الفصل الثالث

8K 246 17
                                    

الفصل الثـــالث
"الســـــــــر"


رفضت حور كل الطرق والمحاولات والوعود التي وعدها بها أي من محمد أو أيه كي تترك رقبة إيهاب التي تعتصرها بكلتا يديها ومهما أخبروها بأن إيهاب لن يترك المنزل لم تصدقهم أبدا، ظلت تصرخ بهستيرية بأنه أخوها هي وأن والدها ووالدتها انجبوهم معا الي أن أغشي عليها مرة أخرى من كثرة البكاء.
حملوها مرة أخرى الي غرفتها وجلبت أية لها العصير الي أن هدأت قليلا، ولكن شهقاتها الصغيرة كادت أن تذبحهما فهي ليست طفله بكاءة أبدا، كما أنهما يدللوها كثيرا ولا يسمحوا للأمور بأن تصل بها الي حد البكاء الشديد.
كان إيهاب يبكي بصمت هو الآخر ويقف بعيدا عنهم ارتمت الصغيرة في حضن والدتها ولازالت علي حالها تتمتم بضعف من كثرة إنهاكها بأن إيهاب أخيها، والتفت محمد وذهب لإيهاب الذي ينظر للأرض بخزي وأخذه وخرج من الغرفة وهو يربت عليه "إيهاب أنت كويس؟" هز الصغير رأسه وتكلم بتردد "بابا أنا ممكن ..أرجع الدار.." ولم يستطع إكمال جملته من نظرات محمد المشتعلة من الغضب ، تكلم بحزم شديد أخرس الصغير من الغضب "مش عاوز أسمع كلام في الموضوع ده تاني أبدا مفهوم" "بس يا بابا ..." خرس الصغير مرة أخرى من شدة وحده نظراته التي اشتعلت من اعتراضه، أمسك بكتفي إيهاب وضغط عليهم بشدة ومن ثم قبل رأسه وأمره بالدخول الي حور كي يطمئنها بأنه لن يترك المنزل، ومن ثم نزل مباشرة الي شقة والدته.
_ اقتحم محمد المنزل والشرر يتطاير منه سألته سارة بلهفة والدموع تملئ عيونها عن أحوال الصغار فلم ينظر لها وإنما صرخ بحسام "ولادي منهارين من العياط فوق بسبب غباوته تقدر تقولي أفهمها ازاي إنه أخوها بالتبني وهي صغيرة كده؟ أنت عارف إن ابنك بتجسس علي كل حرف بتقوله أزاي تتكلم في موضوع زي ده وأنت مش واخد بالك؟!!" نطق حسام باستهجان "ولادي ؟!! أنت عايش في الدور أوي يا محمد" فلتت أعصاب محمد منه ولكن عبد الرحمن أمسك به سريعا فأزاح محمد رأسه بغضب  كي ينظر الي حسام صارخا به "ابني غصب عن عينك أنت فاهم؟ " "لا مش فاهم ومش هيفضل هنا كفاية عليه أوي كده يا محمد أكفله يا سيدي في أي حته برا زي ما أنت عاوز" عض محمد شفتيه بغل شديد من بروده حسام في التعامل مع هذا الأمر وارتخت عضلاته وتركه عبد الرحمن والتفت محمد الي والدته ونطق بحزن شديد "طالما مش عاوزينه في البيت يبقي أنا هاخد ولادي ومراتي وامشي من هنا، بعد إذنك يا ماما" وهم بالصعود ولكن السيدة نور استوقفته "استني عندك يا محمد اللي مش عاجبه الوضع يتفضل هو من هنا، أنت مش هتسيب بيتك" قالتها بعند وهي تنظر الي حسام الذي اتسعت حدقتيه أتساعا غير مسبوق لكلام والدته فنظر بسرعة الي عبد الرحمن فانحني بدراميه ومشيرا بذراعة ناحية باب الشقة وتمتم "الباب مفتوح محدش هيوقفك" نظر الي سارة فعقدت ذراعيها بتحد علي إنها توافق ذهابه علي ذهاب إيهاب وكذلك حماته التي تمتمت "لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم" وجلست بتعب علي الأريكة، هز رأسه غير مصدق "أنا مش فاهم أنتو متمسكين بيه أوي كده ليه؟ إحنا منعرفوش ولا نعرف مين أهله وأنا اللي أخرج برا!!" وأردفت السيدة نور بجمود "و يا ريت تاخد مراتك وأولادك وتتفضل علي شقتك الوقتي كمان" أخذ يد أحمد وهو ينظر لهم شزرا جميعا وصعدت أمل هي الأخرى مع أطفالها.
ذهبت السيدة نور الي محمد تربت عليه وتضمه لها بشدة وفقد هو الأخر رباطه جأشه وأخذ يبكي علي صدرها، أخذت السيدة وفاء فارس وانسحبت وصعد عبد الرحمن وسارة أيضا ولكن سارة توجهت الي شقة محمد كي تطمئن علي الأطفال.
ظلت السيدة نور تمسح علي رأس محمد الذي تحول الي طفل صغير يبكي وينتحب علي صدر أمه، ولكنها تفهمت بكاءة فهي الوحيدة التي تعلم ما به، وما هو سبب تمسكه الشديد بإيهاب ... .
***
  صعد عبد الرحمن واجما الي منزله لا يصدق مدي تشابه خصال  هذا الصغير بخصال أخية أحمد
أغلق باب منزله خلفه بوجوم وهم بالصعود الي غرفته ولكنه جمد في مكانه وأزدرد لعابة بصعوبة بالغة إنه هو! يقف أمامه، اضطربت أنفاسه بشدة وأخذ صدرة يعلو يهبط في حركات جنونية.
هو:_ مالك يا عُبد؟ عمرك ما كنت خواف إيه اللي حصل لك؟!.
عبد الرحمن بجمود:_ عاوز إيه؟ إيه اللي رجعك تاني؟!.
ضحك أحمد بشدة وأخذ يقهقه وأرجع رأسه الي الوراء:_ عاوز الجواب اللي سبتة ليك من خمس سنين، عاوزك تقول ليهم الحقيقة وليها هي بالذات، عاوزها تعرف.
ارتعشت شفة عبد الرحمن لوهله من القهر:_ ملكش دعوة بيها سبها في حالها.
ذهب عبد الرحمن وجلس علي الأريكة بتعب وجاء أحمد وأخذ يلف ويدور حوله وهمس له سألا
:_ مبسوط ؟!.
بقناعة مزيفة:_ ايوة .
:_ طيب ليه مخبي عليهم؟ ليه مخبي عليها هي بالذات؟.
هز رأسه في محاوله يأسه منه عله يذهب من عقله وأخذ يفرك رأسه بعنف لما عادت الخيالات بشدة إليه مرة أخرى؟.
أنحني أحمد وتحدث معه باستفزاز:_ أنا عاوزها تعرف، الجواب ده أنا سيبه ليها أنت كل دورك إنك توصله مش تسرقه!.
وقف عبد الرحمن وصرخ به بكل عزم:_ كفاية كفاية حرام عليك كفايــــــــــــــــــــــة.
"عبد الرحمن مالك؟!" التفت سريعا الي صوت سارة القلق خلفه ومن ثم نظر بسرعة مرة أخرى الي شبح أحمد الذي كان يتحدث معه منذ ثوان وتعالت أنفاسه "اللعنة لقد زحف الجنون لي مرة أخرى!".
أغلقت سارة باب المنزل بظهرها وهي تنظر بأسى شديد نحوه، لقد سمعته وهو يصرخ الآن بكلمه كفاية وسمعته وهو يهمس لنفسه بالأسفل عن مدي تشابه الصغير بأخيه، ووقفت مكانها تنظر بيأس له فهو لن يخبرها عما يدور بخلده أبدا وهي تعلم بذلك ولكنها رغما عنها ظلت تتأمله بنظراتها اليائسة عله يخيب أملها اليوم ويخبرها عما يضج نومه ويشغل تفكيره.
"أنا طالع فوق" قالها بجمود أشبه الي الصراخ وصعد سريعا همت بالصعود خلفه ولكنها كانت مرهقه للغاية فهو لن يخبرها بأي شيء، فذهبت للأريكة وتكورت عليها وهي واجمه ... .
***
_ وكأن الحزن يقيم موعد خاص بمنزل السيدة نور، وأحزانهم هي الأخرى توحدت مثلما توحدت افراحهم، فموعد وفاة السيد شاكر يفصله عن ذكرى وفاة أحمد الخامسة أسبوعان ويليهم السيد شهاب بشهر.
كانت هذه الذكري الثانوية الأولي لوفاة السيد شاكر ومع اقترابها ازداد شحوب السيدة وفاء كثيرا غير مصدقة إنه مر علي فراق زوجها الحبيب عام كامل، وكذلك السيدة نور ازدادت شحوبا علي شحوب لا تصدق أن عينها لم تُكحل برؤية ولدها الحبيب منذ خمس سنوات كامله وانشق قلبها لفراق رفيق دربها الذي كان يهون عليها فقدها، وحاميها منذ أن كانت بالثامنة عشرة.
_ اجتمع الجميع مرتدين الأسود في منزل السيدة وفاء، رغم إنها ثانويه السيد شاكر إلا أنهم قرروا زيارة الثلاث قبور في ذلك اليوم، صعدت السيدة نور بالمصعد ودلفت الي السيدة وفاء الباكية وبناتها يواسونها صحيح أن والدهن غالٍ عليهم للغاية إلا أن كل منهن لديها حياتها الخاصة الكفيلة بانشغالها أما السيدة وفاء فلا شاغل لها بعد وفاه زوجها سوي ذكراه الطيبة ورائحته العطرة التي كانت في حياتها.
_ قالت السيدة وفاء بتعب "طالما نور جهزت مش نمشي بقي يا ولاد؟" تمتم حسام "لحظه يا طنط عبد الرحمن علي وصول".
نزل كل الأطفال الي الحديقة وتمتم محمد لأية "هنيجي ناخدك أنتِ وأمل بعد ما سارة ترجع"  هزت رأسها موافقة ودلف عبد الرحمن وهو عابس الوجه وتمتم بوجوم "العربية جاهزة" وعندما لمح سارة بالملابس السوداء وتهم بحمل حقيبة يدها تمتم "مفيش داعي أنتِ مش هتروحي" تسألت ببراءة "هستني مع أية وأمل؟" "لا أنتِ مش هتروحي خالص" تعالت أنفاسها للغاية لقد كان دائم التعسف في هذا الأمر ولا يدعها تذهب مع والدتها أبدا حتي إنها لم تذهب سوي مرة واحده طوال هذا العام ولكن اللعنة هذه ثانويه والدها وقررت إنها سوف تذهب فهي لم تعد تحتمل غيرته المرضية هذه من شبح أحمد!!.
رفعت الحقيبة بهمه علي ذراعها وكأنها لم تسمع شيء وتمتمت بنفاذ صبر "دي ثانويه بابا وانا هروح" سمع العند الشديد في نبرتها وبحلق الجميع له، زفر الهواء من رئتيه بحنق فالموقف كئيب ولا يحتاج الي أي دراما!.
"يبقي مش هتروحي غير مدفن عم شاكر" اللعنة لقد نطق جملته بصوت عالٍ.
تحجرت الدموع في عيونها وظلت تنظر له بجمود "أنت مريض" التف برأسه ليري وجه والدته التي نطقت هذه الجملة بقهر شديد وتمكن منها الغيظ وبلغ منها مبلغه ونطقت الكلمات من بين أسنانها "مش هتروح مدفن أبوك الله يرحمه عشان أحمد مدفون هناك جنبه!" اضطرب وجه عبد الرحمن بينما هي تعالت أنفاسها "أنت مش بتحس وأنا خلاص قرفت خمس سنين وأنا بخبي، خمس سنين وأنا بشيل صورة وحاجته من قدامك، خمس سنين وأنا بمثل قدامكو عشان تعيشوا متهنين ومتشيلوش همي لكن خلاص فاض بيا من قرفك ومن انانيتك".
كانت أنفاسها شديدة الاضطراب وبدأت بالتوجه نحوه ببطيء وبغل وأزاحت محمد من أمامها عندما حاول إيقافها "أنا بطلع اوضته كل يوم، وبدخل شقته وهدومه وريحته بعشقها وبتنام في حضني" وبدأ صوتها يعلو الي ما يشبه الصراخ واخرجت السلسال من صدرها توجه الصورة الي وجهه "وصورتو مش بتفارق رقبتي ولا قلبي ولا عقلي" وصرخت به وهي تشير بإصبعها الي الأسفل لتؤكد علي كلامها "في واحد كان عايش في البيت ده اسمه أحمد، ابني حبيبي نور عيني اللي اتخطف من حضني بدري مش هاخبي تاني أبدا يا عبد الرحمن ومش هستحمل انانيتك تاني" نظر الجميع يراقب السيدة نور والدموع تغزو عيونهم.
وقفت سارة تراقبها والألم يمزقها، هنيئا للسيدة نور استطاعت التحدث أما هي فلن تستطيع.
_ "أنطق أنت مخبي إيه؟" بتعب بالغ "مش مخبي حاجه" أمسكت مقدمه ملابسه بعنف ورفعت رأسها له "أنطق أنت مخبي إيه يا عبد الرحمن أنطق" نظر لها وقال بحزن "مش مخبي حاجه".
لقد أصبح يجيد تلك الكذبة الآن بعد كل هذه السنين ولكن اللعنة إنها مؤلمة وتطعنه في قلبه كل مرة.
حاول محمد تدارك الموقف وأمسك بوالدته "ماما الوقت هيتأخر لما نيجي أبقي اتكلمي معاه" عضت شفتيها من الألم ونظرت لسارة وقالت بتحدي لعبد الرحمن "سارة هاتيجي معايا" ومدت يدها نحوها، لقد أفشت الكثير ولكنها لن تخبره بأن أحمد يأتي لها في المنام ويسألها عن حال سارة ولما لم تعد تأتي لزيارته؟! ولكنها في النهاية أم رغم غضبها كتمت ذلك.
اتجهت سارة نحوها ببطيء وبحذر كي تهدأ من غضبها، ورفعت السيدة نور رأسها بتحد لعبد الرحمن "لازم تعرف انو كان جوزها وحبيبها ومن حقها تحزن عليه مش هسمح لك تاني أبدا إنك ترعبها أو تخوفها والجنان اللي بيركبك لما تشوف حاجه أحمد أو تسمع سيرته، ده ابني حبيبي ومن حقي افتكره ومن حقي أتكلم عنه أنت فاهم ولا لاء؟!!" كانت لهجتها محذرة للغاية.
تكلم من بين أسنانه وقد اشتعل وجهه من الاحمرار لطالما كان الغضب والحنق يشعل وجهه باحمرار شديد ولكن لا يوجد هناك أي فرصه لغسل وجهه كي يخفيه، "ده ابنك وتقدري تعملي اللي أنتِ عاوزاه" وسحب سارة من ذراعها بعنف وجرها نحو الحائط وتمتم "لكن دي مراتي وأنا حر فيها".
_ اشتعلت السيدة نور ورفعت سبابتها بوجهه "سارة ها تيجي معانا" "خلاص يا نور" تحدثت السيدة وفاء وحاولت تهدئتها، لم تستمع لها "أنا قولت ها تيجي يعني ها تيجي" وبكت بشدة ولكنها مصرة علي موقفها فقلبها يغلي من الألم علي أحمد في تلك الفترة بشدة والأحلام التي تؤرقها تزعجها للغاية وسؤاله عن سارة يذبح في قلبها بسكين بارد.
زمجر عبد الرحمن "علي جثتي إنها تروح ومش عاوز أسمع الكلام ده تاني في البيت" والتفت الي سارة يصرخ بها "علي الشقة ولما أرجع ليا معاكي حساب تاني" ضربته السيدة نور بقبضه يدها علي ظهرة وتدخل حسام ومحمد فوالدتهم اليوم غاضبة للغاية من عبد الرحمن، حاول كل من محمد وحسام تهدئتها ولكنها انتفضت صارخه بعبد الرحمن أكثر من زي قبل "مش ذنبها انك حطيت عينك علي مرات أخوك" صدم الجميع لما قالته السيدة نور ووضعت سارة يدها علي فمها غير مصدقة.
جحظت عين عبد الرحمن وتعالت أنفاسه وضمتها السيدة وفاء بشدة وبكت الأخرى في حضن صديقتها بشدة وأخذت تتمتم بمرارة "اه يا حبيبي أنا عاوزة ابني".
رمت سارة بحقيبتها أرضا ونزلت الي الأسفل لتمكث مع الأطفال وبعد عشرة دقائق نزل الجميع متهجمين واتجهوا مباشرة الي السيارات ومنها الي المدفن.
لم يكن تعسف عبد الرحمن بهذا الشأن شيء جديد علي أفراد هذا المنزل وانما ما تحدثت به السيدة نور هو ما أصابهم بالحزن الشديد لكل منهم حياته وعمله أما هي فقد كسر قلبها وازداد سنها أعوام علي أعوام بسبب فقدها لفلذه كبدها.
حاولت سارة التماسك قدر الإمكان أمام الأطفال الذين يلعبون ويركضون بمرح في الحديقة غير مبالين لمَ يحدث في عالم الكبار، وبعد مده عادت السيارات واحده تلو الأخرى وحلما اتجه محمد ناحيه الأطفال ذهبت للسيدة نور ودلف الاثنان فقط الي الشقة ولم تتركها سارة الا ليلا بعد أن دثرتها واعطتها دوائها ومن ثم صعدت الي منزلها وتكورت علي أريكتها الي أن غلبها النوم من كثرة البكاء وشعرت فجاءه بذراع قويه تحملها، فتحت جفنيها بصعوبة فالنور يؤلمها بشدة لتجد عبد الرحمن ينظر لها بعتب لقد أتفقا علي ألا يبيت أي منهم بعيدا عن الأخر مهما كان الخلاف الحاصل بينهم وضعها علي السرير بهدوء وتكورت في ناحيتها بعيدا عنه.
دلف الي الحمام كي يرش وجهه ببعض الماء البارد وحالما رفع رأسه راه مره أخرى بالمرآه يبتسم له ابتسامه المنتصر، فأخفي وجهه وتألم بشدة لقد عاد أحمد وسوف يفشي السر ... .
ظل الوضع بينه وبين سارة متوتر لا أحد منهم يتحدث مع الأخر ولا ترفع رأسها لمواجهته قط كان يظن إنها غاضبة منه ولكن الحقيقة هي إنها كانت خجله منه لأنها ذهبت في اليوم التالي الي المدفن وزارت أحمد مثلما وعدت السيدة نور، مما جعل الوضع أسوء مع عبد الرحمن.
أما عن عبد الرحمن الذي أخذ يدور ويلف حول نفسه عده أيام لا يعلم كيف يجتذبها للحديث ومحمد الذي يعطيه النصائح في تلك الأحوال لا يتحدث معه وغاضب عليه لما تعانيه السيدة نور من حزن بسببه فاضطر الي اللجوء للحيلة القديمة التي يتبعها في مثل هذه الظروف فكلمه "آسف" اصبحت مملة للغاية ولا فائدة منها.
لذلك استجمع شجاعته واتجه ناحيتها وزفر الهواء ونطق بصوته الخشن "أنا جعان!" ذهبت كي تحضر له طعام وحالما انتهت نظر للطعام واستوقفها "أنا عاوز بطاطا بالسكر" اطلقت تنهيد معترضة وعادت مرة أخرى الي المطبخ كي تعد له الوجبة التي يتناولها عده مرات بالأسبوع رغم معرفته الشديدة بكرهها لتقشير البطاطا!، انتهت من عملها واستوقفها مرة أخرى ولكن هذه المرة دون كلام مطلقا ضمها بشده الي صدرة حتي اصبحت قدميها لا تلامس الأرض وقاومت هي دموعها بشدة.
فسارة لا تستطيع فهمه مطلقا فهو مذبذب في التعامل معها بشكل لا يوصف، تارة يكون هادئ مراعي حنون ويهتم بأدق التفاصيل في حياتها ويخشي عليها بشدة وكأنها ابنته الصغرى، وتارة يكون غاضب حانق ويمنعها عن كل شيء وغالبا ما يكون السبب شيء ما يخص أحمد، أخذت تبكي علي صدره لأنها تشعر بتعب شديد وملت من سؤاله عما يخفيه فهو لن يجيبها أبدا، وانحني هو وأخذ يربت علي ظهرها كي تهدأ الي أن نجح في اسكاتها وبعدها قبل جبينها برقة متناهيه "آسف متزعليش" هذا هو أفضل ما يستطيع فعله لا يستطيع التحدث لم يفعلها ولن يفعلها سوف يكتفي برمي الرمال علي تلك الحفرة مثل سابقها ولا شيء أخر لن يتحدثوا في الأمر!.
أما عن السيدة نور التي حاول مرارا تقبيل يدها ورأسها معتذرا عما بدر منه رفضت أي من محاولاته وكانت تسحب يدها في كل مرة معلنه بذلك رفضها لما يفعله وأصبحت تترك صورة أحمد المعلقة برقبتها خارجا ولم تهتم للنار التي تشتعل بعينه حالما يرها في كل مرة.
أما عنه فلم ييأس حتي بعدما رفضت مصروف المنزل أو أي شيء منه، وظل يذهب لها ليل نهار الي أن كفت عن سحب يدها وتركته يقبلها ولكنها لم تتحدث معه ... .
***
بالمكتب جلست سارة تطبع عده مهام علي حاسوبها الخاص، إنها الثانوية الخامسة الخاصة بأحمد وتريد عمل شيء مميز للغاية من أجله وبالطبع تريد أن يتم ذلك بسريه تامه بعيدا عن عبد الرحمن، أخبرت السيدة نور بما تنوي فعله لهذه المناسبة وقد ابتهج وجه السيدة نور الشاحب قليلا فحالتها ساءت بشدة بعد التصريحات التي أدلت بها لعبد الرحمن.
دلفت سالي علي سارة بعد طرقة سريعة لا دعي لها فهي دلفت قبل أن تستطع سارة حتي فتح شفتيها !، ووضعت أمامها عده ملفات وتحدثت بسرعة "الخمس ملفات زي ما طلبتيهم شوفيهم وردي عليا بسرعة عشان مفيش وقت" انتبهت سارة لسالي أخيرا وتركت حاسوبها وتفحصت الملفات علي الفور "تمام خلينا نبدأ علي طول يا سالي خلينا نقابلهم بكرة" "أفضل بردوا منال بتقول أن كل يوم في العلاج بيفرق خلينا نبدأ علي طول" تنهدت سارة بأسى وهي تقلب في الملفات فهي قررت تحمل كلفه خمس سيدات أصبن بالسرطان ورعايتهن الي أن يستعدن صحتهن مرة أخرى وتمتمت بأسى "كلهم انفصلوا!" نفت سالي سريعا "لا مش كلهم اتنين بس وفي واحده حاسة إن زوجها مش هيكمل معها وبدأ يبعد عنها، أما الحالة الخامسة دي بقي "وأشارت لها علي الملف الخاص بها "زوجها عمل المستحيل عشان يقابل منال وبعت لها فوق الميت رسالة عشان تقابله لو شوفتيه وهو بيترجاها عشان تقبل الحالة بتاعه مراته" ابتسمت سارة ابتسامه هادئة وتمتمت "وسط كل حاجه بتحصل الأيام دي إلا أن في حد دائما بيظهر عشان بس يأكد أن الدنيا لسه بخير وإن لسه في راجل ممكن يحب ويخلص لمراته" تهكمت سالي "أنا رأي إننا نحطه في متحف أو نعمله تمثال".
ضحكوا سويا ودلفت فتاة ممتلئة الجسم عليهم ووضعت يدها بخاصرتها اعتراضا علي ضحكهم دونها وقالت بلكنتها السوقية العجيبة التي لا تتحدث سوي بها! "الله الله وليكوا نفس تضحكوا من غيري يا أبله منك ليها؟!!".
شيماء: فتاه عجيبة الشكل والطبائع!!، شديدة البياض وتتورد وجنتها بسرعة شديدة، وشديدة السمنة أيضا تتحدث بلكنه عجيبة ولا تتخلي عنها أبدا وإذا ما دعاها أحد ب "شيماء" غالبا ما يتلقى صفعه أو تقذفه بشيء ما وفي أحسن الأحوال سوف ينال بعض اللعنات!!، فهي تعتد باسمها كثيرا وعليك بوضع كسرة مشددة تحت حرف الشين الخاص باسمها وإلا سوف تقوم قيامتك!!!.
رحبت سارة بها "اهلا اهلا في وقتك بالظبط" ردت شيماء بمشاكسه "أنا علي طول في وقتي يا ماما" وأشارت الي نفسها بعلياء شديدة، "في حاجة مهمه وعاوزها تخلص انهارده" وسلمتها الملفات "عاوزاكي تظبطي الخمس ستات الي في الملفات دي تشوفي عنوانهم وتخلي مريم تبعت باص الحضانة كل يوم وبالذات في مواعيد جلسات الكيمو ثيرابي عشان ياخد أولادهم وكمان تدخليهم في مجموعات للدعم و يا ريت لو تعملي ليهم زيارة وتشوفي ناقصهم إيه، من الآخر عاوزاكي تظبطيهم يا شيكو أخر حاجه" وبالطبع ردت شيماء عليها بفخر وزهو ولكنه عجيبة! " التظبيط ده لعبتي ليكي عليا اعزمهم علي أكله مومبار ترم عضمهم كده مش بعيد يخفوا بعدها!" استوقفتها سالي بسرعة "لا أبوس ايدك يا شٍيماء الستات عندها كانسر  ومستوين علي الأخر ومش عاوزين تلبك معوي! الله يبارك لك التزمي بالنص" وأشارت لها بالخروج، بينما لوت شيماء شفتيها في استياء "حاضر يا أبله الناظرة" وصفقت الباب خلفها.
وجهت سارة نظرها للحاسوب مرة أخرى ولكن سالي أغلقت الشاشة مجبرة إياها علي النظر لها "أنا مش راضيه أبقي بايخة يا سارة والح عليكِ عشان أعرف مالك بقالك فترة مش طبيعية، بس مش همشي انهارده إلا إذا عرفت"، لم تنظر سارة لها ووجهت نظاراتها الحزينة صوب الأرض "امم علي العموم هو شور الموضوع خاص بالباش مهندس عبد الرحمن انتِ بقالك فترة مطلعتيش نهائي" وتهكمت كي تضحكها "ده أنتِ كنت عامله زي الفرقع لوز طالعه نازله " وهدأت سخريتها "وكمان هو منزلش بقاله فترة" وفهمت من تنهيد سارة العميق أن كلامها علي حق وسألتها "مش عاوزة تحكي؟!" هزت سارة رأسها نافية ولكن سالي لم تيأس والتفت لها وفركت ظهرها بمرح "قومي اعزمك علي واحد شاروما" تذمرت سارة "قولت لك بكره الشاورما!" "اه صح دي نجلاء الطفسه، طيب يا سارة ما أنا لازم أعرف نقطه ضعفك إيه عشان أعرف استغلها!" ضحكت سارة بتعب "الآيس كريم" "تمام قومي يالا أنا عزماكي بسرعة قبل ما حاله الكرم اللي أنا فيها دي تخلص".
نزلت الفتاتان سويا وتجاهلا إلحاح كل من نجلاء ومريم لتوقيع بعض الأوراق وقررت سالي أخذها الي محل هادئ عل حالتها تتحسن قليلا، وبالطريق وبإحدى الإشارات وقف طفل يبدو عليه الشقاء الشديد يطلب أي مساعده منهم علي الفور رق قلب سارة وهمت بإخراج النقود ولكن سالي زمجرت بها كعادتها "مش هيحصل يا سارة" "يا سالي حرام عليكي شكله جعان خالص!" أنزلت سالي الزجاج وتمتم الصغير "حاجه لله يا أبله" "مين اللي مشغلك يا شاطر وبتنام فين؟!" انمحت المسكنة من علي وجهه وفر راكضا ورفعت سالي الزجاج مرة أخرى وتحركت بالسيارة وتمتمت بانتصار "شوفتي خاف من اللي مشغله وجري علي طول" سارة بأسى "طيب وهو ذنبه إيه بس يا سالي؟!" "يا سارة أنا عارفه أنو ملوش ذنب بس انتِ كده بتشجعي المتسولين إنهم يخطفوا الأطفال عشان يتسولوا بيهم ويشغلوهم عندهم" "أنا مش قصدي كده خالص أنا عاوزة اساعدهم".
انتبهت سالي للطريق جيدا وهي تركن السيارة ونزل الأثنان "يا سارة إحنا ممكن نساعدهم بطرق تانيه وأهمها أننا ننقذهم من الورطة اللي هما فيها دي، لكن الفلوس دي أصلا مش بتروح ليهم ولو الناس بطلت تديهم فلوس عمليات خطف الأطفال هتقل لأنه مش هيبقي ليهم لازمه" "بس أنا مقدرش أشوفهم كده ومعملش حاجه!" ضمت سالي فمها تفكر أثناء شرائها المثلجات "ممكن تجهزي معاكي ساندويشات وتديها ليهم لأنهم أكيد هياكلوها في وقتها واللي بيشغلهم مش هيستفاد حاجه" هزت سارة رأسها عن اقتناع .
وراقبت عده أطفال علي قارعه الطريق وقررت أخذ المثلجات لهم ويبدو أنها أخيرا اقتنعت بكلام سالي ذهبوا للأطفال الذين تجمهروا حولهم وتناولوا المثلجات بنهم وفرح وأخذت سالي وسارة تربت علي رؤوسهم وسارة تسألهم عن أسمائهم أما عن سالي فأخذت تسألهم عن المكان الذين ينامون فيه فجأتها ردود مبعثرة "في الشارع، تحت الكبرى، في الخرابة!" "طيب مين اللي مشغالكوا ؟!" وحالما نطقت بتلك الجملة حتي ركض كل الأطفال مبتعدين عنهم وهزت سالي رأسها في آسف "دي مش أول مرة كل ما أسألهم السؤال ده يجروا وحاولت قبل كده كذا مرة أقنعهم اني هاخدهم دور رعاية لكن ب يجروا ويخافوا".
عادت الفتيات الي السيارة واخذن مثلجات لفتيات المكتب فجميعهن يعملن بهمه ونشاط ويستحقوا مكافئة، وبعدما تحركت السيارة حاولت سارة إبهاج سالي "متقلقيش أنا متأكده اننا هننجح بإذن الله هما الوقتي بيخافوا وبيجروا عشان ميعرفوناش لكن لما ننفذ فكرتنا صدقيني هيثقوا فينا وحلمك هيتحقق " سحبت سالي نفس عميق وتشجعت قليلا من كلام صديقتها.
***
جلس محمد يبحث في جهازه اللوحي باهتمام شديد وكل من حور وإيهاب يلعبون أمامه في صاله المنزل في جزء خصصته أية من أجلهم به طاولة صغيرة ورديه وكراسي ورديه هي الأخرى، حسنا لنقل أن أغراض حور كانت هي المهيمنة علي تلك المساحة الصغيرة، تلعب لعبتها المفضلة وهي ادعاء شرب الشاي وإيهاب يجاريها بينما هي كانت تتذمر منه لأنه لا يرفع إصبعه الصغير أثناء الإمساك بالفنجان كعاده الأميرات، ولكنه تقبل تذمرها هذا فتلك اللعبة هي أفضل الألعاب التي تلعبها حور. عدي ذلك تستخدمه كعارضه وتزين وجهه بالألوان وتركب بشعره البكرات الوردية!، لذلك اعتذر بهدوء ورفع إصبعه الصغير في الهواء وقاوم سقوط الفنجان من يده بأعجوبة!!.
جاءت أية لتجلس الي جوار محمد وتضع أمامه كوب القهوة خاصته، مال هو عليها كي يريها أحدث الكتب والقصص التي يريد شرائها لكل من حور وإيهاب "شايفه ال
الشهر ده حلوة أوي أنا هطلب الكتب دي، مش عاوزة تطلبي حاجه؟".best seller
وجدتها أية فرصة رائعة كي تحدثه في ما تريد وامسكت بالجهاز واختارت كتيب ومن ثم أعادت الجهاز الي محمد "وريني اخترتي إيه يا قرده" قالها بمرح ولكنه مرحه انتهي حالما رأي الكتاب وضع الجهاز من يده وصعد غرفته سريعا وأية خلفه بالطبع!.
حالما شعر بها في الغرفة فتح دولاب ملابسه وقال بعصبيه "أنا نازل ومش عاوز اتكلم في الموضوع ده يا أية" نزعت الملابس من يده ورمت بها علي السرير "يا محمد من فضلك مفيش داعي للعصبية خلينا نتكلم بهدوء" "هدوء! والله هدوء ؟!" سألها مستنكرا ولكنه التفت بوجهه الي الناحية الأخرى قبل أن يثور غضبه عليها بشدة لقد ظن أنها نسيت أمر الانجاب مرة أخرى وأنه أستطاع إقناعها أخيرا ولكنها منذ حادثه حور وإيهاب عادت مرة أخرى الي حديثها في هذا الأمر.
فركت أيه يدها "أنا روحت للدكتور و بيقول إن حالتي كويسه جدا وأنا عاوزة ابدأ التنشيط الشهر ده يا محمد" نظر لها محمد بحزن شديد لإصرارها هذا إنها تقتله بسكين بارد دون أن تشعر، هز رأسه " ما انتِ حالتك كانت كويسه جدا قبل كده!، ومع ذلك حصل مضاعفات ومايه علي الرقة ودوامه سودا دخلنها تسع شهور وقومتي من الولادة بأعجوبة! " قال جملته مزمجرا بها وبلهجه حاده جدا وهو لا يتحدث هكذا ابدا معها في عادته.
لم تيأس أية واقتربت منه  "بذمتك يا محمد مش وحشك ريحه الأطفال وأكلهم ولبسهم وأزاي بيناموا في حضنك وصوتهم فاكر أنت كنت مبسوط أزاي مع حور فاكر الأيام دي إحنا كنا طايرين من السعادة أزاي" هز رأسه بجمود وقال بصوت بارد " فاكر يا أية كويس، وعارف بردوا إن ربنا أكرمنا ورضانا بأكتر مما كنا بنحلم واني مش مستعد أيتم بنتي واربيها من غير أم عشان مامتها مش راضيه تقتنع ب اللي عندها .. أية انتِ تقدري تخلفي في أي وقت لو  زهقتي ومشتاقه جدا للأطفال نقدر ننفصل عن بعض بكل هدوء وساعتها هتقدري تجيبي طفل واتنين وعشرة لكن حور هتفضل معايا وطبعا تقدري تشوفيها وقت ما تحبي، أنا مش هعمل العملية دي تاني أبدا ومش هشترك في الجريمة دي".
صعقت أية بشدة فهذه أول مرة علي الاطلاق يأتي فيها محمد علي ذكر الانفصال في حياته كلها، اما هو فالتفت بوجهه الي الناحية الأخرى وعض علي شفتيه من الألم لم يستخدم أسلوب التهديد معها من قبل قط ولكنها ترغمه علي هذا، لا يستطيع أن يعيش هذا العذاب المستعر مرة أخرى أبدا لا لن يحتمل قلبه ولن تحتمل أعصابه.
التفت وقرر الطرق علي الحديد وهو ساخن وقال بجمود "ها يا أية قررتي إيه ؟" بكت بشدة غير مصدقه معامله محمد هذه لها أنهم علي وفاق تام لما أتي بذكر الانفصال بينهم؟!، اعتذرت منه وطوقت عنقه بذراعيها وأخبرته بأنها لا تريد أي طفل بعيدا عنه، ولكنه ظل واقف بجمود ولم يحاوطها بذراعيه يشعر بندم شديد لأنه هددها هكذا ولكنه أراد أن يقفل هذا الموضوع الي الأبد، "سامحني يا محمد أرجوك صدقني مش هفتح الموضوع ده تاني" حاوطها بذراعيه أخيرا ونظر كل منهم الي الآخر وعندما انحني ليقبلها "ماما ..!" ذعر كل من محمد وأية لقد نسيا باب الغرفة مفتوح!.
اضطرب الصغير "ماما أنتِ بتعيطي؟" مسحت أية دموعها بسرعة ونفت برأسها "لا لا أبدا .. دا .. دا " تنحنح محمد "احم .. أصل كنت .. أصلها .. أصل كنت بحط لها قطرة !" "اه اه كان بيحط ليا قطرة!" "حور عاوزاكي بتقول انها عاوزة تاكل" "طيب يا إيهاب روح أنت أنا نازله حالا" نزل الصغير وامسكت هي بياقة قميصه وسألت بدلال "صافيه يا لبن" ورد الآخر بصوت رخيم "حليب يا قطرة" ضحكت أيه وتركته كي تلبي طلب الصغيرة ولكنه استوقفها عند الباب "علي طول بقي عشان القطرة" ضحكت أيه ونزلت الي ابنتها بينما هو تنهد وضم قبضتيه "هي اللي اضطرتني استخدم العنف!" .... .
***
منذ أن فقدت حور وعيها بالمخزن والعلاقة متوترة بشدة بين كل من أمل وحسام فبعد أن غضبت عائلته منه صب هو جام غضبه عليها متهم إياها بالتقصير في تربيه أطفاله "حتي دي كمان فشلتي فيها، أنتِ فاشله في كل حاجة يا أمل وحياتي معاكي بترجع لورا مش بتطلع لقدام".
لم تعد تعلم ما الذي عليها فعله معه، أو في حياتها فالمنزل المضطرب هذا أكثر ترتيبا من داخلها الهائج شددت قبضتها علي ابنتها التي تتمسك بها ومسحت دموعها بعد أن أخبرها بصوت حانق بأن صوت مريم يزعجه وعليه بالنوم جيدا من أجل الاستيقاظ باكرا، فتركت له الغرفة وذهبت الي غرفه أطفالها وحاولت وضع الصغيرة بالسرير ولو لبرهه كي تريح ذراعيها ولكن الصغيرة رفضت هذا بشدة فجلست أرضا تبكي من كثرة الإرهاق والتعب ... .
***

كانت الساعة في الحادية عشرة مساء وكل من عبد الرحمن وسارة بالجزء المخصص له بالسرير، عبد الرحمن يتصفح جهازه اللوحي باهتمام وهي ممسكه بإحدى الروايات وتقرأ باهتمام شديد مرتديه نظارتها ذات الإطار الأسود العملاقة.
لم تكن تقرأ بصمت بالطبع!، بل تفرك في مكانها وتطلق جميع الهمهمات وهمسات وشهقات الإعجاب الموجودة في العالم، وكل فترة يرشقها عبد الرحمن بنظرات غريبة داعيا الله أن يرزقه الصبر والسلوان علي ما ابتلي به!.
"يا ربي علي الإحساس مش معقول، مش معقول!"، نظر لها بطرف عينه وقال بسخرية "هو إيه اللي مش معقول؟!" "جمال الرواية دي مش معقول فيها كمية إحساس ومشاعر فوق الفظيعة، فوق الفظيعة بجد!" التوت شفتيه من السخرية "سبحان الله أنتِ كل رواية بتقرأيها بتقولي عليها كده، اقفلي النور اللي جنبك عاوز أنام"
"لا أنا لسه مخلصتش قرايه" "أقولك أنا النهاية البطل هيفضل يحب في البطلة ويطلع عينه ويتمرمط علي ما يعرف يتجوزها وفي النهاية يندم علي اليوم اللي أجوز فيه وتوته توته خلصت الحدوتة، اقفلي الأباجورة عاوزة أنام!".
"هو إيه ؟ أي فتي وخلاص!، وبعدين الرواية دي بتاعه فضائيين، تفهم أنت إيه عن الكائنات الفضائية؟!، صدقني الرواية دي ملهاش حل" وأغلقت الكتاب وضمته الي صدرها والتفتت الي عبد الرحمن تحكي له بحماسة أحداث القصة "أصل أنت مش متخيل في بنت جواها كائن فضائي والكائن الفضائي حب نفس حبيب البنت وفي واحد تاني بقي معاهم بيحب الكائن الفضائي اللي جوا البنت مش بيحب البنت والكائن الفضائي عنده مشاعر وأحاسيس البنت غير مشاعرة هو أنت متخيل الموقف؟، متخيل كميه المشاعر والأحاسيس المتلخبطة ؟! حاجه وااااو".
نظر لها ببلاهة للهراء التي تفوهت به للتو ولم يفهم منه أي شيء ونظر الي غلاف الكتاب بيدها وسأل بسخرية "الجسد المضيف!، ده مين المؤلف العبقري ده؟!" تمتمت بحب "لا دي مؤلفة ستيفاني ماير " "مش دي البت بتاعة مصاصين الدماء، طبعا الهري ده لازم يكون بتاع واحده ست مفيش راجل عاقل يكتب الكلام ده!، وبعدين الست دي عاوزة إيه يعني؟ مرة تطلع مصاصين الدماء حاجه مفيش بعد كده ومرة الفضائيين اللي إحتلوا الأرض بقوا حلوين وعسل؟!!، مالهم الأبطال العادين اللي من لحم ودم اللي بيروحوا الجيم ويشربوا اللبن أنا مش فاهم والله؟!!".
" أنت تفهم إيه في الرومانسية أصلا، د أنت عمرك ما قولت لي كلام حلو" ازدرد لعابة وحك رأسه وحاول تدارك الموقف "بوصي كملي قرايه يا حببتي وأنا مش مهم أنام الوقتي نقعد ساعة كمان محصلش حاجه"، وحاول رسم ابتسامة علي شفتيه.
ولكن تلك الحيلة لم تنفعه فسارة اغلقت الكتاب ووضعته الي جوارها والتصقت به ورفعت رأسها وابتسمت بأمل كبير "قولي كلام حب يا بودي".
اللعنة هو من جلب ذلك علي نفسه! بحلق في الفراغ قليلا وحاول بكل استطاعته إنقاذ تلك الليلة من شجار حتمي ثم تنحنح وتمتم بصوت هادئ "بحبك" وقبل رأسها.
ابتسمت سارة وظلت تبحلق فيه منتظرة الكلام الذي سوف يقوله رغم معرفتها التامة بأنه لن يستطيع التفوة بأي شيء، كان هناك قناعات وأمور ثابتة في هذا العالم ولا يمكن للواحد أن يتجاهلها أو يأمل بسيرها في اتجاه أخر مثل:_
_ الشمس تشرق من المشرق.
_العصافير تزقزق والكلاب تنبح.
_ وعبد الرحمن لا يستطيع التفوة بكلمة غزل واحده، حتي وإن لقنة محمد عده جمل فوجهه يحمر ويتصبب عرقا ويتلعثم بالكلام ويتحول الموقف الي كارثة!.
ولكنها تدير الحوار كي تجعله يسرد لها القصة، أجل القصة إنها تعشقها وتغنيها عن كلمات الغزل الموجودة بالعالم كله ولكنها كانت تدفع عبد الرحمن دفع كي يقصها عليها لأنه يخجل من سرد القصة ، بينما هو نظر الي عينيها التي تتسع كي يخبرها بالمزيد واللعنة علي هذا لا يوجد لديه أي مزيد حاول عصر رأسه كي يتفوه بشيء ينقذ تلك الليلة "عارفة تعالي نطلع البلكونة نتفرج علي القمر".
تمتمت بوجوم "النهارده 3 هجري قمر إيه اللي هنتفرج عليه!" وضع كفه علي جبينة اللعنة علي حظك يا عبد الرحمن، بينما دفنت هي رأسها بساقيها واخذت تتمتم بحزن "أنا عارفة حظي، محدش بيحبني، حتي جوزي مش هاين عليه يقولي كلمه حب واحده، حتي لو مبيعرفش زي ما بيقول، حتي لو هيمثل عليا ويكدب، عمر ما حد هيقولي كلام حلو هعيش وأموت لوحدي، يا حظك يا سارة ... " .
واستمرت علي هذا المنوال تندب حظها ويعصر هو رأسه كي يتفوه بأي شيء ولكنه لم يجد، حاول رفع رأسها كي تكف عن نواحها هذا "خلاص بقي يا سارة ما أنتِ عارفة اني مليش في الحاجات دي!" ،مدعيه البراءة والمسكنة "أنا لسه صغيرة ذنبي إيه بقي في انك مش عاوز تكلمني لو سألتك عن أي حاجه تخص الشركة أو البيت هترغي من هنا للصبح، لكن تقولي كلمتين حب مترضاش، الله يسمحك علي فكرة دفنت شبابي بأنانيتك"، ودفنت رأسها بصدره وهي مغمضة بعين ومترقبه بالأخرى منتظرة النتيجة.
عض علي شفتيه من الندم، "إنها صغيرة وتريد لزوجها أن يغازلها لما لا أستطيع التفوة ولو بكلمة واحده حتي لو كانت خرقاء" ربت عليها وتكلم بود "والله يا سارة أنا بحبك، حتي اطلبي أي حاجه وهعملها ليكي علي طول بس بلاش موضوع كلام الحب ده".
فركت عينها تمسح الدموع التي لم تنزل قط ! "طيب خلاص احكيلي القصة زي بعضة" " حاضر متزعليش بقي".
حاولت كبت ضحكاتها بأعجوبة لأنها أوقعته في الفخ وحالما استجمعت نفسها نامت قبالته علي بطنها وأخذت تؤرجح بقدميها في الهواء واسندت ذقنها علي كفيها وتمتمت بهيام وعينها البنيه الواسعة تزداد في الاتساع:_ احكي.
اسند رأسه الي ذراعة ونظر الي السقف كي يهرب من نظراتها التي تربكه هذه، وكتمت هي أنفاسها من شدة الفرحة فأول جمله يقصها عبد الرحمن في القصة تثلج صدرها بشكل كبير وتدخل السعادة والسرور علي قلبها.
تنحنح ثم بدأ بسرد قصتهم "احم امم وأنا صغير كنت بكرة البنات أوي مكنتش أطيقهم ولا أطيق أي حاجه تخصهم"، ونظر نحوها يراقب بسمتها التي تزداد اتساع عند هذا الجزء "بسبب منار بنت عمتي الله يسامحها بقي، خلتني أكرة حياتي والمنصورة وعيله أبويا والبنات الصغيرة كلها ولما كبرت كرهت صنف الحريم كله بسببها، كنا كل ما نروح هناك تفضل لازقه ليا في كل خطوة وطلبتها وزنها مش بينتهي!، المهم بابا وماما كانوا عارفين اني بكرة البنات مووت ولما يحبوا يضايقوني يحطوني مع أي بنت في نفس الاوضة عشان يفرسوني بس مش أكتر كنت وصلت لحد 18 سنه ولما ماما تجيب سيرة الجواز والبنات قدامي اتجنن كانت فاكر أن كل البنات زي منار".
تنهدت سارة بارتياح شديد فهي تعشق هذا الجزء بشكل خاص الذي يؤكد فيه عبد الرحمن إنه لم يحب أي فتاة في حياته من قبل وازدادت بسمتها في اتساع شديد، واردف هو بسخرية "وكان عندي حق طبعا"، كورت قبضتها وضربته علي صدرة "كمل القصة يا رخم ومتضيعش الرومانسية".
" رخم! يا بنتي احترمي نفسك أنا لو كنت اتجوزت بدري كان زمان عندي بنت قدك".
ضربته مره أخرى علي بطنه وتأوه قائلا "خلاص هلم نفسي أنا، المهم كنا فين ؟! .. اه مكنتش بطيق البنات، في يوم كنا أول يوم العيد واحنا متعودين نقضي أول يوم مع عيله ماما وبالليل نسافر المنصورة عشان عيله بابا ونفضل هناك لأخر يوم في العيد، المهم اليوم ده خالي وقريبنا مشيو بدري فماما قالت لي أروح أشوف بابا ونسافر بدري بدل ما نسافر بالليل، ورحت أدور عليه لقيته أعد علي القهوة مع عم شاكر الله يرحمه.
تمتمت سارة بوجوم "الله يرحمهم ويحسن اليهم"، ربت عبد الرحمن علي رأسها واردف يتكهن علي نفسه "طبعا بابا عارف اني علي أخرى عشان هنسافر يوميها وهشوف منار اللي مبطلتش طلب تليفونات من صباحية ربنا تسال هنيجي أمتي، مع أنها عارفه أننا هنسافر بالليل بس هو لازم الزن وخلاص!، كنتي أنتِ أعده جنب عمو وبابا بيكلمك وأنتِ أعده مكسوفه وبتبوصي في الأرض" ، وأردف رافعا حاجبة بسخرية "أيام ما كنتي بتكسفي!".
زمجرت به "عبد الرحمن وبعدين معاك خليك في القصة مضيعش الرومانسية يا فاشل" "فاشل!، يا بت احترمي نفسك بقي!". ضربته علي بطنة مرة أخرى وتأوه بألم "خلاص خلاص هحترم نفسي أنا!، المهم سلمت علي عم شاكر ومش عبرتك" ، عبثت سارة عند هذا الجزء وانمحت البسمة من علي وجهها "منا كنت بكرة البنات بقي وبابا طبعا لاحظ ده ولقيته ضحك بمكر كده وقام قايلي :_ إيه يا عبد الرحمن مش هتسلم علي سارة وتاخدها تعيد عليها وتجيب ليها شكولاتة؟، طبعا كنت هموت من الغيظ بس مقدرتش أتكلم عشان عم شاكر قاعد خدتك وأنا مجبر علي أمري وبكلم نفسي أنا أعمل أني زعلان من الحركة دي بقي ومسافرش معاهم وابقي خلصت من منار السنة دي رغم اني بحب ولاد عمي أووي بس هي مكنتش بتسبني في حالي، والعيلة كلها تنزل تريقه عبد الرحمن ومنار عبد الرحمن ومنار، كأن أنا طلبتها للجواز!، وأنا وربنا ماكنت ببوص عليها حتي!،يالا الله يسامحها خلت طفولتي مشردة، مشيتي جنبي وأنتِ خايفة وعم شاكر وبابا بيضحكوا علينا احنا الاتنين بابا بيضحك عليا عشان خلاني اخدك غصب عني وعم شاكر عشان عارف انك جبانة بتخافي من الناس الغريبة وأنا ماسك أيدك وعمال أكلم نفسي هتلاقيها تزن بقي وعاوزة تشتري المحل كله وهتقرفني!، بس أنتِ مطلعتيش صوت ومشيتي مؤدبة خالص وأنا تقريبا موطي عشان أعرف امسك أيدك كنتي عند ركبتي تقريبا ولا إيه، الخلاصة أنك اوزعة من يوم ما شوفتك!".
سألت سارة بهيام "كان عندي كام سنه كده وقتها ؟!".
" امم حوالي سته سته ونص كده، وصلنا المحل وأنتِ مكسوفة خالص مش عاوزة تشتري أي حاجه، وأنا استغرب .. أنا لما بشتري حاجه حلوة لقريبنا لازم اجبها كلها نفس النوع ونفس الحجم عشان ميتخنقوش ويولعوا فيا وفي النهاية كانت منار بتضربهم وتصرخ في وشي أزاي اجيب ليهم حاجه حلوة معاها!، قولت جايز مش شايفة !روحت شايلك علي دراعي عشان تنقي وأنتِ مكسوفة خالص، اعجبت بيكي بقي في اللحظة دي وكنتِ الطفلة المفضلة عندي لأن الاطفال اللي أعرفهم لا ينتموا لهذه الصفة بأية صلة!، فين وفين علي ما رديتي عليا وعبرتيني وفي الأخر قولتي ثوكلاته بيضا ".
ضحكت سارة بشدة علي عبد الرحمن وهو يتكهن عليها مقلدا طريقة كلامها الطفولية، ثم زفرت الهواء بيأس "يا ربي مش قادرة أفتكر أبدا نفسي أفتكر أووي يا عبد الرحمن، كمل".
"جبت ليكي الشكولاتة البيضا، وحاولت اجبلك حاجه تانيه بس انتَ فضلتي ثابته علي موقفك، كنتي لقطه بالنسبة ليا الصراحة روحت معيد عليكي بخمسه جنية ومديكي بوسه في خدك"، وضعت سارة يدها علي خدها وظلت تبحلق فيه بهيام ولكن نبرته تحولت الي الجدية "أنا عاوزها" .
ابتسمت سارة بشدة وزحفت علي بطنها واقتربت منه وقالت بمرح :_ البوسة!.
:- لا الخمسة جنية!.
انمحت البسمة من علي وجهها وطارت يدها في الهواء ولكنه أمسك بها قبل أن تضربه واعتذر منها  " خلاص خلاص حقك عليا، طيب ممكن أعرف عملتي بيها إيه؟!".
"أنا مش فاكراك أنت اصلاً!، بس أي عديه كنت بشتري بيها عروسة معروفة يعني".
انحنت رقبته علي صدرة وتمتم بأسى "عليه العوض" "بودي كنت لابسة إيه؟!".
ابتسم مرة أخرى "فستان وردي وجدمة بيضة وشراب غريب! بكورنيش" " تفهم إيه في الموضة يا جاهل أنت؟! ده شراب بكلفه كان صيحه في الأيام دي!، طيب والفستان طويل ولا قصير؟!".
ابتسم عبد الرحمن لذكرياته "قصير فوق الركبة بشويه "ضربته ولم يستطع تفادي الضربة هذه المرة
"وأنت بتبوص علي ركبتي ليه أنت مالك ومالها ؟!" "ركبه إيه اللي هبوص عليها يا مجنونه أنتِ؟! ده أنتِ كنتي أقصر وأغرب طفله شوفتها في حياتي ده عقله الأصبع أطول منك، اتنيلي في جنب أنتِ وركبتك!".
"الله يسامحك يا بودي، طيب وشعري كان إيه؟، أكيد ضفيرة" "فعلا ضفيرة بشريطة ستان وردي، وأمسك بضفيرتها التي تتدلي علي جنب ونظرت سارة ليده وشهقت "عشان كده مش عاوزني اقص شعري؟!" فهز رأسه موافقا.
نامت سارة علي ظهرها وهي تتنهد بشدة، إنها تعشق القصة منه بشكل خاص وعادت الي وضعها مرة أخرى تؤرجح قدميها في الهواء وتمتمت بهيام "خلاص مش هزن عليك تاني عشان أقص شعري، كمل " "بس يا سيتي خدتك بعدها كذا مرة، اجبلك ثوكلاته بيضا" ضحكت سارة بشدة، ابتسم لها واردف "بس مش كتير وعلي فترات بعيدة بس فضلتي كذا سنه قدام عيني راحة جايه مع عم شاكر وسعات كتير كنت بشوفك في المحل معاه بتهيألي أخر مرة شوفتك فيها كان عندك 9 أو 10 سنين وبعد كده سافرت أنا الخليج".
"طيب والعجلة؟!" ضحك عبد الرحمن "في يوم اعدتك قدامي واعدت الف بيكي شويا وكل ما نبعد عن عم شاكر راسك تلف في كل مكان تدوري عليه، قمت أنا مسرع بالعجلة جامد وأنتِ عيطتي فصعبتي عليا ووقفت في جنب وأنتِ اتلفتي وروحتي حضناني جامد" كان عبد الرحمن يبتسم بشدة لذكرياته ثم التفت لها وقال بعبث "تلاكيك طبعا" زمجرت سارة نافية "لا طبعا مستحيل أنا أعمل كده" فحلف مؤكد "طب والله العظيم عملتي كده" أخفت وجهها بكفيها وتمتمت بحرج "يا دي الفضايح!" ضحك بشدة عليها وتمتمت هي بحزن "أنت شرير أوي علي فكرة، بس أنا مش متخيلاك علي عجله، كنت بتحب العجلة دي؟!".
ازدرد عبد الرحمن لعابة وغابت البسمة التي كانت علي وجهه وتمتم بهدوء شديد "لا دي مكنتش بتاعتي" فسألته سارة بعبث "أمال كنت سارقها من مين أعترف؟!".
"دي كانت بتاعه أحمد" صمتت سارة تماما اللعنة لما لم تفكر بهذا؟!، هل هذا يعني إنها رأت أحمد وهي صغيرة ولكنها لا تتذكر أبدا أي شيء مما يقوله لها عبد الرحمن.
وتمتم عبد الرحمن بعد أن رسم بسمه ساخرة "يوميها أعد يتريق عليا لما اخدتك قدامي ويقولي هتركب معاك عيله صغيرة، بس أنا مسمعتوش واخدتك ومشيت".
ازدادت أنفاسه حده ثم تمتم بوجوم لها "مش تنامي بقي؟!" هزت رأسها نفاية "كمل القصة بليـــز"
داعب وجنتها ولم يرد أن يحزنها لقد تحدثوا منذ عده أيام فقط، وقرر أن يكمل فلا ذنب لها فيما يخفيه بين ضلوعه "بعد ما رجعت من السفر، نقلنا في شقة تانيه عشان ماما طول عمرها كان نفسها في شقة أوسع ومشوفتكيش خالص بعدها و مجتيش علي بالي إلا قليل أوي الصراحة كنت مشغول في الشركة والأرض للبيت الجديد اللي احنا فيه الوقتي، وبعدين مرة روحت أجيب بابا من مشوار بالعربية لقيته واقف مع عم شاكر وأنتِ واقفة جنبهم بدخلي شعرك في الطرحة وهو كل شويا ينزل وانتِ تنفخي من الزهق وترجعيه تاني وشويا وينزل، كنتي علي أخرك تقريبا منه وبعدين عم شاكر ضمك بأيده وأعد يكلمك هو وبابا ويوميها الشمس كانت جايه علي وشك ومنوراه بشكل مش طبيعي"، صمت قليلا ثم أردف "وضحكتك كانت حلوة اووي".
تنهدت سارة وزحفت علي بطنها الي أن اقتربت منه وهمست سأله إياه "كنت حلوة؟!"، نطقها بعفويه وهو ينظر الي سقف الغرفة "كنتي زي القمر".
لم تتمالك نفسها من السعادة وعضت شفتيها السفلي من فرط حماستها وسعادتها كي لا تصرخ بوجهه من شده فرحها، ضمت قبضتيها ورجته "كمل يا بودي بليـــز".
"فضلت واقف مش مصدق بقي دي سارة الاوزعة الصغيرة كبرت كده!، لقيت نفسي بضحك وعمال افتكر وأنتِ صغيرة وكنت بحب ألاعبك قد إيه" ،تنهد عبد الرحمن وأردف "فضلت واقف منزلتش عيني من عليكي لحظه لحد ما مشيتو ولقيت بابا جه خدته ومشيت بس فضلت أفكر فيكي ليل ويا نهار كان أول مرة تحصلي حاجه زي كده، وكل اللي في بالي اني نفسي اشوفك تاني مش عارف ليه! ، بعدها بكام يوم روحت الشارع بتاعنا واعدت الف فيه وقدام المحلات عند عم شاكر وبعدين رجعت كنت مكسوف أووي وعمال أسأل نفسي إيه اللي بتعمله ده يا عبد الرحمن اتهبلت علي كبر!، وتاني يوم مقدرتش روحت قدام البيت عندكو ".
"انت كنت تعرف بتنا منين؟!" "زمان كنت ساعات بوصل فلوس لعم شاكر من بابا وشوفت طنط كذا مرة" "يعني أنت عارفنا من زمان بقي!، كمل كمل".
"فضلت أعد في العربية أبوص علي الشبابيك والبلكونة كنت في الأول بضحك ومبسوط وبعد عشر دقايق كنت هفرقع لأن مفيش حركه خالص وأعدت أشتم نفسي وأقول إيه الهبل اللي بعمله ده عيب كده ميصحش، وفي عز تأنيب الضمير لقيتك أنتِ وطنط نازلين، سبت ضميري علي جنب وطلعت ورا التاكسي بتاعكو علي طول وفضلت اليوم كله وراكِ براقب بتضحكي أزاي وتتكلمي أزي وصوتك وأنتِ وطنط مع بعض، طنط كانت فرحانه بيكي أووي وانتو بتشتروا حاجات كتير لو كنت في وضع طبيعي كنت هفهم بس أنا مكنتش مركز بتجيبي إيه  ولا قد إيه كل اللي مركز معاه انتَ.
يوميها قررت أطلبك وفضلت ماشي وراكوا تاني لحد ما روحتي البيت أنتِ وطنط وبعدين أعدت أفكر ، أكيد عم شاكر هيرفض عشان فرق السن اللي بنا وأنتِ كمان أزاي توافقي، حاولت اشيلك من دماغي بس منفعش ويوم الجمعة روحت لبابا أعرض عليه الفكرة وأسأله عم شاكر ممكن يوافق ولا لاء، بس هو فاجأني بأن انهارده فرحك مكنتش عارف أعمل إيه حسيت بخيبه أمل كبيرة أووي".
ربتت سارة علي كفه تواسيه وتحاول حثه كي يكمل، أخذ نفس عميق وأكمل "بابا صمم اني أروح معاه ومعرفتش أهرب من المشوار ده كنت مضايق جدا بس معرفتش أقول لحد ومعرفتش أعمل إيه كنت متغاظ ومقهور عشان لابسة الفستان لغيري، أنا .. أنا كنت شايف أنك صغيرة علي الجواز حتي لما فكرت أنك تتجوزي مني كنت بقول هخطبك سنه او اتنين علي ما تكبري، مش عارف ليه كنت شايفك صغيرة أووي ومينفعش تتجوزي الوقتي".
بدى الضيق والحزن علي عبد الرحمن وجلست سارة الي جواره وتوسدت صدرة، ربت علي رأسها وتمتم "مش كفاية بقي؟!" "لا كمل مش هنوقف عند حته حزينة".
"فضلت فترة كل يوم قبل ما أنام أفكر فيكي ومش عارف ليه حصل معايا كده، كانت ماما بتحاول كل فترة تجيب عرايس ليا وبتحاول بشكل مش طبيعي ده غير زن منار اللي أتخذ منحني أخر تماما من يوم اخترعوا الموبايل كنت بدعي علي ال أخترع الموبايل وعلي اليوم الأسود اللي مسكت فيه منار الموبايل وحطت رقمي عليه!، كنت بدأت أفكر أني جامد وبارد وعمري ما هحب حد ولا هتجوز مكنتش مضايق أنا كنت بحب شغلي أووي وبحب أشتغل كتير كان نفسي أحقق حلمي وطلعت السلم وحده وحدة في الأول كنت برفض لأني مش مستعد أشارك حد غير الشغل بوقتي، ولما شغلي أستقر محستش بأي حاجه نحيه أي عروسه أو أي واحده وشوفتك واتقلب حالي وعرفت يعني قلب الواحد يدق لما يشوف اللي بيحبها كان أخواتي علي طول يتكلموا عن الموضوع ده وانا أضحك عليهم وأقول مستحيل مفيش حاجه اسمها كده!، مكنتش قادر أفهم ليه لما قلبي دق فعلا دق لوحده مش من نصيبي؟!، قضيت فترة مبكلمش حد ومتغاظ علي مضايق وروحت مدخل نفسي في مناقصة أكبر من حجمي وقتها عشان أشتغل ليل و يا نهار وميتبقاش ليا وقت أفكر في الموضوع ده، وبعدها بكام شهر حصلت الحادثة بتاعه أحمد اللي غيرت حياتنا كلنا ".
همست برقة "وبعدين كمل".
كانت سارة تظن بأنه سوف يتجاوز الجزء الخاص بأحمد مثل كل مرة ولكن لمفاجئتها الشديدة أنه لم يتجاوزه، ولكنه بدى حزين للغاية وهو يسرد هذا الجزء.
"كانت حادثة صعبة أووي جسمه ونفسيته أدمروا بشكل مش طبيعي، كان رافض لكل حاجه رافض الدنيا كلها الأكل , الشرب , العلاج , الناس، ماما مكنتش بتسيبه لحظه لحد ما أنا ارجع من الشغل وأعد معاه عشان ماما ترتاح شويا وأنا أفضل معاه لتاني يوم، بعد ما جسمه شال الجبس منه كان لازم له تدريبات علاج طبيعي كتيره لكنه رفض أنو يخرج من البيت نهائي مكنش عاوز أي حد يشوفوه وهو كفيف، وقتها عملت القاعة اللي تحت بنتها عشانه .. حتي حمام السباحة عشانه وجبنا المعالج هنا في الأول مكنش راضي يتجاوب معاه لكن أنا وماما مسبنهوش أبدا لحد ما جسمه بقي طبيعي تاني بعد سنه من الحادثة، بس نفسيته فضلت زي ما هي.
رفعت سارة كف عبد الرحمن الضخم الي فمها وقبلته برقة ومن ثم تركته بهدوء، نظر لها برهة ثم أردف "وبعدين جيتي انتِ".
ازدردت سارة لعابها بصعوبة وظلت تتأمله تري ما الذي سوف يفضي به الآن؟ لقد افشي الكثير اليوم أنه لا يختصر القصة مثل عادته.
"حسيت بحاجه غريبه نحيتك في الأسانسير فضلت باصص عليكي مستني ترفعي راسك عاوز أعرف أنا مستغربك ليه!، وأول ما شوفتك مع حسام في المكتب قلبي نط من مكانه لدرجه أني كنت هقوم أكلمك بس مسكت نفسي في أخر لحظه، مكنتش مصدق أول ما شوفت الحزن اللي علي وشك حسيت في حاجه غلط، وبصيت علي أيدك علي طول ملقتش الدبلة قلبي نط تاني من الفرحة بس كنت خايف استنيت تمشي بأعجوبة عشان أشوف السي في بتاعك ولولا تعليمات بابا مستحيل كنت أسيبك في مكتب حسام، كنت نسيتك ونسيت موضوع الجواز كله بس أول ما شوفتك عرفت اني منستكيش ولا حاجه ومن أول يوم عرفت اني هطلبك للجواز".
تنهد ونظر أمامه مرة أخرى "أحمد وافق ينزل الشغل بأعجوبة ماما وأنا وبابا فضلنا نزن كتير عليه، وبابا وقتها وعده أنو هو أسبوع واحد بس اللي هيجرب فيه الشغل ولو معجبوش الوضع يقدر يرجع عن قرارة، عرفت بعدين إن بابا لاحظ أنو أعجب بيكي وعملك مساعده ليه عشان كده مخصوص وإن هو وماما كانوا مبسوطين لأنه رجع للدنيا تاني بسببك بس كانوا فاكرين الموضوع صغير وهيعدي .. نزوة من نزواته، لأن دي مش أول مرة لأحمد أنا الوحيد اللي كنت أعمي كنت مبسوط أووي أنو مرتاح معاكي في الشغل كنت كل ما أعدي عليكوا في المكتب والاقيكوا متفاهمين أبقي مرتاح أحمد دايما كان يقول أنو هيغير من مراتي واني لازم أفضل أهتم بيه و مستحيل يحب مراتي عشان هتاخدني منه، وأنا بغبائي كنت مبسوط أنو مرتاح معاكي فكرت أنو مش هيزعل وإن انتوا هتبقوا اصحاب و هيقف معايا عشان يقنع بابا وماما بجوازنا".
وأطلق ضحكه سخرية "كنت أنا الأعمى الكل كان شايف علاقته بيكي معادا أنا وتفاجأت بيه بيطلبك من بابا قبلي أنا بثانيه واحده الغريبة أنو عمرة ما خبي عليا حاجه ودايما بيحكيلي إلا المرة دي مقلش ليا قال لبابا وماما علي طول، حتي بابا وماما متوقعوش ده هما كانوا شايفين الموضوع نزوة وهتعدي ... " .
قاطعته سارة باستغراب "موضوع إيه؟ ونزوة إيه؟ أنا مش فاهمة حاجه أحنا عمرنا ما اتكلمنا غير في الشغل؟!".
هز رأسه بأسى "عرفنا كده بعدين، لأنه مكنش يعرف حتي أنك كنتِ متجوزة قبل كده".
نظر لها ولم يتحدث يخبرها بماذا؟،يخبرها عن الخناجر التي كانت ترشق بقلبه أثناء ما كان شاهد علي عقد قرانها! يا لها من ظروف وقحه جعلته يمضي علي تصريح دفن قلبه بيده، يخبرها ماذا؟! بأنها دخلت العائلة وتقربت من الجميع وأنه وقع في غرامها بمجرد أن راها وكيف له ألا يقع في غرامها مرة أخرى بعد أن بات يسمع صوتها كل يوم يحدثه ويحدث أخيه أمامه، خجلها وحيائها وبراءتها وسذاجتها في الكلام التي تدفع الدماء الحارة بعروقه كي يطوقها بذراعيه ليحميها من الوحوش الضارية التي تجوب العالم، الظروف التعسة التي كانت توضع بها أمامه تدفعه الي حد الجنون كي يصرخ بالعالم كله اتركوها وشأنها أيها الأوغاد، يخبرها بأن كل عضله في جسده القوي الذي يحميها الآن بنيت بفضلها هي، كي يزيحها من قلبه، كي يزيح الغضب من عقله، بدلا من إفضاء قوته هذه في شيء يندم عليه، يخبرها بأنه رحل حالما تم عقد قرانها علي أخيه وغاب وقد أخذ علي نفسه الف وعد بألا يجتمع بها مرة أخرى، وحينما عرض عليه أحمد إيصالها كاد قلبه أن يقفز من صدرة من شدة الفرحة ضاربا  كل العهود التي اتخذها علي نفسه في الشهور الماضية بعرض الحائط ، يخبرها بأنه رأي استغلال أخيه لها وصمت وصمته هذا سمح للتخاذل بالنهش في رجولته وفي رغبته بحمياتها، يخبرها بأنه تمني الموت يوم أن فقدت وعيها وظن أنه لن يراها مرة أخرى وبأنه اتخذ قرارة في تلك الأيام أنه يفضل رؤيتها سعيدة وحية بعيدة عنه قبل أي شيء وتوعد بحمايتها من بعيد الي أخر نفس برئتيه، يخبرها بأنه ترك المنزل فور زوجها من أخيه لم يحتمل رؤيتها مع أخية الذي لا تفارق ذراعة خصرها لذا ترك المنزل بعد يومين من زفافهم، بعد أن بكي ليلة زفافها وليال أخرى طويلة بعد سفرة.
يخبرها بأنه لم ينل أي شيء في حياته بسهولة لم يكن محظوظ مثل أحمد لم يكن يأتيه ما يتمناه علي طبق من فضة، لطالما كانت أمنياته وأحلامه صعبه المنال حتي عمله واجه صعوبات وتحديات كثيرة وفشل في كثير من الأحيان ولكنه لم ييأس، لم تكن حياته سهلة لم تعطه الحياة أي شيء بسهولة عليه بالمحاربة بدل المرة مائة كي يحصل علي مراده، وسارة خير مثال حي علي ذلك.
_ تلاقت أعين كل منهم ورغم أنه لم يتحدث إلا أنها رأت الألم والذكريات تمر بعينه كومضات سريعة ولكنها محفورة بألم علي وجهه، ربتت علي كفه مرة أخرى وهمست "وبعدين".
أفاق عبد الرحمن من ذكرياته المريرة هذه وتنهد ونطق باقتضاب شديد "اتجوزتوا".
  غالبا ما تقف القصة عند هذا الحد، فالعلاقة بين عبد الرحمن وسارة قد تبدو مثالية من بعيد .. لكن بالعمق تظهر لنا الشوائب التي لاتزال بها والتي لم تستطع مصفاة الحياة أن تنسيهم إياها ولا نعلم لمَ انهارت سارة في تلك الليلة ولم تستطع الإمساك بدموعها؟!.
تكلمت بصعوبة شديدة "ليه عملت فيا كده؟!".
أغمض عينه بتعب كبير هو الأخر لم ينسي ما فعله بها، هو الأخر لا يعلم لمَ جن وخرج شيطانه الذي كبحه سنوات طوال؟، لا يعلم ولكنه قرر محادثتها كي يريحها قليلا، عل الكلام يريحها.
"الموضوع مش زي ما أنتِ فاكره أنا كنت واخد عهد علي نفسي اني مش هشوفك تاني أبدا وأول حاجه عملتها بعد ما جيت من المطار اني روحت المقابر لقيتك هناك، وبعدها أنتِ رجعتي البيت حالتك كانت صعبة أووي كل اللي كنت عاوزة هو أني أساعدك، ولما عم شاكر الله يرحمه قالي علي موضوع الناس اللي اتقدمت ليكي الدم غلي في عروقي، في الأول أنا كنت عاوز احميكي بس.
أنا كنت واخد عهد علي نفسي أني مليش علاقة بيكي أنا كنت عاوز احميكي مش أكتر، أول ما كتبنا الكتاب وبقيتي مراتي علي الورق عرفت أني مش هطلقك تاني أبدا مكنتش مخطط لده صدقيني بس إحساسي لما المأذون قال أنك مراتي ولما شوفت اسمك جنب أسمي عرفت أني مش هتنازل عن الأحساس ده .. كنت عارف أنك مبتفكريش فيا ومع ذلك مقدرتش مفرحش  غصب عني حسيت بالراحة، رغم أني لما فكرت أكتب كتابي عليكي مكنتش مخطط لكده.
مسح دموعها بهدوء ولكنه كان حزين لأن نظرة القهر لم تذهب عن عينها بعد "بعد ما كتبنا الكتاب جيت أزورك عشان البسك الدبلة والخاتم ولقيتك بتقولي لي يا أبية، قلبي وجعني واتعصبت معرفش ليه! أنا مكنتش هجبرك يوميها علي حاجه أنا كنت عاوز اديلك الشبكة وبس، لكن لما قولتي لي كده اضيقت جدا حسيت اني مهما عملت هفضل في نظرك اخوكي الكبير" تعالت أنفاسه بحده "اتنرفزت وقلعتك الدبلة والخاتم بتوع أحمد غصب عنك ولبستك بتوعي عشان تعرفي اني جوزك مش أخوكي" تنهد عبد الرحمن بتعب "كنت بحس بنار كل ما اشوفك بتتكلمي عنه او متمسكه بحاجته وسكت في الأول لأني عارف مشاعرك من البداية بس مرة بعد مرة مبقتش أقدر اتحكم في أعصابي خصوصا بعد الجواز لما خبيت كل حاجته منك ولقيتك بردو لسه سرحانه ومش شيفاني، ويوم ما صرفتي للموظفين مكافأة والبوستات اللي نزلتيها علي النت والكلام اللي سمعته في الشركة خلي عقلي يطير مني ولما جيت أكلمك لقيتك عنيدة ومصممه اني اخوكي، كل ده كان فوق احتمالي .. أنا .. عارف أني غلطت وغلطت جامد كمان لأنك مخبتيش عليا أنا اللي ضحكت علي نفسي وقلت هتنسي مع الأيام" التفت عبد الرحمن لها ومسح دموعها بهدوء شديد وقبل رأسها "أنا عذبتك كتير بسبب غيرتي وأنتِ ملكيش أي ذنب أنا أسف يا سارة" وحرك ظهر يده علي وجنتها برقه وأمسك بضفيرتها التي تدلي علي جنب منها.
"أنا مستعد أعمل أي حاجه أنتِ عاوزها عشان تسامحيني عارف اني أذيتك جامد بس .. أنتِ .. "  وتنهد عبد الرحمن بتعب شديد وأغمض عينه لم يعد يستطيع الكلام لن يستطيع أخبارها بأكثر من هذا ضمها له بشدة وصمت عن الكلام لمده ولكنه كان مصمم علي إنهاء تلك الأمسية دون حزن رفع وجهها بأصبعه "يا ريت تبطلي زن من هنا ورايح عشان مش هخليكي تقصي شعرك أبدا يا سارة هتفضلي كده زي ما شوفتك أول مرة عيله صغيرة بضفيرة" ابتسمت سارة بتعب ودفنت رأسها في صدره تشعر بالصدق في كل حرف نطق به وتعلم أنه يخفي العديد من الأشياء ولكنها أكيده من أنه صادق في حبه لها، تغالبت علي حاله البؤس التي دخلت بها وقررت نفض كل هذا عن رأسها كي لا تفسد الليلة ،توسدت صدرة بهدوء وقالت "ما قولتليش الفستان اللي كنت لابساه كان لونه أيه؟" ابتسم لأنها غيرت مجري الحديث أنها تعلم بأنه لن يستطيع المضي أكثر في الكلام وتمتم "أبيض وفي شريطه حمرا أو حاجه زي كده" رفعت رأسها بحماسه من علي صدرة "أه انا فكرة الفستان ده!" رد هو بتهكم "يعني افتكرتي الفستان ومش قادرة تفتكريني؟!" تذمرت منه "أعمل إيه أنا يعني الوقتي؟!" "متعمليش أنا عارف حظي!" ومضي الاثنان بقيه الأمسية يتذكرون ملابسها بالصغر وكم كانت مضحكه وانتهي الأمر بقضمها لذراع عبد الرحمن كي يكف عن السخرية من ملابسها وهي صغيرة ... .
***






كانت السيدة نور تستيقظ كل يوم قبل الفجر بحوالي الساعة للصلاة وقراءة القرآن الكريم والدعاء لكل من أحمد والسيد شهاب رحمهم الله، استيقظت اليوم ولكن الأمر كان مختلف أنها تشعر براحة، عادة ما كانت تدلف الي غرفة أحمد للصلاة وقراءة القرآن الكريم تحب أن تفعل هذا وهي تشعر برائحته في الغرفة، لم تكن تترك دعاء أو ابتهال أو توسل الي الله إلا وتتضرع به كي يعفو عن ابنها ويسامحه فشعورها بالألم واللوعة علية لم يكف يوم ودائما تشعر بأنه ليس علي ما يرام وأن هناك خطب ما به، كانت تفعل كل ما بوسعها وتبذل كل جهدها بالتصدق والدعاء له ليل نهار.
دلفت اليوم الي غرفته ولكنها كانت مبتسمة لقد حلمت به، لقد كان سعيد وبخير مما أدي الي إدخال السرور الي قلبها فتحت الدولاب خاصته وأخرجت الصندوق الذي أنزلته لها سارة من قبل واخرجت ملابسة التي لازالت رائحته الخاصة عالقة بها، اشتمتها بعمق وضمتها الي صدرها وتمتمت ودموعها تنزل دون حساب:_ وحشتني أووي يا حبيبي، وحشتني يا نور عيني، أنا بس عاوزاك بخير.
وأعادت الملابس بحرص للصندوق مرة أخرى كي لا تفقد رائحتها وذهبت الي سريره وقبلت صورته الموضوعة علي الكومود وضمتها الي صدرها ومن ثم وضعتها بهدوء وجلبت المصحف الذي كان موضوع الي جوار الصورة وبدأت بالقراءة ، ورغم دموعها كانت تبتسم فهي تشعر أخيرا ولأول مرة منذ أن فارقها إنه بخير.
***
_ نظر عبد الرحمن حوله في الشقة ولم يجد أي أثر لسارة، أغلق التلفاز ووقف يبحث عنها بنظرة وتذكر أنها صعدت منذ مدة الي غرفتها، صعد السلم بهدوء تري ما الذي تفعله كل هذا الوقت؟!.
منذ أن تحدث معها البارحة وهو يشعر أن جزء من الحمل نزل عن كاهله، ويفكر بجدية بإخبارها بالحقيقة من حقها أن تعلم، وعليه بتحمل العواقب فهو من أخفي عنها الحقيقة طوال هذه المدة، وحدثته نفسة "تستحق العقاب يا عبد الرحمن وتعلم ذلك جيدا".
سمعها تدندن بطفوليه في غرفة النوم :_ " بوكيمون سأجمعها الآن .. بقوتك ساعدني .. علمني وطمني بوكيموووون ." .
ابتسم لدندنتها هذه، إنها لرسوم متحركة تشاهدها مع حور وأحمد إنها لا تكبر أبدا وهو يعشقها هكذا طفلة مثلما راها أول مرة، دلف ليجدها منكبه علي طاولة صغيرة بالغرفة وتثني عده أوراق وتشكلها علي أشكال طفوليه تدعي "بالبوكيمونات" لنفس الكرتون الذي تدندن أغنيته كان أمامها الكثير من تلك الأوراق، هز رأسه بنفاذ صبر مفتعل وقال "بتعملي ايه يا أخرة صبري؟!".
رفعت رأسها وانتبهت أخيرا الي وجودة وكفت عن الغناء ورفعت في مواجهته ورقة لونتها علي شكل كورة "البوكيمون" وصرخت بمرح طفولي "كرة البوكي امسكي بكائن البودي".
وأخذت تضحك بعدها وقالت "مستحيل تدخل في كرة البوكيمون دي أنت عاوز واحده مصنوعة من كرتونه تلاجة" . وأخذت تضحك بشدة، بينما هو رفع حاجبة مستنكر سخريتها هذه علي ضخم حجم جسمه وتمتم بلا مبالاة "لو مش عجبك أتجوز غيرك عادي علي فكرة!".
"ومين دي بقي إن شاء الله اللي هتوافق بيك؟ مفيش واحده ترضي ترفع راسها للسما كده 24 ساعة! ، أنا أعده معاك عشان قلبي رهيف وحونين".
"حونين!، اللي بتعمليه ده؟!" . وأمسك بإحدى الأوراق التي كانت تثنيها، بينما هي لم تجاوبه إلا بعد أن انتهت من لصق الأوراق باللاصق بدت مهتمة للغاية بما تفعله.
   . book marks_:
" طيب ليه المهرجان ده كله مش كفاية واحده أنتِ بتقري كام كتاب مع بعض!" "يا بودي دي ليا وليك ولحور وللبيت كله من الأخر كده".
جلس قبالتها علي السرير وتراجع في قرارة حينما راها سعيدة هكذا، "يكفيها يا عبد الرحمن دعها وشأنها إنها تبدو بخير اتركها لحالها"، أخذ يراقبها وهي مهتمة بما تفعله هكذا وجال بذاكرته كل ما مر عليها سابقا ،"زواجها من علي, مشاكلها مع أحمد التي لم تنتهي, فقدانها لأحمد, فقدانها خمسة أطفال, فقدانها للأمومة, معاملتك السيئة لها, لقد مر عليها الكثير ما يكفي لهدم الجبال لا تكن أناني دعها وشأنها لا تفسد عليها هدوء بالها الذي تحاول جلبه بكل الطرق الي نفسها".
أخذت عده علامات من التي أعدتها للكتب وركضت وهي تصرخ بمرح الي الأسفل ونثرتها بمكتب عبد الرحمن وبين أغراضه وصعدت راكضة بمرح مرة أخرى، وارتدت ملابسها واخذت تدندن مرة أخرى بنفس الاغنية.
استنفر من جلسته ووقف وامسكها من ذراعيها وانحني ليزمجر بها " مش هتبطلي شقاوة يا بنت انتِ ؟!" عاندته بمرح "تؤ" "بطلي تلفي في الاوضة كده أنا دوخت!" "أصلي مبسوطة أوي يا بودي، حاسة إن حاجه حلوة أووي هتحصل".
بحلق لها قليلا وقبل شعرها وتركها، وفرت هي تركض بشقاوة في الغرفة مرة ثانية، أما هو فلم يستطع تخيل ما قالته سارة فقلبة يطرق الطبول يشعر بأن شيء سيء للغاية سوف يحدث، دون وعي منه امسكها وهي تركض مرة أخرى وتكلم بجدية "سارة في حاجه مهمه لازم أقولك عليها" سالت بمرح
" إيه هي؟!" "مش هينفع أقولك عليها هنا، خدي أجازه من الشغل وبعد بكرة هنسافر"
انبهرت بشدة "واو !،ده إيه السر اللي لازم نأجز عشانه ده" ورفعت يدها في الهواء عليا بعلامه النصر وصرخت بمرح "تحيا أسرار بودي العظيم". ثم ركضت الي الأسفل. 
هز رأسه بنفاذ صبر منها ولكنه لن يخبرها بسره هنا إنه ليس بمجنون سوف يقوم باختطافها في مكان ما!، وليكن الله بعونه بعد ذلك!!.
نزل خلفها كانت الساعة حوالي السادسة عاده ما يجتمع المنزل كله في شقة والدته الآن فتحت الباب ووجدت فارس يخرج من الشقة قبالتها فصرخت بوجهه "كره البوكي أمسكي بكائن الفارس طاااا" .
هز رأسه في استياء مفتعل وأشار بيده علي علامه الجنون "هتعقلي أمتي مش فاهم أنا!".
وخزته بإصبعها في وجنته وركضت الي داخل شقة والدتها و في تلك الأثناء راه عبد الرحمن فصفق كل يد بالأخرى وتمتم فارس "والله أنا مكسوف لك".
ضحك عبد الرحمن عليه ورن هاتفه في تلك اللحظة وجد اسم الحارس فهمي علي الشاشة، زفر الهواء بنفاذ صبر وصعد عده سلالم ونظر نحو البوابة، وجد فهمي يحدث نفسه ولا شيء مريب يحدث أغلق الهاتف ووضعة بداخل جيبة ونظر لفارس وتمتم بمكر "شكلي هبطل ارفعة بالمسدس، كل شويا يتصل عليا حتي لو دبانة عدت من قدام البوابة!".
ضحك هو وفارس كثيرا ثم سأله فارس "هتعلمني الرماية أمتي بقي؟  فرك عبد الرحمن رأس الصغير  " لما تبقي فارس اسم علي مسمي، أنت بتركب خيل حلو الوقتي مفيش كلام، بس أنا عاوزك تنط حواجز كمان.
تحمس الصغير بشدة وضم عبد الرحمن رأسه وهو يضحك ثم وضع يده بجيبة ولم يجد المفاتيح خاصته تمتم لفارس "اسبقني أنت وانا هجيب المفاتيح واجي عشان المجنونة أختك أكيد مش معها المفتاح".
نزل الصغير بالمصعد ودخل عبد الرحمن الشقة وخرجت سارة ونزلت راكضة بعد أن صرخت بها والدتها "يا بت اتهدي بقي عيب كده، جوزك يقول عليكي ايه بس!".
نزلت علي السلم وهي تدندن بمرح ولكنها وجدت فارس أصفر الوجه ويقف علي باب شقة السيدة نور بدت الصدمة علي وجهه ولم يتحرك من مكانه وخزته بوجنته مره أخرى
"مالك يا بني واقف زي الصنم كده ليه ؟!".
ركض الي الأعلى دون أن يجيبها وصرخت هي بمرح عليه "مين فينا اللي مجنون الوقتي هاه؟!".
جهزت الورقة بيدها ودخلت تصرخ بمرح علي السيدة نور " كورة البوكي أمسكي بكائن النو..  " بترت الكلام بحلقها وسقطت يدها من الدهشة ! .... .
_صعد فارس راكضا وهو يلهث الي والدته مباشرة وحينما قص عليها ما راه شهقت السيدة وفاء برعب "اسم الله عليك يا فارس ايه اللي انت بتقوله ده يا بني!" كان الصغير يلهث "والله يا ماما ده اللي حصل".
دمعت السيدة وفاء بشدة " مستحيل مستحيل، بسم الله  الله واكبر!" .
أخذت فارس من يده ونزلت مسرعة الي شقة محمد تطرق الباب بعصبيه وعنف ... .
_ كان عبد الرحمن في تلك الأثناء نزل الي الأسفل وحينما رأي الرجل الذي يضم زوجته ويقبلها بكل شغف كاد أن يغشي عليه "يا اللهي إنه هو!!!".

نهاية الفصل

_ هل ارتكبت أخطاء من قبل؟!.
_ أجل.
_ ماذا عنها؟!.
_ أدفع ثمنها خطاء تلو الأخر بلا هوادة.
_ جيد.
_ ما الجيد؟!.
_ تعلم أنك مخطئ وتستحق العقاب.
_ أجل أعلم ولكن لا أعلم لمَ أنا وحدي من يدفع ثمن أخطاءه بعقاب مضاعف
حقيقة حاولت البحث عن إجابه لهذا السؤال أكثر من مرة ولا زالت الي الآن ...




"حائر"
Please vote if you like it 😍 😊

مذكرات حائر الجزء الثاني "الحلم الضائع" بقلم هالة الشاعر Where stories live. Discover now