الفرح

22.5K 666 238
                                    

الفرح
"يعني مش كانت تجهز في الفندق أحسن؟"
نظر خالد في ساعته للمرة الرابعة خلال ربع ساعة وزفر بضيق. وقف محمد وأقترب من أبيه وهمس في أذنه.
"مش مشكلة يا بابا. إحنا مش متأخرين جامد. أهدأ علشان عمو جاسر ما يزعلش."
نظر خالد لجاسر الجالس أمامه في غرفة الصالون في منزله وقال.
"محدش يزعل من الحق. الساعة دلوقت سبعة وميعادنا مع المأذون الساعة سبعة ونص ولسة ما أتحركناش من البيت ولسة عقبال لما تجهز هي ويروحوا يتصوروا ويعملوا زفة نوصل الفندق على الساعة تسعة على الأقل. هيكون المأذون مشي."
وقف جاسر أمام صديق عمره وصهره وقال.
"وفيها أيه؟ هو أنا كل يوم بنتي هتتجوز؟ وكمان أنت كنت عاوزها تتجهز في الفندق أزاي؟ هه.
"بنتي لازم تطلع من بيت أبوها وهي عروسة وتتزف أكبر زفة."
"يعني أنا اللي بجوز إبني كل يوم. ما أنا عاوز أفرح إبني برضه. لكن المشكلة في التأخير."
"أنا أبو العروسة ورأيي أنا الأهم."
"وأنا أبو العريس."
"وأنا أمهم هم الأتنين وبقول لكم صلوا على النبي."
ألتفت الصديقان لمريم الخارجة من غرفة العروسة وخلفها سلمى مرتدية فستان زفاف أنيق تتوسط أمها وصديقتها أسيل.
"اللهم صل عليه..."
فتح جاسر فاه وبرقت عينيه بدموع الفرح برؤية قرة عينه ترتدي ثوب الزفاف. خطى خطوتين إتجاهها وأحتضنها وقبل جبينها.
"ألف مبروك يا حبيبتي."
نظرت سلمى بحياء للأسفل وتمتمت.
"الله يبارك فيك يا بابا."
ألتفت جاسر لعمر الواقف مشدوه من جمال خطيبته وقال.
"خد بالك منها. أوعى تزعلها. ده حتة من قلبي."
خطى عمر خطوة واسعة ووقف أمام سلمى. ملأ عينيه من جمالها وأجاب أبيها دون أن يحرك عينيه من على خطيبته.
"سلمى ده في عيني يا عمي."
أقترب محمد من أخيه وهمس في أذنه.
"خف شوية. غض بصرك. كلها ساعة وتبقى مراتك. مش كدة."
أبتسم عمر بحياء ونظر للأسفل.
نظر خالد في ساعته مرة أخرى وقال.
"الف مبروك يا جماعة. ناوين تروحوا تكتبوا الكتاب ولا هنبات هنا الليلة ولا أيه؟"
أجاب جاسر صديقه وقال.
"حاضر يا عم المستعجل."
مد جاسر ذراعه لإبنته لتستند عليه وخطى بها إتجاه الباب. وقف عمر خلفه مشدوه وقال.
"هو مش المفروض أنا اللي أمسك أيديها في الزفة ولا أيه؟"
ألتفت جاسر لعمر وقال.
"بعد كتب الكتاب. لكن دلوقت هي بنتي وأنا بس اللي أمسكها."
مد عمر شفته السفلى بغضب طفولي وقال.
"ده ظلم. كل العرسان بيتزفوا مع عروستهم. أشمعنى أنا؟"
توقف جاسر ولف لعمر وقال.
"عجبك ولا مش عجبك؟"
تنقلت نظرات عمر بين خطيبته وأبيها ونظر للأسفل بإنكسار وقال.
"عاجبني."
"أيوة كدة. ناس ما تجيش إلا بالعين الحمرا."
أنفجر الجميع ضحكاً وأقتربت مريم من إبنها ومدت ذراعها له وقالت.
"أمسك أيدي أنا. تبقى سلمى مع باباها وأنت معي."
أبتسم عمر ومد ذراعه لأمه لتشبك ذراعها فيه ولكن خالد سبقه وأخد بيد مريم وقال.
"أيدك ده أنا بس اللي أمسكها. مش أي حد تاني."
نظر عمر لأبيه وقال.
"يعني ينفع أبقى العريس وأدخل القاعة بطولي يا ناس؟"
شعر بأحد يشد سرواله من أسفل فنزل بنظره ووجد إبنه أخيه حلا تنظر له وتقول.
"أمسكني أنا يا عمو."
أبتسم عمر وأنحنى ألتقط حبيبته الثانية وحملها على ذراعه ونظر لها للأعلى وقال.
"ماشي يا أخرة صبري."
ضحك محمد على أخيه وأصطحب زوجته وخرجوا جميعا متوجهين للفندق لمراسم الزواج. دخلوا جميعا الفندق يتقدمهم جاسر ممسكا بالعروسة وخلفه خالد ومريم يدا بيد وندى ممسكة بيد إبنها عبد الرحمن. وأخرهم عمر حاملاً إبنه أخيه حلا.
توجهوا جميعا للغرفة الملحقة بالقاعة وتم كتب الكتاب. أنهالت التهنيئات على العروسين. أحتضن جاسر إبنته وسقطت دموع الفرح من عينيه. أقترب منه عمر ومسك بذراع زوجته وقال.
"بعد أذنك بقى يا عمي. خلاص بقت مراتي."
لف جاسر برأسه ونظر لعمر بغيظ وقال.
"مش قادر تصبر شوية. أنت هتاخد قلبي مني."
دفنت سلمى رأسها في حضن أبيها وأهتز جسدها بالبكاء لفراقه. أقترب خالد من صديقه وربت على ظهره وهمس في أذنه.
"أهدأ يا جاسر علشان خاطر سلمى. ما تقلقش. عمر هيشيلها في عينيه."
حرر جاسر إبنته من حضنه وقبل جبهتها وهمس في أذنها.
"هتوحشيني."
أنتشقت سلمى ونظرت للأسفل وقالت.
"وأنتم كمان هتوحشوني أوي."
سلم جاسر يد فلذة كبده ليد زوجها وقال.
"خد بالك منها."
حاوط عمر رأس سلمى بيديه وقبل جبينها وقال.
"سلمى في عيني يا عمي ما تقلقش."
توردت وجنتي سلمى من الخجل ونظرت للأسفل. وضع عمر يده تحت ذقنها ورفعها لتنظر إليه وقال.
"مبروك يا عروسة."
همست بصوت منخفض.
"مبروك لك أنت كمان."
أصطحب عمر زوجته للقاعة المخصصة للسيدات وتركها هناك وتوجه مع أبيه وأخيه وحماه للقاعة الأخرى المخصصة للرجال. لاحظت مريم سكوت ندى الجالسة بجوارها. مسكت يدها وقالت.
"خلاص يا ندى بقى فكيها علشان سلمى ما تضايقش."
نظرت ندى لمريم وسقطت دموعها وقالت.
"مش متخيلة أن بنتي مش هتبات في بيتي الليلة."
"ما ده سنة الحياة يا ندى. ما كل البنات بتتجوز وتسيب بيت أهاليها."
"بس سلمى عمرها ما فارقتني. أنها تسيبني وتروح تعيش في بلد تاني صعب."
تنهدت مريم وقالت.
"هنعمل أيه يا ندى؟ مش شغله؟ ما عمر هو اللي ماسك فندق دبي.
"أنت عارفة خالد ما ينفعش يسيب الفنادق هنا ويقعد هناك. ومحمد خلع من موضوع الفنادق ده خالص ومبسوط في شركته اللي فاتحها.
"عمر هو اللي ماسك الفنادق مع أبوه وما يقدرش خالد يثق في حد غيره يمسك فندق دبي الجديد."
"عارفة يا مريم. لكن بعدها عني صعب."
"لا بعيدة ولا حاجة. كلها ساعتين سفر وتبقي عندها مش أكتر. أبقي روحي نطي لهم هناك كل شوية ولا تضايقي نفسك."
"أنت بتقولي فيها. أنا ناوية على كدة."
أبتسمت مريم مالت على ندى وهمست لها.
"بس بعد شهر العسل. ما تبقيش غلسة."
ضحكت مريم وتبعتها ندى وقالت.
"حاضر. هسيبهم شهر العسل. خايفة على مصلحة إبنك أنت."
أشتدت ضحكة مريم وقالت بعدما هدأت.
"طبعا."
"بس بجد تسلم ايدك. الفستان طالع جميل اوي على سلمى."
"هو أنا عندي أغلى من سلمى علشان أعمل لها فستان."
قاطعهما صوت سمعاه خلف ندى.
"ألف مبروك لسلمى يا ندى."
نظرت ندى للأعلى ووجدت أختها سها تقف أمامها. وقفت ندى وعانقت أختها وإبنة أختها. حيت سها مريم وباركت لها ثم أصطحبت إبنتها وجلست على طاولة أخرى بعيدة عنهم بالرغم من عرض ندى لها لترافقهم. جلست ندى بجوار مريم صامته فسألتها مريم.
"هي مالها أختك؟ مضايقة من أيه؟"
"سيبك منها. هي على طول كدة."
"ربنا يهدي. بس ده غريبة أوي. جاية الفرح ليه مدام هتقلب بوزها كدة."
أبتسمت ندى بسخرية ومالت على مريم وقالت.
"معلش أصل سلمى أتجوزت قبل بنتها."
أتسعت حدقتي مريم وقالت.
"نعم!"
ضحكت ندى بمرارة وقالت.
"زي ما بقول لك. لما عرفت أن سلمى أتخطبت لعمر أتخانقت معي. قال أيه أزاي سلمى تتخطب قبل هنا."
رفعت مريم حاجبها وقالت.
"وسلمى مالها ومال هنا. تتخطب ولا تتجوز شيء ما يخصناش. ده حتى سلمى الأكبر."
"أهه قولي لها. أول لما عرفت أن سلمى أتخطبت بقت تشيل وتحط. أزاي سلمى تتخطب قبل بنتها والمفروض أن بنتها أحلى."
ضربت مريم كف بكف وقالت.
"لا حول ولا قوة إلا بالله. ده مريضة."
"أنا عارفة. بس أهه أختي. هنعمل أيه يعني؟"
"ربنا يهديها. ما تضايقيش نفسك يا حبيبتي."
"لا خلاص أنا أتعودت عليها. ما بقتش أضايق منها. ربنا يهديها. ده هي اللي فاضلة لي."
"ربنا يبارك فيك يا حبيبتي ويهديها."
نظرت مريم لإبنتها أسيل العائدة مصطحبة إبنتها الصغيرة من خارج القاعة. جلست أسيل أمام أمها وسألتها مريم.
"برضه الحمام؟"
"هأعمل أيه؟ كل دقيقتين ماما عاوزة بيبي لما تعبت."
ضحكت مريم وقالت.
"أمال عاوزة تبقي أم بالساهل. لازم تتعبي."
"أديني بتعب أهه. يعني أنا أشتكيت."
ضحكت مريم على إبنتها وصراعها مع إبنتها حتى لا تسكب العصير على فستانها. فجأة خبطت أسيل جبهتها بكفها وقالت.
"صح. أنا نسيت. بابا مستنيك برا. طلب مني أناديك علشان تليفونك مش بيرد."
وقفت مريم على الفور وقالت.
"أنت لسة فاكرة تقولي لي."
"معلش أنا أسفة يا ماما. البت طريت البرج اللي فاضل عندي."
أسرعت مريم خطاها خارج القاعة ووجدت خالد ينتظرها وبجواره شقيقها. صاحت وأرتمت في حضن شقيقها.
"يوسف. وحشتني أوي أوي أوي."
بادلها يوسف العناق ووربت على ظهرها بحنان وقال.
"وأنت كمان وحشتيني يا سرسورتي."
أنسحبت مريم من حضنه ونظرت للأعلى له بغيظ وقالت.
"مش هتبطل الأسم الغلس ده. بيفكرني بالصرصار."
أبتسم يوسف وقال.
"وهو المطلوب إثباته."
ضربته مريم على كتفه بخفة وقالت.
"بس يحسن حد يسمعك. إحنا كبرنا على الهزار ده يا يوسف."
"أنت لوحدك اللي كبرت وبقيت جدة. أنا لسة شباب."
رفعت مريم حاجبها وقالت.
"يا سلام. صح بالمناسبة فين ليندا. أوعى تقول ما جبتهاش معك."
عبس وجه يوسف ونظر لشقيقته بأسف وقال.
"بصراحة لأ. أصل أنا مسافر الليلة. فقولت أكيد هتتعب هي والأولاد من السفر صد رد كدة."
أتستعت حدقتي مريم وقالت.
"نعم؟ يعني أيه مسافر الليلة؟ على الأقل أقعد معنا أسبوع."
"معلش علشان الشغل ما ينفعش. أنا جيت بالعافية."
ألتفتت مريم لزوجها وقالت.
"أيه يا خالد؟ ما تقول له حاجة. أنت ساكت ليه؟"
فك خالد ذراعيه المتشابكان أمام صدره وقال.
"أنا سايبكم تسلموا على بعض براحتكم."
ألتفتت مريم لشقيقها وقالت.
"بجد يا يوسف ما ينفعش كدة. ده أنا فرحت لما شوفتك وقولت هيعوض غياب ماما وبابا الله يرحمهم. تيجي وتقول مش هتقعد معنا."
مد خالد يده ومسح دمع زوجته وقال ليوسف.
"عاجبك كدة؟ أديك عيطتها."
مسك يوسف ذراع شقيقته وجذبها لحضنه وقال.
"ما تزعليش مني يا حبيبتي. بجد مشغول جدا وما ينفعش أسيب الشغل اليومين دول. عندنا تسليم مشروع مهم تبع البنتاجون. وأنت عارفة دول لازم مواعيد التسليم تكون مظبوطة وما ينفعش معهم أي تأخير."
وضع يوسف يده تحت ذقنها ورفع رأسها لتنظر له في عينيه وقال.
"أوعدك أول لما أخلص المشروع ده هجيب ليندا والأولاد وأجي أقعد معكم لغاية لما تزهقي وتطردينا أنت."
أبتسمت مريم وقالت.
"يبقى هتعيش معنا هنا. علشان عمري ما هأزهق منك."
أحتضنت مريم يوسف ثانيا وربت يوسف على رأسها وقال.
"ربنا ما يحرمني منك أبداً."
نظر لهما خالد وقال.
"خلي بالك أن اللي عمال تحضن فيها ده تبقى مراتي."
نظر يوسف بغيظ لخالد وقال.
"ما هي تبقى أختي."
"ماشي محدش قال حاجة. وأنا سكت علشان هي بس أختك. لكن مش تسوق فيها."
أرتخت ذراعي مريم من حول يوسف وأبتسمت وحاولت الإنسحاب من حضن شقيقها. فجذبها يوسف لحضنه ثانياً ونظر لخالد بتحدي وقال.
"أنت خوفت منه ولا أيه؟ ولا يقدر يعمل لك حاجة طول ما أنت في حضني."
ربتت مريم على صدر أخيها وضحكت وقالت.
"معلش علشان ما يزعلش."
رفع يوسف حاجبه وقال.
"أيه ده؟ أنت خايفة على زعله بقى."
أنسحبت مريم من حضن يوسف ووقفت بجانب زوجها وقالت.
"طبعا مش جوزي حبيبي."
نظر لهما يوسف وقال.
"ماشي يا ست مريم. هأطلع منها أنا. ربنا يهنيكم ببعض."
أستدار يوسف وخطى إتجاه قاعة الفرح. نادته مريم وقالت.
"ايه رايح فين؟ أنت زعلت بجد ولا أيه؟"
ألتفت لها يوسف وقال.
"لا ما زعلتش. بس يا دوب ألحق أسلم على العريس وأقعد معهم شوية جوا قبل ما أمشي."
"ماشي يا حبيبي. توصل بالسلامة يا رب."
دخل يوسف القاعة وترك خالد ومريم بمفردهما. نظرت مريم لزوجها وقالت.
"أسيل كانت بتقول أنك كنت عاوزني."
نظر لها خالد للأسفل في عينيها بحب وشوق وقال.
"أيوة. تعالي معي."
أخذ خالد يدها في يديه وتلفت يميناً ويساراً وخطى إتجاه المصعد وتبعته هي.
"مش تقول لي بس رايحين على فين؟"
"تعالي بس معي وأنت هتعرفي كل حاجة بعدين."
"طيب والفرح والناس."
"أنسي أي حاجة دلوقت وتعالي معي."
خرج خالد من المصعد في الطابق الأعلى وتبعته زوجته. مسك يدها وقاد الطريق وتوقف أمام أحد الأبواب وأخرج مفتاح وفتحه. أشار لمريم لتدخل ولكنها قفت مشدوهة ولم تتحرك قدماها وقالت.
"أنت جايبنا جناح شهر العسل ليه؟"
"أدخلي بس الأول."
"أدخل فين يا خالد؟ عاوزني أسيب فرح إبني ونقعد في جناح شهر العسل؟"
"وفيها أيه؟ إبنك وخلاص بيتجوز. والفرح قرب يخلص أصلاً. يعني مش محتاجنا خلاص. كلها ساعة ويروح الجناح التاني اللي حاجزه له. سيبيهم هم مع بعض. وخلينا إحنا مع بعض."
"يا خالد إحنا كبرنا."
"فشر. أنا ما كبرتش لسة."
أقترب خالد منها خطوة وملس على خدها بحنان وقال.
"وبعدين خلاص. بقينا لوحدنا يا قطتي. لا في أولاد ولا مسئوليات. خلينا نعيش شوية بقى عريس وعروسة."
أبتسمت مريم بخجل وقال.
"ماشي."
دخل بها خالد الجناح وأغلق الباب. أنحنى وحملها بين ذراعيه. ضحكت مريم وقالت.
"هتعمل أيه؟"
"هشيلك يا عروسة."
خجلت مريم ودفنت وجهها في صدره. ضحك خالد وقال.
"أنت لسة بتتكسفي يا بيضا؟"
* * *
دخل العريس الجناح المخصص لهم حاملا عروسته بعدما أنتهى حفل الزفاف وأغلق الباب بكعبه. أنزلها وسندها حتى تستعيد إتزانها بالكامل. وقف أمامها ونظرت هي للأسفل بخجل. أحتضن وجهها بكفيه ورفعه ليشبع عينيه برؤيتها وقال.
"مش قادر أصدق أنك هنا معي وبقيت مراتي خلاص. يااااااااااااه أنا كنت مستني اليوم ده بفارغ الصبر."
هربت سلمى من عيونه العاشقة وتمتمت بصوت منخفض وقالت.
"وأنا كمان."
أنحنى عمر وقرب أذنه من فمها وأشار لها بيده لتعيد ما قالته وسألها.
"بتقولي أيه؟ قولي تاني كدة علشان ما سمعتكيش."
هربت سلمى منه ونظرت بعيداً وصمتت. لاحظ عمر خجلها وتورد وجنتيها فلم يلح عليها. مسك يدها وسحبها حتى وصل للسرير. جلس هو أجلسها أمامه.
"أنا بحبك أوي يا سلمى. بحبك من زمان جداً. مش فاكر من إمتى. بحبك من قبل ما أعرف يعني أيه حب. أنا كبرت وحبك كبر معي. من وإحنا صغيرين وأنا معتبرك ملكي. عمري ما تخيلت أني ممكن أفكر في أي واحدة تاني ولا أن ممكن تكوني لحد تاني."
لاحظ عمر صمتها ونظرها للأسفل فوضع يده تحت ذقنها ورفع رأسها وسألها.
"أيه مش هتقولي حاجة؟"
حمحمت سلمى وخرج صوتها ضعيف خافت وسألته.
"أقول أيه؟"
"قولي مثلاً أنك بتحبيني أنت كمان."
صمتت سلمى ولم تجيبه.
"أيه مش هتقولي برضه. مفيش حاجة عاوزة تقوليها خالص؟"
هزت سلمى كتفيها لتعبر عن عجزها عن البوح بمشاعرها.
"يعني أنت مش بتحبيني؟"
رفعت سلمى رأسها فوراً وهزت رأسها نفياً وقالت.
"لا مش كدة."
أبتسم عمر إبتسامة نصر بسيطة وقال.
"أمال أيه؟ ما يا إما بتحبيني أو مش بتحبيني. أنت أيه منهم؟"
همست سلمى وهربت من عيونه العاشقة.
"الأولى."
رفع عمر حاجبه ونظر لها بحب وقال.
"الأولى اللي هي أيه؟ مش بتحبيني؟"
نظرت له سلمى بغيظ وقالت.
"لأ الأولى اللي أنت قولتها."
"اللي هي أيه؟"
زفرت سلمى بضيق وقالت.
"أنت عارف مش لازم أقولها."
أقترب عمر منها وهمس أمام وجهها.
"بس أنا عاوز أسمعها منك."
همست بصوت خافت.
"بـ. بـ بحبك."
صفق عمر بيديه وقال بصوت مرتفع.
"اللهم صل على النبي. أخيراً قولتيها."
تلفتت سلمى يميناُ ويساراً خشية أن يسمعه أحد وقالت.
"بس وطي صوتك. لو حد سمعنا."
ضحك عمر وقال.
"ما تقلقيش. محدش معنا. أنا وأنت لوحدنا. محدش هيسمعنا ولا يشوفنا. وبعدين أنت مراتي. خايفة من أيه؟"
صمتت سلمى وهزت كتفيها. زحف عمر على السرير وأقترب منها أكثر وسند كوعه على فخذه وقال.
"قولي لي بقى بتحبيني من إمتى؟"
"معرفش."
"يعني أيه ما تعرفيش."
نظرت له سلمى وأستجمعت شجاعتها وقالت.
"معرفش من إمتى. كنت زمان وأنا صغيرة أسمع ماما وبابا بيتكلموا إننا مخطوبين. بعد ما كبرت بطلوا يتكلموا في الموضوع ده خالص. لكن أنا عمري ما نسيته. طول عمري وأنا حاسة إني خطيبتك.
"الأول وإحنا صغيرين كنت بتيجي كتير مع عمو خالد وكنا نلعب مع بعض كلنا. لكن لما كبرت بدأت تبعد عني. بطلت تيجي تزورنا. وأفتكرت إنك نسيت خطوبتنا.
"كنت بعرف أخبارك من عبد الرحمن. لما أتخرجت أفتكرت إنك هتيجي علشان تتم خطوبتنا. لكن أنت ما أتكلمتش ولا حاولت حتى تشوفني ولا تقابلني خالص.
"لغاية لما سمعت من عبد الرحمن إنك هتشتغل في دبي. كنت هأتجنن. وتاني يوم بابا جه وقال لي أن عمو خالد طلب أيدي لك. وسألني موافقة ولا لأ."
"وأنت قولتي له أيه؟"
هزت سلمى كتفيها وقالت.
"طبعا قولت له موافقة. وإلا ما كناش أتجوزنا."
"بس أنا أستغربت لما لاقيتك رافضة نعمل خطوبة. وطلبت أننا نقرأ فاتحة بس وبعدين نكتب الكتاب على طول."
"علشان إحنا أصلا مخطوبين من زمان. مش محتاجين نعمل خطوبة تاني. أنا طول عمري معتبراك خطيبي."
"ده أطول فترة خطوبة."
أومأت سلمى برأسها وقالت.
"خطوبة عشرين سنة."
مد عمر يده وملس على وجنتها برقة وقال.
"على فكرة. ماما زمان كانت بتقول لي أني لما كنت بحاول أبوسك كنت بتشدي شعري. يا ترى هتشدي شعري برضه دلوقت؟"
أبتسمت سلمى وهزت كتيفيها وقالت.
"ما أعرفش. يمكن."
"نعم لا يا حبيبتي. الكلام ده كان زمان. أنت دلوقت كلك ملكي."
* * *
"صباحية مباركة يا عروسة."
ضحكت مريم وقالت.
"عروسة أيه يا خالد؟ إحنا قربنا على الخمسين."
"أنا لسة شباب وبصحتي."
رفع خالد حاجبه وأقترب من زوجته الراقدة على السرير وهمس بالقرب من أذنها وقال.
"ولا تحبي أثبت لك؟"
ضحكت مريم وجلست على السرير وتناولت قميص وأرتدته وقالت.
"لا شكراً كفاية إثبات ليلة إمبارح. قوم يا دوب ناخد دوش ونلحق ننزل علشان نوصل الأولاد المطار ونروح بقى بيتنا."
أعتدل خالد في جلسته وقال.
"على فكرة بعد المطار مش هنروح."
ألتفتت له مريم وسألته.
"أمال هنروح فين؟ هنرجع تاني هنا الفندق؟ هو إحنا هنعيش هنا في الفندق ولا أيه؟"
أخذ خالد كفها بين يديه وبدأ يعبث بأصابعها وقال.
"لا مش هنرجع هنا الفندق برضه."
سحبت مريم يدها وقالت.
"أمال هنروح فين؟"
نظر لها خالد بجانب عينيه وقال.
"هنسافر."
"هنسافر فين؟"
"مش إحنا أخيرا بقينا لوحدنا ومفيش ورانا أي مسئوليات. فهنسافر نقضي شهر عسل إحنا كمان. مش بقول لك هنعيش شوية عروسة وعريس."
"هنسافر تاني يا خالد؟ ما لسة من شهرين كنا مسافرين سفرية كل سنة. مش كل سنة بتاخدني وتخليني أسيب الأولاد ونسافر لوحدنا شهر؟ هنسافر دلوقت تاني؟"
"وفيها أيه؟ ما نسافر تاني وتالت ورابع. الحمد لله ربنا فاتحها علينا ومعنا فلوس نقدر نلف الدنيا ونمتع نفسنا. نرفض ليه؟"
"مش نرفض. بس مش كل شهرين."
مسك خالد يديها الإثنين بين كفيه وجذبها له وقال.
"كل شهرين وكل شهر وكل يوم. أنا عاوز أستمتع بحياتي معك يا مريم. أنا تعبت كتير في حياتي وأنت كمان تعبت معي. من حقنا نستريح بقى ونستمتع بحياتنا. ومدام مش بنعمل حاجة حرام يبقى ليه لأ."
أومأت مريم برأسها وقالت.
"ماشي موافقة."
رفع خالد كفيها الصغيرين وقبلهما وقال.
"ربنا ما يحرمني منك أبدا يا حبيبتي."
ملست مريم على شعره وقالت.
"ولا يحرمني منك أبداً."
************************************************************************
تمت بحمد الله

لا تترك يدي (كاملة)On viuen les histories. Descobreix ara