة؟
هز رأسه بهدوء : لا شيء أنا بخير إنها ساقي فقط لا شيء لا تهتمي.
نظرت له بخوف فقال : اهدئي حبيبتي ، أنا بخير.
أكمل بهدوء : هيا نغادر كما طلبت.
زمجر وليد : هل ستستطيع أن تقود وأنت هكذا؟
رد بهدوء : نعم وليد لا تقلق.
نظر له وليد مليًا ليقول : سأمر عليك غدًا لنذهب سويًا لوجيه أريد أن أطمئن عليك.
نظر له بغضب تلك المرة فأكمل الآخر : رغمًا عنك ستذهب معي
أتبع ضاحكًا : ثم أني لا أريد أي شيء أن يعطل حفل زفافي يا كابتن.
ضحك بخفة وقال : لا تقلق لن يحدث شيئًا يعطل حفل زفافك الأسطوري ، أشار مودعًا لياسمين وقال : أراك لاحقا ياسمين.
هزت رأسها مودعه بعد أن ضمت ابنة عمها إليها وهمست لها بان تهدأ وتطمئنها عليهما عند الوصول.
سارت بجانبه وهي تشعر بقلق عارم عليه أرادات أن تسنده لكن حيائها منعها
وعند وصولهما للسيارة قالت سريعا : دعني اقود.
نظر لها بدهشة وقال : أتستطيعين القيادة؟
هزت رأسها بالإيجاب وقالت : نعم علمني عمي كما علم ياسمين وبلال باشر تدريبي مرة أخرى
قلبت عيناها برفض وقالت : هو مصر على شراء سيارة لي ولكني لا أريدها هز رأسه بتفهم ليقول : وأنت معي لن تقودي تعلمي ذلك.
أشار لها برأسه  هيا اركبي.
ولدهشته أطاعته على الفور وهي تدلف الي السيارة وتجلس بالمقعد الأمامي
ابتسم وكادت ضحكته أن تنفلت وهو يتبعها ويجلس أمام المقود ، ظل ساكنًا قليلا لتسأل هي بلهفة :هل أنت بخير؟
هز رأسه وقال : نعم أنا بخير
أكمل بهدوء : لا تقلقي ليلى أنه نصيبي من الألم فأنا دعوت الله أن يخفف من ألمك ويصيبني به.
ردت بتلقائية : ألف بعد الشر عليك ، لا تفعلها ثانية.
نظر لها بحنان وقال : توقفي عن إيلام نفسك حتى لا أتألم أنا ثانية ، فكلما تألمت أنت سأتلم أنا ، اذا لا تريدي أن ترفقي بنفسك ، فارفقي بي.
همست بخفوت وهي تبتسم بألم : ولم توقعت أني ستوقف عن إيلام نفسي من أجلك ، ما تقوله يا سيادة الرائد يجعلني أتألم أكثر لعلك تشعر ببعض مما شعرت به أنا.
تنهد بقوة وهو يقبض على المقود بقوة ويقول : وما أدراكي أني لم أتألم أكثر مما تألمت أنتِ بالفعل.
نظرت له بشراسة أدهشته وهي تقول : وأتمنى أن تتألم أكثر عبده فما فعلته بي لن اغفره لك. 
نظر لها بذهول ليقول بصدق صفعها قويًا وهو ينظر أمامه : إذا كان هذا سيرضيك ليلى فأنا أتمنى أن أتألم لبقية عمري
التفت لها وقال بجبروت تملكه: سأتألم وأنت معي بجواري لبقية العمر ليلى، فلا مهرب لك مني.

***
تأوهت بقوة وهي تحرك رأسها لترفعه قليلا وتحاول أن تنظر حولها دون أن تستطيع الرؤية جيدًا ، عاد الطنين لاذنيها بقوة جعلها تأن مرة أخرى وهي تحاول أن تستوي جالسة ولو قليلاً حتى تخرج من ذلك الفراش اللعين الذي يشبه عليها بئر سحيق يبتلعها
تأوهت مرة أخرى وهي تحاول أن تنتصب واقفة دون أن تشعر بذلك الألم الذي ينغز خلايا جسدها كاملة ، تحركت بصعوبة لتتجه إلى دورة المياه وتغسل وجهها أكثر من مرة لعلها تستطيع الرؤية بوضوح وتتخلص من ذلك الطنين المزعج
تمسكت بطرف المغسلة قويا وهي تنظر إلى وجهها المنتفخ وجفونها التي شابهت جفون الضفادع لتزفر بيأس وهي تعلم جيًدا أن هذا لا يهم الأن فما تشعر به من ألم أهم بكثير من مظهر وجهها
عاودها الطنين قويًا لتقبض بكفيها على جانبي رأسها بقوة وهي تحاول أن تتحرك خارجة من دورة المياه وتتجه إلى أحد الأدراج لتخرج شريط دواء مسكن للألم.
جلست مرة أخرى على الفراش وهي تشعر بالدوار ، أغمضت عينيها لدقيقتين لتشعر براحة أكبر وتفكر أنها لن تستطيع أن تأخذ ذلك المسكن إلا عندما تتناول القليل من الطعام
فكرت وهي تعاود فتح عينيها وتنظر من زجاج النافذة فترى الظلام الدامس يغلف السماء في الخارج " كم الساعة الأن"
رفعت حاجبيها بدهشة وهتي تطلع إلى الساعة الصغيرة الموضوعة على الكومود بجانبها وتمتم بتعجب : الثالثة فجرًا ، لا عجب أني اشعر بكل هذه الأعراض لقد نمت لوقتًا طويلا دون أشعر
فردت كفها على بطنها المنتفخ وهي تقول : عذرًا طفلي لابد أنكما تتضوران جوعًا بسببي.
تحركت بهدوء حتى لا تصاب بالدوار أو يعاودها الطنين المؤلم وخاصة أنها ارتاحت قليلاً منه ، واتجهت خارجة من الغرفة لتأخذ طريقها للأسفل حتى تتناول الطعام وتأخذ أدويتها التي أهملتها الليلة
تنهدت بقوة وهي تدخل إلى المطبخ وتغمض عيناها حتى لا تُعاد تلك الذكرى برأسها ، أعدت القليل من الطعام وابتلعته رغمًا عنها وهي تشعر به كأحجار ثقيلة تمزق حنجرتها وتزيد من شعورها بالغصة التي تحكمت بحلقها.
تنفست بقوة وهي تضع الأطباق في المغسلة وتشعر بعدم رغبة في عمل أي شيء ، اتجهت إلى البراد لتصب لها كاس من الماء المثلج وتحمله معها للأعلى
صعدت السلم برفق على أطراف أصابعها ، نظرت لقدميها العاريتين مليًا فهي لم تنتبه لأنها حافية القدمين إلا الأن وبسبب طريقة صعودها للسلم
ابتسمت بألم وهي تتذكره وهو يقول بمكر : على رسلك حبيبتي فحتى الأرض أغار عليك من لمسها لأقدامك العارية.
تنهدت بقوة وهي ترفع راسها لأعلى حتى لا تبكي ، ليقشعر بدنها كاملاً وهي تنظر بعيني متسعتين له وهو خارج من غرفة الأخرى وأقل ما يوصف به أنه كان نائمًا!!

زفر بضيق وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا وهو يشعر بعنقه تصلب جراء تلك النومة الغير مريحة ، لا يعلم ما الذي دفعه للنوم هنا وعلى ذاك الكرسي الغبي!
تأفف بضيق وهو يعلم أنه ظل يفكر بها إلى أن غفت عيناه ، فبعد أن قام بإيصال بهار إلى المطار ومنها ستذهب في رحلة لمدة أربعة أيام تقضيهم في شرم الشيخ عاد ليأكله القلق عليها.
ولم لا يفكر بها ، لقد تعجب من نومها المبكر وخاصة أنها لم تنزل لوداع بهار فأخبرته الأخيرة أنها كانت متعبه قبل أن تذهب لغرفتها وعندما ذهب للاطمئنان عليها اندهش بشدة لقد كانت مستلقية بطريقة عجيبة على الفراش ، زفر بهدوء وهو يعدل من وضعية نومها ويخرج ليغلق الباب خلفه ويذهب مع الأخرى ليودعها للقاء مرة أخرى
ولكنه ازداد تعجبًا عندما عاد ليجدها لا تزال نائمة ، فمنال ليست كثيرة النوم حتى في فترات حملها الأولى ، ولكنه آثر أن لا يدخل إليها حتى يطمئن لعلها تكون مستيقظة فتسأله عما أتى به إليها.
فلم يجد أمامه إلا غرفة النوم التي كانت تستعملها بهار فدلف إليها لعله يستطع أن يحصل على النوم الذي جافاه الفترة الماضية وخاصة بعد أن انتقل ليبات بغرفة مكتبه حتى لا تلاحظ بهار أنه لا يقيم مه زوجته بالغرفة فكان يتسلل ليلاً لغرة المكتب وينام بها ، ولكن تلك الأريكة اللعينة كانت تصيبه بالأرق فكان يقضي لياليه يتطلع إلى سقف الغرفة ويحصي عدد الكريستالات التي تتدلى من الثريا الفخمة التي تزين غرفة مكتبه.
ولكنه لم يستطع النوم هنا أيضًا ، ولا يعلم السبب وراء ذلك استلقى بحنق على الكرسي الهزاز الموضوع بالغرفة وظل يتأرجح هو وأفكاره التي تتأرجح حولها إلى أن غفت عيناه
ليستيقظ الأن على الألم رقبته فيشعر بأن ضيقة يتزايد أضعافا مضاعفه حك رأسه بغضب أدى إلى تشعث خصلات شعره الناعمة
ليتحرر من قميصه وهو يشعر بحرارة غير طبيعية تدب في جسده من الواضح أنها أتت رفيقه لضيقه ، ليخرج من الغرفة وهو يقرر الاتجاه إلى المطبخ ليأتي ببعض من العصير المثلج لعله يهدأ من بركان غضبه
انتبه من غضبه على شهقة خفيفة صدرت منها وصوت زجاج تهشم ليرفع عيناه وينظر أليها فيجدها تترنح في وقفتها أعلى السلم ، هرع إليها سريعا وهو يلتقطها بين كفيه ، خوفًا من أن تقع للأسفل ، لتدفعه بقوة وهي تبكي بشكل هستيري لا يعلم سببه!!
انتفض بقوة على بكائها الجنائزي فضمها إلى صدره وهو يحملها حتى لا تؤذي قدميها بذلك الزجاج المبعثر وخاصة أنه اكتشف أنها حافية القدمين و يقول بهدوء: ماذا حدث منال ؟ هل أنت متعبة ؟
ازدادت دفعاتها قوة وهي تشنج بالبكاء وتريد أن تتخلص من ذراعيه فيتمسك هو بها قويًا ويجبرها على السكون بحضنه وهو يسألها بإصرار اكبر: ماذا حدث منال ؟ هل أنت متعبة ؟ هل اذهب بك إلى المشفى ؟
أزداد بكائها وانقلب إلى نواح فعقد حاجبيه باستياء وهو يحاول أن يتفهم ما الذي تتفوه به من بين شهقاتها، رمش بعينيه وهو يقول: منال ماذا تقولين ؟
ضربت صدره بقبضتها قويا وهي تساله بهيسترية : لماذا ؟
شعر بالتشتت فسالها : لماذا ماذا ؟
شهقت بعنف فضمها إلى صدره بحنان تلك المرة وهو يهمس لها بخفوت : اش حبيبتي ، ماذا يحدث ؟ اخبريني بم تشعرين.
أكمل بحنو : هل أنت متألمة ؟ هل أخذك للمشفى ؟ أخبريني ما الذي يؤلمك!
همست بصوت خافت استمع إليه بالكاد وهي تضع يدها على قلبها : هذا ما يؤلمني.
امتقع وجهه وهو يضمها إلي صدره أكثر ويهمس لها : اهدئي حبيبتي ، لم يخلق بعد من يؤلم قلبك وأنا هنا بجوارك.
صحبها الي غرفة نومها وهي تتمسك بعنقه قويًا تدفن شهقاتها بكتفه وهي تنشج بصوت مؤلم ،تشبث بها قويا وهو يجلس بفراشها ويجلسها بحضنه ويضممها إليه وما أراحه قليلاً هو شهقات بكائها التي أخذت في الخفوت رويدًا رويدًا ، دفنت رأسها في صدره بطريقة ألمته ليضمها برفق إليه وهو يتنفس بقوة ويرتب على ظهرها بحنان وهو يشعر بأنه أعاد إليه ما كان ينقصه أخيرًا ، احتضنها بشوق ملأ قلبه ، ثم عدل من وضع جلستها لينظر إلى صفحة وجهها التي خطت دموعها بها نهرين
أقترب بوجهه منها واستنشق هواء صدرها الخارج من فمها المنفرج قليلاً ، وهم بأن يقبلها ليتنفس بقوة وهو يعدل من رأيه هزها برقه : منال.
شهقت ببكاء جديد فسائلها بإصرار : ماذا حدث حبيبتي ؟
قالت بدون وعي وهي تتمسك بكتفه العاري : أنت ستتركني.
عقد حاجبيه وهم بالرد لتتبع : ستذهب إليها.
تمسكت به قويًا ونشجت ببكاء مكتوم وهي تكمل : لا أستطيع الابتعاد عنك خالد ، لا أستطيع.
ضمها إلى صدره بقوة مرة أخرى وهو يلعن ذلك الكبرياء الذي يقف بينهما كحائط صد وهمس بأذنها : ولا أنا حبيبتي
أتبع وهو يهدهدها كالأطفال بين ذراعيه : لن أتركك حبيبتي أبدًا ، فأنا الآخر لا أستطيع الابتعاد عنك.
همس بخفوت أمام شفتيها : أنت قدري منال وأنا أعشق ذلك القدر.
تعلقت برقبته أكثر فابتسم وهو يتمدد على الفراش وهي بين ذراعيه تخلص من حذائه ببساطة وضعها برقه على الفراش واقترب منها أكثر وهو ينظر إليها بشوق انضجه لدرجة أوشك بها على الاحتراق
تنفس بقوة وهو يتأمل ملامحها المعذبة، خطين الدموع المحفورين بوجنتيها . أنفها المحمر جراء نوبة بكاء أخرى غير تلك   فمها المنفرج قليلا.
احنى رأسه إليها ليطبع قبله رقيقة على ذقنها وهو يفكر أنها لن تشعر به وإن قبلة واحدة لن تضيره بشيء
ولكنه لم يشعر بنفسه إلا وهو يطبع كل إنش في وجهها بقبل كثيرة لا تعد ولا تحصى وكأنه كان عطشان ووجد نبع من ماء نقي لينهل منه ولكنه كلما شرب منه كلما ازداد عطشه له أكثر
قربها دون وعي منه ليلصق جسدها بجسده وهو يشعر بالحياة تدب في أوردته مرة أخرى بنعيم قربها ،شعر بالسخونة تلبسه بعد أن خلع عنها ذلك الروب اللعين الذي كان يكتنف جسدها ، تأمل جسدها الممتلئ قليلا وبطنها المنتفخ وهو يشعر بأن حبه إليها يزداد وهو يرى ثمرة عشقه واضحة كالشمس ، بسط كفه على بطنها بحب
ليتأوه باسمها منتشي وهو يشعر بجلدها الناعم يخترق حواسه من تحت غلالة نومها الشفافة لمسها بشوق جارف وهو يريد أن يستعيد تلك الليالي التي شعر بدفئها يغمره مبعدًا ذكرى برودة الوحدة القاتلة التي تلتها
أراد أن يغرق في جنتها فاقترب ليقبل حبتا الكرز ولكنها تحركت بتململ بين ذراعيه وهي تتأوه بتعب وتئن ببكاء خافت أعاد إليه بعضا من عقله الذي سأله بخشونة " ماذا تفعل خالد" ؟
قفز واقفًا سريعًا كالملدوغ ، ونظر إليها وهو يحاول أن يتحكم في تنفسه القوي وشعر بقلبه يذوب بسبب حركتها الضئيلة وارتجاف جسدها ، ليزفر بقوة وهو يمرر أصابعه في شعره بقسوة ويتمتم بغيظ : اللعنة.
حاول أن يسيطر على أعصابه قليلاً فتحاشى النظر إليها بل لف جسده وأعطاها ظهره وتحرك باتجاه النافذة لينظر إلي السماء المقمرة وهو يشعر بأنها بدأت تفيق من حالة اللاوعي التي كانت لديها!
تأوهت مرة أخرى ليجز هو على أسنانه بقوة ويقبض كفيه ويسمر رجليه بالأرض حتى لا يذهب إليها
تمتمت من بين شفتاها: خالد.
زفر بهدوء وبطريقة لا تسمعه بها ليقول ببرود وهو يلتف وينظر إليها : لم تبكين ؟
رمشت بعينيها وشعرت بالدموع تخنقها وهي تتذكر خروجه من غرفة بهار بنفس المظهر الذي تراه به الأن.
زمت شفتيها قليلاً وتحكمت بدموعها قويا وقالت: ماذا كنت تفعل عندها ؟
عقد حاجبيه بدهشة وسال بتعجب : عند من منال ؟
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه ثم نهضت واقفة على ركبتيها ولم تغادر الفراش لتقول بثورة لم تستطع كتمانها : عند بهار ، الساعة الثالثة فجرًا وأنت هكذا.
أشارت بيدها عليه وهي تنطق بأخر كلماتها لينظر إليها بتفحص وقال : أنت لا تمزحين ، أليس كذلك ؟
شع الغضب بعينيها فأكمل بثورة وهو غير مصدق لشكوكها حوله : حسنًا ، اكتفيت من بكائك وغطرستك وغبائك لتواجهينى الأن بجنونك.
أكمل وهو يتجه إلى باب الغرفة : سأغادر من هنا قبل أن أفعل ما لا يحمد عقباه.
هدرت بعصبيه: انتظر خالد وأجبني.
لف لها بحدة وعيناه تلمع بغضب: أجيبك على ماذا أيتها المختلة ؟ كيف تتهميني اتهام مثل هذا ، ناهيك على أن بهار ليست متواجدة الأن ، ولكن كيف تفكرين بمثل تلك الطريقة حتى إذا كانت هنا 
ردت بذهول : بهار ليست هنا ، كيف هذا ؟
صرخ بقوة انتفضت هي على إثرها : ألم تسمعي بقية حديثي ، أكل ما سمعته أن بهار ليست هنا ، ولم تفهمي كيف تتهميني بأخلاقي وأخلاق ابنة خالي التي أعاملها كأخت صغيرة لي ؟!
شحب وجهها وتلعثمت، فأتبع بصوت جليدي: ما زلت كما أنت منال لا ترين أبعد من طرف انفك.
غادر صافقًا الباب من خلفة بقوة، فارتعدت بشده وهي تنظر إلى الباب بذهول لم يدم طويلاً وهي تردد : بهار ليست هنا ، أين إذًا تكون ؟
غادرت الفراش سريعًا لتتبعه بحثت عنه في غرفة بهار التي وجدتها فارغة ، اتجهت لأسفل وهي تبحث عنه كالمجنونة ، انتبهت وهي تنظر إلى غرفة مكتبه على صوت بالحديقة الخلفية لتخرج وتراه وهو يسبح بقوة وكأنه يفرغ غضبه في مياه الحوض ، تحركت بخطوات متمهلة لتجلس على حافة المسبح وهي تراه أتيا باتجاهها ،
أخرج رأسه من الماء متمسكًا بحافة المسبح تاركًا رئتيه تستمع بالهواء قليلا قبل أن يغطس مرة أخرى حتى يقلل من فوران دمه بسبب تلك المجنونة المسماة بزوجته
ليصدم وهو يرى ساقيها تهتزان أمامه في المياه وهي تنظر إليه بهدوء وتقول باعتذار خافت : أعتذر لقد نسيت أن بهار غادرت وشعرت بالغيرة تقتلني عندما رأيتك خارجًا بتلك الطريقة.
بللت شفتيها بتوتر وهي تكمل : حتى إذا كانت كأختك الصغيرة أنا لا أقبل أن تخرج من غرفتها فجرًا حتى لو كنت ترتدي كامل ملابسك.
نظرت إلى عينيه وهي تقول: ليس كما كنت.
لمعت عيناه بزرقة المياه من تحته فتبرمت بقوة وهي تقول مدافعه عن نفسها : أعذرني خالد وضع نفسك بموقفي ، فكر ماذا ستفعل إذا وجدتني خارجة من غرفة أحد أقربائي وأنا شبه عارية.
سحبها من ساقيها بقوة وهو يلتقفها بين ذراعيه شهقت بقوة وهي ترتطم بالمياه الباردة وتمسكت بكتفيه قويًا وهي تحاول الاعتياد على برودة المياه ، لم يمهلها ثواني إلا وهو ينقض عليها مقبلاً إياها بقسوة جعلتها تتأوه من بين شفتيه وهو يتركها أخيرًا ليقول بغضب لمع في سواد مقلتيه : اصمتي منال ، الأفضل لك هو الصمت.
ظهر الألم على وجهها جليًا ليقول : هذا أخف عقاب لك ، صدقيني إذا لم أراعي حالتك لكنت الأن تصرخين بدون توقف.
تمسكت بحافة المسبح رغم أنه لم يتركها وقالت بدلال لم تتعمده : سامحني خالد.
أتبعت بنظرة متوسله أطارت صوابه : أرجوك
لمعت عيناه تلك المرة بزرقه حقيقية وقال بهدوء اشتاقت إليه كثيرًا في الآونة الأخيرة : حقًا ؟
انتظرت أن يكمل حديثه فأتبع بهدوء صادق: أتريدينني أن أسامحك منال ؟
تركت حافة المسبح لتتعلق بعنقه وهي تهمس أمام وجهه: نعم وأتوسل إليك أيضًا خالد،
حركت طرف سبابتها على ذقنه وهي تنظر إلى عينيه: بل أسالك غفرانك وحبك،
أحاط خصرها بذراعه وهو يترك حافة المسبح بدوره فصرخت بدهشة وهي تتمسك بعنقه قويًا قال بهدوء: لا تخافي وثقي بي قليلاً.
نظرت إلى عينيه وقالت بصدق مس قلبه سريعا: حتى لو أغرقتني لا يهم ، ما يهم أنني معك.
ابتسم بطبيعية أنارت وجهه ولمعت عيناه بتلك الزرقة التي كادت أن تحترق شوقًا إليها ، همس أمام شفتيها : لا تقلقي منال فالغرق الذي أريده ليس مخيفًا.
لمعت عيناها بشقاوة أسعدته وضخت الدماء قويه إلى قلبه وهي تقول: حقًا ؟
أتبعت وهي تلتصق بصدره أكثر : أعتقد أن علي الخوف ولكن بطريقة مناسبة لتلك النظرة التي تلمع بعينيك.
ضحك بقوة وهو يسبح بخفة إلى وسط المياه : توقفي الأن وإلا سأُحملك نتيجة كلماتك تلك.
طبعت قبله رقيقة بالقرب من شفتيه وقالت : وأنا أكثر من مستعدة.
نظر لها بصدمة فشعرت بحاجز وهمي يرتفع بينهما مرة أخرى فهمست باستفهام : خالد.
دون أن ينتظر أن تنطق بسؤالها قال بهدوء مريب : أعطني بعض الوقت منال ، فأنا إلى الأن لا أستطيع التفاعل مع ما أخبرتني به.
شعر بخيبتها التي تجسدت بملامح وجهها ليتبع : فقط لقليل من الوقت.
ابتسمت وأخفضت عيناها عنه وشعور الانكسار يغلفها لتقول بهدوء : إذًا تلك هدنه بيننا.
ابتسم بتألق وقال : لا.
شحب وجهها الذي رفعته سريعًا لتنظر إليه وهو يكمل بصوت ضاحك : أنها فترة تعارف جديدة ، يستحق كلانا البدء من جديد.
ضمها إليه وهو يتبع : بداية جديدة منال كل ما نحتاجه ، بداية بعيدة عن الغموض والأسرار ، بداية تبنى على الثقة والصدق والصراحة.
ابتسمت باتساع وقالت : وأنا موافقة.
اتجه بها إلى السلم وأجلسها عليه لتصيح بسخط: لماذا ؟
ابتسم بهدوء: يكفي هذا من أجل الطفلين ومن أجلك أنت أيضًا ،
ابتسمت وأومأت موافقة لتقول بهدوء : بمناسبة الطفلين أريد الاطمئنان على أحمد وهنا.
ربت على راسها بخفة وقال : سنذهب غدًا بإذن الله فأنا الآخر اشتفت إليهما.
***
استيقظت في الصباح وهي تشعر بسعادة جديدة عليها ، الليلة الماضية كانت من أجمل ليالي عمرها كاملاً ، فلم تكن تتوقع أبدًا أن تصل إلي تلك الهدنة مع خالد ، لم تتوقع ابدًا أن يصفح عنها ويسامحها ، نعم طلب بعضًا من الوقت وهي مستعدة أن تعطيه بقية عمرها كاملاً فقط ليكون بجوارها .. فقط لتنعم بصحبته كما فعل معها أمس ، فبعد أن انهى سباحته حملها إلي الأعلى وهو يخبرها أن يكفيها اليوم مجهود السباحة ، رغم إنها لم تسبح فهي كانت متعلقة به طوال الوقت ولكنها لم تعترض بل استمتعت بدلاله وغرست نفسها بين أضلعه وهي تعانقه بلهفه لم تحاول إخفائها
بل لم تحاول أن تخفي إحباطها عندما تركها أمام باب غرفة نومها وهو يتمنى لها ليلة سعيدة ، وعندما هم بالتحرك ليذهب إلي الغرفة الأخرى التي كانت تقطنها بهار فيما سبق ، تمسكت بكفه لتقربه منها وتحتضن كتفيه ثم تقف على رؤوس أصابعها وتقبل خدة برقة وشغف وهي تنظر إلي عمق عينيه الأزرق وتقول بهمس مغوي : تصبح على خير حبيبي.
لم تخطئ عيناها في قراءة اللهيب الأزرق الذي اندلع في جليد مقلتيه ولكنها تفهمت انسحابه الهادئ من بين ذراعيها وهو يومئ لها برأسه ويتنفس بقوة!
جففت وجهها في المنشفة بمرح وهي تخرج من غرفة الدش وتلف جسدها بروب الاستحمام وتتجه إلي المرآه وتنظر إلي وجهها المورد بابتسامة واثقة ولمعت عيناها بمكر أنثوي وهي تبتسم بدلال وتذهب لتبحث عما سترتدي.
تأفف بضيق للمرة الثالثة وهو يرى بريده عن طريق هاتفه ، يعلم جيدًا سبب ضيقه وتذمره فهو لم يستطع أن يغفو ولو لدقائق قليلة بل أمضى الليل بطوله يتقلب على الفراش وكأنه يتمرغ في جمر مشتعل يحرق خلاياه كاملة ، فكلما أغمض عينيه وهو يأمرهما بالنوم يتذكرها بتلك الغلالة الشفافة التي أظهرت جسدها كاملاً بتفاصيله المثيرة ، بل إنه يجزم إنها ازدادت أثارة بتلك البطن المنتفخة وزيادة الوزن فانحناءتها أصبحت اكثر جمالا وإغراء
قفز واقفا من الفراش وهو يهدر داخليا : ويحك خالد ، توقف عن التفكير بتلك الطريقة.
رد صوتًا قويًا بداخلة " لماذا برب السماء أتوقف إنها زوجتي ، ومن حقي أن أتمادى فيما هو أكثر من التفكير"
هدر الصوت الآخر بقوة تلك المرة " الوقت خالد لا تتعجل كالمرة السابقة ، فتخسر مرة أخرى ، خذ وقتك كاملاً أنت تستحق بداية جديدة معها"
أغمض عينيه وهو يحاول أن يتنفس بهدوء لعله يصل لحالة هدوء نفسي ينشده طوال الليل
أخرجه من تلك الحالة طرقه خفيفة على الباب يعلم صاحبتها جيدًا ليكتم تنفسه ويبتسم بهدوء أظهره جيًدا كما اعتاد
قبل أن يتحرك ليفتح الباب كانت هي بمنتصف الغرفة وهي تقول بابتسامة مشرقة : صباح الخير حبيبي.
رفع حاجبه باندهاش وهو ينظر إليها ترتدي فستان قصير يصل إلي منتصف فخذيها ، وتضع يدها حول رقبتها بطريقة عجيبة ، والأخرى تلوح له بها.
ابتسم بهدوء : صباح النور ، تفضلي.
أتبع بلؤم : على الرغم أنك أصبحت بنصف الغرفة فعلاً.
ابتسمت بمكر أنثوي أشعره بالقلق وهي تقترب منه: هل أزعجتك ؟
ابتسم بمكر وقال وهو ينظر إلي عينيها التي تشع خبثًا على غير العادة : لا أبدًا ، أنه منزلك على أي حال.
اتسعت ابتسامتها وقالت : أتيت لترى حلاً في تلك الحمالة ، لا أستطيع إغلاقها فهي على غير العادة بأزرار.
ابتسم تلك الابتسامة الخبيثة وقال باندهاش مفتعل وعيناه تسطع بضحكة سعيدة : حقا ؟!
هزت رأسها بالإيجاب فقال بهدوء : لفي.
جمعت شعرها على أحد كتفيها وهي تعطيه ظهرها الذي انكشف أكثر من نصفه ، ازدرد لعابه بهدوء وهو يخفي تأثره جيدًا ويمسك طرفي حمالة الفستان ويباشر بغلق الأزرار ، ولكنه لم يستطع أن يمنع عيناه التي ذهبت دون أراده منه لتلك الشامة المميزة التي توسم كتفها الأيسر وتجعله اكثر فتنه عن الكتف الآخر.
احنى رأسه في حركة تلقائية ليقبلها كما كان يفعل دائمًا حتى لامست أنفاسه كتفها ، لينتبه إلي ما يفعله فيمد رأسه للأمام قليلا ويهمس بهدوء جانب أذنها : انتهيت.
شعرت بكأس مياه باردة انزلق فوق رأسها وهي تسمع همسته ، فهي شعرت بأنفاسه تعانق كتفها ، وحست بقبلته ستحط على جسدها قريبا ليصفعها هو بتلك الهمسة الخالية من مشاعره التي أحستها جيدًا.
ابتسمت بهدوء وهي تلتفت إليه : شكرًا حبيبي.
تحركت لتخرج من الغرفة ليوقفها وهو يقول بهدوء : ألن تذهبي لرؤية أحمد وهنا ؟
التفت إليه وقالت : بلى سأذهب.
ابتسم بخبث لمع في زرقة عينية وقال بلهجة مرحة : يؤسفني أن أطلب منك أن تبدلي ذلك الفستان الرائع ، فنحن سنخرج في غضون النصف ساعة على الأكثر.
احمر وجهها من الغضب تلك المرة ليكمل هو ببرود : سأنتظرك في الأسفل
ابتسمت والغيظ يتجسد في عينيها وقالت : بالطبع سأوافيك في الحال.

***

أنتِ تمزحين ، أليس كذلك ؟
رمشت الأخرى بعينيها لتكمل بغير تصديق : أنتِ لا تمزحي.
اتسعت عيناها بصدمة وأتبعت بالفرنسية صائحة : يا ألهي ، أنت لا تمزحين !
تنهدت الأخرى بيأس وقالت : لا يوجد مزاح في تلك الأمور هنادي.
تحولت الصدمة في مقلتي هنادي إلي الغضب وقالت : نعم أعلم ولذا لا أفهم ما تقولينه الآن ، لا أستطيع استيعاب أنك ستلبين رغبة جدك في الزواج من شخص لا تكنين له أي نوع من المشاعر.
أتبعت بعصبية : بحق الله أنت لا تعرفين من هو أيضًا.
زفرت الأخرى بألم وقالت : لم أسأل جدي لقد ركضت هاربه من أمامه
أكملت ودموعها تتجمع بحلقها : ولكني سأعلم في النهاية من هو.
اتسعت عنيا هنادي باستنكار وقالت بصوت منخفض : أنت مجنونة مديحة.
أتبعت سريعًا : سأخبر هشام لعله يجد حلاً.
انتفضت الأخرى وقالت : إياك أن تفعليها هنادي.
أتبعت باسى : إلا هشام ،
زفرت بقوة : أعلم أن جدي يعاقبني وأنا ارتضي بعقابه.
نظرت لها هنادي باستنكار وقالت بعدم فهم : يعاقبك!
هزت الأخرى رأسها إيجابا وقالت : نعم ، هو يعاقبني على ذهابي مع عمتي وعرض نفسي على زوجك بتلك الطريقة الرخيصة.
تنفست هنادي باسى على حالتها لتقول : نعم أعلم السبب وراء هذا العقاب وأنا أتفق معه ، فأنت تستحقي العقاب فأنت من أسأت لنفسك ولكني اختلف في طريقة العقاب مديحة
أشاحت بيدها وهي تسترسل : فليعاقبك بأية طريقة أخرى ، يمنعك عن الخروج ، يجردك من هاتفك ، يمنعك عن استكمال دراستك ولكن أن يزوجك لشخص أخر لا تحبينه ولا تريدينه ، لا هذا أمر لا يصدق في أي قرن تعيشون أنتم !
ازدردت الأخرى لعابها محملاً بكل ألآمها وقالت بقوة واهية : أيًا كان عقاب جدي سأرتضيه ولن اعترض عليه.
صاحت هنادي بغضب تلك المرة : هلا انصت لنفسك ، أنت توافقين على الزواج من شخص لا تحبينه ، ستقضي حياتك كلها يائسة.
ابتسمت مديحة بألم وقالت والدموع تتجمع بعينيها : لن يفرق عن غيره هنادي ، أنا يائسة على أي حال.
شعرت بالدموع تتجمع في عينيها وهي تنظر لها وتشعر بمدى المها وهمت بالحديث ليدلف هو إلي الغرفة في نفس التوقيت ويقول : صباح الخير.
التفت بمرح إلي مديحة وقال بتهكم : كيف حالك يا ابنة خالي العزيزة.
تمتمت مديحة : بخير والحمد لله.
ابتسم بتسلية وهو ينقل نظره بينهما : أتمنى ألا تكونا تخططان لشيء ما ضدي.
امتقع وجه مديحة أما الأخرى فقالت بتهكم يعادل تهكمه : مع الأسف لقد نفذت الأفكار لدينا.
اقتربت بدلال وهي تنظر إليه بسخرية : ولكن بالتأكيد سأفكر بشيء جديد .
ضحك بخفة وهو يشير إليها بالتحية بأصابعه: أتمنى لك التوفيق حبيبتي.
عقدت ذراعيها وعادت الجدية لملامحها فسأل بشك وهو ينقل نظره إلي ابنة خاله : هل فاتني شيء ؟
ردت هنادي سريعًا : نعم.
لتعترض الأخرى وتقول : لا.
عقد حاجبيه بدهشة وهو ينظر إليهما سويًا وقال : ماذا هناك ؟
همت بالرد لتقاطعها الأخرى سريعًا وتقول : لقد أتيت لأخبر هنادي عن خطبتي ، ستحضر أليس كذلك ؟
ابتسم باتساع وقال : طبعًا ، جدي أخبرني البارحة سنأجل سفرنا إلي يوم الخطبة ، مبروك ديدى.
ابتسمت بتوتر وقالت : الله يبارك فيك ، بعد إذنكم. .
تبعتها الأخرى بعينيها وهي تغادر لتزفر بضيق انتبه له هو فلتفت لينظر إليها وهي تكتف يديها بعصبية وتقول: هل تعرف العريس جيدًا ؟
نظر لها بتعجب وقال وهو يمط شفتيه بملل : بالطبع والده ابن عم والدي ووالدته تكون قريبة لنا ايضًا.
صمت وهو يزفر قويا : أنه أحد أبناء عمومتنا ومديحة تعرفه جيدًا أنه قريب من سنها ، طبيب وذو شخصية رائعة.
ابتسم وهو يفتح دولاب ملابسه وينظر به: والأهم أنه يحبها.
نظرت له باهتمام لتقترب منه وتردد : يحبها.
ابتسم والتفت إليها وهو يفك أزرار قميصه ويقول : نعم ، منذ الصغر وهو يتغزل بها وعلنا ايضًا أنه أكثر من ربط في الشجرة بسبب ديدي هانم ، كان يشاكسها دائمًا وهي كانت الأسرع في الشكوى لجدي.
رمشت بعينيها وقالت بهدوء: لماذا لم تتزوج منها كما كانت تريد والدتك ؟ أهذا هو السبب ؟
ضيق عيناه والغضب يزحف بخلاياه وقال ببرود : لم مهتمة بها إلي هذا الحد ؟
أكمل وهو يقرب منها :أنسيت أنها أرادت سرقتي منك ؟
تلعثمت بقوة وقالت : إذًا كنت تعلم ؟
ابتسم بسخرية وقال وعيناه تتلون بخبث جديد عليها: بم ؟!
نظرت له بتفحص لتتسع ابتسامته وقال : ماذا هنادي هل اكتشفت أخيرًا أني لست الغر الساذج الذي كنت تتوقعيه
ابتسم وهو يقترب منها بخطوات متمهلة كسولة : وأني أعلم جيًدا شعور مديحة نحوي ونوايا والدتي العزيزة.
احمرت وجنتاها غضبا لتقول : لا تظلم الفتاة والدتك السبب هي من أتت بها.
نظر لها بجمود وهي ايضًا من أشارت عليك بزرع فكرة الزواج برأسي.
قالت بألم وشفتاها قاربت على الارتجاف: لم أطلب منك ذلك لأجل والدتك ولكن من أجلك أنت، من حقك أن تحظى بأطفال طبيعيين هشام.
لمعت عيناه بغضب عميق وقال : هل كنت ستتحملين أن أتزوج بامرأة أخرى هنادي ؟ هل كنت ستسعدين بذلك ؟ أكنت ستفرحين ليلة عرسي وتتمنين لي السعادة ؟
كيف كنت ستقابلينها وتتحدثين معها ؟ أكنت ستتحملين رؤية بطنها المنتفخة والتي أتت نتيجة ليلة حب عاصفة بيننا.
قبضت كفيها قويا وهي تجز على أسنانها بشده ، وجهها احمر بانفعال عاصف ظهر على محياها قويًا ، لترتجف أمام عيناه وهي تصيح بصوت متألم : اصمت.
أولته ظهرها وهمت بالتحرك بعيدًا عنه لتشهق بعنف وهي تشعر بذراعه التي التفت حول خصرها وتجذبها إليه وهو يهمس بصوت غاضب : أرأيت لم تتحملين مجرد بضع كلمات هنادي ، اكنت ستتحملين الفعل هنادي ؟
زمجرت بغضب وهي تدفع بذراعه بعيدًا عنها وتقول: ابتعد عني.
نظرت له بغضب وصدرها يرتفع وينخفض سريعًا دليل على تنفسها القوي ، صمت وهو ينظر لها متفحصًا : لا تتدخلي في زيجة ديدي ، لا أريدك أن تفتعلي المشاكل مع جدي بدون داعي.
زفرت بقوة وقالت بغضب: إنها لا تستحق ذلك العقاب..
قال بهدوء : أنه ليس بعقاب ، ستتزوج من شخص محترم سيحبها ويقدرها ويدللها أيضًا.
ابتسم بحنان : لا تشغلي رأسك بها ، مديحة أكثر من كفاية لتتعامل مع مشاكلها الخاصة بنفسها.
استطرد وهو يتحرك ليرتدي قميصه أمام المرآه : يكفي ما فعله جدي بي البارحة.
نظرت له باهتمام وهي تحاول أن تتخلص من تلك الطاقة السلبية التي تملأها بسبب كلماته القاسية: ما به جدي ؟
ابتسم بسعادة حقيقة سطعت من عينيه : أعشق تلك " الجدي   من بين شفتيك".
نظرت له بكره فضحك بخفوت وقال وهو يقترب ويمسك شفتيها بغيظ : بل أعشق تلك الشفاه الوردية.
ضربت يده بحدة ليمسك كفها سريعًا ويضغط عليه برفق ولكنه آلمها ليقول : تأدبي يا زوجتي العزيزة فيكفيني ما سمعته من جدي بسببك.
سحبت كفها من يده ليتركها وهو يبتسم بسخرية قالت بألم وهي تمسد كفها بأصابعها الأخرى : ما الذي حدث بينكما ؟
تنفس بقوة : لقد وبخني البارحة بسب أنك أتيت غاضبة إلي هنا ، اسمعني ما أكره
أتبع وهو ينظر لها بغضب : وحمد لله أنه لم يعلم أنك أتيت هاربة مني وأني لم أكن على علم بمكانك.
نظرت له مليًا وقالت : أكنت فعلا لا تعرف أين أنا ؟
ابتسم بمكر : لقد توقعت شيء كهذا ليلة سفرك مع مديحة ،عندما تذكرت حديثي مع ديدي الغالية.
أتبع بابتسامة واثقة: اتصلت بمحمد لأسال عن أحواله وهو تبرع شاكرًا بأن يخبرني كم أن كريم رائع وجميل ونسخة مصغرة مني.
زمت شفتيها بحنق لتساله بتعجب : لم تركتني كل هذا الوقت ؟!
ابتسم باستخفاف واقترب ليضع وجهه بوجهها ويقول بخفوت : تركتك لتهدأِ قليلا وتقرري هنادي ، إما أن نستمر سويًا أو ننفصل بهدوء! 

***

فتحت الباب وهي تنظر إلي الهاتف وتنظر لابنة عمها العزيزة الواقفة على باب الشقة فأغلقت الهاتف بدورها ، ابتسمت وهي تشدها للداخل وتقول وهي تعانقها بمحبة : لا أعلم سر أنك تتصلين بي بدلاً من أن تدقي الباب كبقية البشر.
ابتسمت ياسمين بتوتر وقالت : الوقت مبكر وأنا عجزت عن النوم وأتيت لتمارسي معي مهامك الأخوية.
أشارت لها ليلى لتتقدمها ليذهبا ويجلسا بغرفة المعيشة ونظرت لها بحنان وهي تجلس بجوارها وقالت : أنت متوترة.
تنهدت بقوة وقالت : بل سأموت رعبًا.
اتسعت عينا ليلى بدهشة وقالت : مما ؟ لقد استلمت فستانك قبل الموعد كما قال أميرك الساحر ، القاعة مرتبة ومنظمة الزفاف تشرف على كل شيء ونحن سنذهب إليها غدًا لنستكمل ما تبقى ونتمم على كل شيء ،والليلة ليلة الحناء أنه يوم المرح كما تقول إيني
أكملت مقلدة لأختها الصغيرة : ياااااااااااااااااااي .
ازدردت لعابها وهي تفرقع أصابعها بتوتر فقالت ليلى : ياسمين ما السبب وراء كل هذا التوتر ؟
نظرت لابنة عمها وقالت بهدوء : لا أعلم كيف سأتعامل مع وليد ، هذا الوضع يربكني وأنا لم أستطيع إلي الآن أتأقلم على كون أنه زوجي.
اتسعت عينا ليلى بصدمة واحتقن وجهها خجلاً وقالت بصوت محشرج : ياسمين هل تقصدين ما فهمت.
نظرت لها ولوت شفتيها بأسى وهزت راسها إيجابًا ، ليزداد تورد خدي ليلى وتقول : لا أعلم حقًا ما علي أن أقوله لك.
زفرت ياسمين بتعب : لا عليك أن تقولي لي شيئًا ، لم أستطع أن أتحدت مع أحد سواك ، وحقيقة لا أعلم ماذا سأفعل معه ، أتمنى أن تصدق بموعدها تلك المرة.
عقدت ليلى حاجبيها وقالت : من ؟
قلبت ياسمين عيناها بملل وقالت : لا شيء.
همست الأخرى بنبرة متشككة: ياسمين.
همت بالرد ليرن هاتف الأخرى محدثاً جلبه ليجفلا كلاهما لتنظر ليلى إلي الهاتف وتعض شفتيها بتوتر فابتسمت الأخرى باتساع وقالت : أعتقد أنه أمير باشا.
زفرت ليلى بقوة وهزت رأسها بالإيجاب فأتبعت الأخرى سائلة : ألن تردي عليه ؟
نظرت الي الهاتف وهمست : لا أعلم.
قالت الأخرى بعتب : ليلى.
تنفست ليلى بعمق وقالت: حسنًا سأجيبه وأعود لأتحدث معك، انتظريني.
ضحكت ياسمين بخفة وقالت وهي تنظر إلي المجلات الأجنبية الموضوعة على الطاولة الصغيرة أمامها : سأنتظرك وأتصفح تلك المجلات الحديثة أعتقد إنها تخص إيني.
هزت ليلى رأسها وقالت وهي تخرج سريعا من الغرفة : بالطبع هي مولعة بهم.

عندما غادرت الغرفة فتحت الخط ووضعته على أذنها ليأتيها صوته الشبه نائم : صباح الخير حبيبتي.
أغمضت عيناها وهي تتنفس تلك الكلمة التي يرددها على مسامعها كثيرًا تلك الأيام وبدلاً من أن تكرهها ، تزداد شغفا بها.
أكمل بصوت أجش تغلل إلي خلايا عقلها ليحفر بها : اشتقت إليك ليلى.
تنهدت بقوة غير متعمدة ليضحك بخفوت ويتبع : من الواضح أنك أنت الأخرى اشتقت لي.
رمشت بعينيها سريعا وقالت بكبرياء : لا.
أتبعت بلؤم متعمد : كنت ازفر وأنا أتساءل متى سأنتهي من تلك الدراما السمجة.
صمت قليلا ليقول بهدوء متلاشيًا تلك البؤرة التي حفرتها بينهما: كيف حالك ؟ وما هو برنامجك لليوم ؟
عقدت حاجبيها بتعجب :لم تسأل ؟
تنفس قويًا وقال ببساطة : إنها ليلة الحناء  وأعلم أنها تكون مميزة بالنسبة لكن.
ابتسمت رغمًا عنها وهي تسم نبرة الحنق المدوية بصوته وقالت : بالطبع سأذهب إلي ياسمين وأبيت معها أيضًا لأننا سنسافر غدًا سويًا مع عمي بإذن الله.
سأل بلهفة وبدأ عدم الاقتناع بصوته : لماذا ستسافرين مبكرًا ؟
قالت بملل : لابد أن أكون بجوار ياسمين.
زفر بغيظ وقال : متى ستذهبين اليوم إلي الحناء ؟
قالت بتلقائية في السادسة
قال بهدوء : حسنا سأمر عليك لأصحبك إلي هناك.
قالت سريعًا: لا داعي.
ابتسم بمرح وقال : إلي اللقاء ليلتي في السادسة بإذن الله.
عقدت حاجبيها وهي تنظر إلي الهاتف الذي دوى بصفير مزعج في أذنها وقالت بغيظ : تبًا لك عبده.

قلبت الصفحات بهدوء واستقرت على صفحة تقرأها بعناية لتنتبه إلي قدوم أحدهم
ودلف الي الغرفة بخفة وهو يبتسم : صباح الخير لولا.
ابتسمت بتلقائية وهي تراه يدلف إلي الغرفة وقالت بعتاب رقيق : صباح النور ، أتبعت وهي تنهض لتصافحه : بلال بك أين أنت يا أستاذ ؟
ابتسم بتوتر وصافحها بقوة كما اعتاد منها : أنا هنا ، كيف حالك ؟
عادت تجلس بأريحية كالسابق وقالت: بخير والحمد لله، كيف حالك أنت ؟
أتبعت بهدوء وهي تنظر إليه متفحصة : في المرات الماضية التي عرجت بها على ليلى كنت آمل برؤيتك ولكن أجدك دائمًا نائم أو غير موجود.
اقتربت برأسها وهي تبتسم له بمشاكسة : لا أعلم شعرت انك تتهرب مني.
امتقع وجهه بشده وزاغت عيناه وقال بتلعثم : ابدًا .
رفعت حاجبها ونظرت إليه بنظرات حادة ذكية لتقول بهدوء : طبعًا كنت أشاكسك ولكن تعبير وجهك هذا يشعرني أنها حقيقة.
عقد حاجبيه وقال بنفي : لا طبعًا لماذا أتحاشاك ؟
نظرت له مليًا وقالت : توقفت عن محادثتي في الهاتف كما اعتدت ، توقفت عن ملاقاتي كلما أتيت لكم.
ابتسم بتوتر : إنها صدف لا أكثر.
صمتت قليلا لتقول بلهجة هادئة تمامًا : بلال.
رفع عيناه إليها لتقول بهدوء آمر : ما الذي تخفيه عني ؟
نظر لها بغرابة ليقول بهدوء قدر المستطاع : لا شيء.
رفعت حاجبيها وقالت بسلاسة: أنت تكذب.
احتقن وجهه وتحاشى النظر إليها ، فأكملت : منذ عقد قراني وأنت تتحاشاني ، بل يومها انصرفت بطريقة مريبة.
جز على أسنانه قويا فأتبعت ببعض الحدة : يوم خطبة ليلى كنت غير مرحب بوجودي بالمرة والآن تجلس على مضض معي.
شحب وجهه فجأة لينفي ذلك الاستنتاج سريعا فقال : بل أنت مرحب بك في أي وقت ياسمين ، أنه بيتك مثل ليلى تمامًا.
خفضت عيناها عنه لترفعها سريعًا وتقول : إذًا المقصود وليد.
زم شفتيه بحنق فقالت : عدم ترحيبك كان يخص وليد ، طريقة معاملتك الباردة وابتسامتك الباهتة كانت بسبب وجود وليد معي.
نهض واقفًا وقال ببعض الحدة : لا.
قالت بعصبية : لا تكذب علي.
شهقت بحدة لينظر لها مليًا فقالت باضطراب : لم تكن معجب بي أليس كذلك ؟
ابتسم بقوة لتنقلب ابتسامته لضحكة قوية ، نظرت له باندهاش فتماسك قليلاً وقال : بالطبع كنت ولا زلت معجب بك ، ياسمين أنت عندي كليلى تمامًا.
ابتسمت بهدوء وقالت بسلاسة : اذا صدمك اختياري لوليد.
زم شفتيه بقوة ليسود الصمت قليلاً وأخيرًا انفرجت شفتاه وقال بهدوء: أنت حرة باختيارك.
لوت شفتيها بقلق وقالت : أنا أعرف وليد جيدًا وأعرف سمعته الرديئة فيما يخص أمور الفتيات ، ولكن وليد صديق لي منذ أمد بعيد وأنا
توقفت عن الحديث فجأة لينظر ويجد وجهها محتقن خجلاً فقال وعينه اليسرى ترمش سريعًا : نعم أعلم تحبيه.
ابتسمت بإحراج فاكمل : ليلى أخبرتني.
هزت رأسها بتفهم فأتبع هو : اسمعي ياسمين لأني أعتبرك كليلى وأنتِ بالفعل بمثابة أختي الكبيرة سأخبرك بمَ كنت سأقوله لليلى
نظرت له بهدوء منتظرة ما سيقوله، تنفس بعمق وقال: لا تتزوجي منه، أنه لا يستحقك.
شحب وجهها فجأة وقالت بصدمة: ماذا ؟ ما الذي تقوله بلال ، إن اليوم يوم الحناء.
رد بهدوء قاتل : أنت تستحقين من هو أفضل منه.
قالت بغصة : لا يوجد من هو أفضل من وليد.
رفع حاجبيه بامتعاض وقال بحدة : لا يوجد من أفضل منه!
جلس بتعب وقال بفحيح ساخر : لا يوجد من هو أفضل منه!
أتبع بشرود : لا يوجد من أفضل من وليد الجمال ،بسمعته السيئة وانحلاله المشهور به ،
عبست وقالت بغضب: لا تتحدث عنه بتلك الطريقة.
احتقن وجهه بقوة وغامت عيناه بالغضب وهي تتبع : لمَ أشعر بانك تتخذ منه موقف شخصي.
قال بغضب كاسح : لأن ما بيننا أمر شخصي ، ذلك الذي لا يوجد من هو أفضل منه تحرش بقريبتي.
ارتسم الذهول على وجهها و رددت بعدم تصديق : تحرش بقريبتك!!
فقال بأسف حقيقي : آسف ياسمين ولكنك استفززتني
نظرت له والدموع تتلألأ في عينيها : لذا كنت تتحاشى الجلوس معي.
أشاح بوجهه غاضبًا من نفسه وقال كاذبًا : آسف ياسمين أنه أمر منذ زمن بعيد ولكني لم أستطع أن أتخطاه.
حملت حقيبتها وقالت بصوت مخنوق : أخبر ليلى أني سأنتظرها الليلة.
وقف ونادها بألم: ياسمين.
وقفت وهي تعطيه ظهرها : أنا آسف ياسمين ، لم يكن لي أدنى حق في أن أخبرك بذلك الأمر ولكني..
صمت لا يعلم ما الذي عليه قوله لتقول هي : أنا اتقهم بلال.
تحركت مغادرة : بعد إذنك.
نظر في أثرها وهو يلعن لسانه الذي انزلق ليخبرها بما كان يتحاشى رؤيتها من أجله
انتبه من غضبه على نفسه لليلى التي تقف أمامه وتشير بيدها أمام وجهه وتقول : بلال ، أين ياسمين ؟
رمش بعينيه وازدرد لعابة قويًا وقال : لقد غادرت ، وتخبرك أنها ستنتظرك الليلة.
عقدت ليلى حاجباها بتعجب ورددت:  غادرت!
هز رأسه بالإيجاب وقال وهو يغادر هو الآخر : أراك على خير ، سلام.
نظرت في أثر أخيها وقالت بدهشة: ما الذي حدث ؟!

***

ابتسمت وهي تشعر بالمرح يغلف السيارة بغلاف خفي رائع اللون والتصميم يشعرها بالراحة ويسبغ عليها البهجة،
فالطريق إلي بيت والدها أصبح رائعًا وخاصة وهي تتحدث معه.
فهما تحدثا بأشياء كثيرة واكتشفت بعض من الأشياء التي يفضلها ، كالقمصان الغامقة ، القهوة المرة وأخيرًا الشعر العربي! 
بل إنه يحفظ بعضا من أبيات نزار قباني ، كم خجلت من نفسها وهي تشعر بأنها تتعرف على شخص جديد وكانه ليس بزوجها لمدة خمس سنوات مضوا!!
ولكنها تخلت عن ذلك الشعور لتحمس نفسها وهي تقرر أنها ستعرف عنه كل شيء وفي مدة قصيرة أيضًا ، فهو يستحق أكثر من ذلك بكثير.
انتبهت من أفكارها على صوته الذي يقول بمرح ظهر على كل أنش في وجهه وجسده: وصلنا.
قفز خارجًا من السيارة لتتبعه هي وهي تبث لروحها الكثير من التفاؤل والأمل.

نظر جيدًا لتلك السيارة التي عبرت بوابة فيلا السفير، ليبتسم ابتسامة صياد أوقع فريسته في الفخ واستل هاتفه ليتصل بأحد ويقول بهدوء: لقد وصل أخيرًا.
أتبع وهو يومئ برأسه : لا تقلق زعيم ، سنراقبه جيدًا لن نغفل عنه. 
أغلق الهاتف وهو يسمر عيناه على بوابة الفيلا مرة أخرى تحسبًا لخروج أي منها أو دخوله.


. أغلق الهاتف وهو يتجه إلي نافذة خشبية جزء كبير منها محطم وهو ينفث دخان سيجارته بقوة وينظر إلي الخارج وهو يفكر في ذلك الذي ظهر أخيرًا ، أين كان مختفي طوال المدة الماضية ؟
رمى ما تبقى من سيجارته بحقد وعقله يصرخ " لا يهمني، ما يهمني أنه ظهر لأؤخذ بثأري منه".
شع الحقد من عينه الظاهرة ليلمس بيده على تلك الرقعة السوداء التي تغطي عينه الأخرى ويقول بصوت كريه شع منه البغض : سأنتقم منه مهما كلفني الأمر .

سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " Where stories live. Discover now