زهرة آل فوستاريكي

By AnaZilzail

1.4M 119K 44.8K

كانت الزهرة بين تسعة من النخيل الشاهق، ذلك النخيل الذي وقف في وجه العواصف مانعًا إياها من الوصول للزهرة، لكن... More

المقدمة ( ابنة اليخاندرو الوحيدة وزهرتها)
الشخصيات ..
الاول ( لصوص الواي فاي والراقصة الذهبية )
الثاني ( حرب بلمسة الاحفاد)
الثالث ( رحلة غير متوقعة)
الرابع (هل تستطيع التحليق بالسيارة؟)
الخامس ( اللقــــــــــــاء )
السادس ( المتـشــــــــــرد)
السابع ( حِــلـف نســــائــــي )
الثامن ( ابنـــة العـمــة)
التاسع ( نحتـــاج طبيــــب )
العاشر ( المزرعة السعيدة )
الحادي عشر ( كــرم ضيـــافـة)
ما قبل الأخير ( الاسطـــا مــرزوق )
الأخير ( لأجـــــل الزهـــرة )
حفلة توقيع رحرح في وسط البلد ( واعتذار )
مفاجأة صغيرة لطيفة
مشهد اضافي ( الساكن الاول في قلبي )_ فبريانو وروبين _
عيدية ( هدية عيد الفطر )
هدية العيد نزل
تنويه هام
اقتباس من مشهد هدية
فصل ( لقاء العمالقة )
الرواية الجديدة نزلت

الخاتمة ( حلقة خاصة )

76.2K 6.4K 2.6K
By AnaZilzail


اهداء الفصل للجميلة مي فتحي ...

اتمنى لكِ حياة مليئة بالسعادة والخير جميلتي ❤️

__________

صلوا على النبي

_________

هواء بارد يضرب الأجساد بمجرد خروجها من ذلك المبنى العملاق الفخم والذي يستقبل كل يوم مئات الضيوف الذين جاءوا للاستمتاع بتلك البلاد الجميلة، ومن ضمن هؤلاء الضيوف كانوا هم ...

ارتفع صوته يصرخ :

" متقوليش اهدى، متقوليش أهدى الكلمة دي بتعصبني، أنتِ مستوعبة احنا فين دلوقتي ؟!"

أجابت الأخرى، تحرك نظراتها في المكان حولها بصعوبة بسبب تلك المظلة التي تخفي عنها الرؤية :

" فين يعني ؟!"

" أيوة هو ده اللي انا بتكلم عليه، احنا فين ؟؟
احنا تايهين يا مدام تايهين بسبب الجذمة اللي في راسك "

زفرة حانقة خرجت من فم تلك التي كانت تقبع أمامه تعدل من وضعية نظارتها الشمسية والتي لم تكن ضرورية في مثل هذا الجو الغائم :

" أدهم بيبي Come down، أنت ناسي إن ده مسقط رأسي اساسا ؟! اكيد هفتكر شارع كده ولا كده ونوصل "

اشتعلت غضب أدهم وهو يسحب هالي من ثيابها جاذبًا إياها له يقول من بين أسنانه وقد أصبح أسفل المظلة معها :

" مسقط ايه يا ختي؟! مسقط رأسك ايه أنتِ من اسكندرية اساسا هنستهبل، بعدين شارع ايه اللي هتفتكريه ؟! ده أنتِ معلمة بيتنا بقهوة عوض"

أبعدت هالي يد أدهم عن ثيابها وهي تحاول أن تتنفس لتهدأ :

" أدهم please مش Style ده تكلمني بيه "

رفع أدهم حاجبه وهو ينحني مجددًا ليصبح قريبًا من وجهها :

" مش Style ازاي يا ميس أم فتحي ؟! بكلمك ببنطلون جينز ولا كوفية صوف ؟! بالله عليك بلاش فزلكة دلوقتي عشان أنا على اخري "

وقبل أن تجيب هالي بكلمة كان هناك من يجذب طرف فستانها من الأسفل يحاول جذب انتباه الاثنين بعيدًا عن ذلك الحوار الذي يدور كل نصف ساعة، فكلما يأس ادهم من ايجاد طريق منزل اليخاندرو يلتفت لزوجته ويُقرعها على ذلك الاقتراح الغبي الذي اقترحته .

نظرت هالي لصغيرها  :

" نعم يا قاسم فيه حاجة ؟!"

تحدث الصغير ببسمة واسعة :

" هنروح عند جدو امتى ؟!"

نظر له ادهم بحنق، ثم قال بغيظ وغضب تفجر مجددًا :

" لما ربنا يكرمنا وامك تلاقي العنوان اللي ضيعته"

نظر بعدها لهالي يبعد المظلة بغضب كبير :

" بعدين ايه دي ؟! مسكاها ليه دي ؟؟ برج ارسال ؟؟"

" ايه يا ادهم بترمي الشمسية كده ليه يا اخي ؟؟ ثم طالما مش بتفهم في الموضوع ملكش دعوة بيه، معروفة كل السياح بيمسكوا شمسية ويلبسوا نضارة"

رفع أدهم حاجبه وهو ينظر لها بيأس من تفكيرها وعقلها الذي يدور في ملكوت بعيد عن كل ما يحدث حولها، فقد اقترحت أن يذهبوا هذه المرة هم لمنزل جدها بانفسهم ويصنعون مفاجأة للجميع وقد حصلت قبلها على العنوان بطريقة ملتوية من روبين والآن اضاعته ..

كان قاسم يراقب الاثنين دون أن يتحدث بكلمة، هو لا يهمه أي شيء سوى أن يرى جده وجميع أخواله الذين لم يرهم منذ عام تقريبًا، فهم يترددون على منزلهم بشكل متقطع.

ثواني حتى هدأ الشجار والقتال بين ادهم وهالي وتحرك الجميع صوب محطة الحافلات التي لمحها أدهم، توقف الجميع في انتظار أي سيارة توصلهم لأي مكان لا يهتمون..

ثواني حتى توقفت حافلة في المحطة وفُتحت أبوابها، كانت هالي اول من تتحرك صوب بابها مرددة بكل كبرياء :

" Ladies first"

أشار لها أدهم لتدخل اولًا مانحًا إياها بسمة ساخرة حانقة، لكن ما كادت تخطو بقدمها داخل السيارة حتى اصطدمت المظلة في سقف السيارة مانعًا إياها من الدخول، ليرتد جسدها للخلف بقوة ساقطًا على جسد ادهم الذي ارتفعت وتيرة غضبه وهو يتأوه :

" ألطف بينا يارب  "

نهضت هالي تحاول أن تلملم بقايا كبريائها الذي سقط مع سقوطها، ثم نظرت للسيارة لترى أن الجميع يشاهد ما يحدث، ابتسمت لهم بسمة غبية تغلق الظلمة، ثم نفضت من ثيابها وصعدت بكل رقي، بينما ادهم مازال ممدًا ارضًا ينظر صوب قاسم الذي كان يضم حقيبته الصغيرة لصدره، ابتسم أدهم يردد بجدية مطلقة :

" قاسم حبيب بابا، هو أنا لو قتلت ماما ممكن تزعل مني في المستقبل وتتعقد نفسيًا ؟؟"

رمش الصغير قاسم بعد استيعاب لما قال والده، لينهض أدهم وهو يقول ببسمة يجذب طفله له حتى يصعد معه :

" متخافش كده يابني، اكيد مش هسيبك كده و هشوفلك دكتور كويس "

أنهى حديثه يصعد للسيارة ينظر حوله باحثًا عن هالي التي لمحها تجلس جوار رجل كبير السن تتحدث له بانجليزية لا بأس بها، رغم الأخطاء التي تحتويها، إلا أنها مفهومة اغلب الوقت ..

اقترب أدهم منها ليسمعها تقول :

" لا تعرف جدي ؟؟ هو مجرم كبير هنا "

صُدم ادهم من حديثها ليجذبها بعيدًا عن مقعد ذلك الرجل الذي لم يكن يسمعها حتى؛ بسبب سماعات الأذن التي يضعها :

" أنتِ بتسأليه عليه ولا بتبلغي عن جدك ؟! والله انا حاسس أنك جاية الحياة دي تكفير عن ذنوب جدك اساسا"

رمقته هالي بحنق وهي تتحدث متخصرة :

" على الاقل بحاول اتصرف"

‏رمقها ادهم بحدة يضرب يدها التي تضعها على خصرها، ثم أشار لها بعينه أن تتجه للجلوس جوار صغيره الذي انشغل بالقراءة في بعض قصص الاطفال التي أحضرها معه، بينما تحرك ادهم صوب السائق ليستفسر منه عن وجهتهم، وايضًا ليعلم اقرب مكان لمنطقة جدها، فهو لا يذكر من العنوان سوى اسم المدينة التي يسكنوها..

‏_______________________



‏في منزل اليخاندرو ...


‏كان العمل على قدم وساق بسبب التجهيز لذكرى لقاء اليخاندرو بزوجته لأول مرة، و رغم أن زوجته قد توفت إلا أنه لم يسعه سوى الاحتفال بذلك اليوم من كل عام، يوم التقى بنصفه الآخر التي منحته اجمل عائلة في العالم، كانت بداية الخيط ليحصل على هؤلاء الأشخاص جواره، اول من يضمه بحنان واول من يقبله بحب، كانت المرأة الوحيدة التي عشق والسيدة الوحيدة التي احتلت قلبه، ورغم وجعه إلا أنه يصمم على الاحتفال كل عام بيوم لقياها.

لكن وفي وسط كل تلك التحضيرات كانت الحرب قائمة في البهو بين فبريانو ورفقة حول كيفية تعامل فبريانو بعنف مع الاطفال .

" حسنًا لننتهي من كل ذلك النقاش، أنا حذرت الجميع سابقًا مئات المرات أن يُبعدوا تلك الكائنات الطفيلية عن ابنتي، بحق الله ألا يوجد فتاة في هذا العالم سواها ؟؟ الجميع يلتف حولها بشكل مزعج "

وما كاد فبريانو ينتهي من جملته حتى سمع صوت قبلة يصدر من خلفه، استدار جسده كالرصاصة ليجد اسكندر قد انتهى لتوه من طبع قبلة رقيقة على خد ابنته البريئة الغبية، اشتعلت أعين فبريانو صارخًا :

" أنت أيها الحقير ابتعد عن ابنتي، تبًا لك ولوالدك الغبي الذي نسى تربيتك "

في ذلك الوقت حضر والد ذلك الصغير الذي نسى تربيته، ليجذب صغيره أسفل ذراعه حاملًا إياه بحماية كبيرة يشير بإصبعه صوب فبريانو :

" توقف من معاملة صغيري بهذا الشكل، أنت لا تود أن يحمل زوج ابنتك الضغينة في قلبه لك، هكذا سوب تتسبب في الكثير من المشاكل خلال ذلك الزواج وحينها قد يضطر صغيري إلى خطف الفتاة والهرب بها "

تشنج وجه فبريانو بشكل مخيف :

" زوج من ؟؟ زوج ابنتي ؟! ومن أخبرك أنني يومًا قد أُزوج ابنتي ؟! حتى وإن فعلت فلن يكون ذلك الصغير الذي يقبع أسفل ذراعك "

نظر جاكيري لاسكندر يتحدث بجدية :

" هل تريد تلك الفتاة اسكندر ؟! والدها أحمق وقد يرث اطفالك ذلك "

هز اسكندر رأسه وهو يمنح والده بسمة صغيرة رغم عدم إدراكه الكبير لما يقوله، لذلك تنهد جاكيري وهو ينظر لفبريانو مجددًا :

" حسنًا هو يريدها؛ لذلك سوف نأخذها "

رفع فبريانو حاجبه يتحدث ببسمة ساخرة :

" حقًا ؟! أنت محظوظ سيد جاكيري فاليوم هناك خصم عليها"

وقبل أن يتحدث جاكيري بكلمة كان صوت الصغير اسكندر يخرج حانقًا وهو يرفع يديه في الهواء وكأنه يود عناق أحدهم والتحرر من قيد والده :

" سيلفيا ..."

نظر له فبريانو قبل أن يستدير صوب الجهة التي يشير لها اسكندر ليجد أن ويليم ( صغير جايك) قد سحب ابنته وخرج من باب المنزل صوب الحديقة ووفقًا للسبع وعشرين مرة السابقة فهو سوف يأخذها للـ لعب أسفل إحدى الشجيرات هناك، وهذا ما لا يُسعد فبريانو بالمرة .

تحرك بأقدام مهرولة يشعر أنه على وشك قتل جميع الأطفال بالمنزل، بحق الله ألا يمكنه الاحتفاظ بطفلته له وحده دون ازعاج؟!

في ذلك الوقت خرجت روبين من المطبخ وهي تقول ببسمة :

" فبريانو تعالى شوف عملت بـ."

لكن وللعجب لم يتوقف فبريانو حتى للاستماع لها وهذا ما جعل روبين تضيق عينيها بشك وهي تقول :

" فيه ايه ؟؟"

_______________________

هبط الجميع من السيارة، حيث أخبرهم السائق أنهم سيجدوا ذلك العنوان الذي يرغبون في الذهاب إليه، نظر أدهم حوله ليجد نفسه في ميدان كبير واسع تتوسطه نافورة مضيئة بشكل جميل وعلى جانب النافورة يقبع بعض الأشخاص الذين يرقصون أو يعزفون والبعض يشاهد باستمتاع والبعض الآخر في عالمه الخاص .

دارت عين هالي في المكان بانبهار وهي تقول :

" والله زمان يا ايطاليا "

وكان رد ادهم هو نظرة حانقة واحدة، يتعجب إصرار زوجته أنها ولدت وترعرعت في هذه البلاد، رغم أنها لم تطأها سوى مرة واحدة، وقد هبطت من الطائرة للسيارة ثم المزرعة.

رفعت هالي يدها في وجه ادهم فجأة حتى كادت تصيب عينه وهي تشير صوب أحد المباني العملاقة تقول بلهفة :

" أنا حاسة اني افتكرت، أيوة أنا فاكرة الشارع ده كويس، ذاكرتي بدأت تفتكر كل الحاجات دي من وقت ما كنت صغيرة وكنت بلعب عند النافورة دي "

ابعد ادهم يدها من أمام عينه بحنق :

" كفاية كدب بقى، هتتسخطي من كتر الكدب، فوقي يا أم فتحي أنتِ اساسا عرفتي أنك ايطالية بالصدفة"

نظرت له هالي بصدمة، تشير صوب ذلك المبنى الضخم الذي يقابلهم :

" يعني ده مش بيت جدو ؟! هو شبه اللي انا متخيلاه "

نظر أدهم حيث تشير وقال بسخرية :

" ده ؟! المتحف ؟! جدك عايش في متحف ؟! ليه رمسيس الاول ؟؟ الله يكرمك اسكتي شوية وخلي قاسم معاكِ وانا هتصرف "

أمسكت هالي بيد الصغير الذي كان ينظر لكل شيء حوله بفم مفتوح في انبهار كبير ..

" هتعمل ايه يعني ؟! "

" هسأل أي حد عن اسم عيلة جدك، مش دي المنطقة بتاعتهم ؟! اكيد حد هنا يعرفهم طالما العيلة كبيرة "

وهكذا تحرك ادهم وخلفه هالي ومعهم الصغير قاسم ذو السبعة أعوام ينظر حوله بسعادة .

أوقف أدهم رجل رفقة امرأة وتساءل بلطف وبسمة صغيرة وبلغة إنجليزية سليمة :

" معذرة يا سيد هل تتحدث الإنجليزية ؟؟"

نظر له الرجل بتعجب قبل أن يهز رأسه بهدوء ليسترسل أدهم في التحدث :

" جيد، حسنًا في الحقيقة كنت احاول الوصول لأحد الأشخاص هنا، هم عائلة كبيرة معروفة ربما سمعت عنهم، عائلة فوستاريكي "

نظر له الرجل بتعجب قبل أن يقول :

" لا لم افعل، هذه هي المرة الأولى التي اسمع عن تلك العائلة التي تتحدث عنها "

رفع أدهم حاجبه ولم يكد يتحدث بكلمة إضافية حتى استأذن منه الرجل ورحل مع زوجته، تاركًا ادهم يرمق أثرهم ببسمة غاضبة، ثم استدار لزوجته يقول بسخرية :

" امال ايه بقى معروفين وبتاع، والراجل اساسا بيقولك مسمعش عنهم "

عدّلت هالي من وضعية نظارتها تقول بتكبر :

" اكيد ده مش ايطالي، أنا عيلتي معروفة عالميًا يا بابا "

دفعه أدهم من وجهها بغيظ :

" بالله عليكِ لتسكتي، بطلي بقى محدش اساسا يعرف عيلتك غير خمس أفراد وانا وأنتِ وقاسم من ضمنهم "

نفخت هالي بحنق وهي تنظر حولها :

" طب وهنعمل ايه الجو بدأ يضلم "

مسح أدهم وجهه يحاول التفكير في حل لتلك الورطة التي ألقى بنفسه بها بسبب سيره خلف اقتراحات تلك الكارثة المسماة بزوجته..

" هنروح فندق نريح فيه ونستنى الصبح نشوف هنتنيل نعمل ايه، ممكن نروح نشتري خطوط تليفون إيطالية ونتكلم معاهم، طالما عيلتك مش بترد على رسايل الفيس"

" ليه الظلم ما يمكن اختلاف التوقيت في ايطاليا وهما نايمين أو مشغولين "

اقترب منها أدهم يقول بحنق :

" اختلاف توقيت ايه ؟! ما احنا في ايطاليا برضو "

ابتسمت له هالفيتي بسمة غبية، تستوعب الأمر الآن وقبل الرد سمع الاثنان صوت أنثوي لطيف يصدر من الخلف يردد بجدية :

" عفواً لم اقصد التنصت لكنني سمعتكم للتو تسألون عن منزل فوستاريكي، هل هذا صحيح ؟!"

نظر لها الاثنان بلهفة كبيرة ليحرك ادهم رأسه بإيجاب :

" نعم نعم هذا صحيح، هل تستطيعين ارشادنا له رجاءً"

ابتسمت الفتاة لهم بلطف وهي تقول وحماس :

" حسنًا يا سيد أنت محظوظ فهذا منزل زوج شقيقتي"

نظر لها الاثنان بتعجب لتتحدث الفتاة مجددًا وهي تمد يدها ببسمة :

" لم اعرفكما عليّ، أنا كارين شقيقة جولي والتي تكون زوجة مارتن فوستاريكي ..."

_______________________

كان يقف في حديقة المنزل يتحدث في هاتفه بصوت جليدي، بينما يده تداعب خصلات صغيره بحب :

" نعم نعم قم بتأجيل جميع الأعمال، هذا الأسبوع أنا في إجازة "

صمت انطونيو قليلًا قبل أن تنحرف عينه لطفله الحبيب البيرتو والذي كان يحمل أحد الكتب الخاصة به والتي كانت اللغة والمصطلحات بها صعبة الفهم على طفل صغير في عمره مازال يتعلم مبادئ القراءة .

" لا، قم بالتأجيل اسبوع واحد فقط "

صمت ثم أضاف :

" حسنًا إذًا ا....."

وقبل أن يتم كلماته سمع كلمات اخترقت سمعه بعنف، لتصل الى قلبه تهزه بقوة، وتلك الصرخات الطفولية المحببة لقلبه تعود لتتردد في الأجواء ..

" تـــــــوني "

استدار انطونيو بصدمة كبيرة صوب ذلك الصوت الذي افتقده بشدة رغم أنه تحدث معه البارحة عبر مكالمة صوتية، لكن أن تسمع صدى صوته حولك لهو شعور آخر...

فتح انطونيو فمه بحنين وهو يغلق الهاتف دون اهتمام يتحرك صوب جسد قاسم الذي ركض له بمجرد أن لمحه :

" قلب توني"

التقط انطونيو جسده بقوة بين احضانه، ذلك الصغير الذي اختبر معه اول شعور بالمسؤولية والحب من بين الجيل الحالي، كان أنطونيو يضم قاسم بين أحضانه بحب كبير لا يصدق وجوده بعد كل تلك السنوات التي لم يره بها سوى مرات قليلة فقط .

" يا قلب توني اشتقت لك كثيرًا قاسم، اشتقت لك صغيري"

ابتسم قاسم والذي فهم القليل فقط من حديثه بسبب تلك الحصص الخاصة باللغة الانجليزية والتي كان يحضرها خصيصًا ليفهم الجميع هنا، ورغم أنه لا يفهم الكثير بسبب عمره وقلة حصيلته اللغوية، إلا أنه يعلم جيدًا تلك الكلمات التي يستطيع من خلالها التعبير عن حبه لهذه العائلة :

" أنا أحبك توني"

اهتز قلب انطونيو وهو يزيد من ضم الصغير لقلبه وقد انكب يسمعه العديد والعديد من كلمات الحب والحنان التي لم يفهمها الصغير، لكنه فقط استمر بالتربيت على ظهر انطونيو الذي انتبه أخيرًا لوجود هالي وزوجها .

ابعد الصغير بلطف تاركًا إياه ارضًا أمام البيرتو الذي كان يحدق فيه بهدوء وفضول ..

" هالي جميلتي متى اتيتي وكيف لم تخبريني؟! كنت أرسلت لكِ سيارة تحضرك "

ابتسمت هالي تحاول الإجابة وفق تلك الكلمات التي فهمتها من حديثه :

" أنها مفاجأة للجميع انطونيو "

ابتسم انطونيو ثم تحرك صوب أدهم يضمه بحنان :

" لقد اكتملت العائلة بوجودكم، سعيد كثيرًا أنكم أتيتم واحضرتم قاسم، فلقد رغبت كثيرًا بأن يتعرف على الأطفال هنا "

أنهى حديثه يرمق قاسم الذي كان ينظر لالبيرتو بهدوء دون أن يبدي أي ردة فعل، ليتحرك البيرتو من مقعده ويهبط بصعوبة بسبب جسده الصغير، ثم اقترب من قاسم يضمه دون كلمة، يفعل كما فعل والده، فإن كان انطونيو عانق ذلك الطفل، إذًا فهو شخص جيد وهو أيضًا سيعانقه، وكان ذلك المنطق البسيط هو ما يحرك عقل البيرتو الذي ابتسم يربت على ظهر قاسم كما كان يفعل انطونيو يردد نفس كلمات والده:

" اشتقت لك قاسم "

ورغم أنه لم ير قاسم سابقًا أو يعلم عنه شيء، إلا أن ذلك التصرف كان صادرًا من عقله الصغير البسيط، ورغم أن قاسم هو الأكبر سنًا، إلا أن طوله كان مقاربًا بشكل كبير لـ البيرتو الذي ورث عن والده وجده طوله ..

ابتسم قاسم يردد تلك الجملة التي كان يرددها كثيرًا في مدرسته أثناء حصة اللغة الإنجليزية:

" ما اسمك !!"

أجابه البيرتو بهدوء وبسمة :

" البيرتو، وأنت ؟!"

" قاسم "

ابتسم له البيرتو يردد بكلمات متعثرة بعض الشيء وقد كانت معرفته باللغة الإنجليزية قليلة جدًا جدًا من خلال سماعها بعض الوقت حوله من أفراد عائلته:

"  صديق ؟؟"

أتسعت ابتسامة قاسم وهو ينظر لوالديه اللذان ابتسما له بحنان، وقد تضخم قلب انطونيو بالحب لصغيره الحنون الذي مازال يعامل الجميع بحنان كما لو كان والدهم رغم أن قاسم يفوقه بالعمر ..

انحنى يضم الطفلين بحب كبير لصدره :

"  احبائي الصغار ."

في ذلك الوقت ارتفع صوت طفل آخر يردد بصوت غير مفهوم بسبب حروفه التي خرجت من فمه غريبة، يتجول في أرجاء المنزل يتحدث بصوت مرتفع بعدما كان يقف على بعد صغير يراقب ما يحدث أثناء تناوله اصابع الحلوى التي أعدتها روز لهم :

" طفل آخر، العم انطونيو يملك طفل آخر "

رفع انطونيو رأسه بسرعة وهو يهمس بصدمة :

" لا، ليس كريس "

انتفض من مكانه يتحرك بخطوات سريعة خلف ذلك الصغير الذي كان يركض في المنزل يردد ببسمة وكلمات متعثرة :

" طفل آخر...طفل آخر"

دخل انطونيو المنزل يصرخ بصوت مرتفع :

" كريس، توقف هنا يا صغير "

نظر كريس خلفه ليبصر انطونيو الذي كانت له هيبة مخيفة وطلة قوية رغم حنانه الكبير على جميع الأطفال، زادت سرعة خطوات الصغير نحو المكان الذي يجلس به والده مع بعض أعمامه يردد بخوف :

" بابا ...بابا "

نظر آدم لصغيره الذي كان يركض صوبه يناديه بخوف :

" كريس ؟! ما بكِ حبيبي ؟!"

انقض كريس في احضان آدم يردد بخوف :

" العم طوني "

" ماذا فعل العم طوني كريس ؟! هو يحبك صغيري "

قال كريس وهو يتحرك ليصعد أعلى رأس والده ظنًا أنه هكذا يؤمن لنفسه مخبًا بعيدًا عن الجميع :

" العم انطونيو ...طفل آخر"

وصل انطونيو لهم وهو يقول بشر :

" كريس أيها الـ "

ولم يكد يكمل كلماته حتى سمع الجميع صوت خلفهم يردد :

" اي طفل آخر يقصد الصغير سيد انطونيو ؟؟"

__________________

في الحديقة حيث ادهم وهالي، كان الاثنان متعجبان خوف انطونيو من ذلك الصغير الذي كان يركض صارخًا ببضع كلمات ايطالية غير مفهومة، لكن انتبه الاثنان لاقتراب طفل آخر من البيرتو وقاسم ..

اقترب الصغير فيليب ( طفل مارتن ) من البيرتو ليريه لعبته، لكن فجأة توقف يبصر ذلك الطفل الدخيل الغريب، و من فوره استدعى فيليب روح والدته المحاربة التي زرعتها به وهو يقول بنظرات مريبة :

" من هذا ؟! وماذا يفعل في المنزل ؟!"

نظر البيرتو لقاسم ثم وجه حديثه لفيليب ببسمة :

" هذا قاسم "

" ومن قاسم ؟!"

نظر له البيرتو بعجز عن الإجابة، فهو لم يعلم  سوى أنه صديقه الذي عانقه والده :

" صديقي، لقد عانقه ابي منذ قليل "

سمع الجميع صوت طفل آخر يقترب منهم وهو يقول بسعادة وبسمة لطيفة بريئة :

" فيلي "

استدار فيليب صوب ڤيجو ( طفل مايك ) يردد بحنق :

" أنه فيليب ڤيجو، فيليب "

اقترب منهم ڤيجو يقود سيارة طفولية صغيرة بسعادة يردد كلمات طفويلة متعثرة :

" فيلي "

قلب فيليب عينه بحنق، ثم نظر مجددًا صوب قاسم الذي كان يرمق الجميع بترقب لا يفهم شيئًا من أحاديثهم، يتعجب وجود كل هؤلاء الأطفال هنا، وجميعهم صغار في السن .

أشار ڤيجو صوب قاسم يردد ببسمة :

" صغير "

نظر فيليب له بسخرية :

" بل أنت الصغير ڤيجو"

ردد ڤيجو بسعادة :

" ڤيجو صغير "

شعر قاسم بالملل لعدم فهمه كل تلك الكلمات الغريبة؛ لذلك تحرك صوب والديه حتى يذهب معهم حيث باقي أخواله لكن ما كاد يتحرك خطوة حتى وجد العديد من الأطفال الصغار يتجمعون حوله فجأة وقد كان يقودهم ذلك الصغير الذي ركض منذ دقائق يشير لقاسم متحدثًا :

" طفل طوني "

وفي ثواني وجد قاسم نفسه محاطًا بالعديد والعديد من الأطفال وكلهم من الصبية، دار بعينه بينهم قبل أن يرفع نظره لوالده يردد ببلاهة :

" بابا هما مالهم دول ؟!"

تحرك أدهم يجذب ابنه له :

" تعالى هنا يابني دول شكلهم مجرمين، ايه يا أم فتحي هو مفيش براءة في البيت ده خالص ؟؟ حتى الاطفال شكلهم عصابة "

لكن هالي في ذلك الوقت لم تكن منتبه لما يقول زوجها وهي تجلس على ركبتيها ارضًا تردد ببسمة واسعة :

" يا حياتي على القمرات، بسم الله ماشاء الله، شوف يا ادهم كلهم عسلات ازاي، دول الوان، بص فيهم واحد احمر وواحد اصفر "

جذب أدهم يد زوجته بحنق يردد ساخرًا :

" الوان إيه يا ام فتحي هو أنتِ واقفة قدام محل شرابات ؟؟ دول بني ادمين يا حبيبتي "

" أيوة بس حلوين اوي، بص شوف نظرات البراءة اللي في عيونهم "

نظر أدهم حيث الاطفال ليرى نظرات فضول وحرص غريبة :

" فين البراءة دي ؟؟ أنا شايف كل حاجة إلا البراءة اللي بتتكلمي عليها "

تقدم كلارك ( طفل مارسيلو ) يشير صوب قاسم يقول بتعجب وبكلمات غير مفهومة للبعض  :

" من هذا ؟؟"

قال البيرتو ببسمة واسعة هادئة :

" صديقي "

نظر له كايل ( طفل ماركوس ) بحنق :

" مهلًا صديق من ؟! هل تعرفه حتى ؟! يبدو دخيلًا، سوف انادي العم فبريانو ليضربه "

لكن وقبل أن يتحرك خطوة واحدة كان ويليم يمسك يده متحدثًا برجاء :

" لا، لا تفعل، إن جاء سوف يضربني أنا "

نظر له كايل بتعجب قبل أن يسمع الجميع صوت طفلة يعلو من الخلف وهو يقول بحنق :

" مهلًا هل بدأتم اللعب بدوني ؟! اخبرتكم أن تنتظروا حتى اضلل ابي "

وفي ثواني تجاهل الجميع ذلك الدخيل وتلك الخطط التي كانوا يحيكونها للتخلص منه، واستداروا يحدقون بأميرة العائلة الصغيرة والمدللة لهم _ سيلفيا _ والتي كانت تتخصر بحنق، جميع من هم في سنها ينظرون لها باعجاب طفولي غبي جعل أدهم يردد :

" وكمان متحرشين، دول هياكلوا البنت بعينهم، فين أهل البنت دي سايبينها في الغابة دي كده لوحدها ازاي "

في ذلك الوقت وقبل أن تجيب هالي وجدت جميع أفراد العائلة يندفعون من باب القصر والبسمات تنير الوجوه بعدما أخبرهم انطونيو بوجودها، وفي ثواني كانت جميع الفتيات يهجمن على هالي بالاحضان والقبلات والترحيب..

ابتسمت هالي بسمة واسعة تضم الجميع باشتياق كبير فحتى إن كانت خلال تلك السنوات ترى أفراد عائلتها فقد كانت ترى فقط الرجال، لم تقابل الاطفال ولم تلتقي بالنساء ..

قالت روما بسعادة :

" يا فتاة لقد اشتقت لكِ كثيرًا، لم اصدق حينما أخبرنا انطونيو بوجودك"

قالت روبين ولطف :

" بنت حلال، انهاردة احتفال بذكرى لقاء جدو وتيتة وكنا بنجهز للحفلة، اظن كده العيلة كملت "

وافقتها رفقة بحماس كبير :

" جدو هيفرح اوي اوي أنك جيتي "

تدخل في ذلك الوقت الرجال يرحبون بهالي في سعادة وحب، ليتردد صوت آدم بحنان :

" عندما أخبرني كريس أنكِ هنا لم اصدق"

ضيقت هالي حاجبيها بتعجب :

" كريس ؟! هل هناك حفيد عاشر لم أقابله ؟!"

ضحك آدم بقوة ينحني ارضًا يجتذب صغيره الذي كان يحاول تسلق قدمه للجلوس أعلى كتفه :

" هذا هو كريس "

فتحت هالي فمها وهي تردد بتفهم :

" آه ذلك الصغير الذي كان يصرخ منذ قليل، هذا طفلك ؟! "

ضحك آدم بصوت عالي :

" نعم، هو فقط يحب مشاركة الاخبار من الجميع "

تقدم مايك منها يفتح ذراعيه لكن بنظرة من ادهم أزاح يده، ليبتسم وهو يقول :

" مرحبًا بكِ في منزلك أميرتي"

ابتسمت له هالي وهي تنظر له باحترام :

" شكرًا لك"

صمتت ثم أضافت بفضول :

"  أين هو طفلك ؟!"

أشار مايك لڤيجو الذي كان يدور حول الجميع بسيارته يتمتم بعض التمتمات الطفولية الغير مفهومة لاحد، لكنها كانت إحدى التهويدات التي اعتادت لورا أن تغنيها له قبل النوم :

" هذا هو، ڤيجو "

ابتسمت هالي وهي تنظر لذلك الصغير الذي كان لطيفًا بشكل مهلك :

" اسمه جميل اوي، وهو لطيف بشكل عايز يتاكل بجد"

بدأ الجميع يقترب من هالي ليرحب بها يعرفونها على أطفالهم الذين كانوا ما يزالون ينظرون لقاسم بتحفز، بينما فبريانو يحمل سيلفيا على ظهره رافضًا تركها بين كل تلك الكائنات الطفيلية والتي تلتصق بها كالعلقة.

" ودي بقى بنتي سيلفيا "

ابتسمت هالي بحنان تداعب خصلات الصغيرة التي نظرت لها ببسمة خجولة :

" ماشاء الله عسولة اوي، فلتت من موجة الذكور اللي ضربت البيت"

ابتسم فبريانو ينظر لطفلته ليجد فجأة اسكندر يجذب قدمه وهو يتحدث ببسمة صغيرة :

" عم فبريانو أنزل سيلفيا لنلعب سويًا "

نفخ فبريانو بحنق وهو يحمل اسكندر من ثيابه يتحرك به بين الجميع يبحث عن جاكيري ليلقيه أمامه، بينما اسكندر لم يهتم بشيء بقدر اهتمامه أنه بهذا الشكل أصبح قريبًا من سيلفيا ليرفع يده يلوح لها ببسمة :

" مرحبًا سيلي "

بحث فبريانو بعينه أن جاكيري الذي كان يدفع الجميع جانبًا يحاول الوصول لهالي، قبل أن يشعر فجأة بجسد صغيره يُلقى بين أحضانه يضمه بحب :

" هيييه ما بك ؟! انتبه كدت تسقطه "

" ابق ذلك المتطفل بعيدًا عن ابنتي"

نظر فبريانو للجميع حوله يصرخ وهو يحرك إصبعه على وجوه جميع الأطفال :

" ابقوا جميعًا بعيدًا عنها وإلا لن أضع اعتبارًا لأي منظمات حقوقية تدافع عنكم أيها الطفيليين "

ردد ابن آدم وهو يجلس أعلى رأس والده بينما يده تكاد تفقأ عين والده :

" طفيليين "

نظر آدم لكريس وهو يقول بيأس:

" يا ويلك يا آدم، بعد كل تلك السنوات التي حلمت بها بطفل صغير برئ أنجبت لك زوجتك محطة إذاعية بالخطأ"

سمع آدم صوتًا جواره يردد :

" ماذا قلت آدم؟؟"

" لا شيء حبيبتي، فقط اشكر الرب على ذلك الصغير البرئ الذي حصلت عليه "

صمت قليلًا ثم قال بتساؤل :

" صحيح أين هو ايان؟! لم اره منذ الصباح "

توترت هايز وهي تحاول إيجاد حجة لغياب ايان الذي لا تعلم أين هو بالتحديد، لكن فجأة قاطع كل ذلك الهدوء بينها وبين زوجها صوت محطة الإذاعة تنشر اخر الاخبار :

" ايان يتسكع مع الحمقى "

نظرت له هايز بشر، لكن كريس لم يتوقف عن ترديد تلك الجملة التي سمع هايز تلقيها على مسامع ايان خلال مكالمتها معه منذ ساعات ..

نظر آدم بشر لهايز وقال :

" مجددًا ؟!"

" لا، لا آدم اقسم أنه لم يخن عهده معك، لقد ...هو فقط ذهب لرؤية رفيق له في المشفى اقسم لك، وطفلك هذا الواشي قد سمع تلك الجملة حينما القيتها على مسامع ايان بغضب "

نفخ آدم ثم نظر لكريس وهو يقول بحنق :

" كريس عزيزي ما الذي أخبرتك به بشأن نقل الحديث ؟!"

ولم يبدو على الصغير أي نية للإجابة لتعلو جملة آدم الساخرة :

" الآن تصمت ؟! "

وقريبًا منهما وبينما كان مارسيلو يتحدث مع هالي وانطونيو :

" لا جدي ليس هنا، لقد ذهب حيث قبر جدتي وسيعود في المساء وهو لا يعلم شيء بشأن ذلك الإحتفال، أعني هو يعلم أننا سنحتفل بتلك الذكرى، لكن لا يدري أننا نعد احتفال كبير في الحديقة لأجل ذلك و..."

قاطع حديث مارسيلو طفله الذي عانق قدمه يستند عليها مغمضًا العين لينحني صوبه مارسيلو يرفعه بين أحضانه يمنحه قبله حنونة محبة، بينما يده تمر على خصلاته الحريرية يهمس برقة :

" مرحبًا يا صغير هل تريد النوم ؟!"

اتكأت رأس الصغير على كتف والده يتمتم بكلمات غير مفهومة ليضحك مارسيلو، وقد صدّق تلك المقولة التي تقول أن الطفل يتأثر بالبيئة المحيطة به كثيرًا ..

" حسنًا لنصعد ونحصل على قيلولة متأخرة رفقة الماما"

نظر بعدها لهالي وقال ببسمة :

" إذن هالي، سعيد برؤيتك مجددًا، لكن سأذهب لاضع الصغير في فراشه، اراكِ في المساء "

ابتسمت له هالي وهي تعود بالحديث لانطونيو الذي قال بجدية :

" إذهبي للراحة مع زوجك ودعي لي قاسم، ولا تظهري حتى المساء، أود أن يكون الأمر مفاجأة لجدي "

ابتسمت له هالي ثم نظرت لادهم الذي ضمها من كتفها بحنان :

" عنده حق أنا فاصل من كتر اللف "

ضحكت هالي وهي تشير صوب الصغار الذين بدا عليهم الاندماج مع قاسم رغم عدم تحدثهم اللغة نفسها، إلا أن الصغار يبدو وكأنهم وجدوا طريقة للتواصل عجز الكبار عن اكتشافها ...

" حسنًا فقط أخبر الصغار أن يحرروا طفلي المسكين "

نظر انطونيو حيث تشير ليجد أن جميع الأطفال يجتمعون حول قاسم والبعض يتلمسه ويركض كـ كريس وكأنه كائنًا فضائيًا، وايضًا ڤيجو الذي كان يدور بالسيارة حوله وكأنه يحاول استكشافه من جميع الاتجاهات، بينما البيرتو يجلس بهدوء يتابع كل ذلك تاركًا ويليم وفيليب وكارل ينظرون له بفضول وهم يتحدثون له بكلمات تبدو كالشفرات للصغير صاحب السبع أعوام ..

" لا تقلقي هم اتخذوه رهينة، وعندما ينتهون من استكشافه سوف يحررونه، اذهبوا أنتم للراحة ودعوا الصغار يأخذون وقتهم في التعارف "

نظر له ادهم بريبة وبعدها نظر لهالي التي جذبته صوب المنزل وهي تقول بجدية :

" يلا يا ادهم خلينا نرتاح أنا جسمي متكسر"

" اصبري بس اما اشوف العصابة دي هتعمل ايه في ابنك، شوفي الواد ابو شعر أحمر ده بيبصله ازاي ؟ ولا شايف يلا ابعد عن الواد يا عسل بدل والله اعلقك، فين ابو الواد ده ؟؟"

ضحكت هالي بصوت مرتفع على زوجها :

" أدهم حبيبي دول اطفال، متخافش يعني هيكون آخرهم إيه يعني ؟!"

_____________________

كان صوت الموسيقى يخرج من غرفتها وهي تحرك يديها في الهواء بشكل عشوائي دون أن تكون حركاتها متقنة كالعادة، هي فقط أرادت تفريغ بعض الطاقة ..

تقفز هنا وهناك، وبسمة واسعة ترتسم على وجهها، تعود بكتفها للخلف، تميل للاسفل، ثم تعود للاعتدال وهي تحرك قدميها بحركات سريعة أثناء تحريك خصرها في حركات هادئة معروفة في هذا النوع من الموسيقى ..

وعلى باب الغرفة كان يستند وهو يراقب ما يحدث بحاجب مرفوع وبسمة جانبية مستمتعة بما يرى، وعكس توقعه كانت هي تشعر بوجوده، فقد أصبح الهواء حولها يعبق برائحته..

تحركت بحركات ادعت أنها عفوية وهي تسير مغمضة عينها حتى أصبحت بالقرب منه ودون أن تعطيه فرصة كانت تجذبه لها تحرك يديها مجبرة إياه على مشاركتها الرقص وهي تردد كلمات الأغنية على لسانها، بينما فبريانو يود الافلات منها، وروبين لا تمنحه تلك الفرصة وهي تضم نفسها له، تقرب رأسها من خاصته وكلمات تلك الأغنية الرومانسية تتردد على لسانها بدلال جعل يد فبريانو تلتف على خصرها بحنان وصوت روبين يهمس له بحب :

" ذنبك ايه ؟! ذنبك بحبك...هو بعد الحب ذنب !؟ "

ضحك فبريانو وهو يحاول أن يحرّك جسده بتناغم مع خاصتها يقربها منه هامسًا :

" إذا كان حبكِ ذنبًا، فلا رغبة لي بالتوبة منه "

تأوهت روبين بحب وهي تضم رقبة فبريانو تهمس له بحب :

" أراك تعشق العصيان فبريانو ؟؟"

" فقط إن كان لأجلك ارنبي الوردي "

وقبل أن تفكر روبين في الرد حتى انتفض الاثنان على صوت فتح الباب بعدما لم يستمعوا لذلك الطرق الرقيق الذي كان مصدره كف الصغيرة سيلفيا.

دخلت  غرفة والديها تضم كفيها أمامها ببسمة وهي تقول بكل براءة :

" بابا هل يمكنك أن تقرضني مسدسك لبعض الوقت ؟؟"

رفع فبريانو حاجبه ومازال يضم خصر روبين بين أحضانه :

" هل ستضربين ذلك الاصهب المزعج ؟!"

" لا "

" إذن الإجابة هي لا أيضًا، عندما تفكرين في قتل ويليم تعالي وسأعطيكِ إياه "

ضربت روبين كتف فبريانو بغيظ شديد تكره أن يتساهل في الحديث حول تلك الأمور مع الاطفال، ابنته التي بالكاد أكملت الرابعة من عمرها والآن في طريقها للعام الخامس تسأله سلاحه، وهو يجيب عليها باكثر رد مستفز في الكون .

" فبريانو أنت مش واخد بالك بتقولك ايه ؟؟ بنتك عايزة سلاح يا استاذ، وأنت مكلفتش نفسك تسألها عايزاه ليه، وكل اللى همك عايزاه تقتل بيه مين ؟! وبعدين بلاش تكرر كلمة سلاح قدامها كتير بلاش تعود الاطفال إن ده شيء عادي "

رمقها فبريانو ثواني، عقله لا يستوعب ما تقوله، هو اعتاد التحدث بتلك الأمور دون أن يفكر، لم يعتد على التفكير أنه الآن يقف ويحدث صغيرته وليس أحد أبناء عمومته، شعر فجأة بالمسؤولية تسري في أوردته وهو يقول بصوت جامد بعض الشيء :

" إذن أميرتي الصغيرة لماذا تحتاجين ذلك الشيء السييء ؟؟"

ابتسمت له سيلفيا وهي تقول بكل براءة :

" ويليم يحتاجه ليضرب به ذلك الصبي "

ضيق فبريانو عينه وهو يسأل بريبة :

" أي صبي ذلك ؟!"

وقبل أن تجيبه ارتفع صوت بكاء عالي في الاسفل ليغمض فبريانو عينه بغيظ وهو يصرخ راكضًا للاسفل :

" تبًا سوف يقتلون قاسم، هؤلاء الوحوش .."

__________________

في الحديقة حيث جميع الاطفال _ عدا كلارك النائم_ يلعبون، لكن الوضع كان أي شيء إلا اللعب، فقد كان قاسم قد ملّ من تلك النظرات التي يوجهها هؤلاء الأطفال له، ليقرر أن ينهض ويذهب للبحث عن جده، لكنه تفاجئ بويليم يمسكه من ذراعه يردد بنبرة طفولية غاضبة :

" أين تذهب ؟! سنلعب "

لكن قاسم لم يستطع فهم ما يريده، ورغم ذلك ردد بكلمة إنجليزية كان يأمل أن يفهمها الجميع :

"  My Grandfather (جدي)"

لكن ويليم رفض تركه قبل أن تعود سيلفيا، وفجأة وجد البيرتو يتدخل بينهم مزيحًا يد ويليم بهدوء عن قاسم وهو يقول :

" هذا صديقي، ابي سيغضب إن احزنته ويليم "

نظر له ويليم قليلًا يلوي فمه وهو يمرر نظره مجددًا على قاسم الذي ورغم أن السنوات بينهم لا تتخطى الثلاث سنوات، إلا أنه كان يراهم اطفال صغار ممنوع أن يضربهم كما كانت تكرر عليه والدته .

وبينما الجميع ينظر لبعضهم البعض، ارتفع صوت بكاء عالي في المكان جذب أنظارهم كلهم، ليفزع قاسم وهو يرى أن سيارة ڤيجو قد اصطدمت بأحد الأشجار في عنف والصغير يبدو أنه تأذى ..

هرع قاسم بفزع صوب السيارة يجذب منها جسد ڤيجو بصعوبة، ثم حمله يضم خصره بينما قد الصغير تتأرجح في الهواء وهو يبكي بسبب اصطدام رأسه.

و قاسم يضمه له بحب وحنان :

" بس متعيطش متخافش "

بينما الجميع ركض صوب ڤيجو بخوف الجميع يتحدث في وقت واحد محاولين أن يواسوه ...

جلس قاسم على العشب وهو يضع ڤيجو أمامه ينظر لرأسه ثواني قبل أن يقترب منها ينفخ بها ويقبلها كما تفعل معه هالي غالبًا، بينما الجميع يراقبون ما يفعل بشقيقهم وهم خائفون، حتى أن كريس بكى وهو يربت على كتف ڤيجو .

وبسبب ذلك الهواء الذي كان يصطدم في وجه ڤيجو، بدأت ضحكاته تعلو في المكان ليبتسم له قاسم، ويجلس الجميع ارضًا جوارهم يراقبون ما يفعل قاسم بڤيجو، وضحكات الأخير تتعالى، ابتسم قاسم وهو يمسك يد ڤيجو يداعبها بخفة سالبًا ضحكاته، مما جعل كريس ينهض متجهًا لقاسم يمد يده مطالبًا إياه بإضحاكه كما فعل مع ڤيجو ...

في ذلك الوقت كان مايك قد وصل بعدما سمع صوت بكاء صغيره من الحديقة الجانبية التي يتم بها تجهيز الحفل، وقد كان الاطفال في الحديقة الأمامية في جزء تم احاطته لأجل الاطفال، لكن فجأة توقفت اقدام مايك بصدمة مثله مثل فبريانو الذي تعجب ما يرى..

فقد كان قاسم يجلس ارضًا والجميع حوله يتضاحكون بصوت عالي يضمهم ويقبلهم ويلاعبهم بلطف لترتسم بسمة واسعة على فم مايك يسمع صوت مارتن الذي أتى على صوت بكاء ڤيجو أيضًا يردد ..

" يبدو أن الصغير ورث من زهرتنا الكثير والكثير، فهو يحمل نفس القلب النقي داخله"

أبصر فبريانو اندفاع ابنته من بين أحضان روبين صوب قاسم وهي تقترب منه تتحدث معه بعض الكلمات العربية التي كانت أذنها تلتقطها من والديها ليرفع فبريانو حاجبه وهو يرى ابنته تتوسط قدم قاسم أمامه وهو يمسك شعرها يحركه كما لو كان سيصففه ...

ازداد غضب فبريانو وهو يرى بسمة ابنته اللطيفة التي لا يحبها أن تمنحها لغيره، وما كاد يقترب منهم حتى وجد روبين تنقض عليه تقيده :

" سيبهم، سيب العيال تلعب  "

" ما الذي تفعلينه ؟! الصبي يتلاعب في خصلات صغيرتي، صغيرتي أنا فقط، اتركيني سأحضرها فقط لن اضربه، أنا أحب قاسم، لكنني لا اريد أن يلاعب صغيرتي هكذا "

لكن روبين استمرت في تقييده :

" ابوس ايدك سيب البنت تتنفس بعيد عنك شوية، سيبها معاهم متخافش عليها، بعدين البيرتو هنا مش أنت بتثق فيه، يلا تعالى معايا جوا، تعال هوريك حاجة حلوة "

كانت تتحدث وهي تجذبه بقوة بينما فبريانو يرفض التحرك خطوة واحدة من مكانه وترك طفلته الحبيبة بين تسعة صبيان ...

وروبين تجذبه وهي تتوسله أن يأتي معها تغريه بكل الطرق الممكنة كما لو كان طفلًا، بينما فبريانو يصر على ألا يترك ابنته لهم ...

_________________

خرج ادهم من المرحاض بعدما تخلص من عناء السفر، بقدر ما كان الأمر مرهقًا إلا أنه، بمجرد رؤيته لتلك السعادة المرتسمة على وجه زوجته أكثر من كافية لمحو كل ذلك الارهاق، فلقد عكفت على توسله ليومين كاملين حتى يتفرغ للسفر، مستخدمة صغيرهم الذي أصبح تعلقه بعائلة والدته مرضي بعض الشيء، فهو وجد واخيرًا من يماثله جنونًا ويشاركه أفعاله الغريبة، بل ويشجعونه عليها ..

اقترب أدهم من هالي يتسحب على أطراف اصابعه حتى استقر خلفها، ومن دون مقدمات كان يده تلتف حول خصرها بكل خبث وفمه يستقر على رقبتها يهمس بصوت خافت :

" بتعملي ايه ؟!"

كانت هالي في تلك اللحظات تحاول تنظيم ضربات قلبها بسبب تلك المفاجأة، فهي فقط كانت تدقق النظر في بعض الحبوب التي احتلت جزءًا لا بأس به من وجهها :

" يا أدهم حرام عليك كنت هتموتني من الخوف "

ضحك أدهم على ملامحها يداعب وجنتيها بمشاكسة :

" بتبصي على نفسك كده ليه في المرايا ؟! هتتلبسي يا حزينة "

ضحكت هالي على نبرته التي كانت تشبه في تلك اللحظة نبرة شادية حينما تحذرها من شيء، لكن فجأة انتبهت لوجهها مجددًا تردد مستاءة :

" مش عارفة ايه الحبوب اللي ملت وشي مرة واحدة دي، مضيقاني اوي ومخلية شكلي مش حلو خالص "

غمغم أدهم وهو يتحسس بشرتها بحنان أثناء تدقيقه في المرآة :

" ما القمر مليان ندوب ولسه قمر "

بصت ليه هالي ثواني قبل أن تغمز له بمكر وكأنها أمسكت به  :

" ايه ده ايه ده ايه ده ؟؟ ايه يا ادهم الكلام ده ؟! أنت بتقرأ كتب رومانسية من ورايا ؟! "

" يعني اهو بجتهد "

" لا بس جامد والله "

ابتسم أدهم بعدل من وضعية ثيابه في زهو مصطنع :

" أقل حاجة عندي، بالك أنا اساسا كان ممكن اقولك الجملة دي بالفصحى بس خوفًا على قلبك الرهيف و عشان عارف لغتك ركيكة وعلى قدك ورأفةً بغبائك ده عبرتلك عن حبي ليكِ بابسط طريقة "

انكمشت ملامح هالي بحنق وتهكم كبير :

" ولازمتها ايه الجملة الأخيرة يا أدهم، ملهاش لازمة والله بعد كل اللي قولته ده "

أنهت حديثها وهي تتحرك من أمامه صوب باب الغرفة بحنق تود الهبوط للاطمئنان على طفلها إن كان ما يزال حيًا أم تكفّل أبناء اقرابها بجثته .

بينما ادهم حكّ رأسه بتعجب :

" أنا بس كنت بفهمك، أنتِ زعلتي ولا ايه ؟! اصبري بس مش قصدي أنك جاهلة، تعالي طيب هقولهالك بالفصحى طيب "

كان يتحدث وهو يركض خارج الغرفة خلف زوجته، بينما هالي لم تنظر له حتى أو تفكر في الرد عليها تبحث بعينها عن ابنها لكنها لم تبصر أحدهم في البهو وما كادت تخطو خارج المنزل حتى أبصرت أحدهم يختفي أسفل الدرج فب الظلام ...

كان جايك يضم روز له وهو يهمس لها بكلمات عشقه مستغلًا لحظة انشغال ابنه مع الاطفال دون أن يكون مُطاردًا من فبريانو الذي سجنته زوجته في غرفتهم في الاعلى وسجنت نفسها معه لتهدأه وحشه ...

" إذن زهرتي الحبيبة ما رأيك في أن نخرج سويًا بعد الحفل اليوم ؟! أود أن اصطحبك في جولة مسائية بعد منتصف الليل في شوارع المدينة "

رفعت روز حاجبها وهناك بسمة ترتسم على فمها تشكك في حديث زوجها :

" نحن فقط ؟! دون ادوات رسمك ؟! "

ضحك جايك ملء فاهه بينما يده تضم روز له بحب لا ينضب، بل يزداد بشكل مخيف، تلك الزهرة الرقيقة التي سقط في عشقها دون رغبة منه في المقاومة حتى، عشقها ربما منذ اللحظة الاولى، ورغم تأخره في الشعور بذلك العشق، إلا أنه حينما شعر به لم يستطع إلا أن يلتصق بها كالغراء غير تاركًا لها فرصة الابتعاد عن عينيه يحاول جاهدًا أن يطبع ملامحها على لوحاته البيضاء، لكم رغب أن تزين عيناها أوراقه، أراد أن تحتل حمرة شفتيها بياض صفحاته ...

" للاسف يبدو أنني استسلم روز، لقد أعلنت أصابعي وفرشاتي الاستسلام أمام جمالك الفتان "

حدقت له روز بعدم فهم :

" ماذا ؟!"

تحركت اصابع جايك ترجع بعد خصلات روز للخلف بينما صوت الرجولي الاجش كان يهمس ببحة ترسل قشعريرة في جسد روز بأكمله :

" كل تلك المرات التي التصقت بكِ فيها لأجل رسمك، ما هي إلا محاولات واهية من فرشاتي المسكينة لرسم ملامحك زهرتي، لكنها وللاسف فشلت في ذلك، كل ما تعلمتُهُ سابقًا وكل مهاراتي انحنت أمام جمالك حبيبتي "

فتحت روز فمها بعض الشيء تستمع لحديثه الذي مسّ شغاف قلبها بقوة، تنظر له بأعين لامعة وكأن حديثه قد أنار ملاحها فجأة :

" جايك أنت تتسبب في إصابة قلبي بحالة يُرثى لها"

أمسك جايك يدها يقبلها بلطف :

" حسنًا لربما اصبحنا متعادلين الآن"

ابتسمت له روز تحاول إخراج كلماتها لتعبر له عن حبها، لكن كان صوت هالي هو الفيصل بين اقتراب جايك منها وحديثها هي ..

" هييه هل رأى أحدكما قاسم ؟!"

احمرت خدود روز بشكل نافس لون شعرها الاحمر تحاول الاختفاء خاف جايك الذي شعر بدلو مياه باردة يُسكب فوق رأسه مخرجًا إياه من تلك الحالة التي كان يعيشها، ابتلع ريقه وهو يهز رأسه بجهل :

" لا هالي لم أره، لكن جميع الأطفال في الخارج مع جاكيري، ربما كان معهم "

كان جايك يتحدث بخفوت يحاول كبت تلك السبات التي تحاول الاندفاع من فمه، مذكرًا نفسه أنها هالي، اميرته وشقيقته الحبيبة .

هزت هالي رأسها لهم وهي تتحرك مبتعدة عنهم، لتتنفس روز براحة أن هالي لم تعلق على وضعهما، فجأة استدار لها جايك يبتلع ريقه مقتربًا منها مجددًا :

" حسنًا أين كنا ؟؟"

عادت هالي مرة أخرى واضاءت جميع الانوار أسفل الدرج ليصبح كلٌ من جايك وروز ظاهرين للاعين، روز مازالت تستند على الجدار وجايك يحاصرها والانوار قد أضاءت المكان باكمله..

" مش فاهمة أنت قاعد كده ليه في الضلمة، هتتعمي أنت وهي"

اغمض جايك عينه بغضب يهمس :

" لو أنها لم تكن هالفيتي، اقسم أنني كنت سأقتلها.."

تحركت هالي مبتعدة عنهم صوب الحديقة تبحث بعينها عن جاكيري الذي يجمع الأطفال حسب حديث جايك، لكن كل ما ابصرته كان مايك الذي يجلس على أحد المقاعد أمام لورا يمسك يديها يميل عليها بشكل غريب، اقتربت منه هالي سريعًا وهي تقول بصوت مرتفع :

" هيييه مايك ألم تر قاسم ؟! "

رفع مايك نظره لها بعدما كان على وشك تقبيل يد لورا، يهز رأسه بلا :

" لا، لكن ربما يكون في الحديقة الخلفية مع جاكيري"

هزت هالي رأسها وهي تتحرك بعيدًا تاركة مايك الذي كان يمسك يد لورا بحنان بعدما اصابها حرق طفيف أثناء إعداد الطعام منذ ساعة تقريبًا، تحسس مايك الجرح بكل حنان يمتلكه :

" هل مازال يؤلمك أميرتي ؟!"

تحدثت لورا بخجل من انحناء مايك بهذا الشكل على يدها :

" لا مايك أنا بخير صدقني، فقط انهض ارجوك لن يكون من الجيد أن يراك أحدهم هكذا"

رفع مايك حاجبه يطبع قبلات صغيرة متتابعة على كفها  :

" وماذا في ذلك ؟! ما العيب في تقبيل يد زوجتي ؟"

" نظرت حولها تحاول أن تخفي ذلك الخجل الذي يملئ ملامحها :

" لا ادري فقط أشعر أن الأمر مخجل قليلًا "

ابتسم لها مايك وهو ينهض من مقعده، ثم جلس على ركبتيه أمامها ليتفحص قدمها التي طالتها بضع قطرات من الزيت الساخن :

" اوه لا عزيزتي الأمر ليس مخجلًا البتة "

نظر حوله يتأكد أن لا أحد يطوف حوله في هذا الجزء من الحديقة، ثم رفع قدم بنطال لورا، حيث كان يتكأ بجسده على أحد قدميه، والأخرى يضعها بزاوية ٩٠ يسند عليها قدم لورا يتحسس تلك البقع الحمراء التي انتشرت عليها وقد علىٰ الحنق ملامحه  :

" هذا ليس جيدًا لورا، لماذا لم تخبريني بمجرد إصابتك بتلك الحروق، انظري لقد بدأت تنتشر في قدمك "

أطلقت لورا ضحكات وهي تحاول سحب قدمها من بين يديه :

" ما هذا تنتشر في قدمي، مايكي هذه حروق وليست مرض جلدي لتنتشر حبيبي، هيا دع قدمي وانا سأهتم بها"

وكان الرفض هو الإجابة الوحيدة التي حصلت عليها لورا من مايك الذي بدأ بتفعيل دور الحامي والحارس الخاص بالاميرة العربية التي ألقاها القدر بين أحضانه ذات يوم ..

نهض من مكانه يجذبها بلطف لتقف، ثم قال وهو يُعدل من وضعية بنطالها الذي كان قدر رفع أحد أقدامه ليبصر الحروق به :

" حسنًا يا لورا، الآن سنذهب سويًا للمشفى لنرى ماذا سيخبرنا الطبيب بشأن تلك الحروق "

فتحت لورا فمها بصدمة من حديثه :

" مشفى ؟! مايك هل تمازحني؟! أنا حتى لا اشعر سوى بلسعات صغيرة، الأمر ليس بهذه الخطورة "

لكن يبدو أنها كانت تتحدث للفراغ حيث اختفى مايك من امامها بشكل غريب وعاد بعد دقيقتين يحمل بين يديه مفتاح وهو يسحب يدها بجدية :

" هيا لنستغل أن السيد ڤيجو يلعب مع الجميع ونذهب قبل أن يبدأ الحفل "

" لكن...لكن ..."

" بلا اعذار لورا، سوف نذهب للطبيب وانتهينا، أنا لن أنتظر حتى تلتهب تلك الحروق  "

تحركت لورا خلف مايك وهي تضحك بصخب ينافس صخب تلك الموسيقى التي تأتي من الحديقة الخلفية، ودقات قلبها تتراقص، لا على أصوات موسيقى جاكيري، بل على اوتار عشق مايك ..

وبالحديث عن موسيقى جاكيري، وصلت هالي للحديقة الخلفية الخاصة بالحفل الذي يعده الجميع مفاجأة للجد بدلًا من الاكتفاء بعشاء وتهنئة ككل عام...

لكن وقبل أن تتقدم خطوة إضافية داخل الحديقة توقفت من فورها وهي ترى الاطفال جميعهم مرتصين بشكل مرتب وجاكيري يتقدمهم وهو يحرك جسده بشكل مرن يناسب تلك الموسيقى ولا يلائم تلك العشوائية التي يغرق بها الاطفال خلفه ...

رفع جاكيري يديه في الهواء يتحدث بصوت مرتفع :

" والآن ارفعوا ايديكم وحركوها بهدوء شديد لليمين ولليسار "

لكن وكأنه يتحدث مع نفسه فقد كان كل طفل في عالمه الخاص حيث أن ڤيجو كان يستكشف لتوه شيء عجيب يُسمى زهور، فمنذ لمح زهرة ملقاه ارضًا بفعل الرياح وهو يحملها ينظر لها بكل انبهار وسعادة، بينما ويليم كان فقط يلتصق بسيلفيا يعانقها بحب وطفولية كبيرة، بينما البيرتو يقف كالتمثال ينظر للجميع بنظرات متعجبة وكأنه هبط لكوكب الارض للتو..

بينما فيليب ( طفل مارتن ) كان يحاول جهده لتقليد حركات جاكيري هو واسكندر، وكريس ذلك الصغير كان ينحني ارضًا وهو يحاول أن يوازن جسده كله على رأسه، بينما كايل ( ابن ماركوس ) يتناول بعض الحلوى بيد وبالاخرى يحركها في الهواء، وبالطبع كان كلارك ما يزال نائمًا في الاعلى بين احضان والده .

وقاسم كان يقف يحاول ترجمة كلمات جاكيري يقلده بشكل لا بأس به مقارنة مع حركات باقي الصغار حوله الذين كانوا يصطدمون في بعضهم البعض ساقطين ارضًا

فجأة استدار جاكيري وهو يصفق بيده سعيدًا :

" احسنتم اعزائي لقد انتهينا من التدريب والآن لنعيد الرقصة بأكملها و..."

توقف وهو يرى ما يحدث ليشعر أن الزمن يعيد نفسه مجددًا، لكن هذه المرة مع أبناء أقاربه وليس هم أنفسهم، تمتم بغيظ شديد وهو يتحرك بينهم :

" ماذا سأتوقع منكم، بالطبع ستكونون كما كان ابائكم، فاشلون انجبوا جيلًا آخر من الفاشلين، تبًا لك ويليم أنت يا فتى عارٌ على والدك،ابتعد عن زوجة ابني هيا "

كان يتحدث وهو يحاول أن يفك عناق ويليم عن سيلفيا التي كانت تضحك بصوت عالي ظنًا أن جاكيري يلاعبها ..

كل ذلك تحت أنظار هالي التي شعرت باقتراب أحدهم منهم، نظرت له لتجد أنه ادهم الذي لحق بها وهو يقول :

"  مكانش فيه داعي لقلقي، الولد شكله مبسوط "

كان يتحدث مشيرًا لصغيره الذي يتحرك مع جاكيري والأطفال بعدما صرخ جاكيري بهم في حزم شديد يحذرهم من مخالفة تعليماته، ليبدأ الجميع في اتباع حركاته حسب قدراتهم وتنتظم صفوف الأطفال بشكل عجز أبائهم عن فعله يومًا ..

ابتسمت هالي وهي تقول بسعادة لرؤية ذلك المشهد للاطفال جميعهم يتراقصون بكل براءة مع جاكيري وبحركات أصبحت شيئًا فشيء شبه منظمة :

" شكلهم حلو اوي، جدو هيفرح اوي لما يشوفهم كلهم مع بعض كده، قاسم شكله اتصاحب عليهم وخاصة ابن الطونيو "

كانت تتحدث مشيرة لابنها الذي بدأ يبتسم بسعادة وهو يقف جواره مباشرة بعدما جذبه جاكيري له بحنان يحاول التحدث معه بكلمات إنجليزية مفهومة يراقبه بحذر وهو يشير له بتحرك يده :

" للأعلى ..."

رفع قاسم يديه للاعلى يراقب جاكيري الذي قال باهتمام :

" والآن للاسفل وقم بلف يديك "

فعل قاسم ما يقول حسب حركات يده وليس حديثه لتتسع بسمة جاكيري وهو يميل مقبلًا وجنة ذلك الصغير بحب :

" اوه حبيب خالك، أحسنت صغيري أنت بارع "

ضحك قاسم بسعادة وهو ينظر للجميع الذين بدأوا يصفقون له بطفولية وبراءة كبيرة وجاكيري يضحك عليهم ...

" حسنًا يا راجل يبدو أنكم ستصبحون اصدقائي الجدد وسأتخلى عن رفقة ابائكم الحمقى، فأنتم تتبعون التعليمات افضل من هؤلاء الاغبياء، والآن لنبدأ بوضع اللمسات الأخيرة على عرضنا "

نظر حوله ليجد أن مارتن وماركوس وآدم انتهوا من ترتيب الاضواء في الحديقة وقد غابت الشمس ليعلو صوت جاكيري وهو يصفق :

" هيا اتبعوا العم جاكيري لنرى ما سنرتديه كفريق "

كان كل ذلك تحت أنظار رفقة التي كانت تشاهد ما يحدث منذ وقت طويل لا تعلم كم مر عليها وهي تراقب ما يفعل جاكيري، ذلك الرجل الذي يشع حنانًا ولطفًا، لكم تود لو تركض له تضمه بين أحضانها تشبعه حبًا، جاكيري الذي يحاول أن يمنح الصغار ما حُرم منه في طفولته، من يراه يتصرف بهذا الشكل لا يصدق أنه قضى طفولته في مصحات نفسية يحارب خوفه وكوابيسه، ولا ينام سوى بعد صراخ عنيف حتى يضطر الطبيب لإعطاءه مهدأ، عانى أثناء طفولته، لكن رغم ذلك لم يفقد حنانه ولم يتحول لشخص بغيض يحاول أذية غيره كما تأذى هو، بل على العكس كان يحاول أبعاد الجميع عن الاقتراب من ذلك الركن المظلم الذي ظل جاكيري الصغير محتجزًا به ..

شعرت رفقة بدموعها تغلبها وهي تتذكر تلك الليلة التي كان يقص عليها جاكيري ما حدث له، مازال صوت شهقاته يرنّ في أذنه، بكاءه وانتفاضة جسده وصوته المختنق ما يزال يصيبها بالوجع لأجله .

انتفضت رفقة من تلك الذكريات وهي تشعر بيد تربت على كتفها بحنان وصوت صاحب الشهقات التي ترن في أذنها يتحدث بحنان :

" هيييه رفكة، ما بكِ حبيبتي، لِمَ البكاء ؟!"

استدارت له رفقة تنظر له بحب، ذلك الرجل الذي يختلف ظاهره عن باطنه، قد يظهر للجميع مشاكس مرح ومختل ومجنون، لكن جاكيري ليس ذلك الشخص بل هو الرجل الأكثر حنانًا ودفئًا ولطفًا، كطفل صغير، تنفست رفقة بقوة وهي تقترب منه تضم خصره دون مقدمات :

" اوه جاكيري أنا أحبك كثيرًا، أنت اروع زوج في هذا العالم "

ابتسم جاكيري بعدم فهم :

" وهل يبكيكِ حبي رفكة ؟!"

" لا لا بل سعادتي بحصولي على رجل مثلك حبيبي، أنت اروع زوج، واجمل أب في هذا العالم "

انحنى جاكيري حتى يصل لرأسها ويده تضم خصرها بقوة هامسًا :

" حقًا ؟! هل أنا كذلك رفكة؟! أعني هل أنا زوج جيد وأب جيد ؟؟ "

تأوهت رفقة من تلك الرجفة في صوته، وقد عادت لها ذكريات الاسبوع الماضي حينما كان تستكين رأس جاكيري أعلى فخذها بكل هدوء وهو يتحدث بشرود وكأنه لا يعي أين هو :

" أنا خائف رفقة، خائف أن أكون أب سيء لاسكندر، أنا ...أنا أموت خوفًا أن تنعكس طفولتي السيئة على صغيري، أخشى أن تكون تصرفاتي وافعالي معه خاطئة، أخشى أن يحظى صغيري بطفولة بائسة فقط لأن والده كان طفلًا مجنونًا قضى نصف طفولته في المصحات النفسية "

صُدمت رفقة من حديث جاكيري وقد كانت المرة الأولى التي يعبر فيها عن مخاوفه بهذه الشفافية، كانت ترى حرصه الشديد أثناء التعامل مع اسكندر، رغبته الشديد في إخراج كل حنانه أمام صغيره، كل ذلك لأنه خائف؟؟؟؟

خرجت رفقة من أفكارها وهي ترى نظرات جاكيري، نفس نظراته ذلك اليوم حينما سألها نفس السؤال، ذلك الرجل مازال بداخله طفل خائف يخشى أن يُخطئ، لكن هي معه وستردد على مسامعه كل ثانية نفس الحديث :

" جاكيري لم يكن اسكندر ليحظى بوالد افضل منك، الصغير يحبك بجنون جاكيري، أنت افضل أب في هذا العالم، اقسم حبيبي أنني في حياتي لم أكن لاتمنى لطفلي أب افضل منك، لأنه ببساطة ليس هناك من هو بمثل حنانك وحبك، ليس لطفلنا فقط بل للجميع حبيبي "

ارتسمت بسمة على فم جاكيري كانت أكثر من كافية لتنشر النور داخل قلب جاكيري الذي قال بسعادة كبيرة وحماس اكبر :

" هذا جيد، أتعلمين أنني أحضرت له بذلة طيار كخاصتي؟! لقد أعجبته عندما رآني بها؛ لذلك احضرت له واحدة صغيرة وعليها بطاقة تعريفية مكتوب عليها اسكندر جاكيري فوستاريكي "

مدت رفقة يدها تداعب وجنته بحب :

" هذا لطيف حبيبي، أسكندر سيحب ذلك كثيرًا"

ابتسم جاكيري وهو يتنفس براحة يحاول العودة لمرحه يسحب يدها خلفه بسرعة كبيرة :

" حسنًا تعالي لنعطيها له سويًا، اريد رؤية ردة فعله "

سارت رفقة خلفه وهي تراه يدخل غرفتهم يحضر حقيبة، ثم خرج معها متجهًا صوب غرفة صغيره، يطرق الباب بلطف ليسمع صوت اسكندر يطلب منه الدخول .

دخل جاكيري ليجد طفله ينظف حذائه، وبمجرد أن لمح الصغير والده حتى استقام ينظر له بحب كبير يتحرك صوبه :

" مرحبًا أبي، هل جئت لترى ثيابي الجديدة ؟! لقد احضرتها أمي لأجل الحفل "

نظرت لهم رفقة بحب دون أن تتدخل تاركة لهما الفرصة للتحدث، الفرصة ليعلم جاكيري كم هو أب رائع ومن طفله نفسه ..

" نعم عزيزي أتيت لرؤية ثيابك، وايضًا أحضرت لك هدية، بل احضرنا لك هدية أنا ووالدتك"

نظر لها اسكندر بفضول، ثم نظر لوجه والده وبعدها تحركت عينه على الحقيبة التي يحملها بيده يقول ببسمة واسعة :

" حقًا؟! هدية لأجلي ؟!"

هز جاكيري رأسه يجلس على ركبتيه ليصبح بطول صغيره، يضع الحقيبة ارضًا، ثم أخرج منها بذلة الطيار الصغيرة بكل حماس وترقب، يرفعها أمام أعين اسكندر التي اتسعت بصدمة :

" انظر احضرنا لك ثياب كخاصتي"

شهق  اسكندر بقوة وهو يعود للخلف لتتاح له فرصة تأمل البذلة بشكل أفضل :

" هذا ...هذا لي أنا، ابي هذا ...هذا "

صمت يحاول ايجاد كلمة في عقله الصغير تصف شعوره الأن، ولم يجد في عقله جملة تصف مقدار سعادته سوى التي قالها :

" سأصبح مثلك ؟؟ إن ارتديتها سأكون رائعًا مثلك؟! "

تأوه جاكيري بحب وهو يردد بخفوت وقد شعر بدموع تتجمع في عيونه تأثرًا بجملة صغيره :

" هل تراني رائعًا اسكندر ؟؟"

تحرك اسكندر صوب والده يجيبه بقوة وثقة خرجت من فمه الصغير بشكل غريب نسبة لعمره :

" بالطبع ابي، في هذه الدنيا أنت الأروع، أنت اروع من جميع الابطال الخارقين في التلفاز، لقد أخبرت اصدقائي في الروضة أنك طيار بارع، لم يصدقوني، لكنني أخبرتهم أنك ستأتي معي للروضة واريهم كم أنت رائع، ستفعل صحيح؟!"

سقطت دموع جاكيري بقوة وهو يترك البذلة جاذبًا جسد صغيره لأحضانه بقوة وقد شعر براحة كبيرة تسري بين أوردته، صغيره الحبيب يراه رائعًا، بل يراه الاروع، في أكثر أحلامه تطلبًا لم يكن ليحلم بذلك :

" سأفعل بالطبع، بل سآخذك للروضة بالطائرة إن أردت، سنسرق طائرة العم انطونيو ونذهب بها سويًا لأنها اجمل من خاصتي "

ضحكت رفقة من بين دموعها وهي تحاول أن تستوعب كل تلك المشاعر، بينما أطلق صغيرها صيحة سعيدة وهو ينقض على جاكيري بالقبل والعناق، والعديد والعديد من كلمات الحب الطفولية التي يعرفها ..

بينما جاكيري في هذه اللحظة كان يحلق من السعادة وقد بدأ قلبه يستكين وتبتعد تلك الأفكار السوداء التي تلبسته منذ بدأ صغيره يكبر أمامه ..

كان جاكيري يضم اسكندر وهو يردد على أذنه عبارات الحب ورفقة تستند على الجدار تراقب كل ذلك ببسمة سعيدة لأجله، لأجل حبيبها الالطف في هذا العالم .....

______________________

دخل منزله بعد يوم طويل مشحون في المقابر، حيث اعتاد أن يقضي نهاره رفقة زوجته حتى لو وارى التراب جثمانها، ما تزال روحها تطوف حوله حينما يستند على قبرها ويحدثها مخبرًا إياها كل ما حدث وقص عليها كل تفاصيل حياتهم، ثم ذهب لزيارة قبور أبناء واول صغار حملتهم يده، وها هو يتحرك صوب الباب الداخل بعدما هبط من السيارة ...

لكن وقبل أن يخطو للدرج الداخلي سمع صوت يأتي من الحديقة الخلفية، صوت غناء وبالتحديد غناء اطفال ..

وبمجرد أن خطى اليخاندرو للحديقة الخلفية تم إضاءة الانوار كلها ليظهر جميع صغاره على منصة مضيئة تتوسط الحديقة وهم يتحركون بشكل منظم _ قليلًا _ يغنون بعض الكلمات المتعثرة والتي عكف جاكيري على جعلهم يحفظون كلماتها رغم صعوبتها على الصغار بينهم إلا أنه كان يكتفي بجعلهم يتمتمون اللحن فقط ..

ابتسم اليخاندرو بحنان كبير وهو يرى صغاره الأحباء يوجهون كل الكلمات له، واتسعت بسمته أكثر وهو يرى سيلفيا تتوسط الجميع تحاول أن تجاربهم في الحركات، ضحك بقوة حينما ابصر جسد ڤيجو يسقط ارضًا بسبب رباط حذائه، لكنه نهض ليكمل الأمر دون اهتمام ..

فجأة فتح اليخاندرو عينه بصدمة حينما أبصر جسد آخر يخرج من بين الأطفال، ولم يكن سوى قاسم الذي أطلق صيحة سعيدة مشتاقة :

" جــــدو "

ركض اليخاندرو دون شعور صوبه، صغيره الاول ومدلله الاول وحبيبه الذي اشتاقه، كان يفتح ذراعيه بحب :

" قاســم صغيري "

ضم اليخاندرو جسد قاسم بين يديه يُشبعه تقبيلًا لا يصدق أنه أتى هنا وأنه بين ذراعيه، كان يجلس على ركبتيه يضمه بقوة وفجأة شعر بهجوم من جميع الأطفال عليه، ليفتح ذراعيه لهم وقد بدأ كريس يتسلقه كالمعتاد ليجلس أعلى كتفه، ارتفعت ضحكت اليخاندرو حينما التف حوله الجميع يتسابقون على احتضانه :

" تمهلوا احبائي، تمهلوا "

ظهر الجميع كلٌ برفقة زوجته، مارسيلو الذي تطلب من راسيل جهدًا مضنيًا لكي يستيقظ هو وطفلها للتجهز، بينما انطونيو يضم روما له بحب ويده تربت على بطنها البارزة بعض الشيء بحنان ...

ومارتن الذي كان يستند بذقنه على كتف جولي يردد :

" هل تناولتي الطعام حبيبتي ؟!"

ربتت جولي على بطنها البارزة وهي تقول بسعادة :

" لقد فعلت مارتن، لكنني مازلت جائعة"

ابتسم مارتن بحنان وهو يمسك يدها يقول :

" حسنًا لا بأس أن نفتتح طاولة الطعام مبكرًا، لا أظن أن روز ستغضب من هذا "

ضحكت جولي وهي تستدير له هامسة:

" اتمنى أن لا يغير هذا رأيك بي وتظن أنني شرهه، هذه ظروف خاصة مارتن "

داعب مارتن أنفها بحنان :

" لا بأس بنية العينين، يمكنك أكل ما تشائين من الطعام، هذا يسعدني، ثم أنني أريد لصغيري أن يأتي بصحة جيدة "

نظرت له جولي ثواني ثم قالت :

" إذن أنت لست مشمئزًا من جسدي الذي أصبح ممتلء ؟!"

شهق مارتن بصدمة :

" يا اللهي جولي ما هذا الوصف ؟! ما هذا مشمئز، يا فتاة لقد ازدادت فتنتك بزيادة وزنك، الأمر أصبح صعبًا عليّ حقًا، اه لو تعلمين مقدار جمالك في عيني ما قلتِ هذه الكلمة "

ابتسمت له جولي وهي تضمه لها لكن وقفت بطنها المنتفخة حائلًا بينهما لتتعالى ضحكات مارتن ..

وجواره كان ماركوس يضم فيور وهو يستند بذقنه على كتفها يتحرك بها حركات صغيرة يراقبان صغيرهما الذي كان يتعلق بذراع اليخاندرو ..

"  ماركوس كايل يشبهك بشدة، لقد بدأ يتحول لك "

تساءل ماركوس بلطف وهو يقبل رأس فيور :

" وهل هذا شيء سييء ؟!"

نظرت له فيور قائلة بحب :

" بل رائع، تخيل أن أحصل على نسخة صغيرة منك ؟؟"

غمز لها ماركوس بحب :

" ما رأيك أن نحصل على نسخة تشبهك أنتِ أيضًا ؟؟"

ضحكت فيور وهي تبتعد عنه جاذبة يده صوب التجمع :

" حسنًا حسنًا ربما نفكر في هذا الأمر لاحقًا، الآن دعنا نشارك الجميع في الاحتفال .."

وفي منتصف الحديقة كانت هالي تتوسط احضان اليخاندرو الذي كان يستنشق رائحتها بحب :

" اشتقت لكِ حبيبتي، الآن وفي هذا اليوم بالاخص، أسعدتني رؤيتك حبيبتي، أشعر أن زوجتي قد عادت عندما انظر لكِ بهذه الملامح البريئة، ليتها كانت هنا كانت لتحبك كثيرًا "

ابتسمت له هالي رغم أن عقلها لم يترجم كل تلك الكلمات إلا القليل :

" لا بأس إن لم تكن هنا، فأنا هنا جدي وانا احبك كثيرًا "

ابتسم اليخاندرو بقوة وهو يرى جميع احفاده يحيطون به وصغارهم وكذلك ادهم زوج هالي، ابتسم لهم يقول بحب :

" ما أسعد يومي بوجودكم حولي احبائي، أنتم اجمل عائلة قد يحظى بها المرء يومًا، ولو أن سيلين لم تكن مسافرة في هذا الوقت لكان الجميع قد اكتمل بشكل كلي "

تنهد ثم مرر عينه على الوجوه وقال :

" خسرت الكثير في حياتي، لكن وجودكم جواري قد منحني أكثر مما خسرت، والآن إن رحلت سأرحل وانا مبتسم، وانا سعيد أنني حققت حلمي برؤية عائلة كبيرة بعدما عانيت سنين وسنين من الوحدة "

نظر له الجميع بحب ليهجم الاحفاد التسعة عليه فجأة كما فعل الاطفال لكن هؤلاء بأجسادهم القوية والكبيرة لم يكونوا كالصغار، بل إنهم أسقطوا اليخاندرو ارضًا وهم يضمونه بحب لتتعالى صرخات اليخاندرو :

" هيييه انهضوا من فوقي سوف تكسرون عظامي، هل تظنون أنفسكم ما زلتم صغار ؟! هيا انهضوا من فوقي"

تعالت ضحكات الجميع عليهم ليعلو صوت انطونيو بحب :

" سنظل صغارًا جوارك يا جدي مهما نضجنا سنظل صغارك، صحيح ؟!"

ابتسم اليخاندرو وهو يحاول أن يحتوي الجميع بين ذراعيه وعينه تمر على حفيدته بحب كبير :

" كنتم ومازلتم صغاري ولو أصبحتم بعمري انطونيو، ستظلون احفادي وكل عائلتي، عشرة احفاد اعطوني بالمقابل عشرة احفاد آخرين وعشرة صغار لطفاء لتكتمل عائلتي بكم جميعًا، ألست محظوظًا برأيك؟! "

ضم ادهم هالي له وهو يبتسم لكلمات اليخاندرو الذي نهض احفاده من فوقه يجذبونه يده لينهض برشاقة لا تناسب أمره ثم ربت على اكتاف الجميع وبعدها نظر لجاكيري يقول بتفكير :

" ما هذا الهدوء جاكيري، أين موسيقاك ورقصاتك "

ضحك جاكيري وهو يركض صوب منظم الاغاني يقول بصخب :

" اوه جدي سيشعل الحفل، هيا هيا الجميع لمنصة الرقص الان"

وفي ثواني كان الكل يهجم على منصة الرقص، فبريانو يحمل اميرته الصغيرة أعلى ظهره بحمائيه وروبين جواره تراقصه بالقوة.

وكذلك روما التي كانت تمسك البيرتو بيد وانطونيو بيد تجبرهم على الرقص، بينما الباقيين لا يحتاجون لمحفز، فقد كانت تلك الأجواء العائلية اكبر محفز لهم، لسعادتهم .

تحرك جميع الرجال معهم أدهم يحملون اليخاندرو قازفين إياه في الهواء، وصوت ضحكاته تتعالى والجميع حولهم يشجعهم والصغار يقفزون بسعادة وأصوات ضحكاتهم كانت تطرب الآذان.

كل ذلك مر وكل ما سيأتي سيمر كذلك .

ورغم كل ما نمر به من الآلام واحزان، تبقى العائلة هي الدواء الوحيد، ويبقى الدفء المنبعث منهم هو الراحة الوحيدة وسط زحام الايام......

تمت بحمد الله
15 مارس ٢٠٢٣
دمتم سالمين
رحمة نبيل

Continue Reading

You'll Also Like

19.1K 769 30
عندما يكون هذا عشقك الأول، وفجأة تكتشف أن من تعشقه حد الجنون هو ذاته زعيم الشر، إبليس الظلام، زعيم مافيا الظل، كيف سيكون حالك؟ وما رد فعلك يا تُرى؟ و...
1.1K 133 7
السلام عليكم »» #ثانوية_خاصة««😄 دي قصة بسيطة كدا مع شاب 18سنة اسمه سامر هيشاركنا قصة كفاحه، وإزاي أثبت للجميع انه النجاح لا يتعلق بتاتا بالثانوية ال...
1.6K 90 13
"برغي القواعد التي تقيدني. أريدك يا ​​كيم أري." بارك جيمين كيم أري
15.8K 1K 16
"شيروفوبيا" "رهاب السعاده.." _ وانا صغيره كنت بسمع اغنيه بتقول "ده القلب يحب مره ميحبش مرتين" كنت بحبها وبحب ادندنها كتير، لكن بما كبرت اتغيرت نظرتي...