الفصل الثاني و العشرون

6.2K 191 14
                                    

الحد الفاصل ....

عندما تأخذ القرار الفاصل بحياتك .. بيدك رغم تخبط قلبك و عقلك .. و فجأة تنصب المحكمة ..
و يجلس القاضى الذى ضرب السطح أمامه بمطرقته الخشبية ليصمت الجميع ..
و يقف القلب و العقل أمامه بتحفز .. و يبدأ القاضى محاكمته بسؤاله للعقل المتزمت :
- ماذا هناك أيها العقل .. و ما سبب إعتراضك القوى ذاك .
ليجيبه العقل بإتزان :
- ذلك القلب أنهكنى .. يسير وراء أهوائه مكبل العينين و لا يدرس خطواته .. و بالنهاية يأتى باكيا لى و يطلب مساعدتى .
هز القاضى رأسه بتفهم و طالع ذلك القلب المرهق و سأله بفضول :
- و أنت أيها القلب .. ما هى شكواك .
ليجيبه القلب بهدوء :
- منذ متى و الحب .. يسمى أهوائا .. ربما يبكينى أحيانا و يؤلمنى أحيانا أخرى و لكن بالنهاية أعتبره مرضا لذيذا لا أنتوى الشفاء منه .
خرج العقل عن صمته قائلا بغضب :
- هذا كله هراء .. متى ستقتنع أنه هراء .. تحتمل الذل بمعنى العشق .. تحتمل الإهانة بمعنى العشق .. تحتمل التطاول بمعنى العشق .. فالتفطن أيها الغبى .
فسأله القلب بتذمر صارخ :
- لست غبيا .. بل حالما .. عاشقا .. فنبهنى أيها الذكى ما الذى لا أفطنه ؟!!
أجابه العقل بتعقل كعادته :
- أن العشق يضعف .. يجرح .. يجعلك دمية بيد غيرك يتحكم بك و يسيرك حسب قوانين عقله هو .. لأنه لو وصل لدرجة عشقك السرمدى لنحى عقله جانبا كما تفعل أنت .
لأول مرة يقتنع القلب بمبدأه و لكنه عاد و قال له بمكر :
- ربما ما قلته مقنع و لكن لى سؤال أخير عندك .
أجابه العقل بثقة :
- تفضل بسؤالك عله يقنعك أننا نكمل بعضنا البعض و لم نكن يوما أعداء .
فسأله القلب بفضول :
- لو كان الحب و العشق هراء كما تقول .. لماذا تحتفظ بصورته داخلك و تبثها لكامل الجسد طوال الوقت .
أجابه العقل مسرعا بدون تردد :
- ﻷنه كما قلت سابقا هذا هراء و أنا و أنت متصلين ببعضنا البعض فى الهراء و الهوى .
إبتسم القاضى براحة و قال بسخرية :
- كل ما يحتاجه المرء هو لحظة تصالح مع النفس و تعزيزها قبل أى أحد أو أى شئ .

ألم أقل حدا فاصلا ...

ذلك الحد و الذى يبدو كنصل شفرة حادة .. تارة يجرح و تارة يداوى ....
و يحتاج لجراح ماهر فى التعامل به ....
و الأخطر أنك ستضعه بيدك مكان ألمك و تمرر شفرته ببطء .. و لن تحتاج إلى مخدر قبله .. ستحتمل ألمه و وجعه حتى تستطيع إستأصال مرضك الذى أوهنك ... بيدك ...

حب نفسك و قاوم ضعفك و تحدى قدرك و إرسم القادم بيدك و لا تلتفت للخلف فقط حدد الهدف و إنطلق نحوه .

برقت عينى غزل و إعتدلت فى جلستها بعدما حددت هدفها و تغلبت على وجعها و دارت تروس عقلها مجددا و أضاءت ذلك المصباح الوهمى القابع فوق رأسها ..
و إلتفتت بجوارها و قد إشتعلت عيناها مجددا بلهيبها الفيروزى و تدفقت الدماء بوجهها و طالعته بقوة و قالت بنبرة متحمسة :
- لقتها يا أحمد .
لم يكن يسمعها .. فلم يجيبها .. فقطبت حاجبيها بغضب و وخزته بذراعه و هى تقول بنبرة محتدة و عالية بعض الشئ :
- إنت يا إبنى .. سيب الزفت اللى فى إيدك ده و كلمنى .
إنتفض أحمد بذعر و طالعها بمجون و قال بضيق :
- فى إيه خضتينى .
طالعته بتعجب و قالت بسخرية :
- لا و الله .. و إيه اللى شاغل سيادتك بالموبايل كده .
عادت لمطالعته لهاتفه مجددا بإهتمام و أجابها بهدوء :
- بفيس .
إبتسمت بخفوت و هزت رأسها و هى تطالعه بنظرات هادئة على بساطته و قالت بتعجب :
- بتإيه يا أخويا ؟!!
إبتسم إبتسامة متسعة و أغلق هاتفه و وضعه بجيب بنطاله و قال بمداعبة :
- بفيس .. أى أننى أتابع صفحتى على الفيس بوك .. و أراسل أصدقائى و أسرتى .
لأول مرة يخرج صوت لضحكتها منذ تعبها الأخير و هى تطالعه بهدوء جعله يتنهد بألم و إبتعد بعينيه عنها مطالعا البحر هاربا من مشاعره المتخبطة بينما تسائلت غزل بتعجب :
- و هل أنت عندك أهل أو أصدقاء أصلا .
إلتفت برأسه ناحيتها و قال بنبرة محتدة :
- ليه يا ماما فكرانى لقيط .. طبعا ليا أهل هو صحيح أمى الله يرحمها .
فمدت يدها ناحيته و تضاربا كفا خماسيا و قالت بمداعبة حزينة :
- بصرة يا معلم .. الله يرحمهم .
هز رأسه بشجن و تابع حديثه قائلا بضيق :
- بعد ما ماتت أبويا إتجوز تانى واحدة أصغر منه بشوية .. فإضطر يشتريلى شقة خاصة بيا و كنت عايش فيها لغاية ما طفشت من حضرتك و سبتلك الدنيا و جيت هنا بشتغل فى مستشفى والد واحد صاحبى .. قوم إيه تيجى ورايا لغاية هنا .
ضيقت غزل عيناها و قالت بغضب و هى تصفعه بذراعه :
- تصدق إنك بشع .. أنا غلطانة اللى قاعدة مع أمثالك .
تعالت ضحكاته و هو يتصدى لضرباتها و قال بتهذب عاقل :
- بهزر .. آسف و الله يا دكتور .. آسف .
إبتعدت عنه و كتفت ذراعيها أمام صدرها و طالعت البحر بغضب .. طالعها بهدوء مستمتعا بعودتها مجددا .. ثم لف بجسده ناحيتها و سألها بجدية :
- كنتى عاوزة تقوليلى إيه بقا .
إرتسمت الجدية على وجهها و إلتفتت ناحيته بجسدها و قالت بهدوء متحمس :
- هفتح سنتر كبير .. هيبقى عيادة خاصة ليا و ليك و هيبقى فى قسم جراحة على أعلى مستوى و هنعمل إعلانات إن أى دكتور يحب يعمل عملياته عندنا It's ok .. و كمان هيبقى فى قسم للعلاج الطبيعى .. يعنى سنتر علاجى كامل .
طالعها أحمد ببلاهة و هو فاغرا فمه بتعجب .. فأغلقت له فمه و هى تقول بغضب :
- إقفل بؤك .. و باعدين مش ده الريأكشن اللى بستناه .
إبتسم بخفوت و قال بنبرة ساخرة :
- إبقى إتغطى و إنتى نايمة كويس .. واضح كده إنك كنتى نايمة من غير غطا .
حدجته بتحذير و قالت بحدة :
- شكلى هتغابى عليك .. بتتريق عليا يا أحمد .
أجابها بهزل ساخر و هو يهز رأسه بإستهزاء :
- ما أنا لازم أتريق .. سنتر إيه اللى هتفتحيه .. إنتى عارفة موضوع زى ده يتكلف كام .
رفعت ذقنها بإيباء و قالت بثقة :
- أيوة عارفة .. و مستعدة لأى مبلغ من مليون لتلاتة .
رفع حاجبه بحدة و سألها بتوجس :
- تلاتة مليون .. هو إيه النظام بالظبط .
طالعته مطولا قبل أن تقول بعصبية و ترقب :
- أحمد إنت ممكن لثانية تشك فيا أو فى نزاهتى و نضافة فلوسى .
مرر أنامله بشعراته الشقراء و قال بهدوء متزن :
- أولا أنا لو مش واثق بنزاهتك زى ما بتقولى .. عمرى ما كنت هفتحلك بيتى و إنتى متجوزة كمان .. ثانيا من حقى إن أسألك مبلغ زى ده ممكن يكون معاكى منين .. صح .
لانت ملامحها قليلا و طالعت البحر مجددا و سحبت نفسا طويل لتهدأة إنفعالها و قالت بنبرة ثابتة :
- طبعا من حقك .. أنا عندى شقة و محل فى عمارة ببيت والدى فى أحسن منطقة بالمعادى .. و لما هبيعهم ده هيدخلى مبلغ خيالى .. و أنا حولت كل قرش حوشته فى أميريكا .. كنت عاملة حسابى إنى هرجع مصر .. حتى العربية بعتها قبل ما أسافر و سبتها لصاحبها الجديد فى المطار و كله بالدولار .
ثم تنهدت مطولا و طأطأت رأسها و هى تعبث بالرمال بقدمها و قالت بخفوت :
- يعنى كل قرش معايا من تعبى و لما هبيع الشقة و المحل هيزيد رصيدى للمبلغ اللى قولته و أكتر .
شعر بتسرعه و عودتها للحزن و الإنكسار .. فقال بسرعة بمزاح هادئ :
- طب و لو بعتلك الشقة و المحل تدينى كام .. فرصتى بقا .
إبتسمت بخفوت و رفعت رأسها ناحيته و قالت بمشاغبة :
- و لا مليم .. و هتبيعهم برضه .. بس إزاى .
وضع قبضته أسفل وجنته مستندا على ساقه و قال بعد تفكير :
- أنا أعرف السمسار اللى إشترالى شقتى اللى فى القاهرة و هو صاحب أبويا كمان .. هتصلك بيه بكرة و أخليه يخلصلك فيها .
إبتسمت غزل براحة و عادت لعبثها بالرمال و قالت مغالبة للشعور بالنفور بداخلها :
- و فى حاجة كمان عاوزة أعملها و مش عارفة إزاى .
قطب حاجبيه بقلق و سألها بتردد :
- حاجة إيه دى ؟!
رفعت عيناها ناحيته و قالت بملامح مستاءة عما ستقوله :
- أنا عمى إتنازلى عن المحل بتاعه فى نفس البيت غصب عنه و عاوزة أتنازله عنه تانى .
رفع عينيه بملل و هو مازال متكأ بوجنته على قبضته و قال بريبة :
- إيه يا بنتى هو أنا قاعد مع لغز الكلمات المتقاطعة .. كل ما أحللك لغز يطلع عشرة ... و ماله عمك ده كمان .. و إيه حكاية إنه إتنازلك عن محله غصب دى .
إبتسمت إبتسامة متسعة على هيئته حتى ظهرت نواجذها و قالت بترفق :
- ﻷ كفاية عليك كده النهاردة .. قوم روح علشان تنام و بكرة نكمل .
إعتدل فى جلسته و قال بإهتمام و الفضول يشع من عينيه :
- أبدا .. إحكيلى أول و باعدين همشى .

تمرد أسيرة القصر (كاملـــــــــة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن