مذكرات مراهقة (الكتاب الأول)...

By lunanadaxx

360K 26.4K 15.9K

مَن تلك الغبية التي قد تفكّر في الزواج من ابن عمها أو حتى الوقوع في حبه؟ زواج الأقارب لا يفلح، لا ينجح، لا يك... More

تنويه.
|١| الوقح.
|٢| والدة الوقح.
|٣| عنب بلدي.
|٤| مايوه قطعتين.
|٥| بابا أنا جعانة.
|٦| بدو يچوزني!
|٧| أنا آسفة.
|٨| ذوقه حلو!
|٩| نلعب لعبة الصراحة.
|١٠| اشبكها بدبلة.
|١١| ما مشكلة هذا اليوم؟
|١٢| بتاكل بيتزا زي ما أنت شايف.
|١٣| والأقربون بالمعروف.
|١٤| كسرتُ شيئًا ثمينًا به.
|١٥| تلك الحية الخبيثة!
|١٦| بنات مفاعيص.
|١٧| السيدة خالد محمود.
|١٨| لقد وقعتُ بالفخ.
|١٩| أهلًا وسهلًا بالقواعد.
|٢٠| حفيدٌ جديدٌ للعائلة.
|٢١| بربريّ متوحش.
|٢٣| يجب أن أطلب الطلاق منه!
|٢٤| لا ينسى خالد شيئًا.
|٢٥| داديز القبو.
|٢٦| كوزمو و واندا.
|٢٧| مازن!
|٢٨| امسحي دموعكِ.
|٢٩| علامات ملكيته.
|٣٠| العار!
|٣١| لن يستطيع الإنجاب أبدًا.
|٣٢| ستقتل الجدة حفيدها.
|٣٣| عقد حياة سعيدة لخالد وندى.
|٣٤| مشاعري تجاه مازن!
|٣٥| مَن يكون زوجي هذا؟
|٣٦| ألم الخيانة أم الألم الجسدي؟
|٣٧| زوجي الخائن. - النهاية ١.
|٣٨| سارق القلوب - النهاية ٢.
|٣٩| غولي الجميل - النهاية ٣.
|٤٠| النهاية.😭
كواليس مذكرات مراهقة.
الجزء الثالث.
الجزء الثاني.
|١| مشهدٌ إضافيّ - ريم عامر.
|٢| مشهدٌ إضافيّ - ليندا.
|٣| مشهدٌ إضافيّ - هدى الديب.
|٤| مشهدٌ إضافيّ - سحر عصام.
|٥| مشهدٌ إضافيّ - منى إبراهيم.
|٦| مشهدٌ إضافيّ - آية محمد.
|٧| مشهدٌ إضافيّ - ميران وائل.
الجزء الرابع

|٢٢| هذه البداية فقط.

6.2K 537 117
By lunanadaxx

- الثامن من سبتمبر عام ٢٠١٧.
- الحادية عشرة والنصف ظهرًا.

«الحيوان اللي قفل التكييف، هموت من الحغ (الحر) ماينفعش تسيبوني نايمة والتكييف شغال لحد ما أخلّص نومي؟ هو النوم حغام (حرام) ولا إيه؟»

صرختُ رغم اختناق صوتي بالنوم وبكاء البارحة بعدما شعرتُ بسخونة جسدي المُفاجئة والعرق يتصبّب من كل مسَامةٍ من مسامّ جسدي. أكره هذه الحركة كثيرًا.. أكره مَن يُطفئ المُكيّف وأنا نائمة أكثر من كرهي لمَن يفتح ضوء الغرفة وأنا بداخلها ثم يتركه مفتوحًا ويخرج.

وما زاد من غضبي هو إرهاقي بسبب الأرق الذي شعرتُ به طوال الليل، بعد خروج مصطفى كالجبان من غرفتي حينما ناداه خالد دخلت والدتي تتوسلني للخروج وتناول العشاء معهم لأنه مُقامٌ على شرفي أنا.. العروس الجديدة. ولكنني رفضتُ الخروج وخالد بالخارج معهم رغم أنه قال أنه سينزل لشقتهم؛ لأنني إن نظرتُ لوجهه سأنفجر في البكاء، وإن نظرتُ لوجه والدي سيزيد بكائي. الجميع بالخارج يثيرون رغبتي في البكاء؛ لأنهم ضدي جميعًا الآن. لمْ يساندني أحدٌ منهم، بل بقوا صامتين أمام جبروت جدي وتخلُّف خالد.

وما إن خرجت والدتي من الغرفة تخبرهم بأنني مرهقة وأحتاج للنوم بدلًا من حقيقة أنني لا أطيق الجلوس معهم أو النظر بوجوههم، أغلقتُ باب الغرفة وبقيتُ أنا بظلامها بالداخل ممدّدةً على ظهري على السرير أنظر للظلام حتى وجدتُ دموعي تغرق وجنتيّ رغمًا عني.

لمْ أكن تلك الفتاة التي تكتم أحداث يومها السلبية ثم تفرغها ليلًا دموعًا تغرق وسادتها، بل كنتُ أسخر من هذا النوع الكئيب الضعيف من الفتيات حتى وجدتُ نفسي مثلهنّ الآن، نائمة على سريري ليلًا بالظلام أبكي وأفكر بما سارت به حياتي حتى جفّت دموعي وسحبني النوم باكيةً مُرهَقةً.

بالإضافة لإرهاقي، نومي المتقطّع، الألم بجميع عظامي أتعرّق في الصيف وغرفتي بها مكيّف لأنّ أحمقًا غبيًا بالمنزل يغلق المكيّف دون مراعاة لشعور الشخص النائم.

«أنا الحيوانة اللي قفلت التكييف، علشان تصحي لإن الساعة بقت ١٢ الضهر خلاص وخالد بيستناكِ من ساعتين هتخرجوا باين.»

رفعتُ ظهري عن السرير حينما ردّتني والدتي بينما تفتح نافذة الغرفة وتجمع الثياب المتسخة من كل مكانٍ بالغرفة مُكملةً حديثها وهي تخرج:

«عايشة في زريبة والله، هيطلقك من أول ساعة تعيشوا فيها مع بعض في بيت واحد، دي منظر غرفة بنت؟ دا الشباب أنضف منك.»

بلا بلا بلا.. ظلّت والدتي تردّد أسطوانتها المعتادة وصوتها ينخفض كلّما ابتعدت عن الغرفة حتى اختفى صوتها والحمد لله. فتنهدتُ أنظر لغرفتي.. والدتي محقّة إنها زَريبة حيوانات وليست غرفة، ولكن هذا بسببهم، لقد دفعتُ لنداء عشرة جنيهات لتنظّفها صباح البارحة، ولكن دخول قريباتي واجتماع العائلة بها مساءً جعلها بهذه الطريقة، ثم تأتي والدتي وتصبُّ عتابها فوق رأسي، وبالنهاية أنا مَن أتحمّل الدفع لشقيقتي نداء خادمة المنزل المحترفة في النصب، تستطيع صنع المال من الرمال.

حاولتُ النهوض عن السرير فوجدتُ عصاي الطبيّة إلى جانب السرير، استندتُ عليها أتجه لخزانتي، أخذتُ ثيابًا منزليةً منها رغم سماعي لوالدتي تقول أن خالد ينتظرني للخروج. ولكن في أحلامه.

فليخرج معي في أحلامه، ويمكنه ضربي بأحلامه كيفما يشاء أيضًا.. وسأردُّ له الضرب أضعافًا في أحلامي أنا.

تجهّمتْ ملامحي حينما تذكّرتُ نقاشي معه بالأمس، واستنشقتُ ماء أنفي حينما تذكّرتُ صفعته، فلمستُ وجنتي أتحسَّسها أستشعر بروزًا جانب أنفي، هل تورّمتْ؟

تحركتُ لأقف أمام مرآة طاولة الزينة أنظر لوجنتي، ولكن ليتني لم أفعلها!

كنتُ كالأشباح، بشعرٍ مشعثٍ ووجهٍ شاحبٍ مع أنفٍ أحمر وعينين متورّمتين، ظهرت الهالات السوداء أسفل عينيّ بطريقةٍ بشعةٍ وتشقّقت شفتيّ وكأنني بكيتُ لسنةٍ وليست ليلة واحدة.

وهذا دفعني للهروب من أمام المرآة لدورة المياه جوار غرفتي، كرهتُ النظر لوجهي وأنا بهذه الحالة، فتجرّدتُ من ثيابي وأدخلتُ جسدي بحوض الاستحمام لافةً كيسًا بلاستيكيًا حول جبيرة قدمي، وقفتُ والمياه ترتطم برأسي مثيرةً أفكاري مجددًا.. رباه، ألا أستطيع الهروب من تلك الأفكار ولو لدقيقةٍ. نمتُ لأنساها ولكنني استيقظتُ لأجدها أول ما يقابلني.

شعرتُ فجأةً بشيءٍ حول إصبعي، فلمسته لأجده الخاتم الذي ألبسني خالد إياه، كنتُ قد خلعتُ العقد والإسوارة وألقيتُهما في علبتهما ولا أعرف أين وضعتُها حتى، ولكنني نسيتُ الخاتم في إصبعي. فنظرتُ للخاتم بكرهٍ، كرهتُه لأنه يذكّرني بارتباطي بخالد، يذكّرني بالصفعة، يذكّرني بحديث خالد عن أنّ حسابه معي لمْ ينتهِ بعد.

فخلعتُه ورميتُه بضيقٍ حتى سقط في الركن خلف باب دورة المياه، وبقيتُ أنا أسفل المياه أفكّر في لقائي القادم معه، سأضايقه ولن أخرج معه لأي مكانٍ حتى يرحل لجامعته ويبتعد عني وأعود لحياتي الطبيعية.

الخطة في منتهى البساطة، أرفض الخروج معه اليوم وغدًا بحجة قدمي المكسورة وأنني لا أريد التجوّل باستخدام العصا الطبيّة، وأجعل والدتي حاجزًا بأن تخبر هي خالد، وبهذه الطريقة لا أقابله وأرى وجهه حتى.

أما الخطة البديلة هي أنني أشعر بالصداع والإرهاق الشديد وجرح رأسي المُقطّب لا زال يؤلمني ويزيد شعوري بالتعب، أحتاج للراحة ليومين.. وهما اليومان اللذان بقيا لخالد في دمياط قبل إنطلاقه للقاهرة في رحلةٍ دراسيةٍ ستستمر لأربع شهورٍ أستمتع أنا فيهم بحرّيتي المُطلَقة وأخطّط مع صديقاتي لحياتي القادمة مع خالد وكيفية التخلُّص منه إن حاول مضايقتي ثانيةً أو التصرُّف بمثل هذا التملك وتلك الهمجية.

خطة وشقيقتها البديلة في منتهى الذكاء، أحبُّني عندما أسترخي وأضع الخطط. أحب البقاء في الحمام كذلك؛ فجميع الخطط والأفكار الرائعة للروايات تأتيني به، حتى أنّ فكرة روايتي الورقية الأولى أتتني وأنا بالحمام.. بوتنيا ثيرون.

«ندى بقالك ساعة في الحمام بتعملي إيه؟ اخرجي يلا خالد مستنيكِ في الصالون.»

طرقات والدتي على باب دورة المياه وكلماتها تلك كانت القشّة التي قسمت ظهري أنا وليس ظهر البعير؛ فجلوس خالد في صالة منزلنا بانتظاري يعني أنه سيراني لستُ مرهقة أو متعبَة، سأراه ولن تكون والدتي حاجزًا بين عدم لقائنا، ولن يصدّق كذباتي التي وضعتُها لتجنُّب الخروج معه، أي أن.. خطتي وشقيقتها البديلة تدمّرتا في لمحةٍ. أكرهني عندما أخطّط وأنسى سوء حظي. تبًا لي.

«ماما قولي لخالد إني تعبانة ومش هقدغ أخغج (أخرج) معاه.»

«هو جوزي ولا جوزك؟ اخرجي قولي له أنتِ.»

حتى أنتِ يا نبع الحنان؟ وأنا التي ظننتُ أنني سأجعل والدتي حاجزًا بيني وبين خالد تخبره هي ما أريده! تخلّت عني بسبب ورقة زواجٍ عُرفيٍّ غبية.

فكّرتُ كثيرًا بالأمس أن أخبرها بما فعله خالد بي، كسره لشريحة هاتفي وهاتفي أيضًا، صراخه بي وتلك الصفعة المؤلمة التي تلقّيتُها منه لأنني حاولتُ الدفاع عن نفسي، ولكنّ عقلي أتى لي بالنتائج غير المحمودة.. ستذهب والدتي لخالد تتشاجر معه بعد ما فعله بي وربما تردُّ له الصفعة أيضًا، ثم سيخبرها خالد عن اتصال أمجد وما قاله ذلك الحقير بالهاتف، ويخبرها عن كذبتي بعيد ميلاد صديقتي مقابل الذهاب مع أمجد للسينما، وينتشر الخبر بين أفراد العائلة إلى أن يصل لوالدي الذي سيظنُّ بي سوءًا ويحزن على كسري للثقة التي منحني إياها، ويصل لجدي الذي سيُقيم قيامته في المنزل بأكمله وربما يجعل خالد يغتصبني أمامهم كعقابٍ، هذا متوقّعٌ من رجالٍ بتفكيرٍ كهذا ولا أبالغ.

حتى وإن حاولتُ الدفاع عن نفسي وإخبارهم أن ما قاله خالد عني كذبٌ وافتراء سيُسمِعهم خالد التسجيل الذي سجّله بهاتفي لمكالمة أمجد، والذي نقله لهاتفه بطريقةٍ ما لم أكنْ لأتوقّع خطوةً كهذه منه.. ولكنه داهية، ذكي.. بطريقةٍ مُرعبة.

بعدما رحل من غرفتي بالأمس هرعتُ لهاتفي أتفحّصه، وجدتُ شاشته مكسورةً وأُفسِد اللمس بها في بعض المواضع، ولكنني كنتُ أستطيع استخدام المواضع السليمة من الشاشة، فحذفتُ التسجيل الذي سجّله خالد لمكالمة أمجد ومحيتُه من الوجود بأسرع ما أمكنني، ولمْ تمضِ دقيقتين على هذا الفعل حتى رنّ هاتفي بإشعارٍ من تطبيق الواتس آب، وكانت رسالةً من خالد بمقطعٍ صوتيّ. فتحتُه وسمعتُ تسجيل أمجد به، ثم أرسل لي خالد رسالةً أخرى محتواها:

«نقلته لتليفوني علشان كنت عارف إنك هتحذفيه.»

كيف نقله من هاتفي لهاتفه وأنا كنتُ معه بالغرفة؟ كيف علم أنني حذفتُ التسجيل من هاتفي للتو؟

أسئلة كثيرةٌ لمْ أجد إجابةً لها سوى أنني أوقعتُ نفسي بين يديّ شخصٍ حقيرٍ مريضٍ، أوقعتُ نفسي في مخالبه التي لن أتخلّص منها بسهولةٍ. وكان هذا السبب الأكبر في تلك الدموع التي ذرفتُها طوال الليل وليست صفعته أو صراخه وظنه السئ بي أبدًا.

يهدّدني بشرفي، زوجي العزيز يهددني بشرفي مستغلًا أننا وُلِدنا بعائلةٍ لا يهمها سوى تلك الكلمة.. الشرف.

رغم أنّ جزءًا بعقلي يستمر بإخباري أن الأمر بسيطٌ وتافهٌ، وليست المشكلة بذلك الكِبر الذي يجعلني أبكي طوال الليل وأفكّر بتلك الطريقة السلبيّة، ولكن الجزء الأكبر بعقلي يخبرني أن عائلتي لا ترحم.. وهذا بعد تذكُّري لما حدث مع ابنة عمتي الكُبرى.

بعدما علِم شقيقها الأصغر والوحيد بين أربع فتياتٍ أنها تحادث شابًا هاتفيًا وخرجت معه لمقهى مرةً واحدةً.. جُنَّ جنونه وأخبر جدي، وما كان من جدي سوى أن صفعها أمام العائلة بأكملها ذكورًا ورجالًا وسجنها في المنزل يمنعها من إكمال سنتها الأخيرة بالجامعة، ثم أجبروها على الزواج من أول شابٍ تقدّم لها، ولم يكن ذلك الشاب من ذوقها أو مستواها العلميّ أبدًا.. وها هي تعاني حياتها معه بطفلتهما الصغيرة بعدما اكتشفت أنه مدمنٌ على المخدرات. تعود لمنزلها يوميًا بجسدٍ محطّمٍ باكيةً؛ فزوجها العزيز يشرب المخدرات ويغيب عن الإدراك ثم يعود للمنزل ليلًا ليضربها بكل ما يجده أمامه بالمنزل أمام عينيّ طفلتهما ذات الثلاث سنواتٍ.. ولكنّ عائلتها تخبرها أن تتحمّل بدلًا من أن يطلّقها وتصبح أمًا مطلّقةً في السادسة والعشرين بطفلةٍ في الثالثة من عمرها لن ينظر لها رجلٌ آخر، وتعيش حياتها عالةً على عائلتها هي وصغيرتها، بالإضافة إلى أنها لمْ تكمل جامعتها ولا تملك شهادةً تعمل بها لتستطيع الإنفاق على نفسها وطفلتها بعد طلاقها.

سنةٌ كاملةٌ تتعرض ابنة عمتي لذلك الذل وتلك المهانة مع زوجٍ مدمنٍ على المُخدرات تحاول حماية طفلتها منه أيضًا، صامتةً تتحمّل ألمها بعدما عجزت عن إيجاد مَن تشكو له بعد تخلّي عائلتها عنها بتلك الطريقة، وكلّما رأيتُ ابنة عمتي ومظهرها الشاحب والحزن الدفين بعينيها تألم قلبي، وهذا لأنها كانت تحادث شابًا وخرجت معه في مكانٍ عامٍ لمرةٍ واحدةٍ.

أخطأت ابنة عمتي لن أنكر هذا، ولكن العقاب مؤلمٌ وقاسٍ جدًا.

وبمقارنة موقفي بابنة عمتي، ما الذي تتوقّعون حدوثه لي إن أتت الشكوى من زوجي؟

لا أريد التفكير في الأمر حتى، لأنني لستُ ابنة عمتي ولن أسمح بحدوث هذا الأمر لي، فابنة عمتي كان والدها متوفيًا وكل هذه الأمور تحدث لها، ولكنّ والدي حيّ، طبيبٌ متعلّمٌ وليس جاهلًا يسير خلف أعرافٍ جاهلةٍ تدين الفتاة وتهينها بتلك الطريقة خلف مسمّى الشرف. سأجد سندي ضد خالد إن فكّر في أذيتي مجددًا، ولكن الأمر يحتاج للمزيد من الوقت والصبر فقط.

كنتُ قد انتهيتُ من ارتداء ثيابي المنزلية وخرجتُ من دورة المياه والمنشفة فوق شعري لأجد خالد جالسًا مع والدي في غرفة المعيشة يثرثران في أمورهما. فنظر لي والدي بهدوءٍ لأبادله النظرات بصمتٍ وصفعته تحتلُّ ذاكرتي مجددًا مثيرةً دموعي. ولكنني أبعدتُ نظري عنه أوجّهه لخالد، وكان هو الآخر صامتًا يرمقني بهدوءٍ حتى تحدّث مستئذنًا والدي بكل برودٍ غير مبالٍ لي:

«بعد إذنك يا عمي هتكلم مع ندى وحدنا شوية في أوضتها!»

«أكيد يا ابني اتفضل.»

ردّه والدي بابتسامةٍ وأشار لغرفتي، فنظرتُ لوالدي بضيقٍ مضيّقةً عينيّ، الأول يستأذن والثاني يأذن له دون الاهتمام لرأيي حتى، رائع.. هذا ما كان ينقصني.

تنهدتُ أسير تجاه غرفتي وخالد يتبعني مستسلمةً للأمر الواقع لأرى ماذا يريد خالد مني.

دخلتُ وجلستُ على كرسي مكتبي ولا زالت عصاي الطبية في يدي، فتقدّم خالد بعدما أغلق الباب يسحب كرسيًا آخر جالسًا أمامي ينظر لي بهدوءٍ وبيده حقيبةٌ صغيرةٌ لمْ ألحظها سوى الآن. فتحها دون الالتفات لنظراتي مخرجًا منها علبةً أعرفها جيدًا. فتح العلبة يخرج منها هاتفًا جديدًا.. آيفون الإصدار الجديد.

مدّه لي قائلًا بهدوءٍ: «دا بدل اللي كسرته، وجيبت لك خط جديد كمان.»

«قصدك دا تمن الكف اللي أخدته منك..صح؟»

سألتُه بجمودٍ ولمْ أكلف نفسي عناء مدّ يدي وأخذ الهاتف منه حتى، فتجهمّت ملامحه يجيبني بنبرةٍ استشعرتُ أنه يحاول منع نفسه من الصراخ فيها:

«بلاش أسلوبك الزبالة دا في الرد علشان أنا هادي ومش عايز أتعصّب، مع إني مش غلطان بس جاي أعتذر وأصلّح اللي كسرته، اشتريت لك بدل الأوبو اللي كان معاكِ آيفون أهو، عايزة إيه تاني؟»

«مش غلطان؟ يعني بعد ما نزلت من عندنا ماحاولتش تشوف أنت عملت إيه وتفكّغ (تفكر) لو كنت غلطان باللي عملته فيا وقولته ليا أو لا؟ وجاي تذلني بآيفون صح؟ هجيب لك من النهاية، أنا مش بحب الآيفون ولا هحبه أصلًا، مش عايزة حاجة منك عندي أب يصغف (يصرف) عليا الحمد لله.»

تبًا له، تبًا له وألف تبًا، ظننتُ أنه سيحاول الاعتذار ولكنه يتواقح أكثر ويُشعرني أنني أنا مَن بحاجةٍ له والاعتذار منه، لا زال يحاول إثبات أنني المخطئة، بدلًا من إصلاح الأمر يزيد الطين بلّة فوق رأسي بكلماته التي لا يفكّر فيها قبل أن ينطق بها حتى.

«لا يا حبيبتي كان زمان، دلوقت أنا ولي أمرك والمُلزم بيكِ وبمصاريفك بعد ما اسمك اتكتب جنب اسمي في قسيمة الجواز، ودا اللي لازم تفهميه كويس من هنا ورايح يا ندى. مافيش حاجة اسمها عندي أب يصرف عليا، اللي محتاجاه أنا اللي هتكفّل بيه، ودا واجبي كزوج وعدّاني العيب أظن؟»

أريد الضحك، أريد الضحك حتى أفقد صوتي. طريقة نطقه بتلك الكلمات ولا زال شابًا جامعيًا دون وظيفةٍ تثير ضحكي، ألمْ يخبره أحدهم أنه لا زال في الثانية والعشرين من عمره؟ لقد أصبح بالغًا قانونيًا قبل ستّ سنوات فقط.

«خالد يا حبيبي عمي لسه بيصغف (بيصرف) عليك، أنت لسه طالب جامعي وعمي هو اللي بيدفع فلوس الجامعة بتاعتك والله. منين بقى تقول لي أي حاجة تحتاجيها أنا اللي هتكفّل بيها؟ قصدك إن عمي هيصغف (هيصرف) عليا وعليك يعني؟»

أفلتت مني قهقهة في النهاية لمْ أستطع كبحها أقسم، وبالنظر لملامحه الآن أريد القول أنني انتقمتُ منه كلاميًا. كانت ملامحه سوداء غاضبًا وكأنني طعنتُه في قلبه للتو. إلّا أنني شعرتُ بالتوتر قليلًا ما إن سحب كرسيه بشكلٍ مفاجئ يقترب مني أكثر حتى التصقتْ ركبتاه بركبتيّ تمامًا وكأنه يحتجزني قائلًا بنبرةٍ شبه صارخةٍ:

«مش هتعصّب بعد كلامك المليان إهانة دا، بس الظاهر إن ماحدش قال لك إني بشتغل وبصرف على نفسي من سنتين، عندي كافيه شبابي في شارع المحجوب مشترك فيه أنا واتنين أصحابي. أنا ليا أكبر نسبة فيه يعني يُعتبَر الكافيه بتاعي وملكي، أخدت الفلوس اللي فتحت الكافيه بيها من أبويا تمام، بس رجّعتها ليه تاني بعد ما الكافيه بدأ يشتغل ويكسب. كان دين عليا ووفّيته في أقل من سنة الحمد لله، تعبت لحد ما خلّيت الكافيه كبير وبقى أشهر كافيه شبابي في الجديدة بعد شاهين، وحاليًا قاعد مرتاح في بيتي وفلوسه بتجي لي لحد عندي. التليفون اللي اشتريته دا بفلوسي يا ندى وأي حاجة هتحتاجيها هتكفّل بيها بفلوسي بردو، قولت لك أنا مش صغير وعارف أنا بعمل إيه علشان كدا العيلة كلها واثقة فيا وبتعتبرني الكبير مع إن مصطفى أكبر مني، بس أخويا تافه وبيضيّع فلوسه على مروى بتاعته.»

«بس بيحبها، مصطفى بيحبها ومستني الفغصة (الفرصة) المناسبة علشان يتقدّم لها.»

لا أعرف لمَ شعرتُ بالضيق وانفعلتُ فيه بهذه الطريقة عندما ذكر مصطفى ومروى، حتى أنني لمْ أعلّق على ما قاله بامتلاكه لمقهى كبير باسمه مع شريكين آخرين يحصل هو على النسبة الأكبر بينهما، وهذا من سنةٍ وأنا لا أعرف، وأصبحتُ أتساءل هل أنا حقًا فردٌ من هذه العائلة؟ هل يعتبرونني فردًا حقًا بعدم إخبارهم لي بهذه الأمور المهمة؟ ثمّ أن خالد بنفسه لمْ يخبرني رغم أن الفترة الماضية كانت محادثاتنا كثيرة وأخبرني عن كل شيءٍ يخصُّ حياته تقريبًا، ولكنني أُدرِك مع مرور الوقت أنه لمْ يخبرني سوى بما يريده فقط.

«قصدك بالكلام دا إن أنا مش بحبك يعني؟»

هل هذا ما لفت انتباهه هو الآخر؟ يبدو أننا نشترك في هذه الصفة أيضًا، كلانا لا نسمع إلّا الكلمة التي تثير اهتمامنا فقط. كان متضايقًا بسؤاله، ولمْ أعرف جديًا بما أردُّ. هل نسي ما فعله بي بالأمس بهذه السرعة؟ ألا يهتم للماضي لهذه الدرجة؟

تنهدتُ محاولةً عدم إثارة شِجارٍ آخر معه، قررتُ الخروج عن مسار هذه المحادثة العقيمة والتركيز على ما بيده، قلتُ أنني سأستغلُّه، وطالما أمواله يجنيها بنفسه وليست من جيب عمي والده؛ فلا بأس من استغلاله في سبيل الانتقام. أبعدتُ ساقيّ عن بعضهما كي أبعد ركبتيّ الملتصقتين بركبتيه لأنني لا أشعر بالراحة أبدًا في وضعٍ كهذا. ثم نظرتُ للهاتف بيده قائلةً:

«على العموم أنا مش هقبل آخد التليفون دا منك طالما بابا مش عاغف (عارف)، حتى لو أنت بقيت المسؤول عن كل اللي أحتاجه بس أنا لسه عايشة في بيت بابا واحتغامه (احترامه) واجب.»

«قولت له وأنا قاعد معاه برا من شوية، ورّيته التليفون وقولت له إني اشتريته ليكِ علشان كسرت تليفونك امبارح غصب عني. قال لي ربنا يكرمك يا ابني أنت كدا عملت الصح بدل ما ندى تيجي تطلب مني تليفون جديد، باعك..»

أجابني وابتسم ملقيًا كلمته الأخيرة بجانبيةٍ، ضيّقتُ عينيّ أمام ابتسامته تلك وتوعّدتُ والدي بحديثٍ طويلٍ بيننا، حسنًا.. على مَن أكذب؟ لمْ يكن والدي ليشتري لي هاتفًا جديدًا أو يصلح المنكسر وقد جدّد لي هاتفي منذ أسبوعين أو يزيد بيومين فقط.

ولكنني لستُ ندى التي تستسلم أو تهدأ، جعلتُ منحنى المحادثة في جهةٍ أخرى، وهي أنني أكره منتجات شركة آيفون منتهى الكره، والسبب؟

«تمام يا خالد بيه، أنا مش بحب الآيفون زي ما قولت لك.»

«في حد مايحبش الآيفون؟ أنتِ عبيطة؟»

«أها عبيطة، تمام الآيفون أحسن تيلفون في العالم ومافيش من أمه اتنين، بس الأمان فيه عالي بشكل متخلف شوية، يعني أنا كـندى بحب أنزّل تطبيقات وأكواد معينة على تليفوني الآيفون مش بيقبل بيها، غيغ كدا الآيفون مش بيسمح أنزّل بغامج اختغاق (برامج اختراق) وأنا مش بحب كدا، عايزة أستعمل فوني بغاحتي (براحتي)، واللي لاقيته مناسب لحاجتي هو الأوبو، فشكغًا (فشكرًا).»

ابتسمتُ له بنهاية كلامي تلك الابتسامة المتكلّفة السمجة التي أشتهر بها، فرفع حاجبه ينحني مقربًا رأسه مني وأنا أحاول عدم التفكير في أن ساقيه تنزاحان للأمام بين ساقيّ بشكلٍ إن لاحظه هو سيستغله. بماذا أفكر الآن؟

ابتلعتُ لعابي بينما يجيبني متسائلًا: «برامج اختراق إيه اللي بتنزّليها على تليفونك؟ هو الكلام اللي مصطفى قال له قبل كدا عن إنك هكّرتِ الواتس آب بتاعه حقيقي؟»

«لا طبعًا.. وأنت تصدّق حاجة زي كدا عني؟»

أجبتُه بكل براءةٍ امتلكتُها حاليًا، فأبعد وجهه يهزُّ رأسه مجيبًا بسخريةٍ:

«وأصدّق أكتر من كدا كمان، أنتِ مش سهلة وشكلك هتتعبيني معاكِ.»

بلا بلا.. هذا ما أريده ذاتًا عزيزي، أريد أن أُتعِبك.

قلبتُ عينيّ حينما نهض عن الكرسي يسحب يدي لأنهض معه آمرًا:

«يلا قومي غيّري لبسك علشان نخرج أشتري لك التليفون اللي أنتِ عايزاه وشوية لبس وحجاب.»

سحبتُ كفي من يده بخفةٍ أتنهد قائلةً: «طيب بما إنك فتحت موضوع الحجاب دا تاني يـ....»

«هتلبسيه ومافيش نقاش تاني.»

«شوفت بقى إنك مش متفاهم وكل ما نحاول نصلّح حاجة تبهدلها أنت تاني بكلامك دا؟ اسمعني للآخغ وشوف أنا عايزة أقول إيه الأول قبل ما تغمي (ترمي) كلام وخلاص!»

هتفتُ بضيقٍ من تسرُّعه وطريقة تحكُّمه تلك، وبعدما استشعرتُ أنني قد أغيّره يومًا وأستطيع التعامل معه يعود للتحدُّث بهمجيةٍ دون التفكير بكلامه أو السماح لنفسه بسماعي حتى. تنفّس بقوةٍ يشبّك ذراعيه على صدره قائلًا بنفاذ صبرٍ:

«سامعِك.»

«أنا كنت عايزة أقول لك إني موافقة ألبس الحجاب ومافيش عندي أي مانع خالص لإني بعد ما فكّغت (فكّرت) شوية لاقيت إن دا الصح وكدا كدا واجب ديني عليا ألبسه، بس مش عايزاه حجاب شغعي (شرعي) دلوقت، يعني أبدأ بالتدغيج (بالتدريج) لإني مش حاسة إني هلتزم بيه يعني، عايزة ألبس الحجاب واحدة واحدة..»

جديًا.. لا أعرف إن كنتُ سأستطيع الالتزام بالحجاب أم لا! رغم أنني بعد حديث خالد عن ضرورة ارتدائي له وتغطية شعري بعد بلوغي جنسيًا كما ينصُّ ديني الذي أريد التقرُّب منه أكثر ونسيان حياة الحرية الزائدة تلك.. ولكن بطريقة ما لا أثق بقدرتي على الالتزام به، كما أنني جرّبتُ وشاحًا من ملابس والدتي من قبل، لففتُه على رأسي كالحجاب ووجدتُ مظهري غير لطيفٍ به، بل ومظهري بدا بشعًا مع الحجاب ونظارتي الطبية.

ولكنّ نظرات خالد الضائقة أخرست تفكيري مع سؤاله: «بالتدريج إزاي إن شاء الله؟ كل يوم تغطي خصلة واحدة من شعرك ولا إيه؟»

«مش قصدي كدا، عايزة ألبس بونيه الأول وبعدين سكاغف (سكارڤ) وبعدين الطُغح (الطُرح) بقى.»

«مش فاهم حاجة من اللي قولتيها غير الطُرح، ودا الحجاب اللي كل البنات بتلبسه.»

ردّني بتنهيدةٍ قويةٍ، وحينما استشعرتُ أن صبره على وشك النفاد وسيقلب الطاولة فوق رأسي وينهي النقاش أسرعتُ بالتحرُّك تجاه خزانتي، فتحتُها وبحثتُ بين ملابسي عن غطاء الرأس الذي اشتريتُه منذ فترةٍ بعدما كنتُ أفكّر في تغطية شعري به. إنه كالحجاب.. ولكنه يغطّي الشعر فقط وليست الرقبة، لا يُلفُّ حول الرأس بل نرتديه فوق رأسنا فقط.

ابتسمتُ بحماسٍ حينما وجدتُه، وعدتُ لخالد أزيل المنشفة عن رأسي بعدما أدركتُ أنني كنتُ أضعها على رأسي منذ خروجي من دورة المياه، ثم ارتديتُ غطاء الرأس ووقفتُ أمامه أتحدّث بحماسٍ:

«هو دا البونيه بقى.»

«ودا حجاب من أي زاوية إن شاء الله؟ اللي أعرفه إن الحجاب بيغطّي الرقبة بردو مش الشعر بس.»

سحبه عن رأسي بضيقٍ يلقيه على المكتب، فنظرتُ له بغيظٍ أعضُّ وجنتي من الداخل أريد الانفجار بصراخي فيه، حتى تنفّستُ زافرةً نفسًا طويلًا أحاول فيه تهدئة أعصابي مجيبةً:

«ما أنا هلبس بلوزات بغقبة (برقبة) طويلة مع البونيه.»

«لا.»

كلمته وطريقة نطقه بها كانت قاطعة، وكأنه يخبرني بها أن لا مجال لنقاشٍ آخر، وهذا أثار استفزازي كثيرًا حتى استدرتُ جالسةً على سريري أتحدث بعنادٍ:

«خلاص يبقى هقعد هنا ومش جاية معاك، ولا حجاب ولا أي نيلة خالص.»

«قومي البسي، هخرج أقعد برا أستناكِ، هما عشر دقايق بس اللي هستناكِ فيهم ولو لاقيتك مش جاهزة هتشوفي مني تصرف مش كويس، وأنتِ عارفة اللي أنا هعمله.»

ألقى كلماته ثابتةً بأقوى نبرةٍ آمرةٍ لديه وخرج من الغرفة مغلقًا الباب خلفه بهدوءٍ.

أكرهه وأكره استسلامي حينما نهضتُ بغضبٍ أبدّل ثيابي كما أمرني منصاعةً كالغبية لأمره ولا أعرف لماذا. هل بسبب نبرته الآمرة والغضب بعينيه؟ أم بسبب تهديده لي مستغلًا ما لديه ضدي؟

سقطتْ دموعي كالحمقاء بينما أرتدي سترةً سوداء من الچينز فوق قميصي الأبيض مع سروالٍ أسود قماشيّ واسعٍ بسبب الجبيرة الغبية على قدمي، وبالطبع ارتديتُ فردة حذاءٍ واحدةٍ وخرجتُ من الغرفة أستند على عصاي الطبية دون تمشيط شعري حتى، فلأكن بأسوأ مظاهري أمامه، ربما يكرهني ويطلّقني وأتخلّص من هذا الأمر الذي أقحمتُ نفسي به.

نظرتُ حولي لأجد والدي جالسًا بمكانه بصالة منزلنا وخالد جانبه، والدتي وشقيقاتي لا أسمع لهنّ أي أصواتٍ. وفور أن لمحني خالد نهض عن الأريكة يقترب مني وابتسامة الانتصار تغزو شفتيه، ابتسامةٌ أشعرتني بالمزيد من الغضب والاستفزاز.

نظر لي من الأعلى للأسفل وكأنه يتأكّد من قبوله لمظهري، ثم مدّ كفه لي قائلًا:

«يلا نمشي، بعد إذنك يا عمي!»

«إذنك معاك يا خالد، خلّي بالك منها وماتتأخروش

ردّه والدي ونظر لي بهدوءٍ تزامنًا مع خروج والدتي من المطبخ تضع كوبي عصير على الطاولة أمام والدي ناظرةً لخالد تسأله:

«استنى بس اشرب العصير قبل ما تمشي.»

«وقت تاني يا طنط معلش مستعجل شوية.»

ردّها خالد وأعاد أنظاره لي آمرًا بضيقٍ ويده لا زالت ممدودةً لي:

«هاتي إيدك اخلصي!»

«أنا مش طفلة.»

«طيب تمام امشي بقى على رجلك المكسورة دي ويا ريت تلحقيني علشان خطواتي واسعة.»

«وماله مش عيب.»

رددته بنفس نبرته وابتسمتُ له أثير القليل من استفزازه، ولكنه نظر لي بحدةٍ أكبر وأمسك كفي إجبارًا متحركًا يسحبني بخطواتٍ خفيفةٍ خلفه مراعاةً لقدمي المكسورة، شديد المراعاة فعلًا ما شاء الله!

لمْ نكد نتحرك خطوةً زائدةً حتى توقّف مكانه وأصابعه تعبث بأصابعي، ثم رفع كفي أمامه ينظر لأصابعي الفارغة متسائلًا:

«فين الدِبلة بتاعتك؟»

«إيه دا هي مش في صابعي؟»

تساءلتُ مدعيةً التفاجؤ كاتمةً ابتسامتي المُنتصرة، ولكنّ نبرتي لم تسِر عليه ورفع كفي بقوةٍ أمام عينيّ يحرّك أصابعي حتى شعرتُ بالألم مجيبًا:

«لا مش في صابعك يا ندى.»

«أها يبقى خلعتها بقى ونسيت ألبسها تاني.»

«طيب روحي البسيها!»

أمر مشيرًا بعينه تجاه غرفتي، فنظرتُ خلفه ألمح والدتي واقفةً بجانب والدي والاثنان ينظران لي باستفسارٍ. فتحمحمتُ أهزُّ رأسي له بخفةٍ، ثم تحرّكتُ أدخل غرفتي. بقيتُ بها أبحث عن علكةٍ أمضغها أفرغ فيها غيظي القادم من خالد مدةً وصلت لخمس دقائق. ثم خرجت من الغرفة أتحدث بيأسٍ مُصطنع:

«مش لاقياها.. يلا بس علشان أنت مستعجل ولما أغجع (أرجع) هشوف هي فين!»

«مش هنمشي غير ودبلتك في صابعك، كفاية إنك مش لابسة السلسلة والإسوارة.»

ردّني بحدةٍ مقتربًا مني يشير بيده تجاه غرفتي في أمرٍ لأعود لها بحثًا عن خاتم زواجي، فنظرتُ له بغيظٍ ولم أكد أنفجر فيه حتى سمعتُ صوت والدتي بقُربنا:

«في إيه يا ولاد مالكم؟»

نظر لي خالد بغضبٍ قبل أن يوجّه نظره لوالدتي مجيبًا بهدوءٍ:

«خلعت الدبلة بتاعتها ومش لاقياها.»

«طيب استنى وأنا هدوّر عليها.»

ردّت والدتي بهدوءٍ متجهةً لغرفتي قبل أن تسحبني من ذراعي خلفها، وما إن دخلنا غرفتي حتى نظرتْ لي بنفاذ صبرٍ هامسةً:

«لحقتِ تضيعيها؟ عايزة تفضحينا قدام العيلة دا أنتِ لسه لابساها امبارح؟»

«مش عاغفة (عارفة) بقى يا ماما، أنا خلعتها قبل ما أنام ومش لاقياها دلوقت.»

أجبتُ والدتي بعدم اكتراثٍ مشبّكةً ذراعيّ على صدري، فرمقتني بغضبٍ قبل أن تستدير متجولةً في الغرفة تبحث بكل إنشٍ بها عن خاتمي بينما تسألني:

«طيب أنتِ خلعتيها وحطّيتيها فين؟»

«مش فاكغة (فاكرة).»

«اخلصي يا ندى، خالد واقف برا.»

هتفت بي تكمل البحث، ولكنني ابتسمتُ بعيدًا عنها بانتصارٍ ثم استدرتُ أنظر لها رافعةً كفيّ بجهلٍ، فحسبنت عليّ وأكملت بحثها حتى مرّت الكثير من الدقائق ولمْ تجد الخاتم حتى نفد صبرها ووقفت أمامي تسألني عن آخر مكان خلعتُه به.

هززتُ رأسي بجهلٍ مجددًا وخرجتُ من الغرفة لأجد خالد واقفًا أمامها بطوله ينظر لي بجمودٍ مخيفٍ، فابتسمت له والدتي بتكلفٍ تقول:

«معلش يا خالد خُدها واخرجوا أنتم وأنا هنا هدوّر على الخاتم لحد ما ألاقيه علشان ندى مش فاكرة خلعته فين.»

«لا يا طنط معلش أنا قاعد تحت في شقتنا هستنى لحد ما تلاقوا الخاتم.»

أجاب والدتي وعيناه لا تنزاحان عني وكأنه يريد التغلغل لداخلي عينيّ والبحث بأفكاري، أعتقد أنه يشك أن ما يحدث من تدبيري وليس مجرد حادثٍ عاديّ.

والآن أستطيع القول أن الخطة التي لمْ أخطّط لها نجحت.. يجب عليّ السير خلف عدم التفكير من هذه اللحظة، الأمر ينجح بطريقةٍ مُرضيةٍ دائمًا.

يقف أمامي ناظرًا لي وكأنه يريد التهامي، وهذا الأمر يسعدني كثيرًا.. كثيرًا جدًا.

الانتقام طعمه لذيذ، وهذه البداية فقط خالد.

يُتبَــع...

المهم.. رأيكم في الفصل؟ حدث جديد ناقشته بالفصل من وجهة نظر البطلة.. عن رأيها في ارتداء الحجاب، برأيكم.. مع أي طرف أنتم؟ ندى أم خالد؟ حسب نقاشهما في الفصل!

Continue Reading

You'll Also Like

9.3K 1.2K 6
أنباءٌ عاجلة: لا زال البحث جارٍ عن الكاتبة ندى الشحات، تلك الشابّة المصريّة ذات العشرين عامًا التي اختُطِفَتْ منذ أسبوعٍ على يد شابٍ مقنّع وأربع فتيا...
7.2M 357K 71
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...
807K 24K 39
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...
406K 19.2K 32
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...