و في الطريق وجدت هاميش قرب المرآب و أخبرته عن حفلة الشاي التي ينوي الشيخ اقامتها و قال لها بعدم اهتمام :
«لا أظن بأن أحداً يريد شرب الشاي مع الشيخ» .
«و لكني أظن بأنهم سيحبون شرب الشاي معه إذا ابتعد عن الحشرية، و الآن تأكد من ايصال الدعوة للكل» .
نظر إليها هاميش و قال :
«هل تريدين أن أبعث بدعوة للرجل الذي يعيش في کارین رود ؟»
«لا سأخبر السيد نيل بنفسي، على فكرة، لماذا لم تخبرني بعودته ؟»
سألته كرستي .
«لقد نسيت» .
و قد أظهرت عينا هاميش بأنه يكذب لكنها عادت و سألته :
«هل تعرف لماذا رجع إلى هنا ؟»
«أظن بأنه عاد كي يمضي عطلته هنا و لماذا تسألين، فالأرض أرضه و المنزل ورثه عن أمه و له الحق في العيش هنا في المزرعة أكثر من أي شخص آخر» .
سکت هاميش و نظر إليها ثم أكمل كلامه و هو يبتعد :
«يجب أن أذهب لأرسل الدعوات إلى أصحابها في الوقت المناسب و ما كان ينقصني إلا هذا العمل» .
كان هاميش يتذمر من هذا العمل الإضافي الذي فرض عليه و مشى باتجاه مدخل المزرعة، و لعدة دقائق، بقيت كرستي تفكر ثم مشت باتجاه الطريق .
و في هذا اليوم الجميل، قررت كرستي تأجيل العمل في المزرعة و القيام بنزهة مشياً على الأقدام، كانت الطريق مليئة بالغبار و الشمس تلمع من خلال الأشجار، و تذكرت المرات العديدة التي مشت فيها على هذه الطريق منذ أربع سنوات، و كانت تتمتع بكل ما يحيط بها و لكنها عادت لتنظر إلى الكوخ القائم على التلة بحيطانه البيضاء التي تلمع تحت الشمس .
لقد مضى على رؤيتها لنيل أربعة أسابيع كانت تراه فيها كل يوم صدفة مع أنها تمشي على هذه الطريق قصداً بغية لقاءه، و تذكرت ما حصل منذ أربع سنوات، عندما ترك المنطقة، كانت في الطريق للقاءه عندما رأت هاميش و سألته :
«هل رأيت نسل دایسارت ؟»
«لا، لن نراه ثانية فقد رحل إلى غلاسكو» .
قال هامیش .
«حسناً، و لكن هل تعرف عنوانه في غلاسكو ؟»
سألت كرستي .
«لا، يمكنكِ أن تعرفي العنوان من السيد أليك، طاب يومكِ» .
و في اليوم التالي سألت أليك عن نيل عندما جلسا في مكتب أليك بعد الظهر، كان يجلس على الكرسي ذات العجلات خلف الطاولة و سألها و هو ينظر إليها نظرة ثاقبة :
«لماذا تريدين معرفة مكانه ؟» .
«أحب أن أتصل به لدى عودتي إلى هناك» .
قالت كرستي هذا و حاولت الظهور بمظهر طبيعي .
لكن أليك فاجأها يقوله :
«لقد ذهب إلى غلاسكو ليلحق بطائرة لندن، و من لندن سيسافر إلى نيويورك اليوم» .
و نظر أليك إلى ساعته و قال :
«سيكون في نيويورك الآن و هناك سيعمل مع جراح شهير و أشك في عودته إلى بلده خصوصاً عندما يستلم عمله كجراح و كما تعلمين سيجني الكثير من المال هناك» .
و تذكرت كرستي شعورها و كأن حياتها فارقتها، و تذكرت بأنها جلست على أقرب كرسي كي لا تقع على الأرض، عندها اقترب منها أليك على كرسيه و سألها :
«كرستي، ما بكِ ؟»
«لا شيء» .
و ابتسمت في محاولة لإخفاء دموعها لكنها فوجئت بأليك يقول لها :
«أنا أعرف بأنكِ تكذبين، لأني على علم بكل ما يحدث في المزرعة كما أعلم بأنكِ تقابلين نيل كل يوم منذ أربعة أسابيع» .
دهشت كرستي و قالت :
«كيف عرفت ؟»
«صحيح بأني لا أستطيع التنقل، و لكني أعرف كل ما يجري في هذه المزرعة» .
قال أليك بنعومة .
و حاولت كرستي استدراجه لمعرفة الشخص الذي نقل إليه الخبر و سألته :
«هل أخبرك هاميش ؟»
«لا، فلسوء الحظ لا يخبرني هاميش إلا بعض الأمور المتعلقة بالعمل، و لكني أعرف بأنك كنتِ تزورين نيل بعد ظهر كل يوم، كنت أراكِ تتسلقين التلة و تدخلين الكوخ حيث تبقين هناك طويلاً و أحياناً كنتِ تمضين الليل معه» .
احمرت وجنتا كرستي خجلاً و استدارت لتخفي وجهها عنه، فلاحظت تیلیسکوب موجه نحو تلة کارین رود .
و لم تعد تحتمل وضعها فصرخت بوجهه قائلة :
«كنت تتجسس عليّ يا أليك ؟»
و قامت من مكانها .
لكنه أجابها بهدوء أزعجها :
«لم أكن أتجسس يا عزيزتي، و لأني أحضرتكِ إلى هنا، أجد نفسي مسؤولاً عنكِ» .
هز التيليسكوب و تابع يقول :
«حاولت تحذيركِ عدة مرات ثم فكرت بأنكِ لن تستمعي إلى نصيحتي، فالفتيات الصغيرات يتمتعون بحساسية كبيرة هذه الأيام و لا يمكن ارضائهم بسهولة» .
عادت كرستي و جلست في مكانها و سألته :
«لماذا تريد تحذيري ؟»
«كنت أريد تحذيركِ من نيل، فهو شاب وسیم، مجتهد و طموحه كبير وعدت والده بأن أهتم به و بتعليمه جيداً كي يشغل منصباً محترماً، فقد تقدم جيداً و لديه الفرصة بأن يكون أفضل و لا ألومه لإستغنامه هذه الفرصة، و لا أنكر تشجيعي له للإستفادة منها» .
سكت أليك للحظات ثم تابع قوله :
«لقد عرفت نيل منذ وقت طويل و هـو يشبه ... يشبه والده، و حينما يجد فتاة جميلة مثلكِ يستغلها و ....»
سكت فجأة و بدا على وجهه الإحراج .
«يعبث معها» .
أكملت كرستي ما كان يحاول قوله بصوت هاديء .
«نعم، هذا صحيح» .
هز رأسه موافقاً .
«كنت أعلم بأنه كذلك» .
قالت كرستي بصوت غير مبالي .
«كيف تشعرين الآن ؟»
سألها أليك و قد بدت الحشرية على وجهه .
«لقد انتهت فترة المرح، و أنا مرتاحة لإنتهائها، و الآن أستطيع التركيز أكثر و مساعدتك في انهاء الملاحظات حول الكتاب قبل عودتي إلى الجامعة» .
لقد عنت ما قالته لأليك في ذلك اليوم و تذكرت بأن ما قالته حول سعادتها لرحيل نيل أصبح سراباً الآن لأنه عاد و حرك معه المشاعر و أيقظ رغباتها الدفينة .
فعودته فتحت الجرح من جديد و بما أنها خبرت الحياة أکثر فلم تتوقع أن يزداد اشتياقها له و أملها بأن يكتب لها و يوضح سبب رحيله المفاجيء، تمنت أن يكتب إليها و يحدثها عن حبه، و شوقه لرؤيتها و طمأنتها بعودته إلى اسكتلندا ليتزوجها، كما تمنت أن يكتب إليها و يطلب منها أن تلحق به إلى نيويورك بعد تخرجها .
و بعد شهر على رحيله عن بالمور تركت بدورها المكان بعد أن وعدت أليك بعودتها في الصيف المقبل للعمل لديه في المزرعة، و لم تأتها أي رسالة من نيل عندها عرفت كرستي بأن علاقة حبها انتهت .
و هذه العلاقة خلقت لديها عقدة جعلتها ترفض تصديق أي رجل يحاول التقرب منها، فانتبهت إلى دراستها و نالت درجة عظيمة .
و بعد تخرجها عادت إلى بالمور حيث عرض عليها أليك عملاً سخياً كوكيلة لمزرعته و نادراً ما يوكل هذا المركز إلى امرأة، و بعد فترة و جيزة مضت على استلامها للوظيفة و بعد أن علم بزواج نيل من باربرا غوو المليونيرة الأمريكية، طلبها أليك للزواج و قبلت حيث جرت المراسم بهدوء في كنيسة بالفيج .
بعد مرور ساعة على تركها بالمور، وجدت كرستي نفسها في منتصف الطريق المؤدية إلى كارين رود، کانت تشعر بالحر و جبينها يتصبب منه العرق، فخلعت الكنزة و ربطتها على خصرها ثم فكت أزرار قميصها واستمرت بالمشي حتى رأت کوخ نيل أمامها .
و اقتربت أكثر لترى إذا ما كان موجوداً كي توصل دعوة حسين له و مشت في ممر ضيق و هي تشعر بالشمس تحرق جلدها .
و عندما وصلت إلى باب الكوخ وقفت لتلتقط أنفاسها، و من الباب المفتوح، وجدت نيل جالساً على كرسي قديم و وضع أمامه أوراق كان يكتب أو يرسم عليها .
و فجأة أحس بأن أحداً يراقبه فرفع عينيه عن الأوراق و نظر باتجاه الباب حيث وجدهـا تنتظر، فرفع حاجبه استغراباً، فارتبكت كرستي كثيراً و وضعت يديها في جيبيّ سروالها و قالت :
«صباح الخير يا نيل» .
رفع نظره إلى الشمس ثم نقل نظره إليها و قال :
«لقد أصبح الوقت ظهراً، كنت في انتظار زيارة منكِ» .
قال هذا و وقف على قدميه لكن كرستي ردت عليه قائلة :
«تأكد من أنني أتيت لسبب وجيه، إني أحمل لك دعوة من الشيخ حسين الذي يريدك أن تشاركه شرب الشاي في بالمور بعد ظهر غد» .
«هذه الدعوة لي فقط ؟»
«لا، فقد دعى كل من يعيش و يعمل في المزرعة» .
أجابت كرستي .
«لماذا ؟»
سأل نیل .
«لأنه يريد مقابلة الكل» .
«و هل هذه فكرتكِ ؟»
«لا، فهو يريد التوصل إلى الشخص الذي ساعد الدخلاء على الهرب» .
قالت كرستي موضحة .
«حقاً ؟ ألا يعرف الفاعل ؟ ألم تخبريه أنتِ ؟»
سأل بسخرية .
«كيف أخبره ؟ فأنا لم أرى الفاعل» .
أجابت كرستي .
«أتيتِ إلى هنا كي توصلي دعوته لي ؟»
سألها .
«نعم» .
قالت باقتضاب .
«لماذا لم ترسلي هاميش ؟»
اقترح عليها بسخريته المعهودة .
«هاميش مشغول بإيصال الدعوات إلى باقي الضيوف و كنت أتفقد الأشجار هنا، و قررت اعلامك بالأمر» .
«أنتِ تهتمين جيداً بعملكِ هنا و قد أحسن أليك الإختيار حين وظفكِ عنده» .
قال نيل .