التشويق

267 42 56
                                    


قبل أن نبدأ بهذا الموضوع دعوني أعرض عليكم قصة قصيرة، حرفيًا قصيرة للغاية.

يحكى أن صيادًا فقيرًا كان يجوب البحر بحثًا عن رزق ليطعم زوجته وأطفاله، مرت الساعات طويلة عليه وفي نهاية اليوم كان قد اصطاد ثلاث سمكات، فعاد للشاطىء وحملهن داخل الحقيبة ليسير حتى منزله، في الطريق توقف ليشرب ثم أكمل السير، مرت ساعة حتى عاد للبيت فأعطاهن لزوجته وجلس يلعب مع الأطفال، بينما الزوجة دخلت المطبخ لتنظف السمك، بدأت بأول سمكة فنظفتها من الاحشاء الداخلية وغسلتها جيدًا، ثم الثانية فالثالثة، بعد ذلك وضعت الثلاثة في مقلاة وطبختهن، ثم جلست مع زوجها وطفليها يتناولون الغداء.
النهاية

ما رأيكم؟ هل كانت ممتعة؟ هل شعرتم بالحماس لحدوث شيء مهم فيها؟

طبعًا أعتذر لكونها بلا مغزى ولا حبكة ولا أي شيء، لكن بها شيء آخر مهم وهو موضوع حديثنا اليوم؛ التشويق.

التشويق هو شعور من الفرح والإثارة مختلط مع الخوف والتوتر والقلق، وهو مزيج من الترقب وعدم اليقين في التعامل مع غموض المستقبل، والتشويق نجده حين نقرأ ثم تتوقف الجملة فتجد نفسك تتسائل «ماذا سيحدث بعد ذلك؟ هل سيحدث كذا؟».
لو طبقّناه على القصة التي بالأعلى سنجد مواضع التشويق كثيرة، فمثلاً؛ حين وضع الصياد السمكات داخل الحقيبة وسار بهم، هل يا ترى سيوقفه أحدهم؟ هل سيحدث شيء له بطريق العودة؟
ثم نكمل فنقول أنه توقف ليشرب، ربما هي قصة خيالية وستحدثه السمكات الآن، وربما يجد شخص أفقر منه فيعطيه السمكات.
يعود للبيت فتأخذ الزوجة السمكات لتنظفها، هل ستجد شيئًا داخل السمك؟ هل سيحدث لها شيء؟
حين وضعت السمكات في مقلاة، هل سيحدث شيء الآن؟
وهكذا...

يقال أن التشويق هو حين يتوقع الجمهور شيئًا سيئًا سيحدث في العمل الفني، أو يعتقد الشخص أن لديه نظره متفوقة على الأحداث، كأن ترى الأبطال يدخلون للبيت المهجور فتقول سريعًا «سيكون هناك ما ينتظرهم ويقتلهم واحدًا تلو الآخر»، شعوره يتألف من وجود خطر حقيقي يلوح في الأفق وشعور بالأمل، إذا لم يكن هناك أمل فالجمهور يشعر باليأس.

لكن هل التشويق في أحداث القصة فقط؟
لا، بل هو في مقدمتها، والنبذة، والعنوان كذلك، كلما تفننت في وضع تشويق كلما كان العمل ممتعًا أكثر.

أخبرني، هل كنت تعلم أن التشويق قد يكون في طريقة كتابة الشيء نفسه وليس في اختيار كلمات؟

هكذا،

في
الماضي
كنت
أكتب
هكذا
بطريقة
متقطعة
لأنني
لم
أملك
الشجاعة
لأكتب
بطريقة
صحيحة
لكن

مع الوقت استجمعت شجاعتي، وتعلمت أن أكتب هكذا، وأضع فواصل واستخدم النقاط والأقواس، أصبحت أقوى.

بمجرد الكتابة بشكل مختلف ينجذب القارىء، فيبدأ بالتساؤل مع كل كلمة « يا ترى ماذا سيحدث؟».

لكن هناك بعض الأشياء التي تفسد التشويق وتقطع الإثارة لدى القارىء كذلك، وهذه بعضها؛

الأخطاء الإملائية؛ هذه قاتلة، قد يغفر لك القارىء المثقف الكثير لكن الأخطاء لا تمر بسهولة لدى الكل.

تسلسل الأحداث وتوزيع التشويق؛ قد تكون الفكرة رائعة والشخصيات تم بناؤها بشكل مذهل، لكن ترتيب الأحداث بشكل خاطىء قد ينفر القارئ من العمل، تخيل أن تخبر القارئ بهوية القاتل في أول صفحة من كتابك، يجب توزيع الإثارة على العمل كله، بحيث يزداد التشويق كلما اقتربنا من نهاية العمل.

الابتذال؛ حاول بكل طريقة ممكنة أن تجد طريقة لجعل الفكرة غير مبتذلة، حتى لو ستغير حدثًا صغيرًا يجعلها مختلفة عن كل القصص الأخرى، أظن كلنا مللنا قصص إيميلي والقبو، الدادي والبيبي جيرل، المدير المتسلط مع سكرتيرته التي تحتاج المال لعملية أمها فتضطر للزواج منه، الزواج المدبر، زواج القاصرات الذي يوضع بطريقة خاطئة وكله حول متلازمة الستوكهولم...الخ.

إكمال القصة بنفس الحماس؛ كلنا نبدأ القصص بحماس شديد والكثير من الألغاز والتشويق حتى نشعر بروح أجاثا كريستي تغمرنا مع كل حرف، وطيف إرنست هيمنغواي يلوح في الأفق، ثم تمضي الأيام، يقل الحماس، يبدأ الفتور، البعض يتوقف عند نقطة معينة ويفقد الأمل تمامًا، والبعض يكملها رغمًا عنه ليضع نهاية هو لا يريدها لكنه يرغب بإنهاء القصة فقط، سأضع الحل هنا حالًا..

إن انقطع تدفق أفكارك لا تفقد الأمل في عملك، كذلك لا تهلع وتصِر باحثًا عن الإلهام؛ فهو لن يأتي إليك لمجرد أنك تريده.

جرّب الاسترخاء أثناء الكتابة، جرّب قراءة القصة من البداية ووضع مخطط لسير الأحداث لو لم يكن لديك واحد بالفعل، جرّب كتابة ثلاثة كلمات عشوائية تماماً واكتب الفصل التالي مستعينًا بهم كفكرة أساسية، أقرأ شيئًا متعلقًا بفكرة قصتك، أغمض عينيك وارسم عالم القصة داخل عقلك ثم تقمّص شخصية البطل وساير الأحداث، تخيّل حدثًا معينًا وبعثره

( الأم تذهب لبيت ابنتها المتزوجة كي تبارك لها المولود الجديد) هذا المشهد قد يصبح هكذا (البنت تذهب لبيت أمها لتبارك لها مولودها الذي يكون أخوها الأصغر الآن)، استلهم الأحداث من كل ما يحدث حولك في الحياة (حتى لو كانت قصتك خيالية، يمكنك تحوير الحدث الذي يحدث ليناسبها)، أكتب هذه الجمل على ورقة وضعها أمامك

« كيف سأجعل هذا الموقف مشوقًا؟»

«هل أقتل أحدهم؟»

-طبعًا أعني قتل شخصية في القصة، أرجوك لا تحاول قتل شخص في العالم الحقيقي حتى لا يكتب أحدهم قصتك أنت كمجرم-

في النهاية لا تنس أن القصة هي طبختك المميزة، والتشويق والإثارة هم توابلها، لذا لا تسرف في وضعهم وكذلك لا تبخل على الطعام بهم.

هل صادفتكم قصة مليئة بالتشويق بحيث لم تتركوها إلا بعد إنهائها؟ وما هي؟

هايكو رانو

وتر معقود |عنصر الحبكة|Where stories live. Discover now