الطَقس حار للغاية، حيثُ تنتصف السماء الشمس ذات القرص الدائري المُشتعل بالنار، السماء صافية فلا يظهر منها سوى اللون الأزرق الصافي المُهدئ للعينين بعكس حُمرة الشمس، وكل هذا كان لا شيء مقارنةً بما يحدث في وسطِ العاصمة، القاهرة..
كان هُناك حشد كبير وتجمهر يملئ ساحة كانت تبدو مهولة الحجم عندما كانت فارغة قبل بضع دقائق، كان الناس سواسية في هذا المكان، فسواءً كنت فلاحاً، معمارياً، طباخاً، أو حتى تاجراً، الكُل لحق بفضوله المريض ليرى بعينيه لحظة قطع رأس المُجرم تحت حُكم المحكمة العُظمى في قلب مصر.
«لما لم يَخرجوا هذا الملعون ليقطعوا رأسه ويريحونا منه ومِن أشكاله التي ملأت مصر؟!»
تساءلت امرأة من بين الحشد الكبير تُخاطب صاحبتها التي على يمينها بينما تُمسك بالوشاح الأسود الذي يعتلي رأسها ويغطي بقية جسدها، حركت المَقصودة بالحديث فمها الى الجانبين بحسرة وقالت:«ينتظرون قدوم القاضي، حياتنا متوقفة على هذا القاضي الآن»«هو يستحق الإعدام رمياً بالحجارة ، قطع الرأس هذا تكريماً لـ لحيته البيضاء لا غير» السخرية كانت محل الحديث بينهما، وهما يحاولان النظر إلى منتصف الساحة بقلة صبر وقلب خافق متحمس لرؤية رأس الرجل الكبير يتدحرج من على المسرح الصغير ليقع أرضاً، فيأخذ نصيبه من الدنيا ويترحل الى الآخرة بأسوء ما فعل في حياته.
فجأة! عم الصمت في المكان، جراء ارتفاع صوت آخر، صوت عالٍ جعل من جميع الأفواه تغلق بدون حديث، وهو قرع الطبول كإشارة للجميع أن ما ينتظرونه قد بدأ، فما عليهم سوى الصمت ليشاهدوا ما قد جاؤوا لأجله.
صاح فيهم صوتٌ صدح في الأرجاء قائلًا:«يا أهل مِصر الكِرام، نحن الآن؛ نجتمع في ساحة القاهرة الكُبرى؛ لتنفيذ حُكم الإعدام على المدعو بـ عبدالرحمن بن عدنان الزخرمي؛ المُتهم بسرقة خزنة اموال الدولة العليا، وبيع أراضي مصر بأبخس الأسعار للتجار اليهود في فرنسا، وكذلك بمحاولة قَتل القاضي الأول؛ صالح باشا الدرويشي؛ ومع كل الشهود العيان، تم الحكم عليه منذ اسبوع كامل بالأعدام وسط المدينة، واليوم يوم التنفيذ!»
«أين القاضي؟!» تساءلت المرأة بصوت منخفض بينما تحاول بعينيها الوصول الى جسد القاضي بين الحضور أو رؤيته على سطح القلعة، لكنها لم تستطع لمح شيء.
بينما في الواقع، كان القاضي يقفُ خلف الشُرفة المُغطاة بستار خفيف حريري، بظهر مستقيم ورأس مرفوع بغرور ظاهر، أنفه ليس على المستوى الطبيعي لوجهه حتى، عينيه الحادتين تراقب ما يحدث في الساحة الكبيرة بصبر وتركيز، وأذنيه تلتقطان صوت كُل حركة بسيطة تحدث أمامه .
خلفه يقف مساعدوه والحراس، الكُل بلا استثناء ينتظر بقلة صبر، لحظة قطع رأس عبدالرحمن الزخرمي، الرجل الذي انتهك حُرمة وطنهم الغالي و تراخص في حقه.

أنت تقرأ
رخُّ البردي
Randomيرى نفسَه، يرى جسده وهو يُلف بكفنه إستعداداً لدفنه دون الصلاة عليه، لا أحد يراه ولكنه يرى الجميع، نظر إلى الواقف بجانبه، الوحيد الذي يراه، والذي إبتسم ضاحكاً « تلك كانت النهاية المُتوقعة لشخص مثلك يا باشا، أما الآن أخبرني.. كيف ستكون حياتك الآخر...