زهرة آل فوستاريكي

By AnaZilzail

1.4M 117K 44.3K

كانت الزهرة بين تسعة من النخيل الشاهق، ذلك النخيل الذي وقف في وجه العواصف مانعًا إياها من الوصول للزهرة، لكن... More

المقدمة ( ابنة اليخاندرو الوحيدة وزهرتها)
الشخصيات ..
الاول ( لصوص الواي فاي والراقصة الذهبية )
الثاني ( حرب بلمسة الاحفاد)
الثالث ( رحلة غير متوقعة)
الرابع (هل تستطيع التحليق بالسيارة؟)
الخامس ( اللقــــــــــــاء )
السابع ( حِــلـف نســــائــــي )
الثامن ( ابنـــة العـمــة)
التاسع ( نحتـــاج طبيــــب )
العاشر ( المزرعة السعيدة )
الحادي عشر ( كــرم ضيـــافـة)
ما قبل الأخير ( الاسطـــا مــرزوق )
الأخير ( لأجـــــل الزهـــرة )
حفلة توقيع رحرح في وسط البلد ( واعتذار )
الخاتمة ( حلقة خاصة )
مفاجأة صغيرة لطيفة
مشهد اضافي ( الساكن الاول في قلبي )_ فبريانو وروبين _
عيدية ( هدية عيد الفطر )
هدية العيد نزل
تنويه هام
اقتباس من مشهد هدية
فصل ( لقاء العمالقة )
الرواية الجديدة نزلت

السادس ( المتـشــــــــــرد)

62.1K 6K 2.7K
By AnaZilzail


‏"فَأرَدنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهمَا خَيْرًا مِنْهُ

‏ليسَ كل مَا نفقده خسارة
‏قد يُريد الله تَبديل النِّعمة بِخيرٍ مِنها
‏اطمئِن" ❤️

"إن الحوائج لتُقضَى
بكثرة الصلاة على النبي ﷺ " 🌸

______________________________

بمجرد انتهاء جملة فبريانو، انطلقت شهقات عالية متتابعة من أفواه الجميع، أي ابن هذا الذي يتحدث عنه؟!

كان اليخاندرو لا يبدي أي ردة فعل سوى صدمة عظيمة خطت ملامح وجهه الذي يظهر عليه عمره جليًا ...

" من ؟!"

ابتلع فبريانو ريقه وهو ينظر لحالة هالفيتي التي قاربت على الانهيار يردد جملته مرة أخرى، رغم ثقته من أن جده قد استمع لمرته الأولى :

" طفل هالفيتي جدي، قاسم الصغير لقد جاء معنا، ويبدو أنه .....ضائع "

أطلق اليخاندرو شهقة عالية :

" حفيدي ضائع ؟!"

نظر له الجميع بتوتر وقد بدأت الأجساد تتحفز، والجميع ينظر لبعضهم البعض في انتظار ما يجب أن يفعلوه، لكن فجأة انتفضت أجسادهم لعنف صرخات اليخاندرو بهم والذي يبدو كما لو أن الشياطين تلبسته :

" أيهـــــا الحمقــــــى الاوغـــاد، حفيدي ضائع وأنتم تحدقون بوجهي ؟! "

نظروا جميعًا لبعضهم البعض دون فهم لما يجب فعله، لتصدح صرخات اليخاندرو مجددًا:

" حركوا اجسادكم العفنة تلك، وجدوا لي حفيدي وإلا اريتكم الويل جميعًا "

رمق الجميع جدهم باستنكار ليتحدث جايك بتعجب :

" وكيف نجده ونحن حتى لا نعلم كيف يكون عــ "

ولم يكد يتمم جملته حتى وجد اليخاندرو يسحب ثيابه بقوة نحوه مما جعل جايك يفتح عينه بصدمة وصوت اليخاندرو يهدر بفحيح :

" لا يعنيني كل ما تردده، إن اضطررتم لإحضار جميع الأطفال امامي حتى ابحث عن حفيدي بينهم فافعلوا، لا اهتم للطريقة التي تحضرونها بها، فقط احضروه لي جايك فهمت ؟!"

حرّك جايك رأسه لأعلى وأسفل سريعًا يردد برهبة :

" فهمت جدي، فهمت "

ترك اليخاندرو ثيابه وهو يهمس بشر :

" جدوا لي حفيدي قبل أن اجده أنا بنفسي ووقتها سأريكم الويل "

نظر آدم لهالفيتي التي كانت تبكي وهي تنادي صغيرها بينما أدهم يضمها وهو يشعر بالعجز :

" هالي هل لديكِ صورة للصغير؟! أي شيء قد نصل له من خلاله "

نظرت له هالفيتي بجهل وهي تتحدث من بين دموعها :

" وده عايز ايه ده كمان ؟؟ أنا مش فايقة اترجم "

تحدث ادهم وهو يتجاهل كل ذلك مخرجًا محفظته، ثم أخذ منها صورة صغيره قائلًا بلهفة :

" هذا هو "

أخذ منه آدم الصورة وهو ينظر لها ثواني، ثم مررها لجميع أبناء عمه، لينظر الجميع لبعضهم البعض نظرات غامضة، قبل أن يتحركوا بكل هدوء وبدون حتى كلمة واحدة، بينما ادهم يراقبهم بعجز وهو يقول :

" طب هالي أنا كمان هروح ادور عليه، خليكِ هنا "

وما كاد يتحدث إلا ووجد هالفيتي تجذبه ببكاء :

" تعالى أنت كمان رايح فين ؟! افرض توهت اعمل ايه انا هنا؟! يبقى جوزي وابني "

" يعني اعمل ايه ؟! أقف اتفرج على الكل وابني ضايع في بلد غريبة مع ناس مش هيفهمهم ولا يفهموه ؟!"

مسحت هالفيتي دموعها وهي تردد بجدية :

" خلاص هاجي معاك واهو لو توهنا نتوه سوا "

نفخ أدهم بحنق وهو يدفعها صوب اليخاندرو :

" هو أنا رايح اتفسح ؟! خليكِ هنا هدور على فتحي وهرجع "

وما كاد يتحرك خطوة حتى أبصر شابًا يقترب منهم يراه للمرة الأولى الآن ولم يكن مع الجميع حينما ذهبوا للبحث عن قاسم، والآن يأتي من نهاية الممر وهو يردد بسعادة وبسمة :

" هالفيتي، لقد أتيتِ "

كان يتحدث وهو يفتح ذراعيه ليرحب بها، وما كاد يصل له حتى عاد ادهم له يجذبه من ثيابه بعنف مشيرًا له قائلًا :

" ده تبعكم ؟!"

هزت هالفيتي رأسها وهي تردد بشهقات :

" ده اخو موكوس الكبير "

جذبه ادهم خلفه وهو يهمس بحنق :

" وانا هفضل احلّق عليكِ من موكوس واخوات موكوس لغاية امتى، كله جاي يحضن ويبوس ولا كأنك معاكِ شوال رز "

كان يتحدث وهو يجذب مايك خلفه والذي انتهى منذ قليل من فك الشجار بين الطبيبة ولورا، وبعدها تركته لورا حانقة رافضة أي مبرر منه، ليتحرك صوب جده ويتفاجئ بوصول هالفيتي، لكن الآن ذلك الشاب يسحبه من يده بشكل غريب ..

" مهلًا يا سيد أين سنذهب ؟!"

"للبحث عن فتحي "

هز مايك رأسه باقتناع، ثم قال بعدما استوعب ما يحدث :

" مهلًا من هذا فتحي ؟!"

___________________________

كانت تجلس وهي تضع السماعات في أذنها تستمع لإحدى الاغاني التي يجبرها فبريانو على أن تسمعها لأجل تحسين لغتها الإيطالية، نفخت بضيق وهي تخفي يديها في جيب السترة تستمد منها بعض الدفء، لكن فجأة شعرت بيدها تصطدم في شيء داخل الجيب .

ضيقت روبين عينيها، تخرج محفظة الأموال الخاصة لفبريانو وهي تبتسم بخبث تنظر حولها قبل أن تنهض من مكانها متحركة صوب الماكينة الخاصة ببيع الحلوى .

اخرجت عملة ورقية وهي تقفز سعادة صوب تلك الماكينة التي تقبع في أحد أركان المطعم الخاص بالمشفى .

دست روبين العملة الورقية في الآلة تنتظر بفارغ الصبر سقوط قطعة الحلوى، لكن ما حدث هو أن الماكينة أخرجت بدلًا من ذلك طفل، فقد ظهر فجأة طفل صغير من خلف الماكينة.

انتفضت روبين للخلف وهي تطلق صرخة عالية من الفزع، بينما الصغير نظر لها ثواني بتعجب لردة فعلها تلك، ثم تجاهلها وهو يتحرك صوب ماكينة الحلوى يلصق وجهه بالزجاج الخاص بها ضاربًا بيده على مكان الشوكولاتة، ليخرج في تلك اللحظة قطعة الحلوى التي دفعت روبين ثمنها .

وما كادت روبين تتحرك لتأخذ قطعة الحلوى حتى وجدت ذلك الصغير يميل ملتقطًا إياها، ثم شرع في اكلها .

فتحت روبين فمها بصدمة وهي تصرخ :

" أنت يا حرامي أنت، دي بتاعتي "

حدق بها الطفل ثواني ببلاهة قبل أن يفتح الحلوى ويتناولها دون اهتمام بها، بينما روبين شعرت بالحسرة وهي تشير له معترضة :

" كده عيب على فكرة دي بتاعتي "

لكن الصغير أخذ يدس قطعة الحلوى في فمه بسرعة كبيرة وروبين تراقبه، قبل أن تقرر التدخل وانتزاع حقها من بين مخالب ذلك اللص الصغير المتشرد.

وقد كان، تحركت صوبه تميل عليه تنتزع منه الحلوى وهي تردد كلمات إيطالية متعثرة كطفل في بداية تعلمه للحديث :

" خاصتي هذه ...ملكي أنا"

نظر لها الطفل دون فهم لتستمر روبين في جذب القطعة من يده :

" سيب بقى يا رخم، دي بتاعتي أنا، ده أنت عيل ثقيل، سيب الشوكولاتة بتاعتي، فين امك اللي سيباك ماشي تاخد حاجات الناس كده "

لكن الطفل لم يستسلم وهو يدس قطعة الحلوى بالكامل في فمه لمنعها من أخذها، شعرت روبين بالقهر والحزن وهي تراه قد أنهى حلوتها لتنظر حولها بشر ناوية أن توبخ والدته على تركها لذلك الطفل هكذا يأخذ اشياء الآخرين .

" أين والدتك يا هذا ؟! هل تفهم الإنجليزية ؟؟"

لكن الطفل لم يهتم بها وهو يمضغ الشوكولاتة بكل استمتاع، ثم تحرك مجددًا ليختفي خلف ماكينة الحلوى ظنًا منه أن هذه هي الطريقة لكي يحصل على المزيد من الحلوى .

ضيقت روبين ما بين حاجبيها وهي تقول :

" ألا تملك ماما يا صغير ؟!"

لكن الطفل لم يجبها، اقتربت روبين من الركن الخاص به وهي تقول منحنية على قدمها بلطف مستخدمة الكلمة العالمية التي يفهمها الجميع دون مترجم  :

" ماما ؟!"

نظر لها الصغير وهو يردد بلطف :

" ماما."

ابتسمت روبين بسعادة وهي تجلس على قدميها في ذلك الركن تهز رأسها بنعم متحدثة بايطالية متعثرة :

" ماما، أين ماما ؟!"

" ماما "

" ايوة عرفنا ماما، فين امك ؟!"

هز الطفل رأسه بلا بمعنى أنه لا يعرف، لتنفخ روبين بضيق تنظر حولها لتجد أن المطعم تقريبًا لا يحتوى على نساء وحدهن، أو امرأة تبحث عن طفل، لتضربها فجأة فكرة أن ذلك الطفل لربما يكون متشردًا ودخل المشفى ليتناول بعض الأطعمة .

" ألا ماما لديك يا صغيري ؟؟"

ردد الطفل الكلمة الوحيدة التي وصلت لعقله الصغير :

" ماما "

مسحت روبين وجهه وهي تقول بتعب :

" شكلك كده متشرد، تعالى معايا نشوف الأمن أو أي حد يساعدنا "

مدت يدها لتسحب الطفل، لكن الصغير قاومها وهو يتمسك بماكينة الحلوى مرددًا بشكل متعثر :

" شوكولاتة "

نظرت له روبين ببلاهة تحاول أن تستوعب أنه نطق كلمة عربية للتو، لكنها أقنعت نفسها :

" اكيد النطق متشابه مع العربي وهو عشان صغير فخرجت منه كده "

استقامت في وقفتها وهي تشير للماكينة لا تتوقع من الصغير ردًل لكنها قالت وكأنها تُحدث نفسها :

" عايز شوكولاتة ؟!"

وللعجب هز الصغير رأسه بنعم، لتتحرك روبين صوب الماكينة وتقف أمامها قليلًا، قبل أن تخرج حافظة أموال فبريانو، ثم اشترت بمبلغ كبير العديد من الحلوى مرددة في نفسها أن ذلك عملًا إنسانيًا لتطعم صغير متشرد .

تحركت بحقيبة الحلوى صوب الصغير تلوح بها وهي تقول بالإنجليزية لربما يفهمها :

" هيا تعال معي وسأعطيك الحلوى "

لم يهتم الصغير لما تقول، بل فقط كانت عينه مثبته على الحلوى، نظر لها بخجل وكأنه يستأذنها أن يأخذ الحقيقة :

" يا راجل ايش حال ما أنت لسه واخد الشيكولاتة بتاعتي وضع يد  "

لم يجيبها الصغير وهو يمد يده ليأخذ الحقيبة لتنحني روبين حاملة إياه وهي تتحرك به بعدما أعطته الحقيبة :

" خلينا دلوقتي ندور ليك على أي حد يساعدنا "

نظرت له تراه يتعلق برقبتها لتتحدث بجدية :

" تصدق أنك قمر اوي، يا ترى اسمك ايه "

ردد الصغير وهو يحرك الحقيبة في الهواء بسعادة :

" قاسم "

هزت روبين رأسها بغباء :

" قاسم ؟! عاشت الاسامي يا قاسم ...."

لكن فجأة توقفت وهي تنظر للصغير بصدمة ليبادلها قاسم نفس النظرة دون أن يفهم سببها، ويسمعها تقول بصدمة :

" قاسم ؟؟ أنت اسمك قاسم ؟؟ "

هز الصغير رأسه وهو يقول ببراءة :

" قاسم "

" قاسم ازاي ؟؟ ده اسم عربي ده، أنت اهلك ليهم أصول عربية ؟!"

وقد كانت تلك الكلمات كبيرة على عقل قاسم الذي لم يستوعب منها شيء، ليهز رأسه ببلاهة بينما روبين قالت ببسمة واسعة لا تدرك أن الصغير يفهمها، بل فقط لاحظت أن اسمه عربي

" بس اسمك حلو يا قاسم، تعالى بقى نشوف هنعمل ايه، ولو ملقناش حد يساعدك هوديك ملجأ هنا، أو أخدك معايا البيت ونشوف صرفة ليك........ "

________________________

تنتظر من ساعة تقريبًا أن ينفجر في وجهها، يحطم المنزل أعلى رأسها أو يفعل أي شيء يخرج به ذلك الغضب الذي يأسره داخل عيونه .

فركت أشرقت كفيها في بعضهما البعض، ليس بردًا، لكن توترًا وخوفًا مما هو قادم .

وسليم فقط يكتفي بالجلوس على المقعد أمامها يستند بذراعيه على ركبتيه، ثم يستند بذقنه على يديه يحدق فيها بشكل جعلها تتململ في جلستها .

" سليم أنا..."

قاطعها صوت سليم وهو يشير لها بالصمت :

" اششش متتكلميش دلوقتي، أنا لسه بحاول اقنع نفسي اني مقومش ارتكب جناية "

صمتت اشرقت برعب من نبرته، والتزمت مكانها لتمر دقائق أخرى ثقيلة، شعرت فيها بتيبس عضلاتها ومازال سليم على نفس جلسته، فتحت فمها للتحدث، لكن فجأة قاطعها سليم وهو ينهض من مكانه قائلًا بغضب عنيف :

" مش قادر، مش عارف أهدي نفسي "

قالت اشرقت برعب من مظهره :

" طب أنا ممكن ادخل استخبى جوا و...."

وقبل أن تكمل حديثها أطلقت صرخة عالية واضعة يدها على أذنها أثناء تحطيم سليم لكل الاشياء القابلة للتكسير حوله :

" كنتِ عند الخياطة طول النهار بدون حتى ما تقولي للطور اللي متجوزاه، ولا هامك رعبي وخوفي أما رجعت من الشغل ولقيت الكل يقولي الحق مراتك مرجعتش من الصبح، مهمكيش إني حسيت بقلبي هيقف من الرعب وانا مش عارف اروح فين واجي منين "

كانت يتحدث أثناء تحطيمه لكل ما حوله وصوته يرتفع أكثر وأكثر مع كل قطعة يحولها لاشلاء، والساعات التي قضاها في رعب تمر امام عينه، لقد كاد ينهار من الخوف عليها، ظن وظن وظن، امتلأ عقله بالظنون وكلها اسوء من بعضها ..

توقف عما يفعل وهو ينظر لها وقد كانت اشرقت تخفي وجهه متراجعة على مقعدها برعب، تحاول أن تكتم صوت بكائها خوفًا أن يزداد غضبه .

بينما سليم آلمه قلبه لرؤية رعبها وانكماشها بنفس الشكل الذي كانت تنكمش به قديمًا حينما يحدث لها شيئًا سيئًا .

حينما كان يذهب لها خصيصًا ليراضيها وهو يترجاها ألا تحزن أو تبكي، والآن هو من يبكيها .

زفر سليم بتعب وهو يلقي بجسده على المقعد مجددًا يعيد رأسه للخلف بتعب :

" أول وآخر مرة يا اشرقت، المرة الجاية لو خرجتِ بدون علمي هيكون ليا كلام تاني معاكِ، مش حابب ابان ديكتاتور أو شخص متخلف، لكن عند سلامتك ومستعد اكون كده واكتر، وإذا كنتِ أنتِ مش عارفة فين سلامتك، فأنا مش كده "

أنهى حديثه وهو يتحرك صوبها، ثم انحنى يقبل رأسها وبعدها تركها مبتعدًا عنها، وقبل أن يخطو بعيدًا عنها جذبت اشرقت خصره وهي تهتف من بين بكائها :

" أنا آسفة والله انا آسفة، كان فيه بنت عند الخياطة ضيعت اسورة دهب والدنيا اتقلبت واتهموا الكل ومحدش عرف يمشي غير لما لقيناها، والله ما كنت هتأخر يا سليم، حقك عليا "

انحنى سليم ليقبل رأسها مجددًا لكن تلك المرة اطال القبلة وهو يردد بهدوء وحنان جعل اشرقت تغلق عينها براحة :

" المهم أنك بخير يا اشرقت، لكن برضو اللي قولتيه مخلنيش أهدى ولا شفع ليكِ عندي سنتي واحد، وحسابنا لسه مخلصش "

انهى حديثه مبتعدًا عنها تاركًا إياها فاغرة الفاه لا تصدق أنه بعد كل ما حدث وما قالته مازال غاضبًا، أخذت تتمتم بغيظ شديد تسب تلك الفتاة بكل ما تعلم من سباب، لكن فجأة انتبهت لتحرك سليم صوب الباب، ظنت أنه سيرحل ويتركها غاضبًا، لكن سليم لم يفعل سوى أنه فتح الباب فجأة وبقوة ليتساقط أمامه شادي وكريم، بينما ظل عوض وشاكر وشادية واقفين دون أن يتحركا خطوة .

تحدث سليم بسخرية :

" منورين يا جماعة"

ابتسمت شادية وهي تساعد الاثنين على النهوض قائلة ببسمة غبية :

" بنورك يا ابو يُسر يا حبيبي، احنا بس قولنا نيجي نبص عليكم لو محتاجين حاجة كده ولا كده، بس الظاهر أن الأمور تمام، نستأذن احنا بقى "

أشارت بعدها لشادي وكريم :

" يلا يا ولاد ننزل نكمل العصير، انسحاب، طلع انذار كاذب"

نهض الجميع لتردد شادية وهي تتحرك للخارج :

" المرة الجاية يا اشرقت عشان منطلعش على الفاضي، ابقي صرخي صرختين ورا بعض وهنعتبرها إشارة للهجوم"

أنهت حديثها وهي تغلق الباب خلفها مشيرة للجميع ببسمة غبية :

" يلا نكمل سهرتنا يا شباب ..."

ومن الداخل هز سليم رأسه بيأس على ما يفعلون، فقد أدرك وجودهم منذ بدأت اشرقت تصرخ، ابتسم وهو يحمد الله رغم كل شيء على عودة زوجته سالمة، سمع صوت اشرقت من الخلف تردد بغباء :

" سليم، مش حابب تشوف الفساتين اللي كنت بعملها عند الخياطة ؟؟؟؟؟"

___________________________

كانت المشفى في حالة تحفز غريبة والكل مرتعب من هؤلاء الرجال _ الذين يبدون كقابضي الأرواح_ يطوفون في المشفى مُخلّفين حالة من الرعب بين جميع روادها .

كان مارتن يجلس على أحد المقاعد الجانبية في الممرات الخاصة بالمشفى وجواره تلتصق به جولي وعينها تتابع كل تلك الاكواد التي تتحرك أعلى شاشة حاسوبه والتي يحاول بها اقتحام كاميرات المراقبة الخاصة بالمشفى .

لكن قاطع كل ذلك صوت جولي التي تحدثت مشيرة للشاشة :

" ما كل هذه الأرقام مارتن هل تعلم بالحسابات ؟!"

ابتسم لها مارتن وهو يجذب وجهها لها يداعب وجنتها بحنان :

" لا حبيبتي هذه اكواد المراقبة هنا "

" لماذا ؟؟"

" احاول اقتحام نظام الامان ورؤية تسجيلات المراقبة "

صمتت جولي ثواني قبل أن تردد بجدية :

" ولِمَ لم تستأذن منهم ببساطة لتجعلهم يعطونك تلك التسجيلات ؟!"

نظر لها مارتن ثواني، ثم قال بجدية وهو يعود بعينه يراقب تحطيم جدار الحماية شيئًا فشيء، قبل أن تتحرك أصابعه لتبدأ العمل :

" ما تقولينه قد يبدو بسيطًا بالفعل، لكن قد يحتاج بعض الوقت، حتى نحضر أذن من مدير المشفى ونذهب لتفريغ التسجيلات ولن تكون جميعها متاحة لنا وأمور في غاية التعقيد؛ لذلك أليس من الأسهل أن أحمل حاسوبي واشاهد ما أريده دون قيود "

صمت ثم غمز لها بمشاكسة :

" ثم دائمًا كسر القوانين هو الافضل "

فتحت جولي فمها بانبهار شديد :

" أنت رائع مارتن، احبك عندما تكون مجرمًا وغدًا "

غمز لها مارتن مقبلًا وجنتها بحنان، ثم اعتدل أمام الحاسوب :

" حسنًا دعينا نبحث عن ذلك الصغير "

بينما في غرفة روما :

كان انطونيو ما يزال يضم جسدها بحنان، ويده تتحرك على شعرها صعودًا وهبوطًا، و روما تسكن بين أحضانه باستنكانة وراحة وكأن تلك التي كانت تنازع وتصرخ من الوجع منذ ساعات قليلة لم تكن هي ...

شعر انطونيو بعد مرور دقائق بجسد روما يتململ بين ذراعيه، خفف من تشديده على جسدها وهو يجذبها له قليلًا لتصبح في وضع صحيح، فتحت روما عينيها ببطء وهي تنظر حولها، قبل أن تتذكر وجودها بين ذراعيّ انطونيو .

مالت برأسها على كتفه وهي تردد بتعب :

" اشتقت لك انطونيو "

ابتسم انطونيو على حديثها، وكأنها للتو رأته، رغم أنها قضت وقت لا بأس به بين ذراعيه منذ قليل، قبّل رأسها بحب :

" وأنا أيضًا اشتقت لرؤياكِ روما "

" لقد كنت أشعر بانقباضات عنيفة في معدتي، وآدم رفض أن يخرج الطفل"

أسر انطونيو ضحكاته بصعوبة مربتًا على رأسها :

" لا بأس سوف اقتل ذلك الادم اللئيم لأجلك "

صمتت قليلًا قبل أن تقول بنعاس شديد بسبب تلك الأدوية التي تسري في دمائها :

" ليس آدم فقط، بل الجميع كان يتحامل عليّ، حتى جدي لم يأمر آدم أن يخرج الطفل بل استمر في المراقبة بصمت وهو يراهم جميعًا يتحدون ضدي مستغلين غيابك "

ضحك انطونيو بصخب :

" حسنًا لا بأس سنسامح جدي، ونعاقب الباقيين، فأنا لا قِبل لي بجدي "

هزت روما رأسها وهي تشعر بأنها على وشك السقوط في النوم مرة اخرى، ليحل الهدوء على الغرفة ويتخذ الاثنان الصمت شعارًا، ثواني واغمضت روما عينيها مستسلمة للنوم بكل راحة، وكذلك فعل انطونيو ولحق بها مستغلًا تلك السكينة التي تحوم حوله، فهو في أكثر لحظاته استرخاءً الآن ..

___________________

وبينما الجميع على قدم وساق لإيجاد الصغير، كان هو يجلس فوق سطح المشفى منذ عاد مع زوجته، يحمل بين يديه حقيبة بلاستيكية سوداء كتلك المعروفة في المحلات المصرية الأصيلة، بينما عين رفقة تكاد تخرج، تود لو تقفز داخل تلك الحقيبة لترى المفاجئات التي أخبرها جاكيري عنها .

وجاكيري كان يستمتع وهو يثير فضول رفقة بكل ما اشتراه بمجرد أن ذهب لمصر وقبل رؤية هالفيتي حتى، فبمجرد خروجه من المطار اشترى بعض الاشياء التي اعجبته لأجل زوجته، وللاسف لم يستطع شراء المزيد قبل العودة بسبب ما حدث .

" إذن رفكة هل أنتِ مستعدة لرؤية ما أحضرته لكِ صاحبة الشعر المجعد ؟!"

اتسعت بسمة رفقة أكثر وهي تغمز له أثناء جلوسها براحة على أرضية السطح جوار جاكيري :

" هيا يا رجل اعطني ما لديك، يكاد قلبي يقفز من الحماس خارج صدري "

غمز لها جاكيري ببسمة جانبية واثقة :

" صدقيني ما أنت على وشك رؤيته يستحق كل ذلك الحماس وأكثر "

هزت رفقة رأسها وعينها مازالت مُثبتة على الحقيبة، ثواني حتى رأت جاكيري يدس يده داخل الحقيبة، لتتابع تحركها ببطء يخرج منها شيئًا جعل رفقة تفتح فمها ببسمة تراقب ما يخرج، واخيرًا أخرج جاكيري يده وهو يمد بما يحمله لرفقة التي أمسكت ذلك الشيء بين يديها ولم تختفي بسمتها بل بهتت بصدمة وهي تشير لما في يدها :

" ايه دي ؟!"

رمقها جاكيري بعدم فهم لتتحدث بكلمات مرتابة :

" ما هذا جاكيري ؟!"

" اه هذه بعض رابطات الشعر لأجل صغاري "

رمقت رفقة ذلك الكيس البلاستيكي الشفاف الصغير والذي يحتوي على رابطات شعر صغيرة ملونة، كانت تبتاعه لها والدتها أثناء الطفولة لتصنع لها جدائل كثيرة وتسير بها في الطريق  كقوس قزح بكل تلك الألوان المتنوعة .

" كيس توَك (رابطة شعر )؟! جايبلي كيس توك ؟؟ حد قالك عليا منكوشة ؟؟"

نظر لها جاكيري بتعجب :

" ماذا ألم تعجبك ؟؟ لقد دفعت فيها ثلاث دولارات ظنًا أنك قد تحبين شيئًا كهذا "

قلبتها رفقة بين يديها قبل أن تستوعب حديثه :

" لا اعجبتني أنا كنت احبها و......نعــــــــم ؟! قولت كام ؟! دفعت فيها كام ؟!"

تراجع جاكيري للخلف وهو يخشى من ردة فعلها تلك :

" هل هذه صرخة متحمسة ام ماذا؟! أنا لا افهم شيء منكِ"

" متحمسة ؟! دي صرخة مقهورة، دي صرخات حسرة، دفعت ٣ دولار في كيس توك مدفعش فيه تلاتة جنيه ؟؟ طبعًا ما طول ما أنت ماشي بمنظرك ده لازم ينصبوا عليك "

نظر لها جاكيري يلوي شفتيه باستهجان مرددًا بإيطالية منمقة :

" رفكة إما أن تتحدثي بلغة افهمها أو أنهض الأن ولن اكمل باقي الاشياء "

" هو لسه فيه باقي ؟! ايه ناوي على جلطة انهاردة ؟؟"

نفخ جاكيري وهو يعتدل في جلسته، ثم ضم الحقيبة البلاستيكية السوداء لصدره مرددًا بجدية :

" تريدين رؤية الباقي أم أرحل ؟!"

" لا ارني ما أحضرت "

أخرج جاكيري مجسم صغير للهرم وهو يلوح به في الهواء :

" انظري أحضرت هذا لنضعه في غرفتنا حتى تذكرك  دائمًا بالوطن "

نظرت له رفقة بريبة وهي تدرك جيدًا اسعار تلك المجسمات الغالية، ورغم قلقها من معرفة سعره، إلا أنها سألت :

" كم سعره ؟!"

تحدث جاكيري ببساطة وهو يحركه أمام عينيه في الهواء :

" خمسون دولار "

" كـــــــام ؟!"

وبسبب صرخة رفقة اختلت يد جاكيري التي كانت تحمل المجسم، وكاد يسقطه ارضًا لولا أن تلقفه بين أحضانه وهو يرمق رفقة بغيظ :

" ما بكِ رفقة كدت احطمه بسبب صراخك"

لكن رفقة لم تهتم بشيء بل اخذت تهذي بجنون :

" خمسين دولار ؟! ده لو اخدت الهرم الحقيقي ايجار جديد مش هيبقى بخمسين دولار، ده أنت مش بيتنصب عليك زي السياح العاديين عشان من برة البلد، لا ده أنت بيتنصب عليك ولا كأنك كائن فضائي من برة الكوكب كله "

رمقها جاكيري ثواني لا يفهم سبب صراخها، لكنه قال ببساطة وهو يحركه بين يديه:

" لم يعجبك المجسم ؟! لقد احضرته لاجلك"

وعند هذه الكلمة تجاهلت رفقة كل ذلك الخداع الذي تعرض له زوجها وقالت بسعادة كبيرة استطاعت رسمها ببساطة :

" بل أنا اصرخ سعادة جاكيري، تلك الأشياء الرائعة التي احضرتها لأجلي تشعرني بالفرحة حبيبتي"

وبسبب تلك الكلمات، ابتسم جاكيري وهو ينظر في الحقيبة يقلب بها حتى أمسك بشيء وابتسم بسعادة وحماس كبير وهو يخرجه بسرعة ملوحًا به في الهواء :

" انظري هذه، لقد اخبرني البائع أن اضعها في المياه وستيضاعف حجمها "

نظرت رفقة لتلك الالعاب البلاستيكية التي تتضخم بفعل المياه والتي كانت تحب اقتنائها في طفولتها أو مراهقتها لا تتذكر، لكنها كانت تحبها؛ لذلك أخذتها منه ببسمة واسعة وهي تشكره بسعادة:

" أحببتها كثيرًا، لقد كانت المفضلة لدي"

ازدادت سعادة جاكيري بسبب تلك البسمة التي ارتسمت على وجه رفقة؛ لذلك أفرغ الحقيبة كلها ارضًا وهو يشير لكل تلك الأشياء الصغيرة اللطيفة التي اقتناها بحب لأجلها :

" كل شيء لأجلك لم احضر لي سوى تلك الحلوى فقط "

انتهى من حديثه مشيرًا للحلوى الطويلة " عسلية "

بينما رفقة شعرت بالدموع تتلألأ في عينيها، لم تهتم بسعر ولم تهتم بشيء، غير تلك الكلمة التي اخرجها جاكيري منه فمه " لأجلك"، ورغم بساطة كل شيء، بغض النظر عن سعرها الذي دفعه جاكيري، إلا أن تلك الأشياء مثلت لرفقة كنزًا .

تركت رفقة ما بيدها وهي تنهض جالسة على ركبتيها تحتضن وجه جاكيري بين يديها مقتربة منه بحب تقبل وجنته هامسة :

" هذه افضل واروع هدية حصلت عليها يومًا، هذا سيصبح كنزي الثمين جاكيري "

تأثر جاكيري من حديثها :

" حقًا أعجبتك !!"

" بل سلبت قلبي، احببت كل ما احضرته حقًا، يكفي أنها منك، جاكيري حتى إن أحضرت لي بعض الرمال ساراها أثمن شيء في هذه الحياة طالما كانت منك، وهذه الأشياء رائعة للغاية لم احصل عليها منذ طفولتي "

اتسعت بسمة جاكيري وقد نال الأن أكبر مكافأة، تلك اللحظات التي تحمّل فيها تذمرات انطونيو وفبريانو لأجل شراء كل هذا، تنقله بين البائعين في ذلك السوق الصغير لم يكن هباءً، سعيد أنها اعجبتها وبشدة .

وقد كانت، فرفقة لم تخدعه حينما أخبرته أنها أحبت تلك الهدايا، ولم تبالغ حينما وصفتها بأنها كنزها، فهي كذلك بالفعل، جاكيري أجاد انتقاء اشياء من الصعب أن تجدها هنا، كما أنها ستصبح رابطًا مهمًا بينها وبين طفولتها ووطنها ..

" أحسنت جاكيري أنت افضل من يحضر هدايا عزيزي، أنت أجمل جاكيري في هذا العالم كله، كم أنا محظوظة بك!"

اعتدل جاكيري في جلسته جاذبًا إياها لاحضانه بحب هامسًا بينما يده تمر على شعرها، واصابعه تتخلخل خصلاتها براحة وكأن ذلك مكانها الطبيعي  :

" وذلك الجاكيري محظوظ بكِ رفكة، محظوظ أن نالك بعد سنوات عجاف، محظوظ منذ ذلك اليوم الذي طاردني به بعض الحمقى ليقودوني نحو مصيري واراكِ، ذلك اليوم حينما أبصرت شلالات شعرك التي مازلتُ وحتى هذه اللحظة اعافر للخروج من بين امواجها، لكنها تستطيع وبكل سهولة أن تجذبني مجددًا "

________________________

سحب اليخاندرو هالفيتي لأحد المقاعد معانقًا إياها بحب بينما الأخيرة كانت ترتعش باكية بين أحضانه، مشفقة على صغيرها، تجلد نفسها بقوة لأجل نسيانها صغيرها بهذه الطريقة .

" ازاي نسيته ؟! ازاي غفلت عنه ؟! "

كانت تهذي ببكاء بينما اليخاندرو ورغم أنه لم يفهم مقصدها من تلك الهمهمات إلا أن يده لم تتوقف عن التربيت بحنان ولطف :

" اهدأي صغيرتي، سوف نجد طفلك، اعدك لن يبتعد والاوغاد أحفادي لن يعودوا بدونه، أنا أثق بهم، فأنا لم أوكل لهم يومًا مهمة وفشلوا بها "

رمقته هالفيتي بجهل، ليبتسم اليخاندرو بسبب نجاحة في تشتيت  انتباهها حول طفلها، لذلك استرسل في الحديث رغم إدراكه أنها لا تفهمه :

" إذن حفيدي الصغير يُسمى فتحي ؟!"

انتبهت هالفيتي لاسم صغيرها الذي خرج مضحكًا بعض الشيء من فم جدها، بعدما تحول من ( فتحي ) لـ ( فتهي )، لا يكفي أنه ينطق ذلك الاسم الذي تمقته، وايضًا نطقه بشكل خاطئ :

" اسمه قاسم يا جدو قاسم "

" قاسم ؟! يبدو جميلًا رغم أنني لا افهم ما معناه، إذن كيف يبدو حفيدي، وكيف لم اعلم أنني امتلك حفيدًا، لقد ...لقد كنت اموت شوقًا لاحمل طفلًا منكم، لقد حققتي حلمي "

صمت قليلًا ثم قال بتأثر :

" أعلم أنكِ لا تدركين ما اقول، لكنني يا ابنتي لا اطيق الانتظار لتلك اللحظة التي اضم فيها حفيدي الصغير بين أحضاني، أن استنشق رائحته الطفولية اللطيفة "

كانت أعين اليخاندرو تلتمع بالفرحة وهو يصف مشاعره، ورغم أن كلماته تلك لم تستطع بلورة كل مشاعره الداخلية، إلا أنه اكتفى بقول :

" أنا اشتاقه رغم أنني لم أره، أكاد أموت شوقًا لرؤية قاسم"

نظرت له هالفيتي وهي تقترب منه مقبلة وجنته بحب :

" مش فاهمة بتقول ايه بس انا بحبك اوي يا جدو، ولما قاسم يشوفك اكيد هيحبك اوي برضو "

ابتسم لها اليخاندرو بحب ...

وعلى بُعد صغير منهم كانت تقف أمام مرحاض الرجال في انتظار أن ينتهي الصغير مما يفعل، ثواني ورأت الباب يُفتح ورجل يدفع الصغير للخارج وهو يتحدث بالايطالية بكلمات غير مفهومة، لترمق الصغير تنتظر منه أن يفهم كلمات ذلك الرجل باعتبار أنه ايطالي مثله، هي تنظر لقاسم وقاسم ينظر للرجل والرجل ينظر لهما في انتظار رد .

ولا أحد يتحدث بكلمة، بدى الأمر كما لو أنهم في مسابقة تحديق واول من يحرك جفنه خاسر .

ثواني واقترب منها قاسم بعدما ملّ من كل ذلك، يجذب طرف الفستان الخاص بها :

" حمام .."

رفعت روبين حاجبها وهي تنحني نحوه مرددة ببلاهة :

" حمام ؟! معلش هو أنت منين ؟!"

نفخ الرجل وتركهما عائدًا المرحاض مجددًا، بينما روبين نظرت له ثواني بغيظ :

" ما أنت كنت في الحمام، اعمل ايه انا دلوقتي ؟!"

نظر لها قاسم بعيون طفولية بريئة وهو يردد  :

" حمام "

حملته روبين بغيظ متحركة صوب حمام النساء بعدما قررت أن تساعده هي بنفسها، وضعته في الداخل أعلى المرحاض تاركة إياه ثم خرجت لتجيب هاتفها :

" الو "

" روبين أين أنتِ "

وضعت روبين الهاتف ما بين كتفها ورأسها مرددة بجدية أثناء مراقبتها لقاسم :

" في الحمام"

" مجددًا ؟! هل حدث أمر آخر ؟!"

" لا أنا فقط أساعد أحد المشردين "

توقف فبريانو في سيره وهو يردد بنبرة مرعبة بعدما تخلف عن أبناء عمومته تاركًا اياهم يكملون البحث عن قاسم :

" عفواً، أي نوع من المساعدات تلك التي قد تقدمينها لمتشرد في المرحاض روبين ؟؟"

" ماذا برأيك قد يفعل الإنسان في المرحاض فبريانو "

وما زادت جملتها فبريانو سوى اشتعالًا فوق اشتعاله، وقد بدأت عروقه تنفر بغضب من غباء زوجته التي يتخيل أي نوع من المصائب قد القاها غبائها فيها ..

" تبًا لكِ، هل تريدين أن انفجر غضبًا الآن ؟!"

شعرت روبين بالباب يُجذب من الداخل، لتتركه بعدما كانت تمسك بمقبضه وهي تقتحم المرحاض على قاسم مرددة :

" خلصت ؟!"

تحدث فبريانو بتعجب :

" خلصت ايه ؟!"

" لا مش أنت أنا بكلم المتشرد اللي قدامي "

هنا وجُنّ جنون فبريانو وهو يصرخ :

" أيتها الحمقاء أين أنتِ ؟!"

كانت روبين تنظر للمرحاض الذي عاث فيه الصغير فسادًا برشاش المياه:

" تصدق إني مغلطتش لما قولت عليك متشرد، ايه اللي عملته ده ؟! ينفع كده ؟!"

" روبين بحق الله اجبيني في أي مرحاض أنتِ ؟!"

أجابت روبين بعدنا تنهدت بتعب :

" الحمام اللي جنب المطعم "

اغلق فبريانو الهاتف وهو يركض وخياله الجامح أخذ يُصوّر له استغلال أحد المتشردين لغباء زوجته، حتى تساعده ثم يخدعها ....

توقف فبريانو أمام المرحاض الخاص بالرجال وهو يفكر لثواني، هل هي هنا ام في مرحاض النساء، ولأن عقله رفض الاعتراف بتلك الفكرة قرر أن يقتحم مرحاض النساء للمرة الثانية في نفس اليوم ....

وكما حدث المرة السابقة دفع الباب بعنف سالبًا شهقات النساء جميعهن، لكنه لم يهتم باحثًا بعينه عن روبين التي كانت في ذلك الوقت تتحدث من داخل أحد المراحيض مع شخصٍ ما ..

توجه صوب الصوت وهو يقول بغيظ :

" سوف تكون نهايتي على يديكِ روبين "

وقبل أن يفتح الباب رنّ هاتفه ليجيب دون أن ينظر في هوية المتصل، سمع صوت مارتن يصل له في اللحظة التي اقتحم فيها المرحاض وهو يردد :

" فبريانو ذلك الصغير مع روبين ..."

نظر فبريانو لروبين التي كانت تمسك بنطال الصغير لتلبسه إياه، لكن مع اقتحامه اخذت تحدق به في بلاهة هي والصغير وفبريانو الذي قال لأخيه :

" لقد وجدته مارتن ..."

اغلق فبريانو الهاتف وهو ينظر لزوجته بحنق ليصدح صوت الصغير هاتفًا بسعادة بعدما تعرف عقله الصغير على وجه أخيرًا بين كل تلك الوجوه الغريبة عليه :

" فربي...."

رفعت روبين حاجبها وهي تقول بريبة وشك :

" فربي ؟!"

انحنى فبريانو يجلس القرفصاء، يداعب خصلات الصغير وهو يساعده على هندمة ثيابه بينما روبين تراقب كل ذلك وقد بدأت بعض الهواجس الغبية تتلاعب بعقلها ..

" كويس أنك لقتيه لاحسن الكل خايف عليه "

تحدثت روبين بتحفز :

" هو مين ده ؟!"

" قاسم "

" قاسم ؟! وعارف اسمه كمان ؟! وانا اقول الواد قمر طالع لمين "

صمتت ثم قالت بسخرية لاذعة :

" اكيد لابوه القمر اللطيف "

رفع فبريانو عينه لها بشر هامسًا وقد بدأت ملامحه تحتظ بشكل مخيف :

" ابوه ؟! وأنتِ تعرفي أبوه منين ؟!"

ضربت روبين قدمها في الأرض صارخة :

" اعرفه؟! ده انا اعرفه عز المعرفة يا ابو قاسم، بس شكل الولد شبه أمه أكثر "

نهض فبريانو تاركًا الصغير ينظر ببلاهة لهما وهو يقف بينهما، بينما فبريانو اقترب من روبين ضاربًا باصبعيه جانب رأسها :

" أي والد هذا أيتها الحمقاء ؟! هل تعتقدين أن هذا الصغير طفلي ؟!"

" نعم، إذن كيف تعرف عليك وتعرفت عليه إن لم تكن كذلك "

صرخ فبريانو بحنق :

" أنا يمكن أن اكون أي شيء ويوجد العديد من الاحتمالات المبررة لمعرفتنا ببعضنا البعض عدا ذلك الاحتمال الغبي، بحق الله ذلك الطفل عمره عامين تقريبًا، كيف يمكن أن أكون والده وأنا في ذلك الوقت لم أكن مهتمًا بالنساء حتى "

سقطت دمعة من عين روبين وهي تتراجع للخلف قائلة بحزن :

" متزعقش طيب، أنا معرفش هو مين، بس هو ازاي عارفك ؟!"

زفر فبريانو بحنق وهو يردد :

" يمكن عشان ابن هالفيتي، وعرفنا بعض لما روحنا عشان نجبها؟!"

" بنت عمتك ؟؟"

هز فبريانو رأسه بالايجاب فتحدثت روبين ببلاهة :

" هي متجوزة ؟!   "

انحنى فبريانو حاملًا الصغير وهو يردد بسخرية :

" لا جابت قاسم بالانقسام الميوزي "

" انقسام ميوزي؟! أنت كنت علمي علوم؟! شكلك علمي رياضة"

نظرت روبين لظهره تراه يغسل للصبي يده ووجهه، وجميع النساء قد تجمعن أمام المرحاض لمشاهدة الشجار رغم عدم فهمه لبعض الجمل، خرجت روبين لتنظر إلى فبريانو الصغير وهي تردد بإدراك :

" عشان كده كان فاهمني، عشان هو مصري ؟!"

ابتسم فبريانو باستنكار لعدم اكتشافها الأمر حتى الآن، وهو يهز رأسه بنعم،  ثم حمل الصغير بعدما جفف يده، مد يده الحرة لروبين التي تعلقت بها، ليتحرك فبريانو بهما خارج المرحاض وهو يقبل رأسها :

" جيد أنكِ وجدته، لقد بحثنا عنه في كل مكان "

فركت روبين رأسها بغباء :

" أنا كنت مفكراه عيل متشرد رغم إن لبسه نضيف وحلو، بس ده سرق مني الشوكولاتة بتاعتي وهددني اني اشتري ليه شنطة الحلويات دي كلها وإلا هيأذيني، فأنا اضطريت اشتري حلويات ليه من فلوسك  "

رفع فبريانو حاجبه مشيرًا للصغير الذي انتزع حقيبة الحلوى من يد روبين، وفبريانو يردد باستنكار :

" الصغير فعل هذا ؟!"

هزت روبين رأسها بنعم وهي تنظر لقاسم بتذمر لتتعالى ضحكات فبريانو بقوة ضاممًا إياها لصدره :

" اوووه ذلك القاسم الشرير فعل هذا بكِ، لا بأس ارنبي الوردي سأحضر لكِ حلوى كثيرة "

نظر بعينه لقاسم الذي بدأ يخرج الحلوى من الحقيبة بشكل فوضوي ويبدأ في تناولها :

" وللصغير كذلك ...."

__________________________

توقف أدهم عن السير يرمق مايك بتعب شاعرًا بالعجز، دار بعينه في المكان حوله وقد كانت الحديقة التي تمتلء بالصغار، يأمل أن يصطدم بوجهه صغيره الحبيب بينهم وملامح البؤس ترتسم على وجهه بشكل جعل مايك يربت على كتفه مؤازرًا :

" لا تقلق سنجده"

نظر له أدهم بضعف يكبت دموعه بصعوبة فهذه المرة الأولى التي يبتعد بها صغيره عنه، وايضًا في مكان لا يعرفه أو يفهم من به، سقطت دمعة من عينه بضعف وهو يهمس :

" هو لا يستطيع التحدث جيدًا مازالت حروفه متعثرة، لا ينطق سوى كلمات قليلة، وبالعربية أيضًا، أخشى أن يحدث له شيء دون أن أكون جواره، أشعر بقلبي يأن وجعًا عليه، صغيري برئ لا يفقه شيئًا "

تأثر مايك من كلماته ليجذب أدهم لاحضانه يربت على ظهره بحنان شديد، ورغم عدم حديث مايك لادهم سابقًا إلا أنه همس بلطف :

" لا تقلق، لن يسمح جدي بحدوث شيء للصغير، صدقني إن اضطر لقلب تلك البلاد رأسًا على عقب ليجد الصغير، سيفعل دون تردد، فقط تماسك "

سقطت دموع ادهم وهو يستقبل كلمات مايك بلهفة، وكأنه ينتظر في تلك اللحظة أي كلمة قد تطمأنه على صغيره، يحتاج أن يخبره أحدهم أن كل شيء بخير ..

ثواني وابتعد عنه مايك يشير للاطفال :

" تعال لربما كان يمرح هنا او هناك "

حرّك أدهم رأسه لأعلى وأسفل موافقًا وقبل أن يتحرك مع مايك، توقف الأخير مخرجًا هاتفًا يقرأ الرسالة التي أرسلها مارتن لهم جميعًا والتي كان محتواها ( فبريانو وجد الصغير ) .

_____________

في ممرات المشفى انتفض جسد اليخاندرو عندما وقعت عينه على كلمات مارتن، اتسع فمه ببسمة واسعة وهو ينظر بسعادة لهالفيتي مرددًا :

" لقد وجدوا قاسم، فبريانو وجد حفيدي "

ورغم أنها لم تفهم شيئًا، إلا أنها استشفت من السعادة المرتسمة على فمه أنهم علموا شيئًا عن صغيرها، أمسكت بذراعيّ جدها مرددة بلهفة :

" قاسم ؟؟ لقيتوا قاسم ؟!"

وقبل أن يجيبها اليخاندرو سمع الاثنان صرخة طفولية عالية تهتف بلهفة وسعادة :

" مــــــــــــــامـــــــــا "

استدارت هالفيتي بعنف صوب مصدر الصوت، ثواني لتلمح فبريانو الذي كان يحمل صغيرها بحنان، ودون تردد ثانية ركضت نحوه بسرعة كبيرة .

وضع فبريانو الصغير ارضًا، ليبتسم بفمه الملطخ بالحلوى، يفتح ذراعيه في حركة معتادة وهو يقابل والدته بسعادة، وفي ثواني كان الصغير بين احضان والدته التي انكبت عليه بالتقبيل والبكاء :

" حبيب قلب ماما، كنت فين يا قاسم؟! كده تسيبني وتمشي ؟؟"

ابتسم لها الصغير وهو يربت على خدها بحنان مستخدمًا يده الملطخة بالحلوى، لكن هالفيتي لم تهتم وهي تقبله بقوة تحمد الله في قلبها أن وجدته .

هي ثوانٍ فقط غاب عن ناظريها لتشعر أنها سنوات طويلة، هذا الصغير الذي بيده مقاليد قلبها يحركها كيفما يشاء، يستطيع أن يزرع سعادة العالم كله بقلب والدته بمجرد بسمة واحدة فقط، وبإمكانه أن يجعلها أتعس انسان وبدمعة وحيدة فقط، ذلك الصغير الذي سلب لُبها منذ أول صرخة بكاء بعد انجابه، من سلب قلبها بعد اول ضمه له .

كانت هالفيتي تستشعر وجوده بين أحضانه وهي تبكي، تلك الدقائق كانت قصيرة عليها، طويلة على عقلها الذي أخذ يجلدها بسياط الندم، صغيرها المسكين الذي لا يستطيع حتى نطق جملة كاملة بشكل صحيح، كيف سيتصرف في عالم مجهول له مع اشخاص لن يفهمهم...

ومن بين كل تلك المشاعر انبثق صوت اليخاندرو الذي كان ممتلئ بمشاعر لم يستطع السيطرة عليها، يردد حروف اسم الصغير بكل الحنان والحب الساكن في نابضه :

" قــاســم "

عاد الجميع في ذلك الوقت، حتى جاكيري والذي رأى رسالة مارتن ولم يفهم منها شيء، أي صغير هذا الذي وجده فبريانو ؟! لذلك أمسك بزوجته ونهض ليرى ما يحدث دون علمه .

تجمع الكل حول اليخاندرو يشاهدون تلك الحالة الغريبة على جدهم وهو ينحني على ركبتيه يناظر الصغير الذي يختبئ في اقدام هالي، يمد يديه له بشوق استبد بقلبه ..

" قاسم "

كان هذا اقصى ما استطاع اليخاندرو نطقه وهو يرى الصغير ينظر له بفضول، كانت هالفيتي منحنية بجوار الصغير وهي تردد بحنان :

" قاسم ده جدو .."

نظر لها الصغير مرددًا بطفولية وحروف متعثرة :

" جدو عوض ؟؟"

ابتسمت له هالفيتي تربت على خصلات شعره الناعمة، ثم قبلت وجنته بحب :

" لا ده جدو تاني غير جدو عوض، مش هتروح تحضنه حضن كبير ؟! هو بيحب قاسم اوي "

نظر الصغير لاليخاندرو ومازالت يده تضم حقيبة الحلوى التي احضرتها له روبين، قبل أن يتحرك ببطء صوب اليخاندرو الذي كان قلبه ينتفض شوقًا في إنتظار أن يلمس الصغير ويحتضنه له حتى يهدأ خافقه ...

توقف قاسم أمام اليخاندرو يمد يده بفضول ليتحسس تلك اللحية التي يتخللها شعر ابيض كثيف، وقد دفعه فضوله لاكتشافها، ورغم أن يده كانت ملطخة ببواقي حلوى إلا أن تلك الحركة البسيطة كانت أقوى مما استطاع اليخاندرو احتماله، لتسقط دموعه يضم الصغير له بقوة، وقد عادت ذاكرته لسنين سابقة وهو يضم اول طفل له من زوجته الحبيبة، ثم اول حفيد له، والآن ابن حفيدته الاول بين أحضانه، لم يتخيل أن تنصفه الحياة لهذه الدرجة، كان يضم الصغير بين أحضانه وهو يبكي بتأثر لتلك اللحظة، لا يصدق أنه يضم اول طفل من أحفاده الآن، كان ذلك أكثر من قوة تحمله .

كل ذلك كان تحت أنظار الجميع الذين لم يتعجبوا بكاء اليخاندرو أو تأثره، فالجميع هنا يدرك ذلك الجزء الهش داخل جدهم والذي يبرز مع أفراد عائلته فقط، فما بالكم بالطفل الاول من أحفاده، اليخاندرو الذي ضم بين أحضانه تلك ابناءه ثم احفاده، ها هو الآن يضم اول الواصلين من الجيل الثالث، مدلل العائلة الاول .

كانت روبين تبكي بتأثر وهي تشاهد ما يحدث وكذلك كانت جميع الفتيات، بينما الشباب ابتسموا بسعادة وفرحة لرؤية اول طفل في العائلة والذي بمجرد أن خرج من احضان اليخاندرو حتى تسابقوا جميعًا له وهم يصيحون به أن يأتي إليهم .

كان قاسم لا يستوعب شيء سوى أنه يتنقل بين أيدي رجال كثيرين، الجميع يحمله ويقبله بقوة والبعض يضمه بحنان والآخر يقذفه في الهواء فرحًا .

بينما النساء يشاهدن ما يحدث بتأثر، فها هو ذلك الصغير يكشف وجه آخر من أزواجهن لم يبصرنه بعد ...

استكانت روبين  لأحضان فبريانو مرددة بدموع وتأثر :

" حبيبي عسول اوي، كويس إني مأخدتهوش للملجأ وإلا كان جدو زعل اوي"

نظر لها فبريانو بصدمة مما تفوهت به :

" ملجأ ؟!"

مسحت روبين دموعها وهي تقول بجدية :

" أنا فكرته عيل ضايع أو واحد من الأطفال المساكين اللي في الشارع، فكنت هاخده ملجأ بدل ما يفضل في الشارع"

ضم فبريانو رأسها لصدره بقوة مانعًا إياها من إكمال الحديث :

" اششش متقوليش لحد الأفكار دي، بدل ما جدي يرمينا كلنا في ملجأ "

سمع الجميع صوت أدهم الراكض في بداية الممر  يهتف باسم صغيره بلهفة وسعادة كبيرة وخلفه يركض مايك ليرى صغير هالفيتي...

في تلك اللحظة كان قاسم يقبع بين احضان جايك الذي كان يمطره بالقبلات التي كانت تثير ضحكات الصغير لتعلو قهقهاته بشدة ...

توقف جايك عن تقبيل الصغير وهو يرى زوج هالفيتي يجذبه من بين يديه بقوة، التوت ملامحه بحنق وهو يصرخ :

" هيييه لقد أخذته للتو، هذا دوري أنا "

لكن أدهم لم يكن يستمع لشيء وهو يضم الصغير بين أحضانه:

" حبيب بابا، قلبي كان هيقف من الرعب عليك، كنت فين ؟!"

تمتم الصغير بصوت طفولي :

" شوكولاتة "

" شوكولاتة ؟! سبتنا عشان تدور على شوكولاتة ؟!"

هز الصغير رأسه بنعم مبتسمًا، ليحذره ادهم بلطف بعض الشيء :

" كده غلط يا فتحي، لما تحتاج شوكولاتة تاني تقول ليا أو لماما ماشي ؟؟"

صمت الصغير ثواني وكأنه يزن الكلمات في رأسه :

" ماشي "

ابتسم ادهم مجددًا وهو يضمه مقبلًا وجنته بحب، ليشعر باقتراب هالفيتي منهم والتي ربتت على خصلات شعر الصغير بحنان، رمقها أدهم بحب يحرر أحد يديه يضم بها زوجه بحب، يشكر الله على وجودهم جواره، ثواني فقط من اختفاء الصغير كانت كافية لتشعره أن عالمه على وشك الانهيار تمامًا .

سمع صوت يتنحنح جواره وهو يقول بجدية :

" حسنًا بما أننا رحبنا بالصغير، حان وقت الترحيب بابنة العمة الغالية "

هكذا أردف ماركوس الذي اتسعت بسمة وهو يفتح ذراعيه مرحبًا بهالفيتي :

" مرحبًا بزهرتنا الغالية، انرتي العائلة اميرتنا "

وما كادت يده تجتذب هالفيتي من بين أحضان أدهم، حتى سارع الاخير بالوقوف بينهما يرمق الجميع الذين بدأوا التجمع حوله بغضب :

" لا يقترب أحدكم من زوجتي، لا عناق لا سلام ولا لمسة واحدة حتى، هيا ابتعدوا عنها "

كان يتحدث وهو يحرك يديه في الهواء، بينما هالفيتي خلفه تعيش اسعد لحظات حياتها حفنة من قطع الحلوى المستوردة تتهافت على احتضانها، حسنًا ليس هذا ما يسعدها فهي لن توافق على أية حال، بل يسعدها وبشدة وقوف أدهم أمامها بهذا الشكل ومدافعته عن حقه فيها وحده، وأن لا أحد في هذا العالم يحق له لمسها غيره هو فقط، وهذا ما جعلها تنتشي سعادة .

في تلك اللحظة خرج انطونيو من الغرفة بعدما استيقظ على صوت صياح الاوغاد أبناء عمه، يصرخ بغضب وحنق :

" أنتم أيها الحمقى ألا تدركون أننا في مشفى هنا ؟!"

نظر له الجميع وعم هدوء طويل بيهم قبل أن يندفعوا فجأة في الحديث مع بعضهم البعض مشيرون نحو أدهم وكلٌ يتحدث بحنق، البعض يتذمر لأنه أخذ منهم الصغير والبعض الآخر حانق لأنه لا يسمح لهم بالترحيب باميرتهم الحبيبة، كل ذلك وادهم يربع يديه أمام صدره بكل برود :

" والله لو جبتولي بعثة من الأمم المتحدة تتوسطلكم ما هخلي واحد منكم يلمسها لمسة واحدة بس "

اتسعت بسمة هالفيتي بقوة وهي تردد :

" ما بلاش الغيرة دي يا ابو قاسم، دول مهما كان اخواتي "

التفت لها أدهم ينظر بشر ولم يكد يتحدث حتى قاطع الجميع صوت انثوي يردد :

" هذه هي الزهرة إذن ؟؟ اريد أن اتعرف عليها "

وكان ذلك الصوت هو صوت جولي التي تجمعت هي والفتيات حول هالفيتي والجميع ينظر لها بنظرات تقييمية لمعرفة هوية تلك الزهرة المدللة في عائلة اليخاندرو ..

وهكذا تداخلت الصيحات وعلت الاصوات بشكل جعل انطونيو يكاد يخرج سلاحه ليبيد هؤلاء الحمقى، والفتيات يحمن حول هالفيتي....

لكن كل ذلك توقف على صرخة اليخاندرو ...

_____________________

يجلس الجميع في غرفة روما بهدوء شديد، لا أحد يجرأ على أن ينبث ببنت شفة، الكل ينظر لبعضهم البعض بريبة، فمنذ دقائق أتى بعض الأطباء يحذرونهم من تلك الضوضاء التي احدثوها، ليرمقهم اليخاندرو بنظرة قاتلة، ولولا وجود قاسم في الجوار لكانت ردة فعله أعنف من كل هذا .

تنحنح انطونيو وهو يشير لروما التي كانت تحدق في الجميع بحنق لأجل إفساد وقتها مع انطونيو :

" هالفيتي هذه زوجتي روما "

ترجم ادهم لهالفيتي ما قاله انطونيو لتبتسم له هالفيتي وهي ترحب بروما :

" اهلا يا حبيبتي بيرسيليو قالي أنك حامل وتعبانة، ربنا يقومك على خير يارب، هو أول عيل كده بيتعب، أنا في قاسم كنت مش بقدر اتحرك من مكاني وخليت ادهم يشوف الويل معايا"

كانت تتحدث بانسجام في الحديث والجميع يحدق بها، لتتحدث روما رغم عدم فهمها لشيء :

" شكرًا لكِ هالفيتي، أنا أيضًا تشرفت بلقائك، لقد اخبرني انطونيو عنكِ الكثير "

بادلتها هالفيتي البسمة بأخرى لطيفة، قبل أن ترى فتاة تنتفض من مكانها متحدثة ببضع كلمات غير مفهومة، ثم توجهت لها تتحدث بحماس كبير :

" مرحبًا أنا جولي، زوجة مارتن، سعيدة لرؤيتك، أنتِ تبدين جميلة حقًا "

همس ادهم في أذن هالفيتي بكل ما قالته جولي، لتقرر هالفيتي النهوض وجذب جولي لاحضانها مرددة بسعادة :

" يا ختي أنتِ اللي قمر وزي حتة الطوفي كده، ماشاء الله هما كلهم حلوين كده هنا ؟! دول لو متفصلين بالطلب مش هيكونوا كده سبحان الله"

ردد ادهم ساخرًا على حديثها وكأنها رأت للتو كائن خرافي :

" ويخلق ما لا تعلمون "

ابتسمت جولي تبادل هالفيتي الاحتضان قبل أن تسمع صوت هايز تتحدث بخجل :

" هل يمكنني الترحيب بها أيضًا ؟!"

ابتعدت جولي لتستدير هالفيتي لهايز التي أشارت لادم متحدثة :

" أنا هايز زوجة آدم "

صاحت هالفيتي بترحيب وفرحة :

" مرات آدم الغلطة، ايه القمر ده كتكوتة اوي، طب والله جوزك ده اكتر واحد بستريح ليه، حتى تلاقيه اسمه كده سهل ومش معقد، خفيف على القلب كده "

رفع فبريانو حاجبه مرددًا بجهل :

" الغلطة ؟؟ "

اقتربت راسيل ترحب بهالفيتي كذلك :

" مرحبًا أنا راسيل زوجة مارسيلو "

حيتها هالفيتي بلطف :

" مساحيق غسيل في بعضيكم، مخرجتوش برة "

أطلق فبريانو ضحكة عالية لم تفهم هالفيتي سببها لكنها ابتسمت له بغباء قبل أن تتحرك فيور جهتها :

" مرحبًا تتذكريني، أنا فيور "

لم تفهم هالفيتي سوا اسم فيور لتسارع بالحديث :

" ايوة مرات الموكوس، فكراكِ طبعًا "

انتبهت هالفيتي لفتاة ذات شعر احمر مبهر تجلس بهدوء حوار أحد أبناء خالها، ترمق الجميع ببسمة هادئة صافية لتشير لها متحدثة :

" شوف يا ادهم البت دي شبه بطلة المسلسل التركي"

حرّك أدهم رأسه لينظر حيث تشير زوجته، لكنها وقفت أمامه بغيظ :

" أنت هتعمل ايه ؟!"

" هعمل ايه ؟؟ مش قولتيلي اشوف البنت اللي شبه البطلة ؟؟"

لوت هالفيتي شفتيها بحنق شديد :

" ده تعبير مجازي مش بجد، بعدين هو أي حد يقولك شوف تشوف؟! افرض حاجة وحشة؟!"

رفع ادهم حاجبه من ذلك الهجوم الشديد لأجل ما فعل :

" بت أنت متخلفة؟!"

" لا أنت اللي بصباص وبتاع بنات والعيشة معاك مبقتش تنفع، مش كل شوية الاقيكِ بتبص على واحدة، أنا ميعجبنيش الحال المايل ده "

اشار ادهم على نفسه بصدمة كبيرة ولسان حاله يصرخ ( أنا ؟؟؟)

لكن هالفيتي لم تكد تضيف كلمة حتى وجدت " بطلة المسلسل التركي" تقترب منها متحدثة برقة :

" أنا روز زوجة جايك "

ابتسمت هالفيتي بسعادة تضمها بقوة :

" روز !! اسمك جميل خالص، ما فيه اسماء حلوة اهي عندهم  "

ثواني ورأت هالفيتي فتاة اخرى تقترب منها وهي تمد يدها متحدثة ببسمة واسعة :

" اهلا يا هالي أنا رفقة مرات جاكيري، اتشرفت بمعرفتك، واتمنى تقضي اجازة سعيدة عندنا  "

في تلك اللحظة ارتسمت صدمة كبيرة على وجه هالفيتي، صاحبتها شهقة عالية، جعلت رفقة ترتعب وهي تتراجع للخلف بريبة، بينما هالي أشارت لها مرددة بصدمة ودموع :

" مصرية ؟! دي بتتكلم زينا يا ادهم الحق "

ابتسمت رفقة بريبة وهي تهز رأسها بنعم :

" ايوة أنا مصرية و...."

ولم تكد تكمل كلمتها حتى سحبتها هالفيتي لاحضانها بقوة وهي تردد وكأنها قابلت أحد أفراد شعب بلدها في بلد خارجية بعد غربة دامت لعقود، وليس لساعات فقط .

" ياااه، تحيا مصر "

أطلقت رفقة ضحكة وهي تبادل هالفيتي العناق بقوة، تتأكد أن تلك الفتاة القابعة بين أحضانها هي أكثر الفتيات بساطة ولطفًا، بسيطة بشكل يجعلك تشعر كما لو أنها رفيقة قديمة، صاحبة وجه مألوف وملامح مريحة ...

اقتربت روبين في تلك اللحظة بمشاكسة تضيف :

" وانا كمان مصرية، أنا اللي لقيت قاسم على فكرة واخدت بالي منه "

ردد فبريانو بصوت هامس ساخر :

" وكنتِ هترميه في ملجأ "

ابتعدت هالفيتي رفقة وفمها مفتوح بصدمة :

" الاه ؟! أنتِ كمان مصرية ؟! طب ما المحلي شغال اهو والتصدير مفتوح والدنيا زي الفل اهي"

صمتت ثم اردفت بصدق :

" شكرًا أنك اخدتي بالك من ابني، جميلك مش هنساه العمر كله "

ضحكت روبين بقوة تحتضن هالي مرحبة بها، بينما جميع الفتيات ينظرن لهن ببسمة واسعة وقد نشرت هالفيتي بمزاحها البهجة في المكان ورسمت ببساطتها وبسمتها الضحكات على الوجوه .

نظرت هالفيتي للفتاة الأخيرة وهي تقول ببسمة واسعة ممازحة:

" متقوليش أنك أنتِ كمان مصرية ؟!"

ضحكت لورا ضحكة جميلة سلبت لب مايك الذي هام بها وهي تقترب من هالفيتي غامزة لها بمرح :

" لا مو مصرية، بس عربية "

صمتت تمد يدها ببسمة لطيفة :

" أنا سورية، اسمي لورا زوجته لمايك "

ارتسم الانبهار على وجه هالفيتي وهي تدفع ادهم في كتفه :

" ادهم بص دي سورية وبتتكلم زي المسلسلات التركي "

ابعد ادهم وجهه للجانب الآخر يجيبها بعناد وسخرية :

" لا شكرًا مش عايز اشوف حاجة، لاحسن الاقي نفس بعد شوية خاين وبتاع بنات ومش متربي "

ضحكت هالفيتي بقوة وهي تنحني عليه تضم رأسه بحب :

" متقولش عن نفسك كده أنت قمر "

ابتسم لها أدهم وهو يهمس بخفوت :

" لولا أننا قدام عيلتك كنت قولتلك مين القمر هنا "

أنهى حديثه بغمزة تسببت في خجل  هالفيتي التي ابتعدت وهي تردد بسعادة :

" أنا فرحانة اوي اني شوفتكم، أي نعم اتصدمت أن كلهم اتجوزوا، مش فاهمة ده حصل ازاي وانا آخر مرة قابلتهم كلهم كانوا كلهم بائسين مفيش حد معبرهم، مرة واحدة كلهم بقوا ازواج "

نهض اليخاندرو وعلى كتفه يغفو قاسم بارهاق بعد ذلك اليوم الطويل، يضمه جده إلى صدره بحنان ويده ماتزال تتحرك بلطف على ظهره.

" حسنًا والآن وقد تعرف الجميع، استمعوا لي "

نظر لانطونيو وهو يردد بهدوء :

" انطونيو روما بخير، فقط بسبب ارهاقها في الفترة الأخيرة وسفرها بالطائرة والاضطرابات الجوية، هي كل ما سبب لها تلك الانقباضات العنيفة، إلى جانب أن الطبيبة أخبرتني أنها لا تتغذى جيدًا "

وسريعًا تحركت عين انطونيو لروما التي ابتسمت بغباء ليقاطع اليخاندرو تلك النظرات قائلًا بجدية :

" لقد تحدثت مع المشفى ليتم نقلها في سيارة إسعاف حتى المزرعة وحتى نتأكد أنها لن تتعرض لأي مخاطر أثناء الطريق، باعتبار أن جاكيري هو من سيقود الحافلة، بمجرد الوصول للمزرعة لن أسمح لأحد أن ينعزل عن الباقيين وتلك الهواتف القمئة سيتم مصادرتها من الجميع  "

نظر الجميع الصامت قبل أن ترتسم بسمة متحمسة على وجهه :

" إذن انتم جاهزون لبدء الرحلة ؟!"

صمت الجميع ولم يتحدث أحدهم بكلمة ليرفع اليخاندرو حاجبه بترقب، جعل هالفيتي تقترب من ادهم هامسة :

" هو كله سكت ليه ؟! هو جدو قالهم ايه !!"

كاد أدهم يجيب لولا صوت اليخاندرو الذي قال بصوت متحفز :

" لم اسمع ردًا ..."

أجابه الجميع بفرحة كبيرة البعض اصطنعها والبعض الآخر كانت صادقة :

" نعم جدي، نحن جاهزون وبشدة "

كانت الفتيات تصرخ بسعادة لتصفق هالفيتي بغباء معهم دون أن تفهم شيء.

قبّل اليخاندرو الصغير وهو يقول بتوعد خبيث غامض يخفي خلفه الكثير والكثير  :

" هذا جيد، اعدكم برحلة لا مثيل لها احبائي.."

وما كاد أحدهم يتحدث بكلمة حتى فُتح الباب فجأة واقتحمه شخصين تحدث أحدهما بثقة كبيرة وبسمة واسعة :

" يلا أنا جبت الملاية والرنجة وجهزت العوامة بتاعتي "

تحدث الشخص الآخر والذي كان امرأة عجوز تستند على عكازها :

" أنتم أيها الاوغاد عديمي الأدب، كيف تتركونني في المنزل وحدي وترحلون؟! أردتم الهرب والذهاب للمزرعة بدوني؟! هكذا أنتم لن تتغيروا، أصحاب قلوب سوداء لا فائدة ترجى منكم  "

ابتسم اليخاندرو بسمة واسعة وهو يهمس :

" حسنًا الآن اكتملنا احبائي، إلى الحافلة لنبدأ الرحلة ...."

  _____________________________

وكما قال اليخاندرو ( لنبدأ الرحلة .......)

فاستعدوا لعيش حياة مختلفة رفقتهم، مع رحلة مليئة بالجنون .

دمتم سالمين
رحمة نبيل

Continue Reading

You'll Also Like

5.5K 280 31
كيف تحيي الفتاة فى حماية المتملك، فهو متملك يعشقها ويحبها حد الجنون، وهى تحتاج الامان والحماية ولكنها لاتعرف الحب فهل ستتعلم الحب على يد المتملك ام س...
13.7K 1.4K 10
عثر فين دوما على وقت للمغامرة، كانت حياته عبارة عن مغامرة كبيرة، يلقي بنفسه في الخطر، لا يهتم للجروح او الكدمات و لن يحني راسه، هو سيقاتل بسيفه و بسا...
56.5K 4.7K 14
كان ملِك غابته المنزلية، وجلستْ القطط من حوله طاعةً لأوامره، ولكنه حين رحل عن الغابة لأمرٍ طارئٍ، تمرّدتْ جميع القطط وذهبتْ كل قطةٍ في طريقها باحثةً...
11.7M 238K 37
جميع الحقوق محفوظه للكاتبه آية يونس ... ممنوع النشر او الاقتباس الا بإذن الكاتبة آية يونس ... رواية بالعاميه المصرية يقال أن ....الجميلة يقع في غرام...