30 | تعاون.

930 117 13
                                    


-" ما الذي تفعله هنا، أيها الصبي؟ " سأل الرجل مقتضب الملامح، والذي يقف بمواجهة كايرو؛ بيده شُعلةٌ من النار تطفو أدرك سريعاً الهدف منها.

-" .. هل ستحرق الكوخ؟ " سأل الصبي متردداً.

رماه الرجل بنظرة بالطبع، وماذا غير ذلك واستعدّ لتوجيه الشعلة نحو المدخل. " مهلاً ! " صاح كايرو تلقائياً، " لا تحرقه ! إنه .. أنا .. " كانت الكلمات قد خانته ولم يدري كيف يبرر موقفه. سبق وقضى في هذا الكوخ العديد من الأيام والليالي حيثما شعر بأن بقيّة العالم جدّ ضيّقٍ عليه، لكنه لم يفكرّ بجدية لاحتمالية مُلكية احدهم له وقد بدا له مهجوراً. لم يدري إن كان هذا الساحر الكهل غريب المظهر مالكه؛ لكنه لم يملك الحقّ للاعتراض أو القوة من الأساس. حتى وإن كان رجلاً مجنوناً أراد فحسب حرق مبنى ما، ما كان بإمكانه إيقافه. " أنا أحتاجه. " استطرد رغم ذلك، غير آبه بمنطقه وقلبه يدفعه.

-" تحتاجه؟ " سأله الرجل حائراً، لكنه لم يتراجع بعد أي لم يخفي الشعلة. " فلتغرب عن هنا ! هذا ليس ملعباً للأطفال !! " غاضباً؛ دفع بالشعلة أخيراً ولم تتخذ الثواني حتى شرعت بالتهام الخشب. شهق كايرو وسارع للبئر القريبة، أينما استخرج دلو ماءٍ أطفأها سريعاً به.

-" إنه مجرد كوخٍ فارغ ! إن كنت لا تريده، اتركه لمن يفعل ! " صاح بالرجل ووقف حائلاً بينه وبين الكوخ. شعرّ بكونه يقوم بأفعال غبية. شعر بأنه يضع نفسه في الخطر. شعر بفزعٍ كبير. لكنه لم يتحرك. هو لم يتحرّك من قبل وذاك أدى لخسارته الكثير بالفعل وبحياته للتهاوي، ولن يُعيد الكرّة مجدداً. حتى وإن كان ذلك غباءً مطلقاً.

حكّ الكهل لحيته المتوسطة الطول، والتي كانت مزيجاً من شعيرات بيضاء وبرتقالية. اقترب منه ثم مدّ يده لتُمسي قريبة من وجه كايرو، فرقع بإصبعه فظهرت شُعلةٌ جديدة. تسللت حرارتها له وبدأ يشعر بجلده يحترق، وكردّ فعلٍ تلقائي ابتعد خطوتين؛ لكنه لم يغيّر من تعابيره الحازمة ولا وقفته الثابتة.

كان هذا الكوخ مصدر قوته الوحيد، وإن اختفى؛ هو بدوره لن يقوى على الوجود أبداً.

ظهرت شعلاتٌ أخرى أخذت تتراقص حول الصبي وابتسم معها الساحر. شعر كايرو برغبةٍ جبّارة في صدّه ولو بأيّ طريقة؛ كره كيف أنه ابتسم لأنه رأى أمامه شخصاً ضعيفاً وجد فيه تسليةً عابرة، غالباً سيتخلص منه بعد دقائق وينفذ ما أتى لتنفيذه ثم يرحل. منع نفسه رغم ذلك، فالتعرض للحرق لن يزيد إلا وضعه سوءًا أضعافاً.

-" ألست خائفاً؟ " سأله الكهل. " من المفترض أن القرويين هنا غير معتادين على وجود السحر من حولهم. "

أخذ الفتى نفساً. على الأقل، لم يبدو أن هذا الساحر مُختلٌّ بعد وهو يبدي محاولات في التواصل معه. حتى وإن كانت لتسليةٍ مؤقتة. هزّ رأسه، ثم أجابه في صدق:" السحر موجودٌ بكل مكان. بكل عنصرٍ طبيعي، بكل زهرةٍ متفتحة وبكل فحم ما زال محفاظاً على لهبه بعد انطفائه. بكل قطرةٍ وكل نسيم عابر. " لطالما كان كايرو معجباً بالسحر، وذلك راجعٌ بالضرورة لإعجابه بالأرض وكل ما عليها من عجب. " فقط .. لا يمكن للكلّ استخدامه. "

عرش الساحرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن