الفصل الرابع و العشرون

7.4K 188 1
                                    

إن نظراتى إليك .. بعض أفكارى فيك ....

تختلف النظرات بإختلاف الحالات .. تحديدا بإختلاف حالتها هى ... و لم لا و قد إجتمع ما أحبه بالجمال فى إمرأة إلا و كان فيها .. أراها و فيها الجمال النسوى كله .. و كأن العالم قد زخرف و نقش لعين عاشق بجمال المعشوق ...
فمع إبتسامتها تلد الدنيا البهجة و السعادة و الحب .. و لم يكن للدنيا قبلها رحما .. و باتت رؤيتى لها كل مرة هى بدء الدنيا من جديد كولادة جديدة مكتملة ...
ظاهريا .. عشقك هو كل محاسنى .. رغم أنه شر عيوبى .. بعد أن نزلتى على قلبى بسحرك فخيل لى أن العالم قد تلخص فى صورة جميلة مرئية .. لى وحدى .. يدخل كل جمال فى تفسيرها .. و لا يكتمل تفسيرها أبدا ...
فملكت بعدها العالم كله من حيث لا أملك إلا الحب .. لأنها فى كمال الإغراء .. و فى أقصى الحياء .. و حيائها يبعث فى نفسى أقصى الجرأة ...
بنظراتها الضاحكة اللعوب و التى تتدلل و كأنها تخبرنى أنها تشعر بأفكارى و تلمسها .. كإساءة الدلال إلى و إحسانه على .. بت أراكى فى كل مكان و كأن العالم فى عينى قد تحول لصورة مبهمة .. يطبع عليها قلبى رسمى لتجسدك ..و يبعثه فى كل شئ حدقت إليه عينى ...
و بوجهك أنتى يبلغ الشوق القصوى .. و يأخذ بعقلى كله .. و يستولى على قلبى جملة .. أدور فى محرابك و أتخيل نفسى أجوبة ساخرة و جسدك هو أسئلتها .. كتهلل جبينك .. و إستحياء وجنتيك .. و إفترار شفتيك كقبلة على الفم .. و حلاوة طعمها يكون بالفكر ...
كنظرة الحب .. يقع موقعها بالعين و الحقيقة أنها بالقلب .. الذى يبرق بصورتك .. و يشرق بوجهك .. بمعان كنسمات الصبح العليلة من شدة سحرها .. مملوءة بروح الندى ...
و بذلك لا يكون لى سوى الطاعة العمياء .. التى ألوذ بها فى ومضاء عشقك ...

مرر صبرى عينيه على وجوههم المتجهمة و العابسة .. الأول يعبث بصحنه و لا يأكل و الحزن مصيبه .. و الثانى يحرك الملعقة بكوبه دون توقف .. و الثالث يقلب علبة سجائره بين أنامله بحركة مستمرة ...
تطلع صبرى بزينب التى هزت رأسها بأسى و عادت بعينها لجمعهم الصامت .. الحزين .. المتجهم ...
تنحنح صبرى بنبرة عالية لينبههم و يخرجهم من شرودهم .. و قال بحدة :
- بقيتوا بتصحوا قرب الضهر .. من إمتى الإستهتار ده .. الوكالة و شايلها لوحدى و فى المصنع بيدوروا عليك يا أستاذ رامى .. و المستشفى نادر لما بتروحها يا عوو ينفع كده .
رفع رامى رأسه عن صحنه و قال بضيق :
- مين هيبقاله مزاج لا للشغل و لا أى حاجة و مراته بعيد عنه و ما يعرفش هى فين و لا عند مين .
مصمصت زينب شفتيها و قالت بإشفاق :
- يا حبيبى هيرجعوا .. بس لما نفسيتهم ترتاح شوية .
ترك حمزة الملعقة و طالعها بقوة و قال بحدة :
- يعنى نقعد نستنى لما يحنوا علينا و نلبس طرح .. و لا كأننا رجالة .. الناس هيقولوا علينا إيه .
تنهدت زينب بأسى و أجابته بترفق :
- إهدا يا إبنى .. مش لازم تتعصب ده إنت مسافر تعمل عملية كبيرة و لو نفسيتك كانت وحشة ممكن تتعب هناك .
توقفت دورة علبة السجائر بين أنامله و قال بهدوء و برود يلائمانه جدا :
- حمزة عنده حق .. صبرنا عليهم كتير .. بس زودوها قوى .. و لو مارجعوش خلال أيام قبل ما أسافر مع حمزة .. هيبقى مصيرهم إسود معانا .
إقترب رامى برأسه من فارس و قال بحزم :
- و إحنا لسه هنستنى الكام يوم دول .. أنا داخل فى إسبوعين ما أعرفش حاجة عن ليال .. و بدأت أفقد أعصابى خلاص .
طرق فارس بيده على ساقه بغضب و قال بنبرة جافة و عينيه بها نظرات التوعد :
- أكيد فى حد بيساعدهم .. و مسيرى هعرف هو مين .
طالعه حمزة برجاء و قال بوهن :
- الله يخليك يا عوو هاتلى ميناس .. عاوزها معايا و أنا بعمل العملية .. هصالحها و هعتذر لها .. بس تبقى معايا .
إلتفت فارس برأسه نحوه و قال بعجز :
- يا ريتنى أعرف مكانهم .. و الله ماساكت و بدور عليهم فى كل حتة و مكلف ناس يدوروا عليهم بس كأنهم فص ملح وداب .
مرر رامى أنامله على ذقنه النامية و قال بشراسة فاقدا صبره :
- يعنى إيه .. أعيش حياتى عادى و لا كأنه مراتى سيبانى و عايشة على راحتها و بتنام بره عند مين ما أعرفش .
ثم إبتلع ريقه بقوة و قال بغضب عارم و هو يطالع فارس :
- كله من مراتك .. لمتهم حواليها و خليتهم يتحدونا و يبعدوا عننا .. أنا مش مصدق إن ليال قدرت تبعد عنى إسبوعين .. دى ما كنتش بتقدر على بعد يوم واحد .. هنت عليها .
قبض فارس كفه بقوة كاظما غضبه و وقف مسرعا و قال بجمود :
- أنا همشى بدل ما أحط عليه و أزعله منى لأنى المرة دى هقص لسانه علشان أخلص .
و حمل هاتفه و أشيائه و هم منصرفا .. فتعالى رنين هاتفه طالع شاشته بتلهف و أجابه قائلا بهدوء :
- ألو .. أيوة فعلا عندها شقة و محلين فى البيت ده ... باعتهم ؟!! ...... مين ؟!! .. رجعت المحل لعمها .... توكيل إيه و مين اللى عملت له التوكيل ؟!!
شتعلت عينيه و إشتد بأس ملامحه و زادت شراسة و جمود و أغلق الهاتف و قبض عليه بقوة حتى أنه إعتصره و حوله لحطام هاتف .. و إستدار بجسده المتصلب ناحية الجميع ليأتيه رد صبرى الصامت منذ البداية قائلا بهدوء متزن :
- أيوة .. أنا اللى بساعدهم .
وقف رامى ببطء و هو يطالعه بإندهاش فاغرا فمه .. و عينيه قد إتسعتا حتى أنهما كادا أن يخرجا من محجريهما و قال بإيجاز :
- نعم ؟!!!
أغمض حمزة عينيه بيأس و طأطأ رأسه بضجر و قال بنبرة مكظومة عميقة :
- ليه يا بابا كده .. شايفنا بنتعذب و بتتفرج علينا .
رفع صبرى عينيه ناحية فارس المتصنم و يطالعه بدهشة و قال بجمود :
- و إنت مش عاوز تقول حاجة .
إبتسم فارس بسخرية و حرك رأسه بنفى و قال ببرود :
- ﻷ مش عاوز .. كتر خيرك يا حاج .. بس وصلها بقا إنى مش هسامحها و هى ماتلزمنيش .
وقفت زينب مسرعة و هى تراه ينصرف بوجه محتقن و جذبته من ذراعه و أوقفته قائلة برجاء :
- إستنى يا إبنى بس .. إستهدى كده بالله و إقعد .
تنفس مطولا قبل أن يجيبها و هو يقول بنبرة ثابتة :
- أنا هرجع القصر تانى .. خلى بالك من مهاب .
و سحب ذراعه بترفق من بين قبضتها و إنصرف مسرعا .. بينما جثى رامى أمام صبرى و توسله قائلا بنبرة محبطة :
- أنا مسامحها بس ترجعلى .. أبوس إيدك يا عمى خلينى أكلمها بس .. عاوز أسمع صوتها على الأقل و أنا هقدر أقنعها ترجعلى و عمرى ما هزعلها تانى .
ربت صبرى على ظهره و قال بحنو :
- إهدى يا إبنى .. هى كويسة قوى .. و بتتعذب فى بعدك برضه بس ده أحسن ليكم .. ليال بتتغير يا رامى و هترجعلك أحسن من الأول و محضرالك مفاجأة هتعجبك قوى .
تمسك بركبتيه و قال بتذلل :
- مش هقدر أصبر .. و حياتى عندك و رحمة أبويا اللى كانت روحك فيه لتقولى مكانها و مش هقول إنك قولتلى .
حرك حمزة كرسيه و إقترب منه و قال بإهتياج :
- قول بقا يا حاج هما فين .. أهون عليك أعمل العملية و هى مش معايا .. طب قولها إنى هعمل العملية و هى لو عاوزة تيجى تبقى تيجى .
هز صبرى رأسه بنفى و قال بصرامة قاطعة :
- مش هقولها لأنها لو عرفت هتجيلك جرى .. و لو لا قدر الله عمليتك ما نجحتش هترجع تعاملها زى الأول و أسوء .. سيبها يا حمزة تبنى نفسها .. و يوم ما ترجع سليم و تعرف قيمتها وقتها هتقدر تسعدها يا إبنى .
لطم رامى بيديه على ساقيه و هو مازال جاثيا أمامه و قال بصوت منفعل :
- أنا مالى و مال الكلام ده .. أنا عاوز مراتى و بس .
هز صبرى رأسه بيأس و قال بغل :
- أنانيتك دى اللى هتخسرك مراتك يا رامى .. بس بتفكر فى نفسك .. فكر و لو مرة واحدة فى غيرك .
و وقف مسرعا و إرتدى مأزره على عبائته و إنصرف بهدوء .. ربتت زينب على ظهر رامى المنحنى بإنكسار و قالت بإشفاق :
- قوم يا حبيبى .. هيرجعوا و أهه إحنا إطمنا إن عمك عينه عليهم و إنهم بخير .. و هى لما تحب ترجعلك هترجع .. إنت مش عارف هى بتحبك إزاى .
عقد ساقيه تحته و جلس على الأرضية و نكس رأسه و قال بحزن دقيق :
- عاوز أعتذر لها و أطلب منها تسامحنى .. عاوز أجيب منها ولاد كتير أعوض بيهم إبنى اللى راح و ناره لسه قايدة فى صدرى .. أنا مش أنانى .. أنا بعيش بيها .
مصمصت زينب شفتيها و قالت بإستعطاف :
- قوم من عالأرض يا حبيبى .. هترجعلك و هتعتذر منها و هتجيبوا عيال كتير يملوا عليكم حياتكم .. بس الصبر يا إبنى .

تمرد أسيرة القصر (كاملـــــــــة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن