تَرددَ صوتُ رَنين المنبِه المُزعِج الصادِح بأرجاءِ الغُرفةِ جاعِلاً مِن نومِ جونغسو الهادِئ جَحيماً قد بدأ، هو كرِهَ أن يسمعَ رنينَ المنبِه صَباحاً للجامِعةِ خاصةً اليوم تحديداً.. ساعتان نوم مُقابل يوم طويل مُتعِب كَفيلاً بتَعكيرِ مَزاج أي شَخص بالصباحِ، وحاله كحالِ باقي أصدقاءه.
هو حتي تَمنّي أن يستيقظَ ويجدَ نفسه خريجاً مُنذ عامين يَعمل بوَظيفةٍ جيّدةٍ وأنّ كل ذلك كان حلماً.
تأفف بينما يمدّ يده لِهاتفِه ليُغلقَ المنبهَ ويُلقِه علي المِساحةِ الفَارغةِ بجانبه علي السريرِ الذي أصبح جنتَه بتلك الحياه.
إستقامَ مِن أسفلِ الأغطيةِ الدافئةِ فشعرَ بقشعريرهةٍ سرَت بجسدهِ أثر لفَحات الهواءِ القويّه المُسببه لذلك البرد، نهضَ مِن سريرهِ ليتحركَ تجاه النافِذه ليُغلقها بينما يرتَجِف وأسنانه تصرُ علي بعضها ، بالرغمِ من تدفئتِه للمَكانِ ألا وكان الجو بالخارجِ بارداً والهواء قويٌ لدرجةِ أنه فتحَ النافِذه التي نسيَ جونغسو إغلاقها جيداً ليلة أمس، رفعَ نظراته الناعِسه نحو السماء الرماديّه المُلبده بالغيومِ ليُدرك كم أن اليوم سيكون صعباً للجميعِ.
قامَ بروتِينه اليَوميّ وإكتَسي مَلابِسه وقامَ بتَصفيفِ شَعره كَعادته، تِلك المرّه أحبَّ أن يكتَسي سُترةً صوفيّةً بيضَاء ذات رَقبة طَويله، بِنطالاً أسوداً ، وجاكيت به ألوان مُتنوعه مع حذاءٍ به نفس تلك الألوان، وحقيبةَ ظهرهِ السَوداءِ التي ينامُ بها مُستقبله.
بينَما كان يَلقي نظرَاته علي مَظهرِه بإنعكاسِه بالمرآةِ فجأه حَالت مَلامحُه لنظراتٍ شَيطانيّة نابِساً بصوتٍ مَسموعٍ بينما يَصرُ علي أسنانِه بكلِ غلٍ: "أتمني أن أصلَ للجامعةِ وأجدها كُرةً مُلتهِبةً يستحيلُ إخمادها." تَمني وكأنه يُعلق كل آماله علي تلك الأُمنيه السَخيفه الغَريبه، غمزَ لنفسِه بالمرآةِ ثُم أخذَ حاجِياته وخرجَ مِن غُرفتِه ليُعدَ لنفسِه الفطور سريعاً وتناوله وخَرج.
عِندما طلعَ مِن منزلِه واجِداً السماءُ تمطرُ غَيثها لتُحيي المَيت بداخلِ القلوب ، وتُنبِه الغافِل ، فتحَ ذراعيه لها رافِعاً نَظره لها مُتمتماً بسُخرية: "شكراً لإشفاقكِ عليّ." ثُم ركبَ سيارته وقررَ أن يأخذَ قهوته في الطريقِ.
حَالماً خرجَ مِن سيارته حين وصوله للجامعةِ شعرَ وكأنّ الطقس يُعاقِبه بصفعاتِ الهواءِ الباردِ لوجهِه لأنه خرجَ من المَنزلِ اليوم ، هُو فقط ضحكَ علي أفكارِه الغريبةِ لهذا اليوم ، فهو قد إستهلكَ كل ذكاءه ليلة أمس ولم يتبقي سِوي التسع وتسعون بالمائةِ غباء.
كان الجميعُ مُختبئاً من الغيثِ وكأنّه نيازك تُلقي عليهم، ولكُنها خيراً يجهلهُله الكثيرُ ويهربون منه.
في حينِ إختباء الجميع وتحدثهم بشكلٍ طبيعيٍّ، كان يجلس هذان البائسان دون كلام يُذكر وكأنهما لا يعرفان بعضهما، أحبَّ جونغسو أن يُكمِل ما يفعلوه وجلسَ بجانبهم مُقلِداً ملامح وجوههم المُكتئبه.
صادفَ بتلك اللحظه أن يمُر جاي مِن أمامهم لينفجر بالضحكِ مع تشون مُشيراً بسببابته عليهم قائِلاً: "البؤساء." فنهضَ جين راكِضاً خلفه ليهرب جاي سَريعاً مُبتعداً عن أنظارهم فعاد جين إلي مكانه.
"لستُ مستعِداً لأيٍ ما سيحدث اليوم البته." نبسَ جونغسو حاشِراً يديه الباردتين في جيوب جاكيته ينظرُ أمامه للطلابِ.
"جميعنا نفس الحال." ردَّ رون دافِناً وجهه داخل جاكيته حيث لا يظهر سوي عينيه فقط.
"هيّا بنا إذن لننتهي مِن هذا الأمر، الجميعُ قد حضرَ." أردفَ جين مُشيراً برأسِه لمجموعة هيونكي القادمَه تجاههم لينهض الجميع حاملين حقائبهم ليصدعوا إلى المكتبةِ.
جلسَ الجميعُ حول المِنضَده الكبيره وشرعوا بإخراجِ أوراقهم واللوحات التي عملوا عليها كي يضعوا لمساتهم الأخيره.
الجميعُ كان يعمل بجدٍ وحذرٍ حارصين على فعلِ كل ما بوسعهم كي يكُن كل شئٍ بخيرِ.
اليوم هو موعِد تسليم مَشروع تخرجهم لذلك الجميع مُجتمعاً اليوم ويعملُ هكذا كأنّه يضع كل آماله ببعضِ الأوراقِ واللوحات وحتى الجزءِ العَملي من مشروعِهم كي ينتهي كُلُ هذا.
جاءَ وقتُ إستراحتهم ليزفر الجميع بتعبٍ ثُم إرتمي جونغسو على الأريكةِ الجلديةُ خلفه بتعبٍ، تَبقى جزء قليلٌ جداً؛ فهُم أوشكوا على الإنتهاءِ.
"فجأه أصبح الموتُ مُحبباً لي." أردفَ رون الذي كان يتمَدد مَازِحاً ليردف جونغسو قائِلاً :"أتمنى لو كنتُ صرصور."
"حتى أنا أشعرُ وكأنني أريدُ الزواج وترك تعليمي." تحدثَ جين مُتظاهراً الجديّه.
"أنا فخور بنا وبطموحاتنا الغبيّه." نبسَ جونغسو ساخِراً بينما يصفقُ وعلى مِحياه إبتسامه فخوره.
" انا جائع، لنذهب ونشتري طعامًا." قالَ رون موجِهاً حديثه لأصدقائِه الإثنين فردَّ جونغسو قائِلاً: "لا أريد الذهاب، سأبقى بالشُرفةِ وأتصل على أحد أقاربي كي أطمئنَّ عليه." فذهبَ جين برفقةِ رون وذهبَ الجميع معهم بما أنهم بذلوا جهداً أشعَرهم بالجوعِ.
ذهبَ جونغسو للشُرفةِ الباردةِ كي يتصلَ على قريبِه الذي كان يخضع لعمليةٍ جراحيةٍ صباح اليوم وقد كان بصحةٍ جيدةٍ أفضل مِن ذي قبل، كان جونغسو سَعيداً بهذا الخبر مما أعطاه طاقةً إيجابيةً كيّ يُكملَ يومه.
بعدما أنهىٰ مُكالمته وكادَ أن يدخُلَ مِن الشُرفةِ لمحَ شخصاً ما يعبثُ بين الأوراق وكأنّه يبحثُ عن أوراقٍ مُعيّنةٍ بسرعةٍ وقد بدا متوتِراً، فإختبأ بالشرفةِ مُجدداً بعدما عرفَ أنه هيونكي.
عادَ ليراقبَه مُجدداً دون أن يُشعِرَ هيونكي به مُنتظراً نهاية المَشهد أمامه، شيئاً ما بداخله يُخبره أنه لا ينويِ على خيرِ.
تفاجئَ جونغسو حينما أمسكَ هيونكي بأوراقِه مُبتسماً ثُم بدلَ أوراقَ جونغسو بأوراقٍ فارغةٍ.
ولكن جونغسو كان أذكى من هيونكي بكثيرٍ، كما أن الحظُّ كان بصفِّه تلك المره.
قبلَ أن يفرَّ هيونكي بفِعلتِه خرجَ جونغسو بسرعه من الشُرفةِ قائِلاً بإبتسامةٍ جانبيةٍ: "إلى أين أيّها السارق؟ توجد بعض الأوراق لي على الأريكه، ألَن تأخذها؟"
صُعقَ المَعنىُّ حينما سمعَ نبرته الجاده خلف ظهره فأبتلعَ ريقه بتوترٍ؛ فهو تلك المره وقعَ بالمَصيدةِ ولا يُمكِنه الهروب أو الكذب، فبقي مُتحجِراً بمكانِه من الخوفِ.
"ألن تتحرك أيّها الصنم؟ أمّ أنك خائف؟" بنبرةٍ مُستفزةٍ قالَ جونغسو، حالياً هو يشعرُ برغبةٍ قويةٍ بدعسِ رأسه تحت قدمه، فِعلتِه تلك شَنيعه كفيلةً بفصلِه من الجامعةُ بأكملهِا، هو حتى نسي وجود كاميرات مُراقبه بالمكتبةِ وتلك ستكون لُعبة جونغسو.
"لماذا تفعل هذا؟ ألن تتوقف عن ألاعيبَك الغبيّه تلك؟ كُل مره ينتهي بك المطافُ بشكلٍ سخيفٍ." تحدثَ جونغسو ساخِراً، فإستجمع هيونكي شجاعته كيّ يواجهه فأدارَ نفسه ليُقابله ولكنه لم يتكلم.
عمَّ الصمتُ بين الإثنين، جونغسو ينتظرُ ردَّ هيونكي والآخر لا يُريد التحدُث، ولكن طفحَ الكيلُ به ليرد بصوتٍ مُرتفعٍ قائلاً: "جونغسو .. أنا أصبحت أكرهك وأغار منك كثيراً، أصبحت أنا المَكروه وأنت المحبوب!"
"أتظن أنني لا أعرف كُل هذا! سأخبرُك شيئاً.. إنه لشعورٍ مُتبادلٍ بيننا، ولكن.. أتعلم؟ إكتشفتُ كم أنك طِفلاً غبياً يستحقُ كل كرهٍ يَصدرُ إليه، أيوجد شخص عاقِل يفعلُ تلك الأشياء الغبيه التي يفعلها أطفال الروضه؟" صرخَ جونغسو عليه بالمُقابلِ، هو أيضاً طفحَ الكيلُ به، فكرة أن هيونكي سرقَ أوراقَ مَشروعه ولولا رؤيته له لرسب بتلك السنه ولم يتخرج بعد كل هذا العناء.
قد تجمعَ بالفعلِ الجميع حولهم بسبب اصواتهم المرتفعة وجديّة الموقف، قد أصبحت شِبه مُنافسه الآن.
"أنت مُعتل نفسيّ ويجب أن تتعالج! ولكن بعد طردك من تلك الجامعه." قالَ جونغسو مُبتسماً بسُخريةٍ بينما يشيرُ على إحدى كاميرات المراقبه لتتبدل ملامح الآخر لخوفٍ أكثر.
بتلك اللحظه أدركَ هيونكي كم هو غبي وأنه لن يفر بفعلته تلك، كما أن مُستقبلُه على المحكِ الآن لعبةً بين يدي جونغسو لذلك أخذَ نفساً عميقاً قبل أن يتحدث قائلاً: "جونغسو أنا أعتذرُ عما فعلته قبل قليل، خذُ أوراقك.." فأخرجَ الأوراقَ من حقيبتِه ووضعها على طاولةٍ صَغيرةٍ كانت بجانبِه ثُم إسترسلَ بحديثِه: "ولكن لا تفعل هذا بي، لا تُدمر مستقبلي بعد كل هذا التعب."
"وهل كان جَيداً لك أن تدمرَ مُستقبلي! هل أنت مُدرِك أثر ما فعلته!" صرخَ جونغسو بوجهه ممسِكاً ياقته بقوةٍ.
"أنا أسف، أعِدك أنني لن أقف بطريقِك بالأيامِ القليله المُتبقيه لنا هُنا، ولن ترَني مُجدداً بعد التخرج، ولكن لا تفعل هذا بمستقبلي." تحدثَ بندمٍ بينما يوجِه نظره للأرضِ.
قررَ جونغسو ألّا يفعل هذا وأن يتركه، هو فقط فكرَ بعائلتِه التي ستتضرر من الأمرِ، فهم بالحاجةِ إلى المالِ وهيونكي هو كل أمَلهم بعد تخرجه.
" أُغرب عن وجهي." قالَ جونغسو يَدفعه بعيداً فأومأَ وركضَ للخارجِ تارِكاً خلفه فَضيحته.
---------------------------------
-------------------
دُمتم بخير. 🌞💛