وجـوه خلف الأقــنـعـة (رواية)

By H_Zara_H

8.1K 483 208

سعيها لبلوغ غايتها الوحيدة يقودها لطريق مليء بالمتاعب، كما سيتحتم عليها ارتداء عدة أقنعة للصمود، غير مدركة أن... More

المقدمة
(1)
(2)
(3)
(4)
(6)
(7)
(8)
(9)
(10)
(11)
(12)
(13)
(14)
(15)
(16)
(17)
(18)
(19)
(الخاتمة)

(5)

283 21 8
By H_Zara_H


(مقابلة)

توقفت سمر عن العمل لتستريح و تروي عطشها ببعض الماء البارد. كان الجو حارا وقت الظهيرة وعملها كنادلة في المقهى الذي يحوي مطعما كذلك يحتم عليها الإنتقال تحت الشمس أحيانا، وذلك بعد انتقالها مؤخرا للعمل من الصباح إلى بعد العصر.

كان راتب عملها في المقهى هو ما تعيل به عائلتها الصغيرة، وكل حصصها من السرقة كانت تدخرها لربما احتاجتها يوما لشيء يخدم مصالح غايتها الأولى.

إنها تؤمن أن ذلك العائد من النهب والسرقة يضرهم بقدر أكثر مما ينفعهم، والدليل هي نهاية والدها التي كانت شاهدة عليها.

على ذكر والدها فقد قبض عليه تلك الليلة بينما نجح رضوان وأولاده بالفرار، فروا وأخذوا معهم أختها الصغرى والتي لم تعد من يومها. ولو لا خروج سيلين من السيارة أثناء حدوث تلك الضجة لكانت هي الأخرى قد غادرتهم أيضا وبلا رجعة.

لم تستطع الشرطة القبض على رضوان  ولا على استعادة الطفلة منه. كان اللوم والندم من نصيب والدها، فيما عانت والدتها الأمرين؛ ابتعاد طفلتها عنها واكتشافها حقيقة زوجها هو الآخر، أما سمر فلم تخرج سالمة حقا من تلك الحادثة.

انتشلها صوت مديرها مما كانت فيه وهو يحدثها بحدة بالذهاب لتأخذ طلب أحد الزبائن. كانت ترغب حقا بلكمه منذ زمن بسبب طريقة تعامله الفظة، ولكنها اكتفت بالإماءة وتنفيذ أمره فورا تجنبا لأي مشكلة.

عادت محملة بالأواني الفارغة عندما بدأ هاتفها بالرنين، أسرعت لوضع الصينية من يديها فوق طاولة العمل ثم أخرجت هاتفها من جيب مئزرتها، وقبل أن تنظر لرقم المتصل تشيح حيث يقف مديرها منتصبا يرمقها بنظرة كانت ستجعلها تغلق الخط دون تردد.

رؤيتها لذلك الرقم المجهول على شاشة هاتفها ذكرها بمجد ووعده لها بالإتصال بها، عندها قررت الرد بلا أي تردد.

***

كانت سيلين مستغرقة في مشاهدة التلفاز عندما دخلت عليها سمر في غير وقتها، ألقت الأخيرة عليها التحية بشيء من الإعياء وجلست إلى جانبها ملتزمة الصمت.

سألتها سيلين بقلق:

" سمر هل كل شيء بخير؟ لما عدت باكرا اليوم؟"

تناولت سمر منها جهاز التحكم لتبدل القناة حيث كانت اختها تشاهد مسلسلا مكسيكيا مدبلجا للعربية، وردت وهي تقلب القنوات بحثا عن اللا شيء :

"لقد تركت العمل فقط!"

اندهشت سيلين غير مصدقة لما تقوله أختها ولبرودها في قوله، فهي كانت تعرف جيدا كم أنها متشبثة بذلك العمل رغم قساوة مديرها ذاك.

تساءلت وهي تجلس على الأرض أمام سمر التي أسندت ظهرها بأريحية على الجدار :

"أنتِ تمزحين! كيف حدث هذا ولماذا؟"

هزت كتفيها تجيبها ببساطة:

:" لقد سئمت الأمر كله يا أختي، هذا كل ما في الأمر"

انتزعت سيلين منها جهاز التحكم تحثها على النظر مباشرة في عينيها، وعندما نجحت في ذلك لم تسطع سمر التحكم في نفسها أكثر وانطلقت ضاحكة تحت استغراب الأخرى.

وضحت سمر تريح فضول اختها :

" حسنا، لقد تركت العمل في المقهى لأنه  وكما تعلمين أني وقبل أيام  قدمت سيرتي الذاتية لبعض الشركات والمكاتب بحثا عن عمل أفضل.. واليوم تم الإتصال بي من أحد مكاتب المحاماة لإجراء مقابلة يوم غد، لهذا تركت العمل ببساطة"

فرحت سيلين لفرح أختها، ولكنها تساءلت إن كانت واثقة من أنها ستأخذ العمل بعد تلك المقابلة أم أنها خاطرت بترك عملها الأول قبل حتى أن تتسلم الوضيفة الأخرى.

فأجابت سمر واثقة مما تقول :

" أجل أنا واثقة من هذا جدا، وسترين سكرتي"

وقد طلبت سمر بعد ذلك من سيلين أن تعدها بعدم إخبار والدتها بأمر العمل الجديد حتى تتسلمه رسميا.

***

حل يوم مقابلتها وقد استعدت لها على أكمل وجه، ارتدت ثيابها المناسبة لذلك اللقاء، ورددت طوال طريقها إلى المكتب بضع أجوبة عن أسئلة عامة يحتمل أن تطرح عليها في مقابلة العمل تلك.


وجدت نفسها داخل مكتب مجد حيث استقبلتها السكرتيرة، هذه الأخيرة التي لم تكن على علم بوجودها حتى، حيث كانت تعتقد أنها ستكون وضيفتها التي تحدث عنها مجد في أول لقائهم.

مما دفعها للتساءل سرا عن أي وضيفة قد تكون شاغرة في ذلك المكتب الكبير؟

وبمكتب مجاور لمكتب مجد، كان هذا الأخير وشقيقه الأصغر يتناقشون في أمر ما. بدا حسام مستاء وغاضبا يحاول كبت مشاعره تلك، فيما يبدو مجد هادئا رغم استياءه من موقف شقيقه العنيد.

وفي آخر كلامه أضاف مجد منبها:

" حسام إياك والتصرف بطيش هذه المرة، إنسَ حقدك الدفين فلم يعد يجدي أي نفع الآن، أنت شاب عاقل فتعقل قليلا أرجوك"

نهض حسام عن كرسي مكتبه يقول:

" تلك المتواجدة هناك في مكتبك حرباء تسير على وجه الأرض، حتى وهي في الثانية عشرة كانت تملك نزعة لقتل شخص ما، فهل تعتقد أنها أصبحت الآن كالحمل الوديع لنعاملها بمثل لطفك هذا؟"

شعر مجد بفشله الذريع في إقناع شقيقه حتى بعد مرور أيام بضرورة تغيير نظرته لما أصبح عليه الوضع، واقتناعه في آخر لحظة ليس بوارد على ما يبدو لذا فقد قرر ترك الأيام تفعل عملها معه.

التزمت هي الهدوء حتى حين دخول مجد عليها المكتب، فوقفت تبتسم في وجهه بود حتى شاهدت شقيقه يدخل وراءه. تلاشت ابتسامتها تدريجيا، لكنها لم تطل النظر إليه أكثر من ذلك.

صافحت يد مجد تستعيد ابتسامتها المتصنعة والتي بدت خلابة جدا مع ذلك، وعندما مدت يدها للسلام على الآخر وحدقت به، وجدته يتفحصها بنظراته غير المفسرة.

مد حسام يده لها ليسلم عليها بعد أن استقبل إشارة أخيه من خلف مكتبه. جلس هو بالمقابل لها أمام مجد الذي بدأ المقابلة بترحيب بها ثم قال :

" كما أخبرتك يا آنسة سمر سابقا فأنا كنت بصدد البحث عن موضفة تشغل منصب سكرتيرة لمكتبي..."

لمح حسام بنظرة ثم أضاف يشير له بيده :

"هذا أخي حسام وهو يشغل المكتب المجاور لمكتبي، لذا سنحتاج لسكرتيرة أخرى مساعدة"

كانت سمر تستمع له وتومئ بإماءات متتالية، أما حسام فشابك أصابع يديه واضعا رجلا على رجل ينظر لأخيه باستنكار وكأنه يحذره مما هو مقدم عليه.

أردف مجد متابعا كلامه بشكل رسمي:

" سنجري لك تدريبا لمدة شهر فقط، وإن أجدتي عملك فسننتقل للخطوة التالية، وستكون الآنسة شيرين بجانبك لتساعدك ورهن إشارتك في أي شيء تريدين الإستفسار عنه حتى تتيسر أمورك معنا"

أخذ حسام ورقة سيرتها الذاتية من على المكتب يطالعها باهتمام، فقال وهو يرفع نظره نحوها:

" إذا يا آنسة سمر، لماذا لم تكملي تعليمك الجامعي؟ "

أرادت الرد عليه فقاطعها مضيفا:

" على الأقل كان بإمكانك تعلم لغة أخرى أو أخذ دورة في أمور تسيير المكاتب وما شابه، فهذا كان سيوفر لك فرصا أكثر لإيجاد عمل من قبل"

رمقه مجد بنظرة حادة تحدثه بالصمت، ثم أراد التحدث كي يمنع ردها عن كلام أخيه ذاك إلا أنها سبقته بالرد على حسام الذي لم تخفي نظراته لها ما يشعر به نحوها من كره دفين.

قالت بكل هدوء وابتسامة جعلتها لتبدو بها لمحة من الحزن الخفيف:

" لم تسنح لي ظروفي بمتابعة دراستي يا سيدي، أو أني ربما لم أكن أقوى بما فيه الكفاية لمواجهتها...لقد تخليت عن متابعة دراستي حتى أعيل عائلتي وأضمن لهم العيش الكريم، وهذا شيء لا أندم عليه رغم كل شيء"

صمت حسام يفكر في كلامها ويدرس تعابيرها، تبدو عادية بالنسبة لشخص يخفي عنهم حقيقة معرفته بمن يكونان، ولكنه لا يستطيع حتى الآن الوثوق بأي شيء تقوله.

أما مجد فلم يزده ما سمعه منها إلا إصرارا على مساعدتها وعائلتها، واعتقاده بعدم معرفتها لهم هو أمر لصالحه، فلو أنها كانت تعرف من هما لما قبلت على مساعدته لها أو رؤيته هو وشقيقه حتى.

التزم حسام الصمت بعد ذلك وترك مهمة إجراء المقابلة لشقيقه الذي كان متساهلا جدا معها.

أما سمر فقد لاحظت أن مجد ينجح في ردع شقيقه بطريقة ما، ولكونه الشقيق الأكبر فهو من ستكون له السيطرة على المكتب وأموره دون، لذا عليها أن تعمل ما بجهدها حتى يرضى عنها خلال الفترة القادمة وبذلك تكون في مأمن عن حسام.

***

عرفت سمر من تلك المقابلة أن شخصية الأخ الأكبر أكثر مرونة وسهلة في التعامل، فيما كان حسام حاد الطباع كما عرفته وبغيضا أيضا.

هو من النوع الذي يحاول إخفاء حقيقته الكريهة وراء قناع الشاب حسن الوجه وخفيف الدم، عكس شقيقه الذي يبدو أكثر تعقلا ويتصرف بشكل رسمي جدا.

تساءلت إن لم يتمكنا من التعرف عليها، فإن كانا يعرفان من تكون لماذا يقبلون توضيفها معهما؟

أم أنهم نسوها و والدها مع مرور السنين؟

ماذا عن أختها التي من المفترض أن وجودها معهم سيذكرهم دائما باسم يونس؟

هذا إن لم يتخلصوا منها بشكل من الأشكال!

كانت خطتها منذ البداية بأن تتوغل أكثر بينهم، وذلك حتى تستطيع الوصول لشقيقتها أو معرفة شيء عنها. ستفعل ذلك مهما كلفها من ثمن، وبعدها ستفكر في خطة لتدفعهم ثمن ما فعلوه.

***

نهاية الفصل الخامس❤

Continue Reading

You'll Also Like

25K 333 10
كانت تعرف أنها ليست غلطته، لقد اعتذر بعد ذلك أكثر من خمس عشرة مرة مبرراً أن نبات السرخس هو الذي جعله يعطس.. لقد ظنت في البداية أنه يخشى فقط أن يكتشف...
2.4K 103 13
نوع القصة:خيال علمي،مغامرة نبذة مختصرة:في عام 2050 حيث يتغير نظام الكون ويصبح تحت ادارة اربعة مؤسسات تسيطر على الاراضي وتآسر شعبها وتستخدمهم لتحقيق د...
1.1M 52.2K 68
سنكتشف الحقيقة معآ...🤝
1M 57.3K 62
من أرضِ الشجَرة الخبيثة تبدأ الحِكاية.. "العُقاب 13" بقلمي: زاي العَنبري. لا اُحلل اخذ الرواية ونشرها كاملة في الواتباد 🧡.