ساحل أسكودار (مكتملة)

By nellyelattar

12.3K 637 109

رومانسية More

الغلاف وتواقيع الأبطال
المقدمة
ألوان الطيف (Renk tayfı)
_اقتباس من الطيف الأول_
(الطيف الأحمر)
برومو النوڤيلا
_اقتباس من الطيف الثاني_
الطيف الأصفر
اقتباس من الطيف الثالث
الطيف الأخضر
اقتباس من الطيف الرابع
الطيف الأزرق
اعتذار واجب
غيمة سوداء
ضباب رمادي
دموع زجاجية
وشاح وردي
غيرة نارية
عصفورتي الأرجوانية
إعلان روايتي الورقية الأولى
اقتباس من رواية وريث كايميرا
💥حفل توقيع وريث كايميرا💥
عيدكم مبارك❤️
خادم الوشم
💔

فستاني الأبيض

671 55 29
By nellyelattar

(فستاني الأبيض)
(Beyaz elbisem)

مَرّ إسبوعين كاملين على الأحداث الأخيرة .. خمسة عشر يوماً بخمسة عشر شروق للشمس وهو يتنفسها كالعطر الصباحي.. وخمسة عشر غروب ووجهها المسافر فوق متن الغيمات مؤنسه الوحيد في ليله الطويل الذي يقضيه ضائعاً بين مطالعة صورها واستنشاق رائحتها العالقة بوشاحها الوردي وتقبيل عصفورتها الأرجوانية التي أهدتها له ذات ألم .. أما هي فكانت تحاول التأقلم مع الوضع الجديد وتبذل كل مابوسعها من جهد لتتجنب الاحتكاك به وبهوليا لكن الأخيرة لم تترك شئ تعرف أنه يضايقها إلا وفعلته فمسامحة آركان لها ولزملاؤها وتمرير مخالفتهم لقواعد العمل جعلتها تستشيط غضباً وغيرة.. غيرتها ليست عليه كحبيب.. إنما غيرة من أجل الغيرة.. مجرد إشباع غريزي لشئ مختل بداخلها لا أحد يستطيع تفسير كُنهه لذا أعلنت حرب خفية بينها وبين تلك المسكينة لتتخلص منها في أقرب وقت وأول فرصة تتيح لها ذلك.. وأثناء تواجد سيڤدا وداريا بمقهى الشركة المخصص لاستراحة العاملين .. دخلت عليهما متهادية في مشيتها بخيلائها المعتادة.. ترمقهما بنظرات متعالية وتعابير مشمئزة قاصدة استفزازهما.. تأففت سيڤدا من طلتها الغير المحببة قائلة (ها قد جاءت الحرباء)

ردت عليها داريا بضيق (توبة توبة استغفر الله)

_(لماذا تنظر لنا هكذا مثل زوجة والد سندريلا؟)

= (لنأخذ قهوتنا ونعود لمتابعة أعمالنا بعيداً عن وجه البومة هذه)

_(معكِ حق دعيها تأكل نفسها من الغل لعلّها تختفي وتريحنا منها).. قالتها مؤكدة على كلام صديقتها ثم اتجهت نحو البار لتجلب كوبين من القهوة لكنها تفاجأت بهوليا تصطدم بها عن عمد لتتلطخ ملابسها بالمشروب الساخن وبدأت وصلة من السُباب والشتائم اللاذعة على مرأى ومسمع الجميع لدرجة أن سيڤدا وقفت قبالتها فاغرة فاهها ولم تستطع الرد من شدة الصدمة والذهول .. هبت داريا لتدافع عنها هاتفة بغضب (ماذا تفعلين أيتها الوقحة؟)

تخصرت هوليا قائلة بانفعال مغلول (من تنعتين بالوقحة ياقذرة مثل صاحبتك)

لوحت داريا بذراعيها في الهواء هادرة بصوت عالي (القذرة هي التي تفتعل المشاكل مع زملاؤها)

ضحكت هوليا بطريقة مستفزة ثم صفقت بطريقة مسرحية قائلة (براڤو.. أعجبني العرض كثيراً .. لنرى ماذا سيفعل المدير تلك المرة معكما)

خرجت سيڤدا من صدمتها تدفعها في كتفها بعنف قائلة (من تهددين ياحرباء؟)

استغلت هوليا رد فعل سيڤدا وصرخت قائلة (أنجدوني ياعالم واشهدوا أن تلك المتوحشة تتعدى بالضرب عليَّ)

لم تتمالك سيڤدا أعصابها فجذبتها من خصلاتها قائلة (والله لأربيكِ ياقليلة الرباية .. لتقولِ أنني ضربتك بحق) .. تعالت صرخات هوليا أكثر ليتحول المكان إلى ساحة قتال وبالكاد استطاعت داريا فض هذا الاشتباك الغير متوقع وأخذت صديقتها بعيداً عنها.. وبرغم تعرضها للاعتداء البدني إلا أنها كانت سعيدة وشبه متأكدة أن العقوبة التي تنتظر غريمتها ستكون الفصل على أقل تقدير ولتكمل حيلتها اتجهت جرياً نحو مكتب آركان لتستنجد به وتشكو إليه مُسبقاً ..... وبينما كان يجلس خلف مكتبه منهمكاً في متابعة بعض الملفات المتعلقة بالعمل تفاجأ بها تفتح الباب مندفعة إلى الداخل كالسهم بصراخ وعويل غير مفهوم .. اختض آركان مما يحدث ومن منظرها عامةً .. تسمر مكانه للحظة حتى يستوعب الموقف لكنها استمرت في تمثيلتها الخرقاء مما جعله ينهض من مقعده قائلاً بقلق (اهدئي من فضلك .. أنا لا أفهم شئ مما تقولينه)

لوحت بذراعيها في الهواء تهتف بصوت مرتفع (الحقيرة .. الوقحة اعتدت عليَّ بالضرب وأهانتني أمام الموظفين)..ثم تصنعت البكاء مرتمية بين أحضانه متابعة (خذ لي حقي منها يا آركان)

أبعدها عنه قليلاً يدقق النظر في هيئتها الفوضوية وشعرها المشعث قائلاً (أفهميني أولاً ماذا حدث)

بدأت وصلة جديدة من البكاء الزائف.. الممزوج بالشهقات القوية كمن ضُرِبت بالرصاص حتى تثير عطفه قائلة (تلك الفتاة المُسماة بسيڤدا سكبت القهوة فوق ملابسي وعندما حاولت تفاديها قامت بجذبي من شعري وضربتني .. وجميع الموجودين في المقهى يشهدون على فعلتها).. تعجب آركان كثيراً وشعر بشئ غريب في الأمر لأن سيڤدا هادئة جداً ولا تنفعل بسهولة ورأى هذا بنفسه عندما حاولت هوليا استفزازها وكان رد فعلها الابتعاد عنها وكونها تتعدى عليها بالضرب وتصل لحد التشابك بالأيدي ليس له إلا تفسيرين .. إما أن تكون هوليا كاذبة وتتهمها زوراً أو أنها تعرضت لدرجة عالية من إثارة الأعصاب وفي كل الأحوال سيتخذ إجراءً عادلاً لكل الأطراف وسيحاسب المخطئ منذ البداية.. أمسك كفها يحثها على الجلوس محاولاً تهدئتها (توقفي عن البكاء وأنا سأتصرف)

أطاعته وهي مازالت تشهق ببكائها الزائف (ما تعرضت له كان شئ بشع.. أنا مُنهارة داخلياً بشدة.. لن أستطيع النظر في وجه زملائي مجدداً)... ولتتقن تمثيليتها وتثير حنقه تجاهها تعالت شهقاتها ونشيجها أكثر مضيفة بلؤم خفي (وأنت كيف سيحترمك الموظفين بعد إهانة خطيبتك بهذا الشكل المخزي؟) ..لم يكن آركان بالرجل الذي يسهل التلاعب بمشاعره ولأنه يعلم جيداً طبيعتها العدائية وإسلوبها المُتعالي في التعامل مع المحيطين بها بل ومعه شخصياً آثر الصمت والتفكير بحذر دون الإنجراف وراء حديثها .. ناولها كوب من الماء لتشربه كنوع من اللطف ولتكف عن بكائها ثم قال بثبات وهو يخرج من المكتب (انتظريني هنا .. لن أتأخر عليكِ) .. تركها متجهاً نحو المقهى مباشرةً وأول ماطرأ في باله تفريغ الكاميرات الموجودة هناك ووقتها سيحدد من المُذنبة فيهما وبرغم حبه الشديد لسيڤدا لكنه سينحي مشاعره جانباً ويتعامل بمهنية مدير لشركة كبيرة لها احترامها ولا يصح القيام بأعمال الشغب والشجار بين موظفيها...

*************

دخل آركان المقهى بخطوات ثابتة .. يبحث بعينيه عن وردته وللأسف لم يجدها فاتجه نحو غرفة التقنيات والمراقبة يطلب من الفني المُختص تفريغ الكاميرات ليتسطيع حل المشكلة .. سحب كرسي جانبي ثم جلس أمام شاشة العرض والموظف يقوم بتشغيل الڤيديوهات التي تم تسجيلها وقت وقوع المشاجرة.. وبنظرة واحدة أيقن من المذنبة وتأكدت شكوكه.. كل مايراه أمامه مقصود به جرّ سيڤدا لمشكلة كبيرة بدءً من دخول هوليا ونظراتها المشحونة مروراً بالتصادم المُتعمد وسكب القهوة ثم التراشق بالألفاظ والذي كان بدايته من هوليا وأخيراً التشابك بالأيدي والإعتداء البدني وتهويل الموقف بالإضافة إلى لغة الجسد التي وضحت كم الاستفزاز والعدائية في تصرفات خطيبته.. وبعد انتهائه من فحص التسجيلات شكر الرجل ليعود إلى مكتبه وأثناء مروره بالردهة المقابلة لمكاتب الموظفين انتبه لعدم وجود سيڤدا..أحس بالقلق يتملك منه فهو يعلم جيداً مدى هشاشتها ويخاف أن تتصرف بتهور وتؤذي نفسها لكنه مضطر للتعامل بحيادية تامة حتى لا يعرضها للمسائلة القانونية..وأثناء جلوسها واضعة ساق فوق الأخرى بعنجهية .. فخورة بِمَ أنجزته اليوم ومنتظرة نتائجه المُرضية.. دخل عليها بملامح غير مقروءة.. جلس خلف مكتبه يرمقها بنظرات غير راضية يسألها (كيف حالك الآن؟)

ردت عليه عاقدة حاجبيها بحزن مصطنع (وكيف سأكون بعدما تمت إهانتي؟)

شبك أصابعه أمامه قائلاً بلهجة جادة (لقد قمت بتفريغ الكاميرات وشاهدت ماحدث منذ البداية)

سألته رافعة حاجبها لأعلى بتهكم (ماذا تقصد؟)

أجابها بتعابير جامدة (أقصد أنكِ لست بريئة وسيڤدا لم تعتدي عليكِ من تلقاء نفسها.. كما توقعت تماماً)

اشتعلت عينيها وهبت واقفة تصرخ في وجهه (هل ستنصر هذه الحشرة على خطيبتك؟)

هدر بها بتهديد واضح (هوليا.. لا تتخطي حدودك أكثر من ذلك وإلا ستتحولين للتحقيق)

أشارت لنفسها تسأله بعصبية (ستحولني أنا للتحقيق؟.. وهي؟.. ستعطيها وسام الدولة على إهانتها لي؟)

صاح بغضب (تسجيلات الكاميرا تدينك كما تدينها والبادي أظلم)

وقفت تجابهه بعدائية مُفرطة (إذا لم تتصرف وتحاسبها دون المساس بي سأقوم بتصعيد الأمر لرئيس مجلس الإدارة ووقتها سيحولك أنت للتحقيق)

خبط بكفه على المكتب فاقداً أعصابه بسبب طريقتها المستفزة (الكاميرات سجلت كل شئ وستحاسبين مثلها تماماً إذا لم تعتذري وتنهي هذا الهراء بشكل ودي)

رمقته بنظرة مشمئزة ثم قالت (رجل غيرك كان دعم خطيبته ووقف في صفها حتى لو أخطأت لكنك مع الأسف لا تفهم من الأصول شئ)

هب واقفا يبادلها نظراتها بأخرى أكثر نفوراً (أنتِ قليلة الأدب ولا تعرفين كيفية التعامل مع رجل سيصبح زوجك المستقبلي)

اتسعت عينيها قائلة بصدمة (هل شتمتني للتو؟)

_(أجل .. والآن اخرجي دون كلمة زائدة)

خلعت محبس الخِطبة ثم ألقته أمامه قائلة برعونة (حسناً سأخرج من الشركة بأكملها ولن أرتدي هذا المحبس مجدداً إذا لم تفصل سيڤدا عن العمل نزولاً لرغبتي .. ويا إما أنا أو هي..اختار ياسيد آركان) .. أنهت حديثها بتحدي مبالغ فيه وخرجت من المكتب كالقنبلة الموقوتة تجمع متعلقاتها لتغادر الشركة معتقدة بذلك أنها تضعه بين المطرقة والسندان بينما وقف هو مكانه يعض أنامله ندماً على إطاعته لشقيقته والإرتباط بفتاة مثلها .. استهلكته حرفياً واستنزفت صبره القليل وعلاقته بها كانت بمثابة هزة عنيفة لكيانه والموقف يتطلب منه شجاعة لاتخاذ القرار الصحيح ويعيد لنفسه وهجها الضائع .. وبعد دقائق قليلة خرج من المكتب بحثاً عن تلك التي اختفت فجأة ليطمئن قلبه أنها بخير

****************

على صعيد آخر لم تتحمل سيڤدا ماحدث .. أحست بأن شعور القهر والوجع يعيد نفسه بداخلها وقلبها يتقلب ذات الخيبة وذات الخذلان.. كم تمنت أن تموت قبل هذا وتصبح نسياً منسياً لا يذكرها أحد ولا يمس روحها المُتعبة سوء الصقيع.. وللأسف انهارت قشرة القوة التي كانت تغلف بها هشاشتها ولم تعد قادرة على إيواء رميم نفسها.. اتجهت ركضاً نحو دورات المياه المخصصة للموظفات الإناث وأغلقت الباب من الداخل وجلست على الأرضية تضم ركبتيها إلى صدرها تبكي كما لم تبكي من قبل تاركة صديقتها في الخارج ترجوها أن تفتح لها لتطمئن عليها وأثناء بحثه المُضني والمهلك لأعصابه عنها انتبه لوقوف داريا بوجه باكي .. اتجه إليها مُسرعا يسألها بقلق (أين سيڤدا؟)

أشارت للباب أمامها قائلة بحزن (تبكي في الداخل)

تنفس الصعداء قائلاً (عودي لعملك وأنا سأتصرف معها)

قالت داريا بخوف على مصير صديقتها (والله يا سيد آركان سيڤدا لم تُخطئ في شئ.. خطيبتك هي التي افتعلت المشكلة منذ البداية)

ابتسم قائلاً بهدوء (لا تخافي ياعزيزتي.. أنا أعلم كل شئ)

بادلته ابتسامته بأخرى مرتعشة قائلة (حسناً .. سأتركك لعلّك تستطيع إخراجها من هنا)

_(سأستطيع.. لقد فعلتها من قبل) همس بها لنفسه بينما انصرفت هي لعملها .. انتظر اختفائها تماماً ثم طرق الباب بلهفة يناديها (سيڤدا.. افتحي ياحبة قلبي) .. لم يتلقَ إجابة على نداؤه سوى بعض الشهقات المكتومة فنادى عليها ثانيةً بصوت يقطُر حباً (لا تحرميني من ضمك في لحظة ضعفك.. سأموت إن لم احتضنك الآن) .. ساد صمتاً محزوناً بينهما قطعه صوت المفتاح وهو يُدار لتطل من بين دفتي الباب بوجه ملائكي وأنف مُحمر من أثر البكاء قائلة بخفوت (ضمني إليك ياقشة الغريق) .. وبدون مقدمات جذبها لتستقر بين ذراعيه قائلاً (أغمضي عينيك وأريحي رأسك على صدري .. تنفّسي برفق ياوردتي)

أطبقت جفنيها قائلة بوهن (مازلت أرتكب حماقاتي القديمة وأبكي على تكرار ذات الألم ولُدغت من نفس الحزن مرتين.. يبدو أنني لم أتعلم الدرس جيداً يا آركان)

مسد شعرها بحنو بالغ قائلاً (أنتِ لم تخطئي أبداً .. أنا المخطئ .. سامحيني يانور عيوني)

انخرطت في بكاء مرير قائلة (لِمَا جعلتني أعيش نفس الوجع؟)

طبع قبلة عميقة أعلى رأسها قائلاً بندم (أنا أحمق وغبي وحِمار بذيل طويل.. حقك على رأسي والله) ..ضحكت من وسط بكائها .. دوماً يحقق آركان تلك المعادلة الصعبة معها ويخرج الضحكة من بئر دموعها .. أبعدها عنه قليلاً يمسح عينيها حبيبتيه بإبهاميه ثم سألها بمرح (أعجبتك حِمار بذيل طويل؟) ..أومأت إيجاباً ببراءة طفولية فداعب وجنتيها قائلاً (سآكلك يافستق أنتِ) .. أهدته ابتسامة حُلوة جعلته يحتضنها مرة أخرى قائلاً (سأخرج لمرافقة مجموعة من السياح.. تأتي معي؟)

أجابته هامسة برقة (موافقة)

******************

(صهريج البازيليك)

(Yerebatan Sarnıcı)

خزان البازيليك الأرضي أو حوض الكاتدرائية أو القصر المغمور جميعها أسامي لواحد من أهم المعالم السياحية في تركيا .. هذا المعلم الأثري الذي يعود بناءه لعهد الإمبراطور البيزنطي چستنيان الأول تحديداً في القرن السادس الميلادي عام 527
ليكون من أكبر الخزانات والصهاريج العملاقة التي حُفِرت في قعر الأرض لحفظ مياه الأمطار والاستفادة منها في سنوات القحط العجاف بإسطنبول .. يقع على بعد 150 م من الجنوب الغربي لمتحف آيا صوفيا وتبلغ مساحته 9.800 متر مربع..استمد هذا الهيكل الجوفي إسمه من ساحة عامة كبيرة كانت تقع بالهضبة الأولى في القسطنطينية وهي بازيليكا ستوا والتي شيدت تحت الأرض بالأصل قبل أن يتم تحويلها إلى خزان يحتوي على نظام حفظ وتنقية للمياه واستمر في توفيرها لقصر توبكابي بعد العهد العثماني عام 1453 وحتى العصر الحديث إلى أن تم اعتماده رسمياً كمتحف وهو عبارة عن غرفة صغيرة تنقلك إلى عالم من الغموض والأجواء المليئة بالمتعة ..يشبه في منظره غابة من الأعمدة حيث يتألف من 336 عمود مصطفين جنباً إلى جنب ..سقفه مبني من القرميد وعقده القنطري متقاطع .. تتوزع الأضواء في أطرافه لتضفي عليه نوعاً من الرومانسية الهادئة .. تغمر المياه حوالي نصف متر من أرضيته لتشكل بركة كبيرة تستطيعون رؤية اسماك الكاربا وهي تسبح فيها بكل وضوح كما تمتد داخله الجسور كممرات طويلة لتسهيل عملية تجول الزوار فيه ..اشتُهر صهريج البازيليك بألغازه وأساطيره حيث توجد به رأس (ميدوسا) إلهة الحكمة والثعابين الأمازيغية التى كانت تحول كل من ينظر لعينيها إلى حجر.. بالإضافة إلى وجود عمود الأمنيات الشهير أو كما يُعرف بإسم "عمود الراغبين" وبالتركية (Dilek sütun) وتقول الأسطورة أن ذلك العمود ينضح نوعًا من السوائل الشافية لدرجة أن الإمبراطور چستنيان كان يتجول ذات مرة في المبنى بصداع شديد وألقى رأسه عليه وبعد فترة من الوقت الصداع قد اختفى .. يُذكر أن صهريج البازيليك قام باستضافة العديد من الفعاليات الفنية كالحفلات والأفلام كما تم ذكره في بعض الروايات إلى جانب زيارة العديد من الشخصيات المشهورة فنياً وسياسياً إليه ويقع الآن بمنطقة الفاتح في ميدان السلطان أحمد وعلى مقربة من متحف آيا صوفيا في القسم الأوروبي من مدينة إسطنبول التركية...
_ (هنا تستطيعون يا أصدقاء تمني أي أمنية تخطر ببالكم.. الأسطورة تقول أنها ستتحقق).. قالها آركان وهو يقف أمام عمود الأمنيات بابتسامة مُشرقة موجهاً حديثه إلى الفوج الأجنبي بينما اختارت سيڤدا موقعاً بعيد نسبياً لتراقبه أثناء تأدية عمله لأول مرة ففي المرات السابقة كانت وحدها فوجه وكان لها خير دليل .. اقترب منها ثم أمسك كفها قائلاً بحُب (تعالي لنتمنى أمنية سوياً)

أطاعته تسأله بهدوء (هل تصدق هذه الخرافات؟)

أجابها بنظرات عاشقة (أنا لم أصدق سوى خرافة واحدة في حياتي وسأقف الآن أمام عمود الأمنيات لأتمناها على عكس عقيدتي ومذهبي) .. توردت وجنتيها خجلاً ولم ترد ووقفت بجواره مغمضة عينيها وكأنها تستمع لقطرات العشق المتواترة وهي تعبر من دمائه لتشق أوردتها وتختلط بدمائها وكانت أمنيتها أن يستريح قلبها المُتعب .. وبعد دقائق قليلة خرجا سوياً من الصهريج متشابكي الأيدي والصمت يخيم عليهما .. يسيران بوزن أخف من ريش الفراشات.. وتحضن تنهداتهم الأشجار والرياح بعبق عشقٍ يدق على باب الحنين .. هكذا الأنقياء حينما يحبون .. يرسمون الكون حولهم بألوان الدهشة ويبدعون في نسج بدلة الجمال بأوتار من أرواحهم و يعطون بلا مقابل ولا يأخذون إلا ملح الفراق .. وأثناء سيرهما الهادئ رُفِع آذان صلاة العصر من مسجد آيا صوفيا المجاور للقصر المغمور فنظر آركان إليها قائلاً (سأدخل المسجد للصلاة.. انتظريني قليلاً) ..

**************

(آيا صوفيا)

(Ayasofya)

المبنى الذي حيّر الحُكام والمؤرخون ففي عام 532م أمر الإمبراطور چستنيان الذي كان يعيش آنذاك في القسطنطينية ببناء كنيسة صخمة "ليس لها مثيل منذ خلق آدم ولا شبيه في قادم الزمن" على أنقاض كنيسة أقدم منها أقامها الإمبراطور قسطنطين العظيم.. استثمر حوالي 150 طناً من الذهب ليقيمها ..وشارك في تشييدها 10 آلاف عامل وتم افتتاحها بعد خمس سنوات في عام 537م كأكبر كاتدرائية في العالم حينها وظلت تعمل كمقر لبطريرك الأرثوذكس اليونانيين حيث كانت مكان إقامة معظم الطقوس الدينية على مدار ألف عام كما تم تتويج جميع الحكام البيزنطيين بها.. (آيا صوفيا) تعني "الحكمة المقدسة".. ويُحكى أن الإمبراطور خصصها للقديسة صوفيا القبطية والتي كانت وثنية لكنها تعلمت المسيحية على يد جيرانها وآمنت بها وتم تعميدها من أسقف (منف) .. واستَشهِدت فى مصر وإحدى جاراتها أخذت جثمانها للتبرك به ويُشاع أنه حدث لها بفضله العديد من المعجزات لكن الإمبراطور قسطنطين أمر بإحضار الجثمان للقسطنطينة وقام ببناء كاتدرائية كبيرة تيمناً بها لذلك أطلق عليها الفرنسيون (Saint Sophie) أي القديسة صوفيا.. وفي عام 1453م تحولت إلى مسجد بعدما سيطرت الدولة العثمانية على إسطنبول حيث اعتبر السلطان محمد الفاتح تحويل الكنيسة إلى مسجد رمزا لانتصاره على الدولة البيزنطية وأنشأ لها قبة ضخمة وأحاطها بأربعة مآذن وعملت كمسجد لمدة 480 عاما قبل تحويلها إلى متحف بين عامى 1930 - 1935 .. وفي عام 1985 أعلنت اليونسكو المبنى كأحد مواقع التراث الإنساني حتى قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتحويلها مرة أخرى إلى مسجد وأقام أول صلاة جمعة بها في (24 يوليو 2020)... جمعت (آيا صوفيا) بين جدرانها البالغة من العمر 1500 عام توليفة ثقافية من فن العمارة الرومانى والشرق أوسطى والآسيوى وأسلوب عمارة بلاد ما بين النهرين... ولوحات الفسيفساء الرائعة المعروضة على جدار الرواق الجنوبي مازالت واضحة وحتى وإن لم تكن كاملة.... أنهى آركان صلاته ولم ينسَ أن يضم وردته في دعائه ثم خرج من المسجد يبحث عنها لكنها فاجأته باختفائها ظل يدور حول نفسه كالمجنون يشعر بقلبه تحول إلى تيه بلا منارات ولا خطوط ولجزء من الثانية اختل توازنه ومنطق أبجدياته الصامتة ليحل محلها ضباب كثيف حجب رؤيته بهيئة غلالة دموع وخزت جفنيه وللمرة الألف يلعن غباؤه لأنه لم يسجل رقم هاتفها.. وفي خضم معركته مع ذاته المُعذبة أفاق من غمرة ارتباكه على اتصال من والدته.. أجابها بصوت مرتجف فآتاه الرد حانقاً وعلى مايبدو أن هوليا لجأت إليها كوسيلة للضغط عليها..

- (حاول أن تحل المشكلة ياولدي وراضي خطيبتك).. قالتها الأم بتشجيع غير مدركة لمدى زوغان عينيه في تلك اللحظة .. صمت لثواني يستجمع شتات أفكاره ثم قال متصنعاً الثبات (لا تقلقي يا أمي سأحلها إن شاء الله) .. أغلق الخط بأصابع مرتعشة وقرر ألا يكون الطرف الخاسر في علاقة لم تجلب لروحه إلا الإنطفاء والآن حان وقت وضع الحد الذي كان يجب أن يوضع منذ البداية

***************

النسيان لا يأتي إلا دفعة واحدة وكل التفاتة لتفقد ماتركناه خلف ظهورنا محاولة يائسة للبقاء تَجُرّنا إلى نقطة الصفر حيث لا نملك أجوبة لأسئلتنا العصية على الفهم والانسحاب من المعركة بدون إثارة الفوضى ولا إراقة نقطة ندم فوز عظيم يستحق جهد مضني لتسعيد الروح المهجورة بالبريق سلامها المفقود .. وصل آركان بسيارته أمام منزل هوليا عاقداً النية على بتر أطراف النزاع بكل مايمتلك من شجاعة.. استقبلته والدتها بملامح مستاءة غير عابئة بكونه ضيف يجب إكرامه لكنه لم يكترث .. الأمر برُمته سينتهي خلال دقائق .. جلس بهدوء ينتظر قدوم خطيبته المصونة والجوهرة المكنونة السيدة هوليا حفظها الله ورعاها من شرور نفسها وسيئات أعمالها.. أقبلت عليه بتعابير متعالية كعادتها ووقفت قبالته مُكتفة ذراعيها حول صدرها وبالكاد ألقت التحية من طرف أنفها ثم سألته بتهكم (عساه خيراً يا سيد آركان.. لتوِّك تذكرت أن لديك خطيبة غاضبة منك؟)

أشار لها أن تقترب لتجلس بجواره قائلاً (اجلسي من فضلك.. أود الحديث معكِ في موضوع هام)

امتثلت لطلبه بإذعان شديد قائلة بطريقة مستفزة (هل نفذت ما أمرتك به؟)

أجابها مبتسماً (بل فعلت الأفضل منه).. انتبهت إليه وعلامات الفضول تظهر جلياً على ملامحها فأمسك كفها قائلاً (لقد اتخذت قراراً سيرضي جميع الأطراف وأتمنى أن تتفهميه) .. سكت هُنيهة ثم تابع بجدية (أنا قدمت استقالتي من الشركة وأنتِ أيضاً ستستقيلين ولنبدء حياتنا في عمل آخر)

هبت كالملسوعة تهتف بحدة (أنت مجنون؟..كيف تتخذ قراراً مهماً كهذا دون أخذ موافقتي؟)

نهض من مقعده ليقف قبالتها قائلة بلامبالاة زائفة (الوظيفة ستُعوض لكن زواجنا لن يُعوض)

لوحت بذراعها في الهواء قائلة بوقاحة (الوظيفة تلك هي التي تعطيك قيمة وأنت بدونها لا شئ وقرارك التافة هذا ستعدل عنه إذا كنت تريد إتمام زواجنا)

ضحك ملأ فمه ثم خلع محبس الخِطبة ليضعه في كفها قائلاً (لم تخيبي ظني فيكِ ولو لمرة واحدة منذ عرفتك ياحُلوتي)

_(ماذا تقصد؟)

=(أقصد أنكِ أسوء شئ ممكن أن يحدث لرجل على الإطلاق وأنا لن أستطيع التضحية بنفسي من أجل فتاة مثلك)

فغرت شفتيها بصدمة وقبل أن ترد باغتها قائلاً بقسوة تعمدها (إنسانة أنانية ومستغلة ولا أحد يحبك .. هل كنتِ تنتظرين مني الحب؟)

سألته بنبرة مهتزة (ألم تحبني؟)

هدر بها بعذاب (Hayır yapamam) .. (كلّا لم أستطع)

همست بخفوت (آركان..).. قاطعها بصوت عالي (آركان كره حياته بسببك.. أنتِ عبأ ثقيل .. ثقيل ياهوليا.. أتعبتيني وأطفأتِ روحي)

حاولت قلب دفة الحوار وتحميل الخطأ على شخص آخر كعادتها قائلة بغضب (كل هذا بسبب سيڤدا؟.. تتخلى عني وتنهي علاقتنا بسبب موظفة تعينت حديثاً ؟..ألهذه الدرجة لا تستطيع الاستغناء عنها؟.. إذا كنت تحبها أخبرني ولا تتواقح)

_ (أجل .. أحبها) .. قالها بصدق وإقرار كالحقيقة فردت عليه شاهقة بصدمة (آه يا عديم الشرف .. يا خائن)

أكد على كلامها قائلاً بتحدي (أنتِ محقة لكنني خونتها هي .. أنا أحب سيڤدا من قبل خِطبتنا وظهورها في حياتي فجأة بعد غيابها الغير مقصود أحيا قلبي من جديد.. والآن أصحح الوضع لأعود لحبيبتي التي تعمدتي إهانتها وتطلبين فصلها من العمل وللأسف سأختارها هي) .. أنهى حديثه بنظرة جادة واستدار ليغادر لكنها قذفته بأحد الوسائد الموضوعة فوق الأريكة صارخة (ياحقير .. ياقذر).. توقف بعدما نعتته بتلك الصفات التي لم تكن أبداً فيه ينظر إليها قائلاً بجمود (بالمناسبة أنا لم أقدم استقالتي وبصفتي مديرك في العمل أنتِ مْحولة للتحقيق) .. قذف كلماته في وجهها المشتعل بنيران الغضب ثم انصرف سريعاً وهو أكثر من راضي عن نفسه يكفيه أنه حاول حتى آخر رمق ألا يظلمها لكنه وبعد طول عناء أدرك مدى غبائه.. والآن يجدر به البحث عن حبيبته الحقيقية ليعوض جفاء أيامهما الماضية.. قاد سيارته يعبر ليل مدينتهما الطويل ونسمات الهواء المُخضبة بأنفاسها تخبره أنها لم تبتعد عن ساحلهما .. ساحل الحب والفراق ..الساحل الذي يحمل أسرار العاشقين.. ساحل أسكودار

**************

في نفس نقطة اللقاء كانت تقف أمام مياه المضيق كحفنة خفيفة من القُطن تتوسلها أن تمنحها موتا مؤجلاً وتضعها في أحد جيوب أمواجها السرية لترتاح وينساها هذا العالم الذي أصبح يهوى تلوين تربته بدموعها .. تتمنى لو تعبر نحو الطرف الآخر من العمر بسرعة البرق على هيئة دخان يتلاشى بين أحضان الغيوم وتسقط من السماء كنُدف المطر وتجف وترحل بسلام.. لا تريد قشة الغريق وياليتها ما استجابت لطوق النجاة وحياتها بكل ضجيجها وتفاصيلها التافهة لم تعد تعنيها مطلقاً وأثناء وقفتها على حافة الإنهيار كترنيمة هاربة من سيمفونية قُدّاس الموت للمرة الثانية انتبهت ليد تجذبها وشفتين تخطفان قبلتهما الأولى..تجمدت للحظة لكنها تشبثت به وكأنه آخر عالمها ومنتهاه لكنه لم يفلتها إلا بعد وقت طويل من الشكوى والأنين قائلاً بصوت يرتجف عشقاً (ماذا تفعلين أيتها الحمقاء؟)

أسندت جبينها على جبينه قائلة (وما شأنك أنت؟)

رد عليها بنبرة والهة (شأني شأنكِ .. أنا مملوء بكِ من القدم حتى الرأس) .. أنهى كلماته بقبلة أخرى تحمل اعترافاً سخياً بالحب ثم قال بتنهيدة عميقة

(seni çok seviyorum,çok ruhum)
_ (أنا أحبك كثيراً .. كثيراً ياروحي)

سألته بحزن (وهوليا؟)

أجابها وهو يضم رأسها لصدره (هوليا لم تعد موجودة ولم تكن موجودة من الأساس).. صمت لثواني يستجمع بها رباطة جأشه ثم أردف بندم (كانت غلطة دفعت ثمنها غالياً وأغلقت صفحتها منذ قليل لأعود إليكِ مُثقلاً بحبي لكِ)

أغمضت عينيها متسائلة بهدوء (ومن أين علمت بمكاني؟)

أجابها مبتسماً (كنت أبحث عنكِ بطول الساحل جيئةً وذهاباً حتى وجدتك واقفة في نفس النقطة التي التقينا بها)

همست له برقة (آركان.. أنا لا أحلم؟)

ضحك بخفة قائلاً (كلّا ياحبة قلبي)

رفعت أنظارها إليه قائلة ببراءة (Ben de seni çok seviyorum)

_ (وأنا أيضاً أحبك كثيراً) .. كان ألطف إعترافاً بالحب شهده ساحل أسكودار منذ نشأة الدولة التركية فحملها يدور بها قائلاً بسعادة (Benimle hemen evlen)
_ (تزوجيني بسرعة)

ردت عليه ضاحكة (Seninle evleneceğim, ey saman çöpü)

_(سأتزوجك ياقشة الغريق)

أنزلها برفق لتلامس قدميها الأرض قائلاً (احكي لي أولاً ماذا فعلتِ مع تشانير؟).. بدأت في سرد كل الأحداث الماضية ولم تترك تفصيلة واحدة بينما كان هو يستمع إليها بفخر لأنها لم تتوانى في إيذاء من آذاها ولو كان الأمر بيده لذهب إليه وسحق رأسه تحت أقدامه فما عاش ولا كان من يحزن وردته..
_ (أحسنتِ ياحبيبتي) .. قالها بابتسامة عذبة لتبادله ابتسامته بأخرى تقطُر عسلاً قائلة (طفلتك أصبحت قوية) .. فداعب وجنتها بأطراف أنامله قائلاً (سآكلك يافستق أنتِ)..ثم أحاط كتفها بذراعه ليحثها على السير نحو السيارة قائلاً بمزاح (بالمناسبة طريقة جذبك لخصلات هوليا كانت احترافية)

صكت أسنانها بغيظ (لقد انقذوا رأسها مني بالقوة)

استقل سيارته ضاحكاً (رائع جداً وستكونين أروع عندما تُعرضين غداً على الشئون القانونية)

ركبت بجواره قائلة بعدم اكتراث (لا يهم حتى لو فُصِلت من العمل سأكون حققت أمنيتي)

أدار مُحرك السيارة لينطلقا قائلاً (صدقيني إنها أمنية موظفي الشركة جميعاً) .. تعالت ضحكاتها بشكل مُبهج فلك أن تتخيل الوردة حينما تضحك بينما هو ظل ينظر إليها كمعجزة وآه لو تدري كم يحبها؟!.. وكيف خطفته من ألوانه وهواء بالوناته لتخبئه في مدن عينيها؟.. إنها إمرأته الاستثنائية ودهشته والآتي الذي لم يكن في انتظاره وضيفته الجميلة المُرحب بها دوماً

********************

الأبيض يجلس كملاك طاهر في حديقة الألوان الفسيحة .. طيف شريف يتجسد بين موجاته المُحايدة عذرية ونقاء العفيفات المصونات.. هو مصدر البراءة والاتساع.. ووحي التجدد والإشراق .. الأبيض أنشودة السلام المَرجوة وخُطبة الكمال الوجودية ووسادة الطمأنينة المَزهوة بالأمل .. الأبيض لون يحبه الله ورسوله الكريم .. فتجد الحجيج يفيضون من كل فج عميق مُلتحفين بالأبيض ومُصلين الجمعة ينتشرون في الأرض لتأدية شعائرهم كزهر أبيض منثور .. حتّى بعد انقضاء الأجل يقابل العبد ربه بقماش أبيض .. وما أجمل الأبيض حينما ترتديه حبيبتك كفستان يكلل قصتكم الجميلة بالزفاف.. في حديقة أميرچان المكسوة بأثواب الخُزامى والتيوليب الفاتنة
كان فستانها الأبيض الرقيق يطير حولها كالفراشة ويقف هو أمامها بكل مايليق به من انبهار.. يطالع زينتها الخارقة لقوانين الجمال وقلبه كشعلةُ نار تلعبُ بمزاج الجهات
وصوت موظف البلدية المُكلف بعقد قرانهما يتخلل مسامع الحضور بالجملة التقليدية الشهيرة
(Arkan Yıldız ile tamamen evlenmeyi kabul ediyor musun?)
_ (هل تقبلين الزواج من آركان يلديز بكامل إرادتك؟) ..

ليعلو هتافها وهي تجيب بفرحة عارمة (Evet)..
_ (أجل)

(Kararınıza göre ve Belediye Komiseri sıfatıyla sizi karı koca ilan etmek)

_(إذن لأعلنكما زوج وزوجة بموجب قراركما وبصفتي مفوض البلدية في هذا الشأن).. قالها الرجل وهو يسلمهما بطاقات الزواج وسط صيحات الأصدقاء الفَرحين لأجلهما ودعوات الأهل بدوام السعادة عليهما بينما احتضنها آركان ليحملها ويدور بها وكأنها أقوى انتصاراته.. أنزلها برفق لتلامس أقدامها الأرض كريشة طاووس خفيفة يسألها بأعين عاشقة (هل ذهبتِ إلى حمام تشمبرلي تاش؟)

طوقت رقبته بذراعيها قائلة بابتسامة حُلوة (لماذا تسأل؟)

بادلها ابتسامتها بأخرى أكثر حباً مُسلطاً أنظاره على وجهها الجميل (رائحتك تفوح مثل المسك ياعروس قلبي) .. تضرجت وجنتيها بحمرة خجل لذيذة فتابع بسعادة لا يمكن وصفها (أحضرت لكِ هدية ستعجبك كثيراً).. تناول عُلبة مخملية حمراء متوسطة الحجم موضوعة فوق طاولة عقد القران ثم أعطاها لها قائلاً (افتحيها)

أخذتها سيڤدا منه لتفتحها بترقب فوجدت بها عصفورتي الأوبال التي أهدتها له ملفوفة بوشاحها الوردي .. فغرت شفتيها بانبهار ومفاجئة قائلة (لقد بحثت عن هذا الوشاح كثيراً وحزنت لأنني فقدته)

رفع كفها عند شفتيه يقبل ظاهره قائلاً (أنا وجدته وأخذته ليؤنسني في غيابك وتلك هديتك التي أوصيتيني أن أعطيها لحبيبتي .. وها أنا أعطيها لكِ لأنكِ وحدك حبيبتي ونور عيوني)

احتضنته بحب قائلة (أنت أجمل شئ حدث لي على الأطلاق)

شدد عناقها قائلاً (أحبك كثيراً)

ابتعدت عنه برفق فسألها بتذمر طفولي (لماذا تبتعدين؟) ..

ردت عليه بمرح (سألقي باقة الزهور على صديقاتي) .. وبالفعل اتجهت نحو مجموعة الفتيات الواقفات في انتظار تلك اللحظة لتستدير وتقوم برفع الباقة عالياً ثم ألقتها لتسقط فوق رأس داريا.. تهللت كثيراً واحتضنتها قائلة (العُقبى لكِ ياعزيزتي؟)

ابتسمت داريا وهي تنظر إلى باريش الذي كان يقف بعيداً يبادلها ابتسامتها بإعجاب واضح (قريباً إن شاء الله).. وفجأة ارتفع صوت الموسيقى ليلتف الجميع حول العروسين راقصين على إحدى أغنيات Buray اللطيفة

Tesadüf mü nüksetti aşk ellerinde
هل هي صدفة أن يعود الحب إلى يدي من جديد؟
Damlar durur kaçınılmaz yaz yağmuru
أمطار الصيف تهطل بلا توقف ولا مفر منها
Çok ıslandım üşüyorum, gözlerinden
أنا بارد ورطب جداً أمام عيونك
Zora ki bi sevda da
كم هو صعب هذا الحب
Çaresiz sırılsıklam
أنا بارد وعاجز
Geçmişi sorma yine zora koyma
لا تسألني عن الماضي وتصعبها علي من جديد
Beni bugünümle sev
أحبني في يومي هذا
Her yanım aşktan hadi en baştan
كل جزء مني هو من الحب هيا أحبني من البداية
Beni bütünüyle sev
أحبني بكاملي
Davetsiz misafirim
أنا ضيف بلا دعوة
İçimdeki aşk esir almadan durmalıyım
علي الوقوف قبل أن يأسرني العشق بداخلي
Gülümse hadi karanlıklardan çıkmalıyım
هيا أبتسم لتخرجني من الظلمات
Kime niyetin
على من نيتك؟
ben kısmetin olmalıyım
أنا من يجب أن يكون قسمتك
Ooo deli bir yaz yağmuru sevda
وحبي كمطر صيفي مجنون

(Yazar Nelly Al-Attar ile başka bir yolculukta görüşmek üzere arkadaşlar, unutmayın ki bu romana önceki romanlarımda yaptığım gibi aşırı dozda sıkıntı eklemedim,Kitleleri sayın 😂)

(إلى اللقاء في رحلة أخرى مع الكاتبة نيللي العطار وتذكروا يا أصدقاء أنني لم أضف جرعات نكد زائدة في هذه الرواية كما فعلت في رواياتي السابقة، عدوا الجمايل 😂)

**********

ساحل أسكودار
من 19/8/2020
إلى 3/2/2021

************

تمت بحمدالله

Continue Reading

You'll Also Like

46.8K 3.9K 37
يحكى أن في قديم الزمان رواية جامدة هيحب فيها "اللورد روبن ابن اسمهان " الفقيرة نورهان نورهان بنت ذكية جداً بتتعرض للتنمر والتريقة من اصحابها والمجتمع...
1.4M 132K 38
في وسط دهليز معتم يولد شخصًا قاتم قوي جبارً بارد يوجد بداخل قلبهُ شرارةًُ مُنيرة هل ستصبح الشرارة نارًا تحرق الجميع أم ستبرد وتنطفئ ماذا لو تلون الأ...
2.1K 117 4
قبل مئات السنين والعصور يوجد عصر يتميز بالسحر والتعاويذ من بين ثلاث ممالك ضخام تمتلك كلاً منها قدراتها الخاصه التى يستخدمونها فى تدريب الأشخاص ذوى...
7.5K 327 11
قصة أميرة وقرصان، وملك غدر بها، وبحر تلقفها، ورياح ألقتها بعيدا، وحرب ضروس وجدت نفسها بها، ولؤلؤة سرقت منها وتود استعادتها، وعيون قراصنة تراقبها لي...