الفصل الثاني : سوزان

419 11 0
                                    


كانت سوزان مواطنة لإحدى الدول التي عانت من اضطرابات سياسية كبيرة وتنافس محموم على السلطة وكغيرها من البلدان التي مر بها اضطرابات كتلك ,عانى الشعب من وضع اقتصادي صعب ومن انفلات أمني كبير حيث كانت القوات الأمنية والعسكرية تستخدم لصالح المتصارعين على السلطة.

لذلك حالات القتل والخطف والإتجار بالبشر كانت أمور تحدث كل يوم وللعديد من الناس لكن وعلى عكس غيرها من المدن كانت مدينتها تتمع ببعض الأمان لكونها زاخرة بالمنشأت الصناعية والتجارية الكبيرة فتمكن كبار صناعيي وتجاريي تلك المدينة من تشكيل هدنة ضمنية مع الأطراف المتنازعة مقابل أموال ضخمة تدفع لتلك الأطراف لذلك كان الوضع أكثر أماناً ولكن هذا لايعني بالتأكيد أن الوضع آمن بشكل كامل وهذا مادفع بوالد سوزان للبحث عن مكان أكثر آمنا ويمكنه من كسب قوته لعائلته المكونة من والدة سوزان,سوزان وأخوها الصغير كامل , فعقد العزم وسافر وهناك بحث عن عمل وتمكن من إيجاد واحد يكفي ليعيل نفسه وأن يرسل المتبقي لعائلته.

كانت أخبار إيجاده عملا وإرساله للنقود خبراً مفرحاً للعائلة وبقي الحال هكذا لعدة سنوات إلى أن جاءت رسالة قلبت هذه الحياة الهادئة رأساً على عقب  " سلامي للجميع بعد التحيات والقبلات فقلمي لم يساعدني لكتابة الكلمات التي أرغب بكتابتها سأكتبها سريعاً لقد تمكنت من إقناع أحد مدرائي أن يجد عملاً لك يا أم كامل وقد وافق وقد تدبر عملاً لك في أحد المطاعم القريبة وسيكون بإمكاني إرسال الفيزا مع عقد العمل لك قريباً لتتمكني من الحضور مع الأطفال ! لقد اشتقت لكم جميعا لا أستطيع التصديق أنني سأراكم قريباً جداً بعد 4 سنوات من الفراق قبلاتي للجميع فلتبقوا بخير حتى نلتقي ..والدكم المحب أبو كامل ."

كانت تلك كلمات الرسالة التي استقبلتها العائلة بفرح شديد ولم يكونوا على علم أنها آخر رسالة ستصل من والدهم وأن الموت سيسبقهم إليه ...فبعد عدة أسابيع من وصول الرسالة أتى استدعاء لأم كامل للقنصلية وحين كانت أم كامل في أوج سعادتها لاعتقادها أن القنصلية استدعتها من أجل عقد العمل والفيزا أتاها الخبر الصاعق من أحد موظفي القنصلية

" لقد وصلت برقية تفيد بأن زوجك توفي منذ يومين بجلطة دماغية حادة , البقاء لله ورحمة من الله ومغفرة لروحه ولكنني أحتاج منك إلى أخذ هذه الأوراق إلى الخارجية والتصديق عليها للبدء باجراءات إحضار جثمانه إلى هنا لإنه من غير المسموح له بالدفن هناك عليه أن يدفن هنا حسب الأصول "

بعد أن تلقت أم كامل خبر وفاة معيلها ووالد أطفالها وسندها الأكبر في هذه الحياة عانت وقاست للحفاظ على وحدة أسرتها فبدأت العمل كموظفة خدمة وتنظيف في إحدى شركات التنظيف المنزلي وعانت الأمرين في التوفيق بين عملها وبيتها حيث كانت سوزان لاتزال في سنتها الأولى من المدرسة المتوسطة وكامل في سنته الثالثة.

وهنا قرر كامل ترك مدرسته لمساعدة والدته لسد احتياجات المنزل وهكذا مضت 3 سنوات مليئة بالصبر والحزن ومتاعب الحياة المختلفة على هذه العائلة المسكينة .

كانت سوزان في قضمتها الثالثة لحبة الطماطم التي على وشك الفساد حين بدأت تفكر في أمها التي كانت تقوم بإعداد وجبتها المفضلة مع بعض المقبلات وتخبرها والابتسامة تعلو وجهها

" لم يتبق سوى بضع دقائق حتى موعد الآذان اصبري قليلاً فقط وسنجلس ثلاثتنا لتناول الإفطار مع أنه كان يوماً صيفياً حاراً فقد تمكنت من الصوم اااه على عكس كامل فولدي لا يستطيع تحمل حرارة الفرن الذي يعمل به ولكن ليست مشكلة  فقد صمنا أنا وأنت  يوم نفل وليس فرض"

" أجل أمي فأنت دائماً تصومين في رجب وتخبريني أن أفعل مثلك , لقد كان صعبا فكيف تستطيعن فعل هذا دائماً؟"

" هاهاها ستعتادين الصيام بُنيتي فأنت تصومين رمضان والست من شوال تستطعين فعلها وزيادة صيامك في عدة أيام أخرى "

" أجل أمي لكن ليس حين يكون الجو حارقاً هكذا ..."

وهنا بدأت الدموع الصامتة تخرج من عيني سوزان فبدلاً من جلوسها على تلك المائدة وعلى الرغم من بساطتها وكونها متواضعة إلا أنها أفضل من حبة الطماطم التي على وشك أن تفسد هنا

"ايه جبن عفن مرة أخرى ها ... لكنه أفضل من اللبن الفاسد البارحة " كان هذا صوت الرجل العجوز الذي سمعته سابقاً

" لا تقلل من الجبن العفن عم , هل تعلم أنه في دول أوروبا يدعون الجبن ليصبح عفناً ثم يبيعونه بأسعار باهظة أنت الآن تتناول طعام ملوك " قال الرجل الآخر ساخراً

"انا أعلم هل أعتقدت لإنني أكبر منك عمراً انني لا أفقه بهذه الأمور! لكن هذا لايعني بالضرورة أن ما سعره غالي أن يكون لذيذاً  ...ااه ألم يستطيعوا إحضار ماء على الأقل يالهم من أوغاد!"

كانت سوزان تسمع الأصوات المشتكية من حولها لكن لسبب ما شعرت بوجود شخص آخر في الغرفة عندها التفتت إلى المرأة التي بجانبها : " خالة قلت أننا خمسة أليس كذلك ؟ "

" أجل صغيرتي "

" لكنني لم أتعرف إلا بك وبالرجلان الآخران ؟"

" أوه من تنعتين بالرجل فارق العمر والمكانة بيننا مختلف تماماً ! هااااا صحيح لا أحد هنا عرف عن نفسه سواك أنا أدعى أبو سالم ولكن تستطيعين أن تناديني أستاذ,أعتقد بما أنني كنت معلم مدرسة فيما مضى " كان ذلك هو الرجل العجوز الذي بدا كما لو أنه انتظر منذ زمن للتعريف عن نفسه 

ذات مرة في ذاك القبوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن