مابين السطور رجل ( شهيرة محمد...

By yasohamza

3.8K 270 152

رواية جديدة منفردة يغلب عليها طابع الغموض رحلة شيقة مع ابطالنا يتخللها مواقف اجتماعيه رومانسية كوميدية More

المقدمة والفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث ( تحالف خارج نطاق المنطق)
الفصل الخامس ( رسائل دموية)
الفصل السادس
الفصل السابع ( تطرف داخل أرض محايدة)
الفصل الثامن( خوارزميات الخوفي)
الفصل التاسع ( محاكاة التهديد )
الفصل العاشر ( باراسيكولوجي)
الفصل الحادي عشر ( التداعي الحر)
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر

الفصل الرابع ( مابين السطور رجل)

248 21 12
By yasohamza

الفصل الرابع ………

في عمق السكرات …….

✰✰✰✰✰

ما بال الحقائق داخلي تترنح كأن عقلي بحر رمال قادر على طمسها كأنها لم تكن، وما بال ذاتي الباهتة بعدما فقدت جميع ألوانها كأنها تستعد لتختفي تمامًا وقد 

أصبحت هامشًا في مفكرة مَلّها الكاتب فرفع عنها الأقلام وتهالكت بها الصفح .

✰✰✰✰✰

الضواري الحاصدة في تلك الحياة ليست سوى أفكار شذّت عن كل القواعد وتمردت على المنطق لتطلق العنان لإبداع

يفوق الإبداع ولثورة لا تحتمل تأويل ولحد فاصل في عقولنا  يسمى الجنون، فلا يجوز أن تكون هناك حقائق لاذعة ونطويها في أقصى الظلام لنُبقي العالم 

آمنًا من اللوثة بينما تعريفنا للأمان ليس سوى كذبة كبيرة آن الأوان لتنتهي …

الدوار لا يلف رأسها بل يلف الكرة الأرضية بأكملها فلا شيء في نطاق بصرها بَقي على حاله متزن، كل شيء كان  مضطربًا … منقلبًا كما لو أصابه دوار هو الأخر، خطواتها تشبه الزحف العقيم لجيش فقد آخر محاربيه وما بقى منه سوى غمامة تراب أثارتها جحافله سابقًا، روحها تنزف بهزيمة دحرت مكنونات صدرها فباتت تتساقط منها 

كزخات مطر تهطل من إنسان وعقلها نازح قرر الابتعاد فرارًا تاركًا إياها لتواجه المشهد دونه، عبرت بجسد ينتفض قهرًا من بوابة دار القمة للنشر والتوزيع والتي كانت تتلألأ بينما تتوافد إليها العديد من الوجوه التي لم تهتم بالتمعن بها كما كانت تتمعن في الإعلانات الضخمة التي غطت جدران المدخل والتي لأول مرة منذ أكثر من ربع قرن لم تكن تحمل صور والدها المبدع المخضرم بل كانت تحمل صورة فتاة تقاربها سنًا  تستعرض 

تفاصيلها الفتية وهي تصبغ شفتيها بحمرة قانية مبالغ بها كأنها تريد أن تطمس بقوة لونها التاريخ إن استطاعت، تقدمت أكثر تقف أمام لوح إعلاني ضخم يحمل غلاف رواية لم تسمع عنها من قبل، وهي تفكر أنها مؤكد ليست روايتها التي انكبت عليها لعامين كاملين وقد عزلت ذاتها عن البشر وليست إحدى روايات والدها التي تحفظ سطورها كاملة وتحفظ أيضًا ما بين سطورها، انفلت عقال دمعها حسرة على ما آلت 

إليه الأمور، على ما فعلته بها الحياة وعلى تقلبات زمنها الذي كان تأمنه وعلى الأيام التي لم تعد تنصف العظماء، تقدمت أكثر غير عابئة بمظهرها المزري الذي لفت إليها الأنظار و الأصوات الحماسية التي كانت تعلو شيئًا فشيء وجهتها نحو قاعة الدار لتتوقف قدماها وهي تتأمل ذلك المشهد الذي اعتادت على رؤيته لسنوات طويلة لدرجة تمكنها من وصفه ببراعة حتى لو أغلقت عينيها ولكنه كان هذه المرة مليئًا بالخلل، لقد كان أبعد ما يكون 

عن الحقيقة، لقد كان بطل المشهد مختفي تمامًا بشكل جعله مشوه وجعلها تلتفت مسرعة لتغادر غير قادرة على المواجهة لتعاجلها نبرة معتز العنجهية المعهودة بصفعة عنيفة وهو يقول  " السادة الحضور رجاء منحي انتباهكم للحظات فلدي خبر حصري يخص دار القمة، الدار التي تعتبر علامة فارقة وتاريخ طويل وعريق ما بين دور النشر المصرية، وهذا الخبر طبعًا لن أعقب على أي أسألة بشأنه حاليًا ولكن سأفعل حين 

يكون الوقت مناسب، أنا معتز العشري مدير دار القمة أعلن أن الكاتب محمود الحوفي والذي كان أحد كتابنا لأكثر من ربع قرن تنازل عن الملكية الفكرية لكافة أعماله للدار وبناء عليه أصبحت دار القمة وحدها صاحبة الحق في الانتفاع والموافقة والرفض على أي استغلال للاعمال ولا يحق لشخص آخر الانتفاع بها بأي شكل من الأشكال ومن يفعل سيتعرض للمسائلة القانونية " تهاتف الصحفيون بالاسئلة ليرتفع صوت 

أحدهم يسأله " وعائلته " رفع معتز  يده قائلًا " من فضلكم، لقد كنت واضحًا أني لن أعقب على أي سؤال يخص التصريح، دعونا لا ننسى سبب هذا المؤتمر والذي أريد أن أقدم فيه لكم كاتبة ستشكل طفرة ونقلة جديدة في عالم الكتابة وستكون صاحبة مسيرة ككل كاتب نسب لهذه الدار، رحبوا معي بصاحبة رواية  ( مبارزة داخل عقل كاتب) الآنسة منى " طنين عنيف دوى بأذنيها وجمد جسدها لتستدير بصدمة شديد تنظر له وكأنها 

تنتظر منه أن ينفي تصريحه الصادم في أي لحظة ولكن الثواني القاتلة مرت دون أن يحدث ذلك فلم تشعر بنفسها سوى وهي تشق الحشود نحو الطاولة التي يجلس خلفها حتى وقفت أمامه تمامًا ليتفاجأ بوجودها وتبهت ملامحه ويهم بقول شيء فتصرخ به بقوة " أيها الكاذب، لقد ظننت أن خبثك وتلاعبك له أخر، لكن هل وصلت بك الدناءة إلى تلك الدرجة، هل بت فاقدًا للأخلاق للحد الذي يجعلك تسرقني وجهًا لوجه، ماذا 

ألا تكتفي ….أليس هناك حد لحقارتك " امتقع وجه معتز وقال بحدة " من سمح لكِ بالدخول " قالت له بقوة وقد عمّ الصمت وبدأ الجميع بتصوير الفضيحة الغير متوقعة بينما معتز يرتعد جسده غضبًا وهو يحرك عينيه بين وجهها والصحفيين من حولهما " أنا الوحيدة التي يحق لها الدخول متى شاءت والجلوس مكانك إذا أرادت، فهذه الدار لم تكن لتبقى ذات اسم صامد لولا وجود والدي، أخبرني سيد معتز هل تاريخ الدار 

العريق وإنجازاتها التي تتغنى بها تحمل اسم سوى اسم محمود الحوفي، ها نحن أمام الجميع افصح عن اسم إن كنت تستطيع، قل اسم واحد فعل لتلك الدار مثل ما فعل والدي، اسم تفانى لهذا الكيان أكثر مما يجب كما تفانى هو، اسم منحكم الاستمرارية لأكثر من ربع قرن كما فعل …تكلم " قال معتز بانفعال " هذه الإهانة ستحاسبين عليها حساب عسير صدقيني " قالت له بانفعال أشد " لن يحاسب سواك أيها الكاذب مدعي الرقي 

والفضيلة، فتصريحك هذا محض كذب وسرقة علنية لن أسمح لك بهما، فأنا لن أترك حقي، ولن أسمح لك أن تظن أني ضعيفة يسهل التلاعب بها، حقي سأخذه مهما كلفني ذلك، أيها الكاذب… مزيف الحقائق، أيها المادي الناكر للفضل وأهله …أنا هذه المرة سأكون لك بالمرصاد " أسرعت تنسحب من المكان وهي تتخبط في الواقفين والذين لم يتوقفوا عن التصوير بعد ليقول معتز بهياج " هذا تصرف متوقع من إنسانة مريضة مثلك 

تأكلها الغيرة لأن روايتها رفضت، ليس ذنبي أنك فاشلة، ليس ذنبي أنك لست ابنة أبيك، اذهبي بعيدًا وجدي من تعلقي فشلك عليه وتذكري أني لن أمررها لك … أقسم لك أني لن أمررها لك " انتهى المقطع الذي كان يدور على شاشة هاتف شهاب الدريني والذي كان يضع عقب السيجارة الذي بين أصابعه ما بين الأعقاب التي تملأ طفاية السجائر التي تعلو مكتبه وفي عينيه نظرة مبهمة طغى بها موج الغضب الذي يتلاطم مرتطمًا في 

جدار صلب في عمق عينيه ليس من السهل أن يستشف ما يوجد خلفه ليغلق الهاتف ويقف متحركًا نحو النافذة الخاصة بمكتبه وظل متجمد أمامها لدقائق قبل أن يتحرك نحو باب المكتب ويخرج منه ليسير في رواق ممتد عيناه تتحرك يمينًا ويسارًا على الوجوه المحيطة قبل أن يقف أمام أحد الأبواب ليأخذ نفسًا عميقًا ثم يطرقه قبل أن  يفتحه ليرفع الجالس خلف المكتب عينيه نحوه 

وهو يقول ببرود " هشام الدريني …قادم لي بمحض إرادتك أم رماك عليّ الهواء ".

✰✰✰✰✰

حين أرقد وحيدًا بالظلام الموحش لا أتوقع أن تحدث المعجزات وتضيء ظلمتي ولكني أكون على يقين تام أنك ترقد إلى جواري تضم جميعك لكلي لتشاركني سقوطي بصمت يجعلني أطمئن.

✰✰✰✰✰

اضمحلال الخيارات في دروبنا كثيرًا ما يكون الدافع لنسلك دروبًا لم يكن من الوارد أن نخطو على أعتابها يومًا، الأصوات الغليظة تداخلت في جدال ودي حامي لا يخلو من الألفاظ النابية بينما بربري ينظر إلى الرمال الناعمة من بين ساقية ويحرك زجاجة الكحول التي بيده بحركة رتيبة يصنع بها دوائر متداخلة بصمت تام ورأسه مائلًا للأسفل فلا يمنح من حوله نظرة يستشفون منها قراره ولا يمنحهم بهدوئه ما يرجوه من رد فعل، 

تبادل رجاله النظرات حين لاحظوا سكونه التام وعمّ الصمت للحظة قبل أن يقول بدوي بأسلوبه السوقي " يا مملكة أنا أرى أننا لن نخسر شيء، يمكنك اعتبار ما سنكسبه من خلفها تعويض عن المصائب التي وقعنا فيها بسببها، ثم ألم تلحظ كيف تتكلم عن المليون جنيه، لقد ذكرته كأنه ورقة بمئة قد نشقى يومًا بأكمله لنحظى بها وفي النهاية لن تكفي ثمن الكيف، هذه الفتاة بين أيدينا منذ يومين تقريبًا ولم تفكر في 

الهرب ولم يسأل عنها أحد وهذا يعني أنه لا ضابط ولا رابط، متروكة ..صيدة سهلة فلا تعقدها " قال ناجح بحروفه المتداخلة بكل ثقة وهو ينظر بتدقيق كأنه يدرس حالة معقدة نحو الواقفة بعيدًا عنهم بأمتار تنظر نحوهم بترقب " أنا سأخبرك بالقصة كاملة واسمع لي، هذه البنت مؤكد أهلها من عِلية القوم الذين يسافرون إلى الخارج ويتركون حريمهم للانحراف، انظر إليها كيف تنظر نحونا …الشهوة تقطر من عينيها، ولا أحد يقول للمتعة لا ..مال وجمال يا مملكة، صغيرة القصة فلماذا تكبرها اذًا؟" رفع بربري عينيه نحو ناجح ثم التفت خلفه ينظر نحوها بتدقيق كأنه يتحقق من حقيقة تلك النظرة لتضيق عينيها فجأة كأنها قد أدركت ما يقولون فالتفت لمخلف وقال " وأنت يا خبرة، أليس لديك ما تضيفه " قال مخلف وهو يرخي ذراعيه على ركبتيه المثنيتين أمامه " رأيي أننا إن وافقنا سنحط من قدرنا كثيرًا لأننا سنكتشف أننا تورطنا في لعب أطفال، ففتاة هشة كتلك ما الذي قد تحتاج إلينا به، أعتقد 

أنه ربما كلبها ضائع أو سيارتها سرقت أو تعرضت للإساءة من بعض الشباب الطرى " قال فوزي " لديك حق فأبناء الناس والأصول لا يبتلعون المهانة مثلنا، وقطهم دائمًا ما يكون  في أعينهم جمل، كأنهم بشر فوق البشر، أين نحن منهم " تصلبت ملامح بربري وعقد حاجبيه ثم قال بغضب بالغ وغير مبرر كأنه قد تلقى إهانة جارحة للتو " من الواضح أنكم فقدتم عقولكم على السمع فقط، ما بالكم لهثتم فجأة كأنما أتت بالمال 

ووضعته بين أيديكم، ألا ترون ما أراه، إنها مجرد طفلة بلهاء مشكوك في قواها العقلية، ألا تسمعون ما تهذي به كلما سألتها عن شيء، ثم هل مظهرها المزري هذا مظهر فتاة تملك مئة ألف وليس مليون، أفيقوا للحديث أم أن ما شربتوه أذهب عقولكم " قال بدوي بإصرار " يا رئيس نحن واعيون وعقولنا حاضرة ومؤكد لن نوافق على العمل معها حتى نرى أمارة على صحة كلامها، دعنا فقط نستفهم منها كيف ستأتي لنا بمبلغ كبير 

كهذا …قاطع بدوي حديثه حين اندفع بربري للأمام وهو يمد يده ليمسك بتلابيبه ويقول بنبرة حادة محذرة " بدوي " تحفز الرجال وفتح بدوي فاه ليتجمدوا جميعًا وهم يسمعون صوتها الهاديء يقول " أنا أرى أنه لا داعي للعنف، ثم أليس هذا اجتماع ديموقراطي، أي أنه يتعين عليك الأخذ برأي الأغلبية ولا تنس أن من مواصفات  القائد الحكيم الأخذ بالرأي الصائب حتى لو كان معارضًا 

لرأيه، اتركه من فضلك لا أريد أن نكون مجموعة أشرار عنيفين ..اهدأ ولا تؤذِه "

اشتعلت أعين بربري الذي ترك بدوي بحدة ووقف يقول لها بزمجرة رجفت جسدها " من الذي سمح لكِ بالتدخل بيني وبين رجالي، ثم الآن بات كلامكِ موزون ومفهوم، لسانكِ هذا يعمل بقوة أربعين حصان حتى أوجه لكِ سؤال واحد فجأة تتكيف رأسك دون مكيفات …أمسكها بربري من ذراعها وهزها بعنف وقال " هل هناك من سلطكِ عليّ، انطقي 

" تغضنت ملامحها بألم وقالت " أنا مقدرة لغضبك لكن صدقني  يمكنك أن تسألني الآن عمّا شئت وسأجاوبك لأني قررت أني سأتعامل معك بمنطق الواقع الوهمي الذي التقينا فيه، لكن قبل أي شيء يجب أن تعرف أنك إن وافقت على مساعدتي فلن أسمح لك أو لرجالك بالتراجع وما بدأناه سويًا سننهيه سويًا، أي لا مجال للمفاجآت " عقد بربري حاجبيه وقال لها بذهول " ما الذي بدآناه سويًا " استغلت تجمده اللحظي وفكت 

قبضته عن ذراعها وأسرعت نحو مخلف وجلست بجواره أرضًا وقالت " يمكنك أن تقول أننا بدأنا لعبة مع الكبار، لعبة مخيفة لكن نحن لها أليس كذلك " نظر لها مخلف بطرف عينه وسألها بصوته الغليظ " أكبر من السني؟ " نظرت لملامحه الحادة وقالت بصدق وهلع داخلي " بكثير " قال بدوي باندفاع " والمليون جنيه، أين هم " قالت له" مؤكد معي لا تقلق " قال فوزي بجمود " الكلام لا يكفي يا حلوة نريد دليل " قالت له " 

أعطوني هاتفي وسأمنحكم أكثر من دليل " رفع الجميع عينيه نحو بربري الذي حك ذقنه بعنف وظل يحدق بها فقالت له بلطف " الهاتف " أخرج بربري هاتفها من الجيب الخلفي  لبنطاله وقذفه نحوها فتلقفته بخوف ثم التقطت أنفاسها وقالت له " اجلس لتعاين الدليل " لم يرضخ بربري لأمرها ولكن بعد مرور دقائق كان الخمسة رجال يلتفون من حولها بينما أربعة منهم ينظرون لشاشة الهاتف 

بجدية وأحدهم ينظر لوجهها بجدية أكبر بكثير.

✰✰✰✰✰

يقتلني أني ما عدت أرى في شروق الشمس كل يوم سوى بداية حرب جديدة تعجلتها دقائق عمري التي لم تمنحني رفاهية التعافي من هزيمة الأمس، ولم تمنحني مطلقًا حرية الاختيار وهي تدفعني لأشارك فيها.

✰✰✰✰✰

لا شيء يضاهي أن تشطرك الاختيارات لنصفين، نصفك يميل إلى المشاعر العميقة ونصفك يميل إلى الكرامة الثائرة فلا القلب ينتصر ولا العقل ينتصر ولا حربك الداخلية تخمد وتهدأ، تجلس برقيها المعهود داخل مكتب زجاجي فخم بأحد البنوك المعروفة من ينظر لهيأتها الخارجية لا يرى سوى ترف وهدوء وجمال ملفت فمن الصعب أن يكتشف أحد الجنون الذي يضرب أعماقها في تلك اللحظة، تمرر أصابعها على شاشة 

هاتفها لتتصفح العناوين الرئيسية المثيرة للجدل على المواقع الذي انتشر بها خبر الاختفاء كما النار في الهشيم، عيناها من خلف نظارتها الشمسية السوداء والتي لم تنزعها تتضارب بها الانفعالات مع كل كلمة تقرأها، والأفكار السوداء تتلاعب بها بلا رحمة، عقلها ينجرف في استنتاجاته التي لم يجد دليلًا قاطعًا عليها حتى الآن وقلبها يعتصر رهبة من أن يكون ما استنتجته صحيحًا، هزت رأسها برفض 

وازدراء لما نشرته بعض المواقع التي تسعى لتتصدر عناوينها مؤشرات البحث ليقاطعها صوت ذكوري يقول بترحاب ولطف " أهلًا وسهلا يا مدام راوية، أسف لجعلك تنتظرين " خلعت راوية نظارتها ووضعتها على المكتب الذي تجلس أمامه وهي تقول " من يراك تتحدث بهذه الرسمية لا يصدق أنك كنت تسرق شطائري حين كنا صغار " جلس صلاح خلف المكتب وهو يقول " اخفضي صوتك، الهيبة ستضيع، راعي مركزي 

الوظيفي من فضلك " قالت له راوية " بت حساس جدًا بشأن المظاهر، على أية حال أنا أريد منك خدمة عاجلة " قال لها صلاح " أنا تحت أمرك ما دمتِ ستتكتمين عن ذكرياتنا المخجلة سويًا، لكن أولًا أخبريني ماذا تشربين.. اتفضلين نوع معين من العصير؟ " قالت له راوية بجدية " دع العصير لزيارة أخرى يا صلاح، لأني على عجلة من أمري، فأنا أحتاج منك كشف حساب بالتحركات المالية لحساب والدي بالشهور الماضية، 

لدي مشكلة بإحدى تأشيرات سفره وأريد حلها بأسرع وقت لأني أرتب للولادة بالخارج وأريده أن يكون معي فكما تعرف أنا وهو ليس لنا سوى بعضنا " قال لها صلاح " هل هذا كل ما في الأمر، لقد ظننت الموضوع أكبر من ذلك، سأطلب من أحد العاملين تحضير الكشف وبإذن الله المرة القادمة تأتين لزيارتي ومعكِ عمي ممدوح والطفل " نظر صلاح لشاشة الحاسوب أمامه وبدأ يستخرج بيانات والدها ليميل برأسه ويسألها فجأة " لماذا 

تتحدثين كأن زوجكِ لن يسافر معكِ، ألن يحضر ولادة الطفل؟ " توترت راوية ورغم ذلك ابتسمت باتساع وقالت " بالطبع سيفعل، المهم وقبل أن أنسى هل لي أن أطلب منك خدمة شخصية وضرورية إن كنت تستطيع " قال لها بمرح " لماذا أشعرك جئت لتأخذي ثمن الشطائر دفعة واحدة " قالت له راوية وهي تميل للأمام " صلاح هذه خدمة إنسانية صدقني، إنها صديقة لي وعزيزة على قلبي جدًا تتعرض للابتزاز من شخص حقير من 

فترة وحاولت جاهدة أن أقنعها أن عليها إبلاغ الشرطة لكن وضعها الاجتماعي حساس جدًا وهذا جعلها في وضع لا تحسد عليه، أنا أريد فقط أن اتأكد أن حسابها لم يسحب منه مبلغ كبير لأنها مع اصراري وضغطي عليها قررت مقاطعتي وأخشى أن تكون قد رضخت له " نظر لها صلاح بملامح واجمة وقال " أنا أسف ولكن سرية بيانات العملاء تمنعني من أن …..قاطعته راوية تقول " لا أريد أن أعرف شيء سوى موعد آخر معاملة والمبلغ 

الذي سحبته، لا شيء آخر … هذا الشخص إذا أخذ منها ما يريد لن يتوقف عن ابتزازها، أرجوك يا صلاح قدر الموقف، أنت تملك أخت وتفهم هول الأمر، أرجوك لن أطلب منك شيء آخر " لاح التفكير على وجه صلاح الذي ضم شفتيه لتأخذ ملامحه هيئة رافضة قبل أن يقول " حسنًا راوية، ولكني مؤكد سأحتاج للرقم القومي الخاص بها " فتحت راوية حقيبتها وأخرجت منها ورقة ووضعتها أمامه فنظر لها للحظات قبل 

أن يرفع عينيه ببطء نحوها فتهز له رأسها مؤكدة على هوية صاحبة الحساب.

✰✰✰✰✰

الجنون هو أن يتشبع خيالنا بكافة تفاصيل الواقع ولا يمس واقعنا لمحة طيف من خيال.

✰✰✰✰✰.


أن تركض خلف مآسي غيرك دون توقف، أن تتعمق في جروح الجميع حتى ترى كل القيح والبشاعة، أن تسعى

لتجد حقيقة ما أخفوه لهو جنون أكثر من كونه عمل قد ألزمت به، يقف عدي أمام المكتبة الصغيرة الملحقة بمكتبه داخل الجريدة يعقد حاجبيه وهو يقلب بين الكتب يبحث عن شيء مهم ولكن لا يجده، تنهد عدي بإحباط ورفع ذراعيه وشبكهما خلف رأسه وهو يقول بضيق " أين وضعت التقرير يا عدي، أين وضعته 

" دار بعينيه في أرجاء المكتب يلتفت نحو الباب المفتوح حين طرقه أحد زملائه وهو يلوح بالعدد الجديد للجريدة ويقول " الصفحة الأولى مرة واحدة، يا حظ من كان شهاب الدريني أخاه " ابتسم عدي وهو يتحرك نحوه ليأخذ منه الجريدة ويتفقد مقاله وهو يقول " دع الحسد لشيء يستحق فأنا لم أحظ من شهاب باشا بمعلومة واحدة، صدقني هذا مجرد اجتهاد شخصي " نظر له زميله بعدم تصديق وقال " اجتهاد شخصي، كل هذه 

المعلومات أتيت بها دون مساعدة من هنا او هناك، قل كلام غير هذا يا رجل " هز عدي رأسه بقلة حيلة ثم قال" صدق او لا تصدق ما حدث أنه بعد ضغط ومحايالات لم يفصح مطلقًا عن شيء سوى أن القضية أخذت مسار جنائي جدي حينها بدأت فورًا بعمل تحرياتي الخاصة واكتشفت معلومتين ساعدتاني أن أجد عنوان قوي وملفت قد يثير ضجة، الأولى هي أنها سعت للحصول على جنسية دولة أوروبية وحصلت على 

الموافقة منذ فترة لكنها لم تذهب لإنهاء الاوراق رغم تواصل السفارة معها أكثر من مرة والثانية أنه قد عرض عليها أن تعمل على أحد القضايا كبداية لها في السير على خطى والدها لكنها رفضت تمامًا وتحليلي للأمر أن هذه تصرفات فتاة كانت تريد أن تهرب… لكن من ماذا تريد الهرب  ….الله  وحده أعلم… كل شيء سيوضح قريبًا على ما أعتقد خصوصًا أن أمامي طرف خيط رفيع أنوي جذبه شيئًا فشيء " قال له زميله وهو يدعي 

الحقد " طرف خيط وضعه بيدك شهاب باشا أليس كذلك " التفت عدي لزميله ثم جمع الجريدة بشكل طولي وضربه على رأسه بقوة وهو يقول " اخرج من هنا " ضحك زميله وقال " سأخرج فنحن لم نعد بقدر مقام رواد الصفحة الأولى " قذفه عدي بالجريدة التي أصابت ظهره قبل أن يركض خارجًا من المكتب وهو يضحك ليقف عدي ينظر لصورتها التي تتصدر الصفحة الأولى ويقول " أين من الممكن أن تكوني موجودة، وما هو سبب 

اختفائك، وعمّن سأبحث بالظبط ….عنكِ أم عن التقرير " ثم التفت ينظر نحو المكتبة الصغيرة قبل أن يتحرك نحوها ليبدأ البحث من جديد رغم أنه حين بحث بنفس المكان سابقًا لم يجد شيء.

✰✰✰✰✰

لو أن الخيال والواقع يتبادلان الأدوار في عمري لصنعت لك ولذاتي حياة لامعة كالبرق تجعلنا كلما تصادمنا معًا نضيء 

محدثين في سكون ليلنا جلبة آمنة لا نعرف معها معنى التحطم والتبعثر والألم.

✰✰✰✰✰

حري بنا أن نتعلم كيفية التعامل مع الوحدة والتيه من قبل أن تقذفنا التجارب في خضم دوامتهما دون رحمة، كانت تجلس على أحد الكثبان الرملية والتي يمارس عليها الشباب لعبة التزلج تتأمل المنحدر أمامها والأفكار تنكب من رأسها الذي يميل للأمام بإرهاق شديد، 

تضيق عينيها التي تؤذيها أشعة الشمس بينما شعورها بعدم واقعية كل ما حولها يقل كأنها بدأت تألف عالم أحلامها، كانت رغم سطوع الشمس تشعر بالبرد فتعيد ذلك إلى أن ربما جسدها في الواقع موضوع داخل غرفة خاوية باردة بأحد المستشفيات، أو أنها مازالت فاقدة لوعيها على أرض غرفتها أمام النافذة المفتوحة، أو ربما غارقة في بئر وهمها العميق وهي نائمة ليلًا وقد أزاحت غطائها كما العادة، جميعها كانت فرضيات 

وجميعها كانت أقرب للجنون من الصواب وجميعها كانت أكثر حقيقة مما تعيشه الآن، انكمشت تضم ساقيها لصدرها وهي تحاول التحكم في ارتجافة جسدها لتتفاجأ ببربري يجلس بجوارها بحركة انفعالية ثم ينظر لها وهو يقول " أنا أريد أن أعرف حكايتك ومن البداية، فمن تريدين جرهم خلفك وهم على عمى هم رجالي ولن أسمح أن أتورط أنا وهم في أمر لا أرى له ملامح إلا حينما أفهم كل شيء " تحركت تمحي المسافة الضئيلة 

الفاصلة بينهما وهي تفرك كفيها كأنها تريد أن تستمد الدفء من جسده فنظر لها بربري بتفحص وقال " المبلغ الذي عرضتيه عليهم لف عقولهم وحكاياتك عن العالم اللامع الذي أتيت منه تلاعبت بهم، كانوا سكارى ومع حديثك زاد سكرهم، فهذا هو تأثير المال لكن في الحقيقة يا ابنة الأغنياء، الحياة التي تحدثتي عنها أنا لم أرها ولم أعشها ولم أسمع عنها إلا أشياء أشعرتني أنها معقدة وعالية عليّ وأنا لا أحب أن يتعالى أحد أو 

شيء عليّ، لا أحب أن أجر نحو أمر يشعرني بالضآلة والضعف، ولذلك أريد أن أفهم ما تخفيه لأقرر إن كان يناسبني أم لا " نظرت له بتأثر للحظات ثم قالت " كم أنت ذكي ومحق، نعم أنه عالم خادع ولامع بشكل يشوش الرؤية، عالم حين تكون بعيدًا عنه ستتمنى أن تقترب ولكن حين تفعل ستكتشف طمع وكذب وخداع، ماذا تريد أن تعرف عني، أنا فتاة نامت وحين استيقظت وجدت نفسها فقدت كل شيء، كأنما كانت حياتي 

كقالب حلوى مبهر حين رفع عنه غطاء الحماية مد الجميع يده ونهب قدر استطاعته، صدقني أنا لا يوجد لدي ما أخفيه عنك لأن حاليًا وبمنطق هذا الحلم أنا في ورطة كبيرة، وقبل أن أعود لواقعي لأفهم حجم الكارثة التي أرهقت عقلي وجعلته يلقيني هنا أحتاجك أن تساعدني، أحتاجك أن تجد معي حقيقة يرفض عقلي كشفها لي، بمنطق عالمك هذا أريدك أن تجد معي شخص " قال لها بربري بجدية " سأعتبر أني لم أسمع أي 

من هذا الهذيان، كل ما سأسألك عنه هو ما يخصني ويخص رجالي، إذًا ما تريديه منا هو إيجاد شخص " هزت رأسها موافقة فقال لها " من هو وماذا فعل لكِ لتدفعي لنا هذا المبلغ لنسعى خلفه " اهتزت نظراتها لوهلة ثم أحنت رأسها وقالت بخفوت " إنه قاتل " توسعت أعين بربري وأخرج صوت فج من أنفه ثم انتفض واقفًا وقال بانفعال " كنت متأكد أن خلفك كارثة، عقلي رغم هشاشتك ومظهرك الذي يدل على 

أصلك لم يرتح لكِ، كان هناك شيء ينخر بعقلي كأنه يحذرني منكِ وها قد ظهر كل شيء " وقفت أمامه تقول برجاء " افهمني اولًا " هز رأسه بعنف وقال " أتعرفين ماذا تعني كلمة قاتل، تعني قلب ميت باع القضية.. لا يمزح ولا يتراجع …ضربته والقبر " تحرك بربري مبتعدًا فركضت خلفه وهي تقول " لا تقل لي أنك خائف، أليس قلبك أنت أيضًا ميت " التفت لها بربري بحدة وجدية وقال " لا …من تبحثين عنه لا يشبهني، أنا لست غشيم 

لأجلب لي ولرجالي حبل المشنقة، نعم أنا أسد في أي أمر وبطولي لا أحتاج أحد لكن أقصى ما أفعله هو تكسير عظام، تقطيع سطحي، عاهة مستديمة إذا كان الأمر كبير لكن قتل …لا هذا  ليس طريقي " تحرك بربري مجددًا فتحركت خلفه وهي تقول " لا تخف أرجوك، صدقني لا يوجد ما قد نخسره، لكني أحتاج أن أجد القاتل بأسرع وقت يجب أن أعرف هويته، يجب أن أنقذ نفسي وأكمل الرواية " توقف بربري فجأة لدرجة جعلتها ترتطم به ثم استدار إليها ودفعها بعنف شديد للخلف جعلها تسقط أرضًا بقوة لتنطلق من حنجرتها صرخة مكتومة وتطفر الدموع من عينيها وهي تسمعه يقول " ارحلي من هنا الآن وإلا سأجعلك تندمين على اليوم الذي قررت فيه اللعب معي، وحذاري أن أرى وجهك مجددًا لأني حينها سأشوه ملامحك وأجعلك لا تعرفين نفسك إذا رأيتها في المرآة، تحركي " نظرت له بعيونها المنكسرة التي امتلأت بالدموع وقالت " أين أذهب " قال لها بغضب " للجحيم لا أهتم، اغربي 

عن وجهي " جاهدت لتقف وهي تترنح ثم نظرت له نظرة نافذة كطعنة ألف خنجر وقالت له " أنا سأرحل ليس خوفًا من تهديدك لأنه من المنطقي أن تنقلب بعض الاحلام لكوابيس ولكن لأني أرفض أن تكون أنت الكابوس، لن أسمح لأفكاري أن تشوه النقطة الامنة في اللاوعي الخاص بي، سأرحل لأني أريدك أن تبقى أماني " تحركت بخطى واهنة تبتعد وظل بربري يراقب ابتعادها بغضب مهول جعله يتجمد في مكانه غير قادر عن 

إشاحة بصره عنها وحين أصبحت خارج مجال رؤيته تحرك نحو الخيمة التي ينام بها رجاله وهو يقول " هذا ما كان ينقصني، جنون وطلاسم وقتل ودموع حريم  ".

✰✰✰✰✰

سرمدية ما يحدث حولي تقتات عليّ، تقتلني وتمثل بجثماني

وتترك روحي طليقة تتراقص على قرع طبول معركة لم يكن لي بها ناقة أو جمل.

✰✰✰✰✰.

دومًا ما كان التعامل مع الجروح الظاهرة أكثر سلاسة من التعامل مع الجروح الخفية، فكل شيء ملموس قابل للتضميد

وكل شيء محسوس قابل للنزيف حتى الاستنزاف، رغم جلوسه المستكين على مقعده كانت أعين شهاب تدور في أرجاء غرفة الكشف الخاصة بكريم مندور والتي كانت تحمل طابع الفخامة الذي اختلط بلمسة تفاخر يصل حد الصلف

وقد خصص صاحبها حائط بأكمله لشهادات التقدير والأوسمة والجوائز التي لم تكن جميعها طبية ولصوره التي كان معظمها مع شخصيات بارزة في مناسبات عامة، كريم مندور طبيب نفسي من أصل متواضع كافة اهتماماته تنصب على اسمه ومظهره، في أوائل الأربعينيات أعزب ويصنف كشخصية عامة ويعود هذا ل….قاطع أفكار شهاب كريم الذي نظر له متسائلًا وقال " سعيد لرؤيتك يا شهاب باشا، ذكرني متى آخر 

مرة تقابلنا بها " نظر له شهاب وقد طافت في عقله ذكرى بعيدة ليقول " لا أذكر في الحقيقة، فأنا لست دقيق في تلك التفاصيل " قال له كريم " على الاقل تذكر أول مرة تقابلنا بها " هاجمت شهاب ذكرى أقوى جعلته يقول بجمود " بالطبع …بالطبع، فالقضية التي تعرفت بها عليك كانت السبب بترقيتي " ابتسم كريم وقال " هكذا أنا أمنح كل من يجمعني طريقي بهم طعم الاختلاف، فمؤكد حياتك اختلفت بعد الترقية " قال شهاب 

وهو يخرج علبة سجائره وقد داهمه شعور بعدم الراحة " كثيرًا، كما ترى …مسؤوليات أكثر وتدخين أكثر و نوم أقل " أرخى كريم ظهره للخلف ونظر لشهاب بتفحص وقال " يمكنني أن أكتب لك على أقراص ستساعدك على النوم " وضع شهاب السيجارة بين شفتيه وأشعلها وهو يقول " أنا لست هنا لأشكو من أرقي يا دكتور كريم، أنا هنا لأن السيد ممدوح صدقي أكد لي أنك كنت من القلة القليلة التي تقابلها وتتعامل معها الفتاة 

المختفية " قال له كريم وهو يدعي التأثر " نعم لقد سمعت عن الأمر، لقد كانت فتاة لطيفة ومرهفة جدًا " نظر له شهاب وقال " أنا أريد أن أفهم حالتها بالتفصيل، لربما سهل عليّ هذا طريق الوصول إليها " عقد كريم حاجبيه ثم قال بتركيز " كما قلت لك كانت فتاة مفعمة بالحياة ولكن حماية والدها الزائدة لها أثرت في شخصيتها جدًا بشكل سلبي خاصة بعدما حدث له، لقد ضرها حبه لها أكثر مما نفعها لدرجة جعلتها في 

الفترة الأخيرة تمر بنوبات اكتئاب حادة طويلة، كانت على إثرها تنعزل عن العالم وتحبس ذاتها بالمنزل مانعة أي شخص من التواصل معها " بهتت ملامح شهاب وقال له " هل تظن أنها مختفية بمحض إرادتها إذًا " قال كريم بجدية " في الحقيقة أنا خائف جدًا من أن تكون قد أقدمت على إيذاء نفسها بأي طريقة، ففي الفترة الماضية بدأت تراودها أفكار انتحارية حاولت كثيرًا السيطرة عليها وإجبارها على الانتظام في الجلسات 

والعلاج ولكن حالتها كانت تسوء بشكل ملحوظ " قال له شهاب بوجه جامد " إذًا من وجهة نظرك أن الأمر يخلو من الشبهة الجنائية، وأن اختفائها ربما هي السبب فيه " قال كريم مؤكدًا " بالطبع هذا ما أفكر فيه، فمحال أن يكون قد أذاها أحد فهي لا تملك أي علاقات شائكة ليكون لها عداوات أو غيره، أنت لن تفهم كم أشعر بالأسى لأجلها وكم أتمنى أن تكون بخير " هز شهاب رأسه وقال له " نحن نقوم بعملنا والباقي على الله لكن …. 

صمت شهاب ثم نظر بعين كريم وقال له " ألا يوجد أي شيء يخصها مهما كان خاص وحساس غفلت عن إخباري به " مط كريم شفتيه وقال " لا أظن ذلك يا شهاب باشا، لقد أخبرتك بكل ما تحتاج معرفته وتبقى أسرار مريضتي أمر لا يمكنني الإفصاح عنه " أخذ شهاب نفس عميق من سيجارته ثم وقف وقال " مفهوم، شكرًا لتعاونك أيها الطبيب " ثم تحرك نحو الباب ليقف فجأة ويسأل كريم " لمَ لم تخبرني عن علاقتك بوالدها " بهتت 

ملامح كريم لوهلة قبل أن يقول وهو يدعي الهدوء التام " علاقتي به كانت عملية بحتة فقد كنت أساعده في إتقان رسم الجانب النفسي داخل رواياته وكثيرًا ما ساعدته في دراسة شخصية المجرمين حين تلجأ إليه الداخلية للمساعدة في حل القضايا الغامضة وهذا شيء لا يخفى على أحد فقد كان يعتبرنا البعض فريق واحد إلى أن تغير كل شيء" قال له شهاب " فعلًا لا تخفى علاقتك بوالدها على أحد لكن وبعد 

التفكير  في كل ما قلته ينتابني سؤال لا أجد له إجابة " ضاقت نظرات كريم ليقول شهاب " إن كانت تنوي الانتحار فلمَ لم تفعل ذلك بهدوء تام، ما الذي دفعها لتختفي، هذا ليس منطقيًا " همّ كريم بقول شيء ولكن لم يمنحه شهاب الفرصة وهو يقول " تشاركني الرأي أن بالأمر شيء خاطيء، أليس كذلك " ازدرد كريم ريقه ولم يجب فلوح له شهاب ثم انصرف.

✰✰✰✰✰

ما بال الحقائق داخلي تترنح كأنما في داخلي بحر رمال لا يؤتمن قادر على طمسها كأنها لم تكن، و ما بال ذاتي الباهتة بعدما فقدت جميع ألوانها كأنها تستعد لتختفي تمامًا وقد أصبحت هامشًا في مفكرة ملها الكاتب فرفع عنها الأقلام وتهالكت بها الصفح.

✰✰✰✰✰


كافة الاحلام الضالة حين ولدت في مقلنا كان لدينا ما يدفعنا للسعي في تحقيقها ولكن حين فقدنا دوافعنا وأفلتناها ضللنا طريقنا وضلت هي فينا الطريق، ينام بجمود فوق الأريكة المخملية الضخمة الموجودة في شقته وهو ينظر للسقف بشرود يجعل أحداقه ثابتة فلا يرف له جفن، أنفاسه الهادئة ظاهريًا ليست إلا أنفاس تنين أقسم أن يحرق الأخضر واليابس بهول نيرانه ولكنه يحتاج لوقت مستقطع قبل أن يفي 

بقسمه، عقله كقبيلة من الهمج لا تجد فيما بينهما وفاق فهاجت في براح الأفكار والذكريات مأججة غضبه أكثر وأكثر، ابتسم بتهكم وصدمة ما رآه مازالت لم تغادره، ضم قبضته بغضب بالغ حتى ابيضت سلامياته وبدأت عروقه تنفر من شدة ما يلجم من انفعال لينتفض حين ارتفع صوت الجرس الخارجي فعقد حاجبيه بتفكير ثم تحرك بحيرة نحو الباب وفتحه بحدة ليرتفع حاجبيه بصدمة وهو يقول " منى!، ماذا تفعلين هنا؟! " 

انفرجت شفتاها الممتلئتان بتردد قبل أن تقول " لقد هاتفتك كثيرًا وحين لم تجب قلقت عليك " ابتعد معتز عن الباب مانحًا إياها المجال لتلج للشقة رغم أنه لم يدعها سوى بإشارة من يده كأنما لا يوجد لديه ما يقوله فتقدمت بخطوات هادئة ثم سألته " هل أنت بمفردك " ألقى بجسده على إحدى الارائك وهو يقول " ومن تتوقعين أن يكون معي؟ " رفرفت بأهدابها قبل أن تتراجع للخلف خطوة وتفتح الباب على مصرعيه ثم 

تقول بحرج لم يستسغه معتز " لم يكن علي القدوم بمفردي ولكن قلقي عليك لم يمنحني الفرصة لأفكر، حمد لله أنك بخير " قال لها معتز بكبرياء " ولمَ لن أكون، هل حدث شيء " تنهدت منى ثم قالت بصوت رقيق وناعم " أرجوك يا معتز لا تحاول أن تخفي عليّ تعبك، فأنا أشعر بك وأشعر بنوع من المسؤولية تجاهك " نظر لها معتز بجرأة وقال " المسؤولية …أهذه مبالغة منكِ أم جرأة " توترت منى وتحركت نحوه كمن تحاول 

إحكام سيطرتها على طفل ليس بالهين وانحنت تجلس أمامه وقالت " أنا لم أكف عن التفكير فيما حدث، لم أكف عن محاولة إدراك ما يحدث حتى وصلت لاستنتاج واقعي جدًا " قال لها معتز بتهكم تجاهلته " وما هو هذا الاستنتاج؟ " قالت له بهدوء " أنا أشك أن هذا الاختفاء مدبر والهدف منه هو التأثير في الرأي العام والذي قد ينقلب عليك وعلى الدار في أي وقت، معتز عليك أن تفكر جيدًا في خطوتك القادمة لكي لا تدع لها 

فرصة لهدم كل ما تملك وعليك أن تؤمن نفسك في الفترة المقبلة لأنه من الوارد أن تكون تلك الحقيرة ترتب لتؤذيك بأي طريقة ولن نتمكن من إثبات ذلك مادامت حجة اختفائها موجودة " قال لها معتز ببرود " وهل تظنين تلك البلهاء الفاشلة تملك عقل يمكنه التخطيط لشيء كهذا؟! " قالت له منى بشيء من اللهفة " لا تغرك البلاهة التي تدعيها، لقد ظننت أن قناعها قد سقط أمامك يوم المؤتمر، معتز أنت يجب أن تأخذ خطوة 

جدية تجاه ما صدر عنها، لنقم مؤتمر أكبر نخفف به وطأة الفضيحة التي حدثت ولتعلن عن الملأ أن أي شيء يصيبك أو يصيب الدار ستكون هي المسؤولة الوحيدة عنه وبتلك الطريقة تخرب عليها جميع خططها وتأمن شرها " قال لها معتز وهو يقف ليتحرك نحو الشاشة المسطحة الضخمة المعلقة على الحائط المقابل له " تريدينني أن أقول للعالم بأكمله أني أخشى تلك المجنونة، ألم أقل أنكِ مبالغة " وقفت منى بحرج ثم اقتربت 

منه وقالت هامسة بجوار أذنه " اختفاؤها مكيدة مدبرة ومؤكد لا مستهدف منها غيرك، أنا أطالبك بالحذر لا أكثر " ثم تحركت نحو الباب تغادر ليظل معتز واقفًا ينظر لانعكاسه في ظلمة الشاشة المسطحة قبل أن يضرب بكل قوته الشاشة لتتناثر الشظايا الناعمة في كل مكان من حوله ويظل هو واقفًا ينظر لنزيف يده دون أن يحرك ساكنًا.


✰✰✰✰✰

ليت من بين كل الأكاذيب تكون وحدك حقيقة، فجميع الحقائق التي كنت أظنها أيقنت أنها لم تكن سوى لكمات موجعة جعلتني أترنح بقلب مكدوم.

✰✰✰✰✰

بنفس الوقت داخل منزل ممدوح صدقي ..

كان النوم كضيف عزيز طالت غيبته كثيرًا وحين أتى استسلم له ممدوح تاركًا 

من خلفه العالم الأسود ليحترق ويزداد سوادًا وسوءًا، كان يفر في ثباته العميق من أشياء كثيرة كمخاوفه والحقائق والمواجهات التي يشعر بأن جميعها قد احتشد وبدأ بشد الرحال نحو النور الذي سيصلوا إليه مهما حاول منع ذلك، كان نومه كموتة صغرى خالية من الأحلام والطمأنينة، كان جسده ساكن ولكن عقله كان يدور كرحايا حجرية عتيقة، فتح ممدوح عينيه بضيق شديد وصوت جرس الباب الخارجي قد سحبه قسرًا من 

حالة ثباته، وبقى على حاله دقائق ينتظر أن يتوقف رنين الجرس لتتغضن ملامحه بتعب حين تحول الرنين لخبط عنيف فسارع يخرج من غرفته ويتوجه نحو السلم وهو يقول " راوية …يا راوية …راوية هل أنتِ هنا " ولكن لم تصله إجابة حتى بعدما وصل إلى الباب وفتحه ليتفاجأ بأن الطارق لم يكن سوى عمرو زوج ابنته والذي يبدو عليه الغضب الشديد فقال له ممدوح " خير يا بني، خير يا عمرو، لماذا تبدو منفعلًا هكذا؟ " دخل عمرو  الذي 

كانت لكنته تميل للهجة الصعيدية إلى المنزل وقال " عذرًا منك يا سيد ممدوح ولكني أريد رؤية زوجتي " قال له ممدوح بحيرة " راوية ليست هنا على ما يبدو، لقد استيقظت من النوم فلم أجدها، ربما ذهبت للطبيب الخاص بها أو لشراء شيء ما وستعود " قال له عمرو بعصبية " خرجت دون إبلاغي، شيء متوقع من الهانم فهي مازالت تظن أني سأدلل وأمنح الحرية المطلقة دون حساب ولا رقابة مثلما فعلت أنت معها " قال ممدوح 

بحزم " عمرو اهدأ واحترس لحديثك واعلم أني حتى الآن لم اتدخل بينكما وهذا لا يعني رضايا على ما يحدث بل بالعكس الوضع بينكما لم يعد ليرضي أحد خاصة أني نفذت لك ما طلبته ولم يعد هناك شيء يمنعك من أن تصلح ما بينك وبين راوية " قال له عمرو بحدة " لا أمل من إصلاح شيء بيننا ما دامت ابنتك عنيدة لا ترى أخطائها ولا تشعر بالألم الذي قد تسببه لغيرها بينما هي تصارع طواحين الهوا لأجل أفكار غريبة ترفض 

التخلي عنها، أنت للأسف ربيت ابنتك بطريقة خاطئة وأنا وطفلي من سيتوجب علينا التعامل مع ذلك، ابني سيكون طفل أتى من طفلة تحتاج للتربية " قال ممدوح محذرًا  "عمرو"  قال له عمرو " هذه هي الحقيقة يا سيد ممدوح، ابنتك تريد أن يسير زواجنا على هواها إما هكذا وإما لن تكمل كأن الأمر لعبة، وأنا حتى الآن أتبع معها سياسة التجاهل التام لكن ليكن بعلمك أن التجاهل هو أول خطوة في خطوات كثيرة قد أتخذها 

نحوها ولن يمنعني عنها بشر "  قال له ممدوح بانفعال " أنا لم أفعل كل ما فعلت إلا لتحل مشاكلكما وتشعرا بالاستقرار معًا، فيطمئن قلبي على ابنتي وهي بين يديك وبدلًا من هذا تأتي لتهددني " قال له عمرو بحقد بالغ " لا يا سيد ممدوح أنت فعلت ما فعلت لكي لا تشعر ابنتك لحظة بالنقص، لكي لا تشعر أنها تفقد كمالها الذي تتباهى به رغم أن الكمال لله، راوية تظن أنها ذات قيمة تعلو عن قيمة البشر، قيمة تعطي لها 

الحق لتكذب وتخدع وتموه حقائق وتبقى كفة الحق لديها راجحة " نظر له ممدوح بخيبة أمل وقال له " لقد وعدتني أنك ستنسى " ابتسم عمرو باستهزاء وقال " وعدتك أن أسامح لكني محال أن أنسى " صمت عمرو وأخذ يعدل هندامه باعتداد بالغ ثم قال " أخبر ابنتك يا سيد ممدوح أني سأمر ليلًا لأخذها ونذهب لأمي التي دعتنا لتناول العشاء، وأخبرها أني لا أريد لمخلوق أن يعرف عن مشاكلنا الخاصة شيء، بعد إذنك " انسحب عمرو 

بخطوات ثائرة تاركًا ممدوح خلفه يشهد بصدمة على لحظة انقلاب السحر على الساحر.

✰✰✰✰✰

جميع العوالم التي يمكن خلقها ما بين السطور بكل ما تحوي من البشر …والمشاعر …والعبر وبكل ما تمنح من التجارب ..والهدن …والخدر لم تكن كافية يومًا لتسد تجويف صدري الذي توغل به الحزن وأتخذ من عمقه مستقر.

✰✰✰✰✰

كم مرة شعرت أنك ترى العالم وتتنفس هوائه من ثقب إبرة، كم مرة شعرت أن خطاك ستطوي الكون بأكمله من شدة ضيقه، وأن دموعك إذا تساقطت ستغرق ذلك الحيز الذي بدأ يتضاءل ويتضاءل  من حولك كأنه قبر يستعد لضمك، كم مرة تبعثرت أبجديات ذاتك وكم مرة انهدم صرح أمانيك

وكم مرة وجدت نفسك وحيدًا ضعيفًا تقف على قارعة طريق لا تعرف له بداية ولا نهاية تنتظر النجاة بمنتهى الحمق 

واللا منطق، لم تستطع إحصاء المرات وهي تسير  بغير هدى بينما تشوشت رؤيتها بسب دموعها الغزيرة التي لا تتوقف لتقول بحزن " كل شيء بات نمطي ..مكرر …ومعاد حتى دوران الأرض حول نفسها، لم يعد بالحياة شيء جديد قد نتحمس له، كل شعور وانفعال داخلنا بات مستهلك، كل شيء خضناه وانتهينا منه ولم يعد هناك ما يستحق التجربة سوى الموت " صمتت للحظة وقالت " ربما هذه فرصتي لأجرب الموت " لتبكي بقلة حيلة 

للحظات ثم تقول " لماذا لم ينتظر فلربما جعلته يقتلني أو يعلمني كيف أقتل نفسي " فردت ذراعيها وبدأت بركل الرمال كما لو أنها طفلة تلهو وأخذت تصرخ بهذيان وتقول وهي تنظر للسماء "

So alone

It's like a hold

Wrapped around your throat

You can't talk

Afraid to go, confront it all

Soon I'm getting old

I feel as though

I'm left to die

I feel as though

Life's passed me by

I feel as though

What do I live for

I can't take much more

" ثم انحنت للأمام وبكت بقوة وهي تقول بخفوت "

It's so hard 

 ظلت على وقفتها المنحنية تنظر للأمام قبل أن تعتدل فجأة وتبدأ بمسح وجهها ثم نظرت للسماء مجددًا وشعرت أن وعيها يتأرجح ما بين واقعها الغائب ووهمها الملموس، عاد جسدها ليرتجف وشعورها بالغرق المباغت يزداد وقد بدأت أصوات غريبة تصل أذنيها كحسيس لا تستطيع أن تفسره، حسيس مفزع إلى حد جمدها وهي تقاتل أفكارها لتتذكر أين سمعته لتمر لحظات قبل أن تتوسع عيناها بصدمة وحدة الصوت 

الذي أدركت هوية صاحبه تزداد كأنه يقترب، ركضت بقوة وهي تنظر يمينًا ويسارًا بحثًا عن مكان تتوارى به حتى لمحت عربة نقل كبيرة تقف على قارعة الطريق وقد وضع السائق بجوارها أرضًا لوح من الورق المقوى وتسدح فوقه وهو يخفي عينيه بذراع والذراع الأخرى ترتاح بجانبه وقد ارتخت قبضته عن مفاتيح السيارة فاقتربت منه بحذر شديد ودون أن تفكر في مغبة ما تنتويه ففي الاوهام لا عواقب مادية، هناك فقط عواقب 

نفسية، سحبت المفتاح وتحركت نحو السيارة تركبها وهي تنظر من زجاجها الأمامي لسيارات رجال السني التي مرت من أمامها متجهة نحو موقع التخييم  بينما رجب السني يجلس في مؤخرة إحداها ويقول بصوت جهوري " هذا هو المكان الذي يختبئ به ابن الزانية " أدارت السيارة بقوة أفزعت السائق الذي انتفض واقفًا بصدمة كبيرة وهو يصرخ " السيارة، السيارة سرقت يا ناس، ساعدوني يا بشر، توقف " ثم بدأ 

بالركض خلفها ولكنه لم يستطع اللحاق بها فقد كانت تقود بسرعة جنونية ورغم ذلك نظرت نحوه من خلال المرآة ثم قالت بصدق  " سأعوضك بين سطوري، صدقني لن أنساك، لتكن في خيالي بالمرة القادمة أفضل حالًا مما أنت عليه الآن أيها السائق " ثم أدارت عجلة القيادة بقوة جهة اليسار لتسلك طريقًا مختصرًا نحو خيمة بربري ورجاله والحيرة تتآكلها نحو وهمها الذي يزداد عدوانية وشراسة.

✰✰✰✰✰

حصار عينيك التي أرى فيهما طيف من رحل كفيل بأن يشطرني نصفين إذا انصرف عني أو غفل، وكفيل بأن يجمع شتاتي في لمح البصر وكم من المرات يا سيدي قد فعل.

✰✰✰✰✰

كل التفاصيل التي اقتحمت عقلك عنوة دون أن يكون لوجودها مبرر إنما هي بابك نحو التغير أو الموت لا خيار آخر، 

جلس بربري أرضًا فوق أحد الأرائك الأرضية المصنوعة على الطراز البدوي وظل جامدًا ينظر لمدخل الخيمة وبداخله المشاعر تتدافع بغوغائية دوى صداها بمركز رأسه مسببًا له ألم حاد على هيئة صداع فتاك، زفر بربري أنفاسه بضيق ونظر لرجاله الذين ينام كل واحد منهم بجانب ثم بانفعال سحب أحد الوسائد وعدلها بشكل مسطح ثم مال ينام على جانبه وعيناه تتناثر منها شرارات حارقة خاصة حين بدأ دون سبب يتذكر كل ما 

حدث مع من لم يعرف اسمها حتى منذ وجدها بالمقابر، أخذ عقله يسحبه للخلف ثم يتقاذفه ما بين بكائها ..صراخها …هذيانها …وحتى حديثها الهاديء الذي قليلًا ما صدر عنها، انقلب بربري على جانبه الآخر بحدة وهو يهمس من بين أسنانه " نام يا بربري نام، لقد ذهبت في مصيبة بلا رجعة وارتحت منها أخيرًا " بدأت أفكاره تهدأ شيئًا فشيء وبدأت أجفانه تتثاقل ليتثاءب بقوة ويتذكر جسد السائحة المغري ويبتسم 

وهو يفكر أن عليه أن يبحث عنها حين يستيقظ ليعبث وهو مغمض العينين ويقول " لم تخبرني تلك المجنونة ما الذي قالته لها " ليفتح عينيه وهو يقول بحنق " وهل منذ قابلتها وجهت إليك كلمة واحدة مفهومة سوى حين صرخت بأعلى صوتها قائلة ….." بربري " لم يكن اسمه صادرًا من عمق أفكاره بل من خلفه، التفت بربري بصدمة كبيرة ثم اعتدل بسرعة وقال لها بحدة " ألم ترحلي؟! " اقتربت منه وهي تلهث وتقول " السني 

ورجاله بالخارج يبحثون عنك، لقد رأيتهم وعدت لأحذرك، أرجوك أسرع لنهرب لا أريد أن تمتلئ أفكاري بمشاهد دموية، فمؤكد تأثير ما يحدث في وهمي ينعكس على واقعي، هيا "

تجمد بربري لوهلة كأنها باغتته بردها وظل يتأمل انفعالاتها خاصة مع تسارع أنفاسها الملحوظ لتهز رأسها وتقول " لا وقت، تحرك " ثم توجهت نحو مخلف وبدأت في هزه بأطراف أصابعها وهي تقول " استيقظ من فضلك " تحرك ببربري 

نحوها وجذبها للخلف بقوة ثم صاح بغلظة وقوة قائلًا " استيقظوا بسرعة، هناك حملة وصلت لأجلنا " انتفض رجاله بعيون متسعة وملامح متجهمة ليقول ناجح وهو يرفع بنطاله ليخرج مدية ضخمة كان يثبتها بقدمه " رجال السني  أتو  إلينا؟" قال مخلف " كيف وصلوا لنا بهذه السرعة " أجابه بربري بغضب " مؤكد دفعوا لمن يجدنا أكثر مما دفعنا لنختبئ هنا " وقف بدوي وهو يحاول التحكم في ترنح جسده الذي 

مازال أثر السُكر لم يذهب عنه " الكلب حمدي سلمنا لهم " صرخ فوزي وقال " هذه المرة سنجعل السني يبكي على أخيه " همّ البربري بالرد لتدفع بجسدها الضئيل بين خمستهم وتقول " لا يا سيد فوزي، ليس من المنطق أن تتشابكوا معهم وأنتم بلا سلاح وهم يفوقونكم عددًا، نتائج أمر كهذا ليست محسوبة، الأفضل أن نهرب " قال بدوي بصدمة  " نهرب؟ " جذبها بربري للخلف بقوة بينما يقول ناجح بغضب " أنا لن أهرب، إن كانوا رجال 

حقًا فليأتوا إليّ " قال بربري " كلاب السني سيكونون مستعدين بعكسنا لذلك ….قاطعته تقول بانفعال " دعونا نهرب، لقد رأيت ثلاث سيارات مليئة بالرجال، والشخص البشع الذي طعنه بربري يحمل سلاح ناري " تبادلوا النظرات ليقول مخلف " هذه ستكون معركة خاسرة يا رجال، إذا اشتبكنا معهم سنكون كمن نسلم عنقنا للسني دون أية مجهود " قال فوزي " إذًا تريدنا أن نهرب كما النسوان " قال بدوي " هذا 

على أساس أننا لو فكرنا بالهروب سيكون الأمر سهل " هدر بهم بربري " اخرسوا تمامًا، هل ستتشاجرون الآن بينما نحن في مصيبة، وبمجرد خروجنا من هذه الخيمة سيعلم علينا أصغر صبي من صبيان السني " كان بربري يحرك قبضته التي تكمشها بعنف يمينًا ويسارا فتتحرك معه كأنها ورقة يتلاعب بها لتنفض يده فجأة وهي تقول " لقد أوقفت سيارة نقل ثقيل في ظهر الخيمة، لن نخرج من المدخل، سنمزق الخلفية بمدية ناجح 

وسنمر تباعًا محاولين ألا نلفت النظر لنتوجه صوب السيارة وسننطلق بها نحو مكان آمن لنقرر حينها ما الخطوة التالية أهم شيء أن نغادر الآن" ارتفع صوت رجب بالخارج فتبادلوا النظرات بتحفز ليمسكها بربري من تلابيبها ويسألها بشراسة " من أين أتيت بالسيارة؟ " قالت له وهي تنظر نحو مدخل الخيمة بتوتر " سرقتها من سائق كان ينام على قارعة الطريق " توحشت عيناه أكثر وهو يقول لها " هل أنتِ ذات سوابق يا حُرمة " 

قالت له وهي تجذبه " لا لكني لا أخشى عواقب السرقة داخل حلمي، لقد تعبت أن أوضح لك أن كل هذا من وحي أفكاري التي تتلاعب بي، دعنا نهرب " سحبها بربري نحو ظهر الخيمة وتبعه رجاله ليشهر ناجح مديته ويمزقه ويمهد الطريق لها لتعبر ويتبعها بربري الذي لم يفلتها ليتبعوه فالتفتت لتشير لهم أن يلزموا الهدوء ويتبعوها وبدأو  بالتحرك السريع ما بين سيارات فريق التخييم التي تقف في ظهر الخيم حتى وصلت بهم على 

السيارة التي كان بابها مفتوح وكانت مدارة بالفعل فقال البربري " سأقود " تحرك الرجال نحو خلفية السيارة وصعدوا إليها بسرعة ثم جلسوا أرضًا لكي لا يظهروا فيما سحبها بربري نحو باب السيارة فصعدت بسرعة وبنعومة نظرًا لضآلة حجمها عبرت من خلف عجلة القيادة نحو المقعد المجاور له ليركب بربري السيارة ويتحرك بها وهو يراقب من المرآة الجانبية رجال السني يدخلوا إلى الخيمة فأخذ نفس عميق وهو يسرع 

مبتعدًا قبل أن ينظر نحوها فيجدها تجلس بهدوء تنظر له وكأنها تعرفه منذ زمن وتقول " جولتي الأولى مع مخاوفي حسمت بإنقاذك، كأن إنقاذك دلالة على أني في النهاية سأكون بخير، كل ما مر حتى الآن كان صعبًا للغاية لكني أشعر بعدما عشت كل هذه التفاصيل أنه رائع أليس هذا جنوني " لم يمنحها بربري أي ردة فعل وعاد ليصب تركيزه على الطريق وهو يفكر أن الأمر تخطى الجنون بمراحل ".

✰✰✰✰✰

بعد قليل …..

كان بربري يتوقف بالسيارة في مكان نائي تعمق في الدخول إليه ليبتعد عن الطريق الرئيسي والذي من الوارد أن يمر منه رجال السني بحثًا عنهم وبدون كلمة واحدة ترجل من السيارة ثم ضرب بكفه بغلظة على جانبها ليقف رجاله المختبئين ويبدئون في النزول تباعًا ليقول مخلف " أين نحن؟ " قال له بربري " سنبقى هنا قليلًا بعيد عن الطريق الرئيسي حتى تهدأ الأوضاع وبعدها سنجد مكان آمن 

لنختبئ به " قال بدوي بابتسامة وهو يرفع سترته لتظهر رزم المال الذي كان يثبتها حول خسره " هذا هو الحظ حين يُقبِل علينا، المال في أمان وخطة الهروب وضعتها الوتكة، تخيلوا لو لم نستطع الهرب لعلنا أصبحنا لحم مشفي " نظر ناجح نحو التي تترجل من السيارة وهي تتفقد الخلاء المقفر بعينيها وقال " لقد أصبحنا مدينين للبسكويتة ياشقيق " نظرت لبربري بتوتر واقتربت منهم تقول " سعيدة بما آلت إليه الأمور " قال لها 

مخلف " سنرد حركة الشهامة هذه لكِ عما قريب، فنحن سدادون " نظرت بطرف عينها مجددًا لبربري الذي مسح على وجهه بعنف شديد ليقول فوزي " ألا تحتاج لنا في مصلحة تخصها، لنقم معها بالواجب " قال بدوي " لكن الحلوة لم تخبرنا بتفاصيل المصلحة " نظروا جميعًا إليها فقالت وهي تجمع شعرها الناعم الذي بات فوضوي من عدم اعتنائها به " لقد أخبرت بربري " تحولت النظرات تجاه بربري الذي زغرها بحدة قبل أن يقول" 

لننتهي من حكاية السني وبعدها نرى ما سنفعل " قال له ناجح " لنفهم بداية القصة على الأقل كي لا نسير عُميان " اشتعلت نظرات بربري الذي لم يحد بعينيه بعيدًا عنها وقال " إنها تبحث عن شخص نهب حقها وتريد منا أن نساعدها في إيجاده وبعدها نأخذ عرقنا وكل منا يذهب لحاله " تفاجأت مما قاله وانفرجت شفتاها بلهفة تنتظر ما سيؤول إليه الوضع بعد تلك الكلمات ليسألها مخلف بحيرة " وهل تعرفين ذلك 

الشخص؟ " نظرت له باهتمام وقالت " بصراحه هذا يعد أصعب جزء في الأمر، فأنا لا أعرفه ولا أعرف دوافعه خلف ما فعل ولا أعرف من أين سأبدأ، هل يستطيع أحد منكم مساعدتي، ربما لدى أحدكم فكرة عن الخطوة الأولى في طريق البحث عنه  " قال بدوي " أظن أن علينا أن نعرف ما سرقه منكِ بالتحديد ونذهب للمكان الذي تمت به السرقة ربما ترك شيئًا خلفه إن كان غشيم قليل الخبرة " قال مخلف " يمكننا أن نراقب 

المكان فلو أنه مبتدئ بالأمر مؤكد سيقرر سرقة أماكن قريبة خاصة أنه نجح في الأمر أول مرة ولم يتم الإمساك به " قال فوزي " يمكننا أيضًا أن نسأل عند أحبابنا المعروفين بتصريف المسروقات لربما مر عليهم ما أخذه منكِ " شعرت بالعجز الشديد لكونها غير قادرة على البوح بما تريده صراحة لينظر لها بربري بغضب وقال بحدة " أنا فقط لا أفهم ما الذي سيعود عليكي حين تجدين ذلك الق…السارق " قالت له بخوف واضح " 

لأني حين أجده سأتأكد أني لست الق…السارقة" توسعت أعين بربري بصدمة كبيرة وعمّ الصمت.

✰✰✰✰✰

منذ أن ودعت دار السلام القابع في عمق عينيك وأنا في حرب محال أن ينهيها كل عيون البشر ولو اجتمعوا.

✰✰✰✰✰.

الساعة الثامنة مساءً بأحد الشقق السكنية بمنطقة مصر الجديدة...

كان شهاب يقف على بعد متر من جثة نحر عنقها بشكل بشع جعل دمائها تتصفى بجوارها أرضًا ومن حوله الفريق الجنائي يفحص المكان ليميل برأسه قليلًا يتمعن في تفاصيل الضحية فتضيق عيناه لوهلة قبل أن تتحول النظرة فيهما لصدمة بالغة ويبدأ في التحرك للأمام.

انتهى الفصل قراءة ممتعة للجميع ❤️ 

اللهم سخر لأهل غزة ملائكة السماء وجنود الأرض .

اللهم بردًا وسلامًا على أهل غزة .

اللهم بحق عينك التي لا تنام وعزك الذي لا يُضام أرنا عجائب قدرتك في نصرهم.


Continue Reading

You'll Also Like

149K 3.7K 88
يلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسد...
1.5M 32K 83
اشد الجروح الما ليست التي تبدو اثارها في ملامح ابطالنا بل التى تترك اثر ا لا يشاهده احدا فى اعماقهم. هي✨ لم تخبره بمخاوفها ...ولكن نقطه نور فى اعم...
38.9K 999 42
فتحت النافذة على اخرها واعادت راسها للخلف تصغى للرياح تبدو كأنها تضحك داخل اذنيها ببط مستمتع اغمضت عينيها البندقيتين راضخة للشمس تمشط ملامحها بأشعتها...
3.8M 56.7K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...