زهرة آل فوستاريكي

By AnaZilzail

1.4M 118K 44.5K

كانت الزهرة بين تسعة من النخيل الشاهق، ذلك النخيل الذي وقف في وجه العواصف مانعًا إياها من الوصول للزهرة، لكن... More

المقدمة ( ابنة اليخاندرو الوحيدة وزهرتها)
الشخصيات ..
الاول ( لصوص الواي فاي والراقصة الذهبية )
الثاني ( حرب بلمسة الاحفاد)
الثالث ( رحلة غير متوقعة)
الرابع (هل تستطيع التحليق بالسيارة؟)
الخامس ( اللقــــــــــــاء )
السادس ( المتـشــــــــــرد)
السابع ( حِــلـف نســــائــــي )
الثامن ( ابنـــة العـمــة)
التاسع ( نحتـــاج طبيــــب )
الحادي عشر ( كــرم ضيـــافـة)
ما قبل الأخير ( الاسطـــا مــرزوق )
الأخير ( لأجـــــل الزهـــرة )
حفلة توقيع رحرح في وسط البلد ( واعتذار )
الخاتمة ( حلقة خاصة )
مفاجأة صغيرة لطيفة
مشهد اضافي ( الساكن الاول في قلبي )_ فبريانو وروبين _
عيدية ( هدية عيد الفطر )
هدية العيد نزل
تنويه هام
اقتباس من مشهد هدية
فصل ( لقاء العمالقة )
الرواية الجديدة نزلت

العاشر ( المزرعة السعيدة )

81.9K 5.9K 2.9K
By AnaZilzail

بعتذر عن التأخير بسبب بعض الظروف عندي ...

وشكرًا لكل شخص سأل على والدي هو الحمدلله عمل العملية انهاردة وبخير حال، بشكركم جدا جدا وبعتذر لو مشوفتش رسائل البعض أو غيره بس حقيقي الفترة دي مضغوطة شوية ..
.
قراءة ممتعة

_____________

إذا كنتَ في قومٍ فصاحب خيَارَهُم
ولا تصحب الأردى فتردى معَ الردي

عن المرءِ لا تسأل، وسل عن قرينهِ
فكلّ قرينٍ بالمُقارَنِ يقتدي

إن كنتَ في كربٍ وضاقَ بكَ الفضا
فٱلجأْ لذِكرِ المُصطَفى تَتَعافى! ﷺ

_______________________

صوت ساخر مكتوم خرج من تلك التي تعطي ظهرها للجميع، حالما سمعت جملة زوجها التي أفصح عنها بعد فحص صغير لمارتن الذي كان يتمنى لو أنه يستطيع تحريك جسده وينهض ليتخلص من الجميع ...

ربتت جولي أعلى رأسه بحب وهي تقول بخوف :

" ماذا قال ذلك الطبيب، هل سيموت زوجي !!"

رمقها مارتن بتذمر :

" حبيبتي انا لم اتلقى رصاصة في صدري، هذه مجرد ضربة من حصان، بحق الله خلصوني من كل تلك الترهات "

استدارت هالي تنظر للجميع ضاربة بأمر زوجها عرض الحائط وصوتها الساخر يشق الأجواء :

" ايه يا دكتور مسمعتش يعني اي كلمة مفيدة ولا الف سلامة حتى، فالح بس تتقمص لما انسى أنك دكتور، ما هو من حقي انسى، ده أنا مش بشوفك بتعمل حاجة طبية ولا حتى بشوفك ماسك سرنجة "

حدق بها أدهم مغتاظًا من حديثها وتشكيكها به وبمهنته التي يمارسها منذ سنوات عديدة، حتى أنه حقق بها نجاحًا غير مسبوق فيها، فعدا تلك المرات العشرين التي تشاجر بها مع بعض المرضى، كان دائمًا ما ينال الثناء من جميع الحالات التي عالجها بفضل الله ...

" اولًا أنا مش دكتور عظام، والاستاذ عايز دكتور متخصص وده مش تخصصي والله، شوفي بقى الغلطة ابن خالك لو تخصصه عظام يعالجه "

أنهى حديثه يشير لادم الذي كان يتابع ما يحدث بينهم متناسيًا مارتن الذي كان يتأوه بين الثانية والأخرى ...

" لا أنا لست تخصص عظام أنا تخصص نساء و ولادة، لكن لا بأس يمكنني المحاولة "

أنهى آدم حديثه يقترب من مارتن ممسكًا بقدمه ليعلو صراخ مارتن بجنون :

" أيها الحقير تجرب ماذا ؟! دع قدمي "

كان يتحدث وهو يحاول دفع جسد آدم بعيدًا، لكن الأخير عاند معه وهو يتمسك بقدمه مرددًا :

" هيا يا اخي لا تتصرف كالاطفال، ربما أعلم ما حدث معك، هيا سأعتبرك سيدة على وشك الولادة تعاني من انقباضات في الرحم "

ارتفع صوت مارتن الذي ضرب قدمه في معدة :

" اقسم إن لم تتوقف سأنهض واريك من تلك التي تلد "

زفر فبريانو بحنق ضاغطًا بيده على صدر مارتن ليهدأ، لكن على عكس رغبته ارتفعت صرخات مارتن أكثر وهو يضرب يد أخيه بغضب :

" تبًا لك أيها المختل المريض "

لوى فبريانو فمه بحنق :

" توقف عن المبالغة هي لا تؤلم "

" وما ادراك أنت ايها الغبي هل هو صدري ام صدرك ؟!"

صمت وهو يستمع لصوت بكاء جولي التي صرخت في وجه الجميع :

" أيها الحمقى ستقتلون زوجي، هل أنتم اغبياء ليُحدّث ايًا منكم طبيب، هو يتألم ألا قلب لديكم ؟!"

كانت تتحدث وهي تضم رأسه مارتن لها ودموعها تهبط أكثر، بينما مارتن يحاول كتم تأوهاته لئلا يزيد من خوف جولي، يكفي انتفاضة جسدها التي يستشعرها أسفله ...

نظر الجميع لبعضهم البعض وكأن الأمر معقد، أخذ ادهم يتحدث مع آدم بجدية :

" تفتكر نعمل ايه يا دكتور ادم؟! نديله مسكن ونسيبه مكانه شوية، ولا نعمله ايه ؟!"

أجابه آدم وهو يرمق أخاه بطرف عينه، ثم عاد لادهم يردد بجدية :

" لا اعلم أظن أنه يحتاج للخضوع إلى فحص متخصص مع وجود أشعة على الصدر "

هز أدهم رأسه موافقًا يقول بهدوء وجدية :

" نعم أنت محق، رغم أنني أعتقد أن هذه مجرد كدمة قوية ليس إلا من فحصي المبدأي له، لكن لا بأس لنتحدث مع طبيب متخصص بتلك الحالات "

انتهى الاثنان من الحديث قبل أن يخرج آدم هاتفه ونهض مبتعدًا يُحدث طبيب، بينما بقي الجميع جوار مارتن، وجولي تتحدث بعدم فهم :

" هل سيفحصه الطبيب هنا ؟! لننقله إلى غرفتنا "

رفض ادهم بسرعة ما اقترحته :

" بالطبع لا نستطيع، فأي حركة خاطئة قد تزيد الأمور سوءً، نحن لم نعلم بعد إلى أي مدى وصل الضرر "

" لكن ..لكن أنت قلت منذ قليل أنه ربما مجرد كدمة"

اجاب ادهم بهدوء وعملية :

" هذا مجرد احتمال لن نتأكد إلى بعد خضوعه
لأشعة "

أطلقت هالفيتي زغرودة عالية جعلت ادهم يفزع ساقطًا أعلى صدر مارتن بعدما كان يجلس القرفصاء، ليعلو صراخ مارتن الذي كان يضرب الأرض بيده، بينما هالفيتي لم تنتبه لذلك :

" والله دكتور وسيد الدكاترة ايه الكلام الكبير ده يا ادهم طلعت بتتكلم زي الدكاترة اهو والله "

دفع مارتن ادهم بقوة ليسقط الاخير على ظهره وصوت مارتن يعلو سابًا الجميع ويلعن الظروف التي جعلته أحد أفراد تلك العائلة يهتف باستجداء :

" النجدة، لينقذني أحدكم، أنا اتعرض لموجة غباء ساحقة، النجدة "

وعلى صراخ مارتن ركض مايك صوب الجميع وهو يردد بخوف :

" ماذا ؟! ماذا حدث "

صمت وهو يرى وضع مارتن الذي يظهر الالم على وجهه جليًا :

" اوه مارتن ما الذي حدث، ما الذي تفعله ارضًا؟!"

أجابه مارتن بسخرية :

" أردت تجربة فوائد الاستلقاء ارضًا مايك"

انضم جاكيري للجميع وهو يحمل بين يديه قطعة دجاج يتناولها بنهم مشيرًا لمارتن :

" ها أنت ذا مارتن، لقد بحثت عنك في كل مكان، هناك تطبيق لتعليم الرقص لكنني لا استطيع تحميله على هاتفي، يخبرني أنه هناك خطأ، هل يمكنك تحميله لاجلي "

أنهى جاكيري حديثه يعطي مايك قطعة الدجاج ليمسكها، ثم أخرج محرمة يمسح بها يده وبعدها حمل هاتفه جالسًا القرفصاء جوار رأس مارتن يقول بجدية بينما يشير لشاشة هاتفه :

" ها هو، هل تعلم ما المشكلة ؟! ربما أغير الهاتف، أم أن هناك حل آخر يمكنك فعله لأجلي"

زفر فبريانو بحنق يوبخ جاكيري :

" جاكيري عزيزي توقف عن أفعالك تلك، ألا يمكنك الاهتمام بشيء في هذه الحياة سوى الرقص، بحق الله ألا ترى ما نحن به؟! "

رفع نظره لمايك الذي كان يتناول قطعة الدجاج الخاصة بجاكيري :

" ثم متى افتتحتم طاولة الطعام، وكيف تفعلون ذلك دون انتظاري ؟!"

تجاهله جاكيري وهو يُقرب الهاتف أكثر من وجه مارتن الذي كان يغلق عينه بقوة يحاول تحمل كل ذلك :

" هييه مارتن ألن تساعدني في تحميل ذلك التطبيق ؟؟"

" أنت أيها الاحمق لم تجيبني، هل تتجاهلني جاكيري؟! "

اقترب ماركوس من التجمع يتحدث بجدية :

" هييه هل رأى أحدكم فيور، تلك القصيرة تختفي كما الزئبق، لا أدري أين ذهبت "

تحدث ادهم وهو ينظر الجميع يصفق بيده لينتبهوا :

" ارجوكم ابتعدوا قليلًا دعوا المريض يتنفس "

لكن الاصوات تداخلت، هذا يتذمر وهذا يتشاجر من ذاك وهذا يصرخ وذاك يمزح، كل هذا فوق رأس مارتن الذي كان في هذه اللحظة يتمنى لو أن ذلك الحصان قتله

صرخ مارتن بجنون وقد اكتفي مما يحدث :

" توقفوا جميعًا، توقفوا، يا ليت ذلك الحصان عبر على جثتي، هييه فبريانو أخرج سلاحك وافرغه برأسي ارجوك، يا جــدي انقذني، لينقذني أحدكم"

ضمته جولي وهي ما تزال ترمق الجميع بشراسة وصوتها يدمدم بشر :

" عارٌ عليكم جميعًا، ألا قلب لديكم ؟؟"

تجمعت الأنظار على مارتن والكل يتعجب صراخه بهذا الشكل، لطالما عانوا جروحًا أكثر خطرًا من هذه، ثواني وسمع الجميع صوت صفارة تشبه صوت سيارة الشرطة يدوي في المكان ليفتح الجميع أعينهم بصدمة وفبريانو يخرج سلاحه مرددًا :

" تبًا ها ابلغ أحدهم عنا ؟!"

لطمت هالفيتي وجنتيها برعب تتمسك بذراع زوجها :

أنا معملتش حاجة يا ادهم، معملتش حاجة"

تحدث أدهم بحنق من حديثها :

" وادهم ماله هو أنا وكيل نيابة ؟!"

بدأ الجميع يتحفز والانظار تتوجه صوب باب المزرعة وقد تحرك البعض لإحضار الأسلحة لولا صوت آدم الذي خرج متعجبًا :

" ألا تستطيعون التفرقة بين صوت سيارة الشرطة وصوت سيارة الإسعاف ؟! أنتم مثيرون للشفقة"

نظر الجميع لبعضهم البعض ثواني قبل أن تقاطع جولي تلك النظرات وهي تقول بشراسة وغضب مخيف :

" هيا ساعدوا زوجي وإلا جعلتكم تسمعون صوت سيارة الشرطة بعدما ابلغ عنكم جميعًا ...."

_______________

وضعها على الفراش بكل حنان يمتلكه، ثم منحها قبلة صغيرة قبل أن ينسحب ببساطة صوب المرحاض الملحق بالغرفة .

اختفى به أنطونيو دقائق قبل أن يعود ويحمل روما مجددًا، تحرك بها مجددًا حيث كان بهدوء كبير، يتركها على مقدمة حوض الاستحمام يساعدها في خلع حذائها :

" متأكدة أنكِ لا تحتاجين الذهاب لرؤية طبيبة ؟!"

هزت روما رأسها بلا تداعب فروة شعره الحريرية بلطف وامتنان :

" لا انطونيو أنا بخير لا تقلق، فقط أريد الراحة قليلًا "

انتهى انطونيو مما يفعل رافعًا رأسه لها بحب مقبلًا وجنتها بحنان ولطف كبيرين :

" لكِ ذلك جميلة الجميلات، سأتركك تنعمين بحمامك، وعندما تنتهين فقط ناديني، أنا في الخارج أنتظرك"

هز روما رأسها له تمنحه بسمة ممتنة، قبل أن يتركها انطونيو ويتحرك للخارج، بدأت تتنفس ببطء محاولة أن تقاوم تلك التشنجات التي أخفت ألمها بصعوبة كبيرة عن انطونيو، تحاملت على وجهها أثناء ضغطها على شفتيها، تحركت صوب حوض الاستحمام تتأكد من جاهزية المياه ...

وفي الخارج كان انطونيو يقف في الشرفة يحمل هاتفه متحدثًا به مع جاكيري بجدية كبيرة :

" إذن الأمر ليس خطرًا؟! جاكيري لا تمزح معي وأخبرني عن وضع مارتن بكل تفصيل "

وصل له دمدمة جاكيري الحانقة من الطرف الآخر :

" أخبرتك أنه بخير انطونيو اقسم لك، نحن الآن في طريقنا للمشفى "

ضيق انطونيو ما بين حاجبيه يتوقف عن كلمة أخيه التي نطقها دون شعور :

" أنتم من ؟؟ هل ذهب الجميع معه ؟!"

نظر جاكيري حوله لسيارة الإسعاف التي تم حشر بها جميع الأجساد بصعوبة، ثم ردد بحنق :

" ماذا ؟! هل تريد منا ترك شقيقنا وحده؟!"

نفخ انطونيو بحنق يتوقع في رأسه كارثة قادمة لا محالة، فما اجتمع هؤلاء الحمقى قط في مكانٍ ما إلا ونشبت معركة هناك، أو حدثت مصيبة :

" من ذهب تحديدًا جاكيري ؟! اريد شخص يفكر بعقله معكم رجاءً، فالوحيد الذي كنت أستطيع أن اطمئن بوجوده مسطح الآن على الفراش أمامكم، والآن ماذا من يمكنني أن اوصيه عليكم ؟! "

سمع انطونيو صوت أخيه يأتيه عبر سماعة الهاتف يردد بحنق وضيق كبير :

" مهلًا مهلًا ألا يطمأنك وجودي معهم؟! انطونيو أنت تستخف بي وهذا ليس شيئًا جيدًا، ثم هل كنت تطمأن لوجود مارتن معنا وليس لوجودي أنا ؟؟ تبًا لك أنا الأكبر في غيابك "

كان يتحدث بحنق وغضب والجميع يتابعه بعدم فهم، عدا مايك الذي استقل سيارة مستقلة ليقود بالنساء بعدما رفض رفضًا تامًا أن يذهبن وحدهن ..

ورغم كل تلك الثورة التي نشبت من الجانب الآخر لم يكن من انطونيو سوى أن قال بتعب :

" على الاقل طمأن قلبي وأخبرني أن ماركوس معكم "

خرج صوتًا مستنكرًا من فم جاكيري وهو ينظر لماركوس الذي كان يجلس بكل هدوء جواره، ليضربه بعنف كبير على رأسه صارخًا :

" ماركوس ؟! حقًا ؟! تبًا لك هل تريد أن تُسيّد ماركوس علينا !!"

نظر له ماركوس بفزع لا يفهم ما يحدث :

" ماذا فعلت أنا الآن ؟! ما دخل ماركوس بمشاكلكم ؟؟"

تحدث انطونيو من الجهة الأخرى غير آبهًا بصراخ أخيه :

" على الاقل هو الوحيد الذي لا يفكر بذراعه جاكيري، بحق الله إن حدثت كارثة فلا اضمن ايًا منكم، اعطي الهاتف لماركوس اريد التحدث معه "

نظر جاكيري بشر لماركوس الذي تراجع للخلف هاتفًا بعدم فهم :

" ماذا يخبرك انطونيو لتنظر لي هكذا ؟؟"

لم يجبه جاكيري وهو يردد قبل أن يغلق المكالمة في وجه أخيه :

" عفواً ماركوس ليس متاح الآن"

أنهى الحديث يغلق الهاتف في وجهه وهو يتمتم بغضب والجميع يرمقه بعدم فهم، لا أحد يعلم ما حدث خلال المكالمة جاعلًا جاكيري بهذا الحنق، لكن جاكيري لم يدع لهم فرصة للتفكير في الأمر وهو يشير لهم بتحذير :

" أنتم أيها الاوغاد أنا الكبير هنا، وأنا من له الكلمة، اياكم وافتعال المشاكل في وجودي سمعتم ؟؟"

________________________

في المنزل بقيت هالفيتي رفقة زوجها بعدما شعرت أن وجودها ليس مهمًا فالجميع معه، بالإضافة إلى وجود قاسم معها وهذا ما جعلها تفضل البقاء تحسبًا لأي مشاكل قد تحدث بسبب طفلها الذي أصبح مشاغبًا بشكل غريب منذ جاء لهنا ..

كانت تجلس على طاولة تتوسط الحديقة وهي تنظر حولها للحديقة وما فعله لأجلها أبناء خالها، ارتسمت بسمة واسعة محبة على فمها :

" أنا مش مصدقة إن ليا عيلة عملت عشاني أنا كل ده يا ادهم، أنا اساسا لسه مش مصدقة إن أنا عندي عيلة كبيرة كده وكلهم بيحبوني "

ابتسم ادهم بسعادة لأجلها ممسكًا بيده يراقب طفله بطرف عينه والذي كان يلعب بالبالونات الملونة، ثم عاد لزوجته مرددًا بحب :

" ده ببساطة لأنك تستحقي كل الحب وكل السعادة يا هالي، لو مش أنتِ بقلبك ونقائك وبساطتك دي يبقى عندك ناس بتحبك اوي كده، امال مين اللي يكون عنده ؟؟"

تأثرت هالي من حديثه، وارتسمت بسمة واسعة على فمها تقترب بمقعدها منه منحنية على يده مقبلة إياها بحنان كبير جعل ادهم يتعجب، لكن هالفيتي لم تترك له الفرصة وهي تندفع بالحديث عن ذلك الأمر الذي تجنبت طويلًا الحديث به :

" أنت يا أدهم، أنت كمان عندك عيلة كبيرة بتحبك اوي "

ابتسم ادهم بسمة حنونة يقول بحنين لهم :

" اممم أي نعم بيطلعوا عيني بعمايلهم، بس هيفضلوا أجمل عيلة واقرب أشخاص لقلبي "

" أدهم أنا مش قصدي على شادية وشاكر وعيلتنا اللي في العمارة "

انكمشت ملامح ادهم بتعجب لا يفهم ما ترنو له زوجته :

" امال مين ؟! قصدك عيلتك يعني ؟؟ دول اسود من شادية وشــ "

" أدهم أنا أقصد باباك وأخواتك "

وبمجرد انتهاء كلماتها فزعت هالي من انتزاع أدهم ليده من بين كفيها بقوة اخافتها، وقد انقلبت ملامحه بشكل جعلها تندم أشد الندم بسبب التطرق لتلك النقطة الشائكة، النقطة التي مازال أدهم يأبى التحديق بها، لم ينس بعد ما فعل والده بوالدته ولا ما كابده أثناء طفولته، الأمر الوحيد الذي لا يصفو قلب أدهم له ..

" أيوة بس أنا يتيم ولا نسيتي ؟؟"

تألمت هالفيتي من كلمته بقوة وصمتت لا تدرك ما تقول، هي تعلم جيدًا ما عاشه معهم، أن تحيا طفولتك خادمًا لعائلتك، نفس ما عاشته سابقًا هي، لكن الفرق أنها تعرضت لذلك من عمها وزوجته وإن لم يشارك عمها بالفعل واكتفى بتجاهلها، لكن أدهم ....كان والده هو من يعامله كما الخادم له ولاخوته، تتذكر بكاء ادهم بين أحضانها ذات يوم يصف لها ما عاناه معهم وشعوره حينما كان يعامله والده معاملة العبد ..

ابتلعت ريقها تجلد نفسها داخليًا لما سببته له من ألم، لكن هي تحاول أن تخلق لصغيرها بيئة خالية من أي صراعات، لن تكون سعيدة حينما ينضج صغيرها ويدرك ما يحدث بين جده ووالده، لكن للجحيم كل ذلك إن كان ما ستناله هو تلك النظرة الحزينة من عين ادهم...

نهضت من مكانها تقترب منه تضم رأسه لها بحنان كبير وحب لا ينضب، ذلك الرجل بين أحضانها ليس مجرد زوج رُزقت به، بل هو حياة، مثّل لها العائلة في وقت كانت تعاني به من الوحدة، أصبح لها عالمًا حينما لفظها عالمها، وهي ستكون كذلك له، حتى وإن تخلت عن فكرة الجمع بينه وبين عائلته، وكلها أمل أن يساهم الزمن في تطبيب جراحه [ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ] .

ضم ادهم خصرها دافنًا رأسه بها، يدرك جيدًا أنها محقة، يعلم أنه يجب أن يهيأ لطفله بيئة خالية من أي صراعات أو خلافات، لكن هو لا يستطيع يقسم أنه حاول لكن كلما حاول سماع مبررات والده ضربته ذكرى والدته وهي تعاني في الطرقات وحدها، ذكراها وهي تبكي كل ليلة على ما اضاعته، يسامحه ويشهد الله أنه لا يحمل له في قلبه كره فهو يبقى والده تحت أي ظرف، لكنه لا يستطيع أن يسمح له بالتواجد في حياته، لا يستطيع، هو سامحه وكان ذلك أقصى ما استطاع تقديمه...

وفي النافذة كان انطونيو يشاهد ما يحدث ببسمة، سعيد أن شقيقته الحبيبة وجدت من يتفهمها وتتفهمه، اطمأن لوجودها مع ذلك الشاب، هو يومًا لم يكن ليجد من يناسبها بمقدار ادهم ...

خرج من شروده على صوت طرقات خفيفى لطيفة على الباب، تحرك صوب الباب ليفتحه، لكن لم يجد أحد، رفع حاجبه قبل أن يقع نظره على ما استقر أمام أعتاب غرفته .

ومن داخل المرحاض كانت روما قد انتهت لتنادي انطونيو حتى يحضر لها ثيابها، لكن لاشيء ...

انطونيو لا يجيب، لذا ارتدت روما ذلك الرداء المخصص للمرحاض وهي تخرج منه مندفعة بتعجب :

" انطونيو لِمَ لا تجــ"

وقبل أن تكمل كلماتها توقفت في مكانها تراقب بدهشة انطونيو يجلس ارضًا أمام الفراش وأمامه حقيبة كبيرة من الحلوى وقاسم الذي كان يتناول الحلوى بكل لطف ..

تحركت صوبهم روما ببسمة غير مصدقة لما تراه تسمع صوت انطونيو الذي خرج خافتًا حنونًا :

" حسنًا ستكون هذه هي الاخيرة، وبعدها لن افتح لك المزيد من الحلوى، أنت يا صغير تتناول الكثير والكثير من تلك المأكولات، سأفكر جديًا في اخذك لفحص طبي غدًا والتأكد أن تلك الحلوى لا تسبب لك ضررًا، ما هذا بالطبع تسبب لك الضرر، اراهنك أن جميع اسنانك الصغيرة أصبحت مسوسة"

ابتسم له قاسم دون أن يفهم كلمته، يجلس كما يجلس انطونيو بالضبط وكأنه يحاول تقليده، يتناول من يده قطعة الحلوى مانحًا انطونيو بسمة سلبت الباقية المتبقية من عقله وهو يجذب الصغير بين أحضانه ينكب عليه بالتقبيل:

" يا ويلي ما كل هذه اللطافة، أنت يا صغير ستوقف قلبي من لطافة وجهك "

اتسعت بسمة روما بشدة وهي تراقب ما يحدث تتأكد أن زوجها سيكون اجمل أب في العالم، من كان يتوقع أن ذلك المتسطح ارضًا يتحدث مع طفلٍ صغيرٍ بجدية وكأنه يفهمه، هو نفسه انطونيو التي تهتز له الأبدان خوفًا من نظرة واحدة، هذا الرجل يعاني بالتأكيد انفصامًا ...

فجأة ارتفع صوت الصغير وهو يشير لأحد الجهات مرددًا ببسمة :

" روما "

نظر انطونيو حيث يشير ليجد روما تحدق بهما في حنان كبير، لكن كل ما أثار انتباهه هو أنه نطق اسم روما وتعرف عليها :

" هييه يا صغير تعرف روما أيضًا ولا تعرفني ؟! هيا قل لي ما هو اسمي ؟! هيا قل انطونيو "

ضحك قاسم وهو يداعب وجه انطونيو بمرح لتتعالى ضحكات انطونيو قبل أن يتوقف فجأة يردف بصرامة مصطنعة :

" لا لا يا سيد قاسم لن تخدعني بتلك الحركات اللطيفة، هيا قل طوني، طوني "

وقد كان له ما أراد فاخرج الصغير همسة باسم انطونيو لكن مع تخفيف حرف ( الطاء ) ليخرج منه ( توني) ...

تأوه انطونيو بسعادة وكأنه نال للتو الجائزة الكبرى :

" هييه روما انظري لذلك الصغير لقد نطق اسمي، يا ويلي قلبي سيتوقف من هذا الصغير، أنا لا اعلم كيف سأعيش من بعده، أنا أريد طفل لي يبقى جواري للأبد روما، متى ستأتين لي بصغيري ؟؟"

تحركت روما وجلست جوارهما تأخذ قطعة من الحلوى تقضمها باستمتاع :

" لا ادري حقًا لقد مللت من هذا كله وأريد أن أخرج الصغير، وكدت افعلها لولا ذلك اللئيم آدم"

نظر لها انطونيو ثواني قبل أن تتعالى ضحكاته الصاخبة في المكان بأكمله وشاركه بها الصغير الذي كان يضحك وهو يتناول الحلوى وروما ترمقهما بحب كبير ...

________________

انتهى الطبيب من فحص مارتن تحت نظرات الجميع الذين كانوا متحفزين بشكل مخيف كما لو أنهم ينتظرون إشارة بدء معركة ما، وهذا وضع الطبيب تحت ضغط بعدما خاف وبشدة من اخبارهم أن يُفرغوا لأجله الغرفة حتى يفحص المريض بشكل جيد ..

" حسنًا لا أعتقد أن هناك كسر باضلاعه، لكن من أجل التأكيد سيخضع لأشعة على الصدر، سوف تأتي الممرضة بعد قليل لاصطحابه إلى غرفة الاشعة "

انتهى من حديثه وهو ينظر للجميع الذي كان يبدو عليهم عدم الاقتناع بتلك الكلمات، لكنه لم يقل كلمة أخرى سوى أنه أشار له بافساح الطريق :

" هل يمكنني الخروج ؟! رجاءً"

خرجت آخر كلمة منه خافتة مستجدية ليسمع صوت أحدهم والذي كان فبريانو :

" ماذا أنت لم تعطه أدوية بعد، لقد كان يتألم"

عدّل الطبيب من نظارته وهو يقول بجدية :

" سوف افعل، لكن بعد الأشعة سيدي، هل يمكنني الرحيل ؟!"

أوقفه مارسيلو وهو يقول بتفكير :

" هل يمكنه العودة للمنزل اليوم ؟؟"

" سوف أقرر ذلك بناءً على نتائج الأشعة سيدي "

تركه مارسيلو ليتحرك الطبيب صوب الخارج، لكن فجأة تحدث جايك بجدية كبيرة وهو يشير للطبيب :

" مهلًا هـ"

لكن توقف عن الحديث بسبب، ركض الطبيب بسرعة للخارج وكأنه يهرب من وحشٍ مرعبٍ...

بينما تحدث جايك بتعجب :

" كنت سأسأله عن طريق المرحاض ..."

سمع الجميع صوت تصفيق يعلو في الأجواء تبعه صوت جولي الحانق :

" والآن يا سادة هيا إلى الخارج لينال مارتن قسطًا من الراحة "

نظر الكل لبعضهم البعض ولم يجب أحدهم بكلمة ليعلو غضب جولي وهي تضرب الأرض بقدمها، تتحرك صوب الجميع دافعة إياهم للخارج تحت نظرات البلاهة التي تعلو وجوههم :

" هيا دعوا الرجل يتنفس"

وفي خلال ثواني كانت جولي قد دفعت من دفعت الخارج والباقيين خرجوا بواسطة زوجاتهن اللواتي اشفقن على جولي من المحاولة مع كل هؤلاء .

وها هي واخيرًا الغرفة أصبحت فارغة إلا من جولي ومارتن، تنفست بصوت مرتفع قبل أن تستدير لمارتن تنظر له بحزن لأجل ما يعانيه.

رفع مارتن ذراعيه لها وهو يقول بحب :

" اقتربي بينة العينين اشتقت لضمك"

اقتربت جولي منه ببطء تنظر لصدره بقلق :

" لكن مارتن الطبيب قال ألا..."

" اششش هيا اقتربي ولا تهتمي لشيء "

صعدت جولي للفراش جوار مارتن الذي ضم جسدها بحنان له يدرك جيدًا مقدار خوفها خلال تلك اللحظات السابقة، كان يستمع لنبرتها الباكية التي منعتها بصعوبة خلال حديثها، يدرك قلقها عليه، لذلك تجاهل تمامًا أي وجع به ولم يهتم سوى بوجعها هي :

" مالي اراكِ حزينة جولي ؟! لم أعتد على ضبابية عينيكِ الحبيبة، أعتدت عليها صافية حبيبتي "

نزلت دموع جولي وهي تستند برأسها على ذراعه متجنبة تمامًا صدره :

" لقد كاد قلبي يتمزق حزنًا لسماع تأوهاتك ورؤية ما حدث مارتن، هذا يؤلمني"

" آسف جولي، أنا بخير، وها هو الطبيب أكد لكِ ذلك "

همست جولي بوجع وبقايا خوف مما عانته في الساعات الماضية :

" لكنك كنت تتألم مارتن"

قبّل مارتن خصلات شعرها بحب ويده تتحرك :

" ليس بقدر ألمي الآن وأنتِ تبكين بين ذراعي، حبيبتي هذا الأمر مقارنة بما عانيت سابقًا لا يُعد شيئًا عظيمًا، لقد تعرضت لإصابات أخطر من هذه مئات المرات، إصابات كدت أفارق بها الحياة، لكن ها أنا الآن أضمك بين ذراعي وارتشف حنانك كيفما شئت، ثم اوليست هذه رغبتك أن يكون زوجك رجل مخاطر ومجرم كبيرء وهذا ما يناله المجرمون "

ابتسمت جولي تستكين لهمساته الحنونة التي يرددها على مسامعها وكأنها تهويدة حنونة، ذلك الرجل كتلة جنان لن تر في حياتها من هو بمثل حنانه ولطفه، مارتن صاحب القلب الذهبي:

" إن كان هذا سيتكرر، فلم اعد أريدك أن تصبح مجرمًا، أريدك مارتن فقط "

همست بصوت ناعس تستنشق أنفاسه بحب، ومن بين كل تلك الأفكار لم تشعر جولي بتلك الغيمة التي سحبتها بين طياتها لتسلم للنوم بين ذراعيه...

تنهد مارتن براحة وهو يبتسم مستقبلًا نهاية اليوم بسعادة، نهاية مثالية ليوم كهذا، ورغم ما حدث له، يكفيه أنها بين أحضانه تستكين ...

_____________________

خرجت من المرحاض المتواجد في المشفى حيث يتعالج مارتن، كانت ترفع يديها المبللة في الهواء تبحث بعينها عن زوجها حيث تركته أمام باب المرحاض ...

وبمجرد أن ابصرته مدت يدها أمامه تقول بهدوء :

" اعطني محرمة لاجفف يدي ووجهي، فقد فرغت المناديل من الداخل"

أخرج جاكيري منديل قماشي من جيبه، ثم أمسك يد رفقة يجففها بحنان كبير، ثم بدأ يجفف وجهها بلطف ورفقة تبتسم من أسفل المحرمة حينما بدأ يحيد جاكيري عما يفعل ويداعب وجهها ضاحكًا بلطف، أمسك بطرف أنفها لتنطلق ضحكات رفقة مبعدة يده :

" هيييه توقف عن اللعب ولنعد حيث الجميع "

ابتسم لها جاكيري، ثم سار معها بهدوء شديد يحمل هاتفه وعينه مثبته على شاشته باهتمام شديد جذب انتباه رفقة التي قالت بفضول :

" ماذا تفعل ؟!"

نظر لها بعدم فهم لثواني لتشير رفقة عينها على الهاتف ليرفع جاكيري الهاتف بكل بساطة أمام عينيها مرددًا:

" اطمأن انطونيو على مارتن، فهو قلق ولم يستطع القدوم وترك روما وحدها ."

هزت رفقة رأسها بتفهم، ثم مدت يدها للخلف تلملم خصلات شعرها في رابطة مطاطية من تلك التي أحضرها لها جاكيري سابقًا لتجد صعوبة في الأمر مما جعلها تزفر بحنق تحركت حتى توقفت أمام جاكيري فجأة تمد يدها له بالرابطة المطاطية مرددة بدلال :

" هيا جاكي ساعدني هدفي ربط خصلات شعري تلك "

أمسك جاكيري منها رابطة الشعر ينظر لها ثم لشعرها :

" لكن هذه صغيرة رفكة، لا اعتقد أنها ستلملم خصلاتك كلها "

استدارت له نصف استدارة تتشدق بعدم اهتمام :

" لا هي ستفعل، دائمًا تفعل، هيا هيا "

وضع جاكيري الرابطة بين أسنانه، ثم أخذ يجمع خصلات رفقة بين يديه بحنان شديد وحب، يعيش اسعد لحظاته الآن وهو يغلغل يديه بين شلالتها السوداء الساحرة، ويبدو من حركات يد جاكيري أنه نسى ما كان عليه فعله واندمج في تمشيط خصلاتها بأصابعه، وصوت ضحكات رفقة يتعالى شيئًا فشيئًا تشعر بدغدغة ممتعة ..

لكن قاطع كل ذلك صوت ذكوري؛ صوت لم يكتفي بقطع تلك اللحظات اللطيفة بين الاثنين فقط، بل ساهم في تكدير مزاج جاكيري في ثواني وهو يستمع لاسم زوجته يخرج من فم ذلك الرجل بحنين ونبرة تحبيبة رغم عدم فهمه لكلمة واحدة منه ...

" مش معقولة....رفقة ابراهيم ؟؟"

رفعت رفقة عينها بتعجب صوب ذلك الصوت المألوف لتتعرف على صاحبه الذي بمجرد رؤيته حتى انقلبت ملامحها للنقيض تمامًا مرددة بسخرية :

" غالي ؟! اهلًا "

" مش مصدق بجد الصدف، عاملة ايه والدنيا عاملة معاكِ ايه ؟؟"

نظرت له رفقة ثواني تحاول التحلي بلياقة مقابل ذلك الشاب الحقير الذي كان سابقًا رفيقها أثناء دراستها للايطالية قبل أن يتسبب لها في العديد من المشاكل لكي ينفرد بصدارة القسم، ويحصل على منحة تعليمية، فقد كانت رفقة هي المنافسة الاولى له؛ لذلك فعل المستحيل ليزيحها من طريقة وقد كان ..

" شوف الدنيا يا اخي أوضة وصالة "

" أنتِ بتعملي ايه هنا ؟! أنا جاي مع وفد عربي لحضور مؤتمر طبي في قاعة المستشفى دي، اصل انا بقى بقيت رئيس قسم الترجمة في شركة مـ"

قاطع حديثه جملة رفقة التي شعرت بالحقد يملء قلبها، دون شعور منها شعرت بالغضب، بسبب ذلك المتبجح أمامها بمنصبه الذي ناله بكل خسة :

" مبروك يا غالي، استمر "

وقبل أن تلتف لجاكيري حتى تخبره أن يتحركا، كان جاكيري يجذب شعرها بخفة نحوه حتى أمسك بكتفها معيدًا إياها للخلف مشرفًا على ذلك الـ " غالي " بطوله الكبير مقارنة بالاخير :

" لم نتعرف "

نظر له غالي بحاجب مرفوع قبل أن يتشدق بإيطاليا منمقة بشكل كبير :

" غالي بطرس مترجم مصري "

أمسك جاكيري يده بقوة جعلت رفقة تسمع صوت تحرك عظامه وصوت جاكيري يهتف ببسمة سوداوية :

" جاكيري فوستاريكي قاتل ايطالي "

شعر غالي لثواني أنه سمع بشكل خاطئ، هل يعقل أن خبرته في اللغة خانته :

" تشرفت سيد جاكيري"

تجاهل غالي جاكيري وهو يمد رقبته لرؤية رفقة والتحدث معها ببسمة استفزت كل خلية بخلايا ذلك الوحش الكامن بينهما في محاولة بائسة للسيطرة على غضبه :

" مين الراجل ده يا رفقة ؟! ده واحد من الدكاترة اللي جايين المؤتمر ؟؟ أنتِ اتوظفتي في شركة ترجمة هنا؟! و..."

وقبل أن يتم جملته صرخ غالي برعب يشعر بجسده يندفع بقوة مجهولة صوب الجدار الأقرب منه، ثم يرتفع عن الأرض بشكل جعل يولول كما النساء، وجاكيري يضغط بيده على جسده :

" إياك وأن توجه كلمة واحدة لها، تلك المرأة هنا زوجتي أنا، أي لا يحق لك حتى أن ترفع عينيك هذه بها، هل فهمت ؟!"

شعر غالي برعب ليحرك قدمه بجنون يحاول الإفلات منه :

" أنت أيها الهمجي دعني، اقسم أنني سأخبر الشرطة عنك إن فعلت لي شيئًا "

ازدادت حدة عين جاكيري لتقرر رفقة التدخل متحسسة ذراع زوجها بحب :

" هيييه جاكي، دعك من هذا الاحمق ولنعد حيث الجميع "

نظر لها جاكيري بشر هامسًا :

" لم تعجبني نظراته لكِ، لقد كانت عينه تمر عليكِ باكملك، تبًا له سأقتله وبيدي هاتين"

" هو احمق اقسم لك دعك منه حبيبي "

نظر لها غالي يتحدث بتعجب :

" هو فيه ايه ؟! هو الجدع ده مجنون ولا ايه ؟؟"

اشتدت أعين رفقة بغضب :

" مجنون ؟! تصدق أنك تستحق اللي بيعمله فيك "

لم يهتم بها غالي الذي ابصر بعينه رجل يقف قريبًا منهم ليصرخ باستنجاد شاعرًا بيد جاكيري تشدد الخناق حوله:

" النجدة سيدي، اطلب الأمن رجاءً هذا الرجل مجنون "

لكن ذلك الرجل لم يُحرّك ساكنًا، بل كان يتناول رقائق البطاطس بكل برود وهو يراقب ما يحدث بملامح جامدة، ولم يكن ذلك الرجل سوى فبريانو الذي ابصر ما يفعل ابن عمه أثناء عودته من المطعم لشراء بعض الطعام لزوجته .

شعر غالي بشيء خاطئ وهو يرمق ذلك الرجل :

" سيدي ساعدني ارجوك سوف يقتلني "

لكن فبريانو لم يتحدث بكلمة أو يفعل شيء سوى استكمال أكله لما في يده، بينما جاكيري اقترب من غالي هامسًا بشر :

" إياك أن أراك تقترب من زوجتي مرة أخرى سمعت، وإلا وقتها لن أضمن لك أن أكون كريمًا لدرجة تركك حي "

هز غالي رأسه برعب قبل أن يشعر بجسده يتحرر من قيود جاكيري وقبل أن يخرج نفس اضافي من أحدهم كانت اقدام غالي تهرول بعيدًا صارخًا برعب ...

" النجدة هناك مختل طليق "

نظر جاكيري لاثره يضم رفقة له بتملك شديد وعينه ما تزال تطلق شرارًا، ورفقة تضم ذراعه مستندة عليه برأسه في حب ...

وفبريانو مازال مستمرًا في تناول الطعام بكل برود قبل أن يعلو رنين هاتفه برسالة من آدم ....

______________________

بعد ساعات قليلة من كل ذلك :

ولج الاثنان لبهو المنزل للبحث عن ذلك الصغير الذي يستغل أي فرصة للاختفاء، كانت هالي تنفخ بغيظ كبير من تصرفات ابنها، بينما ادهم يحاول تهدئتها :

" اهدي يعني هيكون راح فين، هتلاقيه هنا ولا هنا، وهو شاطر وبيرجع لوحده "

إجابته هالفيتي بسخرية كبيرة :

" والله يا أدهم المشكلة مش في أنه هيرجع، المشكلة أنه بيرجع بمصيبة، يعني الحصان اللي طربق الليلة فوق دماغ الكل من شوية ده سببه ابنك اساسا "

رمقها ادهم بعدم تصديق، يعتقد أنها تبالغ، فصغيره اللطيف لا يفتعل أي مشكلات، ذلك البرئ لا يمكن أن يكون المتسبب فيما حدث

" حرام عليكِ يا ام فتحي، أنتِ بتظلمي الولد ليه كده ؟! هو يعني ذنبه ايه الحصان هو اللي خرج لوحده "

عادت هالفيتي حيث يقف زوجها بعدما كانت قد سبقته في السير تقترب منه هامسة:

" حرام عليا ؟! أدهم حبيبي ابنك هو اللي خرج الحصان، ده من قبل ما الحصان يظهر كان عمال يقولي حصان كبير وهو خايف، هيكون عرف منين أنه حصان كبير ضرب الودع ولا شم رائحة الحصان في الجو، اقطع دراعي أما كان هو اللي خرجه "

لم يقتنع ادهم بحديثها ومازال طفله يُمثّل له تلك الصورة البريئة التي عهده عليها، ولم يدرك أنه منذ وطئت اقدام الصغير ذلك المكان وعرف عائلة زوجته وقد وجد المحفز ليخرج ما بداخله مما ورث من تلك العائلة .

كانت هالفيتي تدور حول نفسها، تبحث أسفل الارائك التي تستقر في البهو، وادهم يبحث بعينه كذلك عن صغيره قبل أن ينتفض الاثنان على صوت اغاني عالي قادم من الأعلى، كان الأمر ليكون عاديًا لو كانت تلك الأغنية أي شيء عدا تلك الموسيقى المصرية الصاخبة ( المهرجانات ) ..

الاصوات تزداد صخبًا تزامنًا مع تزايد صوت حركة في الطابق الثاني، وصوت قفزات قوية تكاد تحطم السقف أعلى رؤوسهم .

نظرت هالفيتي لادهم بريبة تهمس أثناء تضييق عينها :

" اقطع دراعي أما كان ابنك هو اللي عامل المولد اللي فوق ده "

زفر أدهم بحنق يتحرك صوب الطابق الثاني :

" هو دراعك ده متعبك في حاجة ؟! اصل كل شوية اقطع دراعي، ياستي اقطعيه ومتاخديش ابني حجة، أنا قولتلك ابني المسكين لا يمكن يعمل حاجة غلط او يكون هــ"

قطع حديثه رؤيته لابنه المسكين يقود ذلك الـ " مولد" وهو يقفز في البهو العلوي الذي يتوسط الطابق، وحوله توفيق الذي كان يحمل سماعة صوت متوسطة الحجم على كتفه يتحرك بها يمينًا ويسارًا وسيلين تصرخ بصوت تلاشى بسبب الصوت العالي ...

وأمام غرفة انطونيو كان يقف مع زوجته ونظراته تتحرك بصدمة على ما يفعل الصغير، واليخاندرو يجلس على الأريكة يتجاهل الجميع لا يهتم سوى لحبيب جده الذي كان يصفق لأجله ..

أشارت هالي صوبه والسخرية تزين كلماتها بوضوح كبير :

" اتفضل روح نقّط ابنك المسكين قبل ما يخلص نمرته، ولا اقولك روح حزمه بأي رباط "

في تلك اللحظات وقبل أن يستوعب أحدهم ما يحدث وجدوا فجأة جسد يندفع بقوة لمنتصف الساحة ولم يكن سوى جايك الذي وصل لتوه مع الجميع بعدما طمأنهم الطبيب على مارتن ....

ثواني فقط وأصبح الـ " مولد " مكتظًا بالجميع ويبدو أنهم يكملون احتفالات اليوم، حمل جايك قاسم أعلى كتفه وهو يحرك جسده بسعادة بينما قاسم ازدادت حركات يده بحماس اكبر حينما شعر بكثرة المشجعين .

وادهم يقف جوار زوجته يحرك كتفه بسعادة قبل أن يتناسى ما يحدث وهو يهبط لساحة الرقص يحرك يديه بحركات مصرية شعبية حاول قاسم تقليدها، وهالفيتي تراقب ما يحدث بصمت قبل أن تنطلق ضحكاتها بصوت عالي على حركات زوجها الشبابية وهو ينحني بجسده لأعلى وأسفل بينما قاسم يجاهد لتقليد والده .....

في نفس الوقت دخل جاكيري للمنزل وهو يساعد مارتن على الوصول لغرفته دون أن يتحرك بشكل قد يؤلمه أكثر ومن الجهة الأخرى كان فبريانو يسند أخاه، لكن فجأة وبسماع الجميع لصوت الموسيقى ألقى جاكيري جسد مارتن وهو يصرخ بصدمة :

" هل يحتفلون بدوني ؟؟"

صرخ مارتن وهو يسبُ جاكيري، لكن الأخير لم يهتم وهو يصعد الدرج بسرعة كبيرة وخلفه باقي أفراد العائلة الذين أرادوا استكمال الاحتفالات قبل أن يخربها حصان فبريانو ...

ساعد فبريانو اخاه ليصل إلى الطابق الثاني، ثم وضع جسده على الأريكة جوار اليخاندرو، وبعدها وقف يراقب ما يحدث، الجميع يحتفل ويرقص بسعادة...

ابتسم بسمة صغيرة يشعر بروبين جواره تمسك بيده تجبره على مشاركتها الرقص، لكنه فقط اكتفى بضمها له بحب هامسًا:

" لا ارنبي الوردي يكفي رقصًا لليوم "

نظرت له روبين بحنق، ليقبل رأسها بحنان يراقب ما يحدث ...

بينما جميع أفراد العائلة صنعوا حفلة مصغرة أخرى هنا، حفلة بدأت بتوفيق فقط، ثم الصغير قاسم والآن الجميع ..

كانت سيلين في تلك اللحظة تصرخ وهي تكاد تصاب بأزمة قلبية، تراقب كل تلك الاقدام تتقافز فوق سجادها الوثير الثمين؛ لذلك لم تتحمل وهي تنقض على توفيق جاذبة ذلك المسجل تلقيه ارضًا مغلقة صوت الاغاني صارخة بغضب :

" أيها الحثالة انظروا إلى ما تسببتم به باقدامكم القذرة "

توقف الجميع عما يفعل وعم صوت طويل قبل أن يعلو صراخ توفيق الذي قال :

" أنتِ عارفة الراديو ده من سنة كام؟! يعني لو كان حصله حاجة مكانش هيكفيني فيكِ رقبتك يا حيزبونة أنتِ، ياباي عليكِ قفيلة "

نفخ جاكيري بحنق وهو يتجه صوب رفقة :

" تلك السيلين المزعجة، فقط اتمنى لو تنتهي فترة عمرها الافتراضي ونتخلص من ازعاجها "

نظر آدم لاليخاندرو بحنق :

" انظر لها يا جدي هي من تبدأ، ثم تعود وتخبرك أنك لم تحسن تربيتنا "

نهض اليخاندرو من مكانه ملتقطًا جسد قاسم من أكتاف جايك يضمه بحنان لصدره :

" لا بأس آدم أنا كنت ساوقف تلك الحفلة على أية حال، فهي أصبحت مزعجة منذ أتيتم لتغطوا على صغيري الحبيب، اذهبوا للنوم جميعًا فغدًا ينتظركم نهار طويل لبدأ الإجازة كما خطتت لها "

راقب الجميع تحرك اليخاندرو صوب غرفته وبين أحضانه قاسم ليتعالى صوت مايك :

" هل اتوهم أم أن جدك أصبح يعاملنا بشكل سيء "

ضحك مارتن وهو يشير لجولي حتى تساعده في الذهاب لغرفتهم :

" دع جدك الآن ينال كفايته من الصغير مايك، هو لا يهتم بأحدهم بقدر الصغير، واشكر ربك أنه لم يلقي بنا خارجًا واحتفظ فقط بالصغير "

أضاف جايك بريبة :

" ما الذي عناه جدي بـ إجازتنا ستبدأ غدًا كما خطط هو لها ؟؟ هل كل ذلك ولم نكن قد بدأنا إجازتنا بالفعل ؟!"

ضم انطونيو كتف روما له مرددًا بجدية وبسمة غامضة :

" جدك ينتوي على شيء ليس جيدًا على الاطلاق، هو لن يتحدث هكذا من فراغ "

نظر أدهم لهالفيتي وهو يهمس لها :

" خلينا نروح احنا كمان ننام عشان نصحى بدري نشوف جدك عايزنا ليه "

هزت هالي رأسها رافعة إياها للجميع مرددة كلمة بالإنجليزية وقد كانت من ضمن الكلمات القليلة التي تعلمتها من ادهم :

" تصبحون على خير جميعًا"

ردد الجميع بحب وحنان :

" وأنتِ بخير زهرتي"

" تصبحين على خير جميلتي "

احلامًا سعيدة اميرتنا "

نفخ أدهم بغيظ كبير جاذبًا هالفيتي لاحضانه بتملك كبير واعينه تطلق نيرانًا على الجميع هامسًا :

" يارب الرحلة تخلص على خير قبل ما تخلص عليا، مش عارفين يردوا وخلاص لازم يضيفوا لمستهم"

أنهى حديثه متوجهًا لغرفتهم، بينما تحرك الجميع لغرفته كذلك استعدادً للغد حيث توعد لهم اليخاندرو بإجازة مختلفة، وهذا ما لا يسر ....

________________________

وضع جسده على الفراش ببطء وحنان يخالف تعابير وجهه الحادة الباردة طوال الوقت، في نفس الوقت الذي تحركت فيه جولي للاسفل قائلة أنها ستحضر الطعام لزوجها .

جلس فبريانو على طرف الفراش الخاص بمارتن يربت على خصلات مارتن بحنان كبير :

" أنت بخير صحيح ؟؟ لا تتألم ؟!"

منحه مارتن بسمة مُحبة، يمسك يد أخيه مربتًا عليها باحترام كبير وحب:

" لا تقلق أخي أنا بخير صدقني "

نهض فبريانو من مكانه ينظر حوله، ثم مال على مارتن يرفع جسده بحذر قليلًا واضعًا وسادة مريحة خلف ظهره وهو يتحدث بجدية :

" هذا لكي تستطيع تناول الطعام، وحينما تنتهي يمكنك مهاتفتي للمجيء ومساعدتك على النوم بشكل صحيح "

صمت قليلًا يتأكد من وضعية أخيه :

" ام تريد أن اطعمك أنا ؟؟"

ابتسمت مارتن على خوف فبريانو الذي مهما بنى أمامه من تلال لا مبالاة وبرود لن ينجح في اخفاءه :

" لا تقلق فبريانو أنا بخير، عندما انتهي من الطعام سأطلب من جولي مساعدتي، فقط أرتح أنت يا أخي"

نظر له فبريانو بتردد قبل أن يقترب منه مجددًا يقبل رأسه بحنان شديد :

" ستكون بخير صحيح ؟؟"

التفت يد مارتن حول خصره، يستشعر خوف وحنان ولطف اخيه، اخوه الذي لعب دور الأب والصديق والاخ، كان لهم الحامي والسند طوال الحياة، ومهما حاول ادعاء العكس، إلا أن حنانه معه هو وآدم كان واضحًا للجميع، يتذكر جنونه وهوسه في حمايتهم خلال الطفولة بعد وفاة والدتهم، كان كالدجاجة التي تحمي صغارها، فبريانو الذي يكره أن يوصفه أحدهم باللطيف، لكنه لا يستطيع أن يمنع الجميع من رؤية لطفه .

" أنا بخير أخي، سأكون بخير، وإن شعرت بأي شيء ستكون أول من أحدثه"

ابتعد فبريانو عنه مقبلًا رأسه مرة أخيرة بحنان :

" حقًا ؟!"

هز مارتن رأسه في نفس اللحظة الذي سمع بها صوت آدم يقتحم الغرفة مرددًا بجدية:

" خذ هذا مارتن، هذه مسكنات لك إن شعرت بأي وجع خلال الليل، خذ حبة واحدة فقط وانتظر دقائق وسوف تشعرك بالراحة، حسنًا ؟!"

ضحك مارتن يتناول من يد شقيقه الدواء :

" حسنًا حسنًا، أنا بخير اقسم لكم "

نظر له آدم بحنق :

" لا لست بخير، لقد كاد ذلك الحصان الغبي يكسر ضلوعك اخي "

هز مارتن رأسه بيأس، هو لن يتخلص منهم، وهم لن يصدقوا أنه بخير، لذلك فقط اكتفى بهز رأسه:

" حسنًا آدم لن انسى تناول المسكن "

حذره آدم بلين:

" بعد تناول الطعام "

هز مارتن رأسه تزامنًا مع وصول جولي بصينية مليئة بالطعام قائلة ببسمة واسعة :

" لقد أحضرت لك الطعام مارتن "

نظر فبريانو لأخيه ثواني قبل أن يسحب آدم للخارج مكررًا بجدية :

" لا تنس مارتن حدثني إن أردت شيئًا "

ومع هذه الكلمات اغلق فبريانو الباب، ثم داعب خصلات آدم بمشاكسة يشير بعينه صوب اتجاه غرفته :

" هيا يا صغير اذهب للنوم "

ابعد آدم بد فبريانو بغيظ يُعدّل من خصلاته التي افسدتها يده بحنق شديد :

" هييه لستُ صغيرًا "

ضحك فبريانو وهو يقبل رأس آدم قبله حنون :

" بلى أنت كذلك بالنسبة لي وستظل صغيرًا حتى يشيب رأسك وتتساقط اسنانك، هيا للنوم "

أنهى فبريانو حديثه وهو يتحرك صوب غرفته تاركًا آدم يرمقه بغيظ كبير هاتفًا :

" أنا لستُ صغيرًا فبريانو أنا الآن في السادس والعشرين ..."

ضحك فبريانو وهو يدخل غرفته ليجد روبين تنتظره أعلى النافذة مرتدية ذلك الزي الحبيب والمفضل له " ارنبه الوردي "، رفع فبريانو حاجبه متجهًا لها بريبة :

" لم تنامي بعد ؟!"

ربتت روبين على المكان الفارغ جوارها أعلى النافذة متشدقة بحماس :

" مش أنت قولت أنك حابب نسهر زي زمان في الشباك ؟؟"

ابتسم فبريانو لها يخلع سترته السوداء ملقيًا بها ارضًا، ثم تحرك صوب النافذة يتخذ مكانه مقابلها :

" لم اعتقد أنك ستأخذين الأمر على محمل جدي، بل وارتديتي لي ارنبي الوردي الحبيب "

نهضت روبين من مكانها تقف أمامه مرددة بحب وهي تنحني بعض الشيء كما لو كانت تقف أمام ملكٍ ما :

" نحن طوع أوامر سموك سيد فبريانو "

رفع فبريانو حاجبه بريبة :

" حسنًا أنتِ غريبة اليوم بشكل مخيف، هذا المزاج الرومانسي مريب"

نفخت روبين بعدم اهتمام وهي تتحرك للنافذة مرة أخرى تستقر أمامه قبل أن تربت على قدمها في دعوة صامته منها أن يتمدد أمامها واضعًا رأسه في حجرها .

نظر لها فبريانو لثواني بعدم فهم، ليشعر فجأة بروبين تجذب رأسه بقوة لقدمها، ثم أخذت تتلاعب في خصلات شعره بحنان وحب، وفبريانو رغم أنه لا يدري سبب كل ذلك إلا أنه اغمض عينيه في استمتاع واضح بكل تلك اللحظات ...

بينما روبين كل ما كانت تفكر به هي أن تمنحه الحنان بدون مناسبة، تمنحه كل ما تمتلك من حنان، لكم تود أن تمحي كل ما مر به في طفولته، لقد عانى الكثير والكثير مما لا تستطيع تخيله، فما بالكم بطفل صغير، خُطف من طفولته ليُلقى به في غياهب القسوة .

سمعت روبين انتظام انفاس فبريانو لتبتسم منحنية، تقبل جبهته بحب كبير، وبعدها رفعت يديها عن شعره لتتلمس وجهه بحب، لكنه أمسك بيدها متحدثًا دون فتح عينه حتى :

" لا، استمري فيما تفعلين، ذلك يشعرني أنني حي"

تحسست روبين وجنته بحنان، ثم عادت لتداعب خصلاته متسائلة عن مقدار حظها الذي جعلها تُرزق بزوج كفبريانو، ذلك الرجل الذي ينبض بالحب والحنان، الذي يخفي خلف كل تلك الصلابة والصراخ والتصرفات المخيفة احيانًا، طفلًا صغيرًا مازال يخشى المجهول، فبريانو الصغير مازال مسجونًا في تلك الغرفة العفنة مع الاطفال الصغار بين صرخات المغتالين، مازال ينكمش في ذلك الركن البعيد المظلم، يوم حرروه لم يحرروا الطفل، بل تركوا الطفل ينزوي على نفسه في أحد أركان المكان، آخذين نسخة باهتة مخيفة منه، وهي فقط ستعمل على إخراج ذلك الطفل من ظلامه....

" فبريانو تخيل لو هنجيب طفل تحبه يكون بنت ولا ولد ؟!"

صمت فبريانو ولم يصل منه أي رد حتى ظنت أنه نائم، لكنه تحدث فجأة :

" فكرة أن أحصل على نسخة صغيرة منكِ مؤلمة بقدر روعتها، تخيلي أن يكون لدي أميرة صغيرة يلتف حولها بعض الصبية اللزجين وأنا لا يمكنني قتلهم بحجة أنهم اطفال، أنا أشعر بالغضب منذ الآن؛ لكنني ارغب بها فتاة، ثم اريد صبي ليساعدني في الإحاطة بكما وحمايتكما برفقتي "

ضحكت روبين بصوت مرتفع :

" تمام خلينا نتخيل أنه ولد لأجل قواك العقلية، بلاش بنت دلوقتي "

" لا أنا أريد فتاة صغيرة، ارنب وردي صغير لطيف يشبهك، سوف ادللها كيفما اشاء واقضي حياتي ادفع عنها جميع الرجال واقتلهم واحدًا تلو الآخر"

فتح عينه يكمل ببسمة :

" هذا يبدو ممتعًا بالتفكير في الأمر .."

انحنت روبين تقبل وجنته وهي تردد :

" من دلوقتي وانا مشفقة عليها، الحقيقة مشفقة على أي بنت هتتولد في العيلة دي "

" تشفقين عليها ؟! بحق الله روبين هذه ستصبح أميرتي، حري بكِ أن تشفقي على أي رجل قد يقترب منها "

ضحكت روبين وهي تداعب خصلاته بحب :

" بتفكرني بكلام بابا زمان وانا صغيرة "

لم ينتبه لها وهو يكمل بشرود وتفكير جدي :

" سوف اترك عملي وأحضر اسلحتي والتصق بكما طوال الوقت، وحتى إن كان صبيًا سأفعل نفس الشيء اطفالي لن يختلطوا بأطفال الاوغاد الآخرين ابدًا، لا ينقصني سوى أن يفسدوهم "

" هما برضو اللي هيفسدوا اطفالك ؟!"

اغمض فبريانو عينه باستمتاع وقد راقت له هذه الحياة يتمنى أن يأتي طفله باسرع وقت :

" نعم، والآن أكملي ما كنتِ تفعلينه، لقد أحببته "

أكملت روبين مداعبة خصلاته بحب وهو انغمس معها بالحديث حول أمور مختلفة، لم تهتم روبين أي أمور تلك طالما يشاركها فبريانو الحديث عنها ...

________________________

وعدهم اليخاندرو بإجازة مختلفة وقد كان ...

ففي صباح اليوم التالي انتفض الجميع على صوت رنين جرس مرتفع جعلهم يعتقدون أن هناك حريق، كان أول من فاق هو ادهم الذي صرخ برعب يتحرك بعشوائية على الفراش لدرجة أنه أسقط زوجته بشكل جعلها تستيقظ صارخة :

" فيه ايه !! زلزال ؟!"

تحرك أدهم يرتدي أول شيء قابله وقد كان سترة بيضاء بدون اكمام، وبسبب الفزع ارتداها بشكل عكسي، ثم ركض خارج الغرفة يصرخ :

" معرفش حريقة ولا زلزال ؟! هروح اشوف قاسم وأنتِ بسرعة اجري على برة "

فتحت هالفيتي عينها بصعوبة وهي تتحسس المكان حولها بينما عينها تقاوم الاستيقاظ، ورغم الكارثة التي تحدث حولهم، إلا أن ذلك لم يمنعها من اسناد رأسها على طرف الفراش بكسل لتكمل نوم بتعب شديد بسبب سهرة الأمس..

لكن فجأة انتفضت بعنف اكبر بسبب تكرار صوت ذلك الجرس لتمسك حجابها المُلقى ارضًا تركض للخارج وهي تصرخ :

" فيه ايه يا عيال ؟! البيت بيقع ولا هجوم فضائيين ولا إيه ؟؟"

وفي غرفة ماركوس كان يتحرك بسرعة كبيرة ينظر حوله يحاول ارتداء ملابسه بعدما خرج من المرحاض بفزع بسبب ذلك الصوت الصاخب، ارتدى ثيابه ثم خرج بسرعة كبيرة للخارج ليرى ما يحدث، قبل أن يعود مجددًا بعدما نسى فيور، حملها وهو يزفر بضيق شديد :

" تبًا لكِ فيور، المنزل سيسقط أعلى رؤوس الجميع وأنتِ تسستمرين في النوم .."

خرج ليرى الجميع يقف ببلاهة في البهو العلوي

ولم تبصر هالفيتي سوى انطونيو الذي كان يحمل زوجته بين يديه يركض بها على الدرج بسرعة كبيرة، لحق به مارتن الذي تناسى لثواني علته وهو يضم جولي يتساءل عما يحدث :

" بحق الله ما الذي يحدث هنا، هل هذا جاكيري مجددًا، اقسم أن اقتـ..."

وقبل أن يكمل جملته أبصر جاكيري يخرج من الغرفة يفرك عينه بنعاس شديد مرددًا دون أن يستوعب ما يحدث :

" ماذا هل ستكملون حفلة الامس ؟! "

فتح مارتن فمه يفكر إن لم يكن جاكيري هو من يصنع تلك الضوضاء، فمن هو إذن المتسبب بها ؟!

" حسنًا هذا ليس جيدًا "

خرجت رفقة من خلف جاكيري تتمسك به وهي تستند برأسها على ظهره مرددة بنعاس :

" ليه يا جماعة الدوشة دي من على الصبح ؟! "

استدار جاكيري لها يضمها له بحب وهو يفكر في المتسبب في تلك الضوضاء يحاول أن يرى من يمكن أن يشعل احتفالاً وضوضاء منذ الصباح عدا :

" هل هو جايك ؟!"

لكن بعد ثواني وجد الجميع روز تصرخ برعب وهي تخرج من غرفتها تجذب جايك الذي كان يتمتم بحنق وتذمر :

" مهلًا روز أنا لم احصل على قبلتي الصباحية بعد "

استدارت له روز تصرخ في وجهه بجنون :

" احصل عليها في الحياة الأخرى يا احمق "

لوى جايك فكه بحنق وهو يضمها يحاول أن يراضيها :

" مهلًا لا تغضبي، أنا فقط افكر إن كنا سنموت الآن، أليس من الرائع أن نموت بعدما احصل على قبلتي ونموت سويًا بين احضان بعضنا البعض؟! اوليس هذا رومانسيًا كهؤلاء الذين غرقوا في تايتنك "

رفعت روز حاجبها ترى أن حالمية زوجها قد تخطت حدود العقل لتهمس بغيظ :

" لا سأخبرك باقتراح افضل، ما رأيك أن نُقتل وأنت ترسمني، فكر في الأمر جايك أنا اقف على أنقاض المنزل وأنت تقف أمامي ترسمني أثناء سقوط صخرة أعلى رأسي ورأسك فنموت كتلك الفرقة العازفة أثناء غرق تايتنك "

فتح جايك فمه بانبهار من تلك الفكرة :

" لا أمانع هذا يبدو رائعه أيضًا "

" حسنًا هلّا اخبرني أحدكم ما الذي يحدث هنا عدا أن جايك جُن بالكامل "

كان هذا صوت آدم الذي خرج للتو يحاول معرفة سبب ذلك الرنين الذي لا يتوقف، في نفس اللحظة التي خرج بها فبريانو بحنق وبرود ومعه روبين التي كانت تفرك عينيها تحاول أن تستوعب ما يحدث منذ الصباح، أخرج فبريانو سلاحه وهو يردد :

" ربما هذا هجوم ما، أحضروا اسلحتكم"

وفي الغرفة حيث مارسيلو كانت راسيل تحاول النهوض والركض، لكن مارسيلو يقيد جسدها بقوة رافضًا أن يدعها وشأنها، لا يعي بما يحدث حوله ..

" أنت أيها الكسول إن أردت الموت فافعل وحدك ودعني اهرب أنا "

لكن مارسيلو لم يهتم بما تقول وهو يُشدد يديه حولها مرددًا بصوت ناعس:

" في جميع الأحوال سنموت حبيبتي، لذلك دعينا نكمل النوم، فما افضل أن تموتي وأنتِ نائمة"

في الاسفل حيث وصل الجميع عدا مارسيلو وراسيل وجدوا اليخاندرو يحمل قاسم فوق اكتافه وقد كان يرتدي زي راعي الأبقار، واليخاندرو يقف جوار سماعة الصوت الضخمة التي أحضرها جاكيري سابقًا يردد ببسمة بعدما اوقف الصوت الصاخب :

" حسنًا هذه الآلة الضخمة مفيدة في شيء غير حفلات جاكيري "

كان البعض يرمق اليخاندرو بأعين ناعسة متسائلة والبعض الآخر بأعين متذمرة حانقة ..

تحدث انطونيو ينظر حوله بتعجب :

" جدي ما هذا ؟! لِمَ ايقظتنا بهذا الشكل ؟؟"

نظر اليخاندرو لساعة يده قائلًا بجدية :

" انتظرت أن تستيقظوا وحدكم، لكن يبدو أنكم لن تفعلوا قريبًا، لذلك قررت أن اتطوع أنا وأفعل "

" الساعة السابعة صباحًا ؟! حقًا جدي؟؟"

أردف آدم بغضب حاول لجمه، بينما رأس هايز سقطت على كتفه تمتم بحنق أثناء نومها ..

لكن اليخاندرو تجاهل هذا كله وهو ينظر لقاسم الذي كان يجلس فوق كتف جده سعيدًا، يرمق الجميع من الاعلى :

" حسنًا هذا لأننا اليوم تحديدًا سنبدأ في إجازتنا كعائلة متعاونة، وسوف يتولى كلٌ منكم مهمة تخصه "

حرّك فبريانو عينه بين الجميع ينتظر أن يتحدث أحدهم معترضًا على تلك الكلمة الغريبة التي خرجت من فم جدهم، وقد حدث حينما تحدث توأمه الحبيب بما يدور في خلده :

" متعاونة ؟؟ نحن ؟!"

وافق فبريانو جاكيري الحديث :

" جدي نحن عائلة تعيسة كسولة مخيفة، أي شيء غير متعاونة، انظر إلينا هل رأيتنا يومًا نتفق أو نتعاون على شيء، جدي حتى القتل كنا نتشاجر على من يبدأ اولًا"

لم يهتم بهم اليخاندرو وهو يقول متفحصًا الجميع :

" أين ذلك الكوالا الكسول، ليصعد أحدكم ويوقظه "

فرك مايك خصلات شعره بتعب يراقب لورا التي كادت تسقط أكثر من مرة أثناء وقوفها :

" هل هذه إحدى المهمات التي سنتولاها ؟! إن كانت كذلك فأرجوك دعني خارج الموضوع "

تحدث ماركوس بحنق كبير :

" لا بأس أنا سأذهب لاحضاره، لكن جدي أي نوع من التعاون والمهمات تقصد ؟!"

ابتسم اليخاندرو ينظر للاجساد أمامه البعض منهم يرتدي ثيابه بشكل معكوس والبعض لا يدرك حتى ما ارتدى، والبعض الآخر يملئه الفضول لما سيحدث ..

مر اليخاندرو أمامهم بشكل جعلهم يشعرون كما لو أنهم في الجيش أو ماشابه وهو رئيس الكتيبة الذي يتفحصهم ..

" لقد صرفت جميع الخدم، والمزارعين واعطيتهم إجازة تنتهي بعد رحيلنا عن المزرعة، ولأجل تعزيز الروابط في اسرتنا العزيزة، سوف نصنع كل شيء بأيدينا ومعًا، وأقصد بكل شيء، كل شيء ."

صمت يراقب ملامح التشنج التي علت اوجه البعض وملامح الحنق التي علت اوجه البعض الآخر، ليكمل دون اهتمام :

" انطونيو وماركوس وفبريانو وادهم سوف يهتمون بالحظيرة وبتنظيفها جيدًا، جايك وجاكيري ومايك سوف يتولون حصد الثمار من الاشجار لصنع الطعام، مارتن والاحمق مارسيلو وادم سيتولون اعمال تجديد الملحق الخارجي للمزرعة، بينما النساء سيتولون جميعهن أمور الطهو وما يخص المنزل، أنا ساشرف على الرجال بينما النساء ...."

صمت يشير لإحدى الجهات حيث خرجت سيلين وهي ترتدي ثياب رسمية وكأنها ذاهبة لمقابلة عمل أو ما شابه تسير بكبرياء وقرع عصاها يرن مستغلًا صمت المكان ...

" النساء أنا من سيتولى الاشراف عليهن "

تمتم جاكيري بسخرية لاذعة :

" حسنًا لا بأس على الأقل لن تصبح سيلين مشرفة عليّ"

ابتسم اليخاندرو يشير للجميع بسعادة كبيرة لرؤيته جميع عائلته تحيط به بهذا الشكل :

" حسنًا لنبدأ اولًا بتناول الفطور وبعدها نبدأ العمل "

ابتسم جايك بسعادة وهو يضم روز له :

" نعم لنتناول الفطور اولًا فأنا لا يمكنني العمل على معدة فارغة "

" جيد، اذهبوا إذن لإحضار ما يلزم لصنع الافطار، فأنا تبرعت بكل ما كنا نملكه في ثلاجة المزرعة ونحن الآن لا نمتلك شيئًا صالح للأكل في المزرعة، عدا قاسم "

أنهى حديثه وهو يسحب جسد الصغير من أعلى كتفه يضمه له مقبلًا إياه بقوة جاعلة الصغير يضحك بقوة ..

نظر أدهم بحنق لما يحدث :

" جايبانا من آخر الدنيا عشان اتبهدل يا ام فتحي، دي اخرتها ؟! ابنك يتدلع وانا أخد على قفايا "

ضحكت هالفيتي:

" تعيش وتاخد غيرها يا ابو قاسم "

" متعصبنيش، اسمه فتحي "

ضحكت هالفيتي بصخب متشفي :

" يا خويا يعني فتحي هو اللي هيخفف مرمطتك ؟! كده هتتمرمط وكده هتتبهدل "

كان جميع الاحفاد ينظرون لما يفعل الجد مع قاسم وملامح الحنق والتذمر تملأ الوجوه، ليعلو صوت ماركوس مرددًا بغيظ:

" هل أنا مخطأ أم أن جدك تكبد عناء تلك الرحلة لأجل جعلنا خدم عند الصغير ؟؟"

ربت مايك على كتفه يهمس بسخرية:

" لا تتوهم يا أخي هذا صحيح، يا ليتني كنت طفل صغير لكنت جلست واضعًا قدمًا فوق الأخرى واجعلكم تعملون لدي كما العبيد "

أزاح ماركوس يد أخيه بعنف عن كتفه وهو يسبه سبة نابية بصوت هامس جعلت ضحكات مايك تعلو ..

بينما مارتن نظر لجده بتذمر يشير لصدره:

" وكيف اعمل أنا ؟؟ لقد أمرني الطبيب بالراحة "

فكر اليخاندرو ثواني ثم قال :

" نعم نسيت الأمر، إذن ماركوس سيأخذ مكانك في وأنت استرح ريثما يتم شفاءك "

همس مايك بحسرة :

" يا ليت الحصان ضرب صدري أنا، لكنت جلست واضعًا قدمًا فوق الأخرى واجعلكم تعملون لدي كما العبيد "

وقعت عينه فجأة على سيلين التي كانت تجلس بكل راحة وكبرياء أعلى الأريكة ليدمدم بتذمر :

" ليتني كنت سيلين لكنت جلست واضعًا قدمًا فوق الأخرى واجعلكم تعملون لدي كما العبيد "

دفعه انطونيو بحنق وهو يصرخ في حنق :

" أنت ما مشكلتك بحق الله، اقسم إن لم تتحرك لتتحملن عملي وعملك وانا من سيجلس واضعًا قدمًا فوق الأخرى واجعلك تعمل كما العبيد "

تحركت هالفيتي صوب جدها تستغل دلالها ومكانتها عنده :

" بس انا يا جدو تعبانة، ولسه حزينة ومش قادرة اعمل حاجة لاني out of the mood، تعالى يا ادهم ترجم ليه"

ابتسم أدهم بسمة خبيثة وهو يهز رأسه برفض :

" لا يا حزينة، اتصرفي مع نفسك، عايزة تفلتي وتسيبيني اتعك مع عيلتك ؟؟"

شعر ادهم بيد توضع على كتفه وصوت بارد يردد :

" مالها بقى عيلتها ؟!"

نظر أدهم حيث فبريانو الذي كان يمنحه بسمة مستفزة باردة :

" عيلة مزعجة الحقيقة يعني، ومتزعلش مني نصكم مرضى نفسيين، والنص التاني دماغه تعبانة، يعني مثلا واحد جه يقولي تعالى افرجك على فيديو للبنت وهي بتصرخ من الرعب ؟؟"

ضيق فبريانو حاجبيه بعدم فهم :

" مين اللي قالك كده ؟!"

أشار أدهم صوب جاكيري الذي كان يختلى برفقة جانبًا يتحدث معها :

" الجدع اللي اسمه جاكيري هناك، يرضيك يعني يا اخ أنت حد يتصرف بالشكل الغير آدمي ده ؟! ايه مفيش احساس مفيش دم ؟؟"

استدار فبريانو صوب جاكيري فجأة يقول بحنق وغضب راكضًا نحوه :

" جاكيري أيها الحقير هل صورت تلك الحمقاء ليزا ولم ترسل لي الفيديو ؟!"

فتح ادهم عينه بصدمة وهو يتراجع للخلف وقد تأكد الآن أن تلك العائلة مختلة بالكامل، نظر صوب هالفيتي التي كانت تمسك هاتفها تستمتع لتلك الجملة الإيطالية التي تريد أن تخبر بها اليخاندرو :

" ام فتحي، يلا نروح بيتنا، عيلتك بتاكل بني ادمين"

نظرت له هالفيتي بتعجب :

" بتاكل بني ادمين؟! بطل افورة شوية يا ادهم، ده مفيش في حنيتهم وطيبة قلبهم، والله دول زي الملايكة مشوفتش امبارح عملوا ايه عشاني، بزمتك فيه عيلة طيبة وحنينة كده ؟!"

أنهت حديثها في اللحظة التي أسقط بها فبريانو جاكيري ارضًا بعنف يحاول سلبه هاتفه بالقوة بينما جاكيري يقاوم بعناد :

" قلت لن اعطيك إياه، أنت لا ترسل لي شيئًا "

رفع ادهم حاجبه وهو يرمق زوجته ببسمة متهكمة مستنكرة لما قالت وما رأى لتتسع بسمتها بحنق أكبر:

" هزار رجالة أنت عارف هزار الرجالة غبي، بس والله طيبين و..."

وقبل أن تكمل كلمتها كان جاكيري يلكم فبريانو لكمة عنيفة مسقطًا إياه ارضًا بقوة منتزعًا منه هاتفه :

" تبًا لك لن تحصل عليه إلا على قبري يا احمق "

نهض فبريانو وهو ينظر لجاكيري بشر :

" حسنًا هذا سهل "

وفي ثواني كان الاثنان يركضان للخارج بسرعة كبيرة وفبريانو يحمل أي شيء يقابله ملقيًا به على جاكيري وصوت ضحكات جاكيري يرن في المكان بأكمله ...

نظر أدهم لصغيره الذي كان يتناول قطعة حلوى صغيرة وهو يرمق ما يحدث بانبهار كبير، وكل ما يراه أمامه غير مألوف البتة ..

" بدأت اصدق أن ابنك هيبقى هجّام مع عيلة جدك "

_________________________

في نفس الوقت وفي إحدى الاماكن الزراعية التي تنتشر حول المزارع في تلك المنطقة، كان هناك سيارة تسير على الطريق بسرعة مخيفة وكأن هنا اشباح تطاردها ..

الأنفاس داخل السيارة عالية، وأصوات خفات القلب تكاد تنافس صوت محركات تلك السيارة الصدئة القديمة، بعض التمتمات هي كل ما يمكنك سماعه في السيارة، أربعة رجال يستقرون في مقاعد السيارة والرعب قد احتل ملامحهم ..

همس أحدهم برعب :

" ربما اضعناهم، لا أرى أي أثر لسيارات في الخلف "

خرج تأوه عنيف من ذلك الذي يجاور السائق وهو يحاول تنظيم انفاسه بينما يده تضغط على جرحه بقوة :

" ربما يحاولون خداعنا، اسرع قليلًا "

على صياح قائد السيارة والذي كان أكبرهم من مظهره بينما الباقيين كانوا يبدون في بداية عقدهم الثالث :

" إن لم تصمتوا سوف اقف وألقي بكم أجمعين من السيارة دون أن اهتم، عسى أن تجدكم مجموعة من الذئاب أو يجدكم هؤلاء الاوغاد الذين يلحقون بنا منذ مساء الأمس "

تحدث أحد الشباب في المقعد الخلفي بتذمر ورعب :

" اخبرتكم ألا نفعل كل ذلك، ما كان علينا خداعهم، كان يمكننا أخذ أموالنا والرحيل بسلام، لِمَ أخذنا البضاعة ايضًا، سوف يقطعوننا اربًا ."

تحدث قائد السيارة بخشونة وصوت متوعد :

" أنت أيها الجبان إن لم تصمت سوف أفرع جميع رصاصاتي برأسك الفارغة، هذه ليست المرة الأولى التي نقوم بها بهذا، اخبرتكم ألا نحضر هذا الصغير معنا "

صمت الشاب الذي كان يرتعش ينظر للوجوه حتى وقعت عينه على رفيقه الذي كان قد تلقى رصاصة في ذراعه أثناء محاولة الهرب بعد خداعهم لبعض تجار المخدرات وأخذهم الأموال والبضاعة كذلك ..

" ماذا سنفعل الآن ؟! أخشى أن ينزف جيفون حتى الموت"

أجابه القائد بصلابة يُحسد عليها وكأن من ينزف جواره ليس شقيقه الأصغر :

" لا تقلق سوف نجد أي مكان للاختباء الليلة وبعدها نرى ما يمكننا فعله معه "

ابتلع الشاب ريقه وتوقف عن طرح الأسئلة بعدما رأى ضيق القائد من كثرة أسئلته، لكنه رغم ذلك لم يتوقف عن الخوف، بل حاول أن يشغل نفسه بأي شيء غير أنهم مطاردون من عصابة مخدارت كبيرة ومرعبة، تلك كانت أول مرة يشترك معهم في هكذا أمر، هو لا يعلم القائد هو فقط رفيق شقيقه وعندما أخبره رفيقه أنه قد يجني ربحًا وفيرًا من العمل معه ومع أشقائه الاثنين، وافق دون سؤال عن ماهية ذلك العمل، هو يحتاج الأموال بغض النظر عن طريقة الحصول عليها ..

ثواني وسمع الجميع صوت القائد يتحدث بغموض :

" انظروا اعتقد أننا وجدنا مأوى لهذه الليلة "

صمت قليلًا ثم أضاف بجدية :

" لننتظر حتى يحل الظلام وبعدها ندخل لذلك المكان ولنرى ما يمكن أن نجد به "

تحركت أعين الثلاثة الآخرين ببطء صوب الإتجاه الذي يحدق به القائد، حتى تستقر لافتة كبيرة خُطت عليها بأحرف ضخمة بارزة
" مزرعة آل فوستاريكي"......

____________________________

رأيكم في الفصل ......

توقعاتكم لللي جاي.....

دمتم سالمين
رحمة نبيل

Continue Reading

You'll Also Like

5.1M 252K 59
لو مفكرين اننا شوفنا اخر الجنون يبقي متعرفوش اللي جاي لو مفكرين اننا جبنا أخرنا في الضحك يبقي نراجع نفسنا لأننا داخلين علي جنون وضحك من العيار الثقيل...
1.5M 78.4K 54
رواية بالعامية المصرية بداية 1/1/ 2021 ... نهاية 2021/4/5 "40"فصل عندما تظن ان الله ابتلاك.... لتكتشف انه انقذك من البلاء🙂🖤 كلنا عايشين في ا...
3.2M 273K 137
عائلية، كوميدية، اجتماعية
2.9M 44.5K 17
"كلة بالخناق إلا الجواز بالاتفاق" مثل شعبي كان ولا يزال يستخدم حتى الآن في مصر، على الرغم من أن هناك الكثير ممن لا يزالون مجبرين...