مُعَانَاة كَالسُكَر ✓

By EekaUa

72.2K 6.3K 2.2K

رُبما خانني الشعور بقول أنني كافية.. لم أكُن يومًا كافية قبل وجودكَ؛ بل كُنتُ كـتائه في بحر الخِذلان، كُنتَ... More

«اقتبـاس»
1_ الفصل الأول "قَـرار!"
2_الفصل الثاني "مشاعر"
3_الفصل الثالث "إدراك"
4_الفصل الرابع "شِفاء!"
5_الفصل الخامس "مَصيـر"
7_ الفصل السابع "موافقة"
8_الفصل الثامن "فُرصة!"
9_ الفصل التاسع "رِحلة!"
10_ الفصل العاشر "إستعداد"
11_ الفصل الحادي عشر "تشابُه!"
12_الفصل الثاني عشر " مراسم"
13- الفصل الثالث عشر "سؤال وأجابة"
14- الفصل الرابع عشر "وقتٌ مُمتع"
15- الفصل الخامس عشر "وقعت بالخطأ!"
16- الفصل السادس عشر "محاولة"
17- الفصل السابع عشر "كارثة"
18- الفصل الثامن عشر "لم يتخطىٰ بعد!"
19- الفصل التاسع عشر " احتواء"
20- الفصل العشرون "بلا سكر!"
21- الفصل الواحد والعشرون "ندوب الماضي"
22- الفصل الثاني والعشرون "يوم الميلاد"
23- الفصل الثالث والعشرون "انفجار!"
24- الفصل الرابع والعشرون "تغييرات مرئية"
25- الفصل الخامس والعشرون "أهلًا رمضان"
26- الفصل السادس والعشرون "العاشر من رمضان"
27- الفصل السابع والعشرون "عيدٌ مُبارك!"
28- الفصل الثامن والعشرون، الأخير " زفاف!"
- ما ناقشته الرواية. ✓
إضافي¹ " عائلة"

6_ الفصل السادس "مُعالجة"

2.2K 213 153
By EekaUa

الفصل السادس.
«مُعَانَاة كَالسُكَر»
______________________

دائمًا ما كان يصادفُنا ضجيجًا آخر يكمن بأعماق قلوبنا، ضجيجًا يعكس ذلك الهدوء، عالم يجعلنا نسبح به رغمًا عنَّا، عالم يجعلُنا نُبحر بداخلُه كُل ليلة على أمل أننا سنصل إلى النهاية من كُل شيء حاولنا التعافي منه، ولكننا دائمًا ما كُنَّا غريقين بِقاع تلك الأحاسيس الغير مُرتبة التي تحتل جوفنا!
____________________

'جروح العائلة لا تُشفىٰ ولا تُنسىٰ؛ بل تتناسىٰ.'
_____________

قامت بفتح الباب ثم اتجهت ناحية الصالون بحرج، ألقت التحية على كُل منهم ووقفت كالصنم ليأتيها صوت "عصام" قائلًا:
- "تعالوا هنا فالبراندة عشان تاخدو راحتكم."

قام "عصام" بتوصيل "سيف" إلى الشُرفة ليقف بينما هي وقفت إلى جانبه وكأنها على جمرٍ، اشتعلت وجنتيها بسبب التدفق الحراري لدمها، إنتفضت يديها إنتفاضًا ملحوظًا بينما كانت تُعقد أصابعها سويًا كالخيط، رفعت عينيها خلسة لتجده يُطالع الشوارع أرضًا بشرود، عقدت حاجبيها لسكونه المُريب ليقول بهدوء:
- "عندنا براندة زي دي بس مش جميلة كدا."

حركت رأسها بإستيعاب لما قاله ليُضيف:
- "إسمي سيف حسين عمران، 28 سنة، خريج هندسة، اشتغلت بعد التعليم مع عمي فمعرض شراكه فدُبي وجيت ليا شهرين تقريبًا أتابع شغل الفرع الجديد هنا."

حمحمت بتوتر ثم رفعت ساعديها على سور الشرفة قائلة:
- "إسمي حور خالد المهدي، 23 سنة، أخر سنة تمريض"

ابتسم بشرود ثم حول نصف جسدُه ناحيتها قائلًا بإعجاب:
- "تمريض!، عظيم."

ابتسمت عقب رفع عينيها لتتناغم مع عنيه لثوانً ثم قامت بتوزيعها على الشارع أرضًا قائلة بإمتنان:
- "شكرًا."

رفع حاجبًا بغير تصديق على تلك الملامح البريئة، وجهُها بشوش لا يحتاج تكليفًا، وكأنها تبتسم طيلة الوقت، حمحم عقب إفاقته مش شروده قائلًا:
- "بصراحة؟، أنا مكنتش عايز اخطب لأن يعتبر لسه بتعافى من علاقة قديمة خدت كل طاقتي، فمش جاهز لأي علاقة حاليًا لأني هكون بظلم الطرف اللي معايا."

اتسعت حدقتاها قليلًا هي تُطالعه ليُكمل:
- "حبيت أقولك من البداية عشان مظلمكيش، أنا بس جيت عشان بابا وماما أصروا و.."

- "أنا كمان."

عقد حاجبيه بإستغراب لتُكمل:
- "لسه خارجه من علاقة خدت كل حاجة جوايا وسابتني فنص الطريق بحاول الاقي نفسي، ووافقت أقف معاك هنا عشان خاطر بابا وأخويا."

ضحك بغير تصديق وهو يُشير إليهم وهم بالصالون لتوميء هي بإحراج ليقول:
- "ياه أما صدف بصحيح."

مال بجسده على السور مُكملًا:
- "وهنعمل إيه؟"

ابتسمت بخفة قائلة بتلقائية:
- "واضحة هنطلع نقول مرتحناش ويا دار مدخلك شر."

- "بس أنا ارتاحت!"

- "ها؟"

همهمت ببلاهة وهي تهرب بعينيها هُنا وهُناك ليُكمل:
- "بصي عندي ديل حلو، إحنا نقول إرتحنا ونتعامل زي الأصحاب مع بعض وقدامهم عادي وبعد فترة كدا نقول يا دار مدخلك شر بوضو."

أكمل بخفوت:
- "مع إني شكلي هتنيل وأتكعبل فـ دارِك."

- "ها؟"

تحدث هو بمُزاح:
- "ها إيه بس يا حور، إيه رأيك؟"

- " طب وهنستفاد إيه منقول مرتحناش من الأول وخلاص!"

اقترحت ليرد سريعًا:
- " أمي وأبويا صحاب عيا ودوخة ومستشفيات وبتاع وأنا خلقي يادوبك."

شردت بضع ثوانً ثم أومأت بابتسامة ليختتم:
- "عال، نخرج بقى؟"

أومأت بصمت وهي تتحرك إلى جانبه لتسمعه يقول بهدوء:
- "اسمك حلو يا حور ماشاء الله، إسم على مُسمى كمان."

شكرته بتحريك رأسها ليخرجا سويًا إلى الصالون؛ والذي كان موازيًا للشرفة حيث أن "عصام" كان يُراقب ما يحدث خلسة ليحمحم "سيف" مستأذنًا:
- "يلا نتوكل إحنا بقى."

- "مـا لسه بدري يابني؟"

تفوه "خالد" ليتحدث "سيف" ببشاشة:
- "لا يادوب عشان الحق أريح واللهِ لحسن جاي تعبان، وأن شاء الله ربنا يكتب اللي فيه الخير."

قال آخر كلماته وهو يُطالع هيئتها المترددة بأعين لامعة ثم قام بالمصافحة برفقة "طارق" و"تالية" وخرجا أولًا ليقول "حسين" بحب:
- "أن شاء الله هنيجي تاني قريب يا خالد، تصبحوا على خير."

أومأ "خالد" بود بينما تحرك "عصام" معهم خارجًا، هرولت "أمل" بعد وضعها للأكواب بالمطبخ قائلة:
- "ها يا حور موافقة صح؟ "

تنهدت "حور" بثقل ثم قالت ببرود:
- "دي علاقة مش لعب عيال، لسه لما أفكر."

تفوهت بالحديث ثم دلفت إلى الغرفة، حاول "خالد" أن يُهدئ "أمل" التي دلفت خلفها تُردف بعلو:
- "إيه يابت الطريقة اللي بتتعاملي بيها معايا دي أنتِ اتجننتِ، وبعدين مالك مش طيقالي كلمة كدا أنا عملت إيه؟"

إمتلئت أعين "حور" بالدموع وهي تضغط على كفيها بقوة مُحاولة منع تلك النوبة من الخروج،  بينما لاحظت "سما" أنها على وشك البكاء ووقفت تقول بخوف:
- "خلاص ياماما بالله عليكِ سبيها دلوقتي."

- "مش هطلع م الأوضة غير لما تقولي بتتكلم معايا كدا ليه؟، إيه مش طايقة أمك يا حور خلاص؟"

تفوهت ليتدخل "خالد" قائلًا بحدة:
- "قالت مش قصدها، وبعدين صوتك عالي الناس تقول علينا إيه؟"

- "يقولوا بقى مهي مخلتش حد إلا وشمت فيها، 3 سنين مخطوبة وفشكلت لما فرحها قرب، وأدي عريس متقدم أدب وأخلاق وبنتك بتتكبر على النعمة، خليها كدا لحد متعنز وتقعدلي فالبيت."

- "بس بقى بس!!"

أردفت "حور" وهي تضع كلتا كفيها على أُذُنها و تصرخ بنحيب مكملة:
- "حرام عليكِ، بتتلذذي بتعبي النفسي ليه، مبتختاريش كلامك معايا ليه ليه مُصره تعذبيني، كلامك دا عادي بالنسبالك بس بالنسبالي سكينة بتقطع فجرح قديم!، أنتِ فاكرة أن اللي عشته دا سهل عشان يتنسي بحد تاني وبسرعة كدا؟، عمرك يا ماما مداويتي جرحي دايمًا كنتِ قاسية عليا ومازلتِ."

قامت بإطلاق ما في جوفها بنحيب بينما كانت "سما" تبكي قهرًا على حالتها وهي تُمسك بكفها المُرتجف، في هذا الوقت تدخل "عصام" بإندفاع وهو يسأل:
- "في إيه مالك يا حور؟ في إيه يا ماما في إيه؟"

أقترب يحتضن أخته محاولًا تهدئتها لتتحدث "أمل":
- "أنا عملت دا؟"

- "عملتِ وبتعملي، حنينة على كل الناس إلا عليا، بتطيبي بخاطر كل الناس إلا خاطري، دايمًا أنا الركن اللي بيتسند فيه أي حاجة بالنسبالك يا ماما، دا أنتِ حتى هامك عُمر الغريب وخلقتيله أعذار عني!، هامك كلام نهال والناس ومش هامك نفسيتي وصحتي، متعرفيش أنتِ فكل مرة كنت باجي احكيلك عن أي مشكلة بتحصل بيني وبين عُمر كنت بدعي بإيه؟ كنت بقول يارب تقوليلي فكري فنفسك زي مـ بابا وعصام كانوا بيقولوا، كنتِ دايمًا شايفه إني بدلع، ومليش حق أشتكي، وإن كل اللي بيحصل عادي لحد مـحد ملوش قيمة زي عُمر يجي عليا ويكسرني الكسرة دي!، حرام عليكِ خفي عليا ضغط نفسي أنا فيا اللي مكفيني."

قالت بإرتجاف كُلي، لاحظ "عصام" للتو أنها قامت بقرص يديها بشدة دون أن تشعر حتى بدأت بالأحمرار، نظر إلى والدته التي تجمعت الدموع في عنيها بلوم بينما قام "خالد" بجذبها خارجًا، جثت هي على رُكبيتها بوهنٍ على ما اثقلها تحمله طوال هذا الوقت، شهرًا مر بألم يكسو داخلها، يُقطع أحشائها، وكأنها تنزف دمًا من صدرها بسكون تام، عينان دائمة اللمعان بسبب إخفاء تلك الدموع، الكثير والكثير من أسوار الشوك تحتل صدرها وعُنقها وكانت دائمًا تدعي السكوت، ألم ليس له علاج؛ ذلك الألم الذي يُسمى بالكتمان..

- "قومي يا سما هاتيلها ميه."

تفوه بضيق لتتحرك "سما" خارجًا، لمس هو على حجابها الذي قام بفكُه من العُنق لها حتى تستطيع التنفس بشكل أفضل قائلًا:
- "أهدي."

احتضنته بشهقات عالية:
- "مش قادرة يا عصام، محدش مقدر، محدش بيحس، المفروض تكون أقرب حد ليا، هي اللي كانت بتبعدني منها بكلامها ليا، أنا عارفة أنها ممكن تكون مقصدتش يحصل منها كل دا بس صدقني هي دي المصيبة الأكبر؛ أنها مش حاسه بحجم الغلط اللي عملته والمرحلة اللي وصلتني ليها فعلاقتي معاها، كل اللي أنا فيه دا من تقل قلبها عليا، كان زماني سبته أنا قبل ميعملها هو، اتوجعت بسبب حد ميستاهلنيش ولا يستاهل ذرة من اللي كنت بعمله، لو كانت بس تيجي معايا مرة وحدة بس كانت الأمور هتختلف."

أغمض جفنيه بألم وهو يقول:
- "مش عاوزك تتكلمي ممكن؟، خدي اشربي ميه."

قام بأخذ الكوب من "سما" ومدَّهُ إليها لتشرب سائلًا:
- "أحسن؟"

أومأت بلهاث ثم قامت بمسح تلك القطرات قائلة بتعب:
- "أنا عايزة أنام."

أومأ ثم وقف يسندها بهدوء مقترحًا:
- "غيري وريحي، ومتفكريش فحاجة ماشي؟"

أومأت ليتحرك هو إلى الخارج بحزن، سمع صوتًا عاليًا من غرفة والديه ليتقدم طارقًا للباب حتى سُمح له بالدخول.

- "ممكن أفهم إيه اللي حصل؟، أنا نزلت أوصل الناس مكملتش خمس دقايق!"

قالها بإندفاع لتتحدث والدته بنحيب:
- "أنا بسألها هتوافق ولا لأ لقيتها اتفتحت فيا، أنا عملت كل اللي بتقوله دا؟، على أخر الزمن وتعبي دا كله فتربيتها أبقى السبب فاللي هي فيه؟"

أردف "خالد" من الخلف بحدة:
- "ياشيخة بقى وهو دا وقت تسأليها فيه؟، الناس لسه ماشية وأنتِ عيزاها توافق كدا علطول؟، دي لو ناوية توافق هترفض بسبب اللي عملتيه النهاردة، أنتِ إيه يا شيخة مفيش مخ خالص؟"

- "أنت كمان بتزعقلي يا خالد؟"

تفوهت ليتحدث "عصام" مُهدئًا للوضع:
- "خلاص يا ماما حصل خير، ممكن بعد أذنك متتكلميش معاها الأيام دي خالص، سبيها فاللي هي فيه، ممكن؟"

تحركت إلى الخارج وهي تُردف بصوت مرتفع:
- "أنا من بكره هروح عند أمي، مش قعدالكم فيها لما بقيت أنا شماعة الكل."

كاد "خالد" أن يتحرك خلفها ولكن "عصام" أوقفه قائلًا:
- "خلاص يابابا حصل خير، هخرج أنا أتكلم معاها."

- "خلص الحوار دا يا عصام عشان أنا على آخري."

أومأ "عصام" سائلًا:
- "خدت دواك؟"

تحرك يجلس على الفراش بوهن:
- "أخدته."

أغلق "عصام" الباب مُتحركًا ناحية الشرفة، كانت تجلس تبكي بشهقات هادئة، جلس إلى جوارها وقام بمحاوطة كتفيها قائلًا بهدوء:
- "بتتكلمي معاها ليه يا ماما، أنتِ مش عارفه أنها متوترة واليوم صعب عليها؟"

- "بتكلم معاها عايزة مصلحتها، مش عيزاني أتكلم معاها خالص!، أمال هتكلم مع مين؟"

أردفت بنحيب ليتحدث:
- "يا ماما مـ أنتِ بتتكلمي فوقت غلط، و بتتكلمي ف مواضيع أنتِ بتختاريها، هي كانت بتيجي تشكيلك وتحكيلك كنتِ بترمي عليها الحمل والذنب دايمًا!"

ابتعدت عنه سائلة بإستنكار:
- "يعني برضو أنا الذنب يا عصام؟، أنا مكنتش عيزاها تتسرع وتسيبه واديك شفت اللي شمتان واللي متنيل، بعد 3 سنين يسيبوا بعض؟"

- "آه عادي جدًا يسيبوا بعض ولو بعد عشر سنين طول مهي مش مرتاحة وهو مقدرهاش فستين داهية هو واللي يعرفه، وبعدين دا حوار وخلص."

تحدث محاولًا اخفاض صوته حتى لا يمسعه والده لترد هي:
- "طب حوار وخلص شايلالي ليه، ليه شايلة كل دا من ناحيتي، وبعدين ماله الواد اللي جاي يتقدم فيه إيه عيب مهو محترم وأبن ناس وشاري."

تنهد بثقل وقام بسمح وجتنيها قائلًا:
- "يبقي نقول ربنا يكتب اللي فيه الخير، ونصبر عليها لحد متفكر كويس وتقرر، وندعيلها بأن أمورها تتيسر يا ماما مش نضغط عليها!، هي ففترة صعبة وأظن كلنا عارفين اللي هي مرت بيه، ويلا بقى كفاية قومي اغسلي وشك وارتاحي، و متفتحيش مع حور أي مواضيع ولا تتكلمي مع بابا فـحاجة، ومفيش كمان مبيات عند جدتي خلاص؟"

أومأت ليطبع قُبلة على رأسها مُتممًا:
- "قومي بقى اعمليلي عشا عشان جعان."

ضحكت بخفة ثم تحركت ناحية المطبخ تُعد العشاء ليُخرج هو هاتفه محاولًا الهروب من ما حدث مُنذ قليل...

_______صباحًا في منزل أحمد المهدي________

- "ماما هو يونس فين؟"

تساءلت لتُشير "نهال".إلى الغُرفة بضيق، تأففت "سلمى" بملل لتدلف إلى الغرفة بإندفاع، قامت بفتح الإضاءة والنافذة وهي تقول بغضب:
- "الساعة عدت 1 الضهر يا أستاذ!"

- "اقفلي النور وغوري يا سلمى بدل مقوم أخلص عليكِ."

تفوه بنُعاس لتجلس إلى جانبه قائلة بخوف مُصتنع:
- "الحق يا يونس أبوك تعب جامد وودناه المستشفى!"

انتفض من مكانه وجلس يُردد:
- إيــه؟، تعب إزاي؟، مستشفى إيـه؟"

ضحكت "سلمى" بشماتة ليتيقن بأنها تمزح ليمسكها من خُصلاتها قائلًا بحدة:
- "أنت هتستعبط ياض يا سلمى، أقسم بالله اقلعلك شعرك فأيدي!"

تأوت وهي تفك خُصلاتها ليعتدل هو متمسكًا بهاتفه، قامت بجذبه منه قائلة بحنقٍ:
- "قوم شوفلك فطار ياخي، وبعدين ركز عايزة أتكلم معاك فحاجة."

- "هــا!"

قالها بغيظ لتتحدث:
- "عيزاك تصحى بدري شوية عن كدا، بابا بيجي من الشغل وينام وأنت لسه نايم يا يونس مش هينفع كدا، وبعدين أنت مش معاك شغل!"

تأفف بضيق مُردفًا:
- "وأنتِ مالك يا سلمى أصحى بدري بقى مصحاش إيه اللي يدخلك؟، حد أتكلم معاكِ فالموضوع دا يعني ولا إيه؟"

- "لا يا يونس محدش أتكلم بس أنا شايفه بعيني، يعني حتى بعد مشتغلت بتيجي متأخر وتصحى متأخر مفيش أي تغيير!"

تفوهت ليقف مُتأففًا:
- "فكك مني يا سلمى وخليكِ فحالك."

تحرك إلى الخارج بينما هي وقفت تُرتب الفراش الخاص به بضيق، عادة قديمة ليست بجيدة في حياته؛ الإستهتار بكل ما يحدث من حوله وكأنه طفل في سن العاشرة!.

______في منزل يوسف المهدي______

كانت تقف أمام نافذة غُرفتها تُحرك هاتفها يمينًا ويسارًا بضجر، تأففت ثم جلست على الفراش بضيق قائلة:
_ "يخربيت دي شركة على دا خط، بقى اشحن كارت للنت نصه يروح!"

ألقت بالهاتف إلى جانبها وتحولت ببصرها إلى الكُتب المُلقاة على المكتب، تنهدت بضيق وهي تتجه ناحيتهم قائلة بإستسلام:
- "شكلي كدا هذاكر وأمري لله."

جلست لتدفع والدتها "كريمة" الباب قائلة:
- "ربنا اشتراكِ ، لو دخلت لقيتك على التليفون كنت هوريكِ النجوم فعز الضهر."

- " كده كده شايفاها من الكلية يا ماما متشغليش بالك."

تفوهت وهي تدور بعنيها بملل وأخذت تتفحص صفحات الكتاب دون الإجابة أو التفوه بحرف زائد ليأتيها صوت والدتها وهي تُأخذ الأكواب الفارغة الخاصة بمشروبها المُفضل بغيظ:
- "آه يا معفنة!، بتشربي النسكافية وتحوشي الكوبيات جنبك!، ليه هتفتحي فرع لرنين؟"

- "ياماما بقى خديهم وخلاص."

تفوهت بضيق لتتحدث "كريمة" قبل صفعها للباب:
- "ذاكري يا فاشلة."

أغمضت مُقلتيها بتنهيده مُرتفعة، ألقت بالكتاب وهي تحاول التحكم في تلألُأ مُقلتيها ثم دارت ببصرها إلى الخلف على صوت رسالة، تنحنحت إلى الهاتف بإستفسار لتجد المُرسل رقم مجهول، تفحصت الهاتف وهي تتحرك إلى النافذة ثم ضغطت على الرسالة التي تحتوي على..
"ازيك يا رَوان، أنا مصطفى زميلك فالجامعة"

عقدت حاجبيها بأستغراب ثم أخذت تطرق..
" معرفكش، عايز إيه يعني؟"

ليس إلا ثوانِ حتى وصلتها الرسالة التالية..
" بصراحة أنا معجب بيكِ، ومن زمان يعني، أنا أسف لاني عارف أنها مش طريقة، بس يعني اديني فرصة"

ضحكت بإستهزاء مُدونة..
" من نحية إنك هتاخد فـ أنت هتاخد، بس بلوك"

قامت بحظر الرقم بضيق وهي تُردف بكلمات سُخرية مُتجهه إلى مكتبها دون إكتراث لما حدث لتسمع رنين الهاتف من الخلف ترجلت تضرب بكلتا قدميها بغيظ مُجيبه:
"مين؟"

أتاها الصوت مُستفسرًا:
"عملتيلي بلوك ليه يا رَوان؟"

أردفت بضيق:
" معلش ومعملكش ليه؟، وأنت إزاي ترن أصلًا أنت اتجننت؟"

"روان ممكن تديني فرصة؟، صدقيني نيتي خير"

تحدث لتسأل:
" أيوة يعني عايز إيه؟"

"فكي البلوك بس عشان نعرف نتكلم.."

أغلقت الخط بملامح شاردة، طالعت الهاتف ثم رمقت كومة الكُتب بتردد، عبثت فالهاتف لثوانً ثم ترجلت ناحية الكتب بأستسلام..

أما بالخارج كانت "كريمة" تجلس على مقعد السفرة تقطع بعض الخضراوات، وبجانبها "يوسف" يحتسي كوب شايه بشرود صافي كعادته، رفعت كريمة عينه إليه قائلة بهدوء:
- " مالك يا يوسف؟"

أنتبه "يوسف" لها قائلًا بتنهيدة:
- " مالي يا كريمة!"

- " إيه أصلو دا يا خويا أمال سرحان ف إيه؟"

أردفت بفرد كفيها بتلقائية جعلته يُقهقه قائلًا:
- " شاغل بالي كرم، الواد بيكبر وشكله اتعقد من الجواز."

عقدت "كريمة" شفتيها بإشمئزاز ثم قالت بتأفف:
- "بتفكرني ليه يا يوسف، ربنا يعوضه وينتقم من منة دي كان يوم مهمبب يوم معرفناها"

قاطع صوت حديثهم رنين هاتف "كريمة"، ضغطت على زر الإجابة قائلة بابتسامة:
" أيوة يا أمل عاملة إيه؟"

راقب "يوسف" مقاسم وجهها وهو يحتسي الشاي لتُكمل هي:
" آه ياختي عندي نزلي السَبَت، عايزة كام طمطماية؟"

ضحك هو بخفة حيث أكملت:
" طيب هقلك أنا جايبه اتنين كيلو أمبارح هبعتلك كيلو لحد متجيبي."

رفع "يوسف" إحدى حاجبيه بإعجاب حيث قالت بتشنج وهي تتحرك من على الطاولة:
" يختي بلا تعب ولا هباب بطلي يا أمل شغل جنان، يلا نزلي السَبَت."

ضحك بخفة وما إلا دقائق حتى عادت تُكمل ما تفعله قائلة:
- " أسكت مش حور متقدملها عريس!"

أردف بحب:
- " ماشاء الله، أمتى؟"

آمنت مُكملة:
- " البت رَوان قالتلي أن سما قلتلها على الوتسب دا ولا اسمه إيه أنه جه يتقدم أمبارح بس لسه مردوش، أن شاء الله خير."

تحدث هو بإستغراب:
- " اللي يشوفك دلوقتي مع أمل ميشفكوش من عشر سنين، سبحان مغير الأحوال."

ابتسمت وعينها على ما أمامها قائلة بحب:
- " كنت فاكرة أنها عقربة زي نهال لحد مفهمتها صح، أنا ممعاييش أخوات بنات يا يوسف وأنت عارف، أمل زي أختي وأكتر والله، دا غير إني برتاح معاها."

وقف بمساعدة عكازه قائلًا بسعادة:
- " ربنا يديمكم لبعض يا كريمة يارب، هنزل أنا هصلي الظهر بقى."

_______________________

على بعد مسافة صغيرة من المنزل تحديدًا بورشة تصليح السيارات، تدحرج "كرم" بتلك العجلات الصغيرة التي تحمله من أسفل السيارة، طالع تلك القدمان إلى الأعلى ثم عقد شفتاه بإستنكار قائلًا:
- "يامرحب بالدكتور."

وقف يُهندم ملابسه الخاصة بالعمل وتوجه ناحية مكتب صغير ليجلس عليه، تحرك هو خلفه وجلس على المقعد المجاور قائلًا بتبرير:
- "راحت عليا نومه."

تنهد "كرم" بثقل ليسأل:
- "فطرت؟"

أومأ "يونس" ليقول "كرم" لزميلُه:
- "كبايتين شاي بقى يامحمود."

ثم ألتفت إليه مستفسرًا:
- "إيه اللي أخر نومك؟"

أردف بلا مُبالاة:
- "اتأخرت وخلاص."

لوى شفتيه بتفكير متفوهًا بلوم:
- "مش هينفع وضعك دا يا يونس، الشغل بيزيد والحِمل عليا و محمود وعاطف ووائل بس فالورشة، الباقيين بيجوا يدربوا بس من مدرسة الميكانيكا واللي شغالين جديد لسه مش واثق فيهم، فعشان خاطري حاول تيجي بدري شوية."

لم يتحدث "يونس" بكلمة بل ظل صامتًا يُطالع شاشة هاتفه المُظلمة بشرود، أثار هذا قلق "كرم" حين تفوه سائلًا:
- "بجد يا يونس فيه إيه؟"

تنهد بثقل ثم إعتدل في جلستُه قائلًا بحزن واضح بنبرة صوته:
- "زهقت، عايز أعمل مشروع ليا، عايز أعمل أي حاجة، ولو مرة وحدة بس عايز أحس إني ناجح يا كرم.. عايز أطير فوق وأحقق كتير وفنفس الوقت حاسس أني متكتف، عايز أتصرف لوحدي وفنفس الوقت مش عارف أتصرف لوحدي، عايز أبقى الشاطر والجدع والراجل اللي بيتعب وبيشقى ويمد من ماله لـ أخواته وبيته، مش عايز أفضل ثابت فحياتي يا كرم عايز أتحرك."

تنهد يميل بظهره للخلف مُضيفًا:
- "ومش عارف أتحرك."

راقبه "كرم" هيئته بقلق ثم تحرك من مقعده إلى المقعد الموازي له وربت على ساقه سائلًا:
- "وورشة أخوك قصرت معاك فـحاجة؟"

- "مقصرتش يا كرم ولا أنت قصرت بس أنا عايز أبقى لوحدي، عايز أحقق حاجة ولو حاجة وحدة بس من اللي بحلم بيها، مش طموحي أصلح عربيات وأطلع كل يوم مدعوك شحم يا كرم!."

تفوه دون تفكير إلى حين تيقتنه بأنه قال ما لا يجب أن يُقال ليتفوه بتراجُع:
- "مقصدش صدقني واللهِ بس.."

باغته "كرم" بمرحٍ:
- "ولا يهمك يا يونس، فاهم قصدك.. يوم محققت حلمي كمان واتخرجت من ميكانيكا كل الناس كانت شايفه إني فاشل عشان طموحي أصلح عربيات في حين أن العربيات دي كل حياتي وبحس أنها جزء مني ومن شخصيتي، مش عيب كمان تحلم يا يونس، العيب إنك تفضل واقف فمكانك مستني من حد دعم، أيًا كان الدعم دا إيه بقى مادي، معنوي مش هتفرق، طول مـا مستني من الناس دَفعة هتفضل ثابت."

أرتسمت على ثُغر "يونس" ابتسامة صغيرة ليُكمل "كرم" ما بدأه:
- "ابدأ صلح عيوبك اللي عملتها تربية عمي فيك يا يونس، عارف أنه من حقهم خوفهم عليك عشان وحيد؛ واللي خلاك من صغرك متتعبش للحاجة اللي عايزها بس لازم تجاهد عشان تغير الصفات دي، ولحد متقرر وربنا يكرمك بالشغل اللي محتاجه ورشتي ورشتك يا يونس ومتساش إني معاك دايمًا."

ابتسم "يونس" بحب ليحرك "كرم" أصابعه يحثُه على الدلوف بعناقُه، وقف يحتويه بين ذراعيه بخوف حقيقي نابع من بين ضلوعُه وكأنه أخاه وليس إبن عمه، ثم أغمض عنيه بضيق على ما يشعر به هو الأن، يعلم جيدًا أن ما به ليس بيده، بل كانت تلك التربية التي جعلته محور للأهتمام والخوف من عائلته، تلك الصفة التي يكرهها الكثير من أمثال "يونس" وهي الأبن الوحيد بالعائلة.

____يُتبع____
♡«مُعَانَاة كَالسُكَر»♡
مـــنار نجـــدي

___________________________________

Continue Reading

You'll Also Like

5.2M 153K 104
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣
26.3K 1.5K 19
"_ احاول تناسي الأمر لكن لا شيء يُجدي نفعاً ، حتى المُهدئات لم تعد تُعطي مفعولاً ." " _ تُشعرك بالراحة مُنذ الوهلة الأولى كأنها خُلقت لتُطمئنني انا...
7.1K 725 22
مُسلمة من اصول عربية . تعيش في كوريا منذ نعومة اظَافرها. ارادت يومًا أن تتحرر من قيود عائلتها ، ولكن ابدًا لم تفكر في التحرر من تعاليم الدين الاسلام...
7.3M 359K 71
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...