مذكرات مراهقة (الكتاب الأول)...

By lunanadaxx

357K 26.2K 15.7K

مَن تلك الغبية التي قد تفكّر في الزواج من ابن عمها أو حتى الوقوع في حبه؟ زواج الأقارب لا يفلح، لا ينجح، لا يك... More

تنويه.
|١| الوقح.
|٢| والدة الوقح.
|٣| عنب بلدي.
|٤| مايوه قطعتين.
|٥| بابا أنا جعانة.
|٦| بدو يچوزني!
|٧| أنا آسفة.
|٨| ذوقه حلو!
|٩| نلعب لعبة الصراحة.
|١٠| اشبكها بدبلة.
|١١| ما مشكلة هذا اليوم؟
|١٢| بتاكل بيتزا زي ما أنت شايف.
|١٣| والأقربون بالمعروف.
|١٤| كسرتُ شيئًا ثمينًا به.
|١٥| تلك الحية الخبيثة!
|١٦| بنات مفاعيص.
|١٧| السيدة خالد محمود.
|١٨| لقد وقعتُ بالفخ.
|١٩| أهلًا وسهلًا بالقواعد.
|٢٠| حفيدٌ جديدٌ للعائلة.
|٢١| بربريّ متوحش.
|٢٢| هذه البداية فقط.
|٢٣| يجب أن أطلب الطلاق منه!
|٢٥| داديز القبو.
|٢٦| كوزمو و واندا.
|٢٧| مازن!
|٢٨| امسحي دموعكِ.
|٢٩| علامات ملكيته.
|٣٠| العار!
|٣١| لن يستطيع الإنجاب أبدًا.
|٣٢| ستقتل الجدة حفيدها.
|٣٣| عقد حياة سعيدة لخالد وندى.
|٣٤| مشاعري تجاه مازن!
|٣٥| مَن يكون زوجي هذا؟
|٣٦| ألم الخيانة أم الألم الجسدي؟
|٣٧| زوجي الخائن. - النهاية ١.
|٣٨| سارق القلوب - النهاية ٢.
|٣٩| غولي الجميل - النهاية ٣.
|٤٠| النهاية.😭
كواليس مذكرات مراهقة.
الجزء الثالث.
الجزء الثاني.
|١| مشهدٌ إضافيّ - ريم عامر.
|٢| مشهدٌ إضافيّ - ليندا.
|٣| مشهدٌ إضافيّ - هدى الديب.
|٤| مشهدٌ إضافيّ - سحر عصام.
|٥| مشهدٌ إضافيّ - منى إبراهيم.
|٦| مشهدٌ إضافيّ - آية محمد.
|٧| مشهدٌ إضافيّ - ميران وائل.
الجزء الرابع

|٢٤| لا ينسى خالد شيئًا.

6.7K 542 153
By lunanadaxx

- الثامن من سبتمبر عام ٢٠١٧.
- الرابعة وعشرون دقيقة عصرًا.

هل قلت من قبل أنّ حظي سيء؟

حتى وإن قلتُ فدعوني أكرّرها وبأعلى صوتي. إن كان هناك سوء حظٍ فأنا أمتلكه جميعه.

يا الله أعلم أنني غبيّة متهوّرة ولا ألتزم بالصلاة في أوقاتها وأحيانًا يغلبني شيطاني وأتعمّد تركها، أسمع أقذر الأغاني الأجنبية، لا أغيّر القناة عندما يأتي المشهد الذي يُقبِّل فيه البطل البطلة، أعشق شخصًا يدعى زين مالك ارتدَّ عن دين الإسلام وجعل جلد جسده مليئًا بالوشوم، لا أساعد والدتي في أعمال المنزل وأقول لها أُوفًا كثيرًا، أثير غضب والدي واستفزازه لأضحك عندما يسبُّني بـ'بنت الكلب' وهو يسبُّ نفسه، أريد قتل جدي وأسخر من قِصر قامة جدتي، أضرب أمير ابن عمي لأنه مُصابٌ بالتوحُّد ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، أسرق مصروف شقيقتي الصغرى وأخدعها بأنّ سلحفاتي أكلته، أتنمر على كل مَن أراه يسير في الشارع، وأخيرًا وقعتُ في حب خالد مخدوعةً.

ولكن هذه الأمور لا تجعلني أستحق أن تحدث لي هذه المواقف السيئة التي تثير رغبتي في البكاء حتى تجف دموعي.

على مَن أكذب؟

أنا شيطانة صغيرة ينقصني قرنان وأُتوّج ليليث.

ولكن.. رغم كل هذه الأمور السيئة بي وأفعلها، هل أستحق جدي من أمامي أنتظر ردّ فعله بعد أن يعلم مَن هو أمجد، وجانب جدي أمجد نفسه، وجانبي أنا تنين مجنّح أسمع صوت أنفاسه الثائرة من موقعي هذا، هل أستحق هذا يا الله؟

كنت بين نارين، التفتُّ أنظر لأولهما جانبي، فوجدتُ خالد ينظر لأمجد وعيناه تشتعلان حتى كاد اللون الأخضر بهما يتحوّل زيتونيًا. وجديًا وأعترف.. لمْ أكن خائفةً من رد فعل جدي بقدر خوفي من رد فعل خالد. وهذا الأمر.. هذا الأمر زاد ارتعابي.

لمَ أخافه؟ لمَ أخاف غضبه لهذه الدرجة؟ لمَ أصبحتُ أبالي له لهذه الدرجة؟

«خير يا ولاد واقفين هنا ليه؟»

تحدّث جدي متسائلًا يقطع سلسلة أفكاري المرتعبة من ردّ فعل خالد، فنظرتُ له بتوترٍ وأنا على وشك الوقوع من ارتجاف ساقيّ توترًا من أن تفضحني تلك العادة الشهرية أمامهم جميعًا. كل ما أردتُه في هذه اللحظة هو الصعود لشقتنا والركض لدورة المياه.

ولكن.. كيف أركض وقدمي مكسورة مجبَّرة؟ كيف أركض وخالد جانبي ثائرًا ترتجف يداه الحاملتان لحقائب مشترياتي بسبب كتمه لغضبه وامتناعه عن الانقضاض على أمجد ولكمِه حتى تنزف كل خليّةٍ بوجهه؟ كيف أركض وجدي يقف أمامي ملقيًا سؤاله وعيناه عليّ وكأنه يطلب تفسيرًا مني وليس من سواي؟ كيف أركض؟

شعرتُ بالدموع بالقرب من مقلتيّ وأجزم أن عدستيّ اتخذتا لونهما الأحمر كاتمةً رغبتي في البكاء. ولكنّني ارتجفتُ حينما شعرتُ بضربةٍ خفيفةٍ من قدم خالد على الجزء السليم من ساقي جانبه.

أدرتُ رأسي أنظر له بعينين متسعتين نسبيًا. ابتعلتُ لعابي لرؤيتي ذلك الغضب الذي تخيلته وبدرجةٍ أسوأ في نظراته وملامحه حتى تحدّث بهدوءٍ يأمرني، ويبدو أنه يكافح حقًا كي لا ينفجر:

«خدي صاحبتك واطلعي شقتكم يلا!»

على الرغم من رهبتي وتوتري من كامل الموقف، ولكنني أردتُ الارتماء بعناقه شاكرةً. توقعتُ أنه فعل ذلك فقط لأنه يعلم ما أعاني منه الآن داخليًا. ولمْ أسمح لنفسي بالتفكير أكثر في أي شيءٍ، فأومأتُ له وتحرّكتُ ناظرةً لتلك الحمقاء المُسمّاة شروق بحدةٍ. فرفعتْ حاجبها ولكنّ ملامحها توترت فجأةً تنظر لخالد حينما ناداها ولا أعلم كيف علم اسمها حتى يعطيها الحقائب يأمرها هي الأخرى:

«خدي ندى واطلعوا فوق!»

أومأتُ له شروق نفس إيماءتي، واقتربتْ تأخذ الحقائب منه بأطراف أصابعها كي لا تتلامس يداها مع يديه. ثم اقتربت تحاول مساعدتي على السير والموازنة في حمل الحقائب.

وخلال دقيقتين كنتُ معها أصعد الدَرج للطابق الثاني أسبُّها بأبشع الألفاظ التي أعرفها، حتى وقفتُ معها على الدَرج بين الطابق الأول والثاني أحاول التقاط أنفاسي مع صعودي المُعاق بقدمي المُعاقة هذه. نظرتُ لها بحدةٍ لأصفع رأسها بكلتا يديّ عدة مرات حتى أسقطتْ الحقائب من يديها تحاول إمساك يديّ هاتفةّ:

«إيه يا بنتي في إيه؟ دماغي وجعتني وإيديكِ تقيلة يا متخلفة.»

توقفتُ عن ضربها أناظرها بحدةٍ لأجيبها بنفس صوتها العالي:

«أنتِ جايبة الواد دا وجاية هنا ليه؟ أنتِ عبيطة يا بنتي؟ عبيطة يعني وعايزانا نعالجك؟ لو عايزة تتعالجي قولي نلحقك؟ مش أنتِ عاغفة إن في حقد وكغه (كره) بين خالد وأمجد؟ جايباه وجاية ليه يا عجل البحغ (البحر)؟ ليه؟ ليه؟ ليه؟»

عدتُ لضرب رأسها بينما أصيح مكررةً سؤالي الأخير حتى بدأت تضربني هي الأخرى على رأسي بقوةٍ، ولكنني صرختُ متأوهةً حينما ضربت الجُرح المُقطّب في رأسي، فتوقّفتْ مصدومةً ترتفع على أصابع قدميها حتى تصل لطولي متفحّصةً رأسي وشعري تعتذر:

«آسفة والله آسفة نسيت الخياطة في راسك. بس أنتِ الغبية وبدأتِ الضرب وأنا مش فاهمة حاجة. وكمان أنا المفروض اللي أضربك وأعاتبك علشان تفاجئينا بخطوبتك قبلها بيوم ونيجي نلاقيها كتب كتاب مش خطوبة. جيبتوا عيال ولا لسه؟»

«مش ناقصاكِ والله، يلا بس نطلع أبوس إيدك بدل ما يحصل حاجات مش لطيفة هنا.»

«حاجات إيه؟»

«هقول لك لما تكبغي (تكبري).»

رددتُها مجعّدةً ملامحي والألم أسفل بطني بدأ يعود وبشكلٍ أقوى حتى لمْ أعد أستطيع السيطرة على وقوفي حتى. فرأيتُ رفعة حاجبها المشهورة بها لأتجاهلها مكملةّ صعودي دون مساعدتها.

وأخيرًا وصلتُ أمام شقتنا وانتهت معركة صعودي الدَرج، وأدركتُ طوال صعودي أهمية خالد في هذه اللحظة بالتحديد. كان يحملني ويخلّصني من هذا العبء الكبير في الصعود.

لمَ لا يضعون مِصعدًا في هذا المبنى؟ مبنى طويل عريض بخمس طوابق ليس به مِصعد؟ ما هذه العائلة الغبية التي أوقعتني بها يا ربي؟

طرقتُ باب المنزل وشروق تقف خلفي تهزُّ ساقيها. أكره هذه الحركة، أكرهها وأكره مَن يهزُّ ساقيه أمامي أو جواري أو حتى بالقرب مني. أكرههم جميعًا رغم أنني منهم.

دقيقةٌ مرّت سمعتُ فيها صوت والدتي من خلف الباب تتساءل عن الطارق، فأجبتُها بـ'أنا' لتفتح لي ناظرةً لي بضيقٍ. ولكنّ وجهها أشرق حينما رأتْ شروق جانبي لتقترب منها تسلّم عليها وتقبّلها آخذةً الحقائب منها ترحّب بشروق إلى داخل الشقة تاركةً ابنتها بالخارج بقدمها المكسورة.

ما هذه الأم يا ربي؟

نظرتُ لهما بغيظٍ وتقدّمتُ أدخل الشقة، وأول ما فعلتُه هو انطلاقي لأقرب دورة مياهٍ للباب. فتحتُ بابها وداهمتُها كالشُرطة. ثم وقفتُ بالداخل مغلقةً الباب وتجرّدتُ من كامل ثيابي ألقيها في سلة الملابس المُتسخة خلف الباب. اقتربتُ من حوض الاستحمام وجلست على طرفه أمرّر رشّاش المياه على جسدي دون الاقتراب من ساقي المُجبّرة حتى سمعتُ جرس باب شقتنا يرنّ مسبّبًا الهلع لنفسي.

نهضتُ بتوترٍ أدور حول نفسي متذكّرةً للتو أنني لمْ أحمل ملابس أخرى معي لدورة المياه؛ عندما وصل لي صوت خالد من الخارج يتساءل عني.

لففتُ المنشفة حول جسدي واقتربتُ من الباب أفتحه فتحةً صغيرةً بحجم عينٍ واحدةٍ من عينيّ، نظرتُ للخارج بصعوبةٍ حتى لاحظتُ شروق جالسةً على الأريكة في الواجهة تبتسم لأحدٍ ما أمامها وتومئ برأسها بخجلٍ. ومن ملامحها المتوترة بخجلٍ أدركتُ أن مَن أمامها هو خالد.

حسنًا.. لمَ تبتسم له؟ لمَ يجلس أمامها؟ لمَ يتحدّث معها؟ وما الذي قاله لها حتى تبتسم بهذه الطريقة؟

تأففتُ بضيقٍ لا أعرف سببه ولعنتُ كليهما تحت أنفاسي مناديةً والدتي بأعلى صوتي متعمّدةّ أن يسمعني الجميع. ولكنّ عينيّ اتسعتا بصدمةٍ وأغلقتُ الباب سريعًا حينما نهض خالد عن الأريكة الجالس عليها وأدار جسده ينظر لي، وقبل أن أغلق الباب رأيتُه يسير تجاه دورة المياه التي أقف خلف بابها مصدومةً.

أغمضتُ عينيّ حينما سمعتُ طرقاتٍ على باب دورة المياه، ومع الطرقات زادتْ ضربات قلبي. إن كان الطارق خالد، فهل جُنّ لهذه الدرجة ليطرق باب دورة المياه وأنا داخلها في وجود والدتي وفي شقتنا أيضًا؟

«عايزة إيه يا ندى بتنادي ليه؟»

تنفستُ بارتياحٍ ورمشتْ عيناي دامعتين حينما سمعتُ والدتي من خلف الباب، فالتفتتُ بسرعةٍ أضع رأسي على الباب مجيبةً إياها بصوتٍ منخفضٍ:

«ماما هات لي هدوم تانية داخلي وبيچامة علشان الزفتة جيت لي، وهاتي الحبوب بتاعتي من دُغج (دُرج) المكتب التالت.»

«عمرك ما مريتِ بيها بشكل طبيعي، لازم يبقى موقف فيه فضيحة.»

ردّتني والدتي وسمعتُ تأففها العالي، إنها محقّة. جميع الإناث في سني ومثلي يتعرّضن لهذا الأمر الأنثوي العاديّ في بيوتهنّ براحةٍ وهناءٍ، وأنا ندى سيئة الحظ لمْ أتعرّض لها بشكلٍ طبيعيّ أبدًا، بل وفي كل مرةٍ يزداد الأمر سوءًا. ولكنني وقبل أن تمرّ ثوانٍ على رحيل والدتي عدتُ لمناداتها. فسمعتُ خطواتها تتراجع حتى أجابتني بـ'نعم؟' لأجيبها:

«هاتي بيچامة واسعة وكُمامها طويلة يا ماما!»

«أخيرًا وصل اللي هيربيكِ صح.»

قلبتُ عينيّ بعدما سمعتُ قهقهتها تابعةً لهذه الجُملة. رغم أنّ جزءًا كبيرًا داخلي كان مقتنعًا بجُملتها، ولكنني كنتُ أكافح لتكذيبه. أكافح لتكذيب أنّ ارتباطي بخالد أثّر بي كثيرًا وبدأ يغيّرني أكثر. وحتى هذه اللحظة لا أعرف إن كنتُ قد وافقتُ بشكلٍ تامٍ على أمره لي بارتداء الحجاب أم لا.

خرجتُ من دورة المياه بعد بضع دقائق أرتدي ملابسي المنزلية من سروالٍ قماشيّ مُخطّطٍ بالأسود والأبيض وقميصٍ بأكمامٍ طويلةٍ وياقةٍ مُغلقةٍ أسود. أخذتُ دوائي واستعدتُ اتّزاني بعد أن أصبحتُ نظيفةً أتجه ببطءٍ مستفزٍ لصالة المنزل. فوجدتُ شروق جالسةً تشرب كأسًا كبيرًا من عصير المانجو المميز الذي تعدُّه والدتي. هذه الفتاة تشعر بالخجل فعلًا!

التفتتُ أنظر لخالد الجالس على الأريكة المقابلة لشروق فاردًا ذراعه على نهايتها ويده الأخرى يمسك بها هاتفه يعبث به. وما أراحني أكثر هو عدم نظره لي. ولكنّ فضولي الحقير كان يُلِح عليّ الجلوس جانب خالد وسؤاله عن المكان الذي دفن فيه جثة أمجد!

نفضتُ رأسي من تلك الأفكار وأشرتُ لشروق أن تتبعني لغرفتي، فنظرتْ الغبية لصينية الحلويات التي وضعتها والدتي أيضًا على الطاولة بين الأريكتين لأتنهد أنا بنفاذ صبرٍ قائلةً لها:

«هاتيها وأنتِ جاية أنا جعانة أصلًا وتوقّعتْ إنّ في ناس كدا هتاخدني تغدّيني، بس ماحصلش نصيب.»

«طبعًا، أومال!»

ابتسمتُ رغمًا عني حينما علّق خالد بهاتين الكلمتين من خلفي. وتوقّعتُ أنه رفع عينيه عن الهاتف وينظر لي الآن من ابتسامة شروق البلهاء أمامي ولا زالت تمسك بكأس العصير تبتلعه حتى شعرتُ أنها ستأكل الكأس بعد العصير. أنا أُصاحب العاهات.

تحرّكتُ تجاه غرفتي ومن خلفي شروق تحمل الصينية حتى دخلنا وأغلقتُ الباب بالقفل الداخليّ من خلفنا. ولمْ أكد أتحرّك بعيدًا عن الباب حتى سمعتُ صوت والدتي من الخارج تصيح بقلة حيلةٍ:

«شوف بنت الهبلة أخدت الصينية معاها جوا وسايباك هنا من غير حاجة إزاي؟»

انفجرت شروق ضحكًا فنظرتُ لها بحدةٍ لتضع وجهها مجددًا في طبق الحلويات. جلست به على سريري وجلستُ جانبها. وكما توقّعتُ بدأتْ بسلسلة تحقيقاتها وهي تأكل، وبدأتُ أنا أجيبها مهمومةً مما يحدث لي وأنا تزوجتُ من خالد بالأمس فقط. حتى ختمتْ ثرثرتها معي بإجابتها لسؤالي عن سبب حضور أمجد:

«والله يا ندى ما أعرف كل دا. أنا مصدومة أساسًا من اللي بتقوليه، هو أنتم عايشين في الصعيد علشان جدك يعمل كدا؟»

«يا بنتي جدي فلاح وعقله قديم خالص.»

«إيه الهبل دا؟ حتى لو كدا المفروض باباكِ ماكانش يوافق. بس بعيدًا عن الحوار شايفة إنك سعيدة والفراشات بتطير حواليكِ بعد ما بقيتِ ميسز خالد محمود خلاص.»

ابتسمتْ شروق بغباءٍ وحشرتْ ملعقةً كبيرةً من الكريم كراميل في فمها، فنظرتُ لها بتقززٍ وتجاهلتُ حديثها عن سعادتي بالزواج من خالد لأسمعها تتحدث من جديد مفسِّرةً الكثير:

«قبل ما أنتِ تقولي في جروب المطلقات بتاعنا واتس إن خطوبتك على خالد بكرا وكدا، كان أمجد كلمني قبلها بيوم تقريبًا وقال لي إن خالد كان مع عمر أخو أمجد وقال له إنه خلاص هيخطبك والحوار ضن (done) والكل موافق. راح عمر قال لأمجد كدا ومش في دماغه إن أمجد يعرفك أساسًا. وطبعًا أمجد هوب اتجنن واتصل بيا كتير لحد ما رديت وقال لي على الحوار دا، وأنا بكل غباء قلت له يبطَّل هبل لإن مستحيل ندى توافق وكمان ماقالتش لحد فينا يبقى مافيش كلام من دا. أمجد سمع كلامي والموضوع خلص خلاص، لحد ما جيتِ أنتِ كتبتِ في الجروب إن خطوبتك بكرا وأنا من صدمتي روحت اتصلت بأمجد وقلت له إن الحوار طلع حقيقة فعلًا. بس والله يا ندى ما كنت أعرف إنه هيتصل بيكِ ويقول كلام زي دا وخالد اللي هيرد والحوار دا كله يحصل. آسفة والله مش قصدي أسبّب لك كل المشاكل دي.»

نظرتُ لها باستياءٍ ولمْ أعد أستطيع تحديد الظالم من المظلوم، أنا فاشلةٌ جدًا في مثل هذه المواقف. أظنُّ نفسي دائمًا ذكية. ولكنني ومنذ عودتي لمصر ومقابلتي لخالد أدركتُ كمْ أنا ساذجة وغبية ومتهورة أيضًا.

فاقتربتْ مني شروق ترتمي بعناقي معتذرةً عدة مراتٍ حتى ابتسمتُ أبادلها العناق، مهما يكن.. نحن صديقتان مقرّبتان وبعد تبرير شروق علمتُ أنها تتصرّف بتلقائيتها ولمْ تتعمّد إيذائي بهذه الطريقة. إلّا أنني ما إن اشتممتُ رائحة مزيل العرق القوية الذي تضع منه حتى أُصِبتُ بالاختناق وأدمعتْ عيناي وبدأتُ أسعُل بقوةٍ مبتعدةّ عنها.

وما إن رأيتُ ملامحها المذعورة ناظرةً لي بتفاجؤٍ حتى أدركتُ أن حالتي يرثى لها ودخلتُ في نوبة ربوٍ جديدةٍ من نوباتي. وبصعوبةٍ أشرتُ بإصبعي تجاه مكتبتي أتحدّث من بين سُعالي المستمر وشهقاتي العالية والأخرى مذعورةً تحاول فكّ أزرار ياقة قميصي وتمرّر كفها على ظهري لا تعرف ما الذي يجب عليها فعله لي الآن-:

«البخاخة.. فـ..في المكتـ-بة

نهضتْ شروق فورًا عن السرير وركضت تجاه المكتبة تتصرّف بذكاءٍ ولأول مرةٍ باحثةً بها بعشوائيةٍ وسرعةٍ حتى التفتت لي مصدومةً تحمل رذاذ دوائي للربو. فاقتربت مني سريعًا تعطيني الأداة حتى وضعتُ فوّهتها بفمي وبدأتُ أستنشق منها مراتٍ متتاليةٍ بانتظامٍ حتى بدأ تنفُّسي يعود لوضعه الطبيعيّ.

أرجعتُ ظهري للخلف أتمدد على سريري، وبمرور ثانيةٍ وجدتُ شروق فوق رأسي تتساءل بعتابٍ عن ما حدث لي الآن. لمْ تكن لديّ القدرة على التفاعل معها وبدء نقاشٍ لن ينتهي بسرعةٍ، فأجبتُها باختصارٍ:

«ابقي اتصلي بيا بالليل وهحكيلك كل حاجة.»

أومأتْ لي بقلة حيلةٍ واستندتْ على طرف السرير بجواري قائلةً:

«حواراتك كِترت يا ندى أوي، وكل دقيقة تفاجئيني بحاجة جديدة. عندك ربو ومابتقوليش ليه يا جاموسة؟ مش هفضحك بس كنت هبقى عارفة أتصرّف إزاي في موقف زي دا بدل ما أنا كنت هيجيلي صرع وأنتِ بتموتي قدامي ومش عارفة فيه إيه حتى!»

«ابقي ماتحطّيش بس من السبغاي (السبراي) المعفن اللي بتحطّي منه دا وكل حاجة هتبقى تمام.»

«فشر يا حبيبتي، دا مزيل عرق ريكسونا بـ٤٠ جنيه.»

منحتُها نظرةً مستحقِرةً متقزّزةً، فابتسمتْ كالبلهاء تعانقني جانبيًا، ولكنني دفعتُها بقوةٍ بعيدًا عني حينما تذكّرتُ أنها أحضرت أمجد إلى هنا ولمْ تفسّر لي. حينها نظرتْ لي بتوترٍ وكأنها أدركتْ سبب رد فعلي هذا لتبتعد عني قليلًا قائلةً:

«لو قلت لك إني حاولت أمنع أمجد مايجيش هنا بس هو اللي أصرّ وخلاني أجري وراه وآجي أنا كمان هتصدقيني؟»

«اخلصي قولي الحواغ (الحوار)!»

«حاضر أوف، بعد ما خالد قال لأمجد الكلام دا لما اتصل بيكِ وخالد اللي رد، أمجد اتصل بيا وقال لي اللي حصل وكان متضايق وحسيت إنه هيرتكب جريمة. قلت له يجي لي البيت ونتكلم في الحوار دا، قال لي لاء مش هيتكلم مع حد غيرك ولازم يشوفك ويعرف أنتِ عملتِ كدا ليه؟ وليه وافقتِ ترتبطي بيه طالما أنتِ بتحبي ابن عمك وهتتجوزوا وكدا؟  قعدت أشتمه وأصرّخ فيه وأحاول أخوّفه إن خالد لو شافه هينفخه، بس ما شاء الله ابن خالتي طلع جرئ أوي وقال لي مش خايف من خالد وهيروح بيتك يقابلك ويكلمك فيس تو فيس كدا. اتخانقت مع ماما علشان آجي لك دلوقت وألحق أمجد، وقابلته في الطريق لبيتك وحاولت أمنعه بس إيه دا الواد دا طلع جرئ وغبي أوي في نفس الوقت، بعدين يا ستي ماسمعش كلامي ووصل بيتكم وكنا لسه داخلين مدخل العمارة لاقيناكِ أنتِ وخالد داخلين ورانا.. وبس والله دا اللي حصل أنا مظلومة.»

مثّلتْ البكاء فنظرتُ لها بحاجبٍ مرفوعٍ وضربتُ رأسها بقوةٍ قائلةً:

«كنتِ اتنيلي اتصلي بيا وقولي يا ندى حصل كذا كذا وأمجد جاي بيتك وفي مجزغة (مجزرة) هتحصل لو خالد شافه. كنت هعمل أي حاجة بدل ما أنا قاعدة معاكِ كدا وخالد في الصالون مش عاغفة (عارفة) هو عمل إيه في أمجد ولا قالوا إيه لبعض.»

«يا سلام يا أختي؟ طب ما أنا بحاول أتصل بيكِ من امبارح وبيعطيني إن هذا الرقم خارج الخدمة. ابقي افتحي تليفونك الأول قبل ما تعاتبي بنات الناس.»

ييي.. نسيتُ تمامًا أن خالد كسر هاتفي والشريحة أيضًا. تبًا لي، تبًا لشروق وأمجد أيضًا.

أرجعتُ رأسي للخلف أستند على الحائط جانب السرير أنظر لشروق بقلة حيلةٍ واستياءٍ وفقدان أمل أيضًا. كنتُ مهمومةً كثيرًا والغبية نهضتْ عن السرير تعدّل ملابسها قائلةً:

«أنا لازم أمشي قبل ما ماما تتصل ببابا وتقول له إني اتخانقت معاها علشان أخرج وتزوّد شوية بهارات من عندها علشان بابا يجي يعلّقني على بوابة البيت. وأروح أشوف جوزك المتوحش دا عمل إيه في ابن خالتي حبيبي المسكين.»

«ماتقوليش متوحش، أنا بس اللي أشتمه.»

صحتُ فيها بضيقٍ وركلتُ ساقها بقدمي السليمة، فضربتْ قدمي بقوةٍ وركلتني أيضًا تصيح:

«اشبعي بيه يا أختي. بكرا هلاقيكِ زي البنات اللي بتتخطب وتتكلم بصيغة المثنى. أنا وخطيبي أكلنا محشي على الغدا اليوم، أنا وخطيبي شوفنا واحدة ماشية في الشارع، أنا وخطيبي دخلنا الحمام مع بعض. يع عليكم.»

«جوزي مش خطيبي.»

رددتُها بابتسامةٍ سمجةٍ وتلاعبتُ بحاجبيّ، فنظرتْ لي بجمودٍ لثوانٍ، ثم ابتسمتْ غامزةً تقول:

«أيوا يا عم. من حق الجميل يتدلّع. دا جايب لك خاتم بـ٥٠ ألف جنيه.»

«قُل أعوذ برب الفلق.»

رفعتُ كفّي في وجهها أُبعد حسدها عني، فقلبتْ عينيها وودّعتني بعناقٍ وقبلتين على وجنتيّ قبل أن تفتح باب الغرفة راحلةً. فنظرتُ للخارج من خلفها لأجد الأريكة التي كان خالد جالسًا عليها فارغةً.

حمدًا لله.. لقد رحل.

«ادخل عندها وهجيب لكم الغدا جوا!»

«لا يا طنط والله مافيش داعي، أنا مش جعان.»

«عيب يا خالد. أنا قبل ما أكون حماتك أنا زوجة عمك وأنت مش غريب. أنا عارفة إنك ما أكلتش حاجة ولا ندى أكلت، ادخل جوا وهجيب لكم الغدا مع بعض.»

«ماشي يا طنط تسلمي.»

«يؤبرني.»

أمي وزوجي؟

ضيّقتُ عينيّ ليس تعجبًا من وجود خالد، ولا من اقترابه الدخول لي، ولا من عرض والدتي تناوله الغداء معي بغرفتي فاتحةً الطريق أمامه لإرعابي، بل تعجُّبًا من تلك الكلمة التي نطقتها والدتي لخالد بنهاية حوارهما.

يؤبرني؟ هل قالت له يؤبرني؟ هل تفديه بروحها الآن؟ هل أصبحتِ متقبِّلة لخالد لتلك الدرجة أماه؟

رمشتُ أعتدل في جلستي على السرير جاذبةً قميصي للأسفل أكثر حينما دخل خالد للغرفة من بابها المفتوح دون استئذان كعادته. وبرمشةٍ كان قد مرّر عينيه على الغرفة يتفحّصها حتى وقعتْ عيناي أنا على أداة الاستنشاق جواري على السرير، فمددتُ يدي أضعها عليها ساحبةً يدي وهي أسفلها حتى وضعتُ يدي أسفل وسادتي وأخرجتُها بعدما خبّأتُ الأداة أسفلها لألاحظ عينيّ خالد على وسادتي قبل أن يديرهما تجاهي بنظراتٍ غامضةٍ.

اقترب بخطواتٍ هادئةٍ يجلس على الكرسي أمام مكتبي، فتنفّستُ بارتياحٍ لأنني لستُ بمزاجٍ لأشرح له أنني مصابةٌ بالربو بسبب النيكوتين بالسجائر التي منعني من تدخينها.

«عاملة إيه دلوقت؟»

«تمام.»

أجبتُه باختصارٍ رغم اندهاشي من سؤاله عن حالي بدلًا من بدئه في شِجارٍ جديدٍ عن مجئ أمجد، وقبل أن أفتح فمي بحرفٍ زائدٍ كانت والدتي تدخل الغرفة واضعةً صينيةً مليئةً بألذ الأطعمة على سريري جانبي. ثم تحرّكت تحمل طاولةً خشبيةً صغيرةً من جانب نافذتي ووضعتها أمام السرير لتضع الصينية عليها ناظرةً لخالد بابتسامةٍ تدعوه:

«يلا يا خالد يا حبيبي تعال اتغدى

نهض خالد دون نقاشٍ ودون ملامح تُذكَر ساحبًا الكرسي يجلس به أمام الطاولة مقابلًا لي. فابتسمتْ والدتي لنا مجددًا وخرجتْ من الغرفة تغلق الباب خلفها.

لمَ؟ لمَ تغلقينه أمي؟ هل أنتِ والدته أم والدتي أنا؟ بأي صفٍ أنتِ أمي؟

انتفضتُ حينما نهض خالد مجددًا عن الكرسي، راقبتُه بتأهُبٍ يتجه للباب يغلقه بالقُفل الداخلي حتى ارتجفت أعضائي. حسنًا.. أنا مَن ستُدفَن جثتها اليوم جوار جثة أمجد.

عاد جالسًا جواري على السرير ملتصقًا بي، رمقني بنظرةٍ هادئةٍ ثم وجّه نظره لصينية الطعام أمامنا حتى لمحتُ تجعيدًا جوار عينه المجاورة لي. فنظرتُ لما ينظر له حينما سألني مشيرًا لطبق المعكرونة بالجبن خاصتي:

«إيه الأبيض دا؟»

«دي مكغونة (مكرونة).»

أجبتُها بتعجبٍ أكثر منه، ماذا؟ ألا يعرف ما هي المعكرونة؟ إن لمْ يكن يعرفها سأنتحر.

«دي عجين مش مكرونة، مالها عاملة كدا ليه؟ إيه العك دا؟»

اتسع فمي بذهولٍ من كلماته. هل يسخر من أطعمة والدتي؟ كيف يجرؤ؟

«عك إيه؟ أنت بتتغيق (بتتريق) على طبخ ماما؟ دي مكغونة (مكرونة) بجبنة مودزاغيلا يعني لما تتكلم عنها يبقى تحتغمها (تحترمها).»

«لا والله؟ أحترم المكرونة كمان؟ دي حاجة حلوة أوي. هو دا أكلك صح؟ عك زيك.»

اتسع فمي أكثر حتى شعرتُ أنّ فكّي سيلامس الأرض من الصدمة، هل يسخر مني أنا الآن؟ يسخر مني ويسخر من طعامي؟ طعامي المفضل؟ كيف يجرؤ؟

«ماتغلطش في أكلتي المفضلة.»

«ششش أنتِ هتاكلي معايا من الكفتة دي.»

رفع قطعةً من الكفتة المشوية من طبقه الذي ملأته له أمي بها وقرّبها من فمي، فتراجعتُ للخلف مجعّدة ملامحي بتقززٍ ما إن شممتُ رائحة تلك الكفتة المقززة أغلق فمي، فأمسك بذقني يضغط بإصبعيه على وجنتي حتى برزت شفتيّ للأمام قائلًا:

«أنتِ هبلة يا ندى؟ في حد يكره الكفتة؟ دوقي بس منها وأراهن إنك هتخلّصي الطبق دا وباقي الكفتة في المطبخ.»

«مش عايزة يع ابعدها عني يا خالد الله يخليك. مش هاكل منها أنا نباتية يا خالد.»

«عند أمك النباتية دي. خلينا بس نعيش في بيت واحد وهخليكِ تاكلي مُمبار وعكاوي.»

ترك وجهي وقضم من قطعة الكفتة بتلذذٍ وكأنه هكذا يثير غيظي، ولكنني كنتُ أشعر بالقرف وابتعدتُ عنه أحمل طبق المعكرونة بالمودزاريلا الرائع الخارق الخاص بي، وبدأتُ أفكّر في قوله.. هل حقًا سيجبرني على تناول اللحوم بعد أن نعيش بمنزلٍ واحدٍ؟

هذا الأمر يجعلني أرغب بالطلاق وبأسرع وقتٍ.

«أمجد في حياتك تاني لا يا ندى.»

رمشتُ أنظر له بتوترٍ بعد هذه الجملة. سحبني من أي أفكارٍ سوى التوتر والخوف، بعد تغيُّره المفاجئ مستمرًا في النظر للطعام أمامه ينشغل بالأكل بعد أن ألقى تلك الجملة لي بصرامةٍ. ارتبكتُ ولمْ أجد ما أنطق به سوى سؤالي له:

«هو إيه اللي حصل؟»

«نفد بجلده مني، ماعرفش يتكلم قدام جدك ولا أنا عرفت أكسّر عضمه قدام جدك. قال إنه كان جاي يوصّل شروق علشان هو ابن خالتها وغار في داهية. بس مش هسيبه. بالليل ليا كلام تاني معاه، لازم قبل ما أمشي بكرا بالليل أتأكد إنه مش هيقرّب منك تاني، ولا أنتِ كمان هتقرّبي منه. وصدقيني لو عملتِ أي حاجة تضايقني هعرف يا ندى. ماتفكٌريش علشان أنا بعيد عنك وفي محافظة تانية مش هعرف أنتِ بتعملي إيه.»

وضع ملعقةً من الأرز في فمه بعدما أفرغ ما لديه بنبرته الحادّة التي أصابتني بقشعريرةٍ رغم أنه لمْ يكن ينظر لي. فاضطرب قلبي، ولكنني لمْ أستسلم لكلماته كي لا يظن أنه أصبح مسيطرًا عليّ لهذه الدرجة وسألته ساخرةً:

«إيه هتأجّغ (هتأجر) ناس تغاقبني في غيابك؟»

«وليه لا؟»

نظر لي بطرف عينه يمضغ ما بفمه ببطءٍ أثار استفزازي، فزممتُ شفتيّ بضيقٍ، ثم ابتسمتُ له بسماجةٍ أسأله:

«جاوبني بصغاحة (بصراحة)، أنت زعيم عصابة يا خالد؟»

«زعيم بس.»

«يا ولا يا زعيم.»

نظر لي بجمودٍ فقهقهتُ مزيلةً الجو المشحون بيننا، قهقهةً من قلبي وليست متكلّفة حتى لمحتُ ابتسامته التي يحاول محوها بسرعةٍ هازًا رأسه يعود لتناول الطعام، فبدأتُ أنا بإمساك ملعقتي أتناول من طبقي الخارق. فنظر لي فجأةً أوقف الطعام بحلقي قائلًا:

«حجابك يتلبس من بكرا، والحجاب قدام مصطفى وعبد  بردو. يا ريت تجرّبيه من دلوقت وتبقي تبعتي لي صور بالليل عايز أشوفك في ثوبك الجديد.»

«للأسف مش متعلمة ألف الحجاب.»

«في اختراع اسمه يوتيوب بيقولوا جامد وعليه ڤيديوهات لكل حاجة.»

أجابني باستفزازٍ وقضم قطعة من الكفتة، فنظرت له بحاجبٍ مرفوعٍ وأدرتُ وجهي عنه أحشر تركيزي في طبق طعامي قبل أن أمدّ يدي في فمه أقتلع لسانه من حنجرته.

«حطيت علبة التليفون الجديد بتاعك في شنط اللبس ابقي افتحيه ومعاه الخط بتاعك علشان هتصل بيكِ كمان شوية، الخط جديد مش نفسه الرقم القديم بتاعك علشان أي حد كان معاه رقمك زي أمجد كدا مايعرفش يوصل لك تاني. المدرسة بتاعتك هتبدأ وأنا مش موجود طبعًا وهتنشغلي في الدراسة ومكالماتنا هتقل، بس حاولي تفرّغي نفسك على قد ما تقدري يعني. بالنسبة للبس والحجاب زي ما هعرف إنك عملتِ حاجة غلط تضايقني هعرف بردو إنك لابسة حاجة مش عاجباني.»

«ما شاء الله يا حبيبي أسلوبك في الكلام زي الزفت.»

نظر لي بغضبٍ بعد ردي هذا ساخرةً. وماذا؟ هل توقّع أن يكون هو الوحيد الذي سيتحدث بهذا الأسلوب هنا؟ هززتُ رأسي باستفسارٍ أمنحه نظراتٍ جامدةٍ أملأ فمي بالمعكرونة حينما قال:

«ماله أسلوبي يا ندى؟»

«زي الفل يا باشا ولا يهمك.»

أجبته بفمٍ ممتلئٍ بالطعام ثم وضعتُ عينيّ على طبقي أسأله بخفوتٍ رغم علمي أنني سأثير غضبه بسؤالي:

«الناس اللي هيبلغوك بالغلط اللي هعمله هما نفسهم اللي هيبلغوك باللي أنا لابساه؟»

«لا، جايب ناس كتير تراقبك وكل واحد منهم ليه وظيفة خاصة. يعني مثلًا واحد هيراقب شباك أوضتك علشان يشوف أنتِ قاعدة عليه ورجليكِ لبرا ولا لا. وواحد تاني هيمشي وراكِ وأنتِ رايحة المدرسة والدروس وأنتِ خارجة منها علشان يشوف هترجعي البيت علطول ولا هتلفي في المطاعم والكافيهات مع شروق وإيمان ولا لا! وواحد تاني هيبلغني بلبسك ويبعت لي صور كمان، والأخير ودا الأهم هيبلغني لو شافك قريبة من أمجد أو أي شاب تاني مسافة ١٠٠ متر ولا لا!»

ابتسمتُ رغمًا عني، ولكن ليس سخريةً بل تفاجؤًا من ردّه الجاهز والصريح، أعلم أنه يمازحني ولكن ما قاله ليس بعيدًا عن أفعال شخصٍ كخالد. يبدو أنني دخلتُ سجني الجديد كما قالت شروق قبل قليلٍ بالفعل. إلّا أنني رمقتُه بهدوءٍ أسأله بلا مشاعر:

«هو دا مش اسمه انعدام ثقة يا زوجي الحبيب؟»

«ماشوفتش منك حاجة لحد دلوقت تخليني أثق فيكِ يا ندى. بل بالعكس كل الـ شوفته معاكِ خلاني أفقد أي ثقة كانت بيني وبينك.»

أجابني واستشعرتُ الحزن واللوم في صوته، جعلني غير قادرةٍ على معرفة إن كان يخطئ بحديثه في حقي أم لا. أربكني.

ولكن ما أثار ارتباكي أكثر وجعل يدي الممسكة بالطبق ترتجف حتى كاد الطبق يسقط حينما اقترب مني فجأةً يميل بجذعه العلويّ عليّ حتى أصبح وجهه أمام وجهي مباشرةً وشفتاه ضد شفتيّ تكاد تتلامس، فاضطرب قلبي وأرجعتُ رأسي للخلف بعيدةً عنه مصدومةً من حركته. ألا يعلم أنه من الحرام أن يلمسني وأنا بهذه الحالة؟

انتفض قلبي حتى شعرتُ أنه سيخرج من خلف أضلعي حينما وقعت عيناي على يده التي امتدت لأسفل وسادتي في نفس المكان الذي خبّأتُ فيه أداة الاستنشاق.

فأخرج يده وعيناه تنظران لملامحي المرتبكة بهدوءٍ، وتدريجيًا بدأ توتري يزداد حينما رفع يده أمام عينيه بيننا يحمل بها جهاز استنشاقي الصغير مضيّقًا عينيه بتعجبٍ.

كنتُ قد تناسيتُ جهازي والمكان الذي وضعتُه به عند دخوله مع كل حديثنا، ولكنه لمْ ينسَ.

لا ينسى خالد شيئًا. بل يبقى منتظرًا للوقت المناسب.

وهذا أقلقني في مستقبلي معه أكثر من قلقي حول كيفية إخباره بمرضي المزمن هذا.. وسببه أيضًا.

يُتبَـــــع...

حابّة أعرف رأيكم في خالد لحد دلوقت؟

وكمان رأيكم في صديقة زي شروق؟ هل هي صادقة في حبها لندى ولا لاء!!

Continue Reading

You'll Also Like

64.4K 5.5K 16
هل تمتلكين زوجًا تريدين استفزازه؟ هل ترغبين في إثارة غضبه؟ هل تستمتعين عندما يفقد أعصابه؟ هل تتلذَّذين برؤيته على وشك حفر قبركِ وسحبكِ من قدميكِ لدفن...
232K 11K 40
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
2.6M 56K 61
تعالت همسات الجميع من حولها منهم المشفق منهم الشامت بينما هي تجلس مكانها جاحظة العينين غير مصدقة انه فعل بها هذا لقد غادر بوسط الزفاف تاركاََ اياها ت...
232K 9.8K 33
بعد طلاقها ...قررت استئناف حياتها والزواج بآخر .. لكن للقلب احكاما اخرى