غيرة نارية

364 36 6
                                    

(غيرة نارية)
(Ateşli kıskançlık)

استغرق الطريق إلى بيت سيڤدا وقته المُستحق.. دقائق مرّت كرفّة العشب.. لم يعلم كم نظرة اختلسها لوجهها الهادئ كَليل نهاية حرب وضعت أوزارها حديثاً عبر مرآته الأمامية.. إنها بعيدة رغم قربها.. جارحة في لمسها لحجر سِلساله ووديعة كضياء الفجر.. وأخيراً وصلت السيارة إلى الحي الذي تقطن به الوردة.. شكرته بمجاملة ثم ترجلت بمفردها مُلوحة بابتسامة مضطربة وكأنه الوداع الأخير لتعود لنبعها طائرة بأجنحة فراشة حزينة.. وباختفاء طيفها وسط غُبار المدينة انسحب كل شئ من حوله ولم يبقَ في دمه الهادر سوى ملامحها ونظرة الوجع داخل عينيها وجرحها الخفي.. وفي لحظة تناسى وجود هوليا التي كانت تجلس بجواره والغضب يحرق أحشائها.. ساد بينهما صمتاً مشحوناً قطعته هي تهتف بعصبيتها المعتادة (لماذا تتعمد مضايقتي؟)

نظر إليها قائلاً بتحذير (اخفضي صوتك وأنتِ تتحدثين معي)

صاحت به والشرر يتطاير من مقلتيها (كلّا لن أخفض صوتي لأنك لا تراعي مشاعري وتغفل عن كوني خطيبتك وسأصبح زوجتك المستقبلية)

ضغط على مكابح السيارة بقوة لتتوقف فجأة مما جعل رأسيهما ترتد إلى الخلف بعنف قائلاً (قدرتك على الإستفزاز فاقت طاقتي على التحمل .. من أي طين خُلِقتِ؟) .. شهقت هوليا بصدمة من رد فعله تغطي فمها بكفيها ولم ترد فتابع هو بأعصاب مُهتاجة (ارحميني وارحمي نفسك وامنحيني فرصة لأحبك .. أنا تعبت) .. بكت بدموع حقيقية بل انفجرت بالبكاء كعبوة ناسفة من الشهقات المقهورة .. ولأول مرة منذ ارتباطهما يشعر بالتعاطف معها .. رغم كل عيوبها وعلاتها إلا أنه لايستطيع تحميلها الخطأ الذي ارتكبه في حق نفسه وحقها.. ما ذنبها في تسرعه وقلة صبره؟ .. بالأخير هي إنسانة ومشاعرها لم تُخلق ليدوسها بحبه لإمرأة أخرى.. مسح وجهه براحتيه ثم جذبها ليسند رأسها على كتفه طابعاً قبلة عميقة فوق خصلاتها البنية الناعمة معتذراً (أنا آسف.. لا تؤاخذيني)

أحاطت عنقه بذراعها تحتضنه بخوف قائلة بصوت متقطع من شدة البكاء (لقد أرعبتني كثيراً)

ضمها إليه أكثر قائلاً بندم (لم أقصد والله .. لم أقصد .. كفاكِ بكاءً دموعك تؤلمني)

أغمضت عينيها وهي تنام على صدره قائلة (أحببني يا آركان .. ألا تراني جميلة؟)

تنهد قائلاً بهدوء حزين (بلى .. أنتِ جميلة جميلات إسطنبول بأكملها ياعزيزتي .. لكنك تضيعين هذا الجمال بعنادك وتسلطك) .. صمت لثواني يستجمع شتات نفسه الضائعة بين ما يريده قلبه وما يجبره عليه الواقع الذي ألقى به نفسه (تخلّي عن بعض قوتك واهدئي .. نحن نحتاج إلى هدنة من هذه الحرب التي نخوضها ضد بعض .. أرجوكِ يا هوليا خففي من حدة طباعك .. أعصابي أصبحت على المحك)

_ (سأحاول أن أتغير من أجل الحفاظ على علاقتنا)

=(حاولي من أجل نفسك أولاً .. ولا تتعايشي مع بغض الآخرين لكِ تحت أي ظرف).. أبعدها قليلاً عن حضنه ينظر لوجهها المُحمر وعينيها الخضرواتين كنبتة الريحان قائلاً بابتسامة عذبة (كوني لطيفة مثل لون عينيكِ فأعمارنا قصيرة ولا تحتمل كل هذا التعب)

ساحل أسكودار (مكتملة)Where stories live. Discover now