ساحل أسكودار (مكتملة)

By nellyelattar

12.3K 637 109

رومانسية More

الغلاف وتواقيع الأبطال
المقدمة
ألوان الطيف (Renk tayfı)
_اقتباس من الطيف الأول_
(الطيف الأحمر)
برومو النوڤيلا
_اقتباس من الطيف الثاني_
الطيف الأصفر
اقتباس من الطيف الثالث
اقتباس من الطيف الرابع
الطيف الأزرق
اعتذار واجب
غيمة سوداء
ضباب رمادي
دموع زجاجية
وشاح وردي
غيرة نارية
عصفورتي الأرجوانية
فستاني الأبيض
إعلان روايتي الورقية الأولى
اقتباس من رواية وريث كايميرا
💥حفل توقيع وريث كايميرا💥
عيدكم مبارك❤️
خادم الوشم
💔

الطيف الأخضر

416 27 5
By nellyelattar


(Yeşil spektrum)

قف خلف ذاتك .. حلمك.. اختيارك.. حتى ابتساماتك المفتعلة ونُدف الكلام المُتعثر الذي يخرج من بين شفتيك وقت الصدمة كن خلفه تماماً .. لا تصلب روحك على عِمدان الخيبة وكن كما يجب أن تكون ليس كما يشتهي الآخرون.. وقفت سيڤدا تراقب مايحدث أمامها بتعجب.. تتسائل في نفسها كيف لبائع بلالين بسيط مثل آركان أن يمتلك بطاقات إئتمانية عديدة لأكثر من بنك مشهور في تركيا بل ويدفع تكاليف إقامتهما في غرفتين منفصلتين بكل سهولة والأغرب معاملة فتاة الاستقبال له بحفاوة شديدة وكأنه شخصية معروفة ..

_ (تفضلي المفتاح الخاص بغرفتك).. قالها آركان وهو يمد يده إليها بابتسامة مُشَجِعة .. تناولته منه وهي تسلط أنظارها المندهشة عليه ثم هاتفت والدتها لتطمأنها وتبعته بعدما تحرك أمامها متجهاً نحو الطابق العلوي حيث توجد غرفتيهما.. ارتمى كلاً منهما فوق فراشه بتعب وقلبيهما مُحمَلان بأشياء كثيرة.. سيڤدا تريد أن تثبت لنفسها أنها مازالت قوية وتستطيع مواصلة الحياة رغم خساراتها وخيباتها.. رغم وجعها وخذلانها المتكرر .. تود صنع خبزاً لسعادتها من أنّات روحها وأن تنسى قوافل الحزن التي تحتل قلبها وتبدلها لحدائق مُزهِرة بالأمل أما عنه فلم يستطع إيقاف طاحونة أفكاره لدرجة أنه أحس ببعض الإختناق .. فتح الشرفة ليستنشق الهواء قليلاً ويطالع أمواج بحر مرمرة التي تعزف أهازيجها العتيقة.. المُشَبّعة بإيقاع نوارس الأناضول لكنه ومع مضي الوقت ومرور لسعة الشتاء فوق صفحة وجهه بذل تنهيدة مرتعشة وكأن أنفاسه تخرج من صدره راقصة على لحن أهزوجة دافئة خاصة بقلبه..تختصر كل مايجول بِخُلده وتنزع عنه معطفه الثقيل لتُلبسه قشرة جديدة لم يعلم عنها شئ قبل لقاء تلك الفتاة وعلى ذكرها انتبه لصوتها يقطع حبل أفكاره حينما خرجت لشرفتها الملاصقة لشرفة غرفته متسائلة (لماذا لم تنم حتى الآن؟)

أجابها وهو يضع كفيه في جيوب سترته مستجدياً بعض الدفأ (أفكر)

_ (فيما؟)

= (فيكِ).. لفت سيڤدا ذراعيها حول جسدها لتحمي نفسها من برودة الجو تسأله بتوتر طفيف (لِمَ؟)

جاوبها مبتسماً بعذوبة (يبدو أنكِ لا تدركين أَّن الصدفة التي ألقتني في طريقك لأجعلك تتراجعين عن الإنتحار ماهي إلا عناية إلهية).. صمت لثواني يتأمل ملامحها الرقيقة ثم تابع بصوت أجش (الله يحبك وأرسلني إليكِ ليهبك فرصة جديدة فتشبثي بها ولا تحشري روحك في الزاوية وتلومينها على زلة الاختيار)

تحدثت سيڤدا بأسف وحزن على ما آلت إليه أمورها (أنا ضعيفة وأصابعي واهنة لاتتقن التشبث بالفرص)

رد عليها آركان بجدية (الحياة بها الأفضل والألطف والأكثر حبًا والأشجع لذا لا ترضي بالقليل لأنكِ تستحقين شخص يختارك ولا يضعك موضع حيرة وألا يكون السبب في ضياعك) .. تدثرت بصمتها لكنها حررت تنهيدة مختصرة.. مبللة بالدموع فأضاف هو بنبرة حانية (يجب أن تشعري بقيمة نفسك أكثر من ذلك وأنّكِ قبل الجميع وأول الأولويات والأغلى والأعز والأهم) ..

ردت عليه بنبرة ممتنة (حديثك يربت على قلبي)

حاول طمأنتها قائلاً (وسأظل أفعل حتى أرى بارقة الحياة تبزغ في عينيكِ من جديد) .. ابتسامة خجولة لاحت فوق شفتيها كانت أبلغ من أي حديث جعلته يشرد قليلاً .. إنها تشبه قصيدة ناقصة.. مختلة القوافي مات شاعرها قبل أن يكتب بيتها الأخير .. دافئة مثل كوب شاي تركه صاحبه وارتدى نهاره على عجل ولم يكمله .. جميلة جداً لكن دواخلها مهتزة ..تحتاج لضبط إشارة حتى تستقبل ترددات الحياة بشكل صحيح.. وبعد دقائق من الصمت المُتداعي تحدث هو بهدوء (الجو يحتاج لشئ ساخن يدفئ داخلنا قليلاً ..سأطلب كوبين كبيرين من الشيكولاتة الساخنة)..

تحمست كثيراً وقالت بعفوية (وأنا سأجلب غطاء ثقيل وآتي إليك لنجلس ونتحدث حتى الصباح) .. ضحك آركان على لطافتها وخرج من الشرفة ليتصل بخدمة الغرف يطلب المشروبات وأوصاهم بإرسالها إلى غرفته ولم تمضي إلا ثواني قليلة حتى وجدها تطرق الباب بخفة وهي تحمل غطاء ثقيل استعداداً لليلة السمر المتفق عليها .. دعاها للدخول بابتسامة مُرَحِبة فاتجهت نحو الشرفة قائلة بمرح (لن ننام الليلة قبل أن تجيب عن كل أسئلتي أيها الغامض) .. لحق بها حاملاً كوبين الشيكولاتة الساخنة بعدما جلبهما له عامل الفندق قائلاً وهو يعطيها خاصتها ثم جلس بجوارها متدثراً بالغطاء (تستطيعين استجوابي الآن كيفما تشائين)

أمسكت سيڤدا الكوب الدافئ بكلتا راحتيها قائلة (أشعر بأن فلسفتك أكبر من كونك بائع بلالين بسيط حتى مظهرك المُرتب والبطاقات البنكية التي بحوذتك تثير دهشتي ..أخبرني بحقيقتك)

ارتشف من مشروبه قليلاً ثم أجابها بثقة (تصنيفك العنصري لبائع البلالين لا يروق لي ومع العلم أنني لم أحدثك عن نفسي وأنتِ التي حكمتِ عليّ دون فهم)

سألته بفضول (أنت لست بائع بلالين؟)

أمال رأسه ينظر إليها من زاوية حادة بعض الشئ قائلاً (ولنفترض أنني لست بائع بلالين هل سيفرق معك؟)

ارتبكت سيڤدا من سؤاله ونظراته التي تثقبها قائلة (بالطبع لن يفرق معي لكنني لا أحب التعامل مع أشخاص غير واضحين)

رفع حاجبيه يسألها باستهزاء (حقاً؟).. عبست بشدة عندما استشعرت السخرية في نبرته لكنه تدارك الأمر قائلاً بمرح (إذن لنتعرف على نحو صحيح).. وضع مشروبه فوق الطاولة ثم أمسك كفها يصافحها قائلاً بابتسامته المليحة (آركان يلديز.. أعمل مديراً تنفيذياً لشركة سياحية كبيرة مسئولة عن تنظيم إقامة الأفواج الأجانب بكل الفنادق الموجودة في إسطنبول)

فغرت فاهها قائلة (كيف لك أن تخدعني كل هذا الوقت؟)

ضحك بشدة على ردة فعلها قائلاً (أنا لم أخدعك بل لا أذكر أنني حدثتك عن حياتي من الأساس)

افترّت شفتيها بابتسامة خفيفة ثم أشاحت بوجهها بعيداً عنه قائلة (مُخادع)

تناول آركان مشروبه ليحتسي منه قليلاً يسألها بنبرة هادئة (هل لديكِ أي استفسار آخر؟)

أعادت أنظارها إليه قائلة (أود معرفة المزيد عنك)

أمسك طرف الغطاء يسحب جزء منه ليضعه على كتفيه وتحدث مسترسلاً وهو ينظر إليها بعمق (أنا شخص بسيط للغاية أقف في منتصف الأشياء كلها.. لست مثالي ولا أريد أن يراني الناس هكذا.. بالعكس أخطائي كثيرة ولا تنتهي .. مزاجيتي ترهقني و تؤرقني كلمة عابرة لكنني أمتلك قلب لا يعرف الزيف في المشاعر ويحب بصدق.. قلبي يشبهني كثيراً في بساطتي ..يصفو سريعًا ويتغافل من أجل إبقاء الود) .. انتهى آركان من حديثه بابتسامته المعهودة بينما أضافت هي بأعين حالمة (أنت تشبه سماء صافية مُضاءة بنجوم مُلونة تصنعها من بالوناتك المُبهجة ولديك ضحكة خفيفة أثرها يمكث حول فمك طويلاً) ..

قاطعها مازحاً (هذا وصف فتاة عاشقة ياعزيزتي)

توترت سيڤدا كثيراً لكنها حاولت تمالك نفسها أمامه قائلة بثبات زائف (أنا أصف ما أراه أمامي لست عاشقة و ما شابه يا أبله) .. صمتت قليلاً تستجمع رباطة جأشها وأردفت متسائلة وهي تتثائب لتقاوم النعاس الذي انتابها (ما سر ولهك واهتمامك بالألوان إلى هذا الحد؟)

أرجع ظهره يستند على الجدار خلفه قائلاً (علاقتي بالألوان علاقة متطرفة للغاية.. أحاول أن أحبّ لوناً واحداً لكنني لا أستطيع .. أعشق الأبيض وأظنه يبادلني نفس الشعور فعندما نظهر بجوار بعضنا البعض نبدو متناغمين تماماً كعاشقين متيمين غارقين في حلمهما الوردي..وحينما أكون غاضباً تربت كف الأزرق فوق كتفي لتبث في روحي الهدوء أما عن الأمان فلا أجده إلا في ضحكة الأخضر المستبشرة دوماً بالخير كالأمهات اللاتي تلهج ألسنتهن بالدعاء لأبنائهن وأنصهر داخل الأحمر حتى أكاد أصيره إذا وقعت في الحب ويشد الأصفر بكفه على كفي عندما تخبو طاقتي .. حقاً الأمر عميق ومُعَقد .. مُعَقد جداً) .. انتبه آركان لانتظام أنفاسها في النوم فحانت منه التفاتة نحوها يتأمل غفوتها الغير متوقعة.. يبدو أن حديثه عن أشيائه التي يحبها جعل رأسها تسقط على كتفه .. أطال النظر في وجهها البرئ.. إنها نحيلة.. هشة ومهزومة بالفطرة.. سمحت للأغبياء أن يعيثوا بفسادهم في حياتها ويحدثون فوضاهم القذرة على بابها وبعد وقت ليس بقليل أمضاه في التفكير غَلبهُ النوم وغفا متدثراً بغطاء غرفتها وبعضاً منها...

*************

بأصابع حانية يشوبها بعض الكسل صافحت خيوط الصباح الأولى عيني سيڤدا..فرّقت جفنيها سريعاً لتقع أنظارها الناعسة على نومتها العجيبة بجوار آركان في شرفة غرفته متدثرة معه بغطاء واحد وذراعيه تلفها بحماية.. رفعت رأسها تطالعه وهو نائم ولسان حالها يسألها لماذا تمضي في الطريق المؤدي إليه رغم تعب خطواتها وكأنه خلاصها من غمرة التيه الذي تعيش فيه؟ .. وكيف لها أن تنام مطمئنة فوق كتفه بعدما مرت به من ترّهات عاطفية صنعت ماضيها المشوه؟.. المرهق في الأمر أنها تشعر بيده تسري داخل روحها لتعيد إشعال شمعة الحب التي أطفأتها ريح الخيبة وهذا يخيفها كثيراً .. حاولت الإبتعاد عنه بهدوء حتى لا توقظه لكنه أحس بحركتها ففتح عينيه ببطأ قائلاً (صباح الخير) .. ردت عليه بحرج محاولة التراجع للخلف بينما سألها هو متعجباً (هل قضينا الليلة هنا؟)

أومأت إيجاباً قائلة بخفوت (أجل)

فرك رقبته بكفه ليفك التشنجات التي أصابته جرّاء النوم في وضعية خاطئة يقول مغمضاً عينيه (يا إلهي ..رقبتي تؤلمني بشدة)

اعتدلت سيڤدا لتستقيم واقفة ثم قالت بخجل (سأدخل الحمام لأغسل وجهي)..

_(حسناً وأنا سأطلب الفطور)

= (من الأفضل أن نتناوله بالأسفل) .. قالتها على استحياء شديد واتجهت نحو دورة المياه الملحقة بالغرفة بينما هو ظل يتتبع أثرها إلى أن توارت خلف الباب ثم نهض سريعاً لينفذ ما اتفقا عليه وفي غضون دقائق قليلة كانا يجلسا سوياً في مطعم الفندق ليتناولا طعام الإفطار في صمت قطعه آركان محاولاً تحريك الجليد الذي استقر تحتها منذ استيقاظها (تبدين جميلة جداً في الصباح .. تكاد الشمس تشرق من عينيكِ يانعة ودافئة)

توردت وجنتيها أثراً لمغازلته الصريحة قائلة (شكراً)

رفع كوب الشاي نحو شفتيه يرتشف منه قائلاً (أتعلمين؟..أنتِ لست حزينة.. كل ما في الأمر أنكِ منجرفة في تيار لا يشبهك نحت منكِ وجهًا باهتاً لا يعرف إلا البكاء.. هذه الخطوط التي تنبت على جبينك تؤلمك وملامحك المشدودة لا تليق بكِ .. اخلعي وجهك المخذول وارتدي نفسك ياعزيزتي)

نظرت إليه قائلة بنبرة مختنقة (هل يجب أن يكسر الحزن أضلعي وأستلقي في قسم الحالات الطارئة كي تُدرك أنني لست بخير؟)

استند بمرفقيه على الطاولة مشبكاً كفيه ببعضهما قائلاً بجدية (العمر يمر بين لحظتين ..صرخة الولادة وشهقة الموت هل يجب أن نعيشه وعيوننا مفتوحة على الدهشة ونتسائل ببلاهة لماذا يحدث هذا لنا نحن فقط؟)..إحتوى كفها الموضوع أمامه بين راحتيه ليبث في روحها بعض الأمان ثم أضاف مبتسماً بتشجيع (فكرة أن يكون الإنسان السم الذي قتل حياة إنسان آخر مُرعبة لكنك لا تستحقين أن تأوي لفراشك كل ليلة بذات السؤال "هل كان التخلي عني سهلاً إلى هذا الحد؟ ")

ردت عليه والدموع متحجرة داخل عينيها (ذلك الذي اعتقدت أنه سيقاتل في صفي أصابني بأذى شديد لايُرى.. أفلت يدي في منتصف الطريق واختفى ووجدت نفسي وحيدة تماماً .. كيف أخبرك أن الخذلان لا يُنسى؟)

تأثر آركان كثيراً بالألم الواضح في حديثها فتمسك بكفها أكثر قائلاً (أنا هُنا استندي بجدار روحك المهدوم على ظهري حتى أقيمه لكِ).. ثم ابتسم ابتسامة تحمل الكثير وتابع (هاكَ كَلُي.. اتّكئِي بلا خوف)

بادلته ابتسامته بأخرى خجولة وسألته (إلى أين ستأخذني اليوم؟)

أجابها وعينيه مسلطة على ملامحها الرقيقة (سآخذك لمكان جميل مثلك) ...

****************

(متحف تشورا)
(Kariye Müzesi)

كنيسة (المخلص المقدس) أو (كنيسة خورا) التي بناها البيزنطيون قديماً .. تقع جنوبي القرن الذهبي تحديداً في حي (إديرنه كابي) بالجزء الغربي من منطقة الفاتح وتُعتبر من أهم الآثار الجميلة المرتبطة بالعصور البيزنطية في تركيا ولا سيّما في إسطنبول .. أُطلِق عليها إسم (خورا) والتي تعني في اليونانية القديمة (الريف) أو (الضواحي) بسبب موقعها خارج أسوار مدينة القسطنطينية التي كانت تشكل حدود المدينة في الفترة البيزنطية آنذاك .. ينقسم المبنى إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي مدخل القاعة أو الصحن والجسم الرئيسي للكنيسة بالإضافة إلى مُصلى جانبي.. يزين سقفها 6 قِباب مُذهلة وملفتة للأنظار ..استمر استخدامها ككنيسة لمدة طويلة حتى تم تحويلها إلى مسجد سنة 1511 من قِبَل الوزير (عتيق علي باشا) و أضيفت إليها مدرسة أثناء فترة حكم السلطان (بيازيد الثاني) و بناءً عليه غُطيت جميع الرموز المسيحية واللوحات الجدارية والزخارف الفسيفسائية بطبقة رقيقة من الكلس الأبيض .. وفي عام 1876 خضع المسجد لعمليات ترميم بسبب الأضرار التي لحقت به نتيجة الحرائق و الزلازل وفي عام 1945 حصل المبنى على صفة المتحف وبين عامي 1947 ، 1958 تم عمل تنظيف وترميم شامل له وعاد الفسيفساء واللوحات الجدارية التي تحمل سمات القرن 14 إلى شكلها السابق .. يصور النارثكس الخارجي للكنيسة حياة ومعجزات عيسى عليه السلام أما النارثكس الداخلي فإنه مُزين بمشاهد متتابعة من الفسيفساء لحياة السيدة مريم العذراء (النارثكس يطلق على الدهليز البازليك المؤدي لمدخل الكنيسة الغربي) .. بينما قسم المُصلى يحتوي على لوحات جدارية تمثل القصص الدينية ويوم المحشر والقيامة ومشاهد من الدينونة الأخيرة المستوحاة من العهد القديم ولذلك عند الحديث عن الفن الروماني الشرقي يُذكر (متحف تشورا) لمكانته الهامة وديكوراته البيزنطية المُعبرة عن تلك الحقبة بامتياز.. كانت سيڤدا تقف أمام المتحف مستمتعة بمُشاهدة تكوينه الخارجي وعظمة تصميمه المعماري بينما أخرج آركان هاتفه ليلتقط بعض الصور وعلى الرغم من أنه قام بزيارته كثيراً لكنه يشعر بحتمية توثيق لحظات وجودها معه.. التفتت اليه تقول مبتسمة بامتنان (شكراً لك)

بادلها ابتسامتها بأخرى مُشرِقة كصاحبها قائلاً (كنت أعلم أن متحف تشورا سيحسن من مزاجك كثيراً)

ردت عليه بسعادة لوجودها في هذا المكان الرائع (أنا أعشقه وأذوب في تفاصيله)

تحدث آركان باهتمام ناظراً بعمق داخل عينيها (تلك التفاصيل التي تذوبين فيها تحمل بين طياتها ثباتاً وقوة غير مسبوقين.. على مر التاريخ والعصور لعبت يد الإنسان في تغيير هوية ذلك المبنى .. تحول من كنيسة إلى مسجد ثم أعطوه شكل المتحف ومع ذلك لم يستطع أحد طمس معالمه الأصلية).. صمت قليلاً يستجمع الكلمات التي بدأت تهرب منه أمامها ولا يعرف السبب وأضاف بهدوء (هكذا يجب أن نكون .. كالجدران العتيقة التي احتفظت بتاريخها رغم أنف الزمن)..

وضعت كفيها الصغيرين في جيوب معطفها قائلة (أحب نبرة صوتك عندما تتحدث عن الأماكن التاريخية وأشعر بأن أجدادنا أرادوا تعليمنا أشياء ذو قيمة من خلال حضاراتهم التي تركوها لنا)

عقد ذراعيه أمام صدره قائلاً وهو ينظر لواجهة المتحف (التاريخ ياعزيزتي أنضج ناصح قد تقابلينه في حياتك.. ومواعظ الأسلاف المُسافرة عبر أحجارهم ستظل خالدة وموروثة إلى الأبد) ..

رفعت أناملها لترجع خصلة من شعرها تحركت بفعل الهواء خلف أذنها قائلة بمرح (هيا لنأخذ جولة في القاعة الداخلية)

_ (حسناً .. لنلتقط المزيد من الصور مع الفسيفساء).. قالها آركان مصحوبة بغمزة لطيفة أربكتها بعض الشئ ثم تحركا سوياً نحو قاعة المتحف الداخلية .. لم تترك سيڤدا مكاناً إلا ووقفت أمامه .. تمرّر كفها الصغير على الجدران كأنها تربت على أكتاف الماضي الذي مازال يانعاً كصبرها.. تميل بكل ثبات كالغصنٍ نحو قلب ذلك الذي يراقبها ويصور حركاتها وبدون قصد منها أثارت الفوضى بين عروقه مثل يمامة ترتل السلام فوق أوصاب دَوْحها .. لم يتركا شبراً في هذا المكان المذهل إلا وتنقلا فيه وبعد وقت ليس بقليل أحسا ببعض الإرهاق فقررا الرجوع للفندق مرة أخرى حتى يستعيد آركان درّاجته وبالوناته ليقوم بمهمة توصيلها إلى منزلها وأثناء سيرهما المُتَمَهل سألته بفضول وجرأة لا تعلم من أين اكتسبتها في تلك اللحظة تحديداً (هل لديك حبيبة؟)

نظر إليها متعجباً من سؤالها المفاجئ ثم أجاب سؤالها بسؤال آخر (وهل ستتركني حبيبتي أتسكع منذ ثلاثة أيام مع فتاة جميلة مثلك دون أن تقطع رقبتي؟)

ضحكت سيڤدا على دعابته قائلة (هذا يعني أنك غير مرتبط)

سألها بتوجس (سيفرق معكِ إرتباطي بإحداهن من عدمه؟) .. رفعت أكتافها بحركة لم يفهم معناها فنظر إليها قائلاً باستنكار (لم أفهم)

توقفت عند أحد المنازل قائلة (ربما)

_ (ربما ماذا؟)

=(ربما سيفرق معي لاحقاً)..أنهت جملتها بابتسامة خفيفة ثم أشارت نحو المنزل قائلة (بالمناسبة هذا منزلي)

رد عليها آركان بهدوء رغم التوتر الذي أصابه من حديثها الأخير (لقد سررت كثيراً برفقتك) .. ثم أخرج بالونة خضراء من عُصبة بالوناته وأعطاها لها قائلاً (تلك هديتي لليوم وقبل أن تسألي عن معنى الأخضر سأخبرك).. صمت قليلاً يعبأ صدره ببعض الهواء وأردف مبتسماً (الأخضر لون الطبيعة الملكية الأنيقة ويرمز للنمو والتوازن والطمأنينة.. إنه أكثر الألوان بهجة وعندما تنظرين إليه تشعرين بالراحة والتفاؤل)

تناولت سيڤدا البالونة قائلة بنبرة فَرِحة (أحببتها وأحببت وصفك للونها ومعناه)..

هم بالمغادرة قائلاً (هيا ادخلي ..واعتني بنفسك جيداً)

أومأت إيجاباً وقبل أن تمتثل لأمره اقتربت منه تعانقه قائلة بخفوت (سأشتاق إليك حتى الغد) ..

ارتبك آركان بشدة من تصرفها لكنه لم يستطع منع نفسه من لف ذراعيه حول جسدها الصغير ليشدد ذلك العناق المباغت هامساً بصوت مهزوز (وأنا أيضاً سأشتاقك كثيراً)

************

إلى اللقاء مع الطيف الرابع

Continue Reading

You'll Also Like

615 65 11
العائلةُ التي تملُك مقاليدَ الحُبِّ، والمحاولات من أجلِ بعضهِم، الإثنا عشر رجلًا، والفتاة التي تُكمل تِلك العائلة، تَجدهُم مليئين بالحماسِ، كُلُّ يوم...
7.5K 327 11
قصة أميرة وقرصان، وملك غدر بها، وبحر تلقفها، ورياح ألقتها بعيدا، وحرب ضروس وجدت نفسها بها، ولؤلؤة سرقت منها وتود استعادتها، وعيون قراصنة تراقبها لي...
19.8K 1.8K 21
المساجلات حوار يُسجل، والتحاور قد يحتدم ويصبح عراكاً، وإبداء الرأي ومناقشته مِن المستحيل أن تكون سبباً في ابتدائِه! فلنحضر كوب قهوة ليشارك جلستنا، ل...
2.1K 117 4
قبل مئات السنين والعصور يوجد عصر يتميز بالسحر والتعاويذ من بين ثلاث ممالك ضخام تمتلك كلاً منها قدراتها الخاصه التى يستخدمونها فى تدريب الأشخاص ذوى...