مُعَانَاة كَالسُكَر ✓

By EekaUa

72.1K 6.3K 2.2K

رُبما خانني الشعور بقول أنني كافية.. لم أكُن يومًا كافية قبل وجودكَ؛ بل كُنتُ كـتائه في بحر الخِذلان، كُنتَ... More

«اقتبـاس»
1_ الفصل الأول "قَـرار!"
2_الفصل الثاني "مشاعر"
3_الفصل الثالث "إدراك"
4_الفصل الرابع "شِفاء!"
5_الفصل الخامس "مَصيـر"
6_ الفصل السادس "مُعالجة"
7_ الفصل السابع "موافقة"
8_الفصل الثامن "فُرصة!"
9_ الفصل التاسع "رِحلة!"
10_ الفصل العاشر "إستعداد"
11_ الفصل الحادي عشر "تشابُه!"
12_الفصل الثاني عشر " مراسم"
13- الفصل الثالث عشر "سؤال وأجابة"
14- الفصل الرابع عشر "وقتٌ مُمتع"
15- الفصل الخامس عشر "وقعت بالخطأ!"
16- الفصل السادس عشر "محاولة"
17- الفصل السابع عشر "كارثة"
19- الفصل التاسع عشر " احتواء"
20- الفصل العشرون "بلا سكر!"
21- الفصل الواحد والعشرون "ندوب الماضي"
22- الفصل الثاني والعشرون "يوم الميلاد"
23- الفصل الثالث والعشرون "انفجار!"
24- الفصل الرابع والعشرون "تغييرات مرئية"
25- الفصل الخامس والعشرون "أهلًا رمضان"
26- الفصل السادس والعشرون "العاشر من رمضان"
27- الفصل السابع والعشرون "عيدٌ مُبارك!"
28- الفصل الثامن والعشرون، الأخير " زفاف!"
- ما ناقشته الرواية. ✓
إضافي¹ " عائلة"

18- الفصل الثامن عشر "لم يتخطىٰ بعد!"

1.9K 200 30
By EekaUa

الفصل الثامن عشر.
«مُعَانَاة كَالسُكَر»

____________________

ظَننتُ وجودكَ حُبًا ولم يكُنْ إلا وهمًا!
___________________

-" في إيه؟"

نطق "سيف" ليأتيه الرد:
- " في حد مجرح عربيات المعرض كلها!"

- " إيه؟"

سأل "سيف" مُستفسرًا بملامح مُندهشة ثم ركض إلى معرضه بهروله، طالع ما أمامه بصدمة ثم دار من حوله يُطالع السيارات التي تم خدشها بوحشية في جميع الأماكن، وضع كفيه يمسك رأسه ثم هبط بهما على وجهه يمسحه بهدوءٍ كامن وكأن النار التي بداخله ليس لها وجود..

- " إيه اللي حصل دا، غوروا شوفوا الكاميرات."

تفوه "سالم" بحدة عقب اشاحته بيده للعمال والأمن، أما "سيف" فتقدم بهدوء يلامس الخدوش بنظرة تمعن، فتقدم "طارق" إليه وهو يسأل بنبرة واثقة:
- " تفتكر الحادثة ليها علاقة؟"

- " تؤ"

قالها ثم أكمل وهو يتجه ناحية المكتب الخاص به:
- " اللي عمل كدا ليه علاقة باللي حاول يسرق المعرض، وهو هو برضو كان مستني فرصة زي الحادثة وطبعًا جاته على طبق من دهب."

تدخل "سالم" يسأل بهدوء:
- " ومين ممكن يستفاد من اللي حصل؟"

- " مش عارف، بس هعرف."

قالها ثم قام بالنقر عدة مرات على حاسوبه حتى ظهرت التسجيلات الخاصة بالمعرض من الداخل، ولكن لافائدة بسبب تلثُم وجه من قام بفعل تلك الفعله، عقد هو حاجبيه مُستفهمًا لما يراه ليأتيه صوت "سالم":
- " يا أبن ***"

تحدث "طارق" بضيقٍ:
- " يطلع مين دا ياسيف؟، مين اللي ليه مصلحة يعمل كدا؟"

عاد هو بظهره للخلف ثم قال ببرود:
- " مفيش غيره."

- " مين؟"

سأل "سالم" ليتحرك "سيف" متجهًا نحو الخارج قائلًا:
- " تعالى معايا يا طارق، وأنت يا سالم خليك فالمعرض لحد م اجي."

أومأ "سالم" وبينما تحرك "طارق" خلف أخيه يستفسر عن ما يريد فعله..

______________

كانت تجلس على المقعد شاردة في آفاق عالمها الغريب الذي ظهر بظهوره في حياتها، لا تعلم كيفية إغلاق النوافذ التي يطل منها طيفه وصوته وجميع مايخصه، لم تفيق إلا على صوت المسئول في الدورة وهي تسألها:

- " آنسة حور أنتِ معانا؟"

أومأت معتدله بجلستها لتبتسم المسئولة والتي تُدعى "بفطيمة" قائلة بهدوء:
- " طيب بعد اللي خدناه النهاردة يعتبر عبرنا نص الطريق وأكتر، فحبيت أعمل شهايد تعبر عن فرحتي بيكم وبالتقدم اللي بيحصل كل فترة بخصوص التصميم وبعض التنفيذات اللي حصلت على النماذج الصغيرة."

أومأت هي بفرحة عارمة برفقة الفتيات التي تشاركها الدورة لتتقدم "فطيمة" ناحية المكتب الخاص بها ثم قامت بإخراج تلك الشهايد الورقية وبدأت تُنادي على الفتيات، وعقب خروج خمسُ فتيات أخيرًا قامت بنطق أسمها قائلة بابتسامة واسعة:
- " حور خالد نصار."

وقفت بسعادة كادت تفر من عنيها وقامت بإخذ الشهادة الخاصة بها، والتي كانت يُزينها إطار ذهبي وبمنتصفها أسمها بخطٍ مُنمق جميل، تنهدت بفخرٍ ثم اشاحت عينيها على زميلاتها ليأتيهم صوتها وهي تقول:
- " كدا تقريبًا مش باقيلنا غير اليوم اللي جاى بس فدورة الكورس بتاعنا، وبخصوص كدا عندي ليكم خبر."

استغربن الفتيات من حديثها هذا لتتحرك هي خطوتان مضيفة:
- " الجمعية بتاعتنا كانت دايمًا على تواصل مع شركة "Your design" لو تعرفوها، ودي شركة بتدعم المبتدئين في مجال التصميم والتفصيل من دورات كتيرة بس طبعًا مكانش طلبنا فتقديم كل دفعة بيوصل ليهم، أو كان بيوصل بس مش بيتقبل لحد المرة دي، فحابة أقول إن دفعتكم اتقبلت ودا طبعًا راجع لحظكم."

صفقت "حور" بسعادة وهي تتلفت من حولها تشارك فرحتها مع صديقاتها لتكمل "فطيمة" بابتسامة:
- " بس للأسف الشركة المرة دي مش طالبة غير 3 بنات بس، ف أنا وفريق الدورة هنحاول نخرج اشطر تلاتة منكم بتدريب أخير هنقرر معاده إحنا المسؤولين هنا بس بعد منخلص اللي هناخده أخر الأسبوع دا، بالنسبة للي مش هيتم اختيارهم ف دا مش معناه أنكم فشلتوا بالعكس وليهم خبر حلو؛ أننا هنضمكم للدورة بعد مرحلة التدريب وتساعدونا ف تعليم الدفعات الجاية."

أومأت الفتيات بتفهم لتختتم هي بملامح فخرٍ:
- " تقدرو تتفضلوا."

__________________

- " ياللهول لا أصدق!!"

تفوهت بلكنتها ثم وقفت ترقص بالغرفة وهي تصرخ بحماسٍ وهي تُردد:
- " الحمدلله الحمدلله."

دلفت "عبير" و " حسين" إلى غرفتها بزعرٍ واضح لتلتفت هي إليهم مُردفة بفرحة:
- " ماما في حاجة كدا عملتيها لما سيف وافق على حور، اعمليها تاني باللهِ!"

ارتسمت على وجههم الدهشة لتتقدم هي إلى حاسوبها الملقى علىٰ الفراش، وجهت شاشته تجاههم قائلة بابتسامة واسعة:
- " شركة "your design" قبلتني!"

قامت "عبير" بإطلاق زغرودة عالية شقت جدران الغرفة أما "حسين" فقام بسد أُذنيه بإنزعاج ثم تقدم يحتضن "تالية" بحبٍ و بفخرٍ:
- " الف مبروك يا حبيبة قلبي بس.."

أكمل بنبرة خافته مستفسرًا:
- "بس هو يعني فهميني أكتر على الشركة دي عشان علامي يادوبك."

ضحكت "عبير" بلوم ثم قامت بإحتضان "تالية" بحب وهي تبارك:
- " ألف مبروك ياحبيبتي، فهميني مع أبوك بقى."

ضحكت " تالية" بخفة ثم قالت مفسرة بلكنة عربية مُحطمة:
-"دي شركة عملتها مصممة مصرية اسمها سهيلة الشافعي اتخرجت من نفس الجامعة اللي كنت فيها في أمريكا، ومع الوقت الشركة كبرت وبقيت بتتواصل مع الجامعة دي من حين لأخر وفيها مصممين كتير بيجولها زيارة مخصوص، دا غير أن سهيلة دي بقيت تهتم بالتصميم فمصر أوي وخصوصًا التصاميم الخاصة بالمحجبات والدريسات السوارية اللي بقيوا معظم البلوجرز وكدا بيلبسوها الأيام دي، ف أنا كنت بعتالهم الإيميل بتاعي والشهادات والتصاميم الصغيرة وصورة من النماذج اللي كنت شغاله عليها وطبعًا لما عرفوا إني خرجية نفس الجامعة قبلوني اتدرب هناك ولو نجحت فالتدريب دا هكون وحدة من ضمن المسؤولين عن التدريب والدراسة على الدُفع اللي بتقبلها الشركة مؤخرا."

- " اولًا دا حضن عشان عرفتي تقولي كل دا بالعربي."

احتضنها " حسين" بود ثم أكمل بنبرة حملت بطياتها الفخر:
- " ثانيًا بقى دا حضن تاني عشان أنا فخور بيكِ أوي يا تالية."

ابتسمت برضا وهي تلاحظ لمعة الفخر فأعين أبويها لتقول " عبير" وهي تنصرف من الغرفة بإستعجال:ٍ
" حيث كدا بقى أعمل حلويات."

ضحكت "تالية" بينما حرك "حسين" رأسه بقلة حيلة متجها خلفها، أما "تالية" فاتجهت إلى الفراش بسعادة تكمل تفحصها فيما كانت تفعله..

____________________

- " ازيك يا عمرو."

قالها "سيف" لذلك الماكث على المكتب الخاص به، رفع الآخر رأسه بإستغراب ثم قال بدهشة:
- " أهلًا أهلًا سيف عمران بنفسه هنا؟، اتفضل أقعد"

أومأ "سيف" بابتسامة خبيثة ثم قال بهدوءٍ:
- " أنا مش جاي اتضايف يا عمرو."

- " أمال جاي ليه؟"

سأل ببرود ليجيبه بضحكة باردة:
- " أنت عارف كويس أنا جاي ليه!"

رفع سبابته إلى الجالس جواره مكملًا بخبثٍ:
- " التيشرت اللي لابسه الأستاذ دا مش غريب عليا!"

اختتم آخر جملته بغمزة التقط "عمرو" معناها جيدًا، وقف من مكانه ثم تقدم أمامه مباشرةً وأردف:
- " طب ما إحنا شطار وقوة ملاحظتنا قوية أهو يا سيف، أمال مشتغلتش قوة ملاحظتك دي ليه وأنت بتفتح معرضك فنفس الشارع بتاع معرضي؟"

تنهد "سيف" بهدوء ثم جلس على المقعد بغرورٍ، رفع إحدى ساقيه على الأخرى مجيبة بنبرة ملاعبة:
- " والله مفيش حد بياخد رزق حد يا عمرو، وبصراحة كدا دي أرض مِلك وعملنا فيها معرضنا، واللي أول فرع اتعمل ليه من قبل محضرتك تظهر وتقب على وش الدنيا كدا، أنا بس مش جاي ارغي يا عمرو، أنا جاي بس أقول إني قادر أشتغل فالسكة اللي أنت بدأت بيها بس دي مش طريقتي، فياريت تخليك فحالك."

وقف من على المقعد واضعًا يداه في جيب بنطاله مكملًا:
- " وبصراحة أنا مش عايز يكونلي أعداء عشان مش بحب الانتقامات والشغل العبيط دا، أنا دماغي رايقة ولو هتعيط على الحاجة هديهالك عشان تسكت وتريحني، لكن دا شغل مش لعب عيال وأنت أكتر حد أدرى بـ ده، وبالنسبة لمكان معرضي.. لما اجي اخد الزباين من قدام باب معرضك أبقى ساعتها أعمل الهبل اللي عملته دا."

راقبه "عمرو" بإعجاب من تفكيره الراقي أما هو فأكمل مختتمًا وهو يسير إلى السيارات بالمعرض:
- " الشغل عندك حلو أهو ماشاء الله يعني، متقلقش لو الزبون معجبهوش حاجة عندي هقله يجيلك، ودا طبعًا عشان عجبتني الموديلات هنا مش عشان حاجة تاني."

ابتسم "عمرو" ابتسامة رضا بادله مثلها سيف، ثم أشار بكفه إليه مختتمًا:
- " فرصة سعيدة يا عمرو."

-"هنتقابل تاني يا سيف"

قالها "عمرو" ليجيب "سيف"
-"بإذن الله"

______________________

كانوا يجتمعون في الشرفة كالمعتاد يتناقشون فيما يخص "إسلام"، تريس الحديث "عصام" حين أنهى ما بدأه بـ..
- " فهمته على كل حاجة وهو قلي نعمل كدا، بس نعرف اليوم اللي هيجيب فيه"

تحدث "إسلام" مستفسرًا:
- " يعني برضو عايز يدخل حوار المخدرات فالموضوع؟"

أومأ "عصام" بإتفاق وأضاف:
- " أنا قلت أقله على كل حاجة عشان برضو دا شغله مش لعب عيال يا إسلام، فلما جات سيرة الزفت اللي بيشتروه دا ربط النصب مع البودرة وقال مينفعش نتغاضى عن حاجة فيهم"

عاد "إسلام" بظهره للخلف وأخذ يحك ذِقنه الخفيفة بتفكيرٍ، بينما "كرم" كان يراقبه بتمعن وحين طال سكونه سأله بهدوء:
- " أنت خايف من إيه يا إسلام؟"

إعتدل هو بتنهيدة وأجاب مفسرًا:
- " مش عارف والله مش عايز اتسبب فأذية حد"

- "أإيــه يا حنين؟، ياض دول ختموا على قفاك وخدوا فلوسك ياض فوق!"

تحدث "يونس" بضيقٍ واضح أما هو أشاح بيده مجيبًا:
- " عارف ياعم بس برضو مش عايزة يتسجن ولا تحصله حاجة، ببص على شبابه ياخي."

تدخل "كرم" بعقلانية مبررًا:
- " بس هو مبصش على شبابه يا إسلام، هو محافظش على نفسه والنعمة اللي ربنا كارمه بيها، أنت هتخاف عليه ليه في حين أنه مخافش على نفسه!"

أجاب على أخيه ببساطة:
- " عشان متربناش كدا يا كرم، متربيتش أكره حد ولا اتمناله أذية حتى لو هو اللي اذاني."

تدخل "يونس" قائلًا بحنقٍ:
- " عشان كلنا متربين.. للأسف يعني والتربية مبتنفعش مع كل الناس، قُصرُه يا إسلام.. اللي قاله الظابط لعصام هنفذه بالحرف، ولو قلت كلام غير دا هرميك من البلوكنة دي ودلوقتي."

نظر إليه بإشمئزازٍ أما هو فبادلها بمثلها، تدخلت "حور" وهي تُمسك بصينية الشاي قائلة بحنقٍ:
- " دي أخر صينية شاي هعملها واللي مش عاجبه يمشي عشان عايزة أكمل الفيلم."

سأل "إسلام" بلهفة كطفلٍ صغير:
- " فيلم إيه يابت يا حور اللي قاعدة عليه أنت وبباكِ وسما دا؟، أوعى يكون الفيلم اللي بحبه؟"

رخت عنقها بإحراجٍ مجيبة:
- " لا يا إسلام مش هو، بس اللي شغال برضو بتحبه"

- " إيه؟"

أجابت بحماسٍ:
- " Home alone."

قفز من مكانه يطالعهم بتكبرٍ وقال:
- " أنا رايح أسمع الفيلم دا عشان بحبه وبعدها هروح أنام عشان هصحى للشغل ومعانا مشوار أستاذ كرم، يلا يابت يا حور."

حرك "كرم" رأسه بقلة حيلة من تصرفاته الغير مبالية بتلك الكارثة التي أوقع نفسه بها، فتنهد قائلًا بنبرة حائرة:
- " طب ما ترسينا على اللي هيحصل بالظبط يا عصام."

تدخل "يونس" متشدقًا بحنقٍ وهو يخطي خطواته إلى الخارج:
- " ولا يرسينا ولا يمسينا يا كرم يلا ننام معانا شغل بكرة."

حرك "عصام" عنقه بضحكة سخرية ليقول "كرم" بغيظٍ:
- " ربنا يصبرني عليك يا يونس عشان شكلي هرتكب فيك جناية."

ضحك "عصام" على ما تفوه به وقبل خروجه تحدث مستفسرًا:
- " هو أنت كنت تعرف أن سيف عنده معرض؟"

- " عرفت مؤخرًا والله، ليه؟"

- " أبدًا كلمني النهاردة بيقلي أنه عايزني فالمعرض وكدا، تقريبًا في مشكلة."

أجاب "كرم" بينما أومأ "عصام" بتفهم قائلًا:
- " طيب تمام، ومشوارك هنروحه أمتى؟"

تنهد الآخر وهو يحمل عناء ذلك الطريق الذي سيسلكه للمرة الثانية دون الوثوق في احتمالية الوصول إلى ما يريد أم لا، التقط "عصام" تردده في نظراته ليقف موازيًا له وقال بتفهم:
- " أنا فاهم والله اللي بتفكر فيه، بس مش كل الناس زي منة، أنت قدرت تتخطى اللي حصل فالماضي وعلاقتك بيها، وعارف وعرفت واتأكدت أنها مش صالحة ليك وتوكسيك درجة أولى، فريح دماغك من أي تفكير هيعكنن عليك يا كرم، وأنا واثق أن ملك مش هتكون زيها."

أومأ متفهمًا وهو يعض على شفته السفلى حين ذكر هو أسمها أمامه ، ثم قال قبل خروجه:
- " اللي فيه الخير يعمله ربنا يا عصام، هنصلي المغرب ونمشي."

أومأ "عصام" وهو ينظر في أثره بضيقٍ عليه وعلى ما يحمله من تعثُرات ليست بيده..

فكيف لإنسان أن يمحي شخصًا أصبح له كالأكسجين وأكثر، أصبح له الماضي والحاضر والمستقبل، شخصٌ استغرق نسيانه ونسيان ماضيه سنواتٍ عدة..
فَيا صديقي، حتى وإن نَجحتَ في تلاشي صورته تمامًا؛ لابد من وجود تلك الأطياف الظلامية التي ستظل تُلاحقُكَ بأنيابها كفريسة كل ليلة دون التدخل في السيطرة عليها بأي طريقة؛ سوىٰ بالتغافل!..

____________________

في صباح جديد بيوم أخر مر على الجميع بروتينه الخاص كعادته حتى أتى المساء، وتحديدًا الوقت المحدد بزيارة "كرم" لمنزل "ملك"، اجتمع "إسلام" برفقة "يونس" أسفل البناية ينتظرون البقية، أما عن "عصام" ف ارتدى حذائه ثم تنحنح الى منزل "كرم" يستعجله؛ حيث أنه تأخر كثيرًا في هبوطه للذهاب..

- " ازيك يا عمي؟"

قالها "عصام" عقب رؤيته لعمه "يوسف" يجلس على طاولة الطعام، وعلى ما يبدو أنه مستعد، حرك "عصام" كفه بمعنى "فينه" ليشير "يوسف" بتنهيدة إلى غرفته، أومأ " عصام" بأهدابه ثم تحرك إلى غرفته ليتفاجئ بوقوفه أمام شرفة الغرفة بشرودٍ وكأنه بوادي آخر، تنفس " عصام" بعمق ثم تحرك إليه بخطواته قائلًا بمرحٍ طفيفٍ:

- " أنت رايح تخطب ولا رايح تحارب؟"

أطلق الآخر عنان زفيره المُلطخ بسحابة الدُخان ثم قال بهدوءٍ:
- " مش عارف، مش عايز أقع فنفس الغلط يا عصام."

- " و إيه اللي مخليك حاسس إنك هتقع فنفس الغلط؟"

سأل "عصام" ليقول هو بنبرةٍ مترددةٍ:
- " معرفش برضو."

تنهد الأخر سائلًا بعقلانية:
- " إيه اللي خلاك تاخد خطوة إنك تخطب يا كرم؟"

ابتلع ريقه وهو يتابع شروده في الأشجار الخارجية للشرفه مجيبًا:
- " كنت بحس إحساس مختلف مع كل مرة بشوفها فيها، إحساس معشتهوش قبل كدا، وكأن اللي فات من عمري مع منة مكانش موجود."

ابتسم "عصام" بثغره ثم قال وهو يربت على كتفه:
- " يبقى نصلي على النبي كدا يا كرم ونقول ربنا يجعل فمشوارك دا كل الخير، وقلتلك قبل كدا أنا متأكد والله إن المرة دي غير المرة اللي فاتت."

أومأ "كرم" بابتسامة صغيرة ليختتم "عصام" وهو يخطو خطواته خارجًا:
- " وبقول كمان يلا بينا عشان ابوك قرب يتحنط بره على الكرسي، ويونس زمان شياطه جاب لأخر الشارع مننا."

______________________

" بتعملي إيه؟"

هكذا أتتها رسالته وهي جالسه على فراشها، ابتسمت ابتسامة مرحة وهي تفرك كفيها ببعضهما بعضًا كطفلة صغيرة ثم امسكت الهاتف تُدون..
" كنت براجع كام حاجة للكلية ودلوقتي فاضية، وأنت؟"

" ولا حاجة قاعد فالمعرض زي قرد قطع"

ابتمست بإتساعٍ ثم طرقت..
" ربنا يعينك يارب."

" يارب، هو كرم فين؟"

عقدت حاجبيها سائلة..
" ليه؟"

أتتها رسالته سريعًا..
" هرن عليكِ."

أتاها اتصاله وكان كافيًا لجعل أوردتها تزداد الضعف تدفقًا، تنهدت بثقل منبعث ببعض الحرارة ثم قامت بالنقر على زر الإجابة، وقبل أن تتحدث تكلم هو بمرحٍ..

" وحشتيني."

اتسعت حدقتيها وحمحمت بتوترٍ ليضحك هو بإتساع مضيفًا:
" إيه إيه مالك وشك جاب الوان ليه؟"

تحدثت هي بضجرٍ:
" أنت اللي شكلك بتخرف يا سيف، ها عايز كرم ليه؟"

" فضولية اوي أنتِ ها!"

ابتسمت بخجلٍ ليكمل هو قائلًا:
" حصلت مشكلة كدا فالمعرض واتصلت بيه قلتله عايزك النهاردة وقلي هجيلك وقاعد مستنيه"

أومأت هي بتفهم نابسة بتفسيرٍ:
" يبقى هتستنى حبة كويسين عشان هو حاليًا بيخطب."

" واللهِ!!، ماشاء الله ربنا يكمله على خير"

تنهدت مجيبة:
" آمين ياسيف ادعيله الدعوة دي على طول عشان تعب فحياته كتير"

" ربنا يعوضه خير على كل اللي شافه بس هو حصل إيه!"

ابتمست بخبثٍ ثم مالت بعنقها يمينًا قائلة:
" فضولي أوي أنت ها!"

ضحك بعلوٍ ثم أجاب:
" واحد واحد، كدا خالصين، يلا أحكي"

" أبدًا يا سيدي كل الحكاية أنه كان خاطب بنت لمدة 3 سنين عن حب طفولة ووقت طويل أوي قضاه كرم فحبها، هي كان حالتها وحالة عيلتها المادية مرتاحة أوي يعني، فالمهم ياسيدي هو كان بيعمل المستحيل عشان ترضى، وبيجبلها كل اللي بتتمناه، البنوتة دي من كتر ما كانت بتاخد منه مشاعر وهدايا وأحاسيس وكلام وهكذا افتكرت أن دا حقها، فضلت تستنزف في طاقته وحبه.. ومع الوقت بقيت تيجي عليه واللي كان بيخليه يعدي أنه روحه فيها، بس مع الوقت لما فضلت تعامل مرات عمي وعمي بطريقة مش كويسة خد قرار بأنه يسيبها، وبعد ما سابها جاله اكتئاب فترة طويلة أوي وتقريبًا لمدة سنة وأكتر، ومؤخرًا بس اللي بقى يتحسن، وخصوصًا كمان لما ورشته بدأت تتعرف والشغل يبقى كويس؛ ودا لأنه بيعشق حاجة أسمها مكانيكا وتصليح وعربيات، وبقى كل هدفه شغله وبس، ومن كام يوم جه سألني على صحبتي لو كانت مخطوبة ولما قلتله لأ خد الخطوة بأنه يروح يتقدم."

لم تنتظر رده بل أكملت مرة أخرى:
" وأنا واثقة أن صحبتي ملك مش زي منة دي، لأن ملك عشرة عمر وطيبة أوي بجد، وشبه كرم فحجات كتير، فعشان كدا بقلك ادعيله ربنا يعوض عليه."

أتاها رده بأسىٰ:
" ربنا يعوضه خير يارب ياحور، أنا عارف إحساسه دلوقتي كويس، بس أنا متفائل زيك اسأليني ليه كدا!"

عقدت حاجبيها سائلة:
" ليه؟"

" عشان أنا اتبعتلي عوض يشبهلي ويشبه اللي كنت بتمناه ويمكن أكتر، وعشان كدا متأكد أن التجربة التانية لكرم هتكون جميلة زي التجربة بتاعتي كدا."

ضحكت بخجلٍ وهي تُلامس يسار صدرها ليأتيها صوته قائلًا وسط ضحكاته:
" متتكسفيش أوي كدا أنا مش بقول أي كلام، أنا بقول الحقيقة."

حمحمت مجيبة:
" ماشي، طيب.. أنا هروح أشوف ماما بتنادي يلا سلام."

____________________

عند الفتية، تحديدًا بمنزل "ملك" جلس "إسلام" و "يونس" برفقة "عصام" على أريكة تتسع لثلاثة، وبجوارهم "كرم" الذي يجلس شاردًا فالآفاق دون وعي بجوار ووالده، كانوا يجلسون بالصالون الخاص بمفردهم ينتظرون مجئ والد "ملك"، فتهامس "يونس" مع "عصام" قائلًا:

-" بيقلك مرة واحد رايح يخطب."

أشار بأطراف عينيه إلى "كرم"، بينما اكتفى "عصام" بالرد بابتسامة صغيرة، ثم أغمض عينيه خوفًا من تحدث "إسلام" ولكن صوت ضحكته المكبوتة خيبت أمله، فتح عنيه وهو يطالع ثلاثتهم بضيقٍ ليقول "إسلام":
-" ودا طبعًا يا عصام درس ليك عشان متحاولش تخطب."

عض "عصام" على شفتيه مجيبًا بحنقٍ:
- " وليه ميبقاش درس ليك يا غالي؟"

إعتدل "إسلام" بجلسته ثم قال وهو يهندم سترته بتكبرٍ:
- " حشى لله ياعم أنا مش معقد، أنا بحب أعيش كدا وأحب واتحب.."

أشار بأصبعه ناحية "كرم" ليتحول بصرهم عليه في نفس التوقيت وأكمل بهمسٍ:
-" بقى بزمتكم دا منظر واحد جاي يخطب بأرادته؟، دا إحنا لو جايبينه يتقدم تحت تهديد السلاح مش هيبقى مكرمش وشه كدا!"

ضحك كُل من "يونس" و "عصام" الذي حرك رأسه بيأس، أما عن "كرم" فعقد حاجبيه بريبة حين وجدهم يتهامسون عليه، تنهد بضيقٍ ثم طالع ثيابه يهندمها ظنًا منه بأنهم غير مرتبين، أما عن والده فكان يتابع حركاته بصمت وهو يتكئ بمرفقيه على عُكازه، فابتسم بحنانٍ وقال:
- " كان عندي زمان وأنا شباب ضرس بيوجعني على طول، فالوقت دا مكانش غيره سليم ومفيهوش سوسة قصاد الباقي، كنت دايمًا أقول طيب مهو أبيض وسليم ولسه جديد ومفيهوش حاجة إيه اللي يخليه يوجعني الوجع دا!"

رفع هو حاجبيه مستغربًا من حديث أبيه المفاجئ ولكنه تمعن في ما يسرده، بينما أكمل"يوسف" حديثه قائلًا:
- "دا غير إن عقدة حياتي دكاترة الأسنان، المهم فضلت اعاند مع الوجع وأقول يوم وهيروح، يومين وهيروح، تلاتة أسبوع شهر، وأنا معاند، لحد مـ فجأة الألم اختفى، وأنا فرحت وفتها وقلت الحمدلله مش هخلعه، بعد شهر بالظبط رجع الألم من تاني بس أصعب، فضلت الليل كله أعافر فالعناد وأقول أهو هيخف وهنام وأبقى تمام لحد ما الألم زاد عليا وفضلت أصرخ منه زي العيل الصغير."

- " وبعدين حصل إيه؟"

سأل " كرم" بفضولٍ، أما"يوسف" ف ابتسم حين وجده ينصت باهتمام، وازدادت ابتسامته اتساعًا حين لاحظ اهتمام بقية الفتية بالحديث، تنهد بإرتياحية ثم أخذ يسترسل ما كان يقوله:
- " ولا قبلين، استنيت تاني يوم معاد الدكتور بفارغ الصبر، والدكتور عملي أشعة وبعد ما خرجت الأشعة قلي إن في خُراج في عصب الضرس، يعني فالجدور.. وإني لازم اشيله حالًا، فضلت استغرب وأقول إزاي ضرس أبيض زي التلج ومفيهوش حاجة يتعبني، يعني مُقارنتًا باللي حوليه فاتهلكوا مع الأيام ولسه بقوتهم ومش بيوجعوني، وشوية اسأله كدا فضلت تلف وتدور فبالي وأنا بخلعه وحصل وخلعته، شفت ألم بعد خلعانه مشفتهوش فحياتي، دا غير النزيف والعلاجات وفين بقى فترة لحد ما بقيت كويس وأحسن، وفضلت أقول ياريتني خلعته وارتحت من زمان."

مال "كرم" برأسه وكأنه ينتظر باقي الحديث ليكمل "يوسف" موضحًا:
- " اللي أقصده أن الناس فحياتنا بيبقى مُعظمهم زي الضرس دا يا كرم، قد إيه ممكن يبانوا كاملين و صادقين ومفيهمش غلطه، لكن رغم كدا بيفضلوا هما السبب الوحيد فألم قلبك ومعاناتك طول ما هما موجودين فحياتك، دايمًا وجودهم بيكون متعب، وأحنا من كتر ما شايفين أنهم مش وحشين رغم ألم وجودهم بنعافر مع نفسنا ونفضل نقنع قلبنا أنهم يناسبونا، لكن هيجي وقت عليك هتلاقي طاقتك فأنك تتحمل وجع وجودهم خلصت، وفأقرب سكة هتقلعهم من قلبك قلع ميتسماش عليه، هتتوجع من فقدانهم وهتتألم من فراقهم يمكن ضعف الألم اللي كنت بتشوفه معاهم، بس مع الوقت هتتعود، وتبقى طبيعي وأحسن كمان."

تريس الصمت المكان لثوانِ، أما"يوسف" فطالع أبنه بحبٍ وسأل:
- "علاقتك بمنة كانت كدا صح؟"

أومأ "كرم" سريعًا ليسأل "يوسف" مجددًا:
- " ودلوقتي لما بقيت أحسن وقررت تخطب، أنا عارف ومتأكد أن في سؤال فضل يتردد فبالك كتير، ممكن أعرفه؟"

تنهد "كرم" ثم تفوه بحيرةٍ:
- " فضلت اسأل نفسي أنا ليه مخدتش القرار دا من زمان؟"

ابتسم " يوسف" برضا عن حاله، وعدل من شاله الثقيل مختتمًا الحديث:
- " وأنا جاوبت على سؤالك من قبل م اسمعه يا كرم."

ابتسم "كرم" بإتساع ثم مال يقبل كفه بحبٍ وقال بهدوءٍ ملحوظ:
- " ربنا يديمك لينا نعمة يا حج وميحرمناش طول العمر منك."

أنهى جملته تزامُنًا مع دخول والد العروس "سمير"، الذي تقدم بخطواته ناحيتهم قائلًا بترحيبٍ جليلٍ:
- " دا يا أهلًا وسهلًا والله نورتونا."

رد "يوسف" بابتسامة واسعة:
- " دا نور ناسه والله."

جلس "سمير" عقب مصافحته إياهم متفوهًا بإحراج:
- " حقكم عليا والله على التأخير دا، بس الشغل وظروفه بقى."

تحدث "كرم" مُخففًا بنبرة هادئة:
- " ولا يهمك يا عمي."

أومأ "سمير" بحب ثم تدخل بأحاديثه مع "يوسف" في أمورٍ عدة دون تفكير وهذا يعود إلى معرفتهم السابقة ببعضهم بعض، أما "كرم" فَ اسوقفت عقله الذكريات المريرة للحظاتٍ قصيرة، تنهد بثقلٍ واضح التقطوه الفتية بأسف ظنًا منهم بأنه لم يتجاوز الأمر بعد، ولكنه كسر التوقعات حين تحدث عقب توقف الحديث المُتبادل بنبرة واثقة:
- " طيب يا عمي أظن حضرتك عندك خلفية إحنا جايين النهادرة ليه."

ثم استرسل حديثه سريعًا حين قال:
- " كنت جاي أطلب أيد الآنسة ملك بنت حضرتك."

____يُتبع____
♡«مُعَانَاة كَالسُكَر»♡
مـــنار نجـــدي

_________

اليوم مر على فراق أبن عمي "٤٠" يوم
فَفضلًا ادعوله بالرحمة والمغفرة.

Continue Reading

You'll Also Like

6.6M 122K 51
ممنوع نقل او اقتباس الرواية دون اذن مني
11.8M 925K 70
صرت اهرول واباوع وراي شفت السيارة بدأت تستدير ناحيتي بمجرد ما يجي الضوء عليه انكشف أمامهم نجريت من ايدي وگعت على شخص ردت اصرخ سد حلگي حيل بعدها أجان...
7.1K 725 22
مُسلمة من اصول عربية . تعيش في كوريا منذ نعومة اظَافرها. ارادت يومًا أن تتحرر من قيود عائلتها ، ولكن ابدًا لم تفكر في التحرر من تعاليم الدين الاسلام...