التاسع والعشرين ج2

7.6K 210 29
                                    

بعد نصف ساعةتلفت عبد الرحمن يمينا ويسارا وقد استبد به القلق كثيرا، أين جمال؟ ولما تأخر عليه كل هذا الوقت؟! ليست عادته مطلقاً، التفت خلفه وأشار إلي ساعدة الايمن "فاروق" وصل فاروق وأنحني علي عبد الرحمن "جمال لسه موصلش؟ " "لا يا ريس" "طيب اول ما يوصل يجي لي علي طول فاهم يا فاروق؟ " هز فاروق رأسه وشعر عبد الرحمن بالقلق من هذا التأخير.أما عن جمال فكان بمكان بعيد كل البعد عن المدينة شكلا وموضوعا! ، مكان قديم هرم تتلفت إليه العيون كلما دلف إليه وبات حقا يخشي علي إيهاب بذلك الحي، قديماً كانت الحارة مكان دافئ للجميع أما بعصرهم هذا وبعد انتشار بناء المدن الجديدة وتحديث الأخرى بقيت الحارات القديمة وقد نالها من الفساد والخراب الكثير ففر منها قاطنيها الطيبين اما الآن فلا يوجد بها سوي الهاربين، أو أولئك الذين لا يريدون لأحد أن يعثر عليهم، هنا الأمور تسير بالأوراق المالية ولا وجود للحواسب كي لا يتم كشف أمرك.تجاهل نظرات المحدقين به خاصة ذلك الشاب الذي يضع سماعات بأذنيه وبدى منتشي عن أخرة اللعنة علي المخدرات الإليكترونية!!، صعد السلم المتهالك بقلق عليه بإقناع إيهاب بالذهاب من هنا سريعاً فالمكوث هنا خطر علي كل منهم، صعد إلي الطابق الثالث وفتح القفل الصدئ بمفتاح حديدي، اللهي لم يعد احد يملك المفاتيح الآن.. هي مجرد حافظة بيانات واحدة تحتوي علي كلمات السر أو الشفرات الخاصة بالأبواب والسيارات والمنازل وكل شيء!.فتح الباب المتهالك بأعجوبة ودلف وصفقة خلفة وتخلص من رداءة الواقي وتلفت حوله ليجد إيهاب بنفس المكان الذي تركه به البارحة والطعام أمامه لم يمس.نظر بحزن بالغ الي صديقة بل وأكثر من صديق فقصته مع هذا الشاب غاية في العجب!!!.عندما دلف جمال الي الدار كان بأس للغاية وفوجئ بالمعاملة الحسنة التي تلاقها بالدار. . ذكرته بحنية الحج رجب رحمة الله الذي كان يرعاه ويعلمه تقريباً الوحيد الذي احسن إليه ولم يسبه مثل باقي الحارة بالسبة اللعينة "بن حرام!" الجميع نعته بتلك الصفة التي لا يد له بها مطلقاً عدي الحج رجب الطيب، رجل ذو خلق وأخلاق عالية علمه الصلاة وتصليح السيارات وضع له فراش وسمح له بالمكوث بورشة، يتذكر جيدا زوجته سيدة حنونه وقد عاني الاثنان بسبب حرمانهم من الإنجاب لفترة من الزمن وقد رزقهم الله بعد طول غياب بصبي كان قرة اعينهم، يتذكر تلك السيدة الحنونة "خد يا جمال انا عامله رقاق وصنيه بطاطس باللحمة انا عارفة انك بتحبها" كان يخجل بشدة ولكنها تصر عليه ويشجعه الحج رجب "ادخل يا ولد متكسفش دة بيتك " يجلسوه علي الطاولة وعندما يراقب الصغير وهو يحبو تضحك والدته بحب وتوصية "جمال.. بكرة يكبر وينزل معاكو الورشة أوعي تخلي عيال الحارة يضايقوة، حطه في عينك" كانت توصية بحنان بالغ وأشار هو الي عينية بحب "ده في عنيا يا ست مجيدة، وهعلمه كل اللي اتعلمته من الحج" ليضحك الزوجان الطيبان لهذا الصبي الصغير المخلص.. تحل الفاجعة عليه بوفاتهم بحادث سير وصغيرهم البالغ من العمر ثلاث سنوات حينها يصاب بشدة ويتضرر ظهرة ورفضت عمه الحج رجب استلامة لأنها سيدة مسنة ولن تقدر علي رعاية طفل قعيد فمكث بدار أيتام ولم يستطع جمال الوصول له فلا أحد كان يستمع له بالأساس!.
لتدور الأيام ويدخل جمال الي الدار ويري إيهاب ويشعر نحوه بحب وكان إيهاب هو الآخر طيب الطباع وليس متكبر مثل أحمد بن حسام الصغير، وبعد عامين وأثناء ما كان إيهاب يسجل اسمه بدورة لقسم الميكانيكا وكان الاثنان يتمازحان بأن جمال أخيرا سوف يصبح المعلم، ف إيهاب كان يدرسه الانجليزية وقد كان معلم صارم للغاية، وعندما سجل إيهاب اسمه بالدورة "إيهاب رجب رضوان " لمع الاسم في عقل جمال علي الفور فالورشة الخاصة بالحج رجب الذي يعلمه حينما أنجب ولشدة فرحة أنزلها وكتب عليها "الحاج رجب رضوان وولده إيهاب" وقد قرأها علي جمال عده مرات بفرح بالغ لأن جمال لا يستطيع القراءة.سأل جمال إيهاب بتوتر "هو مش المفروض اسمك يبقي إيهاب محمد شهاب الدين؟!" ابتسم إيهاب "أنا متبني.. بابا لاقني في دار أيتام وعالجني لأني كنت قعيد ولما عملت العملية رجعت علي البيت وبقالي سنين معاهم " أصاب جمال شحوب غير عادي وضم إيهاب بقوة له وعيونه دامعه لقد وجد الأمانة التي كانت توصيه بها السيدة مجيدة دائماً. . لكن الأمانة كانت بألف خير ربما الخير والطيبة التي غمروه بها وهو صغير رددت أضعاف مضاعفة لابنهم وتحققت كل القصص التي يرويها محمد لهم بالدروس الدينية"أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا "وجد جمال أن إيهاب لا يتذكر أي شيء عن عائلته مجرد ومضات من حياة الدار قبل مجيء محمد لأخذه، لذلك لم يحب أن يفسد عليه حياته لكنه لاصقة منذ أن علم هويته كظله يحميه كأخ ويرحب به كصديق وقد كونوا مع طارق وشكري وفاروق مجموعة أصدقاء ذو يد واحده يهبون لبعضهم البعض فالرابط بينهم مشترك. . جميعهم لا اخوة ذكور لديهم لكن هذا ليس أبدا عائق فصداقتهم تحولت الي أخوة قوية علي مر السنين.تنهد جمال من وميض الذكريات هذا وهو يري صديق عمرة وابن الرجل الذي اهتم لأمرة في يوم ما يتألم كل هذا الألم نظرة لا يحيد عن الصورة الورقية التي أخذها من محفظة، الشيء الوحيد الذي آخذة من أغراض عائلة شهاب الدين."إيهااااااب" زمجر جمال بصوت عالي فحال صديقة هذا لا يسر أبدا، لم يكسر إيهاب فضائح أحمد له ولا حتي تهمه السرقة بل حقيقة والديه والنظرة بعيون كل من محمد وآية شعر وكأنه خذلهم بتلك العائلة المخجلة التي أتى بها أحمد ولفق تحليل الدم الوراثي والصقه بهم كابن.- حتي بعدما علم من جمال من هما والداه الحقيقيان الأمور كلها تعقدت له وباتت مريبة لقد نسي في غمرة حب تلك العائلة انه وحيد بدون عائلة حقيقية وتتكاثر عليه الهموم واحده تلو الأخرى ويحاول الخروج من ذلك المأزق بشكل أو بآخر دون استخدام أموال شهاب الدين."بردو مأكلتش!" وضع جمال كيس الطعام أمام إيهاب وتمتم " انهاردة عيد ميلاد البشمهندس عبد الرحمن ،مش عاوز تدخل المدينة بردو؟!" لم يجد رد فاردف "أكيد حور هتبقي هناك" ارتجف قلب إيهاب لمجرد ذكر اسمها وهم بالذهاب من أمام جمال لكن جمال أمسك ذراعه بقوة "انهاردة الجمعة تعالي صلي في مسجد المدينة" تحدث إيهاب بصعوبة "هصلي في البيت".تنهد جمال منه واستحلفه بأن يتناول طعامه ومن ثم وضع الأغراض الجديدة بالثلاجة والمياه ووضع جهاز صغير أمام مكيف الهواء الذي لا يصدر هواء بارد كفاية وأصبح الجو أفضل قليلاً قبل رأس صديقة ورحل منطلق يأمل بأن يلحق بالصلاة في مسجد المدينة ... .***دلف جمال يلهث لقد ارتفع الآذان بالمسجد الكبير وعبد الرحمن بالصف الأول يتلفت حوله لم يتأخر جمال عليه من قبل، ربت جمال على كتف عبد الرحمن وهو يلهث وتنفس الأخير الصعداء عندما التفت ووجده "اتاخرت كده ليه؟!" "آسف والله يا بشمهندس الطريق هناك مقفول " "وإيهاب كويس؟!" قبل أن يفتح جمال فمه كبر مصطفي الامام خاصتهم بالصلاة فتنهد عبد الرحمن وأغلق عيونه لجمال في إشارة معناها بعد الصلاة.انتهت صلاة الجمعة بالمسجد الكبير وخرج جميع المصلين من المسجد وكل من مدحت والأستاذ رؤوف وفهد والجميع تقريبا التفوا حول عبد الرحمن فلم يستطع جمال الاقتراب منه إلا بعد مده طويلة، ذهب جمال وسار الي جوار عبد الرحمن الي مكان هادئ نوعاً ما.علم عبد الرحمن منه أن إيهاب علي حالة لا يرغب بالحديث أو تناول الطعام فقط يريد مغادرة مصر كلها بلا رجعة ولا شيء آخر، شبك عبد الرحمن أصابع يده ببعضها البعض يفكر قليلاً "خليه يجي يعيش معاك مبقاش ينفع يعيش هناك اكتر من كده" "يا ريت بس مش هيوافق! " "فهمه أننا عرفنا مكانه وان بيتك أمان ومحدش هيفكر يدور عليه فيه وجيبه الفجر في عربيتك" نظر جمال لعبد الرحمن بتعب ثم هز رأسه موافق.فهم عبد الرحمن نظرة جمال فتمتم بجدية "واثق فيا يا جمال؟!" ازدرد الشاب لعابة وهز رأسه بتردد لم يشكك يوماً في نزاهة عبد الرحمن لكن عند حدوث هذا الحادث هرع جمال الي عبد الرحمن وأخبره بأن والدي إيهاب الحقيقين توفوا بالفعل وقص عليه حكايته وقتها أعطاه عبد الرحمن رزمة من المال وأمره بألا يترك إيهاب مطلقا وأنه سوف يحل ذلك الأمر، لكن ها هو مر عليه أكثر من شهرين وعبد الرحمن لم يحل أي شيء بالأمر وبدأ جمال يشك بأن أحمد في النهاية بن اخية وهو من سوف يحمي فإذا تفشي كذب أحمد من الممكن أن يسجن بتهمه التزوير في التحاليل ناهيك عن الاختلاس من الشركة!.تحدث عبد الرحمن بهدوء "أنا عارف انت بتفكر ازاي يا جمال اكيد بتقول أنو ابن أخويا والأولى أقف معاه" نظر جمال بخزي الي الاسفل واحمر وجهه بشدة فتمتم عبد الرحمن بحنان للشاب الذي يغرق بالحرج أمامه "أنا ممكن اكشف أحمد وافضحه زي ما فضح إيهاب لكن النتيجة هتكون عداوه بين الاتنين العمر كله وأحمد مش هيستسلم وهيرجع مرة بعد التانية وإيهاب لو أتحمل مرة كرامته مش هتقبل التانية وفعلاً هيمشي وهيبقي مستحيل أنو يرجع البيت، خليك واثق فيا يا جمال" هز الشاب رأسه بحرج "أنا آسف بس إيهاب صعبان عليا قوي" "صدقني لما اقولك أن حقة هايجي لحد عنده وكرامته هتترد قدام الجميع .. بس كله في وقته اتفاقنا يا جمال؟" هز رأسه موافق " اكيد يا بشمهندس" ابتسم جمال له واخذة معه بسيارته وعادوا الي القبة.

خرجت سارة هي الأخرى تتلفت عن أصدقائها لكنها لم تجد سوي أنورين "إيه يا بنتي التأخير ده وسالي ونجلاء وأميرة مفيش حد جه خالص!" سلمت أنورين عليها وبدت رائعة بشرتها البيضاء وعيونها الخضراء المتوهجة بالعسل وجسدها ممشوق ورائع لقد أصبحت أنورين أجمل سيدات الدار علي الإطلاق. "أنت عارفة باخد وقت علي ما أجهز، أنا نازله المدينة عاوزة أجيب هدايا لاحفاد اونكل رؤوف، تيجي معايا؟" "أنا سبقتك روحت مع عبد الرحمن الصبح" زمت شفتيها "أوك مش هتأخر " ودعوا بعض وتلفتت سارة بحنق حولها حتي أمل وآية تأخروا كانت تود لو تمضي أطول وقت معهن فهذا آخر يوم لها معهن، بالغد هي وعبد الرحمن سوف يهربون الي مزرعة صغيرة علي أطراف المدينة العاشرة بها كوخ بسيط من ثلاث غرف سوف يسكنون به ومن حولهم المزروعات والأشجار من كل مكان ولا أحد مطلقاً يعلم عن ذهابهم شيء سوي السيدة نور وفاروق الذي يعد المنزل لهم وهومن سيتكفل بإيصال الأخبار إليهم فهم يعتزمون الحصول على عزلة تامة لا هواتف لا أجهزة إليكترونية ولا حتي مساعد آلي، هم والكتب والطبيعة ولا شيء آخر فهم بحاجة إلى هذه العطلة وبشدة فمشاكل العائلة والدار لا تنتهي أبدا والعطل الوحيدة التي كانت تحصل عليها هي الحج أو العمرة ومن ثم تعود للعمل مرة أخرى. كما وان صحه عبد الرحمن تحتاج إلي تلك الراحة وبشدة فهي تخشي عليه هذه الايام ولا تريد أبدا لأحد أن يلاحظ مرضة، لا تريد لأحد أن يشفق عليه ولا أن تهتز صورته ولو لثانية واحده بعيونهم.
أغمضت عيونها بتعب الي ان أتت لمضة من خلفها تربت عليها وهي تخلع عنها أسدال الصلاة فابتسمت سارة بلهجة معاتبة لكن حنونة "شكلك في الحجاب قمر" برمت لمضة شفتيها "أنا والله هتحجب بس في الوقت المناسب" طرقت سارة ارنبة أنفها بحنان "انتِ عارفة أنا اتحجبت اول ما بلغت في تانية إعدادي، وعمر الحجاب ما كان عائق ليا في أي حاجة في حياتي". تنهدت لمضة لم تكن ملابسها مثيرة أو فاضحة بل علي العكس كانت صبيانية جداً وسبب تأخرها بارتداء الحجاب ليس أبدا عملها بالإعلام أو ظهورها علي الشاشة فظهور الإعلاميات المحجبات أمر عادي جدا الآن ولا يمثل أي عائق، بل هي مغامراتها وتنكرها الدائم من شخصية الي أخري بأماكن غريبة وشخصية جديدة في كل مرة لقد وصلت إلي خمسون قضية الي الآن وتتمنى لو تصل إلي المائة وتخشى أن ترتدي الحجاب ثم تظهر لها قضية تطلب منها الظهور بشكل غير محجب، لذلك تريد أخذ وقتها. ربتت سارة علي يدها "توكلي علي الله صدقيني عمرة ما هيكون عائق في حياتك" هزت رأسها موافقة وتنهدت سارة وهي تبحث بعيونها عن عبد الرحمن "شكلة مشي وسابني خديني معاكي يا لمضة" ركبت الي جوار لمضة التي تقود دراجة نارية صغيرة مخصصة للفتيات لونها وردي والي جوارها عربة تتسع إلي اثنين يفترض بهم انهم الصغار لكن سارة بجسدها الضئيل كانت تجلس بها بكل ارتياح الي ان عادوا الي القبة مرة أخري ودلفت سارة وتركت لمضة تركن دراجتها. وجدت عبد الرحمن بالداخل مع الرجال لوحت له وذهبت الي المطبخ العملاق به أكثر من خمسة عشر طاهي يعملون بكل طاقتهم فالكل سوف يتناول الطعام بالقبة اليوم احتفالا بعيد ميلاد زوجها. شهقت من المفاجأة و هي تتأمل الطهاة "معجزة!!" تركت الفتاة ما بيدها وركضت تضم سارة بحب بالغ "رجعتي امتى؟!" " لسه من يومين مش معقول افوت عيد ميلاد البشمهندس" ربتت سارة علي وجنتها بحب سعيدة بعودتها من فرنسا، أجل لقد اثبتت معجزه مهاراتها وموهبتها الغير عاديه بالطهو واجادت كل من الانجليزية و الفرنسية ودلفت معهد الطهو ثم سافرت الى الخارج منذ عده سنوات ودرست بعده معاهد، استقرت بفرنسا منذ عامين وكانت علي وشك العودة من أجل افتتاح مطعمها الخاص مع فهد الشهر القادم لكنها أتت مبكرة. وضعت معجزة يدها بسترتها البيضاء وأخرجت كفها بالمقلوب لترى سارة خاتم زواج غاية في الجمال شهقت سارة من الفرح وهي تكتم فمها لتلك المفاجأة السارة وسألت بحماسة شديدة "الشيف اللبناني؟!"هزت معجزة رأسها وضمت كل منهم الأخرى "الف مبروك يا معجزة أنتِ بجد تستحقي كل حاجة حلوة " دمعت عيون معجزة ليس من السهل أبدا أن يتاجر بك البشر، أجل لقد بيعت معجزة وهي صغيرة اول مرة وكان لديها تسع سنوات فقط لرجل كبير تزوجها لعده أسابيع وبعد عامين تم بيعها مرة أخري لرجل آخر تزوجها لثلاثة أسابيع واعادوها للوكر مرة أخري من أجل التسول وفي المرة الثالثة حملت بها تركوها علي أمل المتاجرة بصغيرها هو الآخر أما لبيعة أو للتسول لذلك هربت وقبلت مساعدة المشرفين بالشارع علي الفور كي لا يباع ابنها مثلما بيعت هي.

عندما أجادت الطهو وهو الشيء الوحيد الذي أحسنت فعله بالدار لكنها كانت خجله من تلك المهنة أظنتها بلا قيمه حقيقية لكن سارة جلبت لها كتاب باللغة الانجليزية " لمارثا ستيوارت" وعده فيديوهات ل نايجلا لاوسن وحتي طهاه مصريات نالوا ألقاب وجوائز عالمية ولديهم مؤلفات "أنتِ موهوبه ومكانك معاهم أوعي تقللي من شأن نفسك أبدا أنتِ معجزة اسم علي مسمي " تحمست الصغيرة للكتاب المليء بالصور الشهية وقد تعمدت سارة إعطاءه لها باللغة الإنجليزية لأن الصغيرة كانت تتهرب من دروسها فتشجعت علي الدراسة حتي تعلمت الانجليزية وأشارت سارة عليها بالفرنسية كلغة ثانية وذلك لأن المطبخ الفرنسي من أشهر مطابخ العالم وها هي طاهية شهيرة حولت كل المرارة والضرب والرجال السيئين الذين اغتصبوا طفولتها مرة بعد مرة الي وقود كي تصبح انسانة أفضل تفيد نفسها ومجتمعها.خرجت بعد مده من المطبخ تجر طاولة عليها عده مأكولات واتجهت الي سارة التي تجلس علي الطاولة من فوق وتؤرجح قدميها وعبد الرحمن يجلس الي جوارها ومن حولهم فتيات الدار وصغارها.سعد عبد الرحمن حالما رآها علي الفور "معجزة رجعتي أمتي؟!" "من يومين كل سنه وحضرتك طيب" سلمت عليه وبدأت بعادتها المرحة كلما طهت وجبة جديدة وضعتها أمام عبد الرحمن لتذوقها ويبدي رأيه بها، وضعت طبق شهي مقدم بعناية بالغة اشعرته وكأنه في افخم مطاعم باريس من لحم النعام وقد أعجب عبد الرحمن كثيراً تناول شوكة منه وتذوقت سارة هي الأخرى ثم اختطفت لمضة والفتيات الطبق لتذوقه يتحسرن علي قدراتهن المحدودة في إعداد الطعام!.ثم طبق آخر من البط والأخير كان من الحمام تنهد عبد الرحمن "كل طبق احلي من التاني" "أنا عاوزة احلي طبق عشان اللي هتختارة هيكون الطبق الرئيسي في المنيو" زم عبد الرحمن شفتيه الاختيار صعب للغاية!
"اممم الحمام حلو بس رأي عمرة ما هيكون حيادي انا راجل من المنصورة بحب الحمام محشي!، عشان كده هختار طبق النعام" استمتعت سارة بمذاق الطعام الشهي بفمها "فعلاً تحفه بجد تسلم ايدك يا معجزة" سعدت معجزة كثيرا وأخرجت لعبد الرحمن طبق مليء بالحمام المحشي بالأرز مثلما يحب تماماً، أطلق عبد الرحمن صفير عالي غير مصدق "أوعي يكون... " هزت رأسها بثقة بالغة "متحمر بالسمنة البلدي زي ما بتحب بالظبط" شمر عبد الرحمن كميه وهم بالتهام هذا الطبق الشهي وسط تذمر سارة "يا عبد الرحمن ده غلط علي الكوليسترول!!" نفخ كطفل صغير "يوة بقي سبيني براحتي انهاردة يوم في السنه!"، أخرجت لها معجزة طبق صغير حالما رأته سارة دمعت عيونها بشدة ومسحت ذراع معجزة بحب "متشكرة اوي" حالما اشتمت رائحة الطبق سالت دموعها ومع اول ملعقة تذوقت طافت ذكريات والدتها الحنونة التي اشتهرت بإعدادها لهذا الطبق الشهي من الأرز باللبن ولا أحد كان يعده مثلها أبدا حتي السيدة نور لم تستطع اتقانه وحدها معجزة من نفذت الوصفة بنفس نكهة السيدة وفاء.ترك عبد الرحمن الطعام من يده "خلاص بقي يا سارة" مسحت وجهها بسرعة "وحشتني اوي" "تعيشي وتفتكرى لو مبطلتيش عايط هخلي معجزة متعملوش تاني" رفضت بسرعة "لالا خلاص" وظلت تنظر إلي الطبق تشتهي رائحة والدتها به لكنه يأبي الانزلاق بحلقها للوعة الفراق... .توالت الأحداث بعد ذلك وجفت دموع سارة تماماً ودلف فهد زوج سالي يتحدث مع نفسه كالعادة "الجواز وسنينة ... واللي عاوزين يتجوزا!!!" نفخت سارة "مش هتبطلوا خناق بقي عيب والله!" أشار الي عبد الرحمن وهو يلوم نفسه "قولت لي ... قولت لي السنجلة جنتلة وانا مسمعتش الكلام .. استاهل .. والله العظيم استاهل!!"._تزوج فهد من سالي بعد قصة حب جميلة غير معلنه لكن كل منهن كان وجد الرفيق الذي يأنس له، فهد معجب بقوتها وشجاعتها وهي معجبه بكونه متفتح لم
يحاول تحجيم طموحها واحلامها بل استوعبها تماما.
  قسم فهد العام بين مصر وكندا سته أشهر بكل بلد وبالطبع سالي كانت معه، لقد حملت فور زواجها وقررت أنها هي من سوف يعتني بصغارها لذلك لم تعمل اول خمس سنوات من زواجها، لكن هذا لا يعني أبدا أن تترك حلمها كانت ترسل التصميمات لسارة وللمصنع الجديد خاصتهم وسفرها الي كندا أتاح لها فرصة التعلم وأخذ عدة دورات خاصة بشأن الاثاث متعدد الاستخدامات والذي يباع عن طريق الشبكة العنكبوتية مصحوب بكتيب للتعليمات عن كيفية تركيبة، وبعد الخمس سنوات فتحت مكتبها الهندسي الخاص بالتعاون مع المصنع الخاص بالمدينة وقد استقرت هي وفهد منذ خمس سنوات أخيرا بمصر. 
أما عن والدتها فأحيانا كانت تسافر معها كندا وأحيانا أخرى كانت تمكث بالدار بدلاً من المكوث وحيدة بشقتها وقد كان يفرحها حب الصغار لها واقترحت عليها سارة بأن تتولى هي الإشراف على المعلمات و المعلمين بالدار والمنظومة التعليمية عامة وذلك للاستفادة من خبراتها في مجال التربية والتعليم، وقد اسعدها هذا كثيراً الي ان وافتها المنية منذ عامين.
أما عن فهد وسالي فبالرغم من الحب القائم بينهم إلا أن صغارهم وطريقة التربية خاصتهم كانت محور الخلافات بينهم دائما وأبدا، ففهد له طريقة متحررة للغاية وسالي وبالرغم من انتقادها لوالدتها إلا أنها مشبعة تماماً بأفكارها التقليدية لذلك يتناطح الاثنان علي الدوام!.
"مازن عاوز يطلع شيف وحابب يتعلم من الوقتي وينزل معايا المطعم.. إيه المشكلة في كده؟!"، "المشكلة إنك هتضيع مستقبله! " كانت هذه النبرة المحتدة من سالي التي أتت وعواصف العالم كله تبرق وترعد فوق رأسها من الغضب!. تجاهلت سارة محور الشجار فهذا العادي بين سالي وفهد "ساسو اتأخرتي كده ليه؟ وحشتيني اوي!" ضمت كل منهم الأخرى وتمنت سارة امتصاص أي من غضب صديقتها بعناق مليء بالمحبة الخالصة لكن ما إن تحدث فهد مرة أخري حتي اشتعلت هي الأخرى "مش عاوز يصدق إن مازن بيهرب من المذاكرة والدراسة بالشكل ده!" أشار بأصبعه نحوها بنزق
"أنتِ اللي متحكمة وعوزاه يطلع مهندس ديكور زيك ويساعدك في الشغل" كان حانق للغاية، أشارت الي نفسها غير مصدقة "أنا؟!... أنا عمري ما هتحكم في هو عاوز يكون إيه في المستقبل.. لكن يذاكر ويجتهد ويشوف دروسه وتدريباته وبعدين لما يبقي في سن يسمح له أنه ياخد القرار .. يقرر، لكن ده لسه عنده 13 سنه!".
أشار نحوها بغيظ "أنتِ متغاظة عشان هو قرر يطلع زي .. ومش عاوز يطلع زيك" حسنا لكل شيء حد وسالي قد أحمر وجهها بشكل مخيف للغاية فنزلت سارة عن الطاولة علي الفور وهتفت بها "معجزة رجعت من برا تعالي نسلم عليها" وجرتها بالقوة الي المطبخ.
جلس فهد بتعب بالغ الي جوار عبد الرحمن وهو يسند رأسه علي كفيه ثم رفع رأسه مرة واحده يتمتم بغيظ "هتموت الغيرة هتاكلها عشان عاوز يطلع زي .. ومش عاوز يطلع زيها" حك عبد الرحمن ذقنه وسأل بهدوء "هو مازن كان مهتم بالمطبخ قبل كده؟!" "لاء وده اللي فرحني وخلاني رسمت أمال وطموحات وتخيلت أسمه جنب أسمي في المنيو متخيل ممكن نعمل إيه مع بعض.. بس أزاي؟ أبقي مبسوط وفرحان؟! .. لازم تنكد عليا!"،
هز عبد الرحمن رأسه بهدوء ثم تمتم "مشكلتك مع سالي أنك عاوز تدخل في كل حاجة وده مخلي البيت دايما في حاله توتر .. أعتبر نفسك مريض.. أو معتوه .. أو حرفيا متخلف عقليا وأسألها قبل كل حاجة صدقني هتوفر كتير من وجع الدماغ والحوارات بقي علي شاكله الاهتمام مبيطلبش, وأنت بطلت تحبني .. أنا محدش مقدر اللي بعمله عشانكوا, والجو ده،
ثانيا: أنت ابن ناس قوي يا فهد.. الحياة برا ضيعت حرف الحاء من عندك وضاعت مع التناحه!.. الطفل المصري طفل دحلاب.. دحلاب" وأخذ يفرك بين أصابعه وكأن الصغير عبارة عن مياه تسيل من أصابعه!، سأل فهد بقلق "يعني إيه دحلاب؟" "يعني بيدحلب متعرفش تمسكه بين أيدك زي الصابونة كدا كل ما تضغط عليها تتزحلق منك!" هز فهد رأسه موافق "أكيد مازن عاوز يهرب من كورس اللغات أو تدريب معين وقرر أنه يقولك كدا عشان ينزل معاك كام يوم المطعم ويضيع مواعيد الكورس وفاكر أنك هتبقي متساهل معاه".
لمعت عين فهد هذا هو نفس رأي سالي إذا هي ليست مؤامرة نسائية الغرض منها السيطرة علي الصغير!.
"والعمل؟ إيه الحل؟!" ، "بمنتهي البساطة قول له أنو هينزل التمرين والكورسات وفي نفس الوقت هيدرب معاك في المطعم هتلاقي شغفة بالطبخ طار في الهوا!" تهجم وجه فهد وبشدة ثم نظر الي عبد الرحمن "عرفت أزاي؟" تنهد بأسي "صحيح مخلفتش بس ربنا رزقني بشويه ولاد أخوات ولاد كلب!.. علموني الشتيمة علي كبر!!" وفي تلك اللحظة وجد شهاب أبن أحمد يستند علي الطاولة ويسأل بعبث وهو يحرك كل من حاجبية "مرات عمي الحلوة فين؟" قبض عبد الرحمن علي ملابسة من الخلف وهو يعض علي اسنانه وصرخ بصوت عالي "فـــــــــــــــــــــــــــاروق!" جاء فاروق وهو واجم بسبب الحديث عن لمضة والحيرة التي لازالت قائمة به "خد الكلب أبو كبت ده.. علمه الأدب عاوزك تحطه بدل كيس الملاكمة وتدرب فيه اربع ساعات 6 أيام في الاسبوع عاوزه ياكل تراب الاسفلت!".
كان عبد الرحمن في قمه غيظه وفاروق وجد به المتنفس المناسب فقبض علي ملابسة من الخلف وأشار عبد الرحمن بعينيه علي مازن لفهد فهز فهد رأسه موافق فأبنه مهوس حرفيا بالألعاب الاليكترونية "وخد مازن معاه .. عاوز تدريبات وصاية يا فاروق" ذهب فاروق وجر مازن من ملابسة الخلفية بطريقه وهو لا يعي أي شيء لكنه صمت بعد سمع صراخ وتوسلات شهاب بأنه لن يقبل زوجه عمه مرة أخري، فعلم أن هناك عقاب ما لكل منهم لا بد وأن أمر ما أكتُشف من مصائبه!.
_ قذف فاروق بكل منهم لماجد أحد الشباب مفتولي العضلات يصغر فاروق بعامين وقد بدأ تدريباته علي يد عبد الرحمن ولدية صغيران الآن ومزرعة ويعمل أيضا كمدرب للملاكمة بالدار وبالنادي الخاص بالمدينة "وصاية من البشمهندس عبد الرحمن روق عليهم 4 ساعات كل يوم ، اسبوع بالكتير وأنا اللي هدربهم" كان فاروق حانق للغاية فهز ماجد رأسه "طالما من البشمهندس أعتبرهم انتهوا خلاص.. يالا يا بابا أنت وهو لفوا التراك اربع مرات" هلع شهاب "اربع مرات ليه؟" فانحني ماجد بجسده الضخم وصرخ بوجه شهاب "بقوا تمانيـــــه!!" فركض كل من مازن وشهاب من أمامه.
لوح فاروق لصديقة وغادر لقد وصل فاروق الي درجات عليا بالملاكمة حتي أنه أخذ بطوله وجائزة لفوزه بالمركز الثالث علي الجمهورية لكنه أعتزل مباشرة بعد حصوله علي المركز.
صحيح ان الملاكمة تخرج الطاقة الموجودة بداخله إلا أنها رياضة عنيفة وقد سأم فاروق من ضرب الاخرين فتنحي عنها بعد حصوله علي المركز إلا أنه يدرب الصغار بدار الشهاب تطوعي يومان بالأسبوع أما عن عمله فقد بلغ فاروق الثمانية عشرة بعد عامين من دخوله الدار وبعد أن انتهت مده إقامته شجعة عبد الرحمن علي الإقامة بالدار وكان أكبر الموجودين بالدار حينها فأعطاه فدانين من التي حصل عليها من الدولة كتعويض ولكي يستغلها من أجل الدار وقد أستثمر فاروق المبلغ الذي أدخر من العمل بالدار بالأرض التي أخذها وبعد ثلاثة أعوام نجح عبد الرحمن في الانتخابات وتحقق قانون الخمسة أفدنه وحصل فاروق رغم بلوغه الحادية والعشرون حينها علي الخمسة أفدنة وقام بذراعتها بأشجار قيمة ما بين الفستق الحلبي وأشجار المانجو ومع تخرج الصغار واستلامهم اراضيهم بدأ هو بالاستثمار معهم بزراعة الأرض ورعايتها وجمع المحصول مقابل ثلاثون بالمائة من المحصول ويرعي الآن أكثر من سبعة ألاف أفدنه ولديه جيش من العمال سواء من البالغين أو من صغار الدار أو حتي من صغار سكان المدن العشرة الذي يعملون بالعطلات أما عنه هو فأصبح يملك خمسمائة فدان ملك له فهو يعمل ليل نهار بلا هوادة ومعظم خريجي مؤسسة الشهاب يثقون به كي يزرع لهم أراضيهم فليس الجميع مهتم بالزراعة علي أي حال.
بالواحدة والعشرين دلف الي مدرسة الزراعة بعد معاناه مع التعليم فكي يتعلم الانجليزية أضطر الي إعادة الدورة مرتين أما الفرنسية فأضطر الي إعادتها أربع مرات!!، ودروس الحاسب كان محظوظ بها ولم يحتاج الي إعادتها، المهم أن سارة وعبد الرحمن مهما فشل شجعوه كي يحاول مرة أخري أو حتي قرصوا أذنه عقابا علي فشلة!، إلا إنه كان ممتن وبشدة فتلك العلوم مكنته من تحديث أليات الزراعة يوما بعد يوما والحصول علي أكبر قدر من المحاصيل.
وها هو بالثانية والثلاثون شاب ناجح ، نجح بعمل مستقبل باهر له لكن لم ينجح في أنشاء الاسرة التي يحلم بها.. منذ أن دلفت لمضة الي الجامعة أي قبل أكثر من سبع سنوات وهو يتمني لو يتقدم لها، لكنه تراجع لمضة بنت حلال معلوم نسبها وأصلها أما هو فلا وها هي تريد أن تصبح إعلامية وتلقي كل الدعم والتشجيع من سارة وعبد الرحمن والكل فخور بها، منَ هو ليحبط دخولها الي الجامعة؟ ويجلسها بالمنزل كي تتزوجه! فصمت عن طلب يدها لكن قلبه لم يصمت يوما عن حبها!، تنال اعلي الدرجات وتتخرج وتعمل والنار تشتعل بقلبة خوفا وقلقا عليها الي متي سوف ينتظر في صمت؟ لكنها لا تشجعه مطلقا ولا تقبل منه أي كلام!، تنهد وتحدث الي المساعد الآلي خاصته الموصول بسماعات بأذنه "شهبور كلم نادر يبعت عربيه الفاكهة حالا"
لقد صمت لأكثر من سبع سنوات ولن يصمت يوم آخر بعد الآن!.
***
"يالا يا ولاد جيبوا اللي جمعتوه هنا وروحوا عشان معاد الباص" كان الصوت الحنون لمريم اخت طارق تنادي علي اربعة صغار يبلغون من العمر الثانية عشرة يعملون معها اربع ساعات يوميا لكن اليوم عطلة وليس أي عطله أنه عيد ميلاد المهندس وعام بعد عام جعلت منه الدار عيد لها بل وأجازه رسمية!.
ركض الصغار بالسلال نحوها لقد أمرتهم بعدم جمع الكثير فديدان القز خاصتها بطور متقدم للغاية تبلغ من العمر أيام معدودة ولا تأكل الديدان بكثره في تلك المرحلة وضع الصغار السلال وأشارت هي لهم بمرح "يالا أغسلوا اديكوا ووشكو ومتنسوش تحطوا الواقي تاني" سألها أحد الصغار "لسه بدري مش هنأكل الدود؟" فركت شعرة بمرح "لا أنهارده هتشتغلوا ساعة واحده بس بمناسبة عيد ميلاد البشمهندس والراتب بتاعكو الاسبوع ده اتحول خلاص" فرح الصغار بشدة وغسلوا ايديهم ووضعوا الواقي الشمسي ومن ثم ارتدوا الواقي الآخر وناولتهم مريم شطائر أعدتها لهم "يالا بسرعة قبل الباص ما يفتكوا وأول ما توصلوا تبلغوني او تبعتوا رساله" شكرها الصغار وركضوا فرحين بالخارج يتحدثون عن ما سوف يفعلوه بهذا اليوم الرائع، أنهم أيتام فقدوا ابائهم بشكل أو بأخر مثلها تماما وكم تعلم ماذا تعني لهم أي لفته اهتمام أو حنان فقد كانت تعني لها العالم بما فيه.
أخذت عشرة سلال مليئة بأوراق التوت وذهبت ناحيه الحظيرة خاصتها لكنها حظيرة خاصة أنها حظيرة دود وليس حيوانات!، أشعلت آلة تقوم بفرم أوراق التوت الي أجزاء صغيرة كي تتمكن اليرقات من تناولها بسهولة ويسر، قديما كانت تقطع الاوراق بالسكين لكن الآن العمل اسهل وأيسر كثيرا بفضل الآلات الحديثة لقد صمم جمال تلك الآلة لها وأيضا هو الذي قام بتركيب معمل الغزل لها، واحمرت وجنتيها بشدة الي ان انتهت من فرم التوت يبدو أن الآلة توترها مثل صاحبها تماما!.
أخرجت أدراج صغيرة معلقه بالحائط بها اليرقات الصغيرة وأخذت تضع لها اوراق التوت وهي تتحدث معها بحنان لقد مارست الكثير من المهن بالدار وهي صغيرة لكن هذه هي التي استأثرت حبها وشغفها تعشق كل مراحلها عدي جمع ورق التوت!، تعشق إطعامه ومشاهدته يتناولها وكيف ينحت الورق من أعلي الي اسفل كي يحول ذلك الورق بطريقة عجيبة وهبها الله له الي حرير خالص، وتعشق رؤيته يلتف حول نفسه وهو ينسج الحرير وتعشق جمع الشرانق ووضعها بالماء وحلها الي خيوط حرير، لقد دلفت الي الجامعة وأصبحت معلمه للأطفال بمرحله الروضة وقد تم تعينها فور تخرجها وذلك لمهارتها في التعامل مع الاطفال حتي أنها كانت تعمل اربع سنوات الجامعة بالعطلة مع نجلاء بالحضانة خاصتها وحينما تخرجت وظفتها نجلاء علي الفور وتعتبر الروضة خاصتها من افضل مدارس الصغار بالمدينة.
لكن يبقي شغفها بصنع خيوط الحرير هو الأول لقد زرعت أربعة افدنه كامله بشجر التوت وذلك لأنها تعلم مدي حبها لتلك المهنة وأنها لا تريد غيرها أما عن ثمار التوت فصديقتها روان وخطيبة أخيها تملك مصنع صغير لصناعة مربي التوت وتقوم مريم بأرسالها لها وروان ترسل لها الاوراق حتي طارق يرسل لها الاوراق فبعد انشاء أية ومحمد مصنع للحرير بالمدينة أصبح الطلب هائل علي الحرير، أنهت عملها وتلمست عده خيوط معلقة قرب الباب اثناء خروجها فهي لا تمل من ملمس الحرير تحت يدها إطلاقا.. وأغلقت الباب وفعلت والكاميرات ووضع الحساسية الخاص بالحظيرة كي تتمكن من مراقبة الدود علي الدوام كما أن المساعد الآلي خاصتها ينبهها فور انتهاء الطعام، ذهبت الي منزل طارق الذي سارع بضمها هي وملك الي حضانته فور أن أسسه وخرجت كل من الاختين من الدار مع طارق الذي رفض تركهم هناك وحدهم، ارتدت ملابس ملائمة للمناسبة وعدلت من طرحتها ووضعت الواقي وأخذت دراجتها النارية الوردية الصغيرة بعد أن تم شحنها بالطاقة وانطلقت الي الدار.
***
ربتت علي بطنها بحب ثم أخذت سلة صغيرة من الخوص وخرجت من منزلها وسارت قليلا ومن ثم جلست علي الدراجة النارية الوردية خاصتها وقادتها لدقيقتين في الحقيقة المسافة بين قن الدجاج والمنزل لا شيء لكنها أصبحت كسولة للغاية بعد الحمل، "كارما .. كارمــــــــا" صاح زوجها وهو يتنهد بتعب من غرفة الصغيرة المنتظرة لقد طلب السرير البارحة وتم شحنه ولم يحتمل للحظة وأخذ كتيب التعليمات وقام بنصبة بالكامل وها هو قد انتهي ونادي علي زوجته كي تري السرير بعد أن تم تركيبة لكنها خرجت لابد وأنها ذهبت لقن الدجاج لا يعلم ما هي قصتها مع البيض؟!! لم يسمع من قبل عن امرأة توحمت علي البيض مثل زوجته!.
نظر الي السرير بفخر وانحني علي ركبتيه وأخذ يمرر كفه عليه وهو يتمتم
"سارة ابراهيم" أجل هذا هو اسم الصغيرة التي سوف تحتل السرير بعد شهرين من الآن زوجته من أقترح الاسم وهو وافق علي الفور فلا أحد بالمدينة لا يحب سارة زوجه المهندس وحتي سارة الصغيرة ابنه اخيه ملاك يسير علي الأرض جعل الجميع يعشق الاسم، هو بالذات يدين لكل من سارة وعبد الرحمن بالكثير، دمعت عيونه بشدة سوف يضمن لتلك الصغيرة مستقبل جيد سوف يحارب كي لا تذوق أي من المرار الذي ذاق فإبراهيم كبر ليجد نفس بدار رعاية كانت سيئة كثيرا مليئة بالعفن شكلا وموضوعا وهو بالسابعة تعرض للضرب المبرح والاغتصاب علي يد مشرف قميء بالدار فهرب، وجحيم الشارع لم يرحمه فقبل المساعدة من إحدى الشباب وذهب الي دور رعاية في الثلاثة أيام الأولي كانت الامور جيدة وشعر أن الله عوضه لكن أكتشف أن الدار ليست سوي واجهه لجمع التبرعات وبمجرد ما يذهب المشرفون والخيرين يظهر من بالدار أنيابهم الحقيقية، ألا يكفي اليتم والوحدة؟!، ألا يكفي عدم وجود أب يحمي ضهره أو أم تضمه الي حضنها؟!، تري كيف هو طعم الحضن؟!!،
ظل يتساءل كثيرا بعد عده أشهر نال ضرب مبرح هو زملائه بسبب دخولهم المطبخ ليلا من أجل تناول الطعام فقد كانوا جوعا قرر زملائه الهرب وفر هو الأخر معهم وبعد مده من الركض بين الاشارات ومسح السيارات وبيع المناديل تعب.. فالبرد بالشارع صعب للغاية ولا ملابس جيدة معه قبل بالمساعدة ودلف الي دور رعاية مرة أخري ولم تختلف عن سابقيها مجرد وجهه لجمع التبرعات ضرب, ذل, إهانة, حسنا هرب مرة أخري عليه بأخذ فترة من الراحة أجل ربما حرم من كل شيء لكنه لم يحرم من الحرية بعد، إلا أن بلغ الثانية عشرة وقد تعب وهذه المرة مرض بشدة مرض عضال وظل بجوار متجر لثلاثة أيام لا يتحرك أشفق عليه صاحب المتجر وهاتف أبنه الشاب كي يجد له مأوي فسمع حديثهم من بين هذيانه "في دار حلوة جدا علي الفيس بوك بيهتموا بأطفال الشوارع أنا هبعت لهم رسالة" وبأخر شعاع من شمس هذا اليوم وصل أحد المشرفين وساعده برفق علي الدخول الي سيارة فحدثته نفسه "أجل أجل.. دائما ما تكون البدايات جميلة لا بأس هو يعلم أنه مريض وبشدة ولا يعلم ما هي علته بالضبط؟ سوف يذهب فقط معه حتي تتم معالجته فقد ذهب للصيدلي وتوسل له كي عطية أي شيء يشفيه ولم يساعده أحد!.
وصل الي الدار ولن ينكر أنه لم يدلف الي دار بحجمها أو بنظافتها من قبل والصغار بها يلمعون من النظافة ويركضون بمرح وسعادة حتي المشرفين معظمهم سيدات وصغيرات بالسن واللعنة أنهن يضحكن!!، حسنا لقد أرتعب لابد وأنهم سوف يسرقون أعضائه سوف يقتلوه، شعر بالذعر لوهله ثم نهر نفسه "لماذا تريد الحياة علي أي حال أيها البائس؟!".
نظفوه بعناية وحلقوا له شعرة والطبيبة فحصته بقلق "ما هذا هل تقلقون من أجل الصغار هنا؟!!" حجزوه بمفرده لمده وقدموا حساء ساخن له، كان لذيذ لكن بسبب المرض لم يستطع ابتلاع سوي ملعقة واحده منه، أتت سيدة صغيرة قصيرة مسحت رأسه بقلق "أسفة الدكتورة اللي هنا جلدية بس هنضطر ناخدك الوقتي المستشفى" ومن كيس جديد أخرجت جاكيت جديد للغاية والبسته إياه بنفسها وساعدته علي النهوض "اللعنة ما الذي يريده هؤلاء؟!" دق قلبه بعنف وقلق لا يهم .. لا يهم سوف يهرب ما أن تتحسن صحته المهم أن يشفي من مرضة.
بعد عده أيام بدأت صحته بالتحسن وأخرجته السيدة القصيرة علي كرسي متحرك الي الخارج "لازم تشم هوا وتغير جو الدكتور قال كلها كام يوم كمان والالتهاب اللي عندك يخف تماما وتجري وتلعب وتاكل كل اللي نفسك فيه" كانت تتحدث بمرح وهو علي حاله لا يجيب يخطط للحظة التي سوف يهرب بها لا غير، وجد تجمع الصغار يركضن نحو مكان ما بحماسة شديدة وفتاة حمراء الشعر تركض نحو سارة "الماتش بدأ بسرعة تعالي ألا يفوتك يا موكوسه؟!!" كيف يتحدثون مع المشرفة هكذا؟! لم يكن يعلم حينها أن لمضة تتحدث مع أي كان هكذا؟! حتي لو كان رئيس الجمهورية نفسه لن يهمها!!" شهقت السيدة وجرته بسرعة الي الامام ثم توقفت وضعت أصبعها الصغير علي انفه تحذره بعبث "لو شجعت حد غير بودي هقتلك" وأشارت علي رقبتها بعلامه الذبح ثم ركضت من امامه شأنها شأن الصغار،
صعد الرجل ضخم البنيه يعلم أنه صاحب الدار بالطبع يليق به الضرب!، ورجل أخر أمامه قوي البنيه إلا أنه ليس بضخامة الاول علم فيما بعد بأنه أخيه أحمد، وبدأ الملاكمة والصغار يصرخون بحماسة غير عادية والجميع بلا استثناء يشجع الرجل ضخم البينة صارخين باسمه بحماسة شديدة ، كيف يحبونه؟ كيف؟! أنه المارد العملاق الذي يجلدهم ليلا لما يشجعونه هكذا؟!"، انتهت المباراة بفوزه وصراخ وهتاف وتشجيع غير عادي من الصغار جعل الدموع تنزل من عيونه بلا هوادة وبدأ الجميع بالصعود الي الحلبة بالهرج والمرج يلكمونه ويصرخون وهو يحمل من يستطيع حمله ويقذف به في الهواء بعد مده هدأ الصراخ ووجد صغير مثله يقف أمامه يسأله بمودة "أنت كويس تحب أخدك جوا الدار؟" نظر له لا يعلم .. لا يعلم أي شيء ولا اين يريد الذهاب؟!، مد يده بمحبه واضحة "أنا إيهاب، أنت جديد هنا؟ أصلي مشوفتكش قبل كده" هز أبراهيم رأسه وعرفه بنفسه ووجد الرجل الضخم قادم نحوهم يمسح وجهه بالمنشفة وأنحني وهو يلهث "ها يا ابراهيم عامل إيه الوقتي؟!" اللعنة يعلم اسمي "هز رأسه في اشارة غبية لا يعلم ماهيتها حتي؟" ربت علي كتفه "شد حيلك يا بطل كلها كام يوم وتجري وتلعب برحتك" وغمزة بعبث وهو يلوح بكفيه في حركه الملاكمة "هدربك ملاكمه لو عاوز"  أتت اربع صغيرات بفساتين براقة يركضن خلف عبد الرحمن وهتفت الفتاة حمراء الشعر
"حلاوة ما كسبت يا أخويا ولا عاوز تاكلها علينا؟!" نفخ الرجل الضخم بسخرية
"أنا أقدر؟ ليه مستغني عن عمري؟!، أدني فرصة بس أخد دوش" " لا الوقتي الايس كريم .. الايس كريم" وأخذن يزقزقن بصوت رفيع جميل كالعصافير مرددين بمطلبهم علم فيما بعد بأن أسمائهم لمضة وملك ومريم وروان يسيرون مع بعض دائما، استنجد الرجل الضخم بالقصيرة "يا سارة الحقيني!" نظرت له لوهله ثم رفعت يدها لأعلي وتمتمت بحماسه شديدة مع الصغيرات "الايس كريم.. الايس كريم" ضيق ما بين عينيه بشدة وترقب ابراهيم سوف يخرج عن طورة في الحال وبالفعل انحني الرجل بحركة سريعة للغاية وحمل الاربع صغيرات مرة واحده وهن يصرخن بشدة .. ولكن من الضحك!، "أعمل فيكوا إيه الوقتي؟ وفي شقوتكوا دي!" ثم أنزلهم وحاول الهرب منهم لكنهم ركضوا خلفه ولم يكفوا عن الصراخ والضحك، حسنا لم يري شيء مثل هذا بحياته كلها، علم في تلك اللحظة بأنه لن يهرب فور شفائه وها هو هناك منذ ذلك الحين.
تخرج من الجامعة لكنه كان محب للزراعة وهو الآن بالثامنة والعشرون من عمرة ولديه ثلاثة ألاف متر من الصوب الزراعية الخاصة به المزروعة بطريقة الاكوابونيك والفين متر أخرين استثمارات خارجية وحلمه أن تصبح الخمسة أفدنه خاصته كامله مزروعة بالصوب ولكنها مكلفة للغاية لذلك فهو يسير رويدا رويدا علي هذا الطريق عام بعد عام، لديه ماعز صغيرة وقن دجاج وأشجار متعددة للفواكه وزوجته كارما درست الي أن تخرجت من كليه الآداب هي الأخرى لكنها ايضا لم تحب العمل بل تعشق الزراعة والمزرعة لذلك الاثنان يمضيان اليوم كله مع بعضهم البعض بالصوب بحلب الماعز أو جمع البيض وتصنيع الجبن فزوجته ماهرة للغاية وقد تزوج الاثنان منذ عامين بحفل زفاف رائع حضرة كل أبناء دار الشهاب والنور والكل بلا استثناء قدموا لهم الهدايا أنه تقليد ولا بد علي كل من ابناء الشهاب والنور القيام به ويفعلوه معا بكل الحب فهذه هي عائلتهم الوحيدة التي حصلوا عليها، أتت زوجته الجميلة أخيرا وأخرجته من شروده فرمش بعيونه وتنحنح "أخيرا، مش قولت لك هطلع أنا أجيبه يا كارما!" ابتسمت له بحب لم تكن باسم من قبل وعندما وصلت الي الدار طرقت سارة ارنبه انفها بمرح وهي محتارة بين الاسماء "إيه رأيك في أسم كارما؟!" لم تعلم معناه حقا وقتها لكنه بدي وكأنه اسم "أبن ناس!" فهزت رأسها موافقه.
تنهدت كارما وهي تربت علي بطنها لقد وضعت البيض الذي جلبته علي النار مجرد عشر بيضات للإفطار!، "بنتك جعانه أعمل إيه؟ مقدرتش استني" غمزها بمكر "بنتي بردوا؟" شهقت بصدمه "قصدك أني أنا الي باكل الاكل ده كله، والله دي طلابات بنتك لما تخرج ابقي اتفاهم معاها" والتفتت الي السرير الوردي" واااااو تحفه بجد يا ابراهيم" ذهبت لتضمه بحب وحنان لم تحصل أبدا علي شيء جميل كهذا قبل دخولها الي الدار لكنها وبلا شك سوف تحرص كل الحرص علي حصول ابنتها علي كل شيء جميل تتمناه.
***
جلست ملك أخت طارق الصغرى علي طرف طاولة سارة وعبد الرحمن العملاقة بعد أن رحبت بهم واستمتعت بمزاحهم وشجارهم الذي لا ينتهي فدائما ما يدعي المهندس الاختناق من زوجته التي لا تتركه ولو لثواني وإذا ما غابت أكثر من خمسه عشرة دقيقة عن ناظره يتلفت حوله بقلق "سارة فين؟، أنتو شايفنها يا بنات؟!!" وملامح القلق بادية علي وجهه بجدية لا بعبث!، تري هل من الممكن أن تكون متعلقة بزوجها في المستقبل الي هذا الحد؟، نفضت الفكرة من رأسها بخجل حسنا أنها في الثانية والعشرون من عمرها يفترض بها أن تفكر بالارتباط لما الخجل؟!، لكن لا.. لن تفكر فهذا الشيء بعيد المنال عنها بعد السماء عن الأرض!.
لم يدلف طارق الي الجامعة لكنه تخرج من مدرسة الصناعة، وأختها دلفت الي كلية رياض الاطفال أما عنها هي فدلفت الي كلية الصيدلة رغم أن مجموعها مكنها من الدخول الي طب أسنان لكنها رفضت وبشدة، هي مصممة علي الصيدلة لهدف واضح لديها وقد جن جنون طارق الذي يتمني رؤيتها بأعلى المراتب محققا أمنية والديه بعد أن فشل هو في الدخول الي الكلية والآن وبعد تخرجها الشجار دائر علي أوجه بينها وبين طارق فمنذ خمس سنوات تدخل كل من سارة وعبد الرحمن بعد توسلاتها وأقنعوا طارق بتركها الدخول الي كلية الصيدلة طالما أن هذه هي رغبتها الحقيقية وأنها سوف ترسب إذا ما دلفت الي كلية لا ترغبها وبالنهاية رضخ لرغبة كل من وأولياء أمره وسمح لها بالدخول الي كلية الصيدلة.
تفوقت بالكلية فهي لها هدف محدد تتمني لو تتعلم كل شيء عن التراكيب الطبية والمستحضرات ولأنها تجيد الانجليزية والفرنسية بطلاقة شديدة وذلك لأنها كانت محظوظة وبدأت دراستها بالدار بسن السادسة من عمرها ساعدها ذلك للتوسع ببحر العلوم وقراءة مختلف الابحاث وتخرجت الثانية علي دفعتها ومن الممكن أن يتم تعينها بالكلية أيضا لكن هذا ليس هدفها علي الاطلاق!.
لتصطدم بطارق مرة أخري الذي يريد أن يفخر بها ويراها بأعلى المراتب ويلح عليها بأن تصبح معيدة بكلية الصيدلة لكنها ترفض وبشدة هي لا تريد ذلك الاتجاه مطلقا فلديها أحلام وطموحات خاصة بها تعمل علي تركيبة خاصة لمواد التجميل لكنها فريدة من نوعها فبعد أن فعَلت أميرة منذ أكثر من ستة عشر سنه قسم تصنيع العطور والمواد التجميلية الطبيعية ضمت سارة خمسه صيادلة موهوبين وتوسعت العلامة التجارية لتشمل الكثير من مواد التجميل التي تصنع من مواد عضوية غير مؤذية للبشرة مع أتجاه العالم كله الي المواد المصنعة من الطبيعة وحققت تلك العلامة التجارية ارباح عالية.
أما عن ملك فتريد تحقيق حلم أخر خاص بها تريد صناعة ماركة باسمها لمستحضرات التجميل .. لكنها بمواصفات خاصه ماذا لو أجتمع الجمال بالعلاج؟، تعمل علي تركيبة لمستحضر كريم الاساس من مواد طبيعية خفيفة علي البشرة وكذلك تعمل علي إصلاح العيوب الخاصة بالبشرة مع الاستمرار علي استخدام المنتج والي الآن نجح المستحضر خاصتها بعد الاستخدام المتواصل لأربع اشهر لإخفاء ندبات حب الشباب لدي ثمانية من أصل عشرة فتيات أجرين تجربه بهذا المستحضر سوف تكون ثورة بعالم التجميل وذلك الأمر يهمها علي وجه الخصوص بشكل شخصي.. ومؤلم!، وتحسست ركبتها بحزن بالغ الحرق الذي نالته بالدار الاولي ويدمر نفسيتها فهو يمتد من أسفل ركبتها الي أعلي فخدها بشكل مقزز أنها فتاه يفترض بها أن تكون جميلة بسيقان جذابة لا مشوهة!.
رفعت يدها وعادت تركز بجهازها اللوحي مرة أخري تعيد الحسابات لقد استلمت الارض خاصتها بسن الثمانية عشرة وقام طارق بإعطاء الارض لفاروق كي يزرعها بأشجار البولينا وذلك لأنه يتم جزها بعد ثلاث سنوات وأخته لم تقرر بعد ما الذي تريد زراعته أو ما الذي تريده من الأرض وتمكنت من زراعه الخمسة افدنه مرة واحده بكل يسر فهي تعمل منذ أن كانت بالسادسة ورغم أن الاعمال تكون بسيطة للغاية بذلك العمر إلا انها تحقق ارباح علي أي حال حتي لو كانت بسيطة وبسبب تفوقها الدراسي كان لديها الكثير من المنح من الدار والمكافآت لذلك فرصيدها كان بحاله جيدة وبعد ثلاث سنوات كانت لا تزال بالجامعة فحصد فاروق الاشجار وقام بزراعة غيرها وبعد اسبوعين سوف يتم حصاد اشجار البولينا وتصبح الأرض ملك لها، وبالرغم من أن رصيدها بألف خير إلا أنها تريد زراعه نباتات خاصة ونادرة وسوف تكلفها الصوب وزراعة تلك النباتات ثروة لا بأس بها وهي لا تملك ربع المبلغ حتي!.
ارادت الحصول علي قرض أو طرح أسهم للمستثمرين.. لكنها اصطدمت بطارق مرة أخري الذي يفكر بشكل تقليدي للغاية، "طالما رفضتي الوظيفة اللي في الكلية يبقي تشتغلي بشهادتك الفلوس اللي معاكي هتفتحي بيها صيدلية يا دكتورة مش هتضيعي تعب السنين دي كلها عشان في النهاية تبقي بتاعه مكياج!".
طارق فكرة متحجر للغاية لا يستطيع أن يفهم كم يعني لها العمل علي هذا المشروع بل وكم يعني لفتيات الكرة الارضية كلها!، لقد مارست الكثير من المهن بالدار شأنها شأن كل الموجودين بالمكان لكن مكانها المفضل والتي ظلت به كان فريق أميرة لصناعة المستحضرات وطارق يظنها تريد نفس الوظيفة لا يعلم أنها تريد ابتكار مواد تجميلية جديدة تعالج البشرة وتجملها في آن واحد!، ولم ترغب بالذهاب الي سارة وعبد الرحمن الي الآن وذلك لأنها أكيدة من أنهم سوف يقنعون أخوها بكل تأكيد لكنها سوف تشعر بحرج بالغ فعبد الرحمن بالتأكيد سوف يسألها عن كيفية تمويل نفسها وهي ليس لديها المال الكافي الي الآن ولن يتأخر هو أو سارة لثانية واحده من أجل تمويلها أو عرض عليها قرض من حساب الدار، وهي لا تريد ذلك فقط موافقة أخيها كي يتركها تفعل ما تريد وتؤسس معمل محترم تكفيها!.. لحظة معمل!! وجدتها، لمعت الفكرة برأسها مرة واحده انه هو.. عبقري الدار معاذ سوف يقبل بتمويلها أنه يقوم بتمويل المشاريع الجديدة للكثير من أبناء الدار سوف تذهب له .. حسنا والآن بقي دور طارق!.
دلفت مريم أختها وسلمت علي كل من سارة وعبد الرحمن وجلست معهم قليلا إلي أن اتت سالي وزوجها وذهبت سارة فعادت هي الي طرف الطاولة الي جوار اختها المنهمكة ما بين الجهاز اللوحي والدفتر خاصتها.. لم يعد أحد يستخدم الورقة والقلم!، لكن سارة الكبيرة لازالت تفعل والكثير من الفتيات يقلدونها.
دلف جمال بعد أن رتب عده أشياء بخصوص اصطحابه لإيهاب بالغد ووجد ضالته بطرف  الطاولة.. الجميلة مريم بحجابها الرقيق ووجهها الابيض المنير ووجنتيها التي تحمر حالما تراه وهذا الاحمرار اللذيذ يعزف علي وتر قلبة أحلي الالحان، توجه ناحيتهم وجلس الي جوار مريم في مقابله ملك التي تعبث بوجهها وعندما رأي الدفتر والحسابات تمتم بتأوه "شامم ريحه خناقة وشكلي هضَرب من أخوكوا انهارده، صلي علي النبي يا ملوكه!" ملك الصغيرة أخت طارق بشعرها البني الخفيف القصير وبشرتها الحنطية علي عكس أختها البيضاء ممتلئة الجسد كانت ملك نحيفة وصغيرة الجسم للغاية دائما ما تظل الصغرى صغيرة بعيون الجميع .. تقريبا!.
وطارق كان محظوظ بحصوله علي عائلة وكل من جمال وفاروق وشكري كانوا دائما حوله يحسدونه نوعا ما لأن له عائلة ويحاول هو الحفاظ عليها وأصبحوا هم عام بعد عام جزء من تلك العائلة.
تمتمت بغضبها الطفولي وهي تقفل الدفتر أمامها بغضب "من ناحية الضرب ف في ضرب يا جيمي" "مين بس اللي يزعل ملوكه؟! وربنا أكسرة شاوري أنتِ بس أنا أصلا مخنوق منه!" كان جمال عابث للغاية ويتحدث بمرح ونجح في اضحاك ملك أخيرا.
ضحك جمال بشدة عندما ابتسمت وكذلك أختها مريم التي تذيب قلبه نظر لها ولرقتها وحنانها الدافق اللعنة هل للحنان رائحة؟ ترتبط مخيله الحنان لدية برائحة مريم لم يري فتاة حنونه مثلها من قبل وكم يتوق هو بعد كل سنوات الحرمان هذه الي حنانها هذا!.
جمال الذي دلف الي الدار بروح معنوية مرتفعة وجمله شهيرة جعلت عبد الرحمن يحبه من الوهلة الاولي "بعون الله أنا أقدر الف أي متور" تحمس جمال لدروس الميكانيكا للغاية وكان ماهر بها وتعلم القراءة والكتابة وتقدم في تعليمه لكنه لم يستطع انشاء علاقة مع الرياضيات بأي شكل من الاشكال تعلم الانجليزية واقترح عليه عبد الرحمن بأخذ الألمانية كلغة ثانية وذلك لأن بها أشهر المصانع وتحمس جمال للفكرة كثيرة.
كانت سارة تصطحب اربع فتيات صغار اسبوعيا الي الخارج للذهاب الي المركز التجاري من أجل النزهة وشراء أغراضهم فما فائدة النقود التي يكسبوها من العمل إذا؟! وأيضا رغبه منها بأن يندمجوا مع العالم الخارجي كي لا يكبروا وبداخلهم فروق نفسيه عن اختلافهم عن الاخرين وبعد أن أصبحت واثقة من الفتيات زاد العدد وكان بإمكانها ان تصطحب في المرة الواحدة عشرة فتيات مرتين بالأسبوع وكذلك كل من سالي ونجلاء وأنورين المهم أنه كل شهرين تقريبا كانت الفتيات تخرج من الدار للنزهة وذلك الأمر زاد من ابداعهم كثيرا فمثلا تقي فتاة بالرابعة عشرة كانت تعمل بالقسم الخاص بالزخارف عندما ذهبت الي المول مع سارة أول مرة دلفت الي قسم التحف ودهشت الي مدي غلاء أسعار تلك الاغراض وأخذت تتفحصها وفمها فارغ "بس دي مكونتها رخيصة أوي ليه سعرها غالي كدا!" واستمدت افكار كثيرة للتحف والزخارف التي يتم صناعتها بالدار وكانت دهشة الصغيرات كبيرة أيضا لغلاء اسعار الالعاب وحاولت سارة ان تقنعهم بأن الالعاب الصغيرة تلك لها حقوق ملكية لشركة عالمية صاحبة الرسوم المتحركة الاصلية وكل ذلك يكلف الكثير من المال.
ولأن الصغار بالدار تعودوا علي الابداع ذهبت الفتيات بألعابهن لجمال لأنه الذي يعمل بالمكينات لديهم وسألوه عن إمكانية صنع تلك الالعاب وتفحص الصغير العرائس والتماثيل الصغيرة واندهش هو الآخر لغلاء اسعارها!، وتحدث مع المهندس خاصته مستنكر "القوالب اللي بتتصب فيها غاليه أوي يا جمال" لمعت الجملة بعقله أثناء ما كان يعمل ويتنقل بين ورشة وأخري تعلم حرفة تصنيع قالب صغير من السليكون فقام بصنع قالب صغير وصنع دمية تشبه دمي الفتيات بالفعل إلا أنه كان ينقصها التلوين اخذها لقسم الزخارف واصبحت الدمية جميلة ولا تختلف شيء عن الدمية الاصلية.
ذهب وهو فرح للغاية لكل من سارة وعبد الرحمن أثنوا علي فكرتة وأعجبتهم الدمية "خلاص نصنعها أحنا هنا ونبعها" ضحك سارة وعبد الرحمن كثيرا وفرك عبد الرحمن رأسه "أنت عاوز تحبسنا بقي!" فهم منهم أن لتلك الدمية حقوق مليكة وشيء بالغ التعقيد لم يفهمه حينها جيدا وتهدلت كتفاه هو والفتيات اللاتي اصبن بالإحباط.
جلبت سارة تيماء الفتاة الموهوبة برسم قصص الصغار "إيه رأيك يا تيماء القصص بتاعتك نطبعها والرسوم اللي فيها جمال هيعمل لها قوالب" تشجعت الصغيرة وبدأ العمل علي دمية صغيرة لأحدي الشخصيات الخيالية لقصص تيماء وسعد الصغار كثيرا بأنهم أخيرا نجحوا في مسعاهم كان هذا يمدهم بطاقة كبيرة بأنهم لو أرادوا الوصول الي السماء لفعلوا، لم تكن تكلفة الطباعة شيء يذكر في ميزانية الدار لذلك سارة بدأت بطباعة أعمال الصغيرة الموهوبة وتصميم كتب تلوين لنفس الشخصيات بل والذهاب بالرسومات الي قسم الحرف بالدار وصنع أحاجي خشبية من تلك الرسومات الموجودة بالقصص بالبداية التوزيع كان علي المتجر الاليكتروني ولكن أية اقترحت عليهم اشعال الحماسة أكثر بإنشاء قناة للقصص علي اليوتيوب وعام بعد عام القناة التي كانت تحرك الدمي أصبحت تصنع الرسوم المتحركة علي ايدي الصغار النهمين بتعلم التكنولوجيا كان جمال سعيد للغاية وفتح ذلك المجال له أفق واسعة وعلم أنه لن يعمل بالسيارات والمحركات بل بشيء أخر "القوالب" دلف الي مدرسة خاصة بالقاهرة تعلم الميكانيكا وعندما بلغ الثامنة عشر سافر الي المانيا عامين وعاد الي الدار بمهنه رائعة ومبتكرة وعلوم مفيدة.
الدار التي تتبني كل ما هو جديد يلزمها الكثير من الماكينات والآلات ورغم فشله بالدخول الي كليه الهندسة إلا انه وبمساعده مهندسين الدار وأفكاره الرائعة تمكن من انشاء عده ماكينات فمثلا الآلة التي تحرر خيوط الحرير من الشرانق لدي كل من مريم وآية بالمصنع الكبير بني هو أكثر من خمسون بالمائة منها وأعني هنا بأنه صنع المعدات نفسها ويطمح في يوم ما الي ان يصبح لدية مصنع كبير لتصنيع الماكينات لمختلف الاستخدامات أما الآن فهو يعمل مع الجميع تقريبا، يبني مع معاذ اختراعاته الغريبة!، يساعد الفتيات بآلات الحرير والمربي، يساعد آية هي الأخرى بمصانع الملابس والحرير، ودخله أكثر من جيد ويعلم أنه بالمثابرة والعمل الجيد سوف يحقق حلمه بيوم من الأيام.
هذا عن الحلم الخاص بعقله .. أما عن الحلم الخاص بقلبة لا يعلم حقا!، يخشي مفاتحة صديقة ورغم أن بالدار لا فرق أبدا من حيث المعاملة بين الايتام ومجهولي النسب .. إلا أن حساسية جمال عادت الي الطفو يخشي أن يرفضه طارق ويخسر صديقة المقرب وكذلك حبيبه قلبه، إلا انه يشعر بأن مريم تكن له المشاعر وإلا لما تحمر وجنتيها بهذا الاحمرار اللذيذ كلما رأته؟!.
نظر لها وهي الأخرى نظرت له بتلك اللحظة واحمرت وجنتيها أكثر من أي مرة والتفتت بخجل أمامها مرة أخري!، وأفاق الاثنان علي اعصار من الحركة ضرب الصغار والشباب الموجودين بالقبة الجميع يخرج لاستقبال أحد ما قادم لم يستطيعوا رؤيته من مجلسهم هذا تحرك الشباب واصبحوا الي جوار سارة وعبد الرحمن ينظرون الي الباب بقلق ثم فهموا أخيرا من هتاف الصغار باسم "شيكو!".
بعد ثلث ساعة تقريبا مع وعد بأنه سوف يلبي كل طلباتهم وصل شيكو أخيرا منهك الي الطاولة ولوحت مريم للصغار بالذهاب بعيدا كي يستطيع شيكو الحديث مع المهندس بكلام خاص بالكبار فتفرق الجميع أخيرا علي مضض!.
هتفت سارة بفرح حالما رأته "شيكو إيه المفاجأة الحلوة دي! وصلت أمتي؟!" سلم عليها بفرح "لسه حالا" ثم أنحني وعانق عبد الرحمن بقوة يسلم عليه لم يره منذ سته اشهر "كل الغيبة دي؟!" "أسف والله يا بشمهندس أنت عارف التدريبات الموسم ده كانت صعبة" ربت عبد الرحمن علي ظهرة بفخر "ربنا يعينك" التفت خلفه ليجد جمال وتعانق الاثنان بعناق رجولي خشن جعل جمال يحمل شيكوا الي الأعلى، وسارة تضحك عليهم بشدة وفي النهاية حذرتهم "أخر مرة عملت كده ضلعك اتكسر يا جمال اتلموا انتو الاتنين!" تركه جمال اخيرا بعد تحذير سارة والتفت شيكو الي مريم "مريم أزيك طارق فين؟!" وبحث بعينه لكنه كان يبحث عن ملك وانقطع نفسه حالما راها "أزيك يا ملك" ردت التحية بصوت خافت ثم خفضت رأسها بسرعة الي جهازها وانسدلت غرتها علي وجهها تخفيه عنه.
تنهد بعذاب بعد كل هذا الغياب لم يحصل سوي علي هذا اللقاء الجاف منها؟!، ربت جمال علي كتفيه وأفاقه من شروده "هربت ازاي أنت مش عندك دوري يا بني؟!" ضحك شكري بشدة ...
لقد التحق شكري بالعرض الذي نالة يوم المهرجان واصبح بالفعل من أشبال ذلك النادي وعندما بلغ الثامنة عشر تم بيعة الي نادي أكبر وذاع صيته وشجعه عبد الرحمن علي الاحتراف بالعالمية وذلك لأنه يستحق بالفعل وبدأ يبحث الاثنان عن الأندية الخارجية وسافر شكري بالواحدة والعشرون والآن وبعد كل ذلك العمل أصبح لاعب بنادي "ليفربول" منذ عامين ولديه شعبيه جماهرية كبيرة ومنذ شهرين نال جائزة أفضل لاعب بالقارة الافريقية والكل فخور به بالذات عبد الرحمن.
كان شكري طيب القلب للغاية ودائم التبرع من أجل ضم صغار جدد الي الدار وفي الثلاثة أعوام الاخيرة أنشأ وقف وإلي الآن ضم حوالي الخمسمائة سيدة من الصعيد ما بين أرامل ومطلقات الي المدن الجديدة ومنحهم أراضي منازل واستثمارات أيضا وعنما ينتهين من سداد ثمن المنزل والأرض سيتم تمويل خمسمائة سيدة أخري وهكذا... ، يعشقه الصغار بالطبع!، وزملائه يحترمونه رغم أنه لم يكن الوحيد الذي أحترف الكرة وذهب في طريقة الي العالمية ففي الحقيقة وعلي مدار السنوات أخرجت دار الشهاب حوال خمسه عشر لاعبين محترفين يلعبون بأندية عالمية لمختلف الرياضات وليس كرة القدم فقط، وأكثر من ثلاثون يلعبون بأندية مصرية .. لكن سبب عشق الجميع لشيكو بالدار بأنه لم يتنكر يوما لعبد الرحمن.. أجل وللأسف فكما يدين الكثير بالحب والولاء لعبد الرحمن وسارة هناك من تنكر لهم وأنكر خروجه من دار الشهاب أو النور فالعالم ليس وردي تماما.. وقد اغتاظت لمضة منهم كثيرا وأقسمت بفضحهم فالكل له سجلات هنا معروفة ومعلومة.. لكن سارة وعبد الرحمن منعوها عن ذلك وقد اصطحب عبد الرحمن المنع بتهديد فتنازلت عن تلك المعركة مجبرة لا تستطيع تقبل خسارة عبد الرحمن أو سارة بأي شكل من الاشكال "أحنا لما عمالنا الدار كان هدفنا انكو تبقوا أحسن ونحميكوا من الشر اللي برا لا كان هدفنا التمجيد ولا التطبيل كل واحد حر في حياته يا لمضة" أجل للأسف هناك الكثير من الصغار الذين غادروا مجتمع الدار والمدينة وباعوا الخمسة أفدنه خاصتهم وخرجوا الي العالم الخارجي بعضهم ندم وعاد، والآخر شق طريقة بالخارج وفي كل الاحوال كان عبد الرحمن يتمني للجميع التوفيق.
فعلي مدار سته عشر سنه نجح عبد الرحمن والمؤسسة بإعادة تأهيل 86% من الصغار الصبية الذين دلفوا الي الدار أما البقية فهربوا لم يتحملوا السلوك القويم بعد أن حرف الشارع فطره الله النقية بقلوبهم!، أما عن الفتيات فكانت النسبة أعلي حيث نجحت المؤسسة بإعادة تأهيل 95% بالمائة منهن والباقيات أيضا هربن الي الشارع مرة أخري لانحراف سلوكي أو لأخر من إدمان أو عدم احتمال الانضباط والتعليم واتباع النظام.
وبالنهاية كان كل من سارة وعبد الرحمن راضين عن النتائج التي وصلوا لها فسياسة عبد الرحمن كانت واضحة من البداية لن يجبر طفل علي البقاء داخل اسوار الدار "أنا مقدرش أساعدك لو أنت مش عاوز تساعد نفسك!".
لذلك شيكو المفضل لدي الجميع لأنه علي عكس الكثيرين الذين نجحوا واشتهروا خاصة بمجال الاعلام لم يذكروا شيء عن تخرجهم من دار الشهاب، بينما شيكو كان دائما يعيد الفضل الي تلك المؤسسة العظيمة التي تخرج منها ولولاها لما وصل الي أي شيء مما وصل إليه اليوم، أما عن والده.. حسنا لقد تخلت عنه زوجه ابيه وطلبت الطلاق منه بعد أن أصابه مرض عضال ولولا محاولات عبد الرحمن الحثيثة بإقناعه بالمصالحة لما سأل عنه أبدا مرة أخري فهو فعل ذلك إكراما لعبد الرحمن ولا لشيء أخر بتاتا، لم ينسي يوما أن والده وإهانته كانت السبب في قهر والدته الرقيقة الجميلة التي ماتت من الظلم والحسرة .. والضرب.
أجل لقد أقتنع بعد سنوات من غيابها بأن الله أخذها لديه لأنها رقيقة جميلة لا تستحق تلك الحياة البائسة لا مكان لها بين الوحوش الضارية علي الأرض، عندما علم بمرض والده لم يتأثر لكنه من أجل الله ومن أجل عبد الرحمن وسارة فقط ولا لشيء آخر! وضعة بدار مسنين جيدة ويحصل والده علي رعاية صحيه مناسبة للغاية لم يكن يحلم بها خاصة بعد الفقر الذي اصابة، لكنه لا يعلم الي الآن أن ابنه البكر هو الذي وضعة بتلك الدار الرائعة كل ما يعلمه أنه هنا بناء علي تبرع لمحسن لا يريد ذكر أسمه ولا شيء آخر، وآخر صله لشكري بالدار هو المبلغ الشهري الذي يدفعه عن طريق حساب لجمال حتي لا يعلم والده أبدا من يكفله بتلك الدار، وقد تعمد منذ أن كان بنادي الاشبال أن يذكر اسم شيكو ولا شكري السيد حتي لا يتعرف عليه أحد ما ولو بالصدفة سواء من والده أو زوجه ابيه، وبالإعلام لم يذكر شيء عن حياته أبدا قبل الدار ولا يعلم إلي الآن هل يعلم والده وزوجه ابيه أن الصغير الذين حرقوه وقهروه هو لاعب الكرة الاشهر بمصر كلها أما لا!، ولا يهمه الأمر قيد أنمله لأنه لن يغير أي شيء بداخله.
ظهر طارق أخيرا وبيده روان حمراء الوجنتين منذ أن عقد الاثنان قرانهم منذ شهرين واختفاءهم المتكرر بدأ يلفت انتباه الجميع!، لمح شيكو عند الطاولة وذهب ركض له وعانق الاثنان بعضهم البعض بعناق رجولي مليء بالمشاكسة فزمجرت سارة من خلفهم مرة أخري "أتلمــــوا!!" فاضطروا الي انهاء تلك المعركة!.
"روان الف مبروك كان نفسي أحضر كتب الكتاب والله بس جوزك رخم مرضاش يأجله" أحمرت وجنتيها بسعادة وهي تتذكر لهفة طارق المفاجأة رغم أنها خطيبته منذ عامين إلا انه أخبرها منذ شهرين بصراحة فجه! "أنا لو مكتبتش الكتاب الوقتي هرتكب جريمه ومش مسؤول!" ومنذ أن عقد قرانهم يتحين الفرص كي يخطف منها قبله أو أثنين .. أحم! حسنا وأحيانا أكثر!!.
تمتمت بخجل "مرسي علي الهدية وإن شاء الله تحضر الفرح" جلسوا جميعا علي الطاولة يرحبون به وتعمد هو الجلوس الي جوار ملك التي تتجاهله الي تلك اللحظة!.
دلف فاروق يجر عربة بها صناديق فاكهة من حديقته الغناء فالكل اليوم بلا استثناء ارسل الخضار والفاكهة والدجاج وحتي الماعز! للذبح من أجل وليمة الغداء المعدة علي شرف عبد الرحمن كان بتلك العربة الضخمة والتي يجرها فاروق أمامه أكثر من أربعون صندوق للفاكهة لكنه وقف أمام عبد الرحمن يقذف له بحبه مانجو ولسارة هي الأخرى بعبث مسحتها سارة بالمنديل والتهمتها علي الفور متلذذة بطعمها الشهي وأشار شكري الي فمه بعلامه الصمت وتسلل وفاجأ فاروق الذي صاح بشدة حينما راه وضم كل منهم الأخر بحده واضطرت سارة للمرة الثالثة  الزمجرة "أتلمـــوا!!" فكف الاثنان عن ضرب بعضهم!.
سأل فاروق وهو غير مصدق عن موعد وصوله فعادة ما يذهب لجلبه من المطار "لسه واصل من نص ساعة" جلس الي جواره وأخذ يتحدث معه عن الهدف الأخير الذي أدخله لقد كان حديث الجميع فقد أدخله بمهارة شديدة وأحرز الهدف الثاني له بالمباراة وحقق النصر علي الفريق الأخر.
أتت لمضة تسير بخيلاء ومن ثم صعدت علي الطاولة من فوق بطريقة صبيانية للغاية حتي أن ملابسها كانت صبيانية هي الأخرى سروال من الجينز الواسع وقميص مخطط بدرجات الاخضر ثم جلست وربعت قدميها، كانت سارة هي الأخرى تجلس علي الطاولة لكنها تجلس الي جوار عبد الرحمن وتؤرجح قدميها بالأسفل أما لمضة فكانت تجلس بالمنتصف تماما كي لا يفوتها لا شاردة ولا وارده من الحوار الدائر علي الطاولة!، رفعت شفتيها بقرف ونظرت لشيكو باستعلاء من أعلي "خير يا حبوب؟!، مفيش حد معروف غيرك هنا ولا إيه.. أوعي تكون مصدق نفسك ياض ..تاريخك كله معايا!" صفق شكري كل من يدية بقله حيله "وأنا كلمتك ولا جيت جنبك حتي! .. الناس تقول سلامو عليكو! .. حمد الله علي السلامة!! أنما أنتِ إيه؟!.. قطر داخل يدوس وخلاص!، يا ساتر يا رب!!"
كان متذمر منها وبشدة
أزداد قرفها وسخريتها "ليه أن شاء الله!!، فاكر نفسك مين؟!، رجلك اللي أنت فرحان بيها دي أنت من غيرها  
" nothing
وعادت الي طريقتها السوقية القديمة "أتظبط أما والمصٌحف.. أجر اتنين يطلعوا عليك يكسروا رجلك وتعد في البيت زي خبيتها" وشمرت عن كميها بعنف بالغ
"ولا أجر اتنين واغرم فلوس ليه؟! أنا بعون الله قادرة أخلص بنفسي!" رفع كفيه يدافع عن نفسه "أستهدي بالله بس أنا عملت إيه؟ مش كفاية رسايل التهديد اللي بتبعتيها ليا وقاطعة عليا أعمل أي مقابله في أي برنامج مصري عاوزة إيه تاني؟!!".
كنوع من البلطجة المطلقة الخاصة ب لمضة أجرت حوار صحفي معه بأحدي الجرائد ومنذ عام أجرت أخر بالتلفاز ولمضة الوحيدة التي حصلت علي ذلك الامتياز لا لشيء سوي أنها تهدد شكري بصورة قديمة من طفولته كان بها أخرق للغاية ووجهه ملطخ بالمثلجات والصبية لصقو عليه الحلوى القطنية كلحية!، وأقسمت إذا ما أجري أي مقابله تلفزيونية بالتلفزيون المصري مع مذيعة أو مذيع عداها لفضحته وبالنص الصريح ذكرت التالي " وربنا لأكون مسلطه نفسي عليك يا شكري.. وما أدراك بقي أما أحط حد في دماغي!!" فصمت ومنذ ثلاث سنوات لم يجري حديث صحفي واحد بمصر ولا أحد يعلم السبب!.
لوحت بكبر بالغ "وتحمد ربنا قوي أني سامحه لك تعمل مقابلات بلندن" وأرجعت خصلات شعرها الي الخلف بكبر "وقتي مش مساعدني أروح وأجي للندن" ضحكوا عليها كثيرا وفاروق يغلي من الحنق ويضم قبضة يده كي لا يذهب ويجرها من شعرها الغجري ذاك!.
سألها شكري بإرهاق وبؤس "لزومها إيه الدخلة دي بس يا ست هادية؟! أنا عملت لك إيه؟!!" حركت رأسها بالاتجاهين ورقصت كل من حاجبيها بتتابع مريب لا يجيده أحد سواها وقالت مقلده إعلان مصري شهير" نعــــــــــم!! أنت تقدر تعملي أنا حاجه.. نسيت نفسك يا أمـــور!! الله يرحم أيام زمان ولا أفكرك يا أمــــور أنت فاكرني هخاف منك بقي ولا أزعل ده أنا هعمل لولولولي فرح!" ضحك الجميع عليها وبشدة عدي فاروق المشتعل كالجمر!، غطي شكري وجهه بإحباط ما الذي عساه أن يفعله؟! وتوسل لها "أومر سيادتك إيه؟!" أرجعت شعرها الي الخلف وقالت بكبر مبالغ فيه "أيوة كده اتعدل!".
ثم ذهبت عنها تلك النبرة وتبدلت مائة وثمانون درجة وتمتمت بحماسة شديدة وتحولت الي معجبه مدله بحب اللاعب المفضل لديها "بس إيه الجون الجاحد ده!، جامد .. جامد ..جامد، ده أنا فضلت أزغرد ساعة بعد الجون ده!" وصفقت بكفيها بصوت عالي للغاية "يا شكو يا جـــــــــــــامد يا بن بلدي" ضحك الجميع عليها كثيرا حتي دمعت عيونهم فهذه هي حالها دائما تعشق مهاراته لكنها وبكل مرة لابد لها من كسر شوكته كي لا ينسي نفسه مثلما تظن!.
انتفض فاروق يزمجر بها "قومي اغسلي الفاكهة دي عشان البشمهندس" لوحت له "أنا مالي ما عندك ناس في المطبخ ولا شايفني خدامه عندك؟!!" احمر وجهه من الحنق "بقولك قومي!" تخصرت بكلتا يديها وصاحت به "طيب مش قايمة يا فاروق وريني بقي هتعمل إيه؟!!" كان فاروق ينفث اللهب من انفه فحذرها عبد الرحمن "لمضة اسمعي الكلام" قامت بعصبية بالغة ونزلت من علي الطاولة وهي تقفز وتمتمت وهي تنظر لفاروق بشر بالغ "عشان خاطرك بس والله يا بشمهندس" ذهبت لجر العربة الي المطبخ لكنها كانت ثقيلة للغاية فنادت عليه بحنق وهي تضرب الارض بقدمها "أنت فاكرني الجارية بتاعتك ما تيجي تزق العربية!!" ذهب الي جوارها يجر العربة واستغلت هي الفرصة وضربته في عضلات ذراعة بكل الغضب الموجود بداخلها "حذاري تزعق ليا تاني انت فاهم؟!!".
_ دلف الاثنان الي المطبخ هي تغلي من الحنق وهو يكاد يطير من السعادة وقد تحقق بداخله المثل القائل ب "ضرب الحبيب زي أكل الزبيب!" رغم أنها كورت قبضتها بغضب بالغ إلا أنه لم يشعر بأي ألم عبر ذراعه الضخم كل ما شعر به هو قبضة يدها الدافئة التي لا مسته ثلاث مرات كان هذا يكفيه وأكثر.
تنهدت سارة الكبيرة بعد ذهابهم وهمست لنفسها "قفل!" التفتت الي جوارها لعبد الرحمن الذي يضيق حاجبية فهي لا تنعت غيره بالقفل! فهمست بحسرة مرة أخري ولكن بالقدر الكافي كي يسمعها عبد الرحمن "بيفكرني بواحد!" نظر لها محذرا لكنها لم تهتم، قفزت سالي أمامها متجاوزة زوجها "لمضة وفارق؟!! أوعي تقولي؟!" لوحت سارة بلا مبالاة "أنتِ قديمة أوي لسه واخده بالك؟!"
شهقت سالي وسألت باستنكار بالغ "أنتِ كنتِ عارفة ومقولتليش! .. من أمتي؟" هزت سارة كتفها بلا مبالاة مره أخري "من أكتر من عشر سنين" شهقت سالي بحده  فرفعت سارة كف خماسي بوجهها تلقائيا كي لا تحسدها علي موهبتها الخارقة!، أعادها فهد الي كرسيها ونظر بحنق الي سارة فمنذ أكثر من خمسه عشرة سنه يوم تلقي الضرب علي رأسه بالملعقة من سالي وقبل أن يقنعه أحمد بالصعود علي سياراتها ولا يزال الي الأن لا يعلم كيف تمكن أحمد من إقناعه بفعل ذلك الشيء؟!، بالتحديد بعد أن خرج خلفها بعد أن وبخته للمرة الثالثة علي التوالي بنفس اليوم وجد الشباب فذهب يشكرهم علي تناوله الغداء معهم نظر الي الاسفل ليجد تلك القصيرة تنظر له وعيونها متسعة ثم وضعت كفيها الاثنان اسفل خدها وتنهدت برومانسية مفرطة فرجع خطوة الي الخلف!، أزاحت كفيها وتقدمت منه بحماسة "تركيا أو المالديف" وصفقت بمرح فغر فاه بغباء ثم سأل وعينه نصف مغمضة "دي لعبه أختيارات عندكوا مثالا؟!!" هزت رأسها نافية بسرعة وتحدثت بجديه شديدة "لاااا قصدي شهر العسل!، أختار تركيا أو المالديف أصل سالي بتحبهم قوي" أشار خلفه بغباء ويحاول تركيب الاسم علي الصورة!، وسأل بتردد بعد أن جمعها "قص..قصدك .. سالي الي في المطبخ؟!" ازدادت بسمتها اتساع وهزت رأسها موافقه وهو تتمتم "أيوة اللي كسرت المعلقة الخشب علي دماغك.. بالمناسبة أنت هتشتري معلقة خشب جديدة للدار"، أشار الي نفسه غير مصدق "أنا اللي أضربت؟!!" هزت كتفها بأنها لا تهتم
Whatever!
أتي عبد الرحمن خلفها ليري ما الذي تتحدث به مع هذا الغريب التفتت له بسرعة قبل أن يصل لها وضمت قبضتيها "بودي هلبس في الخطوبة فستان بينك والفرح فستان بربل" وسحبت نفس عميق حالمي "يااااه مروحتش أفراح من زمان أوي"
أتسعت أعين كل من فهد وعبد الرحمن علي السواء وكل له أسبابة! ضمت قبضتيها الصغيرتين بحماسة بالغة "أنا هروح لأية عشان نختار القماش من الوقتي" وذهبت تقفز بسعادة من أمامهم زمجر عبد الرحمن هادرا بها ولكنها لم تلتفت وعض شفتيه بغيظ بالغ بينما فهد تمسك بساعد عبد الرحمن وقال بذعر بلكنته المائعة
"في إيه في البلد دي؟ عاوزين تجوزوني ليه؟!!".
نفضه عبد الرحمن الذي وقف وتخصر بغضب "أتنيل أنت وجوزاتك الوقتي وسبني في المصيبة اللي أنا فيها" ذهب هلع فهد قليلا واستولي عليه الفضول وأشار لنفسه ببلاهة "أنا اللي هتجوز مش انت!" لوح عبد الرحمن بغضب "أنت مسمعتش يا بني آدم بتقول هتلبس فستان بنك في الخطوبة وبربل في الفرح!"
زاغت عيني فهد بغياء لا يعي سبب غضبه فتمتم
"So?!"
أشار عبد الرحمن بنفسه ببديهية غير مصدق غباء فهد! "يعني هتلبسني كرافات بمبي والبربل ده اللي هو إيه؟!!" فتمتم فهد بنفس الريبة "موف!" لوح عبد الرحمن بحنق "ايوة .. كنت متأكد أنو مصيبة هو كمان!.. راجل في سني يلبس كرافات بمبي وموووف!"...
حسنا وباختصار شديد للأحداث لنقل أن عبد الرحمن أرتدي رابطة عنق وردية بحفل الخطوبة وبنفسجية بالفرح وذهبت سالي اسبوع الي تركيا وآخر الي المالديف!.
وكلما تشاجر الاثنان نظر لها بعين الشر بأنها هي السبب في تلك الزيجة ولا يصدق الي الآن توقعتها التي تصدق في أكثر من خمسه وتسعون بالمائة وكيف تحدثت بكل تلك الثقة بأنه سوف يتزوج سالي بل واختارت ألوان الفساتين؟!!.
زمجر فهد من بين أسنانه "سيبي الولاد في حالهم.. دمرتي جيل كامل بسبب توقعاتك وداخله علي الجيل اللي بعده، خافي من ربنا بقي شويا وبطلي تنجيم!" أشارت الي نفسها غير مصدقة "أنا بنجم؟!، ده أحساس.. موهبه من عند ربنا.. بمجرد ما بشوف اتنين مع بعض ومن طريقة كلامهم بحس انهم هيحبوا بعض ويتجوزا.. مش تنجيم!!" انتهت من غضبها ومدت يديها بسلام في الهواء وقالت بطريقة ممطوطة "الحـــــــــــاسة الســـــابعة" جمد فهد لعده ثوان "سوري يعني أعذري غبائي .. بس مش المفروض انها الحاسة السادسة؟!!" نفخت بملل
"أيوة ما أنا عندي بردو الحاسة السادسة" ولوحت بيدها وكأن شيء مقبل عليها بسرعة "بحس بالمصيبة وهي جاية عيني الشمال بترف بشكل مش طبيعي!، يبقي بعد رقم سته كام يا استاذ فهد؟!" فرد بغباء علي سؤالها البديهي "سابعة!" تمتمت بانتصار "بالظبط يبقي عندي الحاسة السابعة" ومدت يدها في الهواء بسلام مرة اخري!.
وبعيدا عن حقد سالي علي موهبة سارة تجمع الشباب بمنتصف الطاولة ، لقد تجمعوا أخيرا منذ زمن لم يستطيعون فعلها، نظر شكري الي جواره ملك الصغيرة التي تتجاهله، طارق يتحدث مع روان بود ولا بأس من بضع الكلمات التي تجعلها تحمر خجلا!، وجمال يتلظى بالنار الي جوار مريم يخشي أن يطلب يدها ويفقدها ويفقد صديقة .. ويخشي مفاتحتها بالأمر فيخذل صديق عمرة بطعنه بظهرة بعد أن أتمنه علي منزلة .. ويخشي فقدنها هي الأخرى فمريم رائعة الجمال والروح وعروض الزواج التي تأتي لها ليست بهينة أبدا.
تنهد ونظر الي الطاولة أمامه وأستند عليها بأسي ما الذي عساه أن يفعله؟!، سمع صراخ سارة التي تتفادي لكمات سالي وتؤرجح بقدميها القصيرتين من فوق الطاولة وعبد الرحمن وفهد يبعدان كل من الاثنتين عن بعضهن وضيق حاجبية "حسنا تلك هي فائدة العائلة لقد كانت سارة بمثابة والده له طوال عمرة حان وقت لعبها دور والده العريس!".
إذا ما طلب عبد الرحمن مريم من طارق لن يرفض له طلب كيف غابت الفكرة عنه طوال هذه المدة؟!، حسنا آن الأوان كي يستجمع شجاعته!.
دلفت لمضة مع فاروق وخلفهم جيش من الصغار يحملون أطباق الفاكهة وتم وضعها علي الطاولة وخرجت معجزة مسرعة تزمجر بفاروق "مش هتبطل العادة الرخمة دي؟ قولت لك ميت مرة الفاكهة بعد الغدا!.. كده الباش مهندس مش هيعرف يتغدي .. فاضل ساعة واحده علي الغدا؟!!" قذف شكري بحبة عنب في فمه وتمتم بمكر "قولي بقي أن أكلك بقي ملوش طعم وخايفة محدش ياكل" أرتفع حاجبها وقد دهشت بوجوده لكنها أخفت دهشتها سريعا وتخصرت بيدها اليسرى "أنت شرفت؟!" بلهجة تكهنيه عالية فعدل من سترته وقال بكبر وقال وهو يغمز بمكر ممزوج بكبر "أنا بشرف أي مكان أروحوا ولا نسيتي؟!".
تعمل لمضة بمطعم باريسي له شهرة عالية به أكثر من طاه ماهر وهي أحدي هؤلاء الطهاة ومن عده أشهر سافر شكري الي باريس وبما إنه ببلد صديقته الطاهية ذهب لتناول طعامها الشهي والتحدث معها وقد حدث ازدحام هائل خارج المطعم لمقابله نجم الكرة العالمي وتناولت أخبارهم الصحافة الصفراء "الطاهية  الشهيرة واندر  .. والنجم شيكو ذوي الجنسية المصرية كل منهم يتواعد" حسنا من ضمن الاشاعات كلها كانت تلك الاكثر إضحاكا بالنسبة لشكري.
أحمر وجه ملك الصغيرة فشخصية مثل معجزة مشهورة ومعروفة تليق به كثيرا أكثر منها هي .. فمن هي مقارنة به؟ .. لا شيء مجرد صفر صغير علي الشمال.
انحنت رأسها الي الاسفل أكثر وأكثر بينما عبد الرحمن كان يراقب شجارهم المضحك عن سبب الضجة التي حدثت بالمطعم ومن أكثر شهرة من الأخر بفخر صغارة أصبحوا شيء كبير يفخر به وسارة كانت تؤرجح قدميها وهي مبتسمة من شجارهم الواهي والتي تدخلت به لمضة ملوحة بشر لشكري بألا ينسي نفسه فانسحب علي الفور!، وصلت الفاكهة الي سارة وبدأت هي وعبد الرحمن بتناولها بتلذذ كبير وحالما تناولت قطع البطيخ نادت معجزة التي كانت علي وشك الدخول الي المطبخ بعد خرجت منتصرة من معركتها مع شكري "معجزة بليز أبعت لي علبه صغيرة عشان أحط بطيخ لسارة..." لم تكمل جملتها وظهر أحمد وعلي كتفه صغيرته المدللة فابتسمت بشدة "خلاص مش مشكلة شكرا يا معجزة".
وصل أحمد لهم ومدت سارة يدها بسرعة كي تلتقط الصغيرة منه ضمتها كثيرا وقبلتها وبدأت بإعطائها قطع البطيخ فالصغيرة تحبه وبشدة،
لقد أتت سارة الصغيرة كي تمحي الكثير من الاشياء بهذا المنزل لازال هناك حدود غير مرئية بينها وبين أحمد موضوعة بعناية شديدة لكن الصغيرة منذ أن اتت الي هذه الدنيا وبسبب احتفاظ سارة وعبد الرحمن بها في الفترة الاولي من حياتها أزاحت شيء من صدر سارة وأصبح بإمكانها التعامل نوعا ما مع أحمد بسبب الصغيرة، لم يحتمل عبد الرحمن بعادها عنه وأخذها بلهفة من سارة وهو يسأل أحمد "أتأخرتوا كدا ليه؟!" أشار أحمد بعينه الي صغيرته التي لم ترغب بأخذ دوائها ففهم عبد الرحمن علي الفور وتمتم أحمد "صلينا بالمسجد اللي في الشارع وعلي ما البنات جهزوا" أطعم أبنه أخيه الحبيبة بيده وهو يضمها الي صدرة أكثر والصغيرة سعيدة تتنعم بحب وحنان عمها تركها أحمد في عهدتهم فسبب حمله له طوال الوقت ليس فقط الحب بل رغبة منه بمنعها من الركض كي لا تتسارع ضربات قلبها الصغير، لذلك يتعمد الجميع تقريبا حملها كي لا تركض وتصاب بالإنهاك.
أنحني عبد الرحمن عليها وهي تتناول الفاكهة "عشان أتاخرتي عليا متعاقبة يا ست سارة مش هتسيبي حضني طول اليوم مفهوم" ضمت شفتيها بحزن مدروس ثم ضحكت بشدة وسعلت قليلا فأخذ عبد الرحمن يمسد ظهرها كي تهدأ، صحيح أنها ضئيلة للغاية وتمرض بشدة إلا أن ذكائها عالي للغاية مقارنتا حتي بأخوتها الاصحاء.
فمالت بدلال عليه "وأنا مقدرش ازعل بودي" قبل شعرها وضمها له أكثر وأكثر يا اللهي كيف يبعد عنها ولا يراها كل يوم؟!.
دلفت اية ومحمد وحور وكذلك حسام ومريم وكريم وأمل والسيدة نور الي جوار نادين زوجه أحمد وقد هرع إليها حفيدها الحنون عبد الرحمن ليساعدها بكرسيها رغم أن الكرسي كهربي ويسير دون عناء.
وقفت مريم تضم حور التي فقدت بريقها وذهبت هي متعمده للجلوس الي جوار جمال الذي يتعمد عدم النظر لها أبدا، دلفت أية تسلم علي الجميع هي ومحمد الي أن وقعت عينها علي شكري فتهفت بفرحة "شيكو!" سلم عليها "جيت أمتي؟!" "لسه واصل حالا" ربعت يديها وهي تنظر له بلوم "كل ده يا شكري غيبة علي العموم متشكرة أوي" مع تطور عمل أية المزدهر أصبح هناك خط انتاج كامل خاص بالشباب ولم تتم عمل الدعاية الي الآن للمجموعة الجديدة وذلك لرفض آية أي عارض غير شيكو أنه لاعب عالمي وهذا سوف يؤثر علي مجموعتها كما وأنها تحبه بشكل خاص ، طلبته منذ عده أشهر ولكن بسبب الدوري خاصته لم يستطع النزول الي مصر، ضم يدية يسترضيها "آسف والله أنا عندي أجازة خمس أيام آخر 3 أيام أعتبريني ملكك" "3 أيام بس!" فتمتم شكري بخجل "ما أنا أكيد هصعب عليكي وهتديني بكرا راحة" ضيقت آية حاجبيها ولوحت له بتحذير "يوم الحد الساعة 9 الاقيك في المكتب وأنا هقولهم من الوقتي يجهزوا كل حاجة ويا رب نلحق نخلص تصوير" ذهبت خطوة من أمامه ومن ثم عادت مرة أخري وهي تتمتم بحماسة شديدة "إيه الجون الجامد ده.. الجون التاني كان تحفة بجد أنا فضلت مش مصدقة نفسي!" فرك شعرة بحرج قد يثني عليه العالم كله لكن يظل للأولياء أمورة طعم خاص.
لمحه أحمد هو الآخر وسلم عليه "شيكو حمد الله علي السلامة" وأشار له وهو يغمز بعينه "الجون التاني عالمي بجد ربنا يوفقك" وكذلك محمد وحسام سلموا عليه وبالطبع أثنوا علي الجون الثاني!.
هدأ الجمع قليلا وعبد الرحمن يرفض ترك غاليته لكن سارة كانت تعد لها مفاجأة وجمعت عده صغيرات بسن الخامسة والسادسة كي يلعبن مع سارة الصغيرة بذلك لن تشعر بحرج وسطهم بسبب ضئل جسدها وضعت طاولة صغيرة بسته كراسي صغيرة الي جوار عبد الرحمن وأتت بالصغيرات وقررت سارة بطيبه قلبها مشاركتهم علبه الهدايا كلها وسألت عبد الرحمن ببراءة "ممكن أدي لهم العاب منها؟" "دي كلها علبتك أتصرفي فيها زي ما تحبي"، سعدت كثيرا وأعطتهم الكثير من الالعاب وجلست معهن يلعبن بالأحاجي ولعبة الشاي فسارة الكبيرة قد أوصتهن بألا يركضن ولا يذهبن بعيدا عن الطاولة وهن الي الآن مطيعات.
هدأ الجو قليلا مرة أخري وأثناء تململ شيكو الي جوار مريم التي لا ترفع عيونها عن جهازها تخطط لشيء ما أسقطت قلمها أرضا فانحني لجلبة ولمح ساقها، كانت ترتدي فستان وردي طويل لكن يبدوا أنها جلست علي طرفة دون أن تنتبه فظهر جزء من ساقها التي يعلم جيدا مبلغ الاصابة بها هناك احمرار شديد بها وضماده، جحظت عيناه غير مصدق ورفع رأسه لها وقال من بين أسنانه
"أنتِ عملتي جراحة تاني؟!!".
جحظت عيناها وأصفر وجهها وهي تنزل الفستان بشدة الي الاسفل تمنت لو ترتدي سروال لكن جرح قدمها كان ملتهب للغاية بسبب عملية تجميلية أخري، تعالت انفاسها بحده وفرت من أمامه هاربة الي أن خرجت خارج القبة كله دون ردائها الواقي.
ضم قبضتيه بقوة ولحق بها وهو يشعر ب ألم بالغ منذ متي يكن لها المشاعر؟! لا يعرف تحديدا ، لكنه أكيد أنه يكن لها الكثير منذ أن كانت صغيرة بالسادسة كانت قبضتها الصغيرة بيد طارق علي الدوام خجله ومكسوفة هشة.. بالغة النحافة وبعد أن تقرب أكثر من طارق وعلم سبب هروبه من الدار ولجوئه الي الشارع لعامين علم ان تلك الصغيرة الهشة تعرضت لحرق بالغ من منتصف فخده قدمها الي اسفل ركبتها شعر بألمها كثيرا فهو خير من يعلم ألم النار ربما لهذا كانت المفضلة لدية لأن وجعهم واحد.
يتذكر كيف راقبها علي المسرح يوم المهرجان الاول وهي تتهجي الفرنسية والانجليزية والعواصم بمهارة وصوت عذب طفولي رائع بسبب فقدانها سنها الامامي، بعد التصفيق الحار الذي تلقته ذهب طارق بفخر لجلبهم من علي المسرح وخلفه كل من جمال وشكري ساعد طارق مريم بالنزول وهنئها بينما ركضت هي نحوه حملها وأنزلها أرضا فسألتها بحماسه شديدة وبكلام نصف مفهوم بسبب فقدنها سنها الامامي "ثوفتيني يا سيكو؟ .. كنت ثاطرة مث كده؟!" "شوفتيني يا شيكو؟ كنت شاطرة مش كده؟!" كانت تلهث من فرط حماستها "أنحني أمامها بطوله الفارع علي ركبته "كنتِ أشطر وحده" شهقت بفرح وهي تصفق بيدها "وأنت كمان يا سيكو كنت أثطر واحد.. أنا قعدت أسقف ليك جامد وأقول سيكو سيكو أنت مسمعتنيس؟!"
فأشار لها بحماسة "لا طبعا سمعتك وقولت لازم أجيب جون عشان خاطر ملوكه مخصوص" وهمس لها بسر صغير "الجون ده أسمه جون ملك" سعدت الصغيرة كثيرا ووضعت يدها علي فمها تكتم فرح خجلها وازدادت بسمة شكري اتساع دارت حول نفسها وأخوها يراقبها بينها وبين شكري كيمياء خاصة كل من منهم حرق بالنار وشكري يدعم نفسيتها كثيرا بهذا الأمر خاصة مع تلميح الفتيات الي قدمها المشوهة علي الدوام صحيح انها أصبحت أقل في الآونة الاخيرة بسبب تحذير سارة والمشرفات إلا ان نفسية أخته تدمرت تماما من هذا الأمر.
همست بأذن شكري "أنا لبثت فثتان أنهارده .. مث آية عملت لي شراب طويل مخصوص والحرق مش باين" ورفعت ركبتها أمامه ثم دارت حول نفسها فخورة بالفستان فهي لا ترتدي الفساتين أبدا لا تريد رؤية الحرق ولا تريد سخرية الفتيات.
تمزق قلبه عليها "مش أنا قولت لك أن رجلك جميلة ومتخبيهاش" خجلت منه ونظرت بحزن الي الاسفل "البنات بيقولوا لي يا أم رجل مسلوخة" احمر وجه شكري وضم قبضة يده ثم شمر كم ساعده الايسر كان به حرق بالغ شهقت بهلع طفولي "خبيه أحسن يقولوا عليك أبو أيد مسلوخة يا ثكري" وأخذت تنزل كم قميصه القطني بسرعة ولهفه لكنه منعها ورفعه مره أخري "اللي هيمشي عليكي هيمشي عليا ولما يلاقوني مش مهتم ولا بزعل هيبطلوا يعيروني أني محروق" نظرت له بسعادة شديدة أنه يدعمها بقوة علي الدوام حملها علي ذراعة وهي سعيدة للغاية وتأثر طارق بشدة لأن شكري يظهر حروق جسده ولا يخشي شيء فقط كي تعود ثقة الصغيرة لها.
"بما أنك كنتِ أشطر واحده انهارده، تعالي أجيب لك حاجة حلوة" فرحت كثيرا وأشتري لها الحلوى وأنزلت هي كم ساعده مرة أخري كي لا يري أحد حرقة وعندما رفض دمعت عيونها بشدة "بخاف عليك يا ثيكو" أنزلها وأخذ يتأملها وهي تلتهم الحلوى كان يستغرب كثيرا في بادئ الامر من طارق ما المتعة في إعطاء أغراضه الي أخوته؟! لكنه بعد أن تقرب منهم وجد أن إهداء الصغيرة دمية أو حلوي ورؤيتها تقفز وتضحك ولمعة الفرح بعيونها تعني له الكثير وبها لذه خاصه لم تعد تفارقه منذ أن تذوقها أول مرة فأصبحت عادة عنده إهدائها الدمي والحلوى فقط ليري سعادتها وضحكتها الواسعة وربما كان محظوظ كفاية وأخذ قبله علي خده مبلله بلعابها.
***
شهقات بكائها الناعمة تمزق نياط قلبه لقد تجاوز شكري ألم الحروق ربما الألم الجسدي.. أنه رجل وهذا الشيء لا يفرق معه لكن تظل الأوجاع المعنوية بداخله تحفر جرح غائر لا يشفي، اما عن صغيرته ملك فلا تتذكر تماما أصابتها بالجرح من يتذكر طارق عاقبتها مشرفة معدومة الرحمة وهي بالرابعة والنصف من عمرها بهذا الحرق البشع لمجرد أنها أخذت من طعام الزوار لم تراعي يتمها ولا جوعها ولا طفولتها، لكن ملك فتاة وتهتم لأمور الفتيات وتنعدم ثقتها بنفسها عندما يتعلق بهذا الامر.
"عملتي كده ليه ملك؟" أغمضت عيونها بقوة أكبر من زي قبل حركه خرقاء أقدمت عليها حتي أنها كانت تعلم مسبقا أن الندبة لن تمحي مائة بالمائة لكن جن جنونها فبعد المباراة الرائعة التي أحرز بها شيكو هدفين وخاصة الهدف الثاني الذي يفقد صواب الجميع تم تصويره وثلاثة من حسناوات وشقراوات اوروبا تلقي بأنفسهن عليه، لتشعر ملك بضآلتها أكثر وأكثر وبحركة خرقاء ذهبت الي مركز تجميلي للمرة الرابعة في ثلاث سنوات فقط والآن تعاني من احمرار والتهاب بالندبة التي لن تمحي!.
"متدخلش في حياتي جاي ورايا ليه؟" عبث شكري بشدة صغيرته متغيرة وبشدة حتي أنها تشاجرت بحده مع طارق منذ دقائق بسبب رغبته في تأجير صيدلية لها لم تكن تعامل طارق هكذا هناك شيء ما بها.
"أنت غيرانه أن طارق هيتجوز.. روان هتعيش معاكو مش كد؟!، يعني طارق مش هيبعد عنك" مسحت دموعها وهمت بالذهاب بعيدا لكنه وقف أمامها يسد الطريق عليها يسألها مرة أخري "ليه مش فرحانه بعد ما أقنعنا طارق أنو يوافق علي مشروعك" بصوت مرتعش وهي تحاول كبت بكائها "مين قال لك أني مش فرحانه .. أنا أنا" وغطت وجهها وبكت بشدة حاولت الذهاب لكنه منعها وأمسك بكلتا ذراعيها يشعر بأسي بالغ عليها لقد غاب السنوات الاخيرة عنها وبشدة ومنذ سته أشهر كامله لم يرها ربما دخل أحد ما الي حياة صغيرته.
تحدث بصوت عميق متألم النبرة وهو يحاول ملامسة جبينها بجبيه فأنحني بشدة عليها "أي حد ميقبلكيش بكل حاجة فيكي ميستحقش دقيقة من وقتك" وهمس بعذاب أكثر "لسه متخلقش اللي يستحقك ويستحق كل الجمال اللي جواكي يا ملك" عضت شفتيها وكفت عن البكاء وفتحت عيونها ببطيء بالغ تشتم انفاسه .. عطرة نفذ الي رئتيها ومنها الي روحها ظلت عيونهم متعلقة لبعض الوقت دون أي كلام، كلا منهم يشتم أنفاس الاخر ولا شيء غير ذلك.
تري هل يشعر بها؟ هل يشعر بحبها؟ لكنها عزيزة النفس أبية ترفض التصريح بحبها حتي لو كان للرجل الوحيد الذي عشقته منذ الصغر، كل هؤلاء الحسناوات يلتففن حوله لشهرته ونقوده أما هي وحدها تحبه وتعشقه منذ أن كان مجرد شيكو المراهق الذي يعمل مع أخيها بمصنع النجارة وتذهب لتدلل عليه مثل أخيها، تقبلته بكل حروقة وماضيه مثلما تقبلها وعلمها أن تتقبل نفسها .. تري هل يتذكر؟.
رمشت بعيونها تحاول إخراج نفسها من هالة السيطرة التي فرضها عليها .. سيطرة وتملك بحنانه فقط، رجعت الي الخلف وتهدلت ذراعيه بإحباط الي الاسفل وحاول هو الآخر الخروج من ذلك الموقف تنحنح "مش هتروحي لمعاذ أنا اللي همولك أطلبي رقم وهيكون عندك في الحساب يوم الحد" .
اشتاط غيظها وضربت الأرض "مش عاوزه منك حاجة، معاذ هيشاركني" جذبها من ذراعها وتمتم بحده "وأنا قولت مفيش غيري هيشاركك" تراقصت عده قلوب حمراء بداخلها "هل يغار عليها؟" حمقاء بالطبع لا! شوشت الفكرة علي عقلها فزمجرت بغباء وهي تضرب الأرض مرة أخري "مش عاوزة منك حاجة أديهم للشقرا اللي اترمت عليك ونزلت بوس وأحضان" كان وجهها محمر وبشدة من الغضب وحرج شيكو لا يعلم حقا من أين أتت تلك الشقراء؟ والقت بنفسها عليه تصرخ بحبه والاسوأ ان احدهم التقط صوره لهم بهذا الشكل وانتشرت الصورة كالنار بالهشيم!.
هم بالدفاع عن نفسه لكن عيونه ضاقت بمكر وسأل بطريقة لئيمة ممطوطة "وأنتِ بقي غيرانه ولا إيه؟!" اتسعت حدقتيها بذعر لا تصدق انها سقطت في هذا الفخ بكل غباء "أنا.. أنا؟!! هغير ليه وأنا مالي .. الله أعلم تعرف كان واحده هناك" اللعنة المزيد من الغباء ضربت فمها بيدها علي الفور وهمت بالذهاب قبل أن ترتكب المزيد من الغباء!.
أحكم قبضته علي ذراعها "تعالي هنا، أنتِ أزاي بتفكري في الحاجات دي؟!" ذعرت أكثر "أنا؟ .. أنا عمري ما بفكر في الحاجات دي كل واحد حر في حياته" كاذبة الكذب يقطر منها لا تجيد ملك الكذب بتاتا وهو أدري الناس بذلك شعر بقلبه يتضخم بين صدرة بحده بالغة "هل تغار ملك عليه؟" مجرد التفكير بهذا الأمر يشعره بالسعادة وبرغبة في سحق عظامها الآن بين أحضانه والصراخ بكل العالم بانه يحبها.
أستجمع شجاعته وتحدث بجدية "مفيش معاذ أنا اللي هشاركك قولت.. كلامي مفهوم ولا لاء؟" ربعت يديها بشجاعة مهزوزة تنوي أثارة حنقه لا شيء آخر "معاذ هيساعدني لكن حضرتك هترمي لي الفلوس وتسافر" "لسه لي شهر واحد يا ملك وارجع مصر وهاخد اجازة لفترة يعني أعد علي قلبك كام شهر، كفاية ولا لاء؟" شعرت بسعادة بالغة هل سيقيم بمصر عده أشهر معها؟! يؤسسون عملهم؟!!، "يا اللهي اتمني لو يقرصني احدهم الآن!".
البسها الرداء الواقي من الحرارة بحنان بالغ وعدله علي رأسها ووقفت هي مستسلمة له كل الاستسلام بعد أن انتهي أخذت تنظر له بعيونها البنية الجميلة كيف أحتمل فراقها لسته أشهر كاملة؟ كيف؟!،خلع سترته الغالية التي كان يرتديها وظهر من أسفلها قميصه القطني ذو الاكمام القصيرة فقام برفع كم ساعده الايسر عده إنشات حتي ظهرت الحروق علي ساعده رفضت برقة وهي خجله "نزل الكم يا شيكو" انحني بتحدي "لما توعديني أنك مش هتعملي أي عمليات في رجلك تاني يا ملك" دمعت عيونها بشدة وبالنهاية هزت رأسها علي مضض تنهد منها والقي بسترته علي ظهرة وسار الاثنان عائدون الي القبة وكل منهم قلبه يشدوا بلحنه الخاص "ربما هو يشعر بي"
"ربما هي تشعر بي" وقبل القبة بعده خطوات أنزلت هي الكم الخاص به كي لا يري أحد جروحه.
***
كالسائر بين السحب هذا هو شعورة الان لا يوجد هدف احرزه أو جائزة نالها أسعدته مثلما يشعر الآن بالسعادة فقط كلما نظرت ملك نحوه وابتسمت بخجل الي أن هب اعصار عاتي بوجهه "أنا هطلب مريم الوقتي" ترك الطعام من يده يمنعه "أعقل طارق هيقتلك!" أشار خلفة وهو يتمتم بتردد "أنا هطلبها من البش مهندس" هدأت أنفاس شكري وهز رأسه مستحسن الفكرة خطف جمال نظرة سريعة نحو ملك ثم جذبة من ذراعة "لازم تيجي معايا".
وقف الاثنان أمام عبد الرحمن وسارة وطلب جمال يد مريم ثم أشار نحو شكري "وشيكو طالب ملك" هلع شكري "إيــــه؟!!!" فأقر جمال بواقعية "أيوة أنا مش هضرب لوحدي!" نزلت سارة عن الطاولة وتخصرت بعدائية شديدة وزمجرت بشكري وهي تنظر له للأعلى "خير أن شاء الله؟ مش عجباك ملك أجوزها لسيد سيدك وخليك أنت مع الشقر!" لوح شكري نافي بشدة وبسرعة "لا لا لا هضرب معاه.. هضرب معاه!" عادت الي الوراء وقد خفت عدائيتها، نفخ عبد الرحمن طارق لن يسلم بسهولة نظر الي سارة يسألها عن الطريقة بعيونه فهزت أكتافها بأن هذا الأمر بديهي "هنجيب حبل" ففرقع عبد الرحمن أصبعه في الهواء بسرعة "مظبوط!".
تم ربطة بالكرسي وأخذ يزمجر طارق بصديقية "بطل سخافة أنت وهو" وأصفر وجهه وهو يتلاقى الخبر من عبد الرحمن ووعده بألا يفعل أي شيء طائش وحالما فك قيده أنهال علي الاثنين بالضرب المبرح وهو يصرخ عليهم بأنه أمنه علي أخوته وأدخلهم منزله وبعد أن ضربهم وأفضي شحنته أخذ يلهث وصرخ بهم "غوروا من وشي!" وتنفس الاثنان الصعداء وتمتم جمال وهو يقبل ظهر يده "الحمد لله يا رب مفيش عاهة مستديمة حصلت!".
***
أمسكت نجلاء بيد صغيرتها وهي تعدل من فستانها باليد الأخرى بعد أن خلعت عنها الرداء الواقي من الحرارة وهي بغاية السعادة، والحقيقة أنها تستحق تلك السعادة فهي لم تحصل عليها بسهولة أبدا.. .
لم تجد نجلاء الحب المناسب بالدار مثل زميلاتها .. لم تجد أبدا الرجل الذي تري به أبا جيدا لأبنائها التي تحلم بهم وبعد تزوج سالي وأنورين ومعظم فتيات جمعية الآنسات اصبحت وحدتها أكبر، بعد انشاء المدينة الخاصة بسارة وعبد الرحمن بعام كانت تسمع ثرثرة سارة عن ضرورة وجود روضة بالمدينة ترعي الصغار، لمعت الفكرة بعيونها انها لا تحصل سوي علي عروض فاشلة للزواج ولازال كل من أخيها ووالدتها يرون بها خيبة أمل كبري فشلت في انشاء منزل واسرة مثلها مثل أقرانها من فتيات العائلة، قررت جلب السعادة لنفسها لن تنتظر بعد اليوم تركت العمل بهندسة الديكور وافرغت حسابها البنكي الذي كانت تدخر به نقود عملها من أجل مصاريف الزواج .. حسنا تلك الزيجة لن تأتي بأي حال!،  أنشأت أول روضة بالمدينة خاصة برعاية الصغار كانت حديثة ورائعة بها غرفة لرعاية الصغار الرضع وكاميرا بث مباشر خاصة تمكن الامهات من رؤية الصغار بكل الاوقات وكيفية العناية بهم وقاعه رائعة للصغار من أجل تعلم الالوان والحروف والكلمات وحديقة خلفية كي يفرغوا طاقتهم كيفما يشاؤون وبما أن أخيها تزوج ولم يتبقى سوي والدتها بالمنزل أقنعتها بعد عام من العمل بالحضانة بالانتقال الي المدينة بدلا من الذهاب والعودة يوميا من وإلي القاهرة بلا داعي.
العمل بتلك الحضانة جعل منها انسانه أخري لطالما اشتاقت للصغار وها هي تبدل مجال عملها الي أكثر شيء تحبه وتخرج به طاقة الحب خاصتها بعد عام ونصف من انشائها لتلك الروضة لاحظت صغير حزين دائما تقربت منه وعلمت أن والدته توفيت عندما كان لديه عامين وها هو لديه اربع سنوات تفهمت أخيرا سبب تأخير والده باصطحابه وسبب ملابسة الغير معتني بها ضمته لها وأصبحت توليه رعاية خاصة تهتم بثيابه وطعامه وتفتح الصغير علي يدها وبدأ بالتفاعل مع الصغار أما عن الوالد المنهك الذي دائما يأتي متأخر ويعتذر منها بشدة لأنه أخر والد يأتي لاصطحاب صغيرة ومرة بعد مرة تعلق الاب المنهك بنجلاء وطيبه قلبها التي بدلت من حال صغيرة وهي الأخرى رأت به الاب الذي تتمناه كي يرعي أبنائها وتزوج كل منهم وبالطبع كانت الزيجة بعيون والدتها والمجتمع من حولها وأقرابها تدعوا الي مصمصه الشفاه والحسرة علي حظها بأنها اضطرت الي تلك الزيجة فلا أحد قبل بها!.
لكن نجلاء لم تعر أي من كلامهم السيء وتكهناتهم أي اهتمام وذلك لأنها كانت اسعد زوجه علي الأرض مع رجل حنون متفاهم وصغير رائع يمتعها بكلمه ماما ووظيفة أحلامها، وتوج الله صبرها الجميل بصبي وفتاة توأم بعد عام ونصف من زواجها، ولم تكن نجلاء سعيدة بحياتها بمثل هذا القدر من قبل والشفقة التي كانت تراها بالعيون اصبحت حسد وذلك لأن أي مما كانوا يضايقونها بالكلام السيء لم يكن سعيدات بحياتهن مثلها فتبدلت الشفقة بكلمه "صبرت ونالت بنت المحظوظة!" الناس لن تكف عن الحديث يوما هذا ما علمته لها الحياة، لكنها هي لن تفعل ما يمليه المجتمع البائس عليها بل فقط ما يمليه ضميرها وقلبها.
وقفت علي قدميها بعد أن عدلت فستان صغيرتها ودلف ابن زوجها يساعد أخيه الصغير بخلع ردائه وبعدها دلف زوجها الرائع بهيبته يحمل كيس للهدايا وحقيبة صغيرته المدللة ابتسم لزوجته بحب ووضع يده خلف ظهرها ودلف الاثنان يبتسمون ويبحثون بعيونهم عن مكان جلوس أصدقائهم داخل القبة.
دلفت ورائها إيمان .. أجل الفتاة البسيطة التي افنت عمرها كله من أجل أخوتها وقد عوضها الله عن صبرها بأكثر مما حلمت بيوم من الايام، الرجل الغريب الذي أتي لشراء فستان لصغيرته يوم المهرجان بالدار "كمال الديب" تعلق بها وبطريقتها الحنونة مع صغيرته وبعد الحريق ذهب للاطمئنان عليها وكم عني لها هذا الكثير فأخوتها الأعزاء بعد أن انتشرت صورها علي الانترنت يوم المهرجان الي جوار سارة وعبد الرحمن هاتفوها يهنؤوها علي نجاحها الباهر وسألها أحدهم بحماسة شديدة "أنتِ فعلا تعرفي عبد الرحمن شهاب الدين؟!" فأخبرتهم ببراءة بأن زوجته صديقتها  بدأت محدثات اخوتها الذين علي ما يبدوا كانوا يريدون تأسيس عمل ما معه إلا أن الحريق الكبير حدث وسارت شائعة بأن عبد الرحمن وسارة توفوا وبعدها علم الجميع بأنه أصبح عاجز ووسط كل ذلك لم يطمأن عليها أخوتها بعد الحريق سوي مرتين باهتتين بعد أن تحطمت أمالهم بأن يجعلوا أختهم تتوسط لهم لدي عبد الرحمن، وسط كل ذلك البؤس الذي حل بها ظهر كمال لها يطمئن عليها بعد الحريق ويريد مقابلتها دائما ويتحجج بالظهور أمامها.. كانت منهكة وبشدة فصارحته بكل شيء بما فعله معها أخوتها بأنها لم تكمل تعليمها ولا تليق برجل مثلة، لكن اعترافها لم يزيد كمال سوي تمسك بها، فهو الآخر عصامي بني نفسه بنفسه ويعمل الان كمدير بنك سافر للخارج عده سنوات إلا انه الآن مستقر بمصر تزوج من فتاة أحبها لكنها لم تهتم بأصوله البسيطة يوما ما وبدأت الخلافات تزداد حده بينهم الي ان انفصلوا منذ أكثر من سته أعوام ولديه صبي وفتاة، تمت خطبتها عليه وظهر جشع أخوتها مرة أخري من ذلك النسب العظيم لكنها وقفت بوجههم بكل قوة وحده لقد خذلوها بدلا من المرة مائة فواجهتهم بكل قوة ودافعت عن زواجها بكل ضراوة لن تتخاذل ولن تخسر شيء أخر بسببهم مرة أخري أبدا، تزوجت من كمال ولديها صبي منه واستمر عملها كمديرة للمشغل الخاص بآية بل واستثمر كمال معها أيضا بإنشاء مشغل خاص بهم وعوضها الله بصبرها الجميل عن كل شيء سيء رأته بحياتها يوما ما.
دلف زوجها خلفها وبيده صغيرهم الرائع وأمسك بكف زوجته وبحثوا بعيونهم عن المهندس كي يهنؤوه بعيد ميلاده.
وللأمانة لم تتزوج كل فتيات جمعية الآنسات لكنهن كن أكثر قوة، تعلمن كيف يعملن وكيف يخرجن طاقة الحب بداخلهن مع صغار الدار وكن بالتأكيد أكثر سعادة فمجتمع المدينة والدار كان مجتمع راقي يحترم الجميع ورغباتهم ولا يتدخلون في شئون بعضهم، فنعمن بحياة مستقرة هناك.


نهاية الفصل.
Please vote if you like it 😍 😊

مذكرات حائر الجزء الثاني "الحلم الضائع" بقلم هالة الشاعر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن