وجـوه خلف الأقــنـعـة (رواية)

By H_Zara_H

8.1K 483 208

سعيها لبلوغ غايتها الوحيدة يقودها لطريق مليء بالمتاعب، كما سيتحتم عليها ارتداء عدة أقنعة للصمود، غير مدركة أن... More

المقدمة
(1)
(2)
(3)
(4)
(5)
(6)
(7)
(8)
(9)
(10)
(11)
(12)
(13)
(15)
(16)
(17)
(18)
(19)
(الخاتمة)

(14)

175 16 5
By H_Zara_H

(خذلان)

عندما دخلت سمر إلى المنزل لم تكن على دراية لكم من الوقت استغرقته في الخارج، مع ذلك فهي مدركة بأنها تجاوزت الموعد المقرر لعودتها للبيت بكثير.

جلست في الصالة المظلمة تتفادى انتباه إحداهما لعودتها تجنبا لأي نقاش كان، حتى لو كان ذلك سيعرضها للكثير من التوبيخ لاحقا لتأخرها.

وضعت رأسها بين ركبتيها تفكر، تلوم نفسها وتجلدها. لقد ضاع منها كل شيء، كل ما عملت لسنوات لأجله قد ضاع من بين يديها في طرفة عين.

يبقى أملها الوحيد هو وعد إياد لها، فإن كان يعلم حقا بمكان شقيقتها فسيدلها عليه. حتى إن لم تنهي عمليتها كما سبق واتفقا عليه فهو لن يخدلها، هو صديقها قبل كل شيء، أليس كذلك؟

انتابها القلق بشأن مصير إياد هو الآخر ومجموعته، لقد كشف أمرهم بالتأكيد. كان حسام قد ذكر بين كلامه شيء يخص عصابتها أو ما شابه، ذلك يعني أنه يعرف بتورطها مع عصابة ما ولا تستبعد أنه يعرف من بالضبط.

ضغطت على صدغها تشعر بصداع قوي يداهم رأسها، إنها لا تستطيع تخيل ما سيحدث لاحقا، ولا حركة الأخوين التالية ضدها وضد ارعصابة، لذا عليها التحرك قبل فوات الأوان.

***

استيقظت باكرا بعد أن غفت لبضع ساعات تخللتها كوابيس جسدت كل مخاوفها ليلة أمس. وكما دخلت البارحة فقد خرجت من المنزل خلسة قبل أن تستيقظ أحداهما حتى.

توقفت أمام المبنى القديم حيث تقع شقة إياد، تقف عندها مفكرة بطريقة لتوصل بها إليه خبر اكتشاف أمرهم بالكامل دون إثارة جنونه. فبكل الأحوال ستكون هي السبب في تخريب حياته وما عمل لأجله هو الآخر.

بعد عدة طرقات على بابه يُفتح لها الباب مطلا من خلفه زميلها في العصابة المسمى صفوان، استغربت من وجوده في منزل إياد في مثل ذلك الوقت وهو من يبدو عليه أثر النوم غير مستغرب لوجودها هي هناك في أول ساعات الصباح.

تراجع عن الباب يفسح لها المجال للدخول، فسألته بينما تغلق الباب وراءها:

"أرجو منك أن توقظ إياد يا صفوان فأنا أريده في الحال لأمر مهم جدا"

جلس هو على أريكة يبدو أنه كان يستعلمها للنوم، يمرر يديه على وجهه محاولا الإستيقاظ بالكامل، ثم أجابها بصوت ناعس:

"لقد غادر المدينة لأمر طارئ، هذا ما أعلمني به!"

وقفت مقابله تحدثه بانفعال:

"ماذا تعني بأمر طارئ؟ هو لا يغادر أبدا المدينة ليلة أي عملية لأي فرد منا فماذا يحدث الآن معه؟ هل تخفي عني شيئا؟"

لم يستسغ طريقة حديثها تلك معه، إلا أنه أجابها محافظا على هدوء أعصابه :

"لم يخبرني بشيء مهم، طلب مني إخباركم بضرورة عدم اللقاء ببعضنا البعض هذه الأيام وتوخي المزيد من الحذر، هذا فقط."

استفزتها طريقة كلامه الباردة، هو مطمئن هنا لا يعلم أنه وفي أي لحظة قد تداهم الشرطة المنزل عليهما.

ثم ماذا يريد إياد أن يقصد بكلامه ذلك؟ هل تلقى تهديدات أم أن الأمر خارج موضوعها هي وأبناء رضوان؟

جلست بجانبه لتسأله بعد أن هدأت قليلا:

"ألم تشعر بأن شيئا مريبا يحدث معه مؤخرا؟"

نهض عن الأريكة يجيبها متجها نحو طاولة عليها جهاز تلفاز وبعض أقراص الفيديو:

"إنه مضغوط بعض الشيء هذا كل ما في الأمر... وقبل أن أنس، لقد طلب مني تسليمك هذا الضرف، أعتقد أنه أجر عملية أمس!"

وهذا شيء آخر لا تستوعبه، إياد يخفي عنها شيئا بالتأكيد. ثم كيف يدفع لها مقابل عملية لم يتأكد من نجاحها حتى؟

مد إليها الضرف واقفا وكأنه يطلب منها أخذ مالها ثم المغادرة، وهي بقيت جالسة حائرة تحاول إيجاد إجابة لكل سؤال، ولكن لا إجابة لديها هي.

أخذت منه الضرف وغادرت، تعود أدراجها بتساؤولات وشكوك أكثر مما وصلت بها حتى.

في طريقها للخروج من الحي أخذت تفتح ذلك الضرف، وقد تفاجأت بوجود ورقة مطوية إلى جانب مبلغ من المال.

تناولت الورقة تقرأ رسالته إليها معتقدة أنها ستجد كل الإجابات بداخلها، ولم تصدق أنه اكتفى ببضع كلمات لم تشفي غليلها:

" قبل كل شيء أود أن أعتذر منك يا سمر، لم أكن أعتقد أنني سأصل معك لفعل ذلك، لكنني كنت مضطرا صدقيني، لقد ضغطوا علي ولم يكن بيدي شيء..

يؤسفني أن أقول لك أنني كذبت عليك بخصوص معرفتي بمكان تواجد شقيقتك، كانت الوسيلة الوحيدة لتقبلي بتلك العملية التي يريدونك أن تقومي بها لسبب بتي تعرفينه الآن على ما أعتقد..الحقيقة الكاملة ستجدينها عند أبناء رضوان فقط. أما أنا فلا تبحثي عني أبدا، فأنا خارج المدينة لوقت غير محدد..إياد"

ضغطت الورقة بين يديها حتى تحولت لكومة ورق متجعدة، ولأول مرة منذ لقاءها بإياد تشعر بطعم الخيانة، خيانة من شخص اطلعته على سرها الذي لم يعلمه غيره فاستغل ذلك ضدها.

ولكن لماذا وكيف؟ هل يعقل أنه باع لهما سرها مقابل بعض المال؟ أم أنهما من ضغطا عليه كما يزعم في رسالته؟

أيا يكن الأمر فهي ما عادت تثق في أي شخص، وعليها التصرف بمفردها لتجد حلا لورطتها تلك.

***

لم تعد بعد لقاءها بصفوان إلى البيت، فضلت زيارة الصالة الرياضية علّ رياضتها المفضلة تستطيع امتصاص بعض مشاعر الغضب والخيبة منها، وإلا فإنها سوف تنفجر على أحدهم لا شك فيه.

دخلت حلبة الملاكمة على استعداد للنزال، وخصمها هذه المرة تكون نفسها لا غير. إن أرادت الفوز بالنزال فعليها التغلب على نفسها، ثم المرور لأشياء أخرى بعدها.

كان من السهل عليها الهروب لوقت طويل، ولكنها فضلت المواجهة هذه المرة، فمنذ البداية كل ما كانت تحتاجه هو بعض الشجاعة للمواجهة.

بعد ساعة كانت تتصبب عرقا، مرهقة ومتعبة من نزال خرجت منه منتصرة على ما تعتقد.

أخذت هاتفها تتصل بشخص ترى فيه الأمل الوحيد، إما أن يساعدها على اتخاذ طريق أسهل، أو أنها ستتخذ طريقا سيعود بالضرر على كلا الطرفين، وفي كلا الطريقين ستضحي بنفسها لأجل ما تبقى لها.

***

دخلت الغرفة تمسح شعرها المبلل بعد الإستحمام، تشاهد شقيقتها جالسة على السرير تحدق بها وتبتسم بمعنى. و يبدو لها كونها تجاوزت أمر خيبتها على خير بعد أيام من الكأبة.

تمنت لو أنها كانت كسيلين، تتجاوز الصعاب بسرعة مديرة لها ظهرها، لكنها مختلفة عنها كثيرا. هي تأخذ الأمور على نحو آخر، وكأنها في معركة دامية، إما أن تخرج منتصرة أو مغلوبة، المهم أنها لن تنزل السلاح قبل آخر رمق.

نهضت سيلين تتقدم نحو سمر الواقفة مقابلة للمرآة، فقالت وهي تحدق بانعكاس صورتها عليها:

"قد يبدو ما أفكر به جنونا يا أختي، لكنني أشك في أن أحدهم قد دخل حياتك صحيح؟! "

لم تحمل سمر أي أهمية لكلامها، أما الأخرى فقد تابعت:

"غياباتك عن المنزل أصبحت كثيرة بحجة العمل الإضافي المفاجئ، وبتي تسرحين كثيرا حتى، هل تخفين عني شيئا؟ يمكنك الوثوق بأختك خبيرة العلاقات لتساعدك في أي مشكلة تقعين بها"

في وقت آخر كانت سمر لتنكر ذلك بكل الوسائل، لكنها فقط تابعت ما كانت تفعل لتنهي النقاش قبل أن يبدأ:

"لست متفرغة لتلك التفاهات التي تملأ رأسك يا أختي الصغيرة، اهتمي بدراستك فقط ودعك من أمور لن تقدم ولن تؤخر من شيء"

ابتعدت عنها توليها ظهرها، أما سيلين فلم تعاند كعادتها نظرا لمزاج أختها المتعكر ولم تضف شيئا، بل التزمت الصمت تغادر الغرفة تاركة سمر لتغيير ثيابها.

ما إن أغلق الباب عليها حتى رمت بتلك الفوطة على الأرض، تجبر نفسها على تمالك أعصابها حتى لا تفسد ما لم تفسده أفعالها بأقوالها الجارحة في حق من تحب.

***

في المساء ذهبت للقائها مع ابن رضوان، غير مصدقة أنها من طلبته للقدوم إليها وليس العكس كما كانت تتوقع. لمحته جالسا في المقهى في زاوية بعيدة عن ضجيج المكان، لتتجه نحوه عازمة على الفوز في قضيتها تلك.

نهض مجد عن الطاولة ما إن لمحها تقترب منه، منتبها لمظهرها الجديد ذاك. فثيابها بدت له رياضية وأكثر بساطة، تنتعل حذاء رياضيا وقبعة تخفي تحتها شعرها القصير المحكم الشد.

وقفت أمامه وانتزعت القبعة لتلقي التحية:

"مرحبا مجد، أتسمح لي؟"

شرد للحظة في ملامحها وطريقة حديثها الجديدة؛ بدون رسميات ولا ابتسامات متكلفة. يشير لها بالجلوس وهو يعود للجلوس أيضا.

أخبرته لا تود تضييع وقته الثمين:

"أشكرك على قدومك اليوم، لأنني وبصراحة كنت أشك في أنك سوف تقبل دعوتي هذه "

أومأ لها بخفة معلقا:

"لا داعي لشكري يا سمر، كنت سوف أطلب لقاءك عل كل حال ما إن أنهي بعض الأومور المهمة و التي تخصك أيضا"

هزت رأسها بخفة وقد فاجأها قوله لها، فماذا يعد لها مجد من أمور؟ وهل هناك المزيد ينتظرها لتلقيه من أبناء رضوان بعد؟

سألها ما إن رأى شرودها للحظة:

"الآن أخبريني ما هو الأمر الذي تريديني فيه بشكل عاجل؟"

فتحت فمها لترد على سؤاله، إلا أن قدوم النادل قاطعها، وبينما انشغل عنها مجد للحظة معه تستنشق نفسا عميقا تستعد للبوح بما لديها له.

سألها مجد عما تريد شربه، إلا أنها اكتفت بأخذ رشفة من كوب الماء الذي رافقه النادل مع قهوته له.

ما إن غادرهما الآخر حتى قالت دون تردد:

"بعد كل ما حصل تلك الليلة وانكشاف أمري لكما، أعتقد أنه لا داعي للكذب والمراوغة بيننا. يجب أن تعرف بأنني أعرف بأنكما تعرفان بعض الأمور المهمة عني قد تودي بي للهاوية، كما أنني أعرف عنكما أمرا قد يزج بكما في السجن وأنت أدرى مني بهذا"

أومأ لها بين كلماتها، فتابعت هي مسترسلة:

"لإنهاء هذا لدي لك خيارين، الأول؛ أسلم نفسي وأعاقب على قتلي لوالدك دون ذكر أي منكما في شيء، في المقابل أنت سوف تعيد إليّ أختي سلمى،  ولن تضر عائلتي أو أي شخص على صلة بي بأي شكل"

حاول مجد ربط ما تقوله من كلام بما حدث مؤخرا، فلماذا تعتقد أنها قاتلة أبيه؟ ماذا كان سيحدث لو أنها ذهبت للشرطة لتعترف قبل أن يبين لها اللبس ف الموضوع؟ كان تركها دون توضيح بحجة تركها على راحتها لبعض الوقت خطأ منه منذ البداية.

سايرها مجد يرغب في سماع كل ما لديها قبل أن يخيب أملها، فسألها بعد أن أخذ رشفة من قهوته:

"وماذا لو لم أوافق على اقتراحك الأول؟ ما هو اقتراحك الثاني لي؟"

أجابته بثقة:


"أنا عند كلمتي، سأعترف بكل شيء مع ذكر كل الأسباب التي دفعتني لذلك، اختطافكم لطفلة يعد جريمة في النهاية، ولا أعتقد أنك وشقيقك ستسمحان بثلويت اسميكما بعد ما وصلتما إليه، ومع هذا الإقتراح فللأسف لن أكون الضحية الوحيدة في نهاية قصتنا هذه"

نهاية الفصل الرابع عشر

Continue Reading

You'll Also Like

1.1K 162 12
مجموعة قصصية روحانية مكتملة. هنا سنستمتع معًا في الإستماع لحكايات الهلال في حضرة الشهر الكريم، سيروي لنا القصص والحكايات لنعتبر من خطايا المذنبين، ون...
101K 5.1K 37
أهَـلاً بَـكُم فيَ عواصف الديار سَوف تشاهدون الكثير من الغل والطغيان هيا بنا لنغوص معـًا ونعيش الحُب والفقدان .. باللهجه العراقية روايـة حقيقيه ، بق...
2.6K 119 12
الملخص : «هل تتصور أنك لم ترى يوماً ألوان الازهار أو البيوت أو الثياب أو أنك لا تعرف معنى «السماء الزرقاء» لأنك لا تعرف ما هو اللون الأزرق ؟ أنا أعتب...
27.9K 361 11
⚫في تلك الليلة التي اكتمل فيها القمر فانعكست اشعته الفضية فظهر كمرآه فوق اعشاب السفانا الافريقيه تناثرت هنا وهناك خيالات اشجار جافة سوداء ...... أغصا...