الفصل السابع ( تطرف داخل أرض محايدة)

215 20 11
                                    

تطرف داخل أرض محايدة

✰✰✰✰✰
ماذا لو كان وعيي مقيدًا يُغتصب وتُسلب منه كل ذرة إرادة حرة يملكها، ماذا لو كان يصرخ في عمقي مستنجدًا وانعتاق الفكر في صميمه يهتك بعنف، ماذا لو كان نزيفه الدامي يتساقط من أحداقي على هيئة أدمع، وتلاحق أنفاسه الهادرة يتردد في جسدي على هيئة رجفة هلع، ماذا لو

أن ويلات انتهاكه هي ما تجعلني أبكي وأصرخ دون توقف، وماذا لو أيقنت أني وعقلي شيئًا واحدًا وقد تعرضنا لذلك معًا..
✰✰✰✰✰

متى سيحين الوقت لنتيقن أن كافة الاحتياطات التي دفعنا طموحنا المتطرف لنأخذها كي نأمن ضربات الغد العاتية لم تكن إلا دروع واهية في وجه مصيرنا النافذ رغم أنف تمردنا وتعنتنا ورغم أنف يقيننا الواهم أننا قادرون على

مناطحة أقدارنا، كان التوتر بداخله يزداد كما تزداد الطرق أمامه تشابكًا ووعورة ورغم ذلك لم يفقد مساره لحظة ولم تتباطأ سرعته في لمحة تريث واحدة كان من الممكن أن ينتهزها ليعيد كافة حساباته للمرة الأخيرة كأنما خياره في تلك اللحظة كان محسومًا بشكل لا رجعة فيه، اقترب كريم بسيارته من بوابة حديدية ضخمة لفيلا كبيرة مازالت تحت الإنشاء بمكان معزول عن العمران ليتوقف وهو ينظر للساكنة على المقعد

المجاور له بقلق وانفعال وبصدره تتدافع الأنفاس الهادرة قبل أن يخرج هاتفه ليطلب رقم فيدرا التي أجابته فورًا قائلة بصوتٍ دافئ لعوب " هل افتقدتني بتلك السرعة أيها الطبيب " ليجيبها كريم بجدية تميل للشراسة " أنا بالخارج افتحي البوابة " عمّ الصمت للحظة كأنها تستوعب فورة الغضب في أمره قبل أن تغلق الخط لتمر لحظات قليلة قبل أن يرى كريم البوابة الآلية الضخمة تُفتَح على مصراعيها فأسرع يتخطاها بسيارته

لتبدأ فورًا بالانغلاق بشكل ذاتي، ترجل كريم من السيارة باندفاع ولف حولها ليفتح الباب المجاور للفتاة وينحني ليحملها برفق ثم يوازنها ما بين ذراعيه قبل أن يتحرك نحو المبنى الذي لا يصلح للسكن بعد بخطوات شبه راكضة ولكن بدلًا من أن يدخله توجه نحو سلم جانبي يمتد لأسفل ونزله وهو يصرخ قائلًا " فيدرا " ظهرت فيدرا تركض نحوه لتتجمد بصدمة كبيرة وهي تقول " ماذا تفعل هذه هنا؟!، هل جننت؟" قال لها كريم وعيناه

تدور بالمكان المعد بشكل كامل ليكون مختبر  كيميائي عالي التقنية " سأخبركِ بكل شيء ولكن بعدما أدخلها غرفة العناية فحالتها ليست مستقرة " التفتت فيدرا تنظر للغرفة الزجاجية المعقمة والمغلقة وقالت برفض " أنت هكذا تغامر بكل شيء، هذه الفتاة لا يجب أن تبقى هنا، ولم يكن عليك إحضارها لهذا المكان تحت أي ظرف " هدر بها كريم قائلًا بشدة " توقفي عن الهذر فهذا ليس وقته أبدًا وافتحي الغرفة حالًا " أسرعت فيدرا نحو

الغرفة وهي تقول بانفعال " ألم تفكر أنها قد تموت بسبب عدم استقرار حالتها، لا يجب أن يحدث شيء من هذا هنا، هذا ليس ما اتفقنا عليه، أنت تضعنا بهذا في موقف خطر للغاية " تحرك كريم خلفها وهو يقول بغضب " لقد وضعت في موقف حرج وكان عليّ إخراجها من المشفى على وجه السرعة، فبقاؤها هناك بعد ما حدث كان هو الخطر الحقيقي " فتحت فيدرا الباب ثم دفعته بعنف وولجت إلى الغرفة تنظر لكريم الذي يضع

الفتاة على السرير وقالت بهياج " ماذا حدث لتلغي عقلك وتضرب جميع خططنا في مقتل بإحضارك لها إلى هنا؟ " بدأ كريم في تفقد استجابة تلك التي تسكن كجسد هامد لا حول له ولا قوة وقال " أصابتها نوبة تشنج والحقير عاطف استغل غيابي واستدعى فريق الطواريء لفحصها وحين علمت وذهبت للسيطرة على الموقف وقف في وجهي وألقى عليّ اتهامات لا أول لها ولا آخر بحضور الجميع والذين كأنهم فجأة

تجرؤوا و باتوا يطالبون بتفسير منطقي لحالة السبات الدائمة والغير مفسرة علميًا بالنسبة لهم، كل ما أخشاه الآن أن يكون أحدهم سحب منها عينه دماء ولذلك عليّ العودة وتنظيف كل شيء خلفته خلفي " قالت فيدرا بحدة " العودة إلى أين، لا تقل أنك ستتركني معها وحدي، كريم أنا كميائية لا أكثر وأنت تقول أنها خرجت من نوبة تشنج للتو ومعنى ذلك أنها تحتاج لرعاية طبية، هذه الفتاة إن ماتت هنا ستكون كارثة

حقيقية حلت على رؤوسنا " قال لها كريم بحزم رعد أوصالها " لن تموت، مؤكد التشنج سببه يقظة غير محسوبة لعقلها الباطن الذي تصادم مع نسيج وهمها المتين، كأن جسدها كان بحاجة لجرعات أعلى بالتركيز لكني لم ألحظ ذلك، ثم هذه الغرفة وحدها كلفتني ملايين، إنها عناية مركزة فائقة وأفضل من غرفة المشفى الباردة ألف مرة " قالت فيدرا بضيق " كريم هذه الغرفة جهزناها للطواريء وتحدثنا سابقًا أننا إن استخدمناها

سنحتاج لطبيب مختص لمباشرة أي حالة تدخل إليها، ما بك كأنما عقلك الفذ أصابه الشلل من الفزع فحملتها وركضت بها إلى هنا بدون تفكير " حرك كريم رأسه بهياج وقال " كله من القذر الذي يضعني برأسه ولا يكف عن البحث خلفي " قالت فيدرا " كريم انفعالك هذا يجب أن تسيطر عليه وتفكر معي بعقلانية، أنا كما قلت لك كيميائية ومن الصعب أن أتعامل مع أي عَرَض يظهر عليها، لذلك كان وجودها بالمصحة آمَن

لها ولنا وللتجربة بأكملها، والآن إن لم تأخذها لمكان آمِن تتوافر به مقومات الرعاية سيتوجب علينا إحضار طبيب خاص ومؤكد أي طبيب سيسأل الكثير من الأسئلة التي سنجد صعوبة في منحه أجوبتها، الموقف صعب " ثار كريم بشكل جعلها تتراجع عدة خطوات للخلف قائلًا " جدي حلًا فيدرا لأني يجب أن أعود للمصحة لأصلح الموقف قدر استطاعتي قبل أن يفوت الأوان ويتناثر الحديث عما حدث هنا وهناك، فأنا لست على

استعداد لأن أخسر كل شيء بعدما وصلت لتلك النقطة " تنفس كريم بعمق ثم اقترب من الجسد البارد الشاحب وقال " حالة سباتها لو انقطعت فجأة دون تمهيد مسبق وبشكل يوصلها لحالة اتزان كلي ستكون صادمة وفصلها عن المحاكاة التي تدور بعقلها ستكون عواقبه وخيمة " ثم التفت لفيدرا وقال بجدية شديدة " هذه ليست مجرد امرأة عادية، إنها مبدعة ومتميزة ومغامرة وإن لم تكن نتيجة التجربة مرضية تمام

الرضى لها حين تعود سنكون كمن عجلنا بدمارنا، فحين تستيقظ يجب أن نكون دفعنا لها ثمنًا باهظًا كونها باتت دون إرادتها حقل تجاربنا، وإلا سنجد أنفسنا أمام خيارين لا ثالث لهما " صمت كريم قبل أن يقول بثورة تأبى أن تسلم للهزيمة " إما السجن أو القتل وكلاهما سيضع نقطة النهاية في ذلك الحلم الكبير " نظرت له فيدرا نظرة مطولة عميقة قبل أن تقول بيقين زاد من اهتزازه " أعلم ".


✰✰✰✰✰
إني أفتعل الموت عامدة كلما وقفت في مواجهة آلامي، فأن أباغتها بالخديعة لترتد عني خير من أن تباغتني بالحقيقة وتنال مني، وأفتعل الحياة كلما وقفت في حضرة أحلامي، فأن أباغتها بالخديعة لتبقى معي خير من أن تباغتني بالحقيقة لترحل عني.
✰✰✰✰✰



ماذا لو اغتربت حروفك ما بين السطور وتخبطت عاجزة عن أن تصوغ نصًا واضحًا يعكس أهوال ما تعانيه، ماذا لو وأُدت كلماتك قبل أن تُخَط وأُبيد في غمرة وأدها كافة المشاعر التي تقاتل ما بين أضلعك بضراوة لعلها تطفو إلى السطح لتسيطر على وهمك المبهم والذي طمس هوية إحساسك وجردك من أمانك الداخلي، ماذا لو بت شريدًا
داخل معركة لا ناقة لك بها ولا جمل وطلب منك أن تستل كافة أسلحتك التي

لا تملكها وتقاتل، في لمح البصر تحول ذلك الممر الضيق نسبيًا والذي يعج بالبشر إلى حلقة مغلقة ترزح في مركزها كريمة التي تتمسك بأبانوب باستماتة وتنظر من حولها بهلع تخفيه بإباء أنثى تدرك أنها إن أظهرت لمحة اهتزاز واحدة ستكون كمن جعلت من نفسها فريسة سهلة لجميع الواقفين لمراقبة المشهد عن كثب، كانت كلما حاول أحد الرجال الواقفين التدخل تصرخ كأن صوتها هو وسيلة دفاعها الوحيدة لكن مع مرور

الدقائق الحرجة بدأ عقلها يتيقظ لصعوبة الموقف خاصة وهي تقف بطولها كما دأبت أن تفعل منذ أن شبت عن الطوق في مواجهة ليست بقبلٍ لها، كان الهلع وصمودها في حرب سجال زادت شدتها مع اختفاء مرافقتها التام والتي حاولت أن تبحث عنها بعينيها كثيرًا فلم تجدها داخل مجال رؤيتها كأنها اختفت تمامًا، حاول أبانوب الفكاك من قبضتها وهو يهمس لها بتهديد " أنتِ لا تعرفين أهوال ما تفعليه، لقد ورطتكِ رفيقتكِ

مع أشخاص ما كان يجب أن تتورطي معهم أبدًا وفرت لأنها تعلم أن ما أتت لأجله ليس به مزاح " توسعت أعين كريمة بخوف للحظة قبل أن تقول له بصراخ " هل تهددني؟، هل تهددني؟، أنا سأريك. " كانت تصرفاتها من شدة الهلع بدأت تصبح دفاعية عنيفة كأنها تستشعر أن هناك شر باطش سيطولها لا محالة  لذلك أحكمت قبضتها على تلابيبه وقبضتها الثانية أرختها لأسفل نحو ساقها اليمنى التي رفعتها قليلًا وانحنت تسحب

منها خفها الجلدي بخس الثمن وهي تقول " إن لم أجعلك عبرة لمن يعتبر لا أكون أنا يا مفضوح، وأي أحد يفكر في الاقتراب مني سأجعل خفي هذا يطبع علة وجهه كختم النسر، هل تظنون أني ضعيفة مكسورة الجناح تستطيعون إرهابها بجمعتكم " رفعت كريمة كفها الذي تحمل به الخف عاليًا وقد ازداد الهرج والمرج من حولها مخلفان في نفسها رعبًا أشد وحين همّت بإنزالها بقوة على رأس أبانوب شعرت بكف حازمة تحول بينها

وبين ذلك وصوت رجولي يقول " عنكِ أنتِ، دعي هذا لنا " التفتت كريمة بعيون تقدح شررًا متطاير نحو محدثها لتنطفئ جذوة ذعرها فجأة حين وجدته فوزي فهمّت بقول شيء لكنها لم تستطع أن تستجمعه مطلقًا كأنما أصابها الخرس ليقول لها بحزم " حقكِ نحن من سنأتي به، اتركي هذا الوسخ لنا " رغم هول الموقف ورغم انتفاضة جسدها العنيفة تنفست كريمة الصعداء وتركت أبانوب بعد أنا بصقت في وجهه  بانفعال وحرقة

وهي ترى مخلف وناجح وبدوي يخترقون الرجال ويحيطونها من كل اتجاه ليقول ناجح الذي يحمل مدية بكف وكفه الأخرى يلف عليها سلسلة حديدية " من الذي تعرض لها، ليأتي ويريني نفسه إن كان رجل من صلب رجل. " قال بدوي بتهكم فج وهو يشير على أبانوب " لو أن بكم حُرمة غير هذه فلتأتي لأزين وجهها علي كل شكل ولون أم أنكن خجلات " شعر الواقفون أن الأمر سيتحول لمذبحة وبمنتهى الجدية التي لم يولوها لكريمة

التي كانت تصرخ منذ قليل تطالبهم ببعض النخوة بدأوا بطلب الشرطة ليقول مخلف لفوزي بغضب شديد وقد بدأ المشاهدون بالابتعاد خوفًا على أنفسهم من بطش رجال الشوارع فيما بدأ رجال أبانوب بالاقتراب وفي أعينهم شر بين " أعد كريمة للبيت " أسرعت كريمة تنحني لتلبس خفها وهي تقول " أخت بربري كانت معي ولا أعرف أين ذهبت، لعل أحدهم فعل بها شيئًا " قال لها فوزي الذي جعله منظرها وهي تقف ما

بين حشود غفيرة من الرجال كما الأسد تزأر فلم يستطع أحد منهم مس طرفها يتأملها بتمعن" بربري سيجدها، سأشق الرجال وأتحرك لا تفلتيني حتى نخرج من الزحام " قالت كريمة بخوف وهي ترى ناجح يقاتل رجلين بضراوة وهو يشتم بأشنع الألفاظ بينما يثبت بدوي أبانوب بسكين حاد بدأ يمرره على جسده بعشوائية مرعبة فتنفجر منه الدماء وهو يقول " سأظل أقطع فيه للصباح "و مخلف يحمي ظهريهما بطريقة دفاعية

تجعل باقي الرجال مترددين بشأن مواجهته نظرًا لضخامته وشراسة ملامحه " والبقية، هل سنترك مخلف وأصحابك، لعل الشرطة بالطريق، لقد حولوا الشجار لمجزرة، أوقفهم وإلا سيُضيّعون أنفسهم  " سحبها فوزي بحدة وقال " تحركي هيا، هم رجال ويعرفون ماذا يفعلون أما أنتِ فحُرمة ووقفتك رغم جرأتها كانت لتنقلب عليكِ في أي لحظة " تحركت كريمة خلفه وهي تقول بصوتٍ باكٍ " لم أعرف كيف

أتصرف، لقد أرادوا أخذنا والله وحده يعلم ماذا كانوا يريدون منا، لقد كنت أقف بين الرجال بطولي أصرخ بأعلى صوتي من شدة الفزع وقلبي يصرخ مستنجدًا يقول يارب وسبحان الله ظهرتم في الوقت المناسب " التفت فوزي ينظر لوجهها المكفهر من شدة الانفعال وعيونها التي بدأت تدمع وقال بجدية " رأيت رجال كثيرين يفرون من معارك أصغر، لقد كانت وقفتكِ وقفة مئة رجل دفعة واحدة، لكن لا تفعليها مجددًا، لن

نصل في الوقت المناسب كل مرة " توترت نظرات كريمة للحظة قبل أن تقول بحرج حاولت السيطرة عليه " أخت صديقك، هل سنرحل من دونها، لقد كانت مذعورة من هؤلاء الرجال كأن بينها وبينهم ثأر بائت " لم يجبها فوزي بشيء بل سحبها بسرعة كبيرة محاولًا أن يبتعد عن مكان الشجار قدر استطاعته وعيناه تتحرك يمينًا ويسارًا حتى اهتدى لوجهته فأكمل نحوها وهو يفكر في حديثها عن علاقة الوتكة والتي أعلن بربري أنها تخصه بهؤلاء

الرجال الذين تعرضوا لها بذلك الشكل المقلق..
✰✰✰✰✰
جميع التجارب التي سلبتنا دفاعاتنا الحصينة وجعلتنا عرضة لغزو الصدمات المتلاحقة ربما تكون يومًا أفضل تدريب حظينا به في تلك الحياة جعلنا مؤهلين للصمود في خضم المحن، ومؤهلين للقتال في خضم التورط، ومؤهلين للنجاة في خضم المستحيل..
✰✰✰✰✰

حين يصبح حضور شخص ما إليك بمثابة استجابة فورية لكافة مطالبك بالحياة فاعلم أنك تورطت به بشكل يجعل من التراجع للخلف في علاقتكما خطوة مستحيلة، كل شيء من حولها كان يتحرك بسرعة مرعبة إلا جسدها الذي تصلب عاجزًا أن يقدم على أي رد فعل غريزي كأنما قد خارت كافة قواه من شدة الهلع، توسعت عيناها التي تسيل منها الدموع وهي تتخيل أن تلك هي النهاية، مرت لمحات من ذكريات بعيدة في أحداقها

الشاخصة كأنها سلمت للموت لتسمع صوت يقول بغضب بالغ " أنتِ تدفعينني دفعًا لقتلكِ أيتها الغبية" شهقت بقوة سببت انتفاضة في كفه التي تكمم فاها فرفعها بسرعة ظنًا منه أنها تنازع لتلتقط أنفاسها وأدارها بين يديه يقول لها بغضب شديد " ماذا تفعلين هنا؟، ألم ننته من جنونك بعد؟ " نظرت له لوهلة كأنها تستوعب وجوده ثم انفجرت في البكاء وهي تقول برعب " كانوا يريدون خطفي أنا وكريمة، إنهم يعلمون جيدًا

ماهية ما يدور، أظنهم سيقتلونني، أنا خائفة، ربما موتي هنا يعني موتي للأبد، أنا لن أستطيع أن أستسلم بجبن، لن أستطيع " كانت ساقاها ترتجفان بشكل يجعلها تترنح كأنها علي وشك السقوط فيدعمها بذراعيه القويتين ويهزها بعنف شديد وهو يقول " لقد نفذتِ ما برأسكِ رغم تحذيري لكِ، ألم أقل لكِ لا؟، هذا الطريق لن نسير نحوه مجددًا، ما الذي تريدينه بالضبط، هل تسعين خلف موتكِ وتسحبيني معكِ لموتي، هل تظنين

نفسك سبعة رجال تجمعوا معا على قلب ميت يمر من الحديد ويتصدى لأي شخص حتى لو كان قاتل، ألم تفطني لحقيقة كونكٌ فتاة حمقاء لا تجيد سوى الذعر والهذر الغير مفهوم والصراخ والبكاء " قالت له بانهيار وهي تتمسك به " أنا لن أستطيع أن أستسلم، لن أستطيع أن أكف عن السعي لإيجاد الحقيقة وإدراك ما يحدث لي، فإن مضيت بصمت دون أن أجد الحقيقة سأكون كمن وضعت نفسها بأولى سكرات الموت، وأنا

لن أفعل بنفسي ذلك " هدر بها بربري " أنتِ لا تفعلين شيء سوى كوارث ستذهب بنا جميعًا خلف الشمس ثم تهلعين وتبكين بينما أنتِ السبب بكل شيء " تمسكت به وقالت برجاء وحرقة " آسفة جدًا على كل شيء لكن أرجوك أنقذ كريمة لقد تورطت في شجار مع أحد الأشرار، أرجوك هي ليس لها ذنب فيما يحدث لي، عقلي الباطن لن يتحمل أن يشعر بالذنب أكثر، أنا سأموت وأنا أجلد ذاتي أني دمرت شخصًا طيبًا نقيًا داخل

بنات أفكاري " نظر لها بربري بشراسة وقال " اخرسي تمامًا وتوقفي عن البكاء من أين ظهرتِ لي أنتِ ومصائبكِ " ثم جذبها وتحرك نحو أصوات رجاله التي ارتفعت بغضب كما الجحيم ليقاطع طريقه فوزي الذي كان يسحب كريمة ويقول له بصوت تموج فيه الانفعالات " مخلف طلب مني أن أعيد كريمة للمنزل " دفع بربري بالتي يسحبها بحدة نحو كريمة وقال له " خذ هذه معك، ولا تدعها تخطو خطوة واحدة خارج باب المنزل حتى أعود

" ثم زغرها بعينيه بنظرة مميتة من شدة احتدام غضبه فحاولت الاعتراض والتمسك به لتوقفه عن الاشتباك في ذلك الشجار الدامي الذي جعل صراخها المكتوم يتردد صداه بحلقها بضراوة لكنه ضحد محاولتها وهو ينفض قبضتها ويقتحم دائرة العراك متوجهًا نحو ناجح الذي تكالب عليه أربعة رجال ليجذب اثنين منهم بعنف شديد ويطبق قبضته ليهوي بها على فك أحدهما بوغر مرة تلو الأخرى دون توقف حتى تدافع الرذاذ من

فيه مختلطًا بالدماء فهجم الآخر نحو بربري يسحبه من تلابيبه بعنف شديد مزق مقدمة قميصه الجديد باهظ الثمن والذي ارتداه دون تفكير حين علم باختفائها ليصرخ بربري بجنون " القميص …القميص " ثم بمنتهى الشراسة انهال عليه بالضرب المبرح وهو يقول له " مزقت القميص يلعن سلالتك، أنا سأمزق ملامحك التي لا تعادله ثمنًا، هذه ملابس أبناء الناس، كيف تمزق القميص " كانت تبتعد عن ذلك المشهد

المروع بأعين تذرف الدموع بحرقة وعيناها معلقة بوجه بربري الذي كأنما تحول لحيوان شرس يفتك بكل من يقترب منه.

✰✰✰✰✰
وسنظل واقفين في الدرك الأسفل من القرارات الصعبة نحدق نحو الأعلى وأقدامنا مغروسة في باطن الأهوال التي تقف بيننا وبين أن ننطلق محلقين على متن قرار نتقبل بكل قناعة ما سيخلفه من عواقب وخيمة..
✰✰✰✰✰

قبل أن تحرق جميع سفنك الساكنة بمرفأ أحدهم تأكد أن النيران لن تحرق قلبك أنت أم لا فلعل ذلك الشخص وكل عالمه ليسو إلا ساكني ما بين أضلعك، كان شهاب يقف بملامحه المتجهمة المنغلقة أمام مكتبه ينظر من علو نحو  شاشة الحاسوب الخاصة به والتي يعرض عليها تسجيلات كاميرات المراقبة

الخاصة بحادثة معتز محجوب للمرة العاشرة منذ أن وصلته ليقاطعه صوت دياب الذي يتمعن في بعض الأوراق التي بين يديه وهو يقول " لن تجد شيء، فمن أطلق النار كان بعيدًا عن دائرة الضوء يركب دراجة نارية ويقودها بسرعة جنونية وهذا يعكس مدى احترافه بالرماية، فسرعة الدراجة لم تتباطأ ولو قليلًا لكي يتأكد أنه أصاب المجني عليه ومؤكد هو لم يفعل ذلك عبثًا، هو إما أنه أراد ترويعه وإشعاره بالتهديد أو أنه أراد

قرص أذنه بتلك الإصابة التي لن تؤدي للموت، هذا الرجل لم يكن غرضه القتل " قال شهاب بضيق من وجود دياب الخانق له " هذا واضح جدًا، لكن ما يحيرني هو ذلك ….انظر" ترك دياب ما بيده ووقف متحركًا تجاهه ينظر للشاشة ليشير شهاب لجانب مظلم يكاد الضوء لا يترك به سوى لمحة انعكاس طفيفة وقال " هذا الظل لجسد، انظر " سرّع شهاب المقطع قليلًا ليقول " شخص راقب الموقف بأكمله ومع سقوط معتز اختفى "

مال دياب يدقق النظر بالمقطع محاولًا رؤية ما رآه شهاب وهو يقول " أشعر أن معتز ينتظر قليلًا ولغرض ما يدور بعقله قبل أن يقول نفس الحديث التي قالته تلك الكاتبة للصحافة، ظهور ابنة الكاتب التي بات يدور كل شيء في فلكها يعطلنا كثيرًا بل ويجعلها لدينا تتصدر خانة الاتهام في عدة قضايا " قال شهاب بانفعال مكتوم " ليس لتلك الدرجة، ظهورها مهم جدًا لكن دائرة الاتهام صعب أن تحوي فتاة مثلها، وهذه رؤيتي

بصفتي الضابط المسؤول عن القضية أم نسيت ذلك " همّ دياب بالإفصاح عن وجهة نظره ليتعالى طرق الباب ويتبعه دخول أحد العساكر يقول وهو يقترب ببطاقة شخصية نحو شهاب " يوجد امرأة بالخارج تقول أنها استدُعِيت للشهادة ومعها زوجها " أخذ شهاب نفس عميق ونظر للبطاقة لتتحول نظراته لشيء مملوء بالنفور والبغض وقال بحزم " أدخلها " نظر له دياب بتفحص وقال " منْ؟ " لم يجبه شهاب وهو يتحرك

ليجلس خلف مكتبه بينما تلج راوية بوجهها المرهق الشاحب نحو الغرفة يتقدمها عمرو في حركة حمية واضحة ليقول وهو يمد يده بلباقة نحو دياب الذي منح وجودهما اهتمام لم يبالِ شهاب بإظهاره " دياب باشا لقد أحضرت المدام للشهادة " قال له دياب وهو يمد يده له بالسلام " أهلًا عمرو باشا، نحن مقدرون ذلك لك خاصة مع الأوضاع الراهنة لكن هذه إجراءات ضرورية جدًا والقضية ليست بالهينة لذلك اعذرنا "

ثم نظر لراوية وقال " آسفون للإزعاج، تفضلي " كانت أعين راوية مصوبة بسخط شديد تجاه شهاب الذي يجابهها بتحدي ورغم ذلك تقدمت لتجلس على المقعد المقابل له ليجلس في مواجهتها عمرو المتحفز بشدة تجاه شهاب الصامت بشكل يثير التوجس ليميل شهاب للأمام ويهم بإشعال سيجارة فيقول له عمرو بحزم " زوجتي حامل ولا يمكنها التواجد بمكان به تدخين " ابتسم شهاب بتهكم وأعاد السيجارة وهو يقول "

مفهوم طبعًا " بدأت راوية في هز ساقها بتوتر جعل عمرو يميل للأمام ويمد يده ليثبت ساقها وهو ينظر لها نظرة بثت في أوردتها شعور طاغي بالأمان ليقول دياب " هل أطلب لنا قهوة، ما قهوتك يا عمرو باشا " قال عمرو وهو ينظر لمعتز " نحن نريد الانتهاء من هذا الأمر بأسرع وقت " نظر دياب بترقب لشهاب الذي تبدو كل تصرفاته وانفعالاته غير مفهومة وقال " شهاب باشا " اعتدل شهاب في جلسته ونظر لراوية وقال " متى أخر مرة رأيتِ

ابنة محمود الحوفي، حسب ما أخبرني والدكِ أنكما مازلتما أصدقاء لا تفترقان لذلك مؤكد رأيتيها قبل اختفائها بيوم واحد على الأقل " قالت له راوية بحدة " بل كنا ومازلنا وسنظل أصدقاء، مهما حاول أحدهم تفريقنا بحجج بلهاء تنم عن تفكير رجعي ومتخلف، فأنا وهي رغم كل اختلاف وتناقض بين شخصيتينا كنا نفهم بعضنا كثيرًا، ونحتاج لوجود بعضنا البعض وهذا ما لن يفهمه أي شخص فاقد لذرات العقل " اشتعلت عيون

شهاب وهدر بها قائلًا " لم تجيبي على سؤالي " قالت له وهي تلتفت لتنظر لعينيه بغيظ " للأسف الشديد لم أرها قبل ذلك بفترة وذلك لأنها كانت ترزح تحت ضغط شديد، كانت حزينة ومكتئبة ووحيدة، كانت تعاني إلى حد دفع بها إلى الذهاب لطبيب نفسي، كانت منطفئة تمامًا تعتزل الجميع حتى أنا كأنها تحقق لشخص مريض بالتملك غايته " ضرب شهاب على المكتب بيده بحدة ليقول عمرو بحزم " شهاب باشا هذا ليس

أسلوب، انفعالك على زوجتي ليس مقبول " كور شهاب قبضته وتراجع في مقعده للخلف تحت نظرات دياب المستغربة ليلتفت عمرو لراوية ويقول لها بصرامة " بهدوء " تنفست راوية بانفعال وهي تسبل أهدابها ليغمض شهاب عينيه للحظة كأنه يتمالك ذاته قبل أن يسألها " هل هناك سبب محدد جعلها تعتزل صديقتها الوحيدة، سبب واضح يجعلها قد تسعى للهروب والاختفاء كأنها تفر من شيء ما " اهتز جسد راوية بشكل واضح

وقالت ببكاء حاولت التحكم به ولكنها لم تستطع " نعم " ثم صمتت فمال شهاب للأمام بترقب ويلف نظراته خوف مبهم ليعقد عمرو حاجبيه بصدمة حين انفجرت راوية بالبكاء وقالت " كانت مدمرة تمامًا دون والدها، كانت مكسورة القلب بسبب رجل وغد، كانت معرضة للإفلاس والضغط النفسي بسبب معتز محجوب الذي أعلن أنه يمتلك كافة حقوق الملكية الفكرية لأعمال والدها والذي يطالبها بإنهاء رواية والدها الأخيرة

بشكل قسري وصل حد التهديد " بهتت ملامح شهاب ليسألها دون تفكير وبصدره تُهدم تلك المدن مترامية الأطراف مهجورة البشر شيئًا فشيء " إذًا هي لم تكن على علاقة بشخص ربما ساعدها على الاختفاء " رفعت راوية رأسها بصدمة ثم التفتت له بعيون تبرق حقدًا وقالت بانفعال " لا لم تكن، أتعرف لماذا لأنه لا أحد يستحقها، تلك البريئة الطيبة لا أحد يستحقها لكن أتعرف أنا ألهج بالدعاء الآن أن تكون آمنة أينما كانت وأن تجد

شخصًا يشبهها في كل شيء وأن تجد راحتها جواره، ألهج بالدعاء أنها إن وجدت ذاتها أينما كانت ومع من كانت ألا تعود أبدًا وألا تظهر مجددًا " ثم وقفت بغضب وتوجهت نحو الباب تحت أنظار عمرو المذهولة من انفعالها وأنظار دياب المتفحصة للمشهد ككل ليقف عمرو بسرعة وبدون استئذان يتبعها بقلق فيقترب دياب من شهاب وينحني لينظر في عينيه بشك وهو يقول " كأنما كل ما قالته كان يعني شيئًا، كأنما خلف حديثها

حديث، شهاب هل بينك وبين راوية صدقي شيء شخصي " تنفس شهاب بعمق ووقف بحدة يهم بالرحيل أو الفرار من حصار دياب الذي يعلنه بنظراته ليقطع وصول عدي عليه ذلك …..

✰✰✰✰✰
كل شيء مر ورحل إلا حسرتي على فراقك مازالت باقية تذكرني أني وقفت بكل ضعفي أبكي وأنا أراقب خطاك


القوية تبتعد، وما بين خطوة وخطوة كانت تدور في رأسي معارك
عاتية وكنت وحدي ضحيتها جميعًا..
✰✰✰✰✰

حين تضع أعمق مشاعرك في مهب الريح لن يكون من العدل أبدا أن تستحكم قلبك الضغينة تجاه من فتح النوافذ من حولك، فأن تُحمل خطأك للآخرين لهو عجز عن مواجهة ما قدمت يداك،


الصخب الشديد كان يتلاعب بحركة جسده الحماسية والتي كلما زادت زاد خَدر المنطق في عقله والذي لم يتوان للحظة عن محاولة إثماله بتجرع كميات كبيرة من كؤوس النبيذ الباهظ ككل شيء بهذا اليخت الفاخر والذي يمتلكه ابن أحد أثرياء البلد، كان يرقص باتقاد لا يعرف أسبابه أهي الحقيقة التي ذبحته أم الكذبة التي عاشها كثيرًا، رفع معتز ذراعيه عاليًا يتجاوب مع الموسيقى الغربية ومن حوله يعلو الصياح الشبابي

العابث لتقترب منه فتاة عشرينية ترمقه بنظرات إعجاب ورغبة وتبدأ في الرقص أمامه وهي تقول " أراك وحيدًا " قال لها معتز بعبث " ما الغريب في ذلك؟ " قالت له بإغواء كان هو في تلك اللحظة منتشيًا إلى حد يجعله على تمام الاستعداد للتجاوب معه " الغريب أن عيني لا تلمح حبيبتك التي فارقت ليالي الصخب لأجلها، أتمنى أن يعني ذلك أنك متاح لجميلة مثلي الليلة " جذب معتز كأس نبيذ من فوق صينية النادل الذي يمر

بجواره وتجرعه دفعة واحدة ثم بدأ يتفحص جسدها المغري الذي يلفه فستان شديد الجرأة قبل أن يأخذ نفسًا عميق ويقول " يمكنكِ أن تغتنمي فرصتكِ " ابتسمت الفتاة بسعادة وأمسكت كفه وبدأت تجذبه ليسير خلفها ببطء وما بين لحظة وأخرى تلتفت لتنظر له بإغواء لم يفكر مطلقًا قبل أن يقفز نحو فخها، لتأخذه للطابق السفلي من اليخت والذي تتواجد به عدة غرف وهي تقول " الغرف كلها مشغولة لكن أظن

أنه يمكنني تدبر الأمر " ثم غمزته وهي تمسك ذراعيه لتلفهما حول خصرها فبدأ بالتجاوب معها لتتوجه نحو غرفة وتطرق الباب فتفتح لها فتاة أخرى فتقول لها بابتسامة " نحتاج الغرفة " نظرت الفتاة لها ولمعتز ثم فتحت الباب وقالت " حسنًا ولكن ليس طويلًا " خرجت الفتاة فجذبت الأخرى معتز نحو الغرفة وأغلقت الباب ثم التفتت إليه وبدأت معه نوع من التلاحم المحموم الذي كان يتفجر من جسده الغاضب

ككل ما فيه، كان في تلك اللحظة يلف ذاته في دوامة لذة أشبه بالأعاصير التي ستطيح به لا بغيره، كان ينتقم بعنف ولكن انتقامه كان مبتورًا لا يدري نحو من عليه التوجه ذاته أم تلك التي تملكت حشاه بسطوة، كان في تلك اللحظة التي يسقط فيها نحو منحدر قاتل جاني ومجني عليه لينتفض بهلع محاولًا مواراة جسده العاري حين تعالى الصراخ بالخارج وفتح باب الغرفة فجأة ودخل منه شهاب بعيون مشتعلة ينظر لمعتز باشمئزاز ويقول

" كما أنت، لا تحاول ارتداء ملابسك، أريدك كما أنت ملتف بالملاءة ومعك تلك التي تختبئ أسفل السرير " نظر معتز بجواره بهلع وقد ذهبت السكرة وجاءت الفكرة فلم يجد تلك التي قادته إلى هذه الورطة لينظر لشهاب ويقول وهو يلمح الشرطة تجر أشخاص كثيرين شبه عراة لخارج اليخت " أنا لن أستطيع أن أخرج بهذا الشكل، أنا رجل معروف، وابن عائلة كبيرة، أرجوك لا تضعني في ذلك الموقف، أنا سأتزوجها إن شئت لكن

أرجوك دون فضائح، أرجوك دعنا نسوي الأمر بهدوء ولك ما تريد " قال له شهاب بتهكم " تحاول رشوتي، شيء متوقع …ولكن الغير متوقع هو ما تفعله، فقد سمعت أن زفافكما سيكون قريبًا، ألم تستطع أن تنتظر أن يلمكما منزل، أم أن الانفلات والانفتاح باتا من شيم أولاد الذوات، ماذا هل كنت تريد التجربة قبل أن تتورط بالأمر، تحرك أمامي " ضيق معتز عينيه واعتدل بعصبية وهو يقول له " من تقصد بحديثك هذا " قال له شهاب

وهو يتحرك نحو السرير وينحني لينظر أسفله " ابنة الحسب والنسب ….لتتسع عيناه بصدمة كبيرة وهو يرفع وجهه نحو معتز ويسأله بهياج " من هذه؟" ازدرد معتز ريقه وقال " فتاة قابلتني بالحفل " قال له شهاب بصدمة " أين خطيبتك؟ " قال له معتز بحمية " وماذا ستفعل خطيبتي هنا؟! " قال له شهاب بابتسامة ساخرة " كنت تخونها إذًا " صمت معتز بوجه محتقن ليقول شهاب " سأدعك ترتدي ملابسك لكن مثلك مثل البقية ستلف

بالملاءة وستقاد لقسم الشرطة وهناك يمكنك استغلال سلطتك للخروج والسيطرة على الفضيحة إن استطعت " أفاق معتز من هول تلك الذكرى التي لم يستطع يومًا تخطيها أو نسيان نتائجها التي عاش حتى هذه اللحظة يتجرع مرارتها وتحرك رغم تعبه الشديد وبمنتهى الصعوبة بدأ يرتدي ملابسه مقررًا أن يغادر المشفى ليتعالى طرق على الباب تبعه دخول أسامة للغرفة يقول " كيف حالك اليوم؟ " ليصدم بما يفعله معتز

ويتجه نحوه بقلق يسأله " إلى أين؟ " قال له معتز بضيق شديد " سأغادر هذا المكان " قال له أسامة " بالطبع لا  فأنت جرحك مازال يحتاج عناية ولا أحد سيسمح لك بالخروج " قال معتز بحدة " أنا لا أنتظر الإذن من أحد، هلا أوصلتني لمنزلي " قال أسامة محاولًا أن يثنيه عن قراره " أصدقاؤنا جميعًا في الطريق إلى هنا لزيارتك، المجموعة بأكملها تجمعت لأجلك " قال له معتز بانفعال " أنا لا أريد رؤية أحد، ولا داعي لزيارتهم فقد أصبحت

بخير " قال له أسامة بحيرة " أتفعل ذلك من أجل حبيبتك الكاتبة " ضيق معتز عينيه وقال بعدم فهم" حبيبتي الكاتبة! " قال أسامة " تلك التي تسمى منى والتي ألقى الضابط القبض عليها حين صرحت للصحافة عن كون ابنة محمود الحوفي هي من فعلت بك هذا " استغرب معتز من الحديث لكنه لم يهتم مطلقًا وقال " أنا لا أعرف شيئًا عن هذا الأمر " صمت أسامة للحظة ثم قال بتردد " إذًا تريد مغادرة المكان لأن راوية ووالدها معنا بنفس

المشفى، هل لديك علم أنها حامل …حين رأيتها لم أصدق عيني " أغمض معتز عينيه بقهر شديد وظل ساكنًا مكانه قبل أن يفتحهما لينظر أمامه بغضب وفي أحداقه تموج لمعة دموع وقال لأسامة " أيمكنك أن تتواصل مع المحامي الخاص بي وتطلب منه الحضور فورًا، فهاتفي يحتاج للشحن ولا صبر لدي يجعلني أنتظر أكثر فأنا لي حق عند ممدوح صدقي وحان الوقت لأخذه كاملًا " صمت معتز للحظة ثم قال بسعار جحيم يجتاح

صدره " وإن لم يكن منه فمن ابنته فهذه المرة لن أدع ما هو لي ليضيع أبدًا ".

✰✰✰✰✰
أيها السادة الذين يطيرون نحو الموت برأسي لم تعد سماء عقلي تسع أرواحكم، إنها تمطر أفكار لاهبة أرى أهوالها في أحداقكم، أيها المنازعون في سكرات فكري إن وهمي لم يكن يومًا وطنا لكم، ولم تكن دروبنا أبدًا لتلتقي في أحلامي أو أحلامكم، ولم يكن ليبقى بيننا قصة

تُحكى لولا أشواط الجموح الذهني التي فرضت على ذاتي حضوركم.
✰✰✰✰✰

يومًا ما سيكون الرصاص عاجزًا عن قتلنا لأن أوهامنا ومخاوفنا ستتولى الأمر نيابة عنه، يومًا ما ستكتب لنا النجاة من براثن الأشرار لأن أقدارنا حكمت علينا بأن نكون فريسة يلوكها الوهم وتلفظها أفواه المعاناة المتعمقة في عقلنا الباطن، بكاء مزري استمر لما يقارب الساعتين،

بكاء مليء بالخيبات والمخاوف والصراخ المكتوم، بكاء يحاوطه الألم والانكسار والعجز، بكاء  صم أذني كريمة التي خرجت من المطبخ بوجه عابس وعيون متعاطفة  تحمل ضمادة طبية وزجاجة كحول مطهر وهي تنظر لتلك التي لا تتوقف عن البكاء منذ عودتهم بضيق شديد ثم توجهت نحو فوزي الذي أصيب بجرح صغير بجانب وجهه بسبب أحد رجال أبانوب والذي حاول قطع طريقهما عندما همّوا بالرحيل وقالت " دعني

أعقم جرحك، والله لا أعرف أين ذهب عقلي حين طاوعتها وذهبت معها لكنها لم تخبرني بشيء سوى كونها تريد شراء كتاب لا أكثر، من أين لي أن أعلم أن كل هذا سيحدث " قال لها فوزي الذي تلقى اهتمامها بصدر رحب " كان عليكِ أن تبلغينا بخروجكِ معها، لقد تصرفتِ كأنما المكان ليس به رجال " اكفهرت ملامح كريمة وقالت " لعلمك أنا أفهم بالأصول جيدًا، لكني لم أر الأمر يستدعي قلنا وقالوا خاصة أني وحيدة وليس من

البديهي أن أقف على عتبة شقة تعج بالرجال " صمتت كريمة وبدأت تنظف جرحه بعنف مكتوم بينما هو يراقبها بصمت لتقول له " ثم أنت لم تخبرني كيف وصلتم إلينا " قال لها فوزي " هناك طفل جاء وظل يطرق بابك وحين لم يتلق إجابة طرق باب شقة مخلف وسأله إن كنتِ معنا بالداخل " قالت كريمة باستغراب " طفل ؟؟" هز فوزي رأسه وقال " كان معه حليب، حينها بدأ مخلف وبربري بطرق الباب وحين لم

يتلقيا إجابة هما أيضًا كسراه ليصدما بخروجكِ أنتِ وهي " نظرت كريمة للباب المكسور بغضب شديد ثم حادت عيناها تجاه تلك التي تزداد انهيارًا ونظرت لها بشفقة فأكمل فوزي حديثه قائلًا " في لمح البصر ارتدى بربري ملابسه مثل المجنون وخرج يسأل عنكما كل من يقابله حتى وجدنا سائق التوكتوك الذي أوصلكما للموقف وقال أنكِ سألتيه عن المواصلات لسور الأزبكية " قالت كريمة بضيق " كانت خروجة الندامة " ثم

التفتت لفوزي وقالت " لكن تسلم يدك ضربت ذلك الرجل الطويل الذي قطع طريقنا ضربة معلم أسقطته في التو " نظر لها فوزي وقال وهو يحك مؤخرة رأسه بحرج " كل ذلك لم يكن ليحدث لولاكِ، فنحن لم نكن لنصل إليكما خلال الزحام بتلك السرعة لولا صوتك الذي كان يدوي بين الرجال كدوي السوط اللاذع " تلون وجه كريمة بحرج بالغ وتحركت نحو الأخرى التي تغط في حالة يرثى لها وربتت على كتفها بحنان

وقالت " لقد حدث ما حدث البكاء لن يفيد، قومي واغسلي وجهك وادعي الله أن يعود أخوكِ ومخلف وصديقيهما بخير " نظر فوزي لها وقال بجدية " إلى أين كنت ذاهبة بالضبط ومن هؤلاء الرجال وماذا يريدون منك؟ " انكمشت على ذاتها وبدأت تهتز للأمام والخلف وهي تهمس بكلمات ليست واضحة لتتبادل كريمة مع فوزي النظرات المتوترة ثم تمسك بذراعها بحنان وتقول " اذكري الله واهدئي وتعالي معي لأغسل وجهكِ الذي

تورم من شدة البكاء " جذبتها كريمة بارتباك لتقف لتتفاجأ بها تفك قبضتها عن ذراعها بلطف ثم تنظر لها بأعين ممتنة قبل أن تتوجه نحو الباب، وقف فوزي بتحفز يقول بحدة "إلى أين؟ " لكنها لم تجبه بشيء وهي تهم بالخروج من باب الشقة ليقطع طريقها بربري الذي سد الباب بضخامته ومنظره الدموي المفجع ينظر لها بشراسة ويقول لها " إلى أين يا وتكه؟، أتعلمين كيف خرجنا من هذا العراك؟، أتعلمين أننا فلتنا من الشرطة

بأعجوبة؟، فقد ركضنا حتى انقطعت أنفاسنا لننجو من قبضة الشرطة التي طوقت المكان، لقد كدنا نموت أو نسجن، ما الذي تظنين نفسك فاعلته؟، انطقي " تراجعت للخلف بضعة خطوات يقهقرها شراسة حديثه قبل أن تقف فجأة وتصرخ بقوة ولأول مرة منذ بداية هذا الكابوس يعبر صوت الصراخ من حنجرتها قويًا ثائرًا كأنها انتفاضة روح تعبت وقالت له بجنون " أتعلم ماذا أظن نفسي فاعلته حقًا، أظن أني قتلت وسرقت

وهربت وتخفيت بين رجال خطرة، أظن أن وعيي يموت بطريقة دموية بشعة ولا أستطيع إنقاذه، أظن أني دمرت تمامًا وإن كان علي فعل شيء فهو عدم الاستسلام لأنه لم يعد لدي شيء لأخشاه أو أخسره، أنا لن أتراجع حتى أكتشف الحقيقة، لقد كنت معي ورأيت الجثة بعينيك، رأيت الدماء، رأيت سيارات الشرطة، لقد رأيت بعينيك كل ما يثبت عدم جنوني ويجعلك مدرك لكوني يجب أن أجد من يفعل بي كل هذا، تخيل معي

للحظة فرضية أني أعرف الحقيقة فعلًا، وكل ما يحدث لي هو تمويه من عقلي ليبعدني عنها لكي يحميني من الصدمة، أنا سأصل لذلك الشخص مهما كان الثمن، إنه يفعل بي كل ذلك لأنه يظنني ضعيفة لن أستطيع مجابهته، لكني لست كذلك أنا لست كذلك هل تسمعني " دخل مخلف وبدوي وناجح الذين امتلأت أجسادهم بالعديد من الجروح ليقول بدوي بحدة " جثة ماذا التي رأيتها بعينك يا رئيس، ما الذي تقوله تلك المجنونة؟ "

ضربت كريمة خدها بصدمة وهي تقول " جثة، وقتل وسرقة …يا خراب بيتي " التفت ناجح لبربري وسأله بانفعال " ما القصة يا مملكة، ما الذي ورطتك به تلك الفتاة، ماذا هل لعبت بعقل كبيرنا حُرمة على آخر الزمن " اكفهرت ملامح بربري وقال بغضب جارف " هذا الأمر لا دخل لأحد منكم به " قال له فوزي " لا يا كبير، فنحن في كل شيء معًا، لقد فررنا من السني ورجاله منذ أيام بسبب مئتي ألف جنيه وطعنة مدية لن نأخذ فيها عام

خلف القضبان ونحن معًا أما ما يُقال الآن فآخره حبل مشنقة بدون استئناف ستكون أعناقنا فيه معًا " همّ بدوي بالهجوم عليها وهو يقول بشراسة " كله بسبب تلك العاهرة التي لا نعرف عنها شيء " ليسرع بربري يقف ما بينه وبينها ويمسكه من عنقه بعنف شديد وهو يقول " إن لمستها أو تطاولت عليها سأقتلك " انكمشت تتمسك بظهر بربري ليهيج بدوي ويقول " ستقتلني لأجل هذه؟ " تدخل مخلف بينهما وقال " توقفا، هل

سنأكل بعضنا البعض مثل الكلاب بعد هذه السنين، دعونا نتحدث بالعقل " قال بربري بعناد وصرامة " لا حديث لدي غير ما قلته، الموضوع هذا موضوعي وأنا متكفل به ولا أحد منكم مطالب بأي شيء ولو أنكم خائفين على أنفسكم سآخذها وأرحل حالًا " عمّ الصمت وملأت الصدمة الوجوه ليندفع بدوي نحو الباب وهو يقول " تبيع عشرتنا لأجل حرمة " تأهب بقية رجاله ينتظرون منه إجابة واضحة بينما ظلت كريمة تتابع المشهد

المروع أمامها وعقلها البسيط يحلل ببطء كل ما يدور لتنزل على رأسها كمالة الصدمات حين فطن عقلها لحقيقة أن رفيقتها مسببة الكوارث ليست أخت بربري …بل مؤكد ليست أخته على الإطلاق..

✰✰✰✰✰
أشهد أنه لم يهزمني شيء في تلك الحياة غير غياب ذراعيك، فمنذ رحلت وأنا دون مأوى تلفني الوحشة ويفتت أضلعي الحنين ولا يجبر كسري دونك شيء أبدًا، إني دونك في مهب الحياة دون حمى..
✰✰✰✰✰

السعي المستميت نحو الحياة لن ينهيه شيء سوى الحب، فحين نحب ينتهي السعي ويُنال المسعى وتقبل الحياة نحونا تركض بعدما كانت تفر منا فرًا وتطيل بيننا وبينها المسافات،
كان جالسًا بتحفز لا داعي له يتفقد المكان من حوله بعيون تتمعن في أدق التفاصيل وهو يرتب أفكاره للمرة التي لا يذكر

عددها ويهيئ ذاته قدر استطاعته لمقابلة ذلك الرجل المهيب الغامض الذي سمع عنه من الحكايات الموترة ما يكفي ويزيد، تنفس شهاب بعمق وفتح الملف الذي يحمله وبدأ في تفقده محاولًا أن يسترخي ويظهر بمظهر الواثق الرزين ليشعر فجأة أنه مراقب التفت شهاب بعيون صارمة يقطع شك شعوره باليقين لكنه لم يجد أي شيء مثير للريبة فعاد بعينيه للملف وبدأ بمراجعة كافة تفاصيله لكن شعوره بأنه مراقب بدأ يزداد فدار بعينيه في

المكان بهدوء ثم تحرك بخفة بالغة حتى شعر أنه ابتعد عن مجال رؤية مراقبه ليعبر نحو الشرفة الضخمة المتصلة بالمكتب والتي تتصل أيضًا ببهو الفيلا وتحرك يخرج من باب البهو ليتفاجأ بفتاة ناعمة هيأتها لا تشي بشيء سوى أنها مازالت في طور المراهقة ترتدي
بنطال وردي يبرز تفاصيل جسدها الهش تعلوه سترة صوفية بيضاء قصيرة تميل للأمام وتدفع رأسها من خلال فتحة تتوسط ديكور الحائط كأنها تبحث عن

شيء، ظل يراقبها وطيف ابتسامة يموج على شفتيه ليجدها حين يأست من إيجاده من خلال تلك الفتحة الضيقة تحركت بحرص شديد نحو باب المكتب ووقفت ملاصقة لحافته وبدأت بمد رأسها تفتش عنه بإصرار وحين لم تتمكن من رؤيته تقدمت إلى المكتب بخطوات جلبت لشفتيه ابتسامة متسعة فقد كانت تسير منحنية قليلا ترفع قدم ثم تخفضها وتتبعها بالأخرى ظنًا منها أنها هكذا لا تصدر صوت ليشعر فجأة بشعور

مشاغب ينبش شغاف صدره جعله يقول بجدية " أتعلمين خطورة العبث مع شرطي؟ " شهقت بقوة وقفزت بفزع واستدارت لتواجهه بينما خصلات شعرها التي تتدلى على جانبي وجهها تتأرجح كانت كقوسين يضمان ما بينهما تفاصيل سلبت أنفاسه، تجمد يتأمل تلك التي أخطأ في تخمين عمرها وهي تتنفس بقوة محاولة أن تهديء من روعها ومع كل شهيق وزفير كانت ترسل ذبذبات خطرة تجاه نبضه الثابت الآمن في مكمنه

منذ زمن بعيد هز رأسه يسألها عن هويتها بصمت أقوى من كل الحديث لتنظر إليه بعيون خجلة مذنبة جعلت عنقه يتدلى للأسفل كأنه على وشك الغرق بها قبل أن تركض نحو الشرفة وتخرج من بابها المتصل بالبهو ثم تقف لتنظر إليه وبدت كأنها تحدث نفسها بهمس جعله يهم بالتحرك نحوها كما لو أنهما طفلان يركضان خلف بعضهما ولكنها ركضت فجأة نحو أحد أركان المنزل التي لا يصح أن يلج إليها وتركته واقفًا بترقب غريب

ينتظرها أن تعود ليكملا معًا هذه اللعبة، قطع ذلك اللقاء البعيد صوت باب غرفة شهاب الذي فُتح دون استئذان لينتفض شهاب يداري المفكرة التي بيده أسفل وسادته ويصرخ بعدي قائلًا " لقد تعبت يا عالم …أين يمكنني الاختلاء بنفسي، هل أجلس بالحمام؟! ارحموني، ثم ماذا لو أني عاري، هل أذهب للتعري في مكان آخر لأن غرفتي مشاع لك ولأبنائك ولأمك وأحيانًا زوجتك " ابتسم عدي وقال " قلنا تزوج وحينها سآخذ موعد مسبق

قبل زيارتك أما الآن حتى لو تأخرت في الحمام ستنادي أمي عطا الله البواب وكافة الجيران ليقتحموا الحمام ويطمئنوا عليك " زفر شهاب بضيق ويأس وقال " على كل حال أنا خارج وتفضل أمامي لأن الغرفة بها أشياء مهمة لا أريد ليدك أن تصل إليها " قال له عدي " لقد سألت أمي عنك وأكدت لي أنك نائم، وظننت أنها الفرصة لأفتش الغرفة لعلي أجد خبر حصري هنا أوهناك فمنذ أن بدأت تغلق غرفتك بالمفتاح وحدسي

يخبرني أنك تخفي عني الطفرة التي ستجعلني مدير قسم أو  ربما أشهر صحفي بالوطن العربي " وقف شهاب الذي كان يجلس على طرف السرير وتوجه نحو عدي باندفاع ثم دفعه خارج الغرفة وهو يقول " إن حاولت اقتحام الغرفة سأحرر ضدك محضر يا حضرة الصحفي " ثم التفت وأغلق باب الغرفة بالمفتاح وسحبه ليضعه في جيبه وتحرك تجاه باب المنزل ليسرع عدي خلفه ويقول " إلى أين أنت ذاهب، هل للأمر علاقة بما حدثتك

به بالمكتب اليوم " قال له شهاب " دعنا نتحدث حين أعود " قطع عدي طريقه وقال " أنا متأكد أن ذلك الكتاب سيوضح جزء من غموض تلك الجرائم " نظر له شهاب بضيق شديد وقال " سأقتحم منزل محمود الحوفي وأبحث عن الكتاب ولكن ليس اليوم، سأسرقه لأجلك بيوم آخر أكن فيه بعيدًا عن مراقبة الوغد دياب " قال له عدي بحماس " إذًا أنت تشاركني وجهة النظر " قال له شهاب " هي ليست وجهة نظر

فحسب كل المعطيات في هذه القضية ترمينا نحو تيار متطرف يجب أن أدرك كيف ومتى بدأ وما هي أسباب عودته " قال له عدي برجاء " أينما كنت ذاهب خذني معك أرجوك" ربت شهاب على كتفه ببرود وقال " للأسف الشديد لن أستطيع لأني سأستغل سلطة والد السمج دياب لأقابل عبد الرؤوف والي هل مر ذلك الاسم على أذنك من قبل " قال له عدي بصدمة كبيرة " ما علاقة عبد الرؤوف والي بهذه القضية " أجابه شهاب

وعلى وجهه تتماوج الأفكار " لأنه في التسعينات كان الضابط المسؤول عن التحقيق في محاولة اغتيال محمود الحوفي، ولديه دراية واسعة عن حقيقة تلك الجماعة وعن خفاياها وعلاقة محمود الحوفي بها " قال له عدي " لن أعود لمنزلي ولن آكل أو أشرب حتى تعود " قال له شهاب " متى أفلت منك؟ " ثم فتح الباب وخرج متوجهًا نحو سيارته ليصرخ عدي بمشاغبة ويقول له " تزوج " حينها فقط سقطت كافة أقنعته وبقي الحزن

يتسيد الموقف كما دأب أن يفعل منذ عامين.

✰✰✰✰✰
تلك الاختلاجة التي تصيب الروح حين تكون على وشك لفظ أنفاسك الأخيرة محال أن تقارن بتلك الاختلاجة التي تصيب كل ذرة بك وأنت على وشك لفظ جزء منك إلى أبعد مدى لتبقيه أمانًا منك أو لتأمن أنت من شره.
✰✰✰✰✰

حين تصبح المرأة وطنك المقاوم ستكون ثوريتك فرض لا غنى عنه، كانت السيارة تتحرك بهدوء شديد كما الدقائق القاتلة التي تمر ومازال والدها غائبًا لم يفتح عينيه ولم ينادها كما اعتادت منه أن يفعل، الشوارع والبيوت والبشر جميعهم اتشحوا برداء الحزن الذي يلف قلبها وأحداقها ذابلة النظرات، تنهدت راوية بثقل وهي تفكر أن من المحبط لقلوبنا أن نغادر الطفولة فلا نأخذ منها سوى الذكرى، فلماذا لم يبقَ بداخلنا ذلك

اللاوعي الذي كان يجعلنا لا نحمل للحياة همًا، ولماذا لم تبق براءتنا خالية من شوائب التجارب، ولماذا تشيخ صدورنا أسرع من ملامحنا، طفرت دموعها فأسرعت تمسحها وشعور الخزي يتفاقم بداخلها فمنذ متى كانت راوية صدقي تبكي وتظهر انكسارها أمام أحد، أوقف عمرو الذي كان بداخله ضيق منها ولأجلها سيارته أمام منزل والدها ثم نظر إليها وقال " راوية " تنهدت راوية وهي تشمخ بجسدها لتدعي أمامه قوة أبعد ما تكون

عنها وقالت " نعم " قال لها بصوت يحمل من الشحنات الانفعالية الكثير " انزلي أنتِ لتأخذي حمام وتغيري ملابسكِ وأنا سأذهب لأحضر لكِ طعامًا ساخن وسأعود ….لن أتأخر " قالت له راوية " لا داعي " قال لها عمرو بحزم " لماذا هل قررتِ قتل نفسكِ وطفلي جوعًا، راوية كم مرة سأوضح لكِ أنك لم تعودي حرة نفسكِ وبات في حياتكِ رجل أنتِ مسؤولة منه بل وطفل ينتظر منكِ أن تكوني أمًا حقيقة " تماوجت الكثير من الانفعالات

على صفحة وجهها لتقول بهدوء كاذب " أنا لن أضر طفلي يا عمرو " قال لها" بل تفعلين يا راوية، تفعلين بكل حمق وعناد، أيمكنكِ أن تخبريني لماذا نعيش هكذا ونحن في انتظار طفل؟، لماذا أنتِ بمكان وأنا بمكان؟، لماذا لا تمنحي زواجنا الجدية والمسؤولية التي يتطلبها؟، لماذا لا تتعاملين كامرأة حامل في ملبسكِ وغذائكِ وراحة جسدك؟ " فتحت راوية باب السيارة وخرجت منها وهي تقول " لن أخوض معك هذا النقاش يا عمرو لأن

كل سؤال سألته أنت تملك إجابته " نزل عمرو من السيارة بانفعال وقال "إن كنت أفهم إلى أين تريدين الوصول بزواجنا لما سألت وأنت تعرفين جيدًا أن كرامتي فوق كل اعتبار حتى اعتبار قلبي " قالت له راوية غضب " وهل كرامتك تلك ما جعلتك تجرح بي وتلقني لأبي كأن أمري لا يعنيك وتجعله يدور حول نفسه ويسافر معي هنا وهناك وهو يوهمني أنك من تسعى لسفري لأكتشف في النهاية أنك لم تهتم، مثلك مثل غيرك " تقدم عمرو

وأمسك رسغها الناعم بعنف شديد وقال " أنت تعلمين ما أهان كرامتي يا راوية، فأن تخفي عني شيء كهذا لهو خداع لم أتوقع أن يطولني منكِ، لقد تعمدت خداعي وتعمدت تأديبك على خطأك لكن ليس هناك امرأة محترمة تقول لزوجها مثلك مثل غيرك، أنا لا أقبلها على نفسي ولا عليكِ " ترك عمرو رسغها بعنف شديد وتحرك نحو السيارة لتقول له بانفعال " لم أشأ أن تراني ناقصة " قال لها عمرو " لم أكن لأفعل لأني لست رجل

ناقص يا راوية لكنكِ لم تمنحي نفسكِ الفرصة لتعرفيني، فأنا حين أردتك حاربت أهلي أكان سيعجزني المرض! " رفعت وجهها تنظر للسماء وتبكي ثم أخذت نفس عميق وقالت " مصاريف المشفى الخاصة بوالدي والتي دفعتها سأحاول أن أعيدها لك خلال أيام " انتفض جسد عمرو وركب سيارته بغضب بالغ وهو يقول " لا تجيدين الخرس سوى حين يتحتم عليكِ الكلام، ادخلي للمنزل وابتعدي عن وجهي لكي لا

أفقد أعصابي عليكِ" نظرت له راوية برفض وغضب ثم تحركت نحو المنزل وفتحت الباب ودخلت ثم أغلقت الباب بعنف ثم همت بالتحرك نحو مقبس الإضاءة لتشعر بشيء غريب تحت قدمها فتنظر لأسفل باستغراب لتتفاجأ بوجود ظرف أبيض مغلق دعسته قدمها في غمرة حنقها، أما بالخارج فقد انطلق عمرو إلى وجهته التي لم تتغير رغم غبائها وغيابها وغضبه البالغ منها.


✰✰✰✰✰
لا مفر من كوني عالقة ما بين عالمين أحدهما يضعني في مواجهة مخاوفي دون ساتر والآخر يبني ما بيني وبين الأمان حصون محال يومًا أن أعبرها وكأنما انتهت بي حلول الأرض ووصل عجزي إلى عنان السماء.
✰✰✰✰✰

ماذا لو بت تعيش داخل سؤال لا توجد إجابة له، بت تدور في فلك حيرة لا تنتهي ،

بت تصارع كل شيء في طريقك لكي تصل نحو وجهة تجهلها وبت تنتظر شروق شمس وأنت لا تدري متى كان المغيب، كانت بؤرة الضياع في أعماقها تتسع وتبدأ في جذب الكثيرمن الأشياء نحو قاعها المظلم، كل شيء صامد بها كان يتطاير نحو مركز الجاذبية ما بين أضلعها والذي لا يحتوي سوى على تيه وضلال، كانت مستنزفة، ترتجف هلعًا واحتياجًا للخروج من ذلك الكابوس الذي طال و لكن منذ متى كانت يومًا إرادتها نافذة،

تحركت بوجل فوق سطح منزل مخلف والذي لمحت بربري يصعد إليه بعد المواجهة التي دارت بينه وبين رجاله ولم ينزل لأسفل من وقتها، بخطى مترددة توازنها بصعوبة مرت من بين أشياء كثيرة لم تتبينها في ظلام تلك الليلة الحالكة والتي لم يضوِ بسمائها قمر، كانت تتلمس طريقها نحو خياله الجالس على شيء مرتفع لم تعرف ماهيته، حاولت ألا تقطع عليه لحظات هدوئه وأن تصل إليه دون أن تثير جلبة لكن كما العادة تعثرت

وكادت أن تسقط فصرخت بصوت مكتوم لفت نظره لكنه لم يحرك ساكنًا فنظرت نحوه بنظرات مذنبة واقتربت أكثر حتى وقفت أمام الصندوق الخشبي الضخم الذي كان يجلس عليه وحاولت تسلقه لكنها فشلت فحاولت مجددًا وفشلت مجددًا وحين همّت بأن تحاول لمرة أخرى شعرت بيده القوية تسحب ذراعها لأعلى حتى استوت جالسة جواره في مكان مليء بالغبار ولذلك بدأت تسعل للحظات قبل أن تهدأ فجأة وتنظر لوجهه

عن قرب فتجده شاردًا يراقب السماء فنظرت مثله للسماء ثم قالت بصوت حزين " أنا آسفة " لم تتلق منه أي استجابة لذلك عادت لتقول بانكسار " أنا آسفة على ما آلت إليه الأمور بينك وبين رجالك، أنا لم أكن أقصد شيئًا مما حدث، لن تعرف كم يؤلمني أني تسببت في إيذائك، أنا حقًا آسفة " لم يجبها بشيء مطلقًا فبكت وهي تتلمس كتفه بحزن بعدما ارتدى ملابسه القديمة وقالت " أنا حزينة أن ملابسك الجديدة الجميلة

تمزقت بسببي، أعدك حين أعود لحياتي أن أهديك العديد من الملابس حتى تغفر لي ما حدث " لم تجد منه إجابة فتهدلت أكتافها بإحباط والتزمت الصمت بجواره وظلا يتأملان السماء ليخرج صوته الخشن المختنق يسألها " هل هناك أمل أن تكوني صادقة وأن حياتي هذه ليست سوى كذبة، قصة منحدرة بائسة ستمحيها وتغيريها بقلمكِ كما تقولين دائمًا " نظرت له بتأثر وقالت " مؤكد هناك أمل، وهذا الأمل وحده ما يجعلني

أعافر " سألها بصوت محمل بغصة الخسارة " ما الذي يجعلكِ واثقة لهذا الحد؟ " تنهدت بعمق وقالت " إن أخبرتك لن تصدقني " نظر لها بطرف عينه وقال " وهل قلتِ لي شيئًا وصدقته من قبل؟ " نظرت له بلوم ثم مالت برأسها على كتفه لتشعره بألفة غريبة على من مثله، ألفة لم تقصدها مطلقًا وقالت " لقد حاولت لعامين أن أرى في أحلامي شخصًا محددًا شديد العناد والتجهم ولكن لم يحدث هذا مطلقًا، جربت التأمل والإسقاط

النجمي والطاقة الخفية وغيرها بغية أن أراه ولو لمرة بمنامي ولم يحدث، وبما أن العالم يُهدَم فوق رأسي ولم يظهر لي ولو لمرة إذًا هو حلم لا تقلق " نظر لها بضيق كأن حديثها لم يطمئنه فقالت له" قل لي فقط ما الذي تتمنى أن يتغير في حياتك وأعدك أن أفعل كل ما بوسعي " شرد بتفكير ثم قال" كل شيء، أريد أن أولد في بيت له باب مغلق وليس أسفل أحد الكباري، أريد أب وأم واسم حقيقي ونسب حقيقي حتى لو عنى ذلك أن أكون

ابن أحد جامعي القمامة الذين يدورون ليلًا نهارًا بالشوارع، أريد أن أعرف كيف ينام البشر على فرشة دافئة يوميًا، كيف يأكلون طعام أعدته أمهاتهم، كيف يكون حضن الأخوة، وصخب العائلة، كيف تكون الأخلاق وكيف يكون التعليم، والحلال والحرام، أريد أن أصبح ابن ناس أهذا كثير! " تساقطت دموعها وقالت له " بل هذا أقل حقوقك " قال لها" أريد أن أشعر أني لست أقل من هؤلاء الذين ينظرون لي كما لو أني حثالة، أريد أن

أنظر لنفسي بالمرآة فلا أتذكر أني ابن امرأة لا تعرف تحديدًا من في زبائنها كان أبي " وضعت يديها على فيها من هول صدمتها من عمق حديثه ثم أبعدت كفها ببطء وقالت بصوت مرتجف " أعدك وعد لم تطالبني به لكني أمنحه لك كما منحتني حمايتك ألا أتخلى عنك أبدًا وألا أترك واقعك ليضيع ما بين السطور " تنهد بربري بعمق ثم سألها وهو يمسح بعنف دمعة طرفت مقلته الصلبة وقال " على ماذا تنوين إذًا لتعودي لعالمك

وتغيري مصيري ومصيركِ " أجابته بعزيمة " أنوي إيجاد الحقيقة مهما كان ذلك مستحيلًا، لكن سأفعل ذلك وحدي يكفيك ما حدث لك بسببي " قال لها بربري " نحن في هذا معًا " قالت له وهي تعتدل لتنظر لوجهه " ليس عليك فعل ذلك " قال لها بإصرار " بلى، فأنتِ الشيء النظيف الوحيد الذي تعثرت به، مؤكد كان ذلك لسبب، أنا أريد أن يكون في حياتي أشخاص رأوا من الدنيا ما لم أر ليخبروني عن كل شيء حُرمت منه "

قالت له بخوف " أنا لست شيئا نظيفًا بالعكس أنا ورطة كبيرة " قال لها بربري " منذ ولدت وأنا متورط في عار لا ذنب لي به، وبحياة الشوارع التي أهلكتني، ما الضرر إذًا في أن أختار يومًا ورطة بكامل إرادتي " هزت رأسها وقالت بتأثر " أنا لا أستحق منك كل هذا " قال لها كالغريق الذي وجد طوق النجاة " لقد وعدتني أن كل شيء سيتغير " هزت رأسها بتأكيد فقال لها " على ماذا تنوين؟ " قالت له بقلة حيلة " بعد تفكير طويل لم أهتد

لشيء سوى أن عليّ العودة " صمتت بحزن فسألها بعدم فهم " العودة لأين؟  " أجابته " لأجد الكتاب الذي أبحث عنه والذي يساعدني لأفهم معنى الرسائل التي يرسلها لي القاتل عليّ العودة لمنزلي " نظر لها بربري لوهلة بصمت ثم قال " إذًا لنذهب الآن." ……

✰✰✰✰✰
أخبر الواعظ الرابض في عمق أفكارك أن العالم بالخارج لم يعد مناسبًا

لاستقامته، وأن المواعظ لم تعد لتفي لننجو من جحيمه، وأن الخير لم يعد يمنح السكينة، وأن الاجابات التي ترشد خطانا باتت مغلوطة بشكل عسر المسير.
✰✰✰✰✰

في نفس الوقت داخل أحد محلات الملابس والذي يملك علامة تجارية معروفة كان الغندور يقف أمام طاولة الحساب وأمامه وضعت العديد من الحقائب ليقترب منه صاحب المكان

والذي يحمل بطاقته الائتمانية ويقول " الحساب خالص يا غندور باشا، ويمكنك أن تخبرني قبل قدوم رجالك لاستلام بذلاتهم الرسمية بيوم واحد" قال له الغندور " لن أوصيك، فرجال الغندور يجب أن يكونوا في مستوى يجعل أي رجل أو سيدة تدخل الملهى ترتاح للتعامل معهم " قال له صاحب المكان " نحن لا نحتاج توصية يا باشا، ثم اسأل رجلك الذي أرسلته بالأمس عن طريقة معاملتنا معه وستتأكد أن رضاك يهمنا " قال له

الغندور باستغراب "أي رجل!!" فقال صاحب المحل" ذلك الذي أرسلته مع رجاله الأربعة منذ أسبوع ليستلموا بذلهم الخاصة بالعمل، اسمه غريب لم يعلق بذهني لكنه كان طويل وعضلي البنية وتظهر عليه بعض آثار الضرب، لقد ظننته قد اشتبك مع أحد الرجال في الملهى قبل قدومه، فقد كان بحالة يرثى لها وهذه ليست بعادة رجالك " قال له الغندور بعيون ساورها الشك " أيمكنني رؤيته من خلال تسجيل الكاميرات "

استغرب صاحب المحل ورغم ذلك قال له" بالطبع، تفضل معي، أنا تحت أمرك، لقد طلبت له يومها سيارة خاصة لتقله تبع المحل لأجل أنه رجل من رجالك " قال الغندور بانفعال " لأرى أولًا وجهه وبعدها لنرى هل ظني في محله ووقع اللقيط في شر أعماله، أم مازال في عمره بقية " …….

انتهى الفصل السابع قراءة ممتعة للجميع ❤️

مابين السطور رجل ( شهيرة محمد) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن