الطيف الأزرق

328 29 2
                                    

(الطيف الأزرق)
Mavi spektrum

تفاجأ آركان بتصرفها لكنه لم يستطع منع نفسه من لف ذراعيه حول جسدها الصغير ليشدد ذلك العناق المباغت هامساً بصوت مهزوز (وأنا أيضاً سأشتاقك كثيراً) .. أفلتت منه تنهيدة حائرة وهو يعلم جيداً أن أنفاسه لن تنتمي إليه مجدداً ومشاعره في تلك اللحظة تشده من قلبه لتنقش إسمها فوق كفه وتخبئها كُلّها في دفأ روحه..وعندما أطال احتضانها خشي أن ينسى نفسه بين ذراعيها فابتعد صاغراً ليودعها ويمضي إلى أُفقه الذي أصبح ضيقاً منذ لقائها.. أما هي فوقفت تقتفي أثره وهو يبتعد كزخة عطر انتشر شذاها لتختلط برذاذ المطر في غفلة من الشتاء .. وبعد دقائق قليلة قررت الدخول إلى منزلها لتنام عسى الوقت يمر سريعاً ويأتي الصباح لتلقاه...

*************

القمة الوحيدة التي يستحق أن يصل إليها إنسان خاسر هي قمة نجاحه في الخروج من الخسارات قوياً بشكل لافت.. أن يتحايل على أبجدية الهزيمة ويحولها لمجرد تجربة سريعة التلف وألا يشد بأصابعه على ثوب أحد ويُسقِط من انطفأت في خاطره اللهفة عن كاهله دون تردد.. طلّت الشمس كقُبلة أنيقة من خلف زجاج نافذتها لتوقظها بحنو بالغ .. فتحت سيڤدا عينيها لتستقبل نهارها الجديد على صوت رنين هاتفها باتصال من الشركة التي تعمل بها.. أجابت سريعاً فأتاها الرد من قسم شئون العاملين بأن السيد تشانير قطع عطلة زواجه وسيصل إسطنبول اليوم ويطلب حضورها غداً للأهمية.. أغلقت الخط وظلت جالسة في مكانها وعينيها شاردة .. مُعلقة بالجدار أمامها .. غصة كبيرة تورمت في حلقها وسدت مجرى تنفسها وفراغ محاجرها يتفقد الدمع الذي نضب منه وسكين سؤال (لِمِ تُرِكت هكذا؟) مازال مغروز في خافقها..دقائق مرت عليها كنفض الغبار في وجه الماضي الأليم وفي لحظة ما قفزت صورة آركان أمامها.. إن ظهوره في حياتها كان بمثابة صخرة اسندت عليها كل حزنها .. يده الحانية.. الدافئة رفعت رأسها قبل أن تتدحرج مثل الكرةّ الهاربة من كثافة تعبها.. تتمنى لو يعود بها الزمن للوراء وتلقاه هو أولاً لتمنحه اللحظات الأولى من عذرية عشقها لكن لكل لقاء ميعاد وفي كل ميعاد حكمة.. وبعد وقت ليس بقليل نهضت تزيح عن كاهلها ثِقل الندم لتتجهز وتذهب إليه لتقضي معه آخر يوم قبل عودتها لعملها... وعلى الطرف الآخر كان يقف في مكانه المُعتاد ينتظرها مذهولاً من سرعة الأحداث وذلك الإحساس العميق باللهفة ليختصر عمر من المشاعر البرّاقة في غضون أيام لكنه خائف من احتمالية زيف البريق وأن يفقد لونه بنفس السرعة التي اكتسبها قلبه وأثناء وقفته الهادئة انتبه لصوتها تلقي التحية بنبرة شجية (صباح الخير)

رد عليها مبتسماً بإشراق (صباح الورد ياوردتي)

بادلته ابتسامته بأخرى خجولة ثم قالت (لم يخصني أحد بلقبٍ رقيق كهذا من قبل)

تأملها لثواني قائلاً بصوت أجش (أنا أصفك لا أعطيكِ لقب) .. توترت سيڤدا من كلماته المُبطنة بغزل صريح وأشاحت بوجهها الُمتورد خجلاً بعيداً عنه ولم ترد فتابع هو مبتسماً بعذوبة (كيف كانت ليلتك البارحة؟)

ساحل أسكودار (مكتملة)Where stories live. Discover now