الفصل الخامس عشر

7.6K 196 7
                                    

القرار ..

بحياتنا قرارات مهمة و مفصلية .. و تتوقف عليها أيامنا القادمة .. نعتقدها أحيانا صائبة و أحيانا خائبة .. و الأيام هى ما ستثبت صحتها من عدمه ....
نقع دائما بين براثن عقلنا و قلبنا .. فما يرجوه القلب يتمرد عليه العقل .. و لكن عندما يجتمع الإثنين على قرار واحد تتأكد من صوابه ..
سمه تسرع .. سمه رغبة .. سمه خطوة للامام على أرضية واهية .. و لكنها خطوة ليس منها رجعة .. و للأسف تتقدمها بسعادة و أنانية .. نعم أنانية .. ﻷن المعنى الحرفى للأنانية من وجهة نظرى .. هو تفضيل الغير على نفسك .. فنفسك تستحق الأفضل دائما ...

- موافقة أتجوز فارس .
قالتها غزل بحسم .. نطق بها عقلها و قلبها فإنطلقت عبر لسانها .. لم تقوى على مجابهة تلك القوة بداخلها و التى تدفعها لخوض تجربة عمرها بأكمله ...
شعور غريب و مزيج من الراحة و القلق .. يجتاحها حين تفكر به .. تريده و تخشاه .. تعشقه و تهابه .. تحتاجه و تتحفز له ...
يالله سقطت فى بئر الحيرة و الخوف .. و رأسها تكاد تنفجر من شدة تدفق الدماء بها .. و أفكارها تتقاذفها يمينا و يسارا و وميض عيناها الفيروزى يشع بقوة عاكسا حالتها المتخبطة ....
طالعها رامى بتوجس و سألها مجددا بقوة :
- غزل .. موافقة تتجوزى فارس .
أغمضت عيناها و هى تلعن رامى بداخلها .. لقد قالتها و إنتهى الأمر .. فلم السؤال مجددا .. يكفيها ضغطا على أعصابها.. ففتحت عيناها بحدة و طالعته بحزم و أجابته قائلة بنبرة حادة كنصل غادر :
- قولت موافقة .
ألم أقل كنصل غادر .. لأنها جرحت نفسها بذلك النصل .. صدقا التسرع فى القرارات الهامة يؤذى صاحبه و يدفع ثمنه غاليا ....
إبتسم رامى بمكر فما توقعه حدث .. فوقف مسرعا و قال بفرحة :
- مبروك يا غزل .. ما فيش واحدة تستاهل فارس غيرك .
إبتسمت بسخرية و قالت بهدوء :
- فعلا أنا أستاهل .
لم يقف رامى كثيرا عند ردها المبهم و لكنه قال بتعقل :
- تمام .. كده مهمتنا إنتهت و هنروح نبلغهم بقرارك .
و أشار لسيد بذراعه قائلا بسعادة :
- يالا بينا يا باش مهندس .
وقف سيد و ودع غزل قائلا بود :
- مبروك يا آنسة غزل .. ربنا بيحبك إنك هترتبطى بزينة رجالة المنطقة كلها .. هستنى دعوتى على فرحكم .. السلام عليكم .
و تطلع ناحية رامى و قال بتأدب :
- شوف لينا السكة يا رامى .
أومأ رامى برأسه و تنحنح بصوت عاليا .. و أشار له بيده فتقدمه سيد و تبعه رامى الذى وقف قليلا و عينيه تغازل زوجته بشوق و تتوعدها بليلة لن تنساها .. ثم أرسل إليها قبلة بالهواء فتوردت بعدها وجنتاها بخجل.. خرج و تركها و هى فى عالم آخر .. مبتسمة بشغف و قلبها يصرخ بحبه ...
أفاقت من شرودها على تحطيم شيئا ما .. فركضت ناحية غرفة الصالون تتبعها دنيا .. وجدت غزل فى قمة غضبها و تحطم ما تصل إليه يدها .. فركضت إليها بقلق و قالت بصراخ حاد :
- إهدى يا غزل مش كده .. حرام عليكى نفسك .
و هدرت بها دنيا بتوجس من أن تأذى نفسها :
- علشان خاطرى يا غزل .. إهدى .. أنا خايفة عليكى .
نزعت غزل حجابها و ألقته على الأرض و قالت بغضب و نظراتهى زائغة بصدمة :
- بقا أخويا اللى يعمل فيا كده .. ليه .. نفسى أعرف ليه .
إحتضنتها ليال و قالت بحنانها المعتاد :
- بصى لنص الكوباية المليان .. و شوفى إهتمام فارس بيكى .. و إنه هيتجوزك يا حبيبتى علشان يحميكى .
ضحكت غزل ضحكة عالية و تطلعت لليال بإزدراء من غبائها و قالت بسخرية هزلية :
- إنتى صدقتى اللعبة دى .. ده هيكتب كتابنا علشان خايف على نفسه و على كرامته.. هو .. مش بيفكر غير فى نفسه و بس .. أنانى زى أخوه .. و جوزك كمان .
قطبت ليال ما بين حاجبيها و وقفت بحدة و هى تغلى من غضبها .. لأنها إحتملت إهانة غزل لرامى أكثر من مرة .. و لكن .. هذه المرة ليس له علاقة بموضوعها .. فيكفى لهذا الحد .. لقد أصبح زوجها و يجب عليها الدفاع عنه و إلا لن تستحق لقب زوجة مصرية أصيلة ....
نهرتها ليال بضيق و قالت مدافعة عن حبيبها :
- رامى مش أنانى يا غزل .. هو مالوش دعوة بمشكلتك علشان تدخليه فيها و تشتميه كمان .
قبضت غزل على زراعها بالقوة و قربتها منها بصورة جعلت ليال تجفل و تشعر بالخوف قليلا من ردة فعل غزل الثائرة و التى قالت بغضب :
- هبلة .. هتفضلى طول عمرك هبلة .. بس أنا مش زيك إنتى و أختك .
و قربتها منها أكثر و قالت بغلظة و عيونها تقدح نارا :
- و مش هبقى نسخة تالتة منكم مهما حصل .. سمعانى مهما حصل .
و دفعتها بالقوة و دلفت لغرفتها غاضبة و أوصدت الباب عليها و هى تتنفس بصعوبة .. بعيون زائغة و نظرات هيستيرية .. شعرت أن الدنيا تهيم بها فسارت بترنح ناحية فراشها و إندست بداخله و هى ترتجف و سحبت غطائها عليها و تكورت مجددا و راحت فى سبات عميق ...
تبدو إغمائة و لكنها فى الحقيقة هروب من الواقع .. فقرار مثل قرار الإنسحاب يبدو هينا و لكنه من أصعب القرارات التى يأخذها عقلك لينسحب بهدوء تاركا المجال لعقلك الباطن فى رسم واقع أفضل بقرارات أبسط ...
و بالفعل حملها عقلها الباطن لمنطقة بيضاء و ناعمة كغيمة كبيرة تسبح بالفضاء .. و هى ممددة عليها تطالع النجوم البعيدة و الوضائة .. رفعت ذراعها نحو إحداهن و حاولت أن تتلمسها بإبهامها فإبتعدت النجمة .. رفعت ذراعها أكثر و قربت سبابتها أكثر فإبتعدت النجمة أكثر و أكثر .. حاولت النهوض و هى تسحب جسدها المتشنج و لكن شلل ما أصابها و منعها من الحركة فشعرت بذعر و خوف .. حاولت الصراخ فلم تستطع أيضا و كأن شفتيها قد إلتصقتا و أبت الإنصياع لأمرها ...
فإنطلقت دموعها و هى ترى النجمة تبتعد و تبتعد .. فإنتبهت أنها هى من تبعد و تلك الغيمة تسقط بها بسرعة كبيرة و قد قاربت على الإصطدام بالأرض بقوة .. فكورت جسدها أكثر و إرتجف جفنها بشدة و تشنجت ملامحها بصورة مرعبة .. و تجمعت بعض حبات العرق على جبينها و هى تقاوم لتعود لواقعها من جديد .. و لكن .. قرار العودة صدقا .. ليس هينا ...

تمرد أسيرة القصر (كاملـــــــــة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن