تمرد أسيرة القصر (كاملـــــــ...

By yasmen1838458

230K 5.5K 262

رواية رومانسية إجتماعية تحمل التشويق و الإثارة More

الفصل الأول
المقدمة
الفصل الثالث
الفصل الخامس
الفصل الثاني
الفصل السابع
الفصل التاسع
الفصل الحادى عشر
الفصل الرابع
الفصل الثالث عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل السادس
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الثامن
الفصل الواحد و العشرون
الفصل الثاني و العشرون
الفصل الثالث و العشرون
الفصل العاشر
الفصل الرابع و العشرون
الفصل الخامس و العشرون
الفصل السادس و العشرون
الفصل الثاني عشر
الفصل السابع و العشرون
الفصل الثامن و العشرون
الفصل الأخير
الفصل الثامن
الفصل الرابع عشر
الفصل التاسع

الفصل الخامس عشر

7.6K 196 7
By yasmen1838458

القرار ..

بحياتنا قرارات مهمة و مفصلية .. و تتوقف عليها أيامنا القادمة .. نعتقدها أحيانا صائبة و أحيانا خائبة .. و الأيام هى ما ستثبت صحتها من عدمه ....
نقع دائما بين براثن عقلنا و قلبنا .. فما يرجوه القلب يتمرد عليه العقل .. و لكن عندما يجتمع الإثنين على قرار واحد تتأكد من صوابه ..
سمه تسرع .. سمه رغبة .. سمه خطوة للامام على أرضية واهية .. و لكنها خطوة ليس منها رجعة .. و للأسف تتقدمها بسعادة و أنانية .. نعم أنانية .. ﻷن المعنى الحرفى للأنانية من وجهة نظرى .. هو تفضيل الغير على نفسك .. فنفسك تستحق الأفضل دائما ...

- موافقة أتجوز فارس .
قالتها غزل بحسم .. نطق بها عقلها و قلبها فإنطلقت عبر لسانها .. لم تقوى على مجابهة تلك القوة بداخلها و التى تدفعها لخوض تجربة عمرها بأكمله ...
شعور غريب و مزيج من الراحة و القلق .. يجتاحها حين تفكر به .. تريده و تخشاه .. تعشقه و تهابه .. تحتاجه و تتحفز له ...
يالله سقطت فى بئر الحيرة و الخوف .. و رأسها تكاد تنفجر من شدة تدفق الدماء بها .. و أفكارها تتقاذفها يمينا و يسارا و وميض عيناها الفيروزى يشع بقوة عاكسا حالتها المتخبطة ....
طالعها رامى بتوجس و سألها مجددا بقوة :
- غزل .. موافقة تتجوزى فارس .
أغمضت عيناها و هى تلعن رامى بداخلها .. لقد قالتها و إنتهى الأمر .. فلم السؤال مجددا .. يكفيها ضغطا على أعصابها.. ففتحت عيناها بحدة و طالعته بحزم و أجابته قائلة بنبرة حادة كنصل غادر :
- قولت موافقة .
ألم أقل كنصل غادر .. لأنها جرحت نفسها بذلك النصل .. صدقا التسرع فى القرارات الهامة يؤذى صاحبه و يدفع ثمنه غاليا ....
إبتسم رامى بمكر فما توقعه حدث .. فوقف مسرعا و قال بفرحة :
- مبروك يا غزل .. ما فيش واحدة تستاهل فارس غيرك .
إبتسمت بسخرية و قالت بهدوء :
- فعلا أنا أستاهل .
لم يقف رامى كثيرا عند ردها المبهم و لكنه قال بتعقل :
- تمام .. كده مهمتنا إنتهت و هنروح نبلغهم بقرارك .
و أشار لسيد بذراعه قائلا بسعادة :
- يالا بينا يا باش مهندس .
وقف سيد و ودع غزل قائلا بود :
- مبروك يا آنسة غزل .. ربنا بيحبك إنك هترتبطى بزينة رجالة المنطقة كلها .. هستنى دعوتى على فرحكم .. السلام عليكم .
و تطلع ناحية رامى و قال بتأدب :
- شوف لينا السكة يا رامى .
أومأ رامى برأسه و تنحنح بصوت عاليا .. و أشار له بيده فتقدمه سيد و تبعه رامى الذى وقف قليلا و عينيه تغازل زوجته بشوق و تتوعدها بليلة لن تنساها .. ثم أرسل إليها قبلة بالهواء فتوردت بعدها وجنتاها بخجل.. خرج و تركها و هى فى عالم آخر .. مبتسمة بشغف و قلبها يصرخ بحبه ...
أفاقت من شرودها على تحطيم شيئا ما .. فركضت ناحية غرفة الصالون تتبعها دنيا .. وجدت غزل فى قمة غضبها و تحطم ما تصل إليه يدها .. فركضت إليها بقلق و قالت بصراخ حاد :
- إهدى يا غزل مش كده .. حرام عليكى نفسك .
و هدرت بها دنيا بتوجس من أن تأذى نفسها :
- علشان خاطرى يا غزل .. إهدى .. أنا خايفة عليكى .
نزعت غزل حجابها و ألقته على الأرض و قالت بغضب و نظراتهى زائغة بصدمة :
- بقا أخويا اللى يعمل فيا كده .. ليه .. نفسى أعرف ليه .
إحتضنتها ليال و قالت بحنانها المعتاد :
- بصى لنص الكوباية المليان .. و شوفى إهتمام فارس بيكى .. و إنه هيتجوزك يا حبيبتى علشان يحميكى .
ضحكت غزل ضحكة عالية و تطلعت لليال بإزدراء من غبائها و قالت بسخرية هزلية :
- إنتى صدقتى اللعبة دى .. ده هيكتب كتابنا علشان خايف على نفسه و على كرامته.. هو .. مش بيفكر غير فى نفسه و بس .. أنانى زى أخوه .. و جوزك كمان .
قطبت ليال ما بين حاجبيها و وقفت بحدة و هى تغلى من غضبها .. لأنها إحتملت إهانة غزل لرامى أكثر من مرة .. و لكن .. هذه المرة ليس له علاقة بموضوعها .. فيكفى لهذا الحد .. لقد أصبح زوجها و يجب عليها الدفاع عنه و إلا لن تستحق لقب زوجة مصرية أصيلة ....
نهرتها ليال بضيق و قالت مدافعة عن حبيبها :
- رامى مش أنانى يا غزل .. هو مالوش دعوة بمشكلتك علشان تدخليه فيها و تشتميه كمان .
قبضت غزل على زراعها بالقوة و قربتها منها بصورة جعلت ليال تجفل و تشعر بالخوف قليلا من ردة فعل غزل الثائرة و التى قالت بغضب :
- هبلة .. هتفضلى طول عمرك هبلة .. بس أنا مش زيك إنتى و أختك .
و قربتها منها أكثر و قالت بغلظة و عيونها تقدح نارا :
- و مش هبقى نسخة تالتة منكم مهما حصل .. سمعانى مهما حصل .
و دفعتها بالقوة و دلفت لغرفتها غاضبة و أوصدت الباب عليها و هى تتنفس بصعوبة .. بعيون زائغة و نظرات هيستيرية .. شعرت أن الدنيا تهيم بها فسارت بترنح ناحية فراشها و إندست بداخله و هى ترتجف و سحبت غطائها عليها و تكورت مجددا و راحت فى سبات عميق ...
تبدو إغمائة و لكنها فى الحقيقة هروب من الواقع .. فقرار مثل قرار الإنسحاب يبدو هينا و لكنه من أصعب القرارات التى يأخذها عقلك لينسحب بهدوء تاركا المجال لعقلك الباطن فى رسم واقع أفضل بقرارات أبسط ...
و بالفعل حملها عقلها الباطن لمنطقة بيضاء و ناعمة كغيمة كبيرة تسبح بالفضاء .. و هى ممددة عليها تطالع النجوم البعيدة و الوضائة .. رفعت ذراعها نحو إحداهن و حاولت أن تتلمسها بإبهامها فإبتعدت النجمة .. رفعت ذراعها أكثر و قربت سبابتها أكثر فإبتعدت النجمة أكثر و أكثر .. حاولت النهوض و هى تسحب جسدها المتشنج و لكن شلل ما أصابها و منعها من الحركة فشعرت بذعر و خوف .. حاولت الصراخ فلم تستطع أيضا و كأن شفتيها قد إلتصقتا و أبت الإنصياع لأمرها ...
فإنطلقت دموعها و هى ترى النجمة تبتعد و تبتعد .. فإنتبهت أنها هى من تبعد و تلك الغيمة تسقط بها بسرعة كبيرة و قد قاربت على الإصطدام بالأرض بقوة .. فكورت جسدها أكثر و إرتجف جفنها بشدة و تشنجت ملامحها بصورة مرعبة .. و تجمعت بعض حبات العرق على جبينها و هى تقاوم لتعود لواقعها من جديد .. و لكن .. قرار العودة صدقا .. ليس هينا ...

تحسست ليال ذراعها و الذى آلمها من قبضة غزل القوية .. و لكن ما آلمها أكثر كلماتها الصادقة .. نستطيع أن نكدب على الجميع و نتصنع أمام الجميع و نتجمل أيضا .. لتكشفنا أنفسنا و تعرينا بوقاحة .. و يأتى بعدها قلبنا البائس و يغير كل شئ و يحوله لتلك الأسطورة الجميلة المزرية و المسماة .. الحب .. و هذا هو حال الحب ....
إقتربت منها دنيا و ربتت على ذراعها بهدوء و قالت برفق لتطيب خاطرها :
- ما تزعليش منها .. هى من يوم مرض ستى رأفة و هى بقت على الحالة دى .. اللى مر عليها الفترة اللى فاتت كتير .. كتير قوى .
أومأت ليال برأسها و قالت بنبرة بائسة مؤكدة :
- عندك حق .. ربنا يكون فى عونها .. و مهما عملت مش هسيبها لوحدها برضه .
إنتبها على وقفة مهاب خلفهما و يبدو عليه الذعر و الخوف من صراخ غزل و صوت تحطيمها للأشياء .. رسمت ليال على شفتيها خطا باردا كإبتسامة بائسة و سارت نحوه و إنحنت قليلا و قالت برقة :
- مالك يا حبيبى واقف ليه كده .
- عاوز أمشى يا لولو .
قالها بإقتضاب .. فإلتفتت ليال برأسها ناحية دنيا التى تحركت على الفور و تمسكت بكفه و قالت بمداعبة :
- إيه رأيك يا هوبا ننزل نشترى أيس كريم و شيبس و أروحك و أهه بالمرة أسلم على خالتى زينب .
هز مهاب كتفيه نافيا و قال بتأفف :
- ﻷ أنا عاوز نودلز و كان بيبسى .
إبتسمت دنيا بخفوت و عدلت من حجابها و قالت بتأدب :
- حاضر يا فندم .. تعالى ننزل و إختار اللى إنت عايزه .
تناسى ذعره و بدأ فى ملأ لائحة طلباته الطويلة و دنيا تهز رأسها بإنصياع حتى خرجا .. تنهدت ليال مطولا و أغلقت إضاءة الغرفة و خرجت منها و سارت نحو غرفة غزل و أدارت مقبضها بهدوء ..
أطلت برأسها فرأتها عادت كما كانت .. نفس إنكماشها على نفسها و عيونها متسعة بقوة متطلعة بالاشئ .. بوجه شاحب و ملامح ذابلة .....

وقف رامى بينهم جميعا يطالع نظرات الترقب بأعينهم .. و خصوصا علاء المبتسم بغرور و ثقة من أن غزل التى تلاعبت بقلوب رجال خطرين من قبل و إنتقمت لوالدتها منهم ستقع فى حب ذلك الطاووس الواقف أمامه و يحدجه بثقة أكبر لا يعرف مصدرها ....
نعم يحدجه بثقة لأنه يعلم مدى عشقها له و لو دارت و أخفت عن الجميع .. فعيناها المغرقتين تحكى له دائما قصصا حزينة مخبئة بداخلها .. بايعته هو و جعلته أميرها و سندها و حبيبها .. و سيصبح زوجها فقط لو ينطق ذلك السفيق الذى يطالعه بإبتسامة ماكرة و كأنه يتلذذ بعذابه فى إنتظار ردها على شفتيه هو ..
يتلذذ و بشدة فتلك فرصة رامى الوحيدة للتشفى فى فارس و الذى طالما نعت عشقه لليال " بالحب الملزق " .. فلتذق من ذلك العشق أيها التمثال الثلجى الذى تخفى نيران غضبك بداخلك و تتصنع اللامبالة ...
لم يضق صدر فارس فقط فقد هدر الحاج على برامى بنفاذ صبر قائلا بعصبية :
- ما تنطق يا رامى .. البنت وافقت على طلب العوو و لا هترجع مع أخوها .
إختفت إبتسامة رامى و حل محلها الوجوم و الحزن و هو يتطلع بفارس و يهز رأسه بيأس حزين .. مما جعل حلق فارس يتحرك قليلا مبتلعا ريقه بتوتر من أن يكون ردها كما بالسابق .. الرفض .. هذه المرة سيحطم رأسها و يجتذبها على ساقيه و يصفع مؤخرتها البغيضة و التى تتعمد إبرازها دائما بسراويلها الضيقة حتى تعترف بعشقها له ..
بينما عقد علاء ذراعيه بإنتصار و تشفى منتظرا رد رامى المتوقع .. ليفاجأهم رامى بردها حين قال بتوجس من ردة فعل فارس الغاضب :
- طبعا وافقت تتجوز فارس .
ضيق فارس عينيه و عض على شفته السفلى بقوة و هو يتوعد رامى بعقاب لن ينساه .. إبتسم رامى إبتسامة متسعة على حالته تلك داعيا ربه أن يتلطف به و لا تصل إليه تلك القبضتين المتحفزتين للكمه ...
سقط ذراعين علاء بجواره و تهدلت ملامحه و قال بتعجب :
- what do you say .. غزل هتتجوز .. ده .
رفع رامى طرف شفته بسخط و قال له كاظما غيظه :
- و ماله ده يا روح خالتك .. إنت ليك عين يا زفت إنت تتكلم أصلا .
سار فارس بعض خطوات و وقف فى مواجهة علاء و قال بقوة قاطعة :
- أنا لسه ما أخدتش حقى منك .. بس حقى هاخده منك و وقتى لو مأخدتش شنطة سفرك و باسبورك و على المطار عدل .. سافر و غور من هنا و إنسى إنه ليك أخت الضافر اللى بتقصه من رجلها .. برقبتك .
إبتسم علاء بسخرية و تطلع بعونى المطأطأ رأسه بخزى و قال له بحدة :
- يالا يا عمى .
وقف عونى و إسلام و تبعاه فأوقفهم صبرى قائلا بغلظة :
- إستنى إنت و هو .
إلتفتوا إليهم .. فتابع حديثه و هو يخرج من جيب عبائته وثيقة التنازل و وضعها على الطاولة أمام الحاج على و وجه حديثه لعونى قائلا بإصرار :
- إمضى على التنازل ده .. علشان قبل ما تمس شرف ولية تانى تعمل حسابك إنك هتتأدب .
هز رأسه بإزدراء و أردف قائلا :
_ و لو إنه الأولى تخاف ربك و تخاف من وقفتك بين إيديه يوم الحساب .. إتفضل إمضى .
تنفس عونى بصعوبة و سار ناحية الطاولة و حمل القلم بيده و تطلع بالوثيقة بقهر و وقعها مسرعا و خرج مهرولا يتبعه إسلام و علاء ..
حمل صبرى الورقة و ثناها و أعادها لجيب عبائته .. ثم وقف أمام فارس و قال بسعادة :
- مبروك يا إبنى .. جوازة العمر كله إن شاء الله .
إنحنى فارس قليلا و قبل كفه و رفع رأسه قائلا بإمتنان :
- ربنا يخليك ليا و يديك الصحة يا حاج .
ربت صبرى على ظهره و بدأ الجميع فى تهنأته بزواجه و هو يبتسم براحة و سعادة لم يشعر بها من قبل ....

- هاه و باعدين .
قالاها حمزة و ميناس معا بتلهف .. ثم تطلعا ببعضهما مطولا و أشاح كلا منهما بوجهه عن الآخر بغرور و كبرياء .. مرر رامى عينيه بينهما بتعجب و قال بهدوء :
- و باعدين إيه .. خلاص باركنا ليه و هيتجوزم كمان يومين و توتة توتة فرغت الحدوتة .
وقف مسرعا .. فجذبه حمزة من معصمه بالقوة و أجلسه مجددا أمامهما و قال بضيق :
- يعنى قصدك إن فارس خلاص هيتجوز غزل .
لوى رامى ثغره بملل و أجابه ببديهية :
- هيكتبوا الكتاب .. موضوع الجواز ده بقا نشوفه باعدين .
و وقف مجددا .. فجذبه حمزة مجددا و أجبسه أمامه عنوة و قال بغضب :
- ما تقعد يا إبنى إنت خلينى أفهم .. متسربع على إيه .
مرر رامى كفه على وجهه كاظما غضبه و قال بنفاذ صبر غير مبالى بوقاحة كلماته و جرأتها :
- متسربع على مراتى .. إتقوا الله ده أنا لسه فى شهر العسل و ما إتهنتش بيها إسبوع على بعض .. حسوا بيا .
و وقف مسرعا و تركهم و إبتعد .. هز حمزة رأسه بقوة و قال بشرود :
- غزل .. و فارس .. ده هيبقى لقاء السحاب .
أجابته ميناس بتأييد و هى تستند بذقنها على يدها الموضوعة أمامها على الطاولة :
- عندك حق .. كنت حاسة إنهم بيحبوا بعض .. بس برضه إزاى .. غزل .. و فارس .
تطلع حمزة إليها و قال ببساطة ساخرة :
- يالا بكرة نقعد جنب الحيطة و نسمع الزيطة .
لفت ميناس رأسها قليلا ناحيته و قالت بعبوس محتد :
- ليه التشاؤم ده .. مش يمكن يبقوا أكتر كابل رومانسى فى الدنيا .. خصوصا إنهم .. بيحبوا بعض .
و شددت فى نطقها على آخر كلمتين .. هز حمزة رأسه بيأس و قال بضيق :
- برضه هتقولى رومانسية و بتاع .. قومى قومى .
و دفعها بيده لم تكن جالسة جلسة صحيحة فتهاوت و كادت أن تسقط بالمقعد .. فتمسك حمزة بكفها و جذبها إليه و قد إتسعت عيناها بذعر .. قبضت على كتفه بقوة و هى تستجمع أنفاسها الهاربة .. تلك الأنفاس التى لفحت وجهه و جعلته يرفع ذراعه الآخر و يلفها حول رأسها و يقرب وجهها منه متعمقا بعينيه بشفتيها الصغيرة المكتنزة .. و الشهية .....
إبتلعت ميناس ريقها بتوتر و هو يقترب برأسه منها رويدا رويدا .. لم تمنعه بل تجاوبت معه و تلامست أنوفهما فأغمضت ميناس عيناها العشبية تاركة له المجال لسحبها لعالمه المثير و تلامست شفتيهما .. لتقطع نشوى لحظتهما الحميمية تلك و هى تقول بخجل :
- أأأ .. أشيل السفرة يا فندم .
فتحت ميناس عيناها و إبتعدت عن حمزة و وقفت مسرعة و عدلت من حجابها و قالت بتوتر :
- أيوة .. خلاص .. إحنا خلصنا أكل .
و تركتهما و توجهت ناحية غرفتها .. و عينى حمزة تلاحقها بلهفة .. و شوق .. ثم إلتفت برأسه ناحية نشوى و طالعها بغضب و حرك كرسيه قائلا بضجر :
- لمى السفرة يا نشوى لميها .. النضافة واكلة نفسها .. حبكت يعنى .
دارت نشوى إبتسامتها بصعوبة .. بينما تحرك هو و توجه ناحية غرفته و هو يسب نشوى بأفظع الألفاظ .. فتلك المتطفلة قطعت عليه لحظة تمناها منذ كانا سويا بليلتهم السابقة المشتعلة ...

دلف رامى لغرفته و بحث عن ليال بها بلهفة فلم يجدها .. فخرج مسرعا و بحث عنها بجناحهما فوجدها بأحدى الغرف جالسة على مكتبها و تستذكر دروسها .. زم شفتيه و قال لتنبيهها بقدومه :
- بتعملى إيه يا لولو ؟!
رفعت رأسها عن كتابها و قالت بإبتسامة هادئة :
- مافيش يا قلبى .. قولت أذاكر شوية لغاية ما تيجى .
هز رأسه بضيق و إستند بكتفه على إطار باب الغرفة و قال بسخرية :
- و الحصة هتخلص إمتى بقا علشان حصتى تبدأ .
وقفت و إلتفت حول مكتبها و سارت نحوه ببطء شديد و هى تحدجه بإبتسامة مثيرة .. و قالت برقة و دلال :
- حبيبى زعلان مثلا .
إعتدل بوقفته و لف ذراعيه حول خصرها و جذبها ناحيته متعمقا بشهد عيناها و قال بهمس حارق :
- شوية .. أنا قولت هطلع ألاقيكى مستنيانى .. و لابسة قميص نوم من اللى هو ينسينى تعب اليوم كله .. و تقوليلى وحشتنى يا حبيبى .
إتسعت إبتسامتها و إبتعدت عنه قليلا و طالعته بقوة و سحبت رابطة شعراتها التى إنسدلت على ظهرها بتموجاتها الناعمة الذهبية و سحبت رباط مأزرها ببطء مثير و أزاحت كتفيه و تركته يسقط بنعومة حتى إستقر على الأرضية ...
وقف رامى مشدوها يطالع جمالها الآخذ بقميص نومها الأبيض الحريرى الضيق و الشيق و تلك الفتحة التى تتبعتها عيناه حتى وصل لنهايتها بآخر ساقها و صدره العارى بوقاحة ....
إقتربت منه مجددا و حاوطت عنقه بذراعيها و رفعت نفسها واففة على أنامل قدميها و قالت هامسة أمام شفتيه :
- وحشتنى يا حبيبى .. وحشتنى موت .
قربها إليه أكثر و قال بتحذير قوى من تماديها بإستثارته :
- خفى عليا يا لولو .. ده هو اللى لسه فى دماغى برج واحد و عشش فيه الحمام كمان .
ضحكت ضحكة عالية رنانة جعلته يخرسها طابقا بشفتيه على شفتيها فاقدا صبره و حزمه .... و حملها و توجه بها ناحية غرفتهما و هى تهمس له بمدى عشقها .....

لم تكن تشعر بشئ و كأن الزمن قد قرر أن يتوقف بها .. أن يعاقبها على ذنب لم تقترفه .. أن تنتهى حياتها بزواج تمنته و لكنها الآن تبغضه .. تطالع الفرحة بوجوه الجميع من حولها ببلاهة .. حتى رأت بينهم وجها إشتاقت لملامحه الناعمة و إبتسامته النادرة و حزن عينيه الزرقاء اللامعة دائما بدموع متحجرة .. و جه حور .. والدتها ...
قبضت غزل على فستاتها الأسود اللامع و هى تهز رأسها بخفوت شاردة تطالع إبتسامة والدتها المشرقة و كأنها تربت على قلبها المجروح و تهنأها بأكثر ليلة حلمت بها و تمنتها كثيرا و هى تجدل لها جدائلها و هى صغيرة متمنية أن تلبسها فستانها الأبيض و طرحتها الطويلة و تسلمها لفارسها المغوار ....
وخزتها ميناس فى ذراعها لتخرجها من شرودها ..لتعود معها غزل لأرض الواقع مجددا و تطلعت لرامى ببرود و قالت بعجز لا يلائمها :
- موافقة .
و بعد قليل وضع أمامها دفتر الزواج و طلب منها التوقيع عليه .. و بالفعل وقعت ببرود جسد متوفى ليس به روح .. إختفت منه مظاهر الحياة .. و ما هى إلا ثوانى و بدأت المباركات .. بعد إعلان إتمام عقد القران .. و أنها أصبحت رسميا .. زوجة فارس صبرى السعيد ...
إحتضنتها زينب و تمنت لهم الرفاء و البنين قائلة بسعادة :
- مبروك يا بنتى .. و الله كنت عارفة إن إبنى عقدته هتتفك على إيدك .. ربنا يهنيكم و يكتبلكم السعادة .
أجابتها غزل بود :
- الله يبارك فى حضرتك .
الشئ الوحيد الحقيقى بهذا اليوم هو ضمة مهاب إليها بفرحة و هو يقول لها ببرائته المعتادة :
- أخيرا بقيتى ماما يا غزل .
لأول مرة منذ وفاة جدتها يظهر شبح إبتسامة حقيقية واهنة على أطراف شفتيها .. ضمته إليها بقوة .. مستمتعة بصدق مشاعره .. فقد كانت بحاجة لهذه الضمة .. و بشدة .. ثم ملست على شعراته و قالت بحب :
- أحلى كلمة سمعتها فى حياتى .. قولها تانى يا مهاب .
إبتعد عنها قليلا و قال بإبتسامة متسعة :
- ماما غزل .. حلوة الكلمة دى صح .
إتسعت إبتسامتها أيضا و قرصت وجنتيه بمداعبة و قالت بحنو :
- حلوة قوى يا حبيبى .
قبلها بوجنتها و قال بسعادة :
- كنت بدعى لربنا كل يوم علشان يبقى عندى ماما جديدة .. و ربنا سمع كلامى .
طالعته بقوة و قالت بتأكيد :
- معاك حق .. و أنا كمان ربنا عوضنى بيك يا حبيب ماما .
ضمها إليه مجددا و قبلها مجددا وسط نظرات جميع من حولهم .. ربما لم يحضر أحد تقريبا سوى زينب و سالى و مهجة و بالطبع الفتيات الثلاث .. أمانة رأفة الثقيلة ...

إنصرف الجميع فى النهاية و بقى فارس و والدته التى طلب منها الجلوس مع غزل بمفردهما قليلا .. لأنه لم يرها منذ آخر لقاء لهما بالمشفى .. أخبرتها زينب برغبته فى رؤيتها فوافقت و هى تستجمع قواها للقائهما .. و شعور غريب و بغيض على نفسها من الشوق يقتلها لرؤيته .. بعدما أصبح .. زوجها ...
دلفت لغرفة الصالون و هى مرتدية قناع القوة الزائف .. لم تنكر إحتباس أنفاسها فور رؤية هيبته الواضحة على قلبها الممزق .. و وسامته المبالغ بها اليوم .. و نظراته الدافئة التى تنسيها ألمها بسهولة جدا .. حتى لو كان هو سببا من أسباب ألمها ..
تمالكت بصعوبة و عادت لذلك القناع الواهى و زفرت بحدة و نفضت أفكارها التى تأتى بأمر مباشر من قلبها .. و وقفت أمامه و قالت بهدوء :
- نعم .
ضيق عينيه قليلا متعجبا من طريقتها الجافة فى الحديث معه بعد تلك الفترة الطويلة التى إنكوى فيها بنيران شوقه لها .. و ردائها الإسود الذى يعكس مدى سخطها و رفضها لهذه الزيجة .. و لكن .. فلتتصنع كما تشاء .. فتلك اللهفة لرؤيته و الذى لمحها بعيناها فور دلوفها تؤكد له أنها موافقة بإرادتها .. إقترب منها قليلا و وقف قبالتها و قال بإبتسامة عينيه الساحرة و التى تتطلع إليها بتسلية :
- مبروك .
إبتسمت بسخرية و قالت بحدة :
- مبروك على إيه .. ده لعب عيال و لا نسيت .
إقتربت منه خطوتين و قالت بقوة :
- بص بقا و من الآخر كده .. هى فترة بسيطة و تطلقنى و بكده كرامتك متصانة و غرورك و إسمك هيفضلوا زى ما هما .. و أنا هبيع نصيبى فى بيت أبويا و همشى من هنا مش هتشوفنى تانى .
وقف متابعا لحديثها و هو يصك أسنانه بقوة و لم يشعر بالألم من شدة غضبه .. و هو يحدجها بعينين مشتعلتين.. قرب رأسه منها و قال لها بصوت أجش حانق جعلها ترتجف من خوفها :
- طلاق مش هطلق ... و أعلى ما فى خيلك إركبيه .. إنتى بقيتى مراتى و عمرى ما هسيبك سواء برضاكى أو غصب عنك .
حاولت إخفاء فرحتها من تمسكه بها .. بينما إقترب هو منها أكثر .. و مال على أذنها و همس بها قائلا :
- مش العوو إلى واحدة زيك تتكبر عليه .. هديكى فرصة علشان تتقبلى فكرة إنك مراتى .. وهجهز جناحنا فى القصر علشان تعيشى معايا هناك .. مفهوم .
و إبتعد قليلا يطالع تأثير كلماته بها .. إبتسمت غزل بهدوء و قد راق لها اللعب معه مجددا و عقدت ذراعيها خلف ظهرها و تمايلت بنعومة و قالت بثقة :
- مش هيحصل .. و على فكرة أنا أقدر أتكبر عليك و على عشرة زيك .. مفهوم .
هز رأسه مستنكرا ثقتها الزائدة و عنادها المقيت و أجابها بقوة و تحدى :
- بلاش تلعبى بالنار معايا .. لأنك أضعف من إنك تتلسعى بيها .
ضحكت ضحكة عالية و عادت بعينيها الساحرة لعينيه و قالت بصوت متسلى رائق :
- صدقنى إنت صعبان عليا جدا .. لأنك مش عارف ربطت نفسك بمين .. بس أوعدك .. هتعرف .
رفع حاجبيه بسخرية و مرر أنامله بشعراته الناعمة و قال ببساطة :
- من بكرة ترجعى شغلك .. مش عاوزهم يقولوا دى بتدلع علشان بقت .. مرات .. صاحب المستشفى .. مفهوم .
قطبت حاجبيها و هى تتطلع إليه بتعجب من قدرته على تحويل دفة الحوار .. إبتعد عنها قليلا و هى تتابعه بغضب .. ثم توقف لثانية و إلتفت ناحيتها و أخرج من جيب سترته ورقة مد يده بها ناحيتها و قال بجدية :
- ده تنازل من عمك بالمحل بتاعه أدبا ليه علشان ساعد أخوكى .. و إطاول على حاجة تخص فارس العوو .
رفعت عينيها بملل فمهاب يستمد ذلك الغرور من المغرور الأول بالعالم و الواقف أمامها .. مدت يدها و أخذت الوثيقة و فتحتها و قرأتها بلا مبالاة .. ثنتها مجددا و عادت بعيناها لفارس تطالعه بنظرات شكر مبطنة و مخفية قليلا ....
إبتسم إليها بشوق و هو يتأمل تقاسيم وجهها الساحر و خرج و تركها متخبطة بحيرتها .. متسائلة بإهتمام هل تمسكه بها حب أم حب إمتلاك أم إنتقام لكرامته أم .. أم ماذا ..
شعرت بأن عقلها بات يؤلمها من كثرة التفكير.. فبقرار بسيط منها جعلت ذلك المغرور .. المتكبر يتحكم بها ...
و لكنها قررت أن تكمل حياتها كما هى و ستجعله يطلقها بأى ثمن .. لأنه لم يرى وجهها الثانى العنيد و الشرس لأبعد حد .. بعد .. فلننتظر و نرى أيها المتعجرف .. الوسيم ...
خرجت غزل تزفر بضيق بعد رحيل الجميع فوجدت دنيا تتجه ناحيتها و عيناها تشع نارا و يديها تتأرجحان بقوة و هى تتقدم ناحيتها .. فقالت غزل بنفسها :
- إستر يا رب .
وقفت دنيا أمامها و قالت بضيق :
- غزل قولى لمهجة أنا مش عايزة حد يساعدنى فى ترتيب البيت لأنها متعصبة و موترانى معاها .
جلست مهجة على أريكة بجوار غرفة غزل و قالت بعصبية :
- أنا غلطانة إنى عبرتك أصلا .. ده إنتى فقر .
هزت غزل رأسها بيأس و طالعت دنيا بقوة و أشارت لها برأسها أن تعود لعملها .. تركتهما دنيا و عادت لمتابعة ترتيب المنزل .. جذبت غزل مهجة من ذراعها و أوقفتها و سحبتها ورائها لغرفتها و أغلقت ورائهما الباب و أجلستها على فراشها و جلست بجوارها و سألتها بفضول قلق :
- قوليلى بقا إيه اللى مضايقك كده .. أنا ملحظاكى بقالى فترة بس ماحبتش أضغط عليكى .
طأطأت مهجة رأسها و أجابتها بضيق :
- مافيش يا غزل .. أنا هطلع أنام علشان ترتاحى إنتى لسه تعبانة .
هدرت بها غزل بنفاذ صبر و قالت بحدة :
- بت إنتى هتنطقى و تقولى مالك و لا ماأشوفش وشك تانى .
زمت مهجة شفتيها و إلتفتت ناحيتها و رفعت ساقها و ثنتها تحتها و قالت بسرعة كأنها تريح صدرها من سر أرهقها :
- بصراحة بقا أنا بحب .
إبتسمت غزل بمكر و قالت بهدوء :
- ما أنا عارفة و باين عليكى جدا .. إيه المشكلة بقا ؟!
توتر مهجة بشدة و بدأت فى قضم أظافرها بخجل .. فضيقت غزل عيناها و قالت بتوجس :
- مهجة .. هى إيه الحكاية بالظبط بدأت أقلق .
رفعت مهجة عيناها ناحيتها و قالت بتلعثم :
- أصل .. يعنى أنا ... .
قبضت غزل قبضتها و قربتها من وجه مهجة و قالت بصرامة :
- إنطقى أحسنلك يا مهجة .
إبتلعت مهجة ريقها بتوتر و قالت بنبرة متوجسة :
- أصلى بحب سعد الجزار و هو بيحبنى بس ...
إقتربت منها غزل و قالت بتلهف :
- بس إيه بقا .. أنا مستنية بس دى .
لوت مهجة ثغرها و قالت بضيق :
- أصله متجوز و عنده بنتين .. بس بيحبنى قوى و عاوز يتجوزنى و الله و أنا .... .
قاطعتها غزل قائلة بشراسة :
- إنتى إتهبلتى فى مخك .. بتحبى واحد متجوز .. ﻷ و مخلف كمان .
أجابتها مهجة بتسرع :
- طب ما إنتى إتجوزتى العوو و هو مخلف و سبق له الجواز قبلك .
رفعت غزل حاجبيها بتعجب .. فأغلقت مهجة عيناها لاعنة غبائها و تسرعها و مسدت جبهتها و فتحت عيناها و قالت بخجل :
- ما تزعليش منى يا غزل أنا كده لما بتنرفز بحدف طوب من بوقى .
لانت ملامح غزل قليلا و ربتت على كفها و قالت بتعقل :
- يا مهجة يا حبيبتى .. ده متجوز يعنى بيخلص شغله و إشتغالتك و بيروح عندها بيقعد معاها و بياكل معاها و بينام جنبها .
تهدلت ملامح مهجة بحزن من كلمات غزل الحادة و المؤلمة .. فتابعت غزل حديثها و قالت بترفق :
- لو مش بحبك و بخاف عليكى مش هقولك كده .. ده بيلعب عليكى يا حبيبتى .
تجمعت العبرات فى عينى مهجة و قالت بحزن :
- هعمل إيه اللى لقيته و حس بيا .. أنا دلوقتى عندى 28 سنة و أمى لسانها مابيرحمش كل شوية تقولى يا بايرة يا عانس اللى قدك خلفوا عيل و إتنين .. لما طفحت .
هزت غزل رأسها بتفهم و ثنت ساقيها تحتها و جلست مقابلة لمهجة و قالت بغضب :
- أمك دى بصراحة ما تتطاقش .. بتاعت أوخا دى .. إسمعى بقا الواد ده تقطعى علاقتك بيه نهائى و تدعى ربنا إنه يرزقك بعريس إبن حلال كده و باعدين .... .
قطعت غزل حديثها و وقفت و جذبت مهجة من ذراعها و أوقفتها و لفت حولها تطالع وزنها الزائد و إهمالها لنفسها و قالت بضيق :
- إنتى لازم تخسى بتاع خمسين كيلو مثلا و تعملى ماسكات و حمام بخار لبشرتك و تقصى من لسانك بتاع سبعة تمانية متر بس و بعدها الرجالة هى اللى هتجرى وراكى .
ضحكت مهجة ضحكتها الرنانة و قالت بسخرية :
- ليكى نفس تهزرى .. بس بصراحة عندك حق .. أنا لازم أبقى سحلية كده زيك و أهتم بنفسى و أنا هغطى عليكى إنتى و بنات خالتك الملزقين دول .
حملت غزل الوسادة و إنهالت بها على مهجة و هى تقول بغضب :
- بقا أنا سحلية و بنات خالتى ملزقين يا سكند هاند يا عمارة ست إدوار يا متفجرة البروز و التضاريس .
زغردت مهجة بسعادة و قالت متفادية ضربات غزل القوية :
- الله أكبر .. غزل فرشتلى الملاية و أخدت الجنسية المصرية .
فتحت دنيا باب غرفة غزل بتعحب فإلتقفت وسادة طائرة بوجهها .. فهزت رأسها و قالت بهدوء :
- كملوا اللى بتعملوه .. آسفة على المقاطعة .
و أغلقت الباب عليهما .. فدخلت مهجة و غزل فى نوبة ضحك عالية حد الدموع متناسيتين مصيبتيهما و التى سببها قراراتهما الطائشة .....


فى اليوم التالى .. عادت غزل لعملها و لحياتها الطبيعية بقوة و ثقة .. و كأنها لم تمر بتجربة مؤلمة سحبت من رصيد برائتها و ثقتها بالجميع قدرا كافيا لتنسحب من ذلك العالم البغيض ....
بعدما إنتهت من مرورها اليومى على المرضى عادت لمكتبها .. فقابلت أحمد الذى يتجنب رؤيتها بعدما علم بزواجها من فارس .. أكمل سيره متجاهلها فأوقفته قائلة بضيق :
- و نعم الصداقة يا دكتور .. بتلفت وشك منى .. فعلا كلكم رجالة زى بعض .. مجتمع عنصرى و ذكورى لأبعد حد .
و تركته و دلفت لمكتبها بحقد زائد .. جلست على مكتبها و هى حانقة على كل شئ .. ضمت رأسها بين راحتيها لتتحكم بألم عاصف برأسها .. ثم أخرجت أقراص مسكنة و تناولت واحدة للتخفيف من هذا الألم .. إنتبهت لوقفته أمامها و هو يحدجها بأسف .. ثم قال معتذرا :
- أنا آسف .. ممكن أدخل أقعد معاكى شوية .
ردت بإقتضاب حازم :
- ﻷ .
فقال مازحا مبتسما بمداعبة و هو يتجه ناحية مكتبها :
- شكرا إنك وافقتى .. قوليلى بقا أخبارك إيه .
إبتسمت بهدوء و هزت رأسها و قالت بمعاتبة:
- بس أنا قولت ﻷ .. و أنا اللى مش عاوزة أشوفك .
جلس أمامها و قال بنبرة صوته الحانية رغم صلابتها :
- طب أهون عليكى .. و الله ما أهون .
إتسعت إبتسامتها و قالت ساخرة :
- على فكرة تهون عادى .. زى ما أنا هونت عليك يا .. يا صديقى .
رد عليها أحمد بنبرة متأثرة و قال بجدية :
- غصب عنى و الله .. لما عرفت إنك إتجوزتى الأستاذ فارس حسيت إنى إتضربت قلم على وشى .. فزعلت منك .. خصوصا إنى .. إنى بحبك قوى .
إحتدت نظراتها نحوه و قالت محذرة بقوة :
- إحنا أصدقاء و بس .. و أنا دلوقتى متجوزة و شايلة إسم راجل محترم .. و مش هسمح بتجاوز بينا تانى .
رد عليها بأسف :
- سامحينى زلة لسان و مش هتتكرر .. و أنا هفضل جنبك لو عوزتينى فى أى وقت هتلاقى أخ مش بس صديق .
تنهدت غزل براحة و قالت بتمنى :
- يا ريت تفكر كده بجد .. I need you .. و مش عايزة أى حاجة تلوث صداقتنا مهما كانت .. done.
ضحك ضحكة عالية و قال موافقا :
- done .
رغم صعوبة ما يشعر به إلا إنه أغلق قلبه على عشقها و قرر مساندتها كأخ و صديق .. فملامحها الذابلة و عيناها المنكسرتين دليل كافى على وهنها .. فإن لم تكن حبيبته فيكفى أنه بجوارها و يهتم بها و لو على حساب ألم قلبه هو .. و إنكساره ...


وقف رامى مستندا على سيارته و هو يتطلع حوله بضيق حتى رآها تقترب منه بإبتسامتها البريئة .. لم ينتظرها بل إستقل سيارته مسرعا بوجه متجهم .. فتحت ليال باب السيارة المجاور له و صعدتها مسرعة و قبلته فى وجنته و قالت بفرحة :
- الإمتحان كان سهل جدا .. عقبال الباقى .
تطلع إليها بغضب و قال بحدة :
- مش فاهم لازمتها إيه يعنى .. ما إنتى مش هتشتغلى يبقى ليه الشهادة دى .. و دخول و خروج .. و نتحجج بالإمتحان و.... .
قاطعته ليال و قالت بضيق :
- أنا مش قصدى أزعلك بس الشهادة دى الحاجة الوحيدة اللى عملتها برغبتى .. و عاوزاك تفهمنى مش كل شوية تزعل و تقعد تسمعنى كلام يضايق .
إنتبه لحزنها بعدما إختفت إبتسامتها و علا وجهها العبوس و الضيق .. فحمل كفها و لثمه برقة و قال بهدوء :
- الشوية اللى بسيبك فيهم تدخلى تمتحنى ببقى عاوز أكسر الجامعة على دماغك .. كل ما أفكر إنه ممكن واحد يبصلك أو يكلمك حتى.
عادت الإبتسامة لوجهها و قالت برقة :
- و الله يا رامى أنا واصلة معايا إنى بقيت أخاف من الناس و برفض الكلام مع أى بنت من زمايلى .
سحب نفسا طويلا و قال بهدوء :
- أحسن .. لأن البنات دلوقتى ألعن من الشباب .. يعنى مافيش واحد عاكسك مثلا و حاول يكلمك و لا بص ناحيتك .
لوت ثغرها و قالت بضيق :
- محصلش .
غمز لها بعينه و قال بغضب مخفى تحت إبتسامة باهتة :
- و الله .. ليه إتعموا فى عنيهم و مش شايفين قد إيه إنتى حلوة .. أكيد يعنى ما عدتش كده .
هزت رأسها بيأس و أجابته بقوة :
- محصلش .. أنا دخلت إمتحنت و خرجت عليك على طول .
أومأ رامى برأسه و قال بهدوء :
- غصب عنى يا عسلية و الله بموت و أنا واقف و مستنيكى كده و مش عارف إيه اللى بيحصل جوة .
إبتسمت بسعادة و هى تتطلع لحبيبها الغيور بحب .. ثم رفعت يدها و داعبت أطراف ذقنه .. و قالت بدلال :
- بموت فى غيرتك دى .
ذاب مع لمساتها و نظراتها الشقية .. لو كانوا بمفردهما الآن لجعلها تندم على رقتها و تماديها معه .. و اللعب بالنار التى إشتعلت بقلبه و حفزته لإلتهامها .. لكنه قرر أن يروى عطشه لها فى عشهما بغض النظر عن أعماله المعطلة و التى تنتظره .. فقاد سيارته مسرعا لأنه لم يعد يمتلك صبرا .

بعد عدة أيام .. جلست غزل بمكتبها تفكر بتعجب لما لم يسأل عنها و لو مرة واحدة منذ عقد قرانهما .. فهل أصبحت لا تعنيه لهذا الحد .. و إن كان صحيحا فلماذا يرفض دائما مبدأ الطلاق ....
لم تعد تحتمل و قررت أن تنهى هذا الأمر بقوة .. يجب أن يعرف أنها ليست ضعيفة ليتحكم بها بهذا الشكل .. فوقفت و توجهت لغرفة مكتبه و عيونها تقدح شرارا .. لم تجد السكرتيرة على مكتبها فتوجهت ناحية الباب بثقة ....
و لم لا فهى زوجته و مباح لها الدخول بأى وقت .. أدارت مقبض الباب و دلفت بحدة .. فشعرت بالخجل و هى تطالع تلك الوجوه المتعجبة من دخولها المفاجئ .. فقالت بأسف :
- sorry أصل السكرتيرة مش بره و أنا دخلت .. يعنى علشان .. كنت ... .
قاطعها فارس قائلا بهدوء و هو يتأملها بشوق :
- ما فيش مشكلة إتفضلى إدخلى يادكتور .
أغلقت الباب و توجهت لمكتبه و تطلعت ناحية هذا الشخص الجالس أمامه و يبدو أنه رجل أعمال كبير من هيئته العملية .. و لكن ما أغضبها حقا تلك الجالسة أمامه بملابسها القصيرة العارية و التى تبدى أكثر مما تخفى ...
لاحظ فارس نظراتها الغاضبة المتحفزة .. فوارى إبتسامته و قال مسرعا :
- أحب أقدملك يا فاروق بيه دكتورة غزل السيوفى .. من أهم دكاترة الباطنة بالمستشفى .
و تطلع ناحيتها بعشق و قال بإبتسامة هادئة :
- و المدام بتاعتى .
شعرت غزل برجفة خفيفة تسرى بأوصالها فور سماعها لكلمة " المدام ".. فذلك الجلمود الثلجى مصر على كونها زوجته ...
وقف فاروق أمامها و قال و هو يتأمل جمالها الطبيعى الساحر :
- ذوقك يجنن يا فارس باشا .. أهلا يا دكتور .
و مد يده ناحيتها .. لاحظت غزل عبوس فارس و ضيقه من نظرات فاروق ناحيتها فقررت اللعب على هذا الوتر و صافحته قائلة ببحتها المثيرة و نظراتها الفيروزية القاتلة :
- hello mr ,nice to meet you .
حدجها فاروق بوله .. فتطلع إليه فارس بغضب و إقترب منها و طوقها بذراعه محاوطا كتفيها بتملك .. و قال بإبتسامة باهتة :
- أصل المدام عاشت فى أميريكا عشرين سنة .
شهقت غزل بداخلها و تطلعت إليه من طرف عيناها و هى تتنفس عطره و تشعر بدفع قوى بظهرها من ضربات قلبه القوية مستمتعة بضمته المتملكة لها ....
تعجبت تلك الجالسة تطالع غزل بحنق و قالت بسخرية :
- أميريكا مرة واحدة .. ولو إنه مش مقتنعة .
إبتسمت غزل بمكر و إلتفتت برأسها ناحيتها ببطء و تطلعت إليها بإزدراء و قالت بسخرية :
- I don't care برأيك يا مدام ... .
تطلعت إليها سما بغضب و هى تتطلع لجمالها و قوتها و تلك الضمة القوية و الحانية بنفس الوقت من ذلك الجذاب و الذى كان هدفها قبل أن تدخل عليهم تلك المتطفلة و قالت بإيجاز واثق :
- إسمى " آنسة " سما درويش .
إبتسمت غزل بسخرية و ردت عليها بهدوء هازئ :
- و لو إنى مش مقتنعة بس هعديها .
وقفت سما مسرعة بعينين مشتعلتين و قالت بتحفز و غضب :
- إنتى قصدك إيه ؟!
إتسعت إبتسامة غزل بإنتصار و قالت ببشاشة :
- Calm down يا أنسة سما أنا بهزر معاكى .
أخفى فارس إبتسامته بصعوبة و هو يوزع نظراته بينهما مطالعا نظرات التحفز من واحدة .. و الغيرة من الأخرى و هى الأهم .. فقال بسرعة منقذا للموقف :
- إحنا هنفضل واقفين إتفضلوا إقعدوا يا جماعة .
و أشار إليهم بيده .. و أجلس غزل على كرسيه و جلس هو على طرف مكتبه .. مما زاد من غرور غزل و هى تطالع هذه الجميلة بتقزز ...
قررت سما أن تغضب غزل و ترد لها الصاع صاعين .. فوقفت و سارت ناحية فارس و غزل تقطب حاجبيها مع كل خطوة أكثر .. وقفت سما أمام فارس بفستانها المثير و قالت برقة :
- بما إننا إتفقنا على كل حاجة .. إحنا بكرة عاملين بارتى علشان عقد الشراكة اللى بينى و بين مستر فاروق .
و لامست رابطة عنقه بإعجاب و تابعت بدلال زائد :
- إيه رأيك تيجى بكرة البارتى .. صدقنى مش هتندم .
لم يغفل فارس عن توددها المقزز إليه .. فحرك مقلتيه قليلا ناحية غزل العابسة بقوة و هو يقسم بداخله أن القادم أسوء ...
لاحظت غزل وقاحتها فقررت أنها لن تخسر هذه الحرب فوقفت و إستندت بظهرها على صدر فارس الذى لم يبخل عليها بالدعم و حاوط خصرها بذراعه .. و قالت بهدوء يخفى عاصفة ترابية ستقتلع تلك الوقحة من أرضها و تقذفها من النافذة :
- هنفكر و نبقى نديكى خبر يا آنسة .
حدجتها سما بضيق .. و عادت مرة أخرى و جلست مكانها و هى تتوعدها .. أما فارس فتمنى لو لم تتحرك سما لتبقى غزل بحضنه للأبد .. عادت غزل و جلست على مقعد مكتبه بتحفز متواصل مدافعة عن حقها .. بزوجها ...

إنتهت جلستهم و ودع فارس فاروق و سما التى تعمدت تقبيله و هى تودعه بفظاظة .. و ما أن خرجوا حتى إنفجرت به غزل قائلة بضيق :
- إنت إزاى تسمحلها تبوسك الحيزبونة دى .
لمح بعينيها بارقة أمل لإظهار حبه .. و لكنه الآن مصمم و بقوة أن يجعلها تعشقه و لو رغما عنها هى و عقلها الغبى المتحجر.. و ذلك بعد أن تورط قلبه و عشقها و إنتهى الأمر .. تطلع إليها ببرود و قال بصوت رخيم فاتر :
- و إنتى متضايقة ليه مش فاهم .
ضحكت ضحكة عالية و وقفت أمامه و قالت بسخرية :
- متخليش عقلك يروح لبعيد و تفتكرها غيرة عليك .. أنا بس إتضايقت لأنى بالإسم مراتك و لازم تحترمنى .
تغاضى عن غضبها و هز رأسه متفهما و قال بحدة مغيرا للحوار كعادته مستمتعا بأشعتها الفيروزية المنطلقة ناحيتة و تلفحه بقوة :
- هتحضرى معايا حفلة بكرة و لا .. أروح لوحدى .
صكت أسنانها بقوة من غضبها فهذا الوقح سيذهب للقاء تلك الحيزبونة مجددا .. و ربما تقبله مجددا .. و ربما تعجبه أيضا .. و ربما يعشقها .. و ربما يتزوجها .. نفضت رأسها بقوة و أجابته بسرعة قاطعة :
- فوت عليا بكرة الساعة 8 أكون جهزت .. سلام .

و توجهت ناحية باب الغرفة بغضب .. و هى تسبهما بسرها و تسب قلبها أيضا .. فبقراراته المتسرعة يضعها بمواقف ضاغطة على أعصابها المتوترة من الأساس .. أوقفها فارس قائلا بتساؤل بديهى :
- إنتى كنتى جاية ليه أصلا .
لم تجبه و أكملت سيرها و خرجت و هى تعمق من سبابها اللاذع .. و ودت لو إلتفتت إليه و سبته بوجهه الوسيم .. لكى تهدأ قليلا ...
ليدخل هو فى نوبة ضحك عالية على حالتها .. و جلس على مقعده و رفع ساقيه على مكتبه بإنتشاء مستنشقا عطرها بشوق .. فهى رغم رقتها تظل قوية و شهية لأبعد حد .
يعشق إستقلالها و إتخاذها لقرارتها سواء صحيحة أم خاطئة .. و الأجمل أنها تتحمل نتيجتها بشجاعة .. و لكنه رغم ذلك يرغب فى أن تحتاجه و تطلب مساعدته و تقوى به و تخرج ما بصدرها من آلام ليتلقفها هو بقلبه كى ترتاح ..
رغم صلابتها إلا إن لحظات ضعفها أمامه كانت من أجمل لحظاتهما سويا .. هشة كفراشة زاهية محلقة و سهل قتلها و تحطيمها بين قبضة الظروف .. و لكنها رغم ذلك ستظل .. غزل .. صغيرته الجميلة ....
تنهد مطولا و قال بجنون عاشق حتى النخاع :
- هانت و هتبقى ليا و ساعتها هحاسبك على كل لحظة بعدتى عنى فيها يا .. يا حبيبة قلبى .

الشئ الوحيد الثابت بهذا الكون .. هو التغيير ...

يبدو كلامى متناقضا و لكن يتغير حالنا و تتقلب أيامنا و ننسى وجعنا و نعيش سعادتنا .. دائما .. و ليست لمرة واحدة .. ننسى و نبدأ .. نتألم و نصفح .. نغضب و نغفر .. تغيير فى تغيير .. إذا فالثابت الوحيد بأيامنا هو التغيير ....
فجأة يلين قلبنا و ينسى آلامه و جروحه و يبدأ من الصفر .. و البداية دائما بحب جديد .. و قصدى هنا الحب المطلق و ليس الحب المشروط .. فالقلب العامر بالحب لا ييأس و لا يفقد إيمانه بالحياة ....

لملمت شعراتها أمام مرآتها و هى تتذكر صدفتهما الأولى و قوته وقتها و رجولته الطاغية .. فعلق بعقلها و تمنت رؤيته مجددا .. و لم تكن تعلم ان تتحقق أمنيتها .. و لأول مرة بحياتها .. و يصبح هو حياتها القادمة كلها ...
كانت حياتها قبله صحراء جرداء بلا ماء و لا حياة فأتى هو و دلف لحياتها كواحة واسعة .. بعينيه سمائها .. بصوته رياحها .. بأنفاسه زرعها .. بلمساته مائها .. تحتويها كلها بداخل صدره الرحب الدافئ و الهادئ .. رغم صخب دقات قلبه فور رؤيتها ...
أعلنها قلبها صراحة .. عشقته .. نعم عشقته و تذوب بأدق تفاصيله و تمتلكها أيضا .. ربما تضايقت بتمادى تلك الشمطاء معه و لكنه كان بمثابة جرس إنذار من قلبها أنه لن يتنازل عن حقه به و لن يسمح لغيره بجذب أنظاره و مخيلته .. و سيفعل المستحيل لينال جائزته بالنهاية ....

إطمأنت على هندامها و خرجت من غرفتها أكثر إشراقا .. متحمسة و بشدة تتحرك بنعومة و أعدت كل شئ لإستقبال هديته الغالية و التى تماثل غلاوته و أكتر ...
تطلعت غزل بساعة الحائط و هى تنتظر حضور مهاب بعد صلاة الجمعة لتمضية اليوم معها .. وقفت مع دنيا بالمطبخ تعد له موس الشوكولاته الذى يحبه .. لاحظت دنيا إبتسامتها المشرقة فسألتها بخبث :
- الفرحة دى سببها مهاب و لا الخروجة بتاعت أبو مهاب .
وخزتها غزل فى ذراعها و قالت بغضب و هى تلوح لها بالسكين أمام وجهها :
- لسانك طول يا آنسة دنيا و شكلى هقصهولك .
ضحكت دنيا و تمسكت بيدها و قالت بمرح :
- حاسبى السلاح يطول .. بس بتحبيه .. و الله بتحبيه صح .. إعترفى .
ردت غزل بإبتسامة عاشقة صافية شاردة به :
- بموووت فيه .. من أول ما شوفته و أنا حبيته على طول و بقى أغلى حاجة فى دنيتى كلها .
تنهدت دنيا مطولا و قالت بسخرية و هى تسحب السكين من يدها بحرص :
- ماشية معاك يا عم فارس .
قضمت غزل من تفاحة بيدها الأخرى و قالت بإستنكار غاضب :
- أنا بتكلم عن مهاب على فكرة .
غمزت لها دنيا بعينها و قالت بخبث لئيم :
- عليا أنا برضه .. إطلعى من دول .
رفعت غزل حاجبها بتعجب و سألتها ببلاهة :
_ هما مين دول اللى أطلع منهم .
ضحكت دنيا ضحكة عالية و قالت بمزاح :
_ أهه كده بقيتى خوجاية .. يا بنتى قصدى إنتى هتضحكى عليا .. ما أنا فهماكى و كويس قوى .
رفعت غزل حاجبها بحدة و عقدت ذراعيها و تسائلت بقوة :
- قصدك إيه يا فيلسوفة عصرك و زمانك .
سحبت دنيا مقعد طاولة المطبخ و جلست عليه و تابعت تقطيع صدور الدجاج و قالت ببديهية :
- بصراحة بقا واضح جدا إنك بدأتى تصدقى إنك بتحبيه و جوازك منه مش علشان الناس و كلامهم .
لاكت غزل قطعة التفاح التى بفمها و إبتلعتها و سحبت مقعدا و جلست بجوارها و قالت بإبتسامة ساخرة :
- و إيه كمان يا دكتور .. واضح كده إن روايات ميناس مسحت دماغك .
ضحكت دنيا بخفوت و أجابتها بتعقل رزين :
- بصى يا بنتى .
رفعت غزل السكين مجددا و حذرتها بهزل :
_ بنتك مش كده ؟!
سحبت دنيا السكين منها مجددا و قالت بهدوء :
_ إستنى بس قبل ما أنسى الجملتين اللى فى دماغى .. لازم تعرفى إنك بتحبيه و هو بيموت فى التراب اللى بتمشى عليه و بيتمنى اليوم اللى هتعترفى فيه بإنك موافقة جوازكم يبقى بجد و تلعبوا عريس و عروسة و كده .
إستندت غزل بوجنتها على يدها و تسائلت بإهتمام :
- و ده بقا تفسيرك و لا معلومة .
حركت دنيا حاجبيها بعبث و قالت بمكر :
- معلومة طبعا .. أصل أنا وقعت خالتى زينب فى الكلام و حكتلى قد إيه كان بيحبك من و إنتى صغيرة و عاش بيكى عمره لغاية ما رجعتى و بقيتى خلاص بتاعته .. و الواحد مش أعمى برضه و بيشوف بصاته ليكى .
دارت غزل إبتسامتها بعدما رقص قلبها فرحا .. فذلك الجلمود لم يكن جلمودا و لكنه يبقى ثلجى .. شردت قليلا و هى تتذكر ضمته الدافئة و تخيلت أيامهما القادمة سويا .. فقط لو ينطق و يعترف بحبه ...
إنتبهوا لطرقات على الباب .. فإبتسمت غزل و قالت بفرحة :
- مهاب جه .. هروح أفتحله .
و ركضت نحو باب الشقة و فتحته مسرعة .. حتى إتسعت عيناها و هى ترى فارس أمامها ..!!
تطلع فارس لهيأتها بحدة .. و هو يتأمل قميصها المنزلى الأبيض بكتاباته الحمراء و الذى يصل لفوق ركبتيها المغرية .. بدون أكمام و ضيق بعض الشئ .. فأظهر بياضها و نقاء بشرتها الصافية .. و شعراتها السوداء الناعمة منسدلة على ظهرها ...
شهقت فور رؤيته و ركضت لغرفتها بخجل ...
جذبه مهاب من يده و دلف به للداخل و قال ببساطة :
- إدخل يا عوو يالا .
ثم صاح بنبرة عالية :
- يا دودو إنتى فين بابا معايا .
خرجت دنيا و هى فاتحة ذراعيها لمهاب الذى ركض و إرتمى بحضنها و قال بسعادة :
- دودو حبيبتى .. وحشتينى قوى .
ثم إبتعد عنها قليلا و ضيق عينيه و قال بتوجس :
- عملتيلى البانيه اللى بحبه منك .
أدت التحية العسكرية و قالت بجدية :
- أيوة .. بس مش عارفة أخلصه و كنت بستنى حضرتك علشان تساعدنى يالا علشان نغير هدومك دى .
ثم وقفت و رحبت بفارس قائلة بود :
- أهلا و سهلا يا أستاذ فارس .
أجابها فارس بإبتسامة هادئة :
- أهلا بيكى .. أخبارك إيه .
هزت رأسها و قالت و هى تبحث حولها :
- كويسة الحمد لله .. هى غزل فين .
زم مهاب شفتيه و قال بتلقائية :
- دخلت أوضتها أصلها فتحت الباب برضه بهدوم البيت و أنا قولتلها مش تفتح الباب و هى كده بس مش بتسمع الكلام .
إشتعل غضب فارس أكثر .. إذا فهى ليست المرة الأولى التى تخطئ بها هذا الخطأ الفادح ..
زفر بغضب و قال بحدة :
- يا ريت يا دنيا تدى غزل خبر إنى بستناها .
و دلف لغرفة الصالون و هو فى قمة غضبه .. إنتظرها على نار حتى رأها تقترب منه بخجل و هى ترتدى إسدال الصلاة .. و دلفت قائلة بضيق :
- إتأخرت عليك .. كنت فكراك هتسيب مهاب و هتمشى .
تغاضى عن وقاحة كلماتها و إقترب منها إقتراب خطير و قال محذرا :
- لو فتحتى الباب بلبس البيت تانى مش هيحصلك كويس مفهوم .
لم تكن تسمعه على أية حال .. فعطره الرجولى القوى إحتل مساحة كبيرة من ذهنها .. ناهيك عن وجوده المهيمن عليها كليا .. إبتلعت ريقها بصعوبة و تمالكت أعصابها و قالت برقة جديدة عليها :
- آسفة .. مش هعمل كده تانى .
لم يتوقع هذا الرد على الإطلاق .. كان يتخيل أنه ستهب عاصفة عند و تكبر سترج أنحاء المنزل و لكنها ببساطة.. إعتذرت .. و أبدت ندمها .. تطلع داخل عينيها يتأملهما بحب .. متعمقا بجمالهما النادر ..
لاحظت نظراته الثاقبة لقلبها فقالت بتوتر مخفى :
- إتفضل إقعد .
تابع حديثه و هو ما زال واقفا لأنه إستشعر تأثير قربه عليها مهما أخفت .. فسألها بجرأة :
- إشمعنا أنا دوناً عن خلق الله اللى إتحجبتى قدامه .
رفعت حاجبها بإستنكار و قالت بضيق :
- قصدك إيه مش فاهمة .
أجابها بصوت أجوف خافت :
- يعنى بتلبسى و إنتى خارجة ضيق و قصير و دلوقتى قدام جوزك لابسة إسدال .. مش غريبة .
إنزعجت من كلماته المستفزة و قالت بحدة :
- أنا حرة على فكرة .. و جو جوزى و مراتك دول مش واكل معانا الصراحة .
ضحك فارس ضحكة عالية يستخف من كلماتها .. و قال بهدوء :
- إنتى مراتى غصب عنك .. و مش هيبقى بالكلام بس .
بللت شفتيها بلسانها و طالعته بقوة و سألته بجرأة :
- أمال هيبقى بإيه ؟!
مال ناحيتها و همس أمام وجهها ببطء شديييييد :
- ب ليلة .. واحدة .. تجمعنا .
عملت مضخة قلبها بسرعة كبيرة فجعلت رئتيها تتنفس بسرعة أكبر و تدفقت الدماء بأوردتها و ضخته بوجنتيها اللاتى توردن بقوة .. و إبتعدت عنه مسرعة و إبتلعت ريقها بتوتر و طالعته بغضب و كانت ستنهال عليه بردودها القوية و لكنه لم يمهلها الوقت و قال و هو ينصرف :
- على الساعة 8 بالليل تكونى جهزتى .. تمام .
توقف قليلا و إستدار ناحيتها و قال بإبتسامة مشاغبة :
- ماتتأخريش عليا .. يالا سلام .
و خرج و أغلق ورائه باب الشقة .. ثم ضحك ضحكة عالية و هو يلتفت برأسه ناحية باب شقتها بعدما قذفته بشئ من شدة غضبها .. وقف قليلا يتخيل هيأتها الغاضبة ثم إرتدى نظارته الشمسية و ترجل الدرج بإنتشاء و هو يصفر بسعادة ....

إختفى قلقه و توجسه من الحب عموما .. فبعشقه إليها زاد قوةً و لم يضعف كما تخيل .. ربما يضعف أمامها هى فجمال كجمالها يُسقط أعتى الرجال تحت أمرها .. و طوع يديها .. ربما تحتاج لبعض الترويض و التغيير .. أو لا فلتبقى كما هى بعنفوانها و إندفاعها و قوتها .. ممنيا نفسه ب ليلة واحدة من ذلك العنفوان ...
إبتسم بخفوت متخيلا ليلتهم الأولى سويا .. و كأنه لم يسبق له الزواج ...
وخزته زينب بذراعه و قالت بقلق :
- مالك يا إبنى .. بقالى ساعة بكلمك .
حرك رأسه ناحيتها و أجابها بهدوء :
- بتقولى حاجة يا أما.
مصمصت زينب شفتيها و قالت بضيق :
- لا و الله لسه فاكر إنى بكلمك .. قوم السفرة جاهزة .
أومأ فارس برأسه و تبعها و جلس على طاولة الطعام مع والده فسألته زينب بضيق :
- هتفضل لغاية إمتى إنت فى مكان و مراتك فى مكان يا إبنى .
قطب حاجبيه وسألها بعدم فهم :
- قصدك إيه ؟!
تركت صينية الدجاج من يدها و قالت بقوة و حزم :
- يعنى تعلن جوازكم و تاخدها القصر و تعيشوا مع بعض .. هى دى محتاجة فكاكة .
أجابها صبرى بقوة و هو يأكل طعامه بهدوء :
- سبيه براحته يا زينب هما مش صغيرين و عارفين مصلحتهم فين .
ضاقت نظرات زينب و هى تتطلع لبرود زوجها و لامبالاته و قالت بضجر :
- ﻷ هما مش عارفين مصلحتهم .. و لازم يتجوزوا بقا .
وضع صبرى ملعقته بجانب صحنه و قال ببديهية :
- طب ما هما متجوزين .. مش ده اللى كنتى هتموتى عليه .. و أهه حصل عاوزة إيه تانى .
زفرت بغضب و قالت بإصرار :
- عوزاهم يبقوا مع بعض و أطمن على إبنى و عليها كمان .
أجابها فارس بإبتسامة ماكرة :
- أنا ناوى على كده فعلا .. ما تقلقيش يا ست الكل .. بس كله بوقته .
إبتلعت ريقها و تلألأت العبرات فى مقلتيها بفرحة و قالت :
- أخيرا هفرح بيك يا إبنى .. أنا عارفة إنى ظلمتك قبل كده بجوازتك من بنت أختى .. بس كان نفسى أشيل عيالك قبل ما أموت .
حمل كفها و قبله و قال بضيق :
- بعد الشر عنك يا حبيبة قلبى .. أديكى شيلتى مهاب و ربيتيه و لسه إن شاء الله هجيبلك دستة عيال .. و رامى كمان .. و البت عاليا .. لغاية ما تقولى كفاية عيال خلاص تعبت .
إبتسمت بخفوت و كففت دموعها و قالت بتمنى :
- يا رب يا حبيبى .. بس خلى بالك من غزل و إوعى تسيبها يا فارس لهتندم و الله .
رد عليها مطمئنا :
- مش هسيبها إن شاء الله .. دى بقت مراتى خلاص .
فقال له صبرى و هو يخفى ضحكته :
- و لو إنى مش مصدق إنك طبيت أخيرا .. بس البت تستاهل الصراحة .
زفر فارس بيأس و قال بغضب :
- حتى إنت يا حاج .. هو أنا شفاف يا جدعان و لا إيه .. الحل الوحيد أنقبها بقا .
ضحك ثلاثتهم براحة بعدما إطمأن الوالدان على إبنهما البكرى مع زوجة يحبها و هما متأكدين من حبها له هى الأخرى .

جلست ميناس و ليال بالحديقة بعد تناولهم لوجبة الغداء .. لاحظت ميناس تجهم وجه ليال فسألتها بقلق :
- مالك يا لولو .. بقالك كام يوم مش طبيعية .. و أكلتك بقت قليلة قوى .
أجابتها ليال و هى تتحسس بطنها بألم :
- شكلى خدت برد فى معدتى .. مش مرتاحة رغم إنى واخدة بالى من نفسى و مش بنام فى التكييف عالى .
فسألتها ميناس بقلق :
- أكلم غزل تيجى تطمن عليكى .
تمددت ليال على مقعدها المدداد و قالت بقوة :
- ﻷ .. سبيها هى النهاردة خارجة مع فارس .. إدعيلها ربنا يهديها خليهم يتجوزوا وتيجى تعيش معانا هنا بقا .
ضحكت ميناس و قالت ساخرة :
- هنبقى عاملين زى العدوان الثلاثى بس على القصر .
ضحكت ليال و قالت و هى تتذوق الإسم مسبلة عيناها :
- العدوان الثلاثى على القصر .. ده ينفع إسم مسلسل و الله .
إبتسمت ميناس بخفوت و سألتها بقلق :
- لولو حساكى مش مبسوطة بقالك كام يوم .. فى حاجة بينك و بين رامى .
أومأت ليال برأسها مؤكدة و قالت بضيق :
- أيوة .. من أول ما بدأت الإمتحانات و هو متعصب طول الوقت .. لو شافنى بذاكر كأنه شاف عفريت .. مع إنى مش مقصرة معاه فى أى حاجة .
هزت ميناس رأسها بعدما تأكد حدسها و قالت بشرود :
- كنت حاسة .. بس قولت لو فى حاجة إنتى هتحكيلى .
أشاحت ليال بيدها و قالت بضيق :
- أقولك على إيه .. ده أنا بخرج من الإمتحان و بدعى ربنا دايما إنه يعديها على خير .. و ألاقيه مكشر و مضايق و يقعد يفتحلى محضر مين اللى كلمك و شافك و عاكسك .. لما زهقت .
ثم أنزلت ساقيها عن المقعد و إعتدلت فى جلستها و واجهت ميناس و تابعت بضجر :
- و لما ألبس حاجة يقعد يفصصنى و يخلينى ألبس بالخمس مرات علشان يقتنع باللى لبساه بعد ما أتأخر .. مش عارفه أعمل معاه إيه يا مينو .
ربتت ميناس على ذراعها و قالت بتعقل :
- معلش يا حبيبتى إستحملى بس الفترة دى و هى هتعدى و تخلصوا .
أومأت ليال برأسها و قالت بشرود :
- غزل كان معاها حق .. خليته يتحكم فيا لدرجة الخنقة .
لاحت إبتسامة خافتة على شفتيها و قالت بتنهيدة طويلة :
- بس برضه بموت فيه و بحبه كل يوم أكتر من اللى قبله .
إبتسمت ميناس إبتسامة متسعة و قالت بمداعبة :
- لو غزل قاعدة معانا دلوقتى مش بعيد كانت حدفتك فى البسين .
تطلعت ليال بميناس و إنفجرتا ضاحكتين .. لاحظوا إقتراب رامى منهما.. فإلتفتت إليه ليال و قالت :
- خلصتوا لعب بلاى إستيشن .
إنحنى نحوها و قبلها فى جبهتها و قال بزهو :
- قطعته .. عامل نفسه بطل العالم بس على مين .
أجابه حمزة من ورائه بضيق :
- عادى يعنى .. ما أنا المرة اللى فاتت علمت عليك .
أشاح له رامى بيده و قال بإستخفاف :
_ يا عم صلى .. ده أنا ما كونتش فى المود بس .
و إنحنى مجددا و قبل مقدمة رأسها مجددا .. فضحكت ليال و قالت بسخرية :
- اللى يشوف طولكم و عرضكم و عضلاتكم دى .. مايصدقش كلام الأطفال بتاعكم ده .
مال عليها رامى و جلس على ظهر مقعدها المداد و قال لها متوعدا بهمس مثير :
- بقا كده .. إحنا أطفال مكسوفة تقولى عيال يعنى .
و داعب أذنها بأنفاسه و قال بتهيدة ساخنة :
_ طب تعالى بقا أوريكى لعب العيال على حق ربنا .
و جذبها من ذراعها ورائه .. إبتسمت ميناس بخجل بعدما فطنت لما يريده رامى .. ثم أغمضت عيناها و تنفست مطولا كأنها تمنى نفسها بيوم واحد مما تعيشه ليال مع رامى .. أخرجها من شرودها صوت حمزة الغاضب هادرا بها بعصبية :
- قومى إدخلى جوة يالا .
فتحت عيناها بذعر و وقفت مسرعة و دلفت للداخل بخطوات سريعة .. تتبعتها عينيه بشوق و هو يعلم جيدا ما تفكر به و ما تتمناه .. و لكن ليس بيده أن يحرمها من حقوقها .

فى المساء ... خرجت غزل من غرفتها بعدما تأكدت أنها تأخرت على فارس و جعلته ينتظرها بسيارته طويلا .. مبتسمة بمكر و قالت بداخلها .. فلتنتظر أيها البارد فأنا سأذيب جليدك و لو بأى ثمن ...
كانت دنيا تتابع التلفاز و تأكل من طبق الفيشار أمامها .. إلتفتت برأسها ناحية غزل و عادت بعيناها مجددا لمطالعة التلفاز .. ثم عادت بعيناها مسرعة لغزل من صدمتها و وضعت طبق الفيشار من يدها على الطاولة و وقفت و سارت نحوها و هى تطالعها بتعجب .. دارت حولها دورة كاملة و قالت بإندهاش قلق :
- إيه اللى إنتى عملاه فى نفسك ده ؟!!!
تطلعت غزل بهيأتها و قالت ببساطة :
- مالى ما أنا حلوة أهه .
حكت دنيا فروة رأسها بأناملها و قالت بتعجب :
- أنا ما قولتش إنك وحشة .. بس إنتى راحة حفلة تنكرية مثلا ؟!!!
لوت غزل ثغرها بإستخفاف و حملت حقيبة يدها الصغيرة و تأكدت من محتوياتها و قالت ببساطة :
- تنكرية إيه يا جاهلة .. ما أنا لابسة عادى أهه .
مطت دنيا شفتيها بعدم إقتناع و قالت بهدوء :
- و لما هو عادى ليه مالبستيهوش قبل كده .. إشمعنا النهاردة يعنى .
أغلقت غزل حقيبتها و قالت بهدوء و هى تنصرف :
- مالكيش دعوة ... مش هتأخر عليكى إن شاء الله .. إوعى تنامى غير لما أرجع .
هزت دنيا كتفيها بتسليم و قالت :
- حاضر .. خلى بالك من نفسك .
و عادت لمطالعة التلفاز مجددا بإبتسامة متسعة و هى تتخيل ردة فعل فارس عندما يراها .. حملت طبق الفيشار و تابعت أكلها بهدوء ....

إنتظر فارس بسيارته مطولا حتى بدأ الغضب يتملك منه .. و يطالع ساعة معصمه كل دقيقتين .. شعر بخروجها من باب المنزل .. فإلتفت نحوها ليدخل فى نوبة ضحك مكتومة من هيأتها .. لايحتاج الأمر قدر عالى من الذكاء حتى يفطن أنها تتعمد فعل ما يغضبه ..حسنا .. سنرى حبيبتى ....
إستقلت غزل السيارة و جلست بجواره و قالت بجدية :
- يالا إتوكل على الله .
لم يستطع كتم ضحكاته أكثر و قال بسخرية و هو يتأمل هيأتها .. الغريبة و الرائعة بنفس الوقت :
- إحنا رايحين حفلة على فكرة .
ردت بإستخفاف و ملامح وجه باردة :
- إيه المشكلة يعنى مش فاهمة .
حرك فارس سبابته صعودا وهبوطا عليها و قال بتهكم :
- قصدى لبسك ده .. إنتى رايحة بدل الميكانيكى تصلحيلهم العربية .
مدت ذراعيها و هى تطالع نفسها للمرة الثالثة ربما .. بقميصها الأبيض ذو الفصوص اللامعة الصغيرة على ياقته و على أطراف كمه القصير .. و سروالها الجينزى ذو الحمالات كالذى يرتدوه العمال ببنطاله القصير قليلا أيضا و إرتدت فى كاحلها خلخالا ناعما يجذب أنظار أى أعمى إليه و إلى تلأﻷ بياض بشرتها .. و حذائها الرياضى الأبيض .. و قد تخلت عن حجابها اليوم رغم أنها ترتديه بطريقة خاطئة عموما و إرتدت قبعة أخفت تحتها شعراتها .. و لم تضع مكياجا سوى كحل للعين و ملمع شفاه .. خلاصة القول كانت بديعة .. و لكن ليس يومه ..
ضحكت غزل بسخرية و قالت بحدة بعد تهكمه عليها :
- خفة .. بقولك إيه إنطلق بالعربية دى لو سمحت .
ساد الصمت لدقيقة و هو يتأملها بمكر و قد قرر أن يشاركها لعبتها و جنونها .. ثم إقترح عليها فارس بعد لحظات من التفكير الصامت :
- تصدقى عندك حق .. و العفريتة السودا اللى إنتى لبساها دى شجعتنى أتهور أنا كمان .
تطلعت إليه ببلاهة و رأته يخلع سترته و رابطة عنقه و فتح أزرار قميصه العليا و ثنى كمى قميصه للأعلى قليلا و مشط شعراته بأنامله بمرآة السيارة لتبدو غوغائية بعض الشئ .. و إلتفت إليها قائلا بإبتسامة واثقة من جماله المهلك :
- هاه إيه رأيك .
تطلعت لوسامته الآخذة بقميصه الضيق و الذى أبرز عضلاته أكثر .. و التى كانت تخفيهم تلك السترة الغالية .. إبتلعت ريقها بتوتر و قالت ببرود و هى تشيح ببصرها عنه حتى لا يرى كذبها بعيناها :
- عادى يعنى .
إبتسم بمكر و قاد سيارته و هو فى قمة سعادته .. فى الطريق باغتته بسؤال يحيرها :
- إنت ليه بتلبس بدل فى المستشفى .. و فى الحارة بتلبس كاجوال .. بحسك متناقض .. شخصيتين فى شخص واحد .
رد عليها و هو يتطلع للطريق أمامه :
- فى المستشفى لازم ألبس بدل و لازم تكون سنيهات و ماركات .. لأنى بقابل ناس مهمة و أهم حاجة عندهم المظهر .. و فى المصنع برضه بلبس كده .
إلتفت بجسدها ناحيته و قالت بعدم فهم :
- طب و الحارة .
إلتفت برأسه ناحيتها و قال بقوة :
- لأ الحارة دى أصلى و ماينفعش ألبس فيها البدل و الجو ده .. مش عاوز الناس تحس إنى أعلى منهم .. و إنى مش زيهم و كبيرهم .. فالازم ألبس زى ما هما تقريبا بيلبسوا .
فقالت له غزل ساخرة :
- يا سلام .. طب ما إنت بتنزل بالبدل دى من بيتكم قدامهم .
رد عليها بقلق من جملته القادمة :
- لأ .. أنا بروح أغير هدومى فى شقة خاصة بيا .
سمع شهقة طويلة تلاها ضحكة طويلة ساخرة و صوتها الغاضب يقول بنبرة محتدة :
- نعم يا أخويا .. شقة خاصة .
تطلع ناحيتها بتعجب و هى تضع يديها فى خصرها بطريقة محتدة ..و تهز عنقها بحزم .. فسألها و هو متعجبا من حركاتها :
- إنتى بتقعدى مع مهجة كتير و لا إيه .
أنزلت ذراعيها بجوارها و ردت بغضب يكاد يلتهمه :
- ما تغيرش الموضوع لو سمحت .. بتقابل مين فى الشقة دى إن شاء الله .
رد عليها ببرود بعدما لاحظ غيرتها :
- و إنتى مالك .
واصلت صياحها به و قالت بقوة :
- و أنا مالى إزاى يعنى .. إنت ناسى إنى إسمى مراتك و لا إيه .
رد عليها فارس بثقة :
- لأ مش ناسى بالعكس دى أكتر حاجة بفكر فيها .. إنك مراتى .
زاد حنقها منه و قالت بضيق :
- لا و الله .
غمز لها بعينه و قال بصدق إخترق قلبها مباشرة :
- آه و الله .
إبتلعت ريقها بتوتر من حركاته الجريئة و الجديدة عليها و قالت متصنعة القوة كعادتها :
- و الشقة دى بقا بتقابل فيها حد و لا للبس و بس .
تطلع أمامه بالطريق و قال بهدوء :
- طبعا بقابل فيها ناس و أوقات بحب أقعد مع نفسى و ببات فيها أحيانا .
بدأت فى قضم أظافرها و قالت له كاظمة غضبها :
- و الناس اللى بتقابلهم فيها دول من عينة الآنسة سما كده .
قطب حاجبيه و أجابها بجدية :
- ﻷ طبعا .. صحيح كان ليا صداقات كتيرة ببنات بس عمرى ما إتعديت حدودى .. أنا بصلى و عارف ربنا كويس .. و عمرى ما هعمل حاجة تغضبه .
أنهت قضم ظافرها و بدأت فى قرقضة إصبعها من شدة غضبها .. فهذا المتعجرف إعترف لها بمنتهى البساطة أنه له علاقات نسائية سابقة كثيرة .. تأوهت عندما إنتبهت لتماديها مع إصبعها .. فقبلته بنعومة و عادت بعينيها لفارس و قالت له ببرود :
- واضح فعلا إنك بتخاف ربنا .. بأمارة البوسة بتاعت الآنسة إياها .. و قدامى .
إبتسم بخفوت و قال ببراءة :
- أنا ماليش ذنب و إنتى عارفة .. هى اللى باستنى و أنا إتفاجأت .. بس .
عضت على شفتيها بقوة و هى تحتجز الوحش بداخلها لأنها لو أطلقته لمزق وجه ذلك المغرور و غير خريطة معالمه البغيضة تلك .. ثم إنفجرت قائلة بسخرية :
- و هى أى واحدة تقابلها بتبوسك كده عادى .. و إنت ملاك بتسيب نفسك ليهم و تقول فى الآخر هى اللى باستنى .. صعبت عليا الصراحة .
سبل عينيه و إلتفت إليها قائلا ببراءة لإغاظتها أكتر :
- مش كده و النبى .. هعمل إيه بقا .. برضه أنا مش سهل و أمور و كده .
ضحكت ضحكة عالية و تابعت سخريتها و هى تطالعه بشفقة :
- يا حبيبى .. الدمعة هتفر من عنيا و الله .
و فجأة ضغط مكابح السيارة فوقفت و إصطدمت رأس غزل بالسيارة فتأوهت بشدة و قالت بغضب :
- are you crazy .. آآه يا راسى .
قبض على ذراعها بالقوة و جذبها ناحيته و قال و هو يطالعها بقوة و تحفز :
- إنتى قولتى يا إيه ؟!
مسدت جبهتها بألم و عادت للوراء بعض كلمات حتى جحظت عيناها و هى تتذكر أنها قالت له يا "حبيبى" بمنتهى الغباء .. فقالت بتلعثم :
- أنا .. أأنا ما قولتش .
قربها منه أكثر و قال بتحدى قاطع :
- أحسنلك تقولى قولتى إيه لهعلقك من الشعراية اللى خارجة من طاقيتك دى .
دست شعراتها المتمردة مثلها فى قبعتها و قالت بحدة :
- قولت يا حبيبى و على فكرة كنت بتريق .
إبتسمت عيناه ببشاشة لم تعدها منه و قال بهمس خافت :
- حتى لو .. طالعة منك زى الغزل .
أخفت إبتسامتها بعدما لاحظت نظراته الجريئة والمتفحصة لها .. فأشاحت بوجهها عنه وتطلعت للطريق بخجل ..
قاد السيارة مجددا بملامح هادئة و تبدو سعيدة حتى وصلوا أخيرا لفيلا فى منطقة راقية .. ترجلا من السيارة فإحتضن راحتها الصغيرة بين كفه الكبير .. فزادت دقات قلبها و هى تقبض أناملها على كفه براحة ...
دلفا معا لداخل تلك الفيلا الرائعة .. فإستقبلهم فاروق مرحبا بحميمية :
- أهلا و سهلا يا فارس باشا نورتنا .
أجابه فارس بإبتسامة مجاملة :
- ده نور حضرتك يا فاروق باشا .
صافح فاروق غزل و هو يتطلع إليها بإعجاب من هيأتها الشبابية الساحرة و قال بإعجاب :
- أهلا وسهلا يا دكتور .. you look so beautifull .
ردت غزل برقتها المعتادة :
- Thanks you are so kind .
ضغط فارس على كفها بقوة ينذرها بالتمادى فى تصرفاتها التى تغضبه ..و إلا سترى الجحيم بعيناها .. فتأوهت بخفوت .. فخفف من ضغطه على كفها .. و قال بصوته الأجش الرجولى بنفاذ صبر :
_ شكرا على دعوتك يا أستاذ فاروق .
إلتفت إليه فاروق برأسه بعدما كبلته غزل بعيناها و قال بهدوء :
_ المكان مكانك يا فندم .. نورتونا .
إقتربت منهم سما و هى ترتدى فستان أزرق قصير و مكشوف من الصدر يبرز مفاتنها بقوة .. و قالت مرحبة بإبتسامة متسعة :
- هاى يا جماعة شرفتونا .
و إقتربت من فارس لتقبيله مرحبة به .. و لكنه إبتعد قليلا و قال بتهذيب :
- آسف .. بس المدام مش بتحب إن واحدة ست تقرب منى .
إبتعدت سما عنه و هى تخفى خجلها و قالت بجرأة :
- عندها حق بصراحة .. حضرتك يتخاف عليك قوى .
إشتعلت عينى غزل بغضب و قالت بإبتسامة مصطنعة :
- أهلا يا آنسة .
أجابتها سما ببرود :
- هاى يا مدام .. نورتينا .
أومأت غزل برأسها و قالت ببرود :
- مرسيه .. يالا يا فارس .
و جذبته من يده و إنطلقت لداخل حديقة الفيلا .. أوقفها قائلا بمكر عابث :
- إستنى بقا .. هتفضلى سحبانى وراكى كده كتير .
تسمرت غزل فى مكانها و إلتفتت إليه و قالت بضيق :
- آه طبعا .. عاوز تفضل واقف مع الهانم اللى بتعاكسك قدامى من غير ما تتكسف .. وقحة .
داعب أنفها بأنامله و قال هامسا :
- طب إهدى خلاص .. ما أنا صدتها أهه .. تعالى نقعد هناك .
تعالت دقات قلبها على آثر مداعبته الرقيقة .. و تبعته بهدوء و جلست بجواره تتابع الحفل بملل .. بعد قليل إقتربت منهما سما و مالت على فارس و قالت بدلال :
- let's dance يا فارس .
أجابها مسرعا بتريث :
- معلش يا آنسة سما .. بس ....
قاطعته قائلة برجاء :
- بليز .. ماتكسفنيش .
ضحكت غزل و قالت ساخرة :
- أيوة ماتكسفهاش و قوم إرقص معاها شعبى .. فكراك بتعرف ترقص ما تعرفش اللى فيها .
تطلع ناحيتها بضيق من سخريتها فتابعت بتهكم :
- قوم إرقص معاها قوم .. أقولك حزمها .
زاد غضبه من نظراتها الدونية المقللة منه و عجرفتها الزائدة .. و لكنها لم تكتفى و أردفت سخريتها قائلة ببساطة :
- أقولكم إرقصوا تانجو .
حدجها فارس بمكر وقرر أن يلقنها درسا لن تنساه قائلا بجمود :
- مش هتضايقى لو رقصت معاها .. تانجو .
زاد ضحكها و سخريتها و قالت بصوت رائق و متسلى :
- يا نهار أبيض ده أنا هضحك ضحك .. آل تانجو آل .
وقف فارس وهو يحدجها بتحدى و إقترب من رجل الدى جى و طلب منه أن يرقصا على أنغام التانجو .. و غزل تتابعه بعينيها بتوجس و تكدب حدسها .. إقترب فارس من سما و سألها بتهذب :
- نرقص تانجو .
تطلعت لغزل بمكر و قالت بإنتشاء :
- ده أنا أتمنى .. يالا بينا .
قطبت غزل حاجبيها و هى تطالعهما بضيق متمنية ألا يكون ما تفكر به صحيحا .. و بالفعل .. خفتت الإضائة .. و ترك لهم الجميع ساحة الرقص .. و وقف فارس مقابلا لسما .. و نظراتهم تحرق غزل و تلتهمها حية .. بدأت الموسيقى و بدأت معها رقصتهما..

إجتمع حولهما جميع من بالحفل لمتابعة تلك الرقصة المشوقة .. كانت غزل تجلس على جمر مشتعل و هى ترى نظراتهما الجريئة و لمساتهما الوقحة و أحضانهما الساخنة .. إمتزج غضبها بتعجبها من مهارته و تمكنه بتلك الرقصة الصعبة .. إذا فهى إلا الآن لا تعرف عنه الكثير .. و كانت سما تزيد من لمساتها الجريئة .. و نظراتها التى تغضب غزل أكثر .. و تمادت فى حركاتها الجريئة بينهما فوقفت غزل مسرعة و حملت حقيبة يدها و إنصرفت و هى فى قمة غضبها .

إنتهت الرقصة .. و علت الصيحات و التصفيقات من حولهما إعجابا برقصتهما .. بحث فارس بعينيه عنها فلم يجدها .. فخرج مسرعا و تطلع للطريق يمينا و يسارا فلم يراها ..
صعد سيارته مسرعا و قادها بتهور .. حتى عثر عليها .. وقف أمامها بالسيارة و ترجل منها مسرعا و سألها بضيق :
- مشيتى ليه .. و إزاى تخرجى لوحدك و الدنيا ليل كده .
ردت بغضب يكاد يلتهم ذلك الوقح :
- و إنت كنت عملت حساب ليا علشان أقعد .. يا سيدى إحترم إنى مراتك بالإسم .
رد عليها ببروده القاتل و هو يحدجها بإبتسامة خبيثة :
- و أنا عملت إيه ضايقك كده .
ألقت عليه نظرة إحتجاج و إقتربت منه و قالت بتعجب :
- لا و الله .. مش عارف عملت إيه .
إقترب منها حتى أصبح مقابل لها و قال هامسا :
- إنتى طلبتى و أنا نفذت .
أغمضت عيناها تستلهم الصبر و وفتحتهما بقوة و قالت بإهتياج :
- كنت بهزر .. بهزر .. إيه ما صدقت .
شدد من نظراته إليها و قال ساخرا :
- كنتى بتهزرى و لا بتتريقى .
صكت أسنانها بقوة و تركته و إبتعدت عنه و هى تسير بسرعة .. ركض ورائها و جذبها من ذراعها و قال بحدة :
- إستنى هنا بقولك .
نفضت ذراعها من قبضته و قالت بعصبية :
_ إبعد إيدك عنى .. و أحسنلك ما تلمسنيش تانى .
ثم إلتفتا الإثنين على صراخ سيدة تقف أمام أحد الأكشاك لبيع البقالة و النيران تندلع منه .. ركضا الإثنان صوبها بقلق .. تعالى صراخ السيدة و هى تلطم وجهها و تقول بهستيرية :
- إلحقونا يا ناس .. جوزى هيروح منى .. يالهووووى .
فسألها فارس ليتأكد بقلق :
- جوزك جوة الكشك يا حاجة .
أومأت برأسها و قالت بدموعها :
- أيوة .. ده أبو عيالى .. إلحقونى و النبى .
بحث فارس حوله عن شئ ما .. ثم توجه لإحدى الثلاجات التابعة للكشك و أخرج زجاجتى ماء و سكبهم فوق رأسه .. و جذب إحدى قطع القماش و التى يغطون بها الثلاجات فور إغلاقهم للكشك .. و وضعها على رأسه .. فجذبته غزل من ذراعه و هى تصرخ قائلة بعويل :
- لا لا لا .. مش هسمحلك تأذى نفسك .
أبعد يدها عنه بالقوة و دلف داخل النيران و صراخها يعلو أكثر قائلة بصدمة :
- فاااااارس .

لو تجسد القلق و الخوف فى شخص لكان هى .. تتطلع حولها بصدمة و بلاهة .. و صراخ السيدة يخترق عقلها و هى تندب زوجها .. زوجها ..
فمن رمى بنفسه بالنار منذ قليل أمامها هو زوجها أيضا .. زاغت أبصارها و إحتلت مقلتيها غمامة شفافة من الدموع .. و قلبها يصرخ من خوفه عليه .. و هى تطالع النيران و ألسنتها المقتدة .. و تتخيل أنه ربما تلفحه تلك الألسنة و يتألم بل و يحترق ..

فوجدت نفسها تصرخ بإسمه دون أن تشعر و دموعها قد إنسابت شاقة طريقها على وجهها الشاحب لونه من قلقها ..

مرت لحظات و لكنها كانت كالدهر عليها .. حتى خرج و هو يحمل الرجل .. مدده على الأرض و جلست السيدة زوجته بجواره و هى تصرخ به كى يستيقظ ركضت غزل بإتجاه فارس و أخذت تصفعه و تلكمه فى صدره و هى تصرخ به قائلة بهيستيريا :
- إنت مجنون و متخلف و أنا بقا هموتك بإيديا يا غبى .
ضحك على حالتها و قبض على يديها بقوة و ضمها لصدره و حاوطها بذراعيه محتويا غضبها .. و قال لها مهدئا :
- إهدى بس .. أنا كويس إهدى .
تململت بين يديه و هى تضرب صدره بقبضتيها و دموعها لا تنضب و قالت بحرقة :
- مش إنت عاوز تموت .. أموتك أنا بقا .. يا متخلف .
قبض على كفيها بالقوة و هزها بعنف و قال بجدية لإيقافها :
- خلاص بقا عاوزك تطمنينا على الراجل الغلبان ده .
إبتعدت عنه و هى تدفعه بالقوة .. ثم جلست على الأرض و عاينت الرجل .. و وقفت و سارت حتى ثلاجة الكشك و أحضرت منها زجاجة مياة و نثرت بعضها على وجهه فانتفض مذعورا وصرخ بخوف :
- النار .. النار .
وقفت غزل و قالت للسيدة بعملية :
- هو كويس ما تقلقيش دى كانت إغمائة من خوفه .. حمد الله على سلامته .
وقفت السيدة و قالت لفارس و غزل بإمتنان :
- مش عارفة أتشكركم إزاى .. ربنا يخليكم لبعض و يهنيكم .
رفع فارس يده عاليا و قال بصوت عالى :
- آميييين .
وصلت سيارة المطافئ .. فنظرت غزل لفارس بضيق و إبتعدت عنه سيرا .. أوقفها بمكر متألما :
- آآآآآآه .
إستوقفها تألمه .. فعادت إليه و عينيها يملؤها القلق و هو يضع يده على كتفه من الخلف .. أدارته و تطلعت لمكان ألمه حتى جحظت عينيها و هى ترى حرق خفيف و ملتهب بشدة .. فهزت رأسها بيأس و قالت و هى تدفعه نحو سيارته :
- تستاهل علشان تعملى باتمان مرة تانية .. إركب بسرعة .
و أجلسته بجوار مقعد السائق .. و إلتفت مسرعة و إستقلت أمام المقود .. فسألها بقلق ممزوجا بالتعجب :
- بتعرفى تسوقى ؟!
أجابته و هى تطالع الطريق من المرآة الجانبية قبل أن تدير السيارة و تنطلق بها مسرعة :
- خليك فى حالك .. أديك إتحرقت مبسوط دلوقتى .. ده عقاب ربنا على رقصة التانجو إياها .
ضحك فارس ضحكة عالية و قال بمداعبة و هو يقترب من وجهها :
- بتغيرى عليا صح .. و كمان خفتى عليا و أنا جوة الحريقة .. ده حب بقا .
دفعته بعيدا عنها و قالت بإرتباك ملحوظ :
- ده بعينك .. و إتفضل قولى أسوق إزاى للمستشفى .
إقترب منها مجددا و قال بهمس ثائر :
- طب تدفعى كام و أقولك .
قبضت على المقود بقوة و قالت بتحذير حازم :
- إقعد إتكلم لغاية ما الحرق يلتهب .. لو سمحت قولى أروح إزاى و إلا هسيبك و هنزل أركب تاكسى و أروح لوحدى .
زادت إبتسامته و هو يطالع إرتباكها من قربه منها متعمقا بعينيه فى جمال ملامحها الغاضبة ... ظل يرشدها طوال الطريق و هو يتأملها بحب .. لم تتركها عينيه و لو لثانية متعجبا من تمكنها على القيادة و على إنهيارها أمام سطوته و هيبته ...

وصلوا أخيرا للمشفى .. صفت السيارة .. و ترجلا منها و دلفا للمشفى .. أجلسته عنوة على فراش غرفة الإستقبال و بدأت فى فك أزرار قميصه واحدا تلو الآخر بقوة مصطنعة أمام عطره و إنكشاف صدره أمامها ...
لم يقل حاله عنها .. و هى قريبة منه لهذا الحد و تنزع قميصه من عليه و لامست صدره العارى بيدها ليزداد قلبه ضخا للدماء التى تحفزه لحملها عنوة و أخذها لجناحه بالقصر و سترى منه لحظات جنونية لم تعهدها و لم يعهدها أحد من قبل ...
تم تطهير الحرق و وضعت له دهانات و ضمادة .. و غزل تقف أمامه مرتبكة من جسده الرياضى العارى أمامها .. و هو مستمتع بخجلها التى تخفيه وراء عبوسها .. ما أن إنتهت حتى نزعت قفازيها و ألقتهما بصندوق القمامة و إلتفتت إليه و قالت بحزم :
- إرتاح بكرة و ما تجيش المستشفى.. و كل كويس علشان الحرق يروق بسرعة .
حاوط خصرها بذراعه و ضمها إلى صدره بالقوة الجبرية حيث يسكن قلبه التى إحتلته منذ أعوام .. وقال هامسا و هو يغوص بمحيطى عيناها :
- شكرا يا دكتور .
زادت دقات قلبها و سرعة أنفاسها و يديها تلامس صدره العارى مستندة عليه .. و تشعر بدقات قلبه المضطربة من لمستها .. تمالكت نفسها و إبتعدت عنه قائلة بحزم :
- إياك تلمسنى تانى .. مفهوم .
جذبها ناحيته مجددا و حاوط خصرها تلك المرة بذراعيه الإثنين و قال بمداعبة جريئة :
- لأ مش مفهوم .. و باعدين هو أنا كده عملت حاجة .. ده أنا بسخن بس .
إتسعت عيناها بخجل و نزعت ذراعيه بقوة و خرجت مسرعة من الغرفة .. وقف مسرعا و أوقفها قائلا بإبتسامة ماكرة :
- إنتى رايحة فين دلوقتى .
رفعت رأسها بملل و قالت بضيق :
- إنت زودتها معايا جدا .. و أنا مش هسمحلك تتعدى حدودك معايا .
لعق شفتيه بلهفة و هو يطالع شفتيها بنهم :
- طب إيه رأيك أعدى حدودك إنتى .. و أوصلك .
تطلعت حولها بقلق ربما سمعه أحد و عادت بعينيها إليه و رفعت سبابتها أمام وجهه و قالت بتحذير :
- إحترم نفسك بقولك .. و دى آخر مرة تكلمنى بالطريقة دى .. مفهوم .
علت ملامحه الجدية و سألها بهدوء :
- حاضر .. بس برضه ماشية و سيبانى ليه .
عقدت ذراعيها أمام صدرها و قالت ببديهية :
- هروح طبعا .. دنيا كلمتنى و قلقانة عليا عندك مانع .
بدت علامات الضجر ظاهرة عليه كرد فعل طبيعى لطريقتها المستفزة .. و لكنه أجابها بتعقل رزين :
- معاكى حق .. ثوانى بس و هوصلك .
و إرتدى قميصه بصعوبه .. فإضطرت لمساعدته و هو يخفى سعادته .. ثم خرجا سويا و إستقلا السيارة بصمت .. فطلب منها أن تساعده فى بسم الله الرحمن الرحيم إرتداء سترته .. فساعدته و قالت بعدم فهم :
- هتسوق إزاى دلوقتى .. خلينى أنا اللى أسوق .
رد بصرامة و هو يدير السيارة :
- لأ .. أنا اللى هسوق .
ظلا طوال الطريق صامتين و هى تتخبط بين غيرتها من رقصته الوقحة و خوفها عليه و إعجابها بشجاعته لإنقاذه للرجل دون تردد .. قاطع شرودها قائلا بهدوء :
- وصلنا .. إنزلى يالا .
لم تتطلع إليه و قالت بحزم :
- زى ما قولتلك إرتاح بكرة .. و كل كويس .. سلام .
و ترجلت من السيارة مسرعة و دلفت بنايتهم .. تنهد فارس مطولا و هو يتابعها بلباسها الطفولى و هيأتها المثيرة .. لم يعد يقوى على الصبر و يريد إقتناء ذات الحجرين الفيروزيين الكريمين .. و صاحبة الصوت المغوى و الآسر لقلبه ..
ثم صف السيارة و صعد لشقتهم و هو ينتظر عاصفة الغضب من والدته .. ضحك بخفوت و هو يتخيل هيأته المرتعدة أمامها و الشرسة و الحادة أمام الناس ...
دلف للشقة ببطء و تطلع حوله بتوجس فلم يجدها ..تنفس براحة و نزع سترته بصعوبة متألما من حرقه .. فصرخت زينب من ورائه و قالت بذعر :
- يا لهووى .. إيه اللى فى كتفك ده .. إنطق .
إلتفت إليها بعينين متسعتين من ذعره و قال بضيق :
- حرام عليكى يا أما قطعتى خلفى .. فى حد يصوت كده .
أدارته ناحيتها عنوة و خلعت قميصه و أدارته مجددا و تطلعت للضمادة بقلق و هى تقول بغضب :
- و ده من إيه بقا .. خناقة و لا إيه .. أنا عارفة عمرى ما هرتاح .. طول ما إنتم ورايا .. إنطق من إيه ده ؟!
إلتفت ناحيتها و قال بحزم :
- ده حرق بسيط .. واحد ِولع الكشك بتاعه و هو فيه و خرجته و خلصنا .. و غزل خدتنى المستشفى و عالجته و قالتلى إنه مافيهوش حاجة .. ممكن أنام بقا .
طالعته بنظرة كانت ترعبه صغيرا و قالت بضيق :
- هتفضل لغاية إمتى عايش دور حامى الحماة .. لغاية ما فى يوم ترجعلى ميت .
حك مؤخرة رأسه بغضب و قال بتروى هادئ :
- يا أمى يا حبيبتى .. و الله أنا كويس .. تحبى أفكلك الشاش و القطن علشان تشوفى بنفسك .
فقالت مسرعة بخوف :
- ﻷ يا حبيبى خلاص .. يا إبنى أنا خايفة عليك .. مش كفاية أخوك اللى حارق قلبى كل ما أشوفه قاعد على الكرسى اللى بعجل .
لانت ملامحه و قبل مقدمة رأسها و قال بحنو :
- ما تقلقيش عليا ربنا الحامى .. و حمزة و الله أنا مش ساكت .. و أكيد هلاقى حد يعمله العملية بنسبة نجاح عالية و هيبقى زى الأول و أحسن .
هزت رأسها بشجن و قالت بوهن :
- يا رب يا إبنى .. هو أنا عاوزة إيه غير أطمن عليكم و أشوفكم كويسين .
إبتسم بخفوت و قال برفق :
- عارف يا حبيبتى .. إدعيلنا إنتى بس و إرضى علينا و ربنا هيكرمنا من وسع .. يالا تصبحى على خير .
ربتت على ذراعيه و قالت بحنو :
- و إنت من أهل الخير .. لو إحتاجت حاجة إنده عليا .
أومأ برأسه إليها و قبل كفها و توجه ناحية غرفته و دلفها بهدوء مبتسما بإنتشاء و هو يتذكر لحظاته مع مجنونته الجميلة .. و يدعو الله بداخله أن يقرب البعيد ...

فى اليوم التالى إنهمكت غزل فى عملها حتى شعرت بالإرهاق .. فقررت التوجه لغرفتها لتستريح قليلا .. قابلت دكتور راغب فإبتسمت إليه و صافحته و قالت بود :
- أخبار حضرتك إيه يا دكتور .
أجابها راغب مازحا :
- أنا كويس الحمد لله .. مافيش مرة تسألى عنى .
إتسعت إبتسامتها و قالت بإعتذار :
- سامحنى و الله غصب عنى .. ضغط الشغل حضرتك عارف إن القسم بتاعنا مشاكله كتيره .
وضع يديه بجيبى معطفه و قال بتفهم :
- معاكى حق .. و الدكتور أحمد بيقولى أخبارك دايما و هو مبسوط منك و فخور بيكى جدا .
أومأت برأسها و قالت بإمتنان :
- مرسيه يا دكتور دى شهادة أعتز بيها .
إبتسم إليها و قال بمكر :
- مبروك .. و لو إنها متأخرة شوية .
قطبت حاجبيها بتعجب و تسائلت بفضول :
- مبروك على إيه ؟!
أجابها راغب مسرعا :
- على كتب كتابك طبعا .. الأستاذ فارس يستحق إنسانة زيك يا دكتور .. ربنا يهنيكم .
إبتسمت بخجل و قالت بعملية :
- شكرا .. بس النهاردة إنت هترتاح من إجتمعاته .
زم شفتيه بعدم فهم و قال متعجبا :
- قصدك إيه ؟!
أجابته ببديهية :
- لأنه مش هاييجى الشغل النهاردة .. أصله تعبان شوية .
ضحك ضحكة عالية و قال بهزل :
- أستاذ فارس هنا من ساعتين .. واضح إنك مش مسيطرة يا دكتور .
إستشاطت نظراتها و قالت بإندهاش غاضب :
_ نعم ؟!!
لاحظ علامات الغضب التى كست وجهها فقال بتريث :
_ عادى يا غزل هو شكله مش تعبان و لا حاجة .. ماتقلقيش .
تجاهلت حديث راغب و قالت بتوعد :
- مشيت اللى فى دماغك برضه .. ماشى يا فارس .
ثم إستأذنت من راغب و تركته و توجهت لغرفة مكتبه .. و لأن الجميع بات على علم بزواجهم .. لم توقفها سكرتيرة مكتبه .. فدلفت بغضب حتى صدمت مما رأت و إتسعت عيناها بصدمة .. و جزت على نواجزها و هى تتوعده بحنق ..

لأنه ببساطة كان جالسا أمام تلك الحقيرة سما و يشعل لها سيجارتها و هى مائلة نحوهو قد برز صدرها العارى من فستانها الوقح مثلها ...
فور رؤيته لها إبتسم بتسلية و قال بهدوء :
- إتفضلى يا غزل .
إحتدت نظراتها نحوه و كانت على وشك الإنفجار فى وجهيهما و لكنها جمدت أعصابها و إبتسمت بهدوء و دلفت بثقة..
لم يخفى عليه حركة فمها السريعة الهيستيرية و التى تصاحب نوباتها الغاضبة .. و حركة مقلتيها المحتدة بلهب فيروزى لو طالهما لصهرهما فورا من شدته .. و إقترابها البطئ الواثق و المتحفز أيضا ..
إقتربت منهما و جلست على ذراع الأريكة التى يجلس عليها فارس .. و مالت ناحيته و قبلت وجنته مطولا و قالت برقة أذابت معها كل أعصابه :
- أخبارك النهاردة إيه يا حبيبى .
حبيبها كان فى عالم آخر من صدمته بقبلتها التى لامست قلبه .. و كلماتها الحانية و صوتها الساحر و ذرات عطرها الرقيقة .. لم تتركها عينيه و هو يغوص ببحر عينيها الفيروزى .. ثم إبتلع ريقه و قال بصوت عميق :
- أنا بقيت كويس .
فزمت شفتيها بضيق و قالت بلوم :
- هو أنا مش قولتلك ترتاح فى البيت النهاردة .. ليه جيت .
تنهد مطولا و أجابها بهدوء و هو مازال يتفرس فى وجهها لكى يقتنع أنه لا يحلم و هذه حقيقة :
- ما تقلقيش .. حسيت إنى بقيت كويس فنزلت .
تطلعت غزل بسما و قالت من بين أسنانها :
- أهلا يا آنسة .
زفرت سما بضيق و تصنعت الإبتسام و قالت بضيق :
- أهلا .
وقفت غزل و قالت بخجل مصطنع :
- أسيبكم أنا ليكون وراكم شغل ولا حاجة .
جذبها فارس من يدها و أجلسها بجواره مرة أخرى و هو يطالعها بنظرات نهمة و قال بنبرة آمرة :
- ﻷ خليكى .. أنا عاوزك فى موضوع مهم .. هخلص إجتماعى مع سما و .. و هفضالك .
أومأت برأسها بتوجس من نظراته المتحفزة و كلماته المبهمة .. و أشاحت بعيناها عنه بصعوبة و كأنه كبلها به ...

إستمرت جلسة فارس و سما حتى إتفقوا على كل شئ و وقعوا العقود .. بأن يكون تأمين موظفى شركتها بمشفى فارس .. إنتهى الإجتماع و غزل لم تتركهما .. رغم أعمالها المعطلة و الغضب الذى سيطالها من أحمد .. و لكن يذهب كل شئ للجحيم أمام إنتصارها على تلك الوقحة ..

وقفت سما و ودعت فارس و هى تطلب منه أن يتقابلوا مرة أخرى حتى تغضب غزل أكثر .. و إستطاعت إغضابها لأنه لم يرفض طلبها أو على الأقل عنفها على تماديها و الأسوء أنه تبعها لباب غرفته حتى خرجت .. و أغلق الباب و إستدار لساحرته التى حطمت بقبلتها كل الجدران التى شيدها ليحمى قلبه من أى شرارات أنثوية ...
لاحظت نظراته الجريئة فقالت و فى عينيها مزيج من الدهشة و التريث :
- معلش قطعت عليكم خلوتكم .
لم تلن نظراته بل زادت حدتها و قوتها فقالت بقلق :
- مالك بتبصلى كده ليه .. و باعدين إيه نظام البت دى و كل مرة لبسها بيخف .. ﻷ و كنت مبسوط إنت بقميص النوم اللى هى كانت لبساه لحضرتك و عمال تولعلها سجاير .. إيه هى عجبتك .
وقف أمامها يستمع لكلماتها و هو يلتهمها بعينيه .. ثم بدون وعى منه إنحنى عليها ليلتهم شفتيها بشوق كل ثانية كانت قريبة أو بعيدة عنه و رغبها ..

فى البداية تفاجأت من فعلته .. و حاولت دفعه بعيدا عنها .. فتحرك بها قليلا حتى إصطدم ظهرها بالحائط خلفها ...
و تابع قبلته العميقة و هو يكبل ذراعيها خلف ظهرها بيده و متمسكا بمؤخرة رأسها بيده الأخرى و متعمقا بقبلته أكثر و أكثر ...
بسرعة شعرت بمشاعر غريبة تجذبها إليه .. إلى عالمه .. بسحر لم تشعر به من قبل .. و إستسلمت لدوامه سحره و بدأت مقاومتها تتلاشى ببطء .. و بادلته قبلاته المجنونة ...

شعر هو بتجاوبها معه .. فتابع بشغف .. إذا فلم يعذبه شوقه بمفرده .. فهى أيضا تعذبت معه ..!!
ترك ذراعيها و كبل خصرها و ضمها إليه أكثر .. فرفعت ذراعيها و جذبته من ياقة قميصه إليها و هى تندفع بقوة وراء شغفها ...
رغم كل ما مرت به بغربتها من قذارة و إنتهاك و لكن تلك كانت قبلتها الأولى .. قاومت فى البداية رهبة إقترابه المفاجئ منها و ذابت بين يديه كقطعة غزل بنات ناعمة ...
إبتعد عنها قليلا و همس على شفتيها بأنفاس متقطعة :
- بحبببببببك .
رفعت عيناها نحوه و طالعته بصدمة .. و كأنها تطلب منه تأكيد ما سمعته أذنيها .. فقبل أنفها و قال بتنهيدة مرتجفة طويلة :
- بحبك .. و الله العظيم بحبك .
خرج صوتها متحشرجا و كأنه سحبه بقبلته الثائرة تلك و قالت بإرتجاف :
_ بتحبنى أنا ؟!!
إستند بذراعيه على الحائط محاوطا إياها و لامس بجبهته جبهتها و قال بصدق العالم كله :
_ مش بحبك و بس .. بعشقك .. و ما حبتش فى حياتى كلها غيرك .
إبتعدت عنه قليلا و هى تتحرك بين عينيه تطالع صدقهما و إبتسمت برقة و هى تستقر بعيناها أمام شفتيه الغليظة القوية و همست بصوت قد يسبب له أزمة قلبية من فرط رقته و لوعته :
- وأنا بموت فيك .

Continue Reading

You'll Also Like

2.8M 192K 62
تنوية القصه ليست نهوة حقيقيه من ارض الجنوب بَين النَهوةُ وعَشقِ العَسكري والآن أشهد أن حضورك موت وأن غيابك موتان.
6.8M 347K 73
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...
252K 5.9K 27
للعشق نشوة، فهو جميل لذيذ في بعض الأحيان مؤذي مؤلم في أحيانا اخرى، فعالمه خفي لا يدركه سوى من عاشه وتذوقه بكل الأحيان عشقي لك أصبح ادمان، لن أستطع ا...
415K 14.5K 34
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...