✨ الفصل الرابع ✨

624 60 16
                                    

الفصل الرابع

كان شارد الذِّهن بينما يسير بخطواته المُرهَقة متَّجهًا
إلى مكان عمله، لمْ تفارقِ الابتسامة وجهه، كيف لا
وهو اليوم سوف يجني ثمار جهده، فتحَ الباب ليدخلَ
بهدوء، وقفَ في الطَّابور محاولًا تجاهل إزعاج الموظَّفين
الذي يصطفُّون بشكل منظَّم وهم يتهامسون ويضحكون
فيما بينهم، فبعد كلِّ شيء اليوم هو يوم استلام الرَّواتب.

وأخيرًا أتى دوره ليبتسم بفرح، وقف أمام المدير
ليمسكَ تلك النُّقود بيده الهزيلة، تلاشتْ ابتسامتُه
عندما أدركَ أنَّ أجرَه منخفض بشكل ملحوظ، حوَّل
بصرَه لتتقابل عيونه الفيروزيَّة المخضرَّة مع صاحب
العينين الجاحظتين، سأله بصوته المبحوح والتوتر واضح عليه :
" عفوًا سيِّدي … هل أخطأتَ حساب المبلغ ؟ "
نظر له بتقزُّزٍ ليردفَ بصوته الخشن :
" لمْ أُخطِئ، فقدْ قمتُ بخصم مرتبكَ بسبب إهمالكَ "
أراد أنْ يعترضَ ولكنَّه فضَّل الصَّمت.

خرجَ بتعابيرٍ مستاءة عكس الجميع، وضع
النُّقود في جيبِ بنطالِه وأكمل مسيره بكلِّ هدوء
قاصداً أقرب صيدليَّة، فتحَ الباب لتُصدر تلك
الأجراس التي عُلِّقتْ في أعلاه صوتَ رنينٍ عذبٍ
قاطعةً ذلك الصَّمت والتي أكَّدتْ دخول زبون جديد،
ابتسم الصيدلانيُّ له سائلًا إيَّاه عن طلبه ليبادلَه آلن
الابتسامة ويمدَّ يدَه التي حملتْ ورقةً بيضاء مطويَّة
تحوي وصفة الدواء.

خرجَ بينما ينظر إلى الكيس في يده والذي يحوي دواء
والدته، هو فضَّلها على نفسه متناسيًا تمامًا قلبه الضَّعيف
الذي يطلب منه أنْ يرحمه ولو قليلًا، ولكن .. لا حياة لمَنْ
تنادي، بعد كلِّ شيء هو يفكر بأمِّه دائمًا ويحبُّها متجاهلًا
كونها تعنِّفه دائمًا وتحطِّمُ كيانَه.

زادتْ سرعة خطواتِه أملًا في الوصول إلى المنزل بأسرع
وقتٍ ممكن، فاليوم يوم عطلتِه ويريد استغلال كلِّ ثانية،
أراد الانعطاف لأحد الطُّرق لكن فور انعطافه اصطدم
بذلك الجسد الرِّياضيِّ المتناسق ليشهقَ بألم بعد وقوعه
على الأرض، بقيَ جسده ساكنًا في الأسفل بشكل تام وكأنَّه
يحاول استيعاب الألم الذي شعر به للتو، تلك النغزات
التي استقرَّتْ في قلبِه الضَّعيف سبَّبتْ له ألمًا مُبرحًا.

غزى القلق قلب الأكبر على الفتى وعلى غير العادة حنَّ
قلبه تجاهه وشعر بالانتماء له ليهمَّ بمساعدته بعد أنْ
التقطَ الدَّواء الذي كان قد سقط أرضًا
" يا فتى، هل أنتَ بخير؟ "
فتحَ الٓن عينيه ببطء وقد بدَا الألم واضحًا على
ملامحِه، استندَ على الأكبر بعد أنْ عرض عليه
المساعدة، وأردفَ بعد أن تناول الدَّواء منه وظهرتْ
الابتسامة على ملامحه البريئة والمتعبة : " بـ .. بخير "
أومأ الآخر له بهدوء وأكملَ كلٌّ منهما طريقه.

وقفَ الصَّغير أمام ذلك الذي يسمِّيه منزله وفتحَ
الباب، وفور دخوله كانتْ أمُّه تقفُ منتظرةً إيَّاه بينما
تضمُّ يديها إلى صدرها وتضربُ الأرض بقدمها،
نظر لها ولملامحها الغاضبة ولكنَّ المرض كانَ
واضحًا عليها، فالهَالات السوداء تحت عينيها قد زادتْ
بشكلٍ ملحوظ، اقتربتْ منه لتنزع الدَّواء من يده
الضَّعيفة بعنف، كاد يُخرجُ النُّقود من جيبه ولكنَّها جذبته
مخرجةً كلَّ فلس منه لتبدأ بعدِّهم بعناية حتَّى شهقتْ بغضب
لترمُقَه بنظرات بثَّتْ فيه الرُّعب بينما تجذبه من ياقته قائلةً :
" أيُّها الجرذ اللعين، أين باقي النُّقود ؟ هل اشتريتَ لنفسكَ
الطَّعام كالعادة ؟ صدِّقنِي إنْ لمْ تقلِ الحقيقة سأجعلكَ تتمنَّى
الموت ولا تجده ".

ابتلعَ ريقه بخوف لينزلَ رأسه بحزن وينطق :
" آسف، ولكنَنِي كنتُ أستريحُ أثناء العمل لذلك قام المدير بخصم راتبي "
كانتْ حروفه متقطِّعة من خوفه، غضبتْ هي لترفعَ يدها للأعلى وتهوي
بقوَّة على خدِّ الأصغر الذي سقطَ أرضاً بينما عيناه أُغمضَتا بشدَّة.

يده امتدَّتْ لتمسكَ بخدِّه المُحمرِّ الذي يشتعل حرارة لشدَّة
الصَّفعة، غطَّتْ خصلاتُه البُنيَّة ملامحَه، عيونه تهدِّد بإنزالِ
مائها المالح ولكنَّه كبَتها
" أيُّها اللعين، أتذهبُ للتَّسكُّعِ هناك ؟ لا طعام لك اليوم "
رمتْ كلماتِها عليه لتترُكَه يصارع ألمه وحده.

نهض بصعوبة بعد أنْ ذهبتْ ليخرج من منزله بينما يدلِّكُ
خدَّه بألم قاصدًا المكتبة العامة، وقف أمام ذلك المبنى الضَّخم
والذي توسطته لافتة كُتبَ عليها بالخطِّ العريض ' المكتبة العامة '.

فُتح الباب تلقائيًا بمجرِّد اقترابه منه، نظر حوله وقد فُتحتْ
عيناه بدهشة فهذه المكتبة فُتحتْ حديثًا وهذه أول مرَّة يزورها،
أخذ يتأمَّل المكان بدهشة، أجهزة حاسوب وطوابع في كلِّ مكان،
العديد من الطَّاولات والتي كانتْ تحوي مقاعدَ عديدة، أعداد لا
تُحصى من الرفوف، كُتبٌ من كلِّ الأنواع : كُتبُ الطبُّ
والروايات، كُتبُ الطَّبخ وكلُّ ما يخطرعلى بالك ستجده هنا،
المكان هادئ بشكل مريح، وقدْرأى العديد من الطُّلاب أنَّ هذا
المكان أفضل للدراسة، وغيرهم من أرادوا الغوص في عالمه
م الخاص بعيدًا عن الإزعاج.

أخذ آلن أحد الكتب ليفتحه ناظرًا إلى محتواه،
لكنَّ عقله كان في مكان آخر تمامًا، فتركيزه
كان منصبًّا على ذلك الشَّاب صاحب الشَّعر
الذهبيِّ والذي بدا كطالب جامعيٍّ، وعلى
خلاف الجميع كان يمسكُ بقلم ويقوم بكتابة
بعض النوتات بدفتره الأسود، وعلى ما
يبدو أنَّه يقوم بــتأليف مقطوعة موسيقيَّة.

كان آلن ينظر إلى الكتاب تارة وإلى الشاب تارة
أخرى، كان متوترًا نوعًا ما، انتبه عليه صاحب
العينين الكستنائيَّتين ليلوِّح له بيده ويبتسم مناديًا
وسائلاً إيَّاه " أووي أيُّها الفتى، هل تحتاجُ شيئًا ما ؟ "
ارتبكَ الآخر بشدَّة وتوتَّر ليحمرَّ وجهه خجلاً
" أ .. أنا " قاطعه الآخر بنبرة مرحة " هيا لا تكن خجلًا "
استجمعَ آلن قواه ليقولَ بتردُّد واضح
" هـ .. هل لي بورقة إذا سمحتَ ؟ " .

استغربَ ألكس طلبَه وفتحَ فمه ببلاهة ولكنَّه ضحكَ
بخفَّة وأومأ له بالموافقة ليقولَ " كلُّ هذا من أجل
ورقة ! حسنًا انتظر "
قام بنزعِ ورقة فارغة من دفتره ليسلِّمها لآلن
" تفضَّلْ " أخذها منه ليشكره ووجهه لا يزال
كحبَّة الطَّماطم.

أخذَ خطواته متَّجهًا إلى إحدى الطَّاولات التي حوتْ
كرسيًّا فارغًا، جلس عليه ووضع ورقته على الطاولة،
نظر أمامه ليلمحَ علبة أقلام ليتناولَ واحدًا، وبعدها
غاص في عالمه الخاص.




______________________________________

احم رأيكم 🥺؟...

توقعاتكم🚶‍♀️؟؟..

تعليق لطيف يسعدنا 😣🧡...

بقلم :(((((( .Novel WriCr. )))))🚶‍♀️🌠

مشترك بين ✨:

_naan_story_❤️

و انا 🧡..

مالي خلق اطلع اسم حسابي 🤡🥀..

حُلم بين صفحات 🌠 | مُـتـوقِـفـة مـؤقَـتـًاWhere stories live. Discover now