الفصل الأخير

6.4K 235 49
                                    

جلست غزل على مكتبها و مسدت جبهتها بألم .. دلفت عليها مهجة و قالت بهدوء و عملية :
- أهل الولد الصغير اللى عملتيله العملية بره و عاوزين يقابلوكى .
هزت غزل كتفيها بتسليم و قالت بتعقل :
- خليهم يتفضلوا طبعا .
خرجت مهجة و دقيقة و دلفت سيدة و زوجها و ألقى عليها السلام .. أشارت لهما غزل بالجلوس فبادرت السيدة قائلة بإمتنان :
- أنا مش عارفة أشكرك إزاى يا دكتورة .
إبتسمت غزل بإشراق و قالت بحزم :
- قولى الحمد لله .. أنا ماعملتش غير واجبى يا فندم .
قاطعها الرجل قائلا بهدوء :
- إحنا كنا فقدنا الأمل .. لحد ما حضرتك طمنتينا عليه .
عقدت غزل ذراعيها على المكتب و قالت ببساطة :
- هى عملية تبان صعبة .. بس أنا عملتها بأميريكا أكتر من مرة علشان كده الموضوع كان بسيط بالنسبة ليا .
تطلعت السيدة للرجل و أشارت له بعينها ليتحدث .. و لكنه إكتفى بطأطأة رأسه بخجل .. إلتقطت غزل تلك الإشارات فقالت بتوجس :
- فى حاجة حابين تقولوها .
خرج الرجل عن صمته و قال بإستحياء :
- أنا عارف إن حضرتك عملتى العملية للولد بنص التمن .. بس .. بس الفلوس مقصرة معانا لو حضرتك تستنى بس يومين و الله هتصرف و هحضرهم .
قاطعته غزل قائلة بجدية :
- مش لازم تحلف حضرتك .. أنا عارفة إن المبلغ اللى متبقى كبير ده غير العلاج اللى لازم ياخده و إلا كل اللى عملناه هيروح .
صمتت قليلا ثم تابعت بإبتسامة هادئة و هى تحمل صورة المشاغب الصغير و ناولتها للرجل قائلة بتلقائية :
- دى صورة إبنى .
إلتقطها الرجل و تطلع بها مبتسما و قال بإعجاب :
- بسم الله ما شاء الله زى القمر .. ربنا يخليه ليكى و يباركلك فيه .
و ناولها الصورة .. وضعتها غزل أمامها و قالت بجدية :
- أنا قصدى إنى أم و عارقة قيمة الضنا .. فلو سمحتم .. حابة أتنازل عن حقى فى العملية و مش عايزاه .. و لو سمحتم كمان حابة أتكفل بالعلاج كمان .
رفع الرجل حاجبيه و هو يطالعها ببلاهة بينما قالت لها السيدة من بين دموعها :
- معقولة .
أومأت غزل برأسها و قالت بعملية :
- لو سمحتم ليا طبعا .. و أرجوا بلاش تكسفونى .
سحب الرجل نفسا طويلا و قال بتريث :
- قصد حضرتك إيه ؟!
إبتسمت غزل بهدوء و قالت بنبرة ثابتة :
- قصدى إنى علشان إبنى هعمل كل حاجة .. و أنا حاسة بيكم فا متنازلة عن فلوس العملية و هتكفل بالعلاج كامل .
و رفعت سماعة هاتفها و ضغطت أحد الأزرار و قالت بحزم :
- آنسة مهجة تعالى لو سمحتى .
وضعت سماعة الهاتف و فتحت دفترها و كتبت به بعض الأدوية .. و قطعت الورقة .. دلفت عليهم مهجة و قالت بعملية :
- تحت أمرك يا دكتور .
ناولتها غزل الورقة و قالت بهدوء :
- لو سمحتى خلى حد يجيب الأدوية دى و الفاتورة عندى و إدى دنيا صورة منها و إديهم للأستاذ و المدام .
لتقطت منها مهجة الورقة و قالت بإبتسامة شغوفة :
- تحت أمرك يا دكتور .
و تركتهم و خرجت و الرجل يطالع زوجته بتعجب .. وقفت السيدة وإلتفت حول مكتب غزل التى وقفت قبالتها لتنحنى السيدة و حاولت تقبيل يدها لولا أن غزل سحبت يدها مسرعة و قالت بضيق :
- ليه كده حضرتك أنا معملتش حاجة ده واجبى .
إحتضنتها السيدة و قالت بدموعها :
- ربنا يخليلك ولادك و يباركلك فيهم و يديكى الصحة و الستر يا غالية .
ملست غزل على ظهرها و قالت معللة :
- دى حاجة بسيطة بقول بيها لربنا شكرا .. إدعيلى أقدر أساعد ناس كتير .
إبتعدت عنها السيدة و رفعت ذراعيها للسماء و قالت برجاء :
- يا رب تكرمها و تطعمها و تحبب فيها خلقه .
ربتت غزل على ذراعها و قالت بحنو :
- روحوا إنتوا للولد و هو يقدر يخرج بكرة الصبح و أى حاجة تحتاجوها أنا تحت أمركم .
وقف الرجل و قال بإمتنان و تقدير :
- مش عارف أشكرك إزاى .. ربنا يجازيكى خير با بنت الأصول .
لم تكن تسمعه .. فقد كانت عيناها معلقتين بعينين تطالعها بعشق أسرها و سحبها من عالمها لعالمهما الدافئ .. إلتف الرجل بجسده يطالع ما يجذب أنظارها فرأى رجلا ضخما وسيما يطالعها بشوق و لهفة مهلكين .. إبتسم بخفوت و أشار لزوجته بأن ينسحبا ..
لم تشعر بنفسها و هى تسير مغيبة نحوه .. لم يمهلها و جذبها من ذراعه و إسند ظهرها على الحائط خلفها و إقترب منها بشكل خطير و تعمق بعينيه فى موجات محيطى عيناها الفيروزى و قال هامسا :
- أحبك أكتر من كده إيه .
لفت ذراعها حول عنقه و قالت بخفوت :
- دوبنى فيك و دوب فيا .
أغمض عينيه و إستند بجبهته على جبهتها و قال بشوق :
- أنا دايب و منتهى و شوقى ليكى جابنى لهنا زى المسحور .
أغمضت هى الأخرى عينيها و قالت بهيام :
- بعشقك .
لم تكمل كلماتها بعدما أطبق بشفتيه على شفتيها بتوق للتزود منها و التى أصبحت إدمانه منذ عادت إليه .. يكفيهما حزنا .. يكفيهما شوقا .. يكفيهما جمودا ..
فقد حان وقت الحب ..

تمرد أسيرة القصر (كاملـــــــــة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن