رخُّ البردي

Autorstwa Focifica

636 80 16

يرى نفسَه، يرى جسده وهو يُلف بكفنه إستعداداً لدفنه دون الصلاة عليه، لا أحد يراه ولكنه يرى الجميع، نظر إلى ا... Więcej

الفصل الأول: سُلطة
الفصل الثاني: لُعبة المُطارَدة
الفصل الثالث: لتَسْقُط إِسْلَامْبُولْ!
الفَصل الرابع: لَعنةُ المَيت
الفصل الخامس: تنقيب منتصف الليل
الفصلُ السّادس
الفصل السّابع: قناع المكيدة
الفصل الثامن: تَلَبَسَتهُ الشَياطـين
الفصل التاسع : إمرأة العَزيز
النهاية : سقوط الرخ المزيف
الفصل العاشر: سقوط رخ البردي

مقدّمة

352 23 7
Autorstwa Focifica

عَبَر القوس الترابي الجسد والمُزخرف بالأشكال الهندسية ليدلُفَ إلى غرفةٍ ذات أثاثٍ خشبيٍّ مصقول، حصائرٌ مخمليّةٌ فُرشت على الأرضية الرخامية والتي صُبغت بلون الملوك والسلاطين، لون الجمرة الملتهبة، بزخارفٍ سوداء مطعمة بالذهب في بعض البُقع.

  اتخذ مكانه وسَط المجلس، متوشِحًا بالجلباب المطرز بأبهى النقوش وجلدهُ الحريري يَرِفُ لأبسط نسمة هواءٍ تتسرب من النوافذ ذات الزجاج الملون بفسيفساء بهية.

عَقب ذلك دخول ضيوفٍ من علية القوم، رحَّب بهم صاحب البيتِ المَخملي بحرارة ، جلسوا وبدأت أحاديثهم في التدفق دون هوادة وارتفعت معها أصوات ضحكاتهم.

ولجت الخادمة ودون أن تنبس بكلمة بدأت تصفُّ مختلف أصناف الطعام على طاولة توسطت الجمع، ألحقتها بأباريق ممتلئة بالشراب المختلف.

حمحم من يترأس الجلسة فأطبق الجميع أفواههم، على غرار العادة تلمّس الإحترام والرهبة على وجوههم، مما دفعه إلى نفخ صدره ورفع كتفيه عاليًا مغترًّا بما آلت إليه الأوضاع، فبعد كل شيء، هَو الأسَدُ هنا..

أومأ لتحية ضيوفه ثم أعلن وبصوتٍ ملؤه الفخر:
« هذه الوليمة على شرف تنصيبي كقاضٍ على محكمة المظالم، تفضلوا وتناولوا أشهى الأطعمة، فاليوم نحتفل على ضفاف الأنس والفرحة ونودع ما سبق، فاليوم نبدأ عَهد جديد.. عهدي أنا ..!»
شدد على آخر جملة كمن يصرِّح بمجريات المستقبل بطريقة بغلظة صوته وثقته التي تجعل من أمامه لا يجرؤون على الأعتراض حتى.

هنّأه الحضور وشكرهم على مباركاتهم، استمرّ حديثهم وتنوعت المواضيع فيما بينهم، حتى اعتلت تقاسيم وجه صاحب البيت إيحاءات غريبة، فالذي يمعن النظر سيلاحظ جحوظ عينيه، وجهه الذي تجمدت تقاسيمه بطريقة غريبة، تجعد حاجباه، وزمّ شفتيه، تنقلت خرزتيّ عينيه يمينًا ويسارًا، اضطربت لغة جسده وظهرت حبيباتُ العرق اللامعة أعلى جبينه الأسمر، خدّاه اللذان كانآ متوردان نتيجة الضحك المتواصل والشعور بالدفء والتخمة قد فرّت الألوان منهما ، واعتلى وجهه صُفرة الشمس بوضوحِها.

استدار ببطء ليواجه مصدر الفحيح المتدفق من خلفه، فالذي ولج أذنيه لم يكن بالزائر الحميد ولا الصوت المستساغ، مشابه لصوتٍ قد ألفه، ما التقطته أذنيه مطابق لصوت العزيز الذي قد وضع التراب فوقه وحزن على فراقه ثلاث ليالٍ ونصف، أمامه وقد تجلت صورته قابعًا هناك كما قد رأته عيناه آخر مرة قبل الدفن، حلقات سوداء تحاوط عينيه، بشرته البيضاء بلون السوسن إلا أن الفرق بين العزيز وهذا الغريب شيء واحد، وهي رائحته..

نسيـمُ الموت يُحيط بالغريب، ذات الرائحة التي كانت تحيط بعزيزه قبل أيام معدودة.

«وعدتني بأن تصلح يا صالح..»
صدح صوت العجوز وطاف الأرجاء ولكن كما يبدوا فإنه لم يدخل سوى أذن المرتجف، أصبح كشجرة هزيلة تجاهد للبقاء واقفة أمام رياح إعصارٍ فتاك، تدفعها وتهزّها حتى تقتلعها.

فمن أين خرج هذا؟ لقد دفنه بيداه ! كيف يسمع صدى صوته ويرى ظله وكأنه حي يرزق؟!

رجفة الخوف تمكنت من الأسد المُغتر ، اصطدمت أسنانه ببعضها، لم يكن السبب برودة الأرجاء ولكن الرعب قد جعله يرتجف بشدة، تحركت يده لتطبق على المخمل الذي يزين الحصيرة  التي يجلس عليها مستنجدًا بأن تغيثه، لكن هيهات، ما للجماد بفاعلٍ إزاء هذه المصيبة! ليودُّ أن يفرَّ راكضًا لكن العين طويلة ولا أرجل للهرولة!

إمتزج صوت الصياح برعد كلماته، نظر صاحبنا حوله وقد لاحظ خلوَّ الغرفة من البشر فيما عداه، أسرع مندفعًا نحو سيفٍ قد وضِع على  طاولة صغيرة في أحد زوايا الغرفة، لم يسعفه جسده للوقوف بل حاول عدة مرات لكنه فشل وسقط يحتضن الأرض في كلّ مرة حتى قرر الزحف كطفلٍ رضيعٍ لم يألف المشي على قدمين.

وعندما طاله بيده شعر برجوع القوة إلى ساقيه، وقف ممسكًا بالسيف براحتيه ليمتص منه جرعة من الشجاعة والبأس، حطَّم النافذة التي أطلت منها هيئة العزيز الميت بضربة واحدة، زفر هواءًا قد كبته داخله، ارتخت ملامحه ولانت وقد شعر بالراحة تتسلل إلى صدره الضيق، شعر بانه قد وصل إلى ضفاف الأمن بعد كفاحه في بحار الشّدة.

وكأن كابوسه رحل.

«وعدتني بأن تصلح يا صالح.»
عكّر صفو الأرجاء صدوح الصوت مجددًا متزامنًا مع ظهور الهيئة لتتربع على نافذة مجاورة للسابقة التي حطّمها الأسد المُرتجف، ازدادت حدة صوته هذه المرة كذلك مظهره أصبح أكثر رعبًا، شعره أصبح أشعثًا، والملابس التي يرتديها لوثتها الأتربة المسودَّة، مقلتاه إحمرّتآ وشفتاه تقشرت وأصبحت بلون القرمز.

مجددًا حطّم النافذة، وفي كل مرة يهشّم صالح نافذة يظهر الميت الذي لم يصبح عزيزاً بعد الآن في نافذة أخرى حتى صدح صوته بأعلى مما سبق
« تظن بأن كسر النوافذ قد يضع حدًّا لي يا ابن الدرويشي!.»

فغر صالحٌ فاهه لدرجة تشعر كما لو أن فكّه على وشك أن يلامس الأرض، توسعت حدقتيه كذلك وقد فتح مصاريع جفنيه لأقصى حدودها، خارت ساقيه وسقط على الأرض جاثيًا.

« وعدتني بأن تصلح يا صالح، ما كسرته من ظهرٍ لعبدٍ مظلومٍ يفوق عدد النوافذ التي كسرتها هنا.»
هبّت ريحٌ عاتية مُفاجئة لا مصدر لها داخل الغرفة انكسر بسببها ما تبقى من نوافذ، تمزّق المخمل وتحطمت التُحف الخشبية التي تزين المكان، أمست الغرفة المزيّنة سابقًا والتي تصرخ بالثراء  صحراء جرداء، بل  ربما أسوء.

  تهالكت الجدران، وتصدع السقف وبدأت أجزاء منه في السقوط والتحطُّم على الأرضية الرخامية، خرج يتخبَّط بين وقوفٍ وزحفٍ إلى صحن الدَّار، خرّ على الأرض يلهث ككلب شارد، وما إن التقط انفاسه جال ببصره حوله، قصر الزوجية، تحول إلى أطلالٍ أمام ناظريه.

نشج كطفلٍ رضيع في بداية الأمر، وثم انتقل إلى الصراخ والعويل، فاللطم والولولة، لم يذرف دمعة قط منذ أن شهد في صباه موت والده مشنوقًا أمامه، ولكنه الآن ينتحب كالارملة.

تشكّلت ذرات الرمال لتتجسد على هيئة الغريب الذي يلاحقهُ،  ووقفت لتواجهه كاملة على عكس الصورة السابقة التي ظهرت على زجاج النافذة.

شلّت حركة صالح وتوقفت الدماء عن السريان في عروقه، اللُّعاب الذي ازدرأه توقف في حلقه ولولا الجاذبية لم يكن ليتمكن من الوصول إلى وجهته، لم يصدق ما تراه عيناه، فعزيزهُ الميت كمن لم تبتلعه الأرض ولم يمسسه سوء واقفٌ على قدميه كعادته وبسحنته المعتادة التي تنضح بالعزة والقوة.

بل وربما يبدو قوياً، وأقوى من ما كان عليه وهو حي!

« أترى كيف أصبح قصرك ردمًا؟! سأجعل من جسدِك سماداً لهذه الرمال يا صالح!»

هامتُ الكائن الغريب بدأت في التضخم، قامته ازدادت طولًا، جسده العليل أصبح فتيًّا قويًّا، وأما صالح فغدى يتقلّص ويتقزّم حتى أصبح بطول عقلة الإصبع.

ارتفعت قدم الشبح المهولة واقتربت من الضئيل صالح حتى أصبحت فوقه تمامًا، جثى صالحٌ على الأرض يتوسل رحمته وعطفه لكن دون فائدة، نزل بقدمه عليه وكأن صالح هذا نملة لا قيمة لها أمامه ، صراخ صالح ملئ حنجرته وانتقل الى الباحة الكبيرة لبرهة ،وثم توقف وعمّ الهدوء في المكان.

انتقلت به الأحداث ليجد نفسه يتوسط قاعة المحكمة، يجلس على منصة القاضي وتمتد الغرفة الواسعة امام بصره خالية من البشر، فقط كراسٍ خشبية فارغة رُتبت بعناية على صفين يمينًا وآخرين يسارًا يفصل بينهما ممرٌ يفضي إلى مدخل الغرفة.

ماذا حدث؟!
أين كان؟!

والأهم من كل هذا، أين عزيزهُ الميت؟!

ظهر طيف القاضي مراد أمامه، ذاته الشبح الذي كاد يقتله كالحشرة في حضرته، بحلة مهترئة أكلها الدود كذلك جسده لم يسلم من براثنه الجشعة
« أتعلم طعم الدماء يا صالح؟»
لم يجد أجابة، لا اجابة مِن مَن يحادثه، فهو شبه ميت ولكن بعينين جاحظتين ، وهذا لم يجعل مُراد يكف عن الاقتراب منه اكثر فأكثر، يلعب على أوتار اعصابه بكلماته التي تسم بدنه بالبطيء

« سأُذيقك دماء من نهبت أرواحهم ، لتعلم طعم الدماء السوداء»

  حدث العجب، فالأبواب والنوافذ قد اختفت بغمضة عين، الجدران بدأت بتسريب الدماء، نضحت كالآنية الفخارية في يوم صيفٍ حارق، لكنها ليست بقطيرات الماء تروي العطش، بل دماء تُعطشكَ أكثر فأكثر.

«الهـي..!»
صرخ صالحٌ واستأنف الولولة مجددًا.

«ستكون اضحوكة الموسم يا ابن درويش، القاضي الجديد يرتجف خوفاً كالولاية»
ازدرد ريقه بصعوبة، حاول الوقوف على قدميه لكنه لم يفلح، إما بسبب الهلع الذي أصبح يتحكم به كالدمى أو بسبب التصاقه بالكرسيٌِ الذي يجلس عليه.

أما ظل القاضي فوقف يشاهد بملامح تخلو من المشاعر، نظرة عينيه الثاقبة تكاد تحرق الجالس أمامه، يملؤ عينيه برود يجعل من حرارة الدماء تتجمد،  بينما الآخر يترجّى ويتوسل بأن يغفر له ويتركه في حال سبيله، تأمّل بأن يرقّ قلبه على صهره ويخرجه من هذا الرعب، لكن هيهات، فالآخر لا يتزحزح ولم يرفّ له جفن حتى.

« هل ستَترُكني.. إن وعدتُك بما تريد؟!»

أومأ شبح القاضي وحرّك شفاهُ قائلًا:
«تخمين صحيح، يجب أن تفي بوعدك وألا تظلم حتى حشرة.»

فرقع بأصابع وحينها شعر صالح بأن ثقلًا قد أزيح عنه، حاول الوقوف ولكن هذه المرة استطاع أن يقف في مكانه، شعر بأستمداد جسده بضعاً من قواه، نزل من منصة القاضي ووقف أمام الشبح والرجفة مازالت تتملكه
«سأفعل! أعدُك بذلك .. لن اظلم احد ابداً..! »

حاولت يداه أن تسلك السبيل نحو يدي القاضي وتمسكها بحرصٍ علّ نواياه تتسرب إلى الآخر لكنه إختفى فجأة، نظر صالح حوله بحثًا عنه لكن عيناه لم تلتقطه في الأرجاء.

ورغم عدم وجود ظله الأسود، إلا أن صوته العاتم تردد في الأرجاء.
« افعل أو لا تفعل، انتَ تعلم ماذا ستتلقى في الحالتين..»

جسده يتصبب عرقًا، ارتفع صدره وانخفض بسرعة مضطربًا، تلاطمت أنفاسه وتخبطت، شعر بجيوش المرارة تجتاح فاهه وتمتد لتحتل أسفل حلقه، أمسك بصدره محاولًا إيقاف قلبه الذي يدق كالطبول، بدأ في تلمس جسده كمن يتأكد من أن كل أعضاءه في مكانها الصحيح، نظر حوله ليبصر الدلاهمة محاطة به من كل جانب.

«عزيزي.. مابك؟ هل رأيتَ كابوساً؟!»
خاطبته ذات الصوت الناعم، بنبرة قلقة بينما تتلمس كتف زوجها بعينين ناعستين، و هي تتفرش السرير إلى جواره، وعندما لم يبلغها رده اعتدلت في جلستها وربتت على صدره  مردفةَ بحنوّ
«سمّ الله يا صالح، وتعوذ من الشيطان الرجيم، إقرأ ما تيسر وعد إلى نومك، ينتظرك يومٌ شاقٌ غدًا»

ازدرد ريقه، دفع براحتها بعيدًا عن صدره نابساً
«ابتعدي عني يا امرأة! لعن الله ابليس..!»

Czytaj Dalej

To Też Polubisz

553K 28.3K 53
فتاة بسيطه الحال شاء القدر ليغير حالها وتهب الرياح بما لاتشتهي السفن.. وينتهي بها في مطبات ضيقه ويصعب الخروج منهاا... فتعاني وتعاني لتخرج ع واقع...
3K 606 22
ملخص الرواية ناتان شاب يطمح أن يكون ممثل ناجح في هوليود لكن الحظ لم يقف معه إذ ان كل محاولاته تبوء بالفشل في الحصول على دور رأيسي حتى استيقظ ذات صب...
1.2K 121 5
فائزة في مسابقة جوف الألوان للدورة الثانية... حينما التقى السحاب مع السماء بعد غياب.. الغلاف من جنود التصميم.
17.1K 1K 9
" كل ماتبقي ليَ هو أُختي الصغيِرة ، نركض للنجاة بّحياتنا من تَلك المخلوقات و نواجه العقبات والمتَاعب ولكن لانستسلم و نترك خلفنا كل شيء في عالم يسَوده...