سريع

By itsmaribanks

866K 73.1K 73.7K

"سريع عزيزتي، أنا سريع جدا" الرواية هي الثانية من سلسلة Rage & Wheels الجزء الأول: آدم. لكن يمكن قراءة كل... More

بداية
1- إختطاف
2- احفظي سري وسأحفظ خاصتك
3- ماكر
4- متعجرف
5- بعض الفوضى
6- بوتو والفراشة
7- رِهان
8- عيد الميلاد
9- رعب وتحدّي
10- حفلة مبيت
11- الفوز والخسارة
12- لكنه لم يفقدني
13- المأوى
14- مضمار ريدكاي
15- التسلل للخارج
16- السارقة أم المتسابقة؟
فصل خاص | اللحظة الإستثنائية
17- ضخات الأدرينالين
18- تائهين
19- ليلة بوتو والفراشة
20- لحظة التوهان
21- حصان بري
22- مرايا مكسورة
23- أفكار، مشاعر وحقيقة
فصل خاص | ستنقذني دائما
فصل خاص | ما نريد، ما نستحق
24- إقتناص الفرص والنهوض
25- نعود لنتوه
26- وهِن لكن سريع
فصل خاص | الإنخفاض والإرتفاع
26- نجوم تعرف ولا تعرف طريقها
29- شكرا
30- رابط يجمعنا
31- ركُب الحياة
32- سافلة
33- سباق المدينة
34- المضمار الشبح
35- إنسجام
36- زهرة الياسمين
37- تحت السطح
38- هانتر ريدكاي وكلوفر سكوت
النهاية | هذه المرة لأجل نفسك.

28- الحكمة من الشيء

17.2K 2.1K 3.3K
By itsmaribanks

شرط الفصل:
* ثلاثة آلف تعليق (3K) بدون نقاط وحروف مكررة وما إلى ذلك
* ألف تصويت (نجمة)

قراءة ممتعة ✨

_

شردتُ أثناء شرح الأستاذ، أضع يدي تحت ذقني ومرفقي يستقر على سطح الطاولة بينما عيوني على أوديت، لا أستطيع رؤية وجهها لأنها كانت في المقاعد الأمامية، لكن الطريقة التي تحرّك القلم بين أصابعها تخبرني أنها تفكر هي الأخرى في شيء ما.

أخشى أنها تفكر في ما لا أريدها أن تفكر به.

خصلاتها الذهبية الطويلة كانت تتدلى على ظهرها بإنسيابية ويلمع الضوء المنبثق من النافذة عليه، يجعلها تبدو حقا مثل ملاك.

في الواقع أي شخص كان ليوافق على أنها كذلك بمجرد رؤيتها، وكان ليصدق ذلك ويتأكد منه عندما يتعرف عليها أكثر. أوديت حقا شخص مميز لا يُعوّض أبدا.

أما الآن، فأنا أشعر بالقلق والخجل لأني أحزنتُها، وجعلتها تفكر. أعني كان من المفترض أني أقوم بهذا بدافع الصداقة لكل من أوديت وسيتشو ولكي أصلح الأمر بينهما.

أعتقد أن هانتر كان معه حق عندما طلب مني أن أدعهما وشأنهما، هذا صحيح.

"هذا كل شيء لهذا اليوم، سنكمل في الحصة المقبلة" صوت الأستاذة جاء مسمعي يخرجني من شرودي وتنفستُ الصعداء أخيرا.

أخيرا إستراحة الغداء. وسأتحدث إلى أوديت.

الأمر الذي أقلقني أنها لم تنظر إليّ ولم تتحدث ولم تلتفت لتريني سلحفاتها التي كانت تطل من جيب حقيبتها طوال الحصص.

هل هي غاضبة مني ومن سيتشو؟

أخشى أن تضرب السلحفاة المسكينة على هذا لأنها تذكرها به.

جمع الطلاب أغراضهم بسرعة ونهضتُ من مقعدي أثبت بصري عليها في حين كانت تسرع لتغادر، إلهي!!

"مهلا! أوديت!" هتفت إسمها أحاول الركض بسرعة حين وجدتها تلتف لي، وبهدوء ناظرتني دون أية تعابير، مما جعلني أتوتر حقّا.

"اه! صباح الخير" إبتسمت أميل رأسي للجانب ويدي إرتفعت تحك رقبتي، أتابع "لم نتحدث منذ الصباح، كيف حالكِ؟ تبدين جميلة اليوم"

رأيتها ترمش بضع مرات على كلماتي قبل أن تنخفض نظراتها وتنكسر بهدوء وبطئ شديد، خضراوتيها بدتا مثل مصباح إنطفئ حين نطقت تطالع الأرض "هل حقا أبدو كذلك؟"

هي جميلة في كل الأوقات، أنا أراها كذلك. لكنها فقط تبدو متعبة اليوم.

"بالطبع، كيف لا يمكن لأوديت بيرد أن تكون جميلة" ضحكت ألف ذراعي حول عنقها وأميل ناحيتها يلامس رأسي خاصتها من الجانب، أتابع بصوت أكثر هدوءا "هل أنتِ غاضبة مني؟ بشأن ليلة أمس؟"

رمت لي نظرة سريعة ثم أعادت خفض بصرها للأسفل تلتزم الصمت فقط، عند ذلك أنا إبتعدتُ عنها قليلا أنظر إليها وأبتلع، كانت صامتة وتفرك يديها معا لذلك بسرعة أضفت "أوديت سأشرح لكِ الأمر منذ البداية"

"لا بأس، كنتِ تحظين بوقت ممتع مع سيتشو" نطقت بخفوت وإبتلعت ريقها تضيف "أعتقد أنكِ تبلين بلاءا حسنا في جعله يتحسن"

"مالذي تقصدينه؟ لقد كان هانتر معنا البارحة أيضا، كل هذا كان لأجل هانتر"

"لماذا لم تدعوني لأكون معكم؟" رفعت أنظارها ناحيتي ورأيتُ اللمعان في عيونها البراقة.

أوه اللعنة!

"ظننتُ أنكِ قلتِ ستخرجين مع والديك" إبتسمت بتوتر وهي نفخت نفسا هادئا ضيقا تغمض عينيها للحظة وتومئ لي "إنسي الأمر"

"هل أنتِ غاضبة؟" وضعت يدي على كتفها أنظر إليها بإهتمام في حين إبتسمت هي لي برفق "كلا، على الأقل ليس منكم"

حمدا للرب.

"ماذا تقصدين؟"

"كلوفر أنا أشعر بالضياع، أعني من المفترض أن أفرح لكون سيتشو بخير لكني لا أريده ألا يفكر بي، أعترف أني أنانية" رفعت خصلاتها للأعلى ويدها إستقرت على جبيتها تزفر وتهز رأسها.

تابعت "أريده ألا يبتعد"

إبتسمت داخليا على كلامها، وبهدوء ربتت على كتفها أنطق بهدوء وصوتي أصبح أكثر رقة "أوديت، أتفهم ما تشعرين به حقا، لكن من واجبي كصديقتك أن أخبرك أن ما تفعلينه خاطئ"

مع تلك الكلمات هي رفعت عيونها ناحيتي ترمش بضع مرات، كأنها لم تتوقع أن أقول ذلك، أو كأنها إنتظرت هذه الكلمات في وقت لاحق وليس الآن.

إبتسمت لها أجذبها ناحيتي وتحدثت بصوت أعلى قليلا "هيا لنتناول غداءنا وسأخبرك"

سرتُ رفقتها نقود خطواتنا للأمام معا بطريقة متناسقة، حين سمعت سؤالها الذي ملأته نبرة الحيرة "هل سببتُ الأذية أكثر؟"

"ليس تماما" وضعت أصبعي على شفتي أفكر في الأمر، وإسترسلت أتحدث فيما ذهب تفكيري إلى سيتشو وكلماته "اسمعي باربي! عليكِ تحديد موقفك من الأمر، إذا كنتِ تريدينه كصديق ليس عليكِ أن تنزعجي إن رأيته مع فتاة أخرى لأن هذا سيحصل عاجلا أم آجلا، تحدثي معه وأخبريه موقفك تماما"

"مع فتاة أخرى؟" كررت بصوت متساءل ونبرتها كانت منخفضة للغاية، في حين أومأتُ لها مؤكدة "أجل، ربما عشر فتيات أيضا"

"عشرة؟"

"أجل"

"كلوفر أنا حقا لا أرغب برؤية هذا" شبكت أصابع يديها معا أمامها  بينما نواصل سيرنا ناحية الكافيتيريا، حين أضافت "سيتشو شاب رائع ومميز، أعلم أني لن أجد شخصا يهتم بي مثله، أنا فقط–––"

قاطعتها "تخشين إنتهاء العلاقة وسيكون من الصعب العودة إلى علاقة الصداقة الحالية، صحيح؟"

"أجل" خفضت بصرها للأسفل في حين إبتسمت لأجل ذلك.

"هذا يعني أنكِ تريدينه"

"لا أعلم"

اللعنة!

تنهدت بقلة حيلة أهزّ رأسي مستسلمة لها، وبرفق تحدثتُ أبتسم لها "تعلمين ماذا؟ لماذا لا نترك الأمور تأخذ مسارها مع الأيام؟"

لم تعلّق على كلماتي وبدت موافقة على ما قلته، لذا بهدوء تابعنا السير دون التفوه بأية كلمة أخرى وبدى الأمر غريبا نوعا ما، لأن أوديت لا تتوقف عن الثرثرة معظم الوقت.

لا، بل كل الوقت.

حدقت بالأرض أثناء سيرنا وشردتُ مرة أخرى في التفكير.

الآن أشعر برغبة في تجميد جسدي أو النوم في تابوت مثل مصاصي الدماء وسأنام لمئة سنة لن أستيقظ إلا حينما يكون كل شيء قد إنتهى، والألم يكون قد إختفى بعيدا.

بعيدا جدا عني وعن أصدقائي وعائلتي.

_

لا أصدق أنه أخيرا إنتهى هذا اليوم!

"عملية هانتر غدا" نطقت أوديت حين كنا نسير لخارج الثانوية رفقة حشود الطلاب، ووجدت نفسي أومئ لها وأخفض بصري للأسفل.

كان قد أخبرني بذلك البارحة ولا أعلم لماذا شعرتُ بأنه الوداع.

"ما يزال لديّ أمل كبير" تحدثت تتابع وصوتها بدى مملوءا بالدفئ حقا، "من المستحيل أن تحصل الأشياء بهذه الطريقة، على الطريق أن تبلغ نهايتها، وهانتر لم ينهِ طريقه بعد"

"هناك أشخاص يموتون في هذا العالم في بداية الطريق أوديت" إنكسار كان يملؤني لم أستطع منعه بتاتا، أعني أنا أحاول لكني فقط لا أستطيع، أعلم في صميم نفسي أني لستُ بتلك القوة لأتظاهر أن العالم بخير.

لأنه ليس كذلك، ولن يكون في يوم من الأيام كذلك.

"لماذا تقولين هذا؟" إنخفضت نبرتها هي الأخرى تحمل الخيبة بين طياتها، تتابع "ظننتُ أنك تختلفين عن بقية البشر كلوفر"

ارتفعت عيوني ناحيتها أرمش بضع مرات في حين تابعت ترمقني بنظرات حادة "البشر كلهم متشابهون، متشائمون ويخشون التحلي بالأمل، لأنهم محبطون من الداخل لذلك يخشون أن يكونوا متفائلين، يعرفون أن سلبيتهم تغطي عليهم، لماذا أصبحتِ فجأة مثلهم؟ أم أن هذا كان غطاء طوال الوقت كلوفر؟"

غطاء؟

أنا لم أكن أضع الأغطية.

"الأمور تسير وفق مسار محدد لا يمكننا إستيعابه، كل شيء بسيط، إختاري طريقا للتمسك به ودعي القدر يفعل ما يشاء، ما مشكلتكم واللعنة؟ لماذا لا تختارون القوة بدلا من الخوف؟"

"أنا––" تلعثمتُ أرى إحمرار وجهها وحدّة ملامحها اللطيفة، قبل أن أسمعها تتابع "أنتم مزيفون! إعترفوا بضعفكم وتوقفوا عن التمثيل كلوفر"

"أوديت لم أقصد هذا––" قاطعتني بعيون دامعة ونبرة مهتزة تضيف "كلكم! أنتِ وسيتشو وهانتر والجميع، كلكم مزيّفون"

خفق قلبي أرى الغضب الذي يتفجر من داخلها، عيوني اتسعت وانفراجة ظهرت بين شفاهي أسمع لكلماتها "لستُ عمياء كلوفر حتى لا ألاحظ أن الجميع يعاملني مثل طفلة في حين أرغب أن أكون جزء من الجميع، هذا سيء كلوفر، أنتِ والجميع"

"مالذي تتحدثين عنه؟ نحن أصدقاء––"

"الأصدقاء لا يفعلون هذا ببعضهم، لا يجاملون بعضهم بشكل مزيّف، أنتم لا تؤمنون بي"

"هذا خطأ"

"بل صحيح، لستُ طفلة كلوفر" لوحت بيدها في الهواء بعيون محمرة، ثم دون تضييع أي ثانية أخرى، هي إلتفتت تعطيني ظهرها، ترمي لي نظرة حزينة من فوق كتفها "آسفة كلوفر"

"مهلا!" إندفعت للأمام لكنها فقط إبتعدت عني تشير لي بأنها لا تريد مني أن ألحق بها.

رمشتُ أطالع الفراغ وشعرتُ أني إرتكبتُ خطأ كبيرا حين تحدثت بذلك الشكل معها. لا أصدق أن هذا كان شعور أوديت طوال هذه المدة.

لم أكن أعلم أنها وحيدة بيننا، والآن بدأتُ أشعر بالذنب كوني إستخففت بها طوال تلك الأوقات. معها حق، لا أحد ملاك، وهي إنسانة لديها مشاعر لكنها فقط إختارت عدم إظهارها للعلن، إختارت عدم إزعاج أصدقاءها.

"اللعنة عليّ" همستُ بها في اللحظة التي إهتز هاتفي في جيبي، لذا لم أتردد في جذبه أرى الشاشة تضيء بإسم جوني وصورة إبتسامته تغطيها.

خفق قلبي فجأة، وإبتسامة إرتفعت على وجهي لكني وجدت نفسي أغلق الخط وأقطع المكالمة، لا أعلم لكني لم أرغب في الحديث معه.

تنهدت أتابع سيري، شعرتُ أن كل شيء يصبح ضيقا وأرغب في الذهاب لمكان ما، بعيدا جدا عن هنا، فقط لأتصرف كأني لستُ كلوفر سكوت، ولا أعيش هنا.

لكن أين أذهب وليس في جيبي أية نقود؟

الهاتف إهتز مرة أخرى وزفرتُ أرى جوني يحاول مجددا، لذا ضغطت شفاهي أتردد قليلا قبل أن أقطع المكالمة، أتنهد ومن ثم أغلقتُ الهاتف أرميه في جيب بنطالي بغير إكتراث.

لا أرغب في محادثة أي أحد الآن، مالذي يجب على مراهقة مثلي أن تفعله؟

لا سباقات ولا سرعة، ولا الخروج من المدينة للإستمتاع.

لا شيء دون هانتر أو جوني، أو–––أوديت.

لا أتذكر كيف كانت حياتي قبل أن أتقرب من الجميع، أعني كنتُ أمضي أيامي بشكل عادي، لم أهتم كثيرا لذلك الحدّ، لم أفكر في الأصدقاء ولا الأمل والإيمان أو حتى الذكريات.

كنتُ أخرج رفقة جوني وأخبره كل شيء عن يومي في المدرسة وكان يستمع لي دائما ويضحك معي، يناديني بقطعة السكر أو يقطينة، يخبرني عن بعض الرهانات ويخفي الكثير عني لكن كان ذلك كافي جدا بالنسبة لي.

لم يكن لدي أصدقاء وكنتُ أمضي أيامي.

الآن كل شيء تغيّر ولا أرغب سوى بالنوم، لأن كل هذا بات كثيرا عليّ.

زفرتُ أهزّ رأسي بقلة حيلة وأعدل من حامل حقيبتي جيدا، أبتسم بسخرية من الأمر وأهمس "إلى غرفتي وسأستمع لواحدة من قصص جدتي إذا"

قدتُ خطواتي للأمام أكثر وتأكدت من أن مفاتيح جميلتي في جيبي.

لماذا لا نصادق ونواعد السيارات فقط؟ لماذا على علاقات البشر أن تكون معقدة هكذا ومليئة بالحزن والغضب؟

هذا مرعب.

جديا، لو لم أكن بشرية كنتُ لأخاف البشر أكثر من البحر.

إلهي!

_


"لقد عدت" فتحت الباب أهتف بصوت مرتفع ومباشرة جاءني الرد من عند جدتي من المطبخ "أهلا عزيزتي، عدتِ مبكرا"

حسنا، الجميع إعتاد على دخولي في وقت متأخر.

"وقضيتِ ليلتك في الخارج" رفعت حاجبها لي فيما كنتُ أقوم بإغلاق الباب، خلعتُ حقيبتي أرميها بغير إكتراث وأسمح لها بالوقوع، عيوني على جدتي وسرتُ ناحيتها أفتح ذراعاي كي أحتضنها بقوة.

"اوه صغيرتي" ضحكت حين دفعتها بقوة، لكني شددتُ من إمساكها أغمض عيناي، أهمس "إشتقتُ إليكِ"

"ما بها صغيرتي؟" إرتفعت يدها تربّت على أعلى رأسي، رائحة الليمون والياسمين المنعشة كانت صادرة عنها، في حين دفئ لطيف نبع من قربها، تتابع "هل هي حزينة؟"

"لا أعلم" إبتسمتُ أنا على تلك الإجابة خاصتي، لا أعلم إن كنتُ أسخر من نفسي أم أن فقط الأمر أصبح إعتياديا لدرجة الضحك.

"حضرتُ كراة اللحم بالبطاطس التي تحبينها" نطقت بنبرة حنونة تضرب ظهري بخفة ورفق، "تركتُ حصّتك من كعك الموز والخوخ الذي تحبينه"

"أنتِ الأفضل" نبرتي كانت منخفضة جدا نطقتها تحت ملابسها، وسمعتُ ضحكتها تربت عليّ أكثر "أوه أنا أعلم"

"أريد أن أبقى هكذا جدتي" تشبثتُ بها أكثر أدفن نفسي في حضنها، أحاول ألاّ أفكر في أي شيء آخر، وبالفعل لم أكن أفكر في أي شيء.

هذه المرة لا سرعة ولا سيارات ولا أدرينالين، إنما مجرد فتاة عادية تسكن في حضن جدتها وتهدأُ برائحة الياسمين مع الليمون.

"أوه صغيرتي الجميلة" مررت أناملها في خصلاتي، وبهدوء أبعدتني عنها قليلا تراقب ملامحي وتمسك بوجنتيّ معا، تمنحني تلك الإبتسامة الجميلة الصادرة عنها "تعاليّ معي"

جذبتني برفق للسير خلفها نقصد غرفتها، وفي طريقنا سمعتُ صوت ضحكات تصدر من الأعلى، مما جعل حاجبي يرتفع بتعجّب، أدير عنقي ناحية جدّتي وأتساءل "من هنا؟"

"ذلك فابيو اللطيف، إنه مع جنجر يعملان على شيء ما في الحاسوب" إلتفت تطالعني من فوق كتفها وغمزتني بإبتسامة "هما منسجمان"

أوه جدتي!

وجدتُ إبتسامتي تلوح على شفتاي بشكل كبير، أفكّر في جنجر وفابيو معا يتحدثان، يبتسمان ويقومان بتلك الأمور اللطيفة التي تثير غرابتي.

لكنهما رائعان.

"إلى أين نحن ذاهبان؟ غرفتك؟"

"سأريكِ شيئا ما، هيا هيا"

بمجرد وصولنا هي دلفت تتقدم وتسمح لي بالدخول، شغلت الأنوار وأغلقت الباب بهدوء، ومباشرة غزتني رائحة الياسمين تملئ أنفي بشكل منعش جعلني أقلب عيوني بإنتشاء.

سارت جدتي لأحد الأدراج تفتحه وتجذب منه دفترا بدى لي قديما، كان ذا غلاف جلدي أسود؛ هي تحركت حيث السرير تجلس عليه وتحمل الدفتر كأنها تحمل الحياة، نظراتها كانت تقول هذا.

مسحت بيدها المكان بجانبها تردف "تعاليّ"

شعرتُ فجأة أني أدخل مكانا غريبا، لكنه كان مسالما أيضا، مثل جدار يلتف حولي ويحميني.

تحت هذا السقف وفي هذه الغرفة المملوءة برائحة الياسمين الجميلة أنا هنا مع جدّتي، أشعر أني بعيدة عن العالم. بأمان.

تحركتُ ناحيتها أتخذ جلستي بجانبها، وجذبتني هي إليها بينما تضع الدفتر بيننا حتى تسعني الرؤية بشكل أوضح، فتحته وظهرت أول صفحة مملوءة برسومات كثيرة لأزهار الياسمين، جعلتني أبتسم مباشرة.

هذا دفتر مذكراتها.

"سأخبركِ قصة متأكدة أنها ستعجبك" قالت برفق تبتسم لي، وتخطت عدة صفحات لتفتحه في منتصفه، تجعل عيوني ترمش، أرى الصور الكثيرة الملصقة هنا وهناك.

"حين كنتُ شابة حملتُ بوالدتك، كنتُ في العشرين تقريبا، أحببتُ الحياة مع جدّك لدرجة كبيرة جعلتني أرغب في الحصول على قطعة منه" بدت مسحورة وهي تتحدث عن الأمر في حين أصابعها تمرّ على الكلمات المدونة على الورق والصور الملصقة هناك أيضا.

"شهور حملي وشعوري أني أمتلك قطعة أخرى من روحي في الداخل جعلاني أشعر أني أمتلك العالم بين يداي، كنتُ أشعر بها في داخلي كل يوم، إنبعاث الحياة فيها وحركاتها، تخيلتُ إمساكها"

إقشعر بدني على الكلمات في حين تابعت هي "جدك كان يبذل جهده لأجل العائلة التي كانت على وشك التشكل، رغم صغر سننا إلا أننا أدركنا أن على وشك أن نحمل شيئا كبيرا، إهتم بي كثيرا وشعرتُ حقا بالإنتماء، كنت ممتنة للإله أنه عرفني عليه"

إبتسمت حين قابلتني عيونها، بينما أمسكت أناملها بيدي تضيف "عندما إنقضت فترة الحمل وجاءني المخاض أخبرني الطبيب أن الولادة ستكون صعبة وربما لن أنجو"

خفق قلبي على ذلك، أرى عيونها تدمع ببطئ، بينما تابعت "كان هناك إحتمال كبير لنجاة الطفلة ووفاتي"

"مالذي حصل؟"

"وافقت على الولادة رغم كل شيء"

"مالذي فعله جدّي؟"

إبتسمت لي عند ذلك ترمش بضع مرّات، وتحدثت بنبرة فخورة "آمن بي. أتذكر كلماته لي حين كنت على وشك الولادة، أعطاني إبتسامة عريضة وقال لي أنا أؤمن بكما، ستعودان لأن لا مكان لي، طلب مني أن أعود لأجله"

أصابعها تحركت على الصفحة وإنخفضت نظراتي للأسفل أرى الصورة التي كانت تمرّ فوقها، قديمة لها في شبابها مع طفلة صغيرة كانت والدتي.

"الألم فتك بي وفقدت الكثير من الدّم، كان جسمي يفقد الحياة ببطئ ولم أرى طفلتي أبدا، الكثيرون قالوا أن لا فائدة من المحاولة لأنني سأموت على أية حال"

اوتش! تلك الكلمات آلمتني بشدة.

"وفي إحدى المرّات هو دخل إليّ يحملها ووضعها في حضني، كنت نصف واعية حينها، لكنه أخبرني أنه لم يفقد الأمل بعد وما يزال يملك الإيمان، طلب مني أن أعود مرة أخرى، قال لقد إستطاعت الصغيرة فعلها، إفعليها أنتِ أيضا"

إبتلعتُ وعلمتُ الآن مالذي تتحدث عنه جدتي، قي حين إبتسمت هي لي كأنها قرأت أفكاري، لذلك أومأت لي برفق "كان ذلك الشيء الوحيد الذي أعادني لهما"

حين توقفت عن الحديث لم يكن لديّ أي شيء لقوله، ويدها إرتفعت تلامس خدّي بنعومة "عندما تحسنت حالتي حرصتُ على تدوين كل لحظاتي معهما، مهما كان اليوم سيئا وجيدا، أختم الكلام دائما بكلمة شكر وإمتنان للإله على الفرصة التي قدمها لي"

"ولأن جدي آمن بكِ"

"لأني إخترتُ أن أتمسك بذلك الإيمان القوي، ووثقتُ برابطة العائلة" أعادت خصلة خلف أذني تضيف "قبل أيام أخبرتني صديقتك أوديت عن الأمر، وحديثها ذكرني بنفسي مباشرة"

اوه أوديت!

إنخفضت نظراتي بإحراج على ما سببته لها قبل قليل، لكن جدتي تابعت "أعتقد أنها الفتاة الأكثر حكمة بينكم جميعا وذلك الأشقر أيضا"

ضحكت بخفة أصحح لها "جوني"

"أجل، حبيبك الذي لم تحصلي عليه"

نعم، وسرقته مني فتاة ريدكاي اللعينة.

جدتي تابعت "هانتر سيكون بخير عزيزتي، لماذا تقتلون الصفاء في دواخلكم وتسمحون للخوف بالتمكن منكم؟"

"الأمور السيئة تحصل جدتي، لا يمكننا منعها"

"مالذي يجعلكِ متأكدة أن ما أصاب غيركِ سيصيبكِ بالضرورة؟ ولا يجعلك في نفس الوقت على دراية أن ما أصاب غيرك من أشياء جيدة سيصيبك أيضا؟"

"أنا فقط––" توقفت أعض شفتي بخفة، قبل أن أتابع "لا أعلم، أخشى أن أكون موهومة"

"طالما هناك قوة عظيمة خلف ما يحصل، ثقي أن الإله سينقذكِ لأنه أعظم، أم أنكِ لستِ مؤمنة؟"

"ماذا لو أن الإله أراد إختباري وسرق مني من أحبهم؟ جدتي لقد تعلمتُ للتو التعلق بالأشخاص، لا أريد أن أبقى وحيدة لاحقا" خفضت نظراتي للأسفل أشعر بضيق في معدتي، في حين ضحكت هي بخفة ترنّ ضحكتها داخل الغرفة وتجعل حاجبي يرتفع. "ماذا هناك؟"

"الإله منحكِ العقل والإختيار أن تؤمني به وتثقي أنه سينقذ من تحبينهم، هكذا وثقَ بي جدّك" ربتت على كتفي بخفة، "الإيمان شيء يصعب على التائهين والخائفين فهمه والنجاة به"

"مالذي عليّ فعله إذا؟ ما أزال خائفة أن يموت هانتر" تنهدت بقلة حيلة أهزّ رأسي لأطرد أية فكرة دخيلة وسيئة عنه، "لقد تغير كثيرا، ملامحه وجسده، بدى كمن يقول وداعا البارحة"

"البارحة عزيزتي، كان هذا البارحة حين قال وداعا، واليوم هو ما يزال هنا؛ إستغلي اللحظات التي تملكينها لأنها الوحيدة التي بين يديك، وٱخرجي لتخبريه أنتِ والجميع أنكم بإنتظاره"

"بإنتظاره؟"

"لم أكن مؤمنة بالنجاة والقوة الأعظم، لكن جدّك سحب يدي لبرّ الأمان"

صمت إحتلّ المكان لعدة دقائق، كانت طويلة جدا مملوءة بالأفكار، والصفاء، كان كل شيء يختلط ويمتزج مع شيء آخر، المفاهيم، المشاعر، الحاسيس، الأفكار وكل شيء.

أردتُ فقط أن أحرر نفسي، ألا أركض كثيرا لأحصل على الإجابة، وأن أجلس فحسب بهدوء، بسلام أخبر الجميع بما لديّ، أخبر هانتر وأطلب منه أن نقود بسرعة كبيرة لمكان ما.

مكان بعيد جدا.

"مالذي تفكرين به؟"

"هانتر"

"إتصلي به إذا" قالت بإبتسامة تغمزني، "لا بأس أن نتبع أصواتنا الداخلية حين تقول أن هذا الشيء الصحيح لفعله"

"تظنين هذا جدتي؟" رمشت أنتظر إجابتها وضحكت تضرب كتفي "أؤمن بهذا"

يدي إنزلقت لجيب بنطالي، حين رأيتها تضحك بخفة، تهز رأسها "هيا هيا"

أردت أن أخبره بالقدوم إلى هنا. قالت جدتي لا بأس من إتباع صوتنا الداخلي.

وأنا أريده.

إنتظرتُ إشتغال هاتفي ثم فتحته أمامها أقول بالبحث عنه بإسم بوتو ريدكاي، ثم في اللحظة التالية ضغطت زرّ الإتصال أسمع رنينه في الجهة الأخرى.

لم يستغرق الأمر طويلا لأنه مباشرة فتحه يتحدث بنبرة متعبة "نعم فراشتي"

هذا يؤلمني جدا، ووجدت الملاذ في نظرات جدتي التي كانت معي تومئ لي رغم كل شيء وتمسك يدي.

"أهلا هانتر، هل أنت متفرغ؟"

"لأجلك؟ أجل" أنهى إجابته بضحكة صغيرة جعلت جدتي تبتسم وتورّد خداي إثر ذلك.

"حسنا، إذا––" إبتلعتُ ببطئ وحمحمت أختار كلماتي "أرغب بدعوتك للعشاء الليلة في منزل جدتي، فابيو هنا أيضا إن كنتَ ترغب بالقدوم، يمكنني إصطحابك"

"موعد مع جدتك؟ هذا مثير" علق ساخرا وصفر بضحكة صغيرة جعلتني أقلب عيناي بينما وضعت جدتي يدها على فمها تمنع ضحكتها.

لا أصدق أنها تحبّ هذا النوع من الغزل.

هل هذا غزل حتى؟

"بحقك! هل تريد أن تأتِي"

"سأكون بإنتظار بلو وينجز كي تأتي وتطير بي إذا" الكلمات جعلتني أضحك بخفة، ومن ثم نطقت بنبرة ناعمة "بعد ساعتين، هل هذا مناسب؟"

"جيد جدا فراشتي، أتمنى فقط أن يعجبني الأكل"

كان يضحك، يسخر ويتحدث كأن كل شيء على ما يرام.

إلهي! أرغب في إحتضانه.

"إنتظرني عزيزي"

"قبلاتي" أنهى كلامه بقبلة أرسلها في الهواء ووصلت مسمعي تجعل دغدغة خفيفة تمرّ في معدتي التي إنقبضت.

اللعنة هانتر.

"أراكَ قريبا إذا" بتلك الكلمات أغلقتُ الخط، اللعنة! إن واصلتُ الحديث معه سينفجر وجهي من شدة الحرارة.

لا يجوز أبدا الحديث مع هانتر أمام الكبار، هذا الشاب مستعد لإحراجك في أية لحظة.

"تشعرين بحال أفضل؟"

"أعتقد ذلك" أومأت أبتسم لجدتي، وفكرتُ في الأمر للحظات.

أوديت، الأصدقاء، الإيمان والعائلة.

أعتقد أني أسبح في نفس المكان، كأني نجم تائه في الفضاء، تحدث الكثير من الأشياء لكنها تصبّ في نفس الشيء.

أعتقد أني سأكتشف هذا مع الوقت.

_

يتبع....

Continue Reading

You'll Also Like

1.4M 116K 52
قصة حقيقة بقلمي الكاتبة زهراء امجد _شال ايدة من حلگي بعد مصاح مروان رجعت كملت جملتي اكرهك انت اناني متحب بس نفسك كأنما معيشنا بسجن مو محاضرة !!! مروا...
2.6M 178K 71
النبذه :- فَي ذَلك المَنزل الدافئ ، المَملوء بالمشاعرِ يحتضن أسفل سَقفهِ و بين جُدرانه تِلك الطفلةُ الَتي كَبُرَت قَبل أونها نُسخة والدها الصغيرة ...
853K 58.3K 25
قتلوا الفتى البريء ودفنوا جثته حيًا في أرض البلدة، حرموه من الدفء بين أذرعتهم وألقوه في النيران والحُجة كانت وصول الدفء لجسده، الآن عاد الفتى ينتقم و...
419K 31.8K 13
عَالم مظلم مغمور بالغموض حكاية خطت ورُسمت بالوان الغموض والخفية سَنشاهد التقاء روحين للتصدي للماضي الأليم والمواجهة مع التحديات الجادية هل ستجد ال...