السابع عشر

7.3K 218 52
                                    


الفصل السابع عشر
Shape of you

بعد الاهتمام بإيهاب ومراعاة كونه طفل صبي لا فتاة! في كل شيء، أصبح إيهاب سعيدا كثيرا، ولكن هذا كان في أول أسبوع بعد ذلك أصابه الوجوم، وحور هي الأخرى كانت تعيسة للغاية دون أخيها الحبيب ،لقد حاول محمد وآية فصلهما عن بعض وزاد الأمر سوء من حالة إيهاب أو حور على السواء..
"إيهاب خلصت مذاكرة؟ يلا يا حبيبي عشان وقت النوم"
"حاضر يا ماما"
صعدت آية معه إلى غرفته ودثرته وقبلت رأسه "ها تحب أجيب لك حاجة تقرأها قبل ما تنام؟" هز الصغير رأسه بلا "طيب يا حبيبي تصبح على خير"
همت بالخروج ولكنه استوقفها "ماما انتِ لسه بتحبيني؟" 
جمدت آية بمكانها ثم عادت وجلست إلى جواره بحذر "ليه يا حبيبي السؤال ده؟"
جلس هو الآخر وهو حزين للغاية "أنا مبقتش أقعد مع حور خالص وبابا فصلنا في كل حاجة وأنتِ كمان .. كل حاجة أتغيرت في البيت" كان الصغير حزينا للغاية ودمعت عيونه بشدة "حور وحشتني أوي"
فزعت آية، إن تلك المشكلة تكبر كل يوم "لا يا حبيبي أبدا مفيش حاجة من الكلام ده"
"بس .. بس أنا مبقتش أعمل أي حاجة مع حور ولا حتى بلعب معاها!".
قبلت آية رأسه بحب وحدثته بما حدث معها هي ومحمد بالفترة الماضية، وأنهما ظلماه بشدة وألقيا عليه عبأ حور بالكامل ولكن الصغير رفض بشدة "بس حور أختي وبابا قالي أنها مسؤولة مني وأنا بحب أخد بالي عليها أنا أخوها الكبير ولازم أحافظ عليها!" كان إيهاب يدافع وبشدة عن حقه في رعاية حور، فما كان من آية إلا أن بكت وبشدة، توسل لها بأن يسمحا له بالعناية بها مرة أخرى وألا يفصلا بينهما، ضمته آية لها ووعدته بذلك، ابتسم الصغير بخجل "بس مش هنكر أني مبسوط أني بدرب كارتيه، حور لو جيت معايا هتتبسط أوي يا ماما أنا هعلمها في البيت وكمان.." توردت وجنته بشدة "أنا أتعودت أسمع قصة السيندريلا قبل ما أنام" ضحكت آية بشدة منه، فمحمد فصل بينهما حتى في قصة ما قبل النوم لأن حور تستمع إلى قصة السيندريلا، ووجدا أيضا أنها قصة خاصة بالفتيات وظنا أن إيهاب ليس مهتما بها.
استغل إيهاب وقت الصراحة هذا وسأل آية بتردد كبير "أمم خالتو أمل وعمو حسام مش بيحبوني أروح عندهم خالص .. أنا نفسي يحبوني أوي"
"أبدا يا إيهاب أوعى تقول كده دول بيحبوك جدا بس هما اللي أمورهم مش تمام وكمان عشان أحمد بيتخانق معاك بس متقلقش أنا هحل المشكلة دي، تعالى يلا عشان نسمع القصة" أخذته إلى غرفة حور وفرحت الصغيرة التي تفتقد أخيها خصوصا أنه لم يسمع القصة معها منذ زمن، ضمت دميتها لها بشدة وهي تهتف باسمه وغمزت آية محمد بعيونها بأن إيهاب يرغب بسماع القصة، أنهى محمد رواية القصة لهما وقبل حور التي غفت وأخذ إيهاب إلى غرفته وقبل رأسه ودثره ومن ثم ذهب مع آية إلى غرفتهما.
قصت آية له ما حدث معها وهي تبدل ثيابها بثياب النوم ثم ذهبت لتتدثر إلى جوار محمد، بينما كان هو يضبط جهاز المراقبة الخاص بحور التي لا يدعها تغيب عن ناظره لحظة، فهناك سماعة وكاميرا خاصة بغرفة حور كي يستمع لها ويراها طوال الوقت "يا محمد ركز معايا شويا وبعدين قولت لك ميت مرة الكاميرا والمايك دول للرضع!"
تذمر منها "افرضي حلمت بحلم وحش؟! وصحت بالليل لوحدها ها ها .. العمل إيه الوقتي .. أسيب بنتي في الظلمة والخوف؟! .. وأنا عايش وعلى وش الدنيا! ده لكان ولا هيكون أبدا!" نفخت آية بغيظ وانتهى هو من تعديل الجهاز الذي يوجهه مباشرة على وجه حور "حبيب قلب بابا شايفة؟ بوصي عليها بذمتك في قمر كده؟ ها .. حتي وهي نايمة قمر" أخذ محمد يتغزل ويراقب حور التي تخطفه من آية وهي نائمة حتى ضربته بقوة على ذراعه فانتفض من هيامه وارتبك "المهم إيهاب طلع مش مضايق يعني؟"
"لا عاوز يهتم بيها وزعلان إننا فصلناهم عن بعض تخيل؟، هو بس عاوز يلعب كارتيه ويشوف كارتون كوكب أكشن " سعد محمد كثيرا وآية هي الأخرى أمسكت بظهرها "أنت مش متخيل هو كان شايل عني قد إيه؟!"
فحور صغيرة الحجم للغاية ونحيلة وبالمنزل الضخم هذا لم تكن تستطيع فتح أي من أبوابه ولا تستطيع جلب الكثير من الأغراض لنفسها، فحتى بعد أن عدلت آية من موضع أغراضها وجعلتها في متناول يدها، لم يكن بإمكانها تعديل مقابض الأبواب أو صنابير المياه أو الصعود والنزول معها لجداتها في كل الأوقات، لأنها لا تستطيع ركوب المصعد وحدها وتخشى الصعود والنزول على السلم وحدها أيضا، حسنا إن إيهاب ملاكهم الحارس بحق!، ولكنهما أصبحا يعلمانها أن تعتمد على نفسها أكثر وأكثر.
التفت محمد مرة أخرى يراقب ابنته بسعادة بعد أن حلت مشاكلهم وضربته آية بقوة على رأسه بالوسادة وصرخت به "احترم نفسك بقى والله أسيب لك البيت وأمشي!"
"في إيه؟!"
"هو إيه اللي في إيه؟، أنا ضيف شرف هنا عشان أطبخ لبنتك!، في إيه يا محمد أنت مش شايفني أصلا حرام بقى كده وأنا مين ياخد باله مني؟!"
قبل رأسها "أنتِ الحب الأول"
"والله! أنا مش مصدقاك أصلا أنا لو مشيت من البيت طالما بنتك عندك ولا هتفرق معاك" كان تذمر آية كبيرا.
"طيب ده أنا بحب حور عشان هي حتة منك" وقبلها قبله "وشبهك" وقبل الوجنة الأخرى "وبنتك" وقبل الوجنة الأخرى.
تراجعت نبرة آية الهجومية وعبثت بدلال بثيابه "وإيه كمان؟"
"وعشان..." وهم بتقبيل وجنتها إلا أن حور استيقظت "أبي أريد مياه!" كانت تتثاءب بشدة ترك محمد آية وقفز سريعا "حبيبة قلب بابا حالا وأبقى عندك"
عضت آية شفتيها بغيظ بالغ وقذفته بالوسادة أثناء ذهابه وتوعدته "وربنا لو رجعت الأوضة لهطربق البيت على دماغك أنت وبنتك، نـــام عندها خليها تنفعك!" ثم تدثرت بغيظ بالغ وهي تغمغم بشيء ما عما سوف تفعله به، سقي محمد الصغيرة وأمضى ليلته على الأريكة فغضب آية وغيرتها بلغت عنان السماء ولن يجازف بحياته!!.
***
رغم أن حسام تغير قليلا وأصبح يمضي وقتا أطول مع أبناءه، حتى أنه كان يحضر طعام كريم ومريم ليلا في محاولة لإظهار أنه أب جيد وأنه تغير، ولكن هذا لم يكن كافيا لأمل التي لم يعتذر منها ولم يعدها بأي تغير في وضعهما البائس هذا.
لكن كل ذلك لم يكن يهم، لم يكن يهم أبدا فأمل تحمل هم كارثة أخرى في حياتها، كارثة أحمد وعدم التحاقه بالروضة، فهو أصبح في الخامسة وكان عليه الدخول إلى الروضة العام الماضي، ولكن أمل كانت تكافح مع التوأم ولم تستطع المذاكرة لأحمد مطلقا الذي فشل في الدخول إلى الروضة التي أصبح الدخول إليها صعبا للغاية، بل وبالمقابلة يتم تحديد مستوى الصبي بها، حسنا لنقل أن أحمد وباختصار شديد "ذكاؤه محدود وغباؤه عدا كل الحدود!" ولم ينجح في المقابلة بل وفشلت أمل في جعله يدلف إلى أي روضة أخرى، لأنه لم يلتزم بالاستيقاظ باكرا أبدا ولم يكتب أو يحفظ أي من الواجبات، ويئست أمل منه فتركته وشأنه على أمل أن تعتني به العام القادم، وها هي الإجازة الصيفية حلت أي أن أمامها ثلاثة أشهر كي تدرسه لينجح بالمقابلة في المدرسة الدولية التي تود أحمد أن يدلف لها، ليس فقط كي تضمن له مستقبلا جيدا بل ولأنها الأقرب إلى المنزل، كما أن إيهاب بها وحور هي الأخرى سوف تدلف لها، ولكن حور حفظت كل شيء ولديها كل المؤهلات التي تمكنها من الدخول، على عكس أحمد الذي تأخر بالسن وليس لديه أي شيء على الإطلاق!.
"يا حبيب ماما مش أحنا حفظنا الأرقام أمبارح يالا نسمع"
"مث عاوز"
"هو إيه اللي مش عاوز؟ لازم تذاكر عشان تدخل المدرسة، مش عاوز تروح مع حور المدرسة؟!"
"مش رايح أنا مث صاحي بدري أنا!"
صفعت أمل مقدمة رأسها "يا حبيبي في حاجات كتير جميلة أوي في الحضانة ألعاب وأصحاب وحاجات كتير حلوة أوي"
"مث عاوث"
كان أحمد يتحدث ببرودة أشعلت أمل "وربنا يا أحمد لو ما سمعت الحفظ لهتاخد ضرب بالشبشب عمرك ما خدته في حياتك أنت فاهم ولا لاء؟!"  لم يبالي بوالدته التي احمر وجهها من الغضب وأخذ يلعب بالجهاز اللوحي، نزعته من يده "مفيش كرتون ولا تابلت ولا بلاي ستيشن من هنا لحد ما تنجح في الانترفيو بتاع الحضانة أنت فاهم؟!"
لوح بيده بإهمال شديد "أنا هطفث من البيت المقيف ده " "هطفش من البيت المقرف ده" وتركها ونزل إلى جدته، أخذت تصرخ عليه ولكنه لم يبالي بها.
بكت أمل بشدة وسمعها إيهاب وأشفق عليها ودلف إلى والدته حزينا "مالك يا بيبو؟!"
"خالتو أمل بتعيط"
همت آية بالذهاب لها ولكنها تراجعت "بقولك أنت تروح وتعمل اللي هقول لك عليه اتفقنا؟" هز الصبي رأسه موافق.
طرق باب أمل التي كانت لا تزال تبكي مسحت وجهها "أيوة يا إيهاب"
"أصل . كنت جاي أقعد مع حضرتك شويا .. عاوز ألعب مع مريم"
أشارت له بالدخول وأراحت ذراعها من مريم، حمل إيهاب مريم وأخذ يلاعبها بالألعاب ويضحكها وذهبت أمل بعيدا كي تنهي بكائها، عادت بعد مدة لتجد كل من مريم وكريم يضحكان بشدة، نطقت ببلاهة "أشمعنى بتضحك معاك؟!"
"أصلها بتحب العرايس بوصي" وأخذ إيهاب يحرك العرائس أمام مريم بيده ويدعي أنها أشخاص تتحرك وتضحك هي بشدة ويضحك كريم بدوره.
عجبت أمل التي لم تكن تعلم مدى حب ابنتها لتلك الحركات، جلست تراقبها وهي تضحك، كان صوت ضحكها رائعا فهي لا تضحك سوى نادرا، عندما وجد إيهاب أمل تضحك هي الأخرى "خالتو أنا .. أنا ممكن أجي كل يوم أخد مريم شويا عشان حضرتك ترتاحي .. بس بلاش تعيطي" نظرت له أمل غير مصدقة مدى تفهمه وبكت بشدة، فهي تشعر بضغط هائل بسبب مذاكرة أحمد ولم تصدق أن هناك أحد ما يشعر بها حتى لو كان طفلا صغيرا.
حزن إيهاب وتمتم ببؤس "خالتو أنا آسف خلاص لو مش عاوزاني أجي تاني خلاص مش هاجي"
وبالخارج ألصقت آية أذنها حرفيا على الباب، صعد محمد ووجدها ملتصقة نفخ وتمتم بسخرية "ارحمي نفسك"
"شـــوش إيهاب جوا بيتكلم مع أمل" ذهب محمد سريعا وألصق أذنه على الباب هو الآخر، فهو يتمنى لو يعامل حسام وأمل إيهاب كابن حقيقي له.
تتالت شهقات أمل بشدة وربتت على رأسه "لا يا حبيبي متقولش كده أنا بعيط عشان مبسوطة أخيرا حد حس بيا"
فرح إيهاب "يعني أجي عشان أخد بالي من مريم" بكت أمل بفرح وهزت رأسها ثم انغمرت في نوبة بكاء شديدة وحارة، ربت الصغير عليها "بتعيطي ليه يا خالتو؟"
"أحمد يا إيهاب هيضيع مش راضي يحفظ هيضيع السنة دي كمان ومش هيدخل المدرسة، نفسي يدخل معاك أنت وحور"
"أنا ممكن أحفظه"
"بجد!!"
" أنا ساعدت بابا وحفظت حور وممكن أحفظه" قبلته وضمته لها بشدة وأخذت تشكره كثيرا، جلبت طرحتها ووضعت صغارها بالعربة ونزلت سريعا كي تبدأ مع أحمد على الفور.
جري كل من محمد وآية إلى شقتهم قبل أن تنتبه أمل عليهما وهما سعيدين لأن إيهاب وهي بألف خير، لم يبقى سوى حسام ولكنهما سيجدان الحل.
التفت محمد إلى حور وصرخ بحب "حبيبه قلب بابا، وعقل بابا، وحشتي بابا" وقبل أن يذهب لها تلقى ضربا مبرحا على مؤخرة رأسه من أية التي بلغت غيرتها مبلغة.
"تعالى يا أحمد يا حبيبي"
جاء الصغير وعلامات القرف علي وجهه وتمتم ببرودة "نعم!"
"إيهاب هيحفظك ولو حفظت اللي هيقولك عليه هنروح الملاهي يوم كامل إيه رأيك؟"
"مث حافظ"
صرخت عليه لأنه تركها وذهب "خد يا جزمة هنا!" ركض وفر إلى الأعلى ويئست أمل كثيرا وأخذت تنوح "مستقبله ضاع خلاص مش نافع في حاجة، خلاص مش هيتعلم"
نفخت السيدة نور "اهدي يا أمل الزعيق والعصبية مش هيخلوه يحفظ حاجة"
"أنا خلاص هموت جبت أخري مفيش طريقة نافعة معاه"
نادت السيدة نور الصغير وجاء لها ضمته وقبلته "حبيب تيته قول ورايا يالا واحد.." نطق الصغير إلى أن وصل إلى العشرة، وعندما طلبت السيدة نور منه إعادة ما حفظته إياه لم يتذكر سوى رقم واحد وبصعوبة، بكت أمل بشدة وغطت وجهها ونفخت السيدة نور الهواء بحنق "يا أحمد بقالي نص ساعة وكل اللي حفظته واحد!".
دلف أحمد الكبير ووجد أمل تبكي بشدة "خير يا أمل في إيه؟"
كانت تنوح بشدة "ابن أخوك مستقبله راح خلاص بقى فـــــاشل" وقصت له فشل أحمد في العام الماضي وهذا العام لا يوجد أي تحسن بحالته.
عجب أحمد كثيرا "أنترفيو إيه اللي بيعملوه لعيل في الحضانة، إيه الهبل ده ما كنا بندخل كده وخلاص!"
تحدثت والدته "خلاص يا أحمد النظام ده اللي ماشي وإيهاب عمل أنترفيو عشان يدخل المدرسة هو كمان ودخل متأخر سنة الحضانة زي أحمد بس ما شاء الله عليه كان حافظ كل حاجة وقبل من أول أنترفيو"
"طيب أهدي يا أمل أنا اللي هحفظه الموضوع مش مستاهل كل ده!"، جلب الصغير ووصل هاتفة بالتلفاز وبحث في فيديوهات الأطفال عن أغنية كرتونية وسأل "هو المفروض يسمع بالإنجليزي في الانترفيو ولا بالعربي؟"
"إنجليزي وعربي وفرنساوي"
"إيـــــه" سخط أحمد الكبير "طب هو حفظ إيه؟"
تمتمت أمل بهلع كبير "ولا حاجة عاااااا"
"الله أكبر!!" يبدو أنه أقحم نفسه بشيء ليس له!.
جلب الصغير وأدار الأغنية الخاصة بالأرقام وحث الصغير على المشاهدة والحفظ ووعده بمكافأة كبيرة، تكلم أحمد الصغير ببرودة كبيرة "مث حلوة الأغنية دي أنا عاوز أغنية البطة"
"يا حبيبي أحفظ دي ده أنت حافظ كل أغاني الأطفال وبتسمع المسلسلات أشمعني مش عارف تحفظ الأرقام؟!"
عانده الصغير "مث حافظ!"
كشر عمه عن أنيابه وأوقفه بالقوة أمام التلفاز "أنت هتحفظ يعني هتحفظ" أخذ الصغير يرقص أمام التلفاز واستولى الأمل على الجميع عله يحفظ بهذه الطريقة، أعاد أحمد الأغنية أكثر من مرة وكل ما فعله الصغير هو أنه أخذ يرقص ويرقص بمؤخرته في وجههم، وبعد مدة أغلق أحمد التلفاز ونادي ابن أخيه "ها يا حبيبي قول كده"
أخذ الصغير يرقص بميوعة ويتمتم "بطه بطه ما أحلها"
صرخ أحمد عليه "يا جزمة قول أغنية الأرقام اللي شغالة بقالها ساعة!"
"مث حافظ" وأخرج لسانه له وركض أحمد خلفه كي يلقنه درسا.
"مفيش فايدة مفيش فايدة مش هيقبلوا بيه في حتة مستقبله رااااح"
"أهدي يا أمل "
"ابني ضاااع يا طنط خلاص يا حظك يا أمل" وأخذت تبكي، حاول أحمد مع ابن أخيه أكثر من مرة عل أمل تكف عن البكاء، ولكن الصبي عنيد ومشاكس ولا يجلس بمكان واحد لدقيقة.
"أستغفر الله العظيم غبي زي أبوه!"
ناحت أمل "يا رب مش كفاية واحد في حياتي بقوا أتنين!، أتنين!!".
جاء محمد وسأل عن سبب بكاء أمل وقص أحمد عليه عناد ابن أخيه، زمجر محمد به "أنت مبتحفظش ليه يالا"
بوقاحة أجابه الصغير "مث حافظ وإن كان عاجبك" أ
شار محمد لنفسه غير مصدق "بتنح فيا! بتنح في عمك؟!، وديني لعلقك" وركض خلفه إلى أن أمسك به وقام بتعليقه بإيشارب خاص بالسيدة نور وحبل، تدلى أحمد من السقف وربطه بالعمود الموجود بصالة السيدة نور وهو يتمتم بانتصار "بتقل أدبك على عمك رجلك مش هتلمس الارض إلا وأنت مسمع الأرقام بالعربي والانجليزي، فاهم ياض؟"
نفخ الصغير الهواء بحنق وتمتم وهو واضع يده أسفل ذقنه "مث حافظ!"
صرخت أمل "يا رب عوض عليا، يا حبيبي مستقبلك مش عاوز تخوش المدرسة؟!"
"مث رايح"
نزلت السيدة وفاء ورجت محمد كي ينزله كي لا يسقط ولكن محمد رفض وزمجر بالصغير "قول ورايا يا بني واحد"
"مث قايل" هاج محمد كالثور وأمسك به أحمد كي لا يضرب الصغير بأعجوبة.
أخبر فارس عبد الرحمن بأن أحمد الصغير يتدلى من سقف السيدة نور فنزل هو وسارة سريعا، سأل عبد الرحمن بهلع وأخبره محمد سريعا "طيب نزله أنا هحفظه"
صرخ جميع الجالسين بحنق "يووووه بقى!" فهم حاولوا قبله ولا جديد.
وقفت سارة أسفل أحمد الذي يتدلى "ليه كده يا أحمد مش أحنا حفظناهم سوى قبل كده وحفظت لحد عشرة!"
"مث فاكر"
"طيب قول تاني وأنت تفتكر"
"مث قايل"
"أستغفر الله العظيم!".
دلف حسام ووجد الصغير يتدلى من السقف والجميع يقف أسفله "عملت إيه يا صايع؟"
قص له الموجودين ووجد أمل منهارة من البكاء ولم يكن هذا سببا للبكاء على الإطلاق من وجهة نظره!، ربتت سارة عليها "متقلقيش لسه 3 شهور وبعدين لا قدر الله لو مقبلش يروح حضانة عادية "
رفضت أمل "لاء.. أنا عاوزاه يروح دي"
"يا بنتي متنشفيش دماغك سبيه يروح حضانة عادية وهو هيقول مع العيال كده زي ما بيقولوا وهتلاقيه حفظ معاهم"
صرخت أمل "يا ماما هو بطة هتلقط رزقها من الأرض يا جماعة حد يحوشها من قدامي مش ناقصة استفزاز أنا!" ضحك الجميع على السيدة وفاء التي تأخذ الأمور دائما بطيبة خاطر.
سأل محمد أخيه "هتعمل إيه يا فالح في المشكلة دي؟"
لوح حسام بإهمال "ما إن شالله عنه ما حفظ ما يروح حضانة عادية وخلاص هي شغلانة!"
رفعت أمل رأسها الباكي غير مصدقة أبدا لا مبالاة حسام وذهبت إلى ابنها وصرخت على محمد كي ينزله بغضب بالغ "طيب يا أمل اهدي هنزله!"
بدأ محمد بإنزاله وتلقاه عمه أحمد وتمتم حسام غير مصدق "مش فاهم بتعيطي وعاملة في نفسك كده ليه وموقفة البيت على رجل، نكد وخلاص!"
"طبعا أنت يهمك إيه مريح دماغك ونايم في العسل مش مهم عندك مستقبل ابنك ولا تعليمه، ولا يهمك إن الحضانة اللي موت نفسي عشان يدخلها بينها وبين هنا تلت ساعة وهما اللي هيبعتوا الباص ولا يفرق معاك إننا ساكنين في آخر الدنيا وإن أقرب حضانة من هنا مشوارها ساعة وطبعا بما إن حضرتك شايل أيدك من كل حاجة مطلوب مني أوديه الصبح وأجيبه الظهر يعني أربع ساعات رايحة جاية من يومي اللي مبرتحش فيه دقيقة، لكن طبعا حضرتك هتفكر ليه أنت بتخلف وبس" صدم حسام من مرارتها الشديدة وجميع الحاضرين أيضا، فأمل لها حسابات أخرى خاصة بابنها وبمنزلها وهم يسخفون بدموعها.
أمسكت الصغير وتوعدته "والله العظيم ما في أكل ولا نوم ولا لعب ولا بيبي حتى إلا لما تحفظ وتبقى بني آدم" وجرته وجرت صغارها.
أوقفتها سارة "خلاص يا أمل اهدي والله هنساعدك لحد ما يحفظ متقلقيش"
"اللي بيساعد ربنا مش عاوزة حاجة من حد" وصفعت باب المصعد خلفها وتركتهم ينظرون لحسام بعتب فنزل سريعا وترك المنزل.
أحمد هو الآخر كان يرى ذلك وما زال عند رأيه وعنده بأنه يريد العودة إلى سارة، استغل نزولها على السلم ذات يوم وحدها وسد عليها الطريق بذراعه "أنتِ مبتحبيهوش" كانت سارة متعبة بشدة وحاولت المرور ولكنه لم يسمح لها واقترب أكثر منها "بدليل أنه ملمسكيش من يوم ما رجعتي"
اتسعت حدقتيها منه برعب وركضت صاعدة إلى الأعلى وأغلقت الباب خلفها بشدة، ابتسم أحمد الأكيد من هذا ونزل إلى محمد حيث الجميع سوف يتناول العشاء عنده هذه الليلة، عدا السيدة وفاء والسيدة نور كانتا بالخارج بزيارة ما.
عاد أحمد إلى شقة محمد ووضع حافظة بيانات بالتلفاز، عبد الرحمن ذلك الغبي الذي سجنه لشهر وخمسة أيام يتهمه بالإدمان سوف يدفع ثمن فعلته هذه بل وسوف يترك سارة أيضا بملء إرادته، لم يخلق بعد من يأخذ منه شيء.
نزلت سارة مع عبد الرحمن وبدأ الجميع بالحضور ودلفت أمل بهدوء هي الأخرى مع صغارها، تتحاشى النظر ناحية حسام وهو الآخر يفعل المثل.
سمعوا صوتا عاليا للغاية لسارة تنادي على أحمد بمرح، هلع الجميع، لم عساها أن تفعل ولم الصوت عال للغاية؟!، توجه عبد الرحمن بذعر يبحث عنها بنظره ولكنه وجدها على شاشة التلفاز بين ذراعي أحمد متعلقة به وتراقصه ويبدو عليها السعادة "يا أحمد خلي محمد يبطل!"
"سيبك منه متركزيش معاه خليكي معايا أنا"
ازدرد محمد لعابه فهو من صور هذا الفيديو بالكاميرا خاصته، بالتحديد بعد ثلاثة أشهر ونصف من زواجهما.
لم تفهم آية وأمل أي شيء ولكنهما علمتا أن الفيديو المصور بالتأكيد قديم، ولكن كل من سارة وعبد الرحمن وحسام ومحمد عادوا بذاكرتهم جيدا إلى هذا اليوم.
كانوا بالحديقة والنسيم عليل، أخذت سارة أحمد مساءا إلى الأسفل وأشعلت أغنية " Hero" لأنريكي إجليسياس وعدة شموع ورقصت مع أحمد بهدوء على الألحان، كانت تضع رأٍسها على صدره ونسيت حرفيا العالم الذي يدور حولهم، وأحمد هو الآخر يستند عليها ويضمها له.. إنها تحاول محاربة الظلام والوحدة خاصته وكل يوم تفاجئه بشيء جديد كي لا يصيبه الملل من الجلوس في المنزل، حتى أنه بات متشوقا لمعرفة مفاجأتها التالية.
همس لها بكلام تعشقه وغاصت تختبئ بصدره وتبتسم بخجل شديد، نزل حسام وجدهما ولكن لم تنتبه له سارة فأخذ قطعة فاكهة من على الطاولة وذهب للأرجوحة ومدد جسده عليها لينام، فالجو كان رائعا تلك الليلة، أما محمد الذي يشعر بالملل الشديد خرج إلى البلكون ووجد أحمد وسارة يرقصان فابتسم بشدة ونزل بالكاميرا خاصته يصورهما عن قرب شديد، ونادت السيدة نور هي الأخرى السيد شهاب كي يشاهدهما ونزلوا إلى الأسفل يراقبوهما مستمتعين بالجو والأمسية الرائعة.
انتبهت سارة إلى محمد الذي يصورهم وزمجرت "أبعد من هنا!"
"لا أنا لازق ليكو" رد بسماجة يشاكسها
"يا أحمد خلي محمد يبطل" توسلت له بصوت طفولي عذب
"سيبك منه متركزيش معاه خليكي معايا أنا" ضمها أكثر وغمرت وجهها بصدره لكن محمد كان يصدر أصواتا وتضايقت منه بشدة "يا بني أمشي من هنا ضيعت الرومانسية وخرجتني من المود!"
رد بسماجة مرة أخرى "أنا زهقان مش لاقي حاجة أعملها"
تذمرت وضربت الأرض "ما تروح لخطيبتك وتحل عننا"
"أختك مخصماني كالعادة"
"يوووه أنتو مش بتزهقوا من الخناق!"
ملت سارة وصاحت على حسام كي يزيحه ولكنه لم يتحرك من مكانه، فتوسلت السيدة نور "تعالى يا محمد بطل تضايقهم كده"
"مش متحرك من مكاني"
"عارفة مين اللي هيشيله من هنا؟" سأل أحمد بمكر
سألت بلهفة "مين؟!"
"عبد الرحمن قولي له أنه بيضايقنا ها يجي يشيله من هنا" خجلت سارة وأخفضت وجهها بصدره وضحك أحمد بشدة "أنا عاوز أعرف أنتِ بتخافي منه كده ليه، أول الخطوبة كنتِ بتترعبي منه حرفيا"
تذمرت سارة بخجل "مش بخاف .. بس هو كبير وطويل أوي" وأخفت وجهها "أصلي بخاف من الطوال"
ضحك أحمد بشدة وخجلت سارة أكثر وعاندها محمد "هقوله!"
"يا أحمد أعمل حاجة"
"منا قولت لك قولي لعبد الرحمن".
"واد يا محمد روح هات عبد الرحمن عاوزاه في عروسة حلوة أوي عاوزاه يشوفها"
"مش رايح"
"يا واد أسمع الكلام!" أشار لها بلا ، نادت حسام وأشار بلا وهو نائم "يا ربي زي قلتكوا، معلش يا سارة روحي أنتِ قولي له يجي عاوزاه"
تركت أحمد وذهبت راكضة لصالة الألعاب تنادي عليه بمرح، كانت كطفلة سعيدة ومرحة ومقبلة على الحياة بشدة "أبيه يا أبيه طنط نور عاوزة حضرتك"
جاء صوت عبد الرحمن بغضب "حاضر يا سارة جاي"
تابعها محمد وهي تركض بطفولية نحو أحمد مرة أخرى وارتمت بحضنه وهي تضحك بشدة "يا جبانة"
هزت أكتافها بأنها لا تمانع الجبن "ما تيجي نطلع فوق عشان محمد الرخم ده"
"وربنا لطلع معاكو"
"يووه بقى حل عننا".
خرج عبد الرحمن وتابعه محمد بالكاميرا كان يبدو أصغر وأكثر شبابا ويرتدي قميصا أخضر به عدة أمكان مقطعة يكاد يتمزع من شدة بروز عضلاته، ووجهه غزير بالعرق يبدو أنه كان يمارس الرياضة وبعنف، مسح وجهه بالمنشفة وجلس على الطاولة بإرهاق عاتبته السيدة نور "يا بني تاخد برد كده!"
"خير يا ماما؟"
"يوم الخميس هنروح نشوف عروسة أنا خلاص خدت معاد"
"تمام ربنا يوفقك روحي"
فزعت منه " هتقصر رقبتي يا عبد الرحمن!"
"والله أنا مدتش حد كلمة أصلا!"
انتقل محمد إلى سارة وأحمد مرة أخرى لأن تصويرهما مسل أكثر!. نفخت سارة وحثها أحمد على إخبار عبد الرحمن ولكنها خجلت فأخذ يدغدغها إلى أن يئست واستسلمت "خلاص خلاص هقوله.. أبيه ربنا يخليك خلي محمد يمشي من هنا بيضايقني أنا وأحمد"
قال بمزاج نكد "بس يا بني أبعد عنهم"
"مش متحرك"
زمجرت "يووه بقى أمشي بوظت اليوم بتاعنا"
لم يتحرك من مكانه، كان عبد الرحمن صاعدا للاستحمام فحمل محمد على كتفه ولكنه أخذ يصرخ "لا لا سبني لازم أصورهم، لازم أضايقهم" وضحك الجميع عليه بشدة وانطفأت الكاميرا أثناء ما كان على السلم.
حالما انتهى الفيديو كانت دموع سارة تحفر خطين على وجنتيها، لقد تدمر قلبها من الألم لمجرد تذكر كم كانت سعيدة وفرحة هذه الأيام، نظرت إلى أحمد الذي لا ينفك عن تذكيرها بأشياء مريرة، فمنذ يومين كانت عند والدتها لتسمع صوت صراخ أنثوي حاد على التلفاز لمشهد اغتصاب لفتاة، بحثت سارة عن جهاز التحكم بكل مكان ولم تجده إلى أن صرخت بهستيرية ثم خلعت الكبس الخاص من الكهرباء وركضت إلى شقتها وهي تبكي، وعندما حاول عبد الرحمن محادثتها صرخت بوجهه بشدة، تكره تذكر هذه الأشياء وبشدة، وأخبرته أكثر من مرة لولا أنها كانت فاقد للوعي في هذا اليوم المشؤوم لما سامحته مطلقا، تلك الأشياء السيئة تترك ندوبا وجروحا على مدى العمر لا تشفى مطلقا.
تمتمت لأحمد من بين دموعها "أنت معندكش قلب" وفرت راكضة إلى الأعلى، تعثرت على ركبتها وصرخت من الألم لما تتعرض له من مواقف سيئة، ثم اختفت بمنزلها.
هجم عبد الرحمن عليه "عاوز إيه يا حقير؟"
"عمرها ما حبتك ولا هتحبك في يوم من الأيام ولا هتكون معاك زي ما كانت معايا"
هم بلكمه ولكن حسام ومحمد أمسكا به جيدا، نفضهم عنه وصعد لسارة وهو حانق، وجدها على الأريكة تبكي وتضم نفسها "كنتِ بتخافي مني ليه؟!" لم تجبه، كانت تهتز وتفرك قصبة ساقها وكأن الشتاء حل من جديد "أنطقي كنتِ بتخافي مني ليه عملت لك إيه؟!"
صرخت به "كنت عيلة وسخيفة هتحاسبني على حاجة حصلت من أكتر من 8 سنين؟!، حرام عليكوا بقي كفاية أرحموني" وصعدت متعثرة بقدمها إلى غرفتها وصفقت الباب، وهو الآخر ذهب في تلك اللحظة وهم بترك المنزل، ولكنه عاد وأغلق الباب بهدوء وصعد ليحدثها ربما سارة محقة، ربما عليهما ترك المنزل فأحمد لن يكف عن إشعال ذكريات الماضي، لابد وأن ذلك يؤلمها وبشدة، ربما عليه أن يترك كل شيء هنا ويذهب معها بعيدا.
صعد كي يعتذر منها ويخبرها بذلك ولكن يده تعلقت في الهواء قبل أن يطرق الباب لما سمعه "يا رب أرحمني، يا رب سامحني والله ما أعرف أنها صعبة كده، لو أعرف مستحيل كنت رجعت له يا رتني ما رجعت لعبد الرحمن يا رتني ما رجعت" تجمعت الدموع بعيونه غير مصدق ما هذا الجحيم؟!، لم يعد هناك أي مجال للشك، لقد تأكد بنفسه!.
ألصق ظهره بالحائط ونزل أرضا واستمع رغما عنه إلى بكائها ونحيبها ودعائها إلى الله بأنها لم تعد تحتمل أبدا أي من هذا، وتسأله عن طريقة للذهاب بعيدا عن هنا، فقد كل شيء ووقف مترنحا ونزل إلى الأسفل تاركا المنزل غير مصدق الحقيقة المرة التي اكتشفها للتو، إن الوغد محق، يبدو أنه يعرفها في النهاية أفضل منه..
***
لم يكتفي أحمد بهذا أبدا بل وكان هناك مخططا كاملا وضعه بإحكام كي يدمر عبد الرحمن تماما، هو يعلم جيدا كيف يحرق أعصابه، وسارة هي الأخرى أوشكت على الصراخ بالجميع وإخبارهم بكل شيء، فقدت رشدها ذات يوم ونزلت على السلم تقسم بإخبارهم وليحدث ما يحدث، كانت قدمها لا تزال تؤلمها وسمعت صوت بكاء أحمد على السلم، نزلت لتجد يده وملابسه عليها الكثير من الدماء هلعت بشدة "أحمد يا حبيبي مالك؟!" نظفته ولم تكن الدماء منه، كان بصدمة بالغة أخذت تهزه كي يفوق وكل ما نطقه كان حرف "م "وبصعوبة بالغة، ركضت تبحث عن أمل إلى أن وجدتها غارقة بدمائها أرضا.
بعد نصف ساعة كان الجميع بالمشفي وأخبرهم الطبيب بأسف بأن أمل كانت حامل بتوأم آخر عمره ثلاثة أشهر وأحدهم توقف نبضة والآخر نبضة ضعيف للغاية ويجب إنزاله كي لا يزداد النزيف سوءا، وقف الجميع غير مصدقين وعلموا لم كانت تبكي بكثرة ولو لأتفه الأشياء في الفترة الماضية، ظل حسام واجما وبشدة أما أمل فقد فقدت النطق من صدمتها فهي لم تكن تعلم بحملها، لم تكن تنتبه لأي شيء وسط الصراع الذي تعيشه، أضاعت طفليها بيدها فهي تركض وتمارس الرياضة بقوة كي تستعيد وزنها وتعمل بلا هوادة بالمنزل وتحمل صغارها طوال الوقت.. قتلت صغيريها بجهلها.
وقع حسام الإقرار بيد مرتعشة ودلفت أمل إلى الغرفة دون أن تنظر لأحد منهم، ومساءا دلفت إلى شقة السيدة وفاء تستند إلى سارة وآية، صعدت غرفتها بالأعلى وضمت صغارها لها وبشدة وتسقط دموعها دون أن تتفوه بحرف واحد.
صمتت سارة تماما فهذا المنزل لا ينقصه مصائب أبدا، وصمت عبد الرحمن هو الآخر فاللعنات تحل عليهم واحدة تلو الأخرى وبلا هوادة، ذهبت كل من سارة والسيدة وفاء إلى منزل أمل تجمعان أغراض الصغار وملابس أمل دون أن تنظر أي منهما إلى حسام، كانت نظرة كل منهما بلا حياة وتجاهلت السيدة وفاء وجوده بالمكان، صعدتا إلى الأعلى وحممتا الصغار وأطعموهم ودثروهم إلى جوار أمل مثلما تطلب، أما أحمد الصغير فظل مصدوما وبشدة متكور بحضن أمل مرعوب من منظر الدماء الذي رآه .
سمعت حور وإيهاب بما حدث ولم يستطيعا تفسيره لأول مرة، ثم سألت حور محمد أمام الجالسين "هل فقدت أخان؟" بحلق محمد لها "كنا سنلعب معهم مثل مريم وكريم" وقلبت شفتيها بحزن شديد
"حبيبتي.." لم يعرف بما يجيبها ارتعشت شفتيها بحزن وهي تضم دميتها لها "هل تألموا؟" ضمها محمد وحاول إخبارها بأنهما كانا صغارا للغاية ولم يشعرا بشيء، ظلت الصغيرة واجمة وقبل أن يأخذها محمد للنوم رفضت "سوف أعطيها الدميتان بدلا منهما" دمعت عيون الحاضرين وهرب حسام إلى خارج المنزل، صعدت الصغيرة ببراءة لتربت على كف خالتها النائمة وتضع الدميتان إلى جوارها بدلا عن ما فقدته.
حملها محمد وأسندت رأسها على كتفه وغادرتهم حزينة للغاية، فرك عبد الرحمن وجهه يستغفر ربه بشدة وجلست السيدة نور حزينة للغاية، ظلت النساء كلهن في منزل السيدة وفاء تلك الليلة بلا كلام وبلا صوت، فقط حزن وبضع دموع على أمل الصامتة التي لم يشعر حسام بها يوما ما ولم يولها أي اهتمام.
ظلت ثلاثة أيام عند والدتها وما إن استعادت صحتها حتى نزلت بأطفالها إلى شقتها تراقبهم في كل لحظة بصمت مطبق، ولم تستطع أن تبتسم لأي منهم ولو بالصدفة حتى، فشعورها بالذنب والإهمال سيطر عليها وبشدة وأفقدها الإحساس بأي شيء آخر..
***
لم يعد عبد الرحمن يحتمل أحمد أو يحتمل الدراما في حياته الناتجة عن ذلك، يقف بلا حراك ولا يعرف كيف سيتصرف وما الذي من شأنه أن يجبر كسر وشرخ قلبه الذي حدث، لذلك عندما أراد توقيعا هاما من أحمد بالموافقة دلف مباشرة إلى مكتبه "أمضي"
أمسك أحمد الملف بإهمال وتمتم " هفكر"
هجم على ملابسه "أمضي بدل ما أطلع بروحك في إيدي"
نظر أحمد إلى عينه بخبث "عشان مكنتش مصدقني يا جدو لما قولت لك أنها مش عاوزاك وبترد اعتبارها مش أكتر، مقدرتش تمثل حتى.." لكمه عبد الرحمن بقوة وضحك أحمد بشدة، وحالما خرج من المكتب بصق الدماء من فمه ولملم أغراضه وقرر الطرق علي الحديد وهو ساخن.
وضع البرفان للصغير بكثرة وتمتم له "ها يا حبيب زي ما قولت لك بالظبط، اتفقنا؟"
هز الصغير رأسه وصعد إلى سارة "أهلا بالأستاذ أحمد" ضمها الصغير بشدة وفرحت به وحملته ثم هزت رأسها بيأس منه، يبدو أنه لعب بعطور عمه، وبالخارج رش أحمد من عطره على الباب.
فر الصغير بعد مدة وحمله أحمد ونزل إلى الأسفل ومعه الجيتار خاصته "هنغني أغنيه حلوة أوي يا أحمد الوقتي" فرح الصغير وكان معه دف صغير، وقف على الطاولة وأخذ يرقص ويلعب بدفه مع عمه، وبدأ أحمد بالعزف على الجيتار لإيد شيران.
Girl, you know I want your love
يا فتاة تعلمين أنني أريد حبكِ
Your love was handmade for somebody like me
حبكِ صنع يدويا لشخص مثلي
دلف عبد الرحمن وحاول إخفاء حنقه بعد النظر إلى أحمد الذي يلعب على جيتاره بسعادة شديدة
Say, boy, let's not talk too much
قولي : حبيبي دعنا لا نتحدث كثيرًا
Grab on my waist and put that body on me
امسك خصري وضع جسدك علي
حالما استمع إلى تلك الكلمات ضغط فكيه وصعد سريعا قبل أن يرتكب جريمة اليوم، يكفي ما حدث بالمكتب ناهيك عن حنقه من الأغنية التي صرعته سارة بها منذ عدة سنوات!.
Come on now, follow my lead
تعالي, اتبعي مساري
Come, come on now, follow my lead
تعالي, تعالي اتبعي مساري
خرجت السيدة نور تبتسم لأن أحمد يغني والصغير يرقص ويصفق على الطاولة، لوح أحمد لها بمرح من الأسفل وأرسل لها قبلة في الهواء أسعدتها، استندت إلى حافة السور تراقبه مستمتعة وأخذ هو يكمل الأغنية.
صعد عبد الرحمن ليجد رائحة أحمد تفوح من المكان فهو يحفظ عطره جيدا، فتح الباب باستنفار ودلف إلى سارة وحالما أقترب منها أشتم العطر وبقوة، نظر لها شزرا غير مصدق "مين اللي كان هنا؟"
"أحمد" أجابت بحذر فهو يبدو عليه الغضب الشديد ولا تفهم لما؟
صرخ بها "كان بيعمل إيه هنا؟"
هزت رأسها برعب "طلع يسلم عليا"
"والله بكل بساطة طلع يسلم عليكي وريحته طالعه منك؟!" كاد أن يجن لبرودة سارة!
غزت الدموع عيونها وتمتمت "أحمد ابن حسام" وصعدت راكضة إلى غرفتها، صفع عبد الرحمن وجهه غير مصدق، وخرج إلى الشرفة ليرى ذلك الحقير الذي يغني.
I'm in love with the shape of you
إنني واقع في حب شكلك
We push and pull like a magnet do
إننا نتجاذب كالمغناطيس
Although my heart is falling too
بالرغم من أن قلبي يقع
I'm in love with your body
أنا واقع في حب جسدكِ
ضرب السور بيده، حسنا نهاية ذلك الحقير اليوم، مرة واحدة و إلى الأبد، لن يحتمل التلميحات الحقيرة خاصته يوم واحد آخر!.
نزل إلى الأسفل والشرر يتطاير منه، وحالما رآه أحمد التفت وهو يعزف على جيتاره ويغني بهيام
And last night you were in my room
في آخر ليلة كنتِ في غرفتي
And now my bedsheets smell like you
والآن أغطية فراشي أصبحت برائحتكِ
ما إن أنهى جملته حتى وصل إليه عبد الرحمن وأسقطه أرضا، حمل الجيتار وكسره على ظهر أحمد وسط صراخ السيدة نور، نزل محمد وحسام سريعا وضرب عبد الرحمن أحمد ضربا مبرحا وحاول حسام ومحمد إيقاف تلك المجزرة بأعجوبة، نزلت السيدة نور وأخذت تصرخ بغضب على عبد الرحمن "عمل لك إيه سيبه في حاله بقى!" أخذ عبد الرحمن يلهث بأنفاسه ولكن ليس من ضرب أحمد لكن من الغضب، لن يفهم أي منهم ما يحدث، صعد إلى الأعلى والسيدة نور تبكي لحال أحمد المسكين الذي كان يغني وسعيد ولم يفعل شيئا البتة!.
أدار محمد الهاتف واستمع إلى الأغنية وتمتم  بغضب لأحمد "اتقي الله بقى" فكلمات الأغنية كفيلة بإثارة غضب عبد الرحمن حد قتله، لملم أحمد نفسه وأقسم على ألا ينتظر لحظة واحدة بعد ذلك، لملم أغراضه وأخذ حقيبة صغيرة وأخبر والدته بأنه سوف يسافر لعدة أيام.
وأقسمت السيدة نور وهي متعبة بعد ذهابه لكل من محمد وحسام "أقسم بالله أخوكو هيعمل كارثة" وكانت أكثر من محقة!.



صعد عبد الرحمن مكفهر الوجه، وجد سارة بالصالة ويبدو أنها رأت ما حدث بالأسفل، أوشك على البوح بكل شيء لها وبأنه سمعها ولكنها ركضت نحوه وهي تبكي بشدة، عصرت خاصرة بقوة وفقد هو الآخر أي قدرة على التماسك، لم يعد يحتمل، حتى الجبال لها قدرة على التحمل وما يحدث تخطى كل شيء، رفعت وجهها المبلل بالدموع ورغما عنه أشفق كثيرا عليها، فهو لا يراها سوى دامعة العينين منذ أن ظهر هذا الوغد بحياتهم مرة أخرى "عبد الرحمن ..ربنا يخليك .. أنا بموت .."
تمتمت ببؤس من بين شهقاتها ولم يحتمل هو "أنتِ رجعتي ليه ليا يا سارة؟ عشان تنتقمي منه؟" لم يكن قول ذلك سهل أبدا وخرج الكلام بصعوبة منه.
تركت خاصرته ورجعت خطوة إلى الوراء وهمست غير مصدقة "أنت فاكر أني ممكن أعمل كده؟".
أغمض عيونه بتعب شديد، يا إلهي لم يعد يحتمل أبدا، مشط شعره وأخذ يستغفر "عشان كده هتجنن.. عشان واثق فيكي للدرجة عشان.. عشان أنتِ مش سايبة أي حل تاني قدامي أفكر فيه فهميني فيه إيه مالك؟ أقسم لك إني هفهمك وهحترم أي حاجة هتقوليها"
غطت وجهها "أنا.. أنا عارفة بس.. اللي حصل.. كل حاجة صعبة أوي .. أنا مبقتش قادرة.. مش عارفة أرجع زي الأول" رفعت أصبعها بتوسل وضعف شديد تستأذن منه "أنا بس عاوزة فرصة.. شوية وقت.. آخر حاجة هطلبها منك يا عبد الرحمن"
لم يتحمل توسلها وضعفها وضمها إلى صدره مقبلا رأسها، غمر كل منهما الآخر قليلا، فما حدث لم يكن سهلا على الإطلاق وأفقد الجميع صوابهم، وهي بالذات تعرضت لطعنات الواحدة تلو الأخرى دون أن تركب أي ذنب، بل ارتكبت أكبر ذنب..عشقت وغدا.
أحكمت قبضتها على قميصه "عبد الرحمن ..قولي إن كل حاجة هتبقى كويسة .. قولي إننا هنرجع زي الأول .. قولي كده ربنا يخليك"
مسح دموعها وتفهم سؤالها الهستيري ونطق بصعوبة "كل حاجة هتبقى كويسة يا سارة .. وهتبقى أحسن من الأول كمان"
حاول احتضان وجهها وطمأنتها هزت رأسها رافضة بهستيرية "تبقى بس زي الأول أنا راضية ..أنا راضية" وغمرت وجهها بصدره وهي ممسكة به بشدة حتى آلمه ذراعه من أظافرها التي نشبتها به.
اللعنة عليك يا عبد الرحمن ألف مرة، لم لم تنتبه عليها؟ لم لم تولها أي اهتمام؟ إنها منهارة ومحطمة تماما وتحتاج إلى طبيب، قبل جبينها معتذرا "سارة أنا آسف.. أنا مبقتش أهتم بيكي زي زمان أنا آسف.. المصايب اللي بتنزل على دماغي في الشركة مش قادر أركز منها"
هزت رأسها بسرعة أخافت عبد الرحمن "أيوة الشركة ..أيوة ..و..و كل حاجة هترجع زي الأول" كانت تحاول إقناع نفسها وإقناعه وكأن تكرار الجملة سوف يجعل المشاكل تنتهي.
أوقف رأسها التي تهزها بعنف وكاد أن يبكي لأجلها "إيه رأيك نروح ناكل آيس كريم أنا مخدتكيش من زمان"
هزت رأسها موافقة بشدة "أيوة زي زمان بالظبط .. كل حاجة هترجع مش كده .. كل حاجة هترجع"
"أيوة يا حبيبتي"
قالت بلهفة وهي تمسح وجهها ودموعها وكأنها تنفض كل الأشياء السيئة "أنا هغير وهاجي على طول" وأمسكت بمعصمه "متسبنيش ها.. عبد الرحمن متسبنيش"
نطق بصعوبة شديدة "متخفيش يا سارة أنا هنا يا حبيبتي"
هزت رأسها وصعدت تستند إلى حافة السلم وتعرج بقدمها وتتمتم لنفسها بهمس "كل حاجة هترجع زي الأول" فرك وجهه غير مصدق لابد وأن أحمد يضغط عليها مثلما يضغط عليه، ولكنها لن تخبره بالطبع كي لا يتشاجر معه، كيف كان أعمى كل هذه المدة؟ عليه بأخذها من هنا سريعا.
بعد ربع ساعة كانت بالسيارة إلى جواره سألها عبد الرحمن بقلق "رجلك مالها؟"
أمسكت بها وفركت قصبتها "أصل .. أتكعبلت على السلم"
أفتعل الضحك وقرص وجنتها "لسه برميل مصايب" لم تعاتبه بضحك كعادتها ودمعت عيونها بشدة ونظرت بعيدا كي لا تبكي "سارة أنا آسف!"
مسحت عيونها" لا أنا فعلا برميل مصايب يا عبد الرحمن" صمتا إلى أن وصلا إلى محل المثلجات، لم يتناولاها بالمحل وأمسكت بيده كطفلة صغيرة "تعالى نروح الحديقة أحسن"
أستحسن الفكرة عل الحديقة تريح أعصابها وجلسا بهدوء يتناولان المثلجات، لم تتناولها بنهم وتلذذ كعادتها، وبعد الملعقة الثالثة بالتحديد غطت فمها بتقزز كأنها تشتم شيئا سيئا وهرعت نحو شجرة وأفرغت معدتها، جلب لها المياه وقلقه يزداد عليها، أخذت هي تبحث في ثيابها بتقزز شديد "متقلقيش مفيش حاجة جيت عليكي" ولكنها لم تهدأ وأصرت على الرحيل، وعندما ركبا السيارة أخرجت زجاجة العطر وأخذت ترش طرحتها وتشم فيها بنهم، استغربها كثيرا فهي لا تضع العطر خارجا مطلقا "سارة إحنا برا!"
"أصل ..أصل الريحة وحشة أوي"
"يا حبيبتي مفيش حاجة جيت عليكي أصلا!"
تمتمت ببؤس شديد وبطريقة عجيبة "لا يا عبد الرحمن أنا شماها.. أنا على طول شماها" تركها وشأنها، استمر استنشاقها للعطر بنهم لفترة حتى هدأت وأرخت رأسها على مقعد السيارة، وعندما عادا ذهبت إلى الحمام مباشرة للاستحمام وأغرقت نفسها بالعطر بشكل غريب ودلفت إلى غرفتها لتنام.
أمسك برأسه غير مصدق أبدا، ذلك اللعين أحمد لا يهتم بأنه يدمرها ويفقدها صوابها بل كل ما يهمه أخذ ما يريد ولا شيء آخر، لم يرى أبدا من هو بحقارة وجشع ذلك المخلوق في حياته قط!.
***
أما أحمد فقد جهز الشقة التي اشتراها منذ أن أخرجه عبد الرحمن من السجن الذي وضعة به، عدل من وضع الكاميرا التي أصبحت في مواجهة السرير مباشرة ونفخ الهواء بتلذذ يركل دخان سيجارة من فمه، كل شيء جاهز، عليه فقط أن يأتي بها إلى هنا ولن يرفع عبد الرحمن رأسه مطلقا من الأرض بعد أن يرى ما سيفعله هو بها... .
***
تقرب عبد الرحمن بهدوء من سارة في اليومين التاليين يحدثها بهدوء وروية، يمسح دموعها التي تنزل دون سبب في كثير من الأحيان ولكنه شعر بأنها أصبحت أهدأ وأفضل حالا، تضع رأسها على ذراعه وتظل صامتة وليلا تقبل وجنته وتصعد بهدوء إلى غرفتها، حل يوم الجمعة ونزل بها عصرا للجلوس بالحديقة قليلا ورغم قدمها التي تؤلمها رفضت ركوب المصعد لأنه يصيبها بالغثيان.
وجدا محمد الفخور دائما بابنته يصورها على السلم ترتدي فستانا قصيرا رائعا جديدا، وشعرها مموج بطريقة مذهلة، كانت رائعة ومتألقة في هذا اليوم، حالما رآها كل من سارة وعبد الرحمن ابتسما على الفور وحملها عبد الرحمن وقبلتها سارة، بدا محمد وآية وإيهاب متأنقين أيضا، سألت سارة "خارجين؟"
رد محمد بفخر "حور عندها أنترفيو"
ضحكت سارة وعبد الرحمن وسأل عبد الرحمن "فين إن شاء الله؟"
"في الحديقة تحت"
"مش فاهم؟"
"أمجد اللي ساكن في أول الشارع هنا بيشتغل في المدرسة اللي حور هتقدم فيها وأنا ليا كلام معاه يعني فكلمته يجي النهاردة بشكل ودي يسألها ويشوف مستواها وكمان عشان متتوترش يوم الانترفيو"
"أبي أريد بيبو معي"
"أكيد يا قلب بابا"
لوحوا لهم مودعين "باااي"
تمتمت سارة لعبد الرحمن وقد نسيت حزنها قليلا "مجانين دول!"
"تعالي أما نتفرج على انترفيو القرن للمفاعيص!" أخذها الي شقة السيدة نور ووقفا في الشرفة كي يراقباها.
خرجت أمل معهما وهاتفت آية بتوتر وهي تحمل مريم، نظرت آية إلى الأعلى وسألت أمل بوقاحة "عاوزة إيه؟!"
"أفتحي عليا عاوزة أسمع هيسألها إيه"
"أمل حلي عني متوتريش البنت!"
"أقسم بالله لو مفتحتي لنازلة أنا وأحمد ومريم ونكون مبوظين الانترفيو كله" كانت تصيح عليها من الشرفة ففتحت آية الهاتف بغيظ وتركته على الطاولة وانتظروا الرجل.
سألت السيدة وفاء "الراجل جه يا ولاد؟"
"آه يا ماما دخل أهه تعالي" ردت أمل التي تشعر بتوتر بالغ، خرجت السيدة نور هي الأخرى وأحمد وكذلك حسام ولم يفهم الرجل الذي جلس أسفل الشرفة لم يراقبه كل سكان المنزل؟ إنها مجرد طفله في الرابعة!.
سلم على محمد الذي شكره كثيرا، فهو هنا بشكل ودي فقط كما طلب منه محمد تمهيدا للصغيرة كي لا تتوتر في المقابلة الحقيقية، مد يده وسلم على الصغيرة الرائعة
- Hey how are you ?
- Fine thank you.
- What’s your name ?
- My name is hour
ردت الصغيرة بتلقائية وهي تؤرجح قدميها من كرسيها العالي ولم يبدو عليها أي توتر مما أسعد محمد وآية كثيرا.
"عندنا في المدرسة نشاطات كتير أوي هتعجبك"
- What’s your favorite hobby ?
رفعت الصغيرة نظرها إلى السماء وضمت شفتيها تفكر، شعرت أمل بأنها من الممكن أن تخطئ ويقبلوا بها هذا يعني إحتمالية قبولهم بأحمد لا يهم إن أخطأ، ولكن الصغيرة كانت محتارة ليس إلا!.
- Mmm drawing and coloring
- Great.
"مبسوطة عشان هتدخلي المدرسة يا حور؟"
هزت رأسها بفرح "أجل"
"أمم لغة الأنمى" هز رأسه فمعظم الصغار يتحدثون مثل الرسوم المتحركة ولكن حور كانت مختلفة.
هزت رأسها رافضة "لا لأنها لغتنا الأصلية، أحب أن أفعل الأشياء كما يجب أن تكون"
أعجب كثيرا بشخصيتها، تهامس الحاضرون بالشرفة معجبين بشدة، نظر لهم الرجل رغما عنه وحاول التركيز مع حور مرة أخرى "كلميني عنك بتحبي تعملي إيه تاني؟"
"أمم أحب دراسة أجزاء الجسم وأحفظها كلها، والألوان، والأرقام، والأسماء" وصفقت يدها بمرح طفولي جميل "والعواصم"
"هايل حافظة إيه منها؟"
"جميعها"
"على كده عارفة عاصمة فرنسا؟"
"أجل إنها باريس"
"تحبي تروحي فرنسا؟"
رفعت رأسها إلى السماء تفكر ثم هزت رأسها تمتم بعفوية "Oui"
ابتسم الرجل لعفويتها وذكائها وسأل بالفرنسية عن حالها Comment allez" "vous ?
وأجابته "Je vais bien merci"
صفقت السيدة وفاء بشدة فخورة بحفيدتها التي تتحدث بالفرنسية، وتبعها جميع الحاضرين يصفقون فرحين بالصغيرة وسرعة بديهتها "لازم نبخرها يا نور"
"أكيد بكرة أجيب بخور" وأوشكت أمل على البكاء في نفس الوقت وهي تتابع الصوت الذي يخرج من هاتفها.
نظر الرجل لهم بغرابة شديدة خاصة وأن أحمد الكبير أخذ يصفر من الشرفة ويصرخ بمرح "بنت أخويا اللي رافعة راسنا"
ربت محمد على ذراع الرجل "متركزش معاهم ظروف عائلية"
تنحنح الرجل "والله أنا شايف إن ما شاء الله سرعة البديهة عندها عالية ومفيش أي داعي لتوتر حضرتك المدرسة هتكون مبسوطة جدا بأن طالبة بذكائها تكون عندنا"
تحدثت أمل بعنف "أمسك" وألقت بمريم على ذراع عبد الرحمن وجرت أحمد من ذراعه ونزلت إلى الأسفل، نظر محمد لها بأسى، لم تكن ترتدي شيئا مناسبا لا هي ولا الصغير، أجلسته إلى جوارها وتحدثت مباشرة إلى الرجل "أحمد ابني خمس سنين وأنا عاوزة أقدم له في المدرسة مع حور"
ازدرد الرجل لعابه "يا فندم أنا مليش سلطة في القبول أو الرفض إدارة المدرسة هي اللي بتقرر"
"عارفة أنا بس.. يعني ..أنا نفسي يدخل السنة دي أوي بس هو مش جاهز أنا هعمل أي حاجة حضرتك تقولي عليها عشان يبقى مستعد وجاهز للدخول"
حرج الرجل وبدأ يسأل أحمد مثلما سأل حور عن حاله بالإنجليزية، ضم أحمد شفتيه ونظر للرجل ببلاهة شديدة وكأنه آتٍ من كوكب آخر، طال الصمت بينهم فشعر الصغير بملل ووضع أصبعه بأنفه!.
جذبت أمل ذراعه بشدة وسأل الرجل بحرج كي يخرج من هذا المأزق "طيب يا حبيبي كلمني عنك؟"
رد أحمد بلا مبالاة "أنت مالك؟"
بحلقت أمل للصغير بشدة ولم يبالي "طيب قولي إيه هوايتك المفضلة؟"
كور أحمد شفتيه وسأل بلكنته العجيبة "يعني إيه هواية؟!!"
شعر الجميع بالأسف على أمل ووضح الرجل له "يعني بتحب تعمل إيه يا حبيبي"
هز الصغير وكأنه فهم ثم تمتم بسعادة "بحب أفعث الدبان اللي في الحديكة وأموتوه وبعدين بروح أثتخبي عند تيته عثان ماما بتضربني"
صفع الجميع جباههم بأسى وهمس محمد للرجل "أنا معرفهومش ملناش علاقة بيهم"
وهزت آية رأسها موافقة زوجها "إحنا أول مرة نشوفهم!"
ولكن الرجل اقترب من الصغير ودقق النظر وتمتم بقلق "متتكلمش يا حبيبي وحاجة في بوقك طلع اللي في بوقك"
صرخ أحمد من الشرفة وهو يشير إلى الرجل "قولت كده أقسم بالله يا كابتن محدش صدقني" نظر له الرجل غير مصدق لما يحدث، بالإضافة إلى أنه فزع من صراخ أحمد فاعتذر أحمد "أتفضل حضرتك كمل"
تجمد الكلام بفم الرجل وأمل تنظر له بعيون دامعة، أخذ يهز رأسه ولم يجد كلمة مناسبة يمكنه وصف أحمد بها، فهو لم يجري مقابلة مثل تلك قط!، ضمت أمل قبضتها ترجوه وسالت دموعها "أرجوك أنا أم حس بيا ابني مستقبله هيضيع قولي أعمل إيه"
"يا فندم العمل عمل ربنا مش عارف معتقدش أنه هيقبل في الإنترفيو ده أو أي انترفيو بصراحة!"
بكت أمل بشدة وببلاهة "أرجوك قولي أعمل إيه أحفظه أزاي وأنا هعمل أي حاجة تقولي عليها"
حرج الرجل كثيرا وأخذ يفكر تحت ضغط بكاء أمل "أنا بقول إن حد مختص يتابعه أفضل من حضرتك "
تمسكت أمل بذلك الشعاع من الضوء "أيوة إحنا أزاي مفكرناش كده .. بس مين يعني أجيب مين حضرتك تعرف حد مناسب؟"
فكر الرجل قليلا بأنه في حاجة ماسة إلى معجزة لا معلمة ولكنه هز رأسه "أديني أسبوع أكون شوفت حد مناسب بس أهم حاجة يكون عنده استعداد عشان يلحق " هزت أمل رأسها بشدة موافقة ونظر هو للصغير "أهم حاجة يا حبيبي تسمع الكلام وتذاكر مع المس"
تمتم أحمد ببروده وكبر وهو مغلق عينه "مث حافث"
صرخ أحمد الكبير من الشرفة حتى تدلى نصف جسده من العصبية "هاتولي الكلب ده هنا وربنا لعلقك في الشجرة دي لحد ما يبان لك صاحب، أنا نازلك" والتف بغضب واستأذن الرجل وانصرف سريعا. صعدت أمل وهي متمسكة بأمل المعلمة التي سوف تدرسه، خرجت الجدات من الشرفة ومد حسام يده لعبد الرحمن "عاوز مساعدة"
"خير إن شاء الله"
"هي المدرسة اللي هاتيجي دي مش عاوزة فلوس!"
"وأنا مالي مش كفاية خلفتك العار وطت اسمنا في الأرض أنت والعاهة اللي مخلفها"
ذهب إلى سارة فرفضت "مش كفاية لا بتدفع نور ولا غاز ولا انترنت وبتطلع تسرق التلاجة أنت عايش عالة علينا يا حسام في كل حاجة!"
ذهب إلى حماته ووالدته يطلب المال ولكنهما زمجروتا به كي يبتعد عنهما بغبائه، صعد محمد غير مصدق وهو يمسك برأسه "أنا تعملوا فيا كده قدام الراجل!، الواد ده مستحيل يكون من عليتنا ده أكيد اتبدل في المستشفى أسمعوا كلامي خلينا نرجعوا الوقتي، الواد ده مش ابنك يا حسام، الواد مش من عيلة شهاب الدين أبدا"
"هو إيه اللي مش ابني ده نسخة من أخوك أحمد ووارث غبائي بالملي الواد ابني أنا اللي عارف!"
نفخت السيدة نور الهواء بملل "قولت لكو حسام مش أخوكو لقيته قدام باب الجامع"
رفع محمد يده عليا "حلو ناخده هو وابنه ونرجعوا تاني قدام الجامع كفاية علينا كده أوي" انتهى من غضبه وحمل صغيرته الرائعة بعد أن هنأها الجميع "حبيبة قلب بابا النهاردة تؤمري أمر كده بوصي تشاوري بس.. شاوري قبل ما تقولي اللي عاوزاه هيكون عندك" قبلها بحب شديد واصطحب آية وإيهاب للنزهة وشراء ألعاب وهدايا إلى حوريته، وأبعد أحمد عن وجهه عندما طلب منه الذهاب معهم.
استمر الهرج والضحك حول حسام الذي يسأل أحمد أخوه المال حتى يئس، وأخبره بأنه سوف يتكفل بأول شهرين من راتب المعلمة بشرط أن يجد نتيجة من الصغير، التف أحمد حوله فلم يجد أثرا لعبد الرحمن أو سارة، خرج إلى الشرفة فوجدهما يمسكان بأيدي بعض وأخذها عبد الرحمن إلى الأرجوحة، يعلم كم تحبها وأرجوحتها فوق سطح المنزل ولكن أي منهما لم يصعد منذ المجزرة البشعة التي ارتكبها أحمد بالأعلى، جلسا وكالعادة لم تصل قدمها إلى الأرض وأسندت رأسها إلى ذراعه ولم يتحدث أي منهما، اشتعلت النار بأحمد بشكل غير طبيعي وكف عن الضحك مع الصغير وأحس بأن أحدا ما يأخذ قطعة من قلبه ليس من حقه أبدا، ليس من حق هذا الوغد الجلوس معها هذا مكانه.. هو وحده زوجها، عصر السور الذي يستند عليه بقبضته كل هذا سوف ينتهي فقط حين يضع يده عليها.
أتت فرصته أقرب مما يظن، خرجت سارة صباحا مع عبد الرحمن ولم تجلس بالمكتب سوى نصف ساعة، راقبها وعبد الرحمن يودعها ويسألها بأن تأخذ السائق معها ولكنها رفضت "رائع إنه وقتي" ولكن أثناء نزوله أوقفه محمد يريد توقعيه "مش وقته"
"بقولك عاوزة الوقتي أنجز!"
دلف على مضض وانتهى سريعا وحاول ألا يثير الشكوك إليه، حالما ذهب محمد أخذ مفاتيحه وركض إلى الأسفل، لم يلحق بها ولكنه شاهد السيارة التي ركبتها وتبعها إلى أن نزلت منها، ركن إلى جانب الطريق وارتدى نظارته الشمسية وهو يراقب المدخل بتوتر شديد، خرجت بعد نصف ساعة وكانت أعصابه محطمة، نظر إلى المخدر بيده فهي لن تأتي معه بسهولة أبدا، حالما خرجت نزل سريعا وجرها من ذراعها ودلفت إلى السيارة دون أي مقاومة.
بعد نص ساعة كان يفتح باب الشقة أدخلها وأغلق الباب ونظرت حولها وكأنها تعي أخيرا أين هي "إحنا فين؟"
سألته ولكن ليس بجزع أو ذعر مثلما توقع "كل حاجة هتخلص النهاردة يا سارة كل تمثيلك هيتكشف وهترجعي لي"
كان يصرخ بها توسلت له بعيون دامعة "أحمد أنا.."
جرها من ذراعها بقوة إلى الغرفة وسارت معه متعثرة متألمة من قدمها، ألقى بها على السرير وخلع سترته ورماها أرضا، ظلت تنظر له ببلاهة ولا تفعل أي شيء "أنتِ مراتي عبد الرحمن كان عارف أني عايش هيدفع تمن كل اللي عمله فيا الوقتي بعد اللي هيحصل ده آخر حاجة هيشوفها ليكي شريط الفيديو وصدقيني الدبان الأزرق مش هيعرف فين طريقنا بعد كده" شق قميصه بعنف وتناثرت الأزرار بالأرضية وقبل أن يخطو نحوها خطوة واحدة فقدت وعيها..
بعد نصف ساعة كان يجلس أرضا يبكي وينتحب بشدة وهي ملقاة على السرير، مبعثرة الثياب وطرحتها إلى جوارها وحقيبة يدها تناثر كل شيء منها، أما أحمد فكان يبكي بلا هوادة، يبكي كما لم يبكي في حياته كلها من قبل قط!.
***
قرر حسام أن يولي ابنه اهتماما كي يلتحق بتلك الروضة، فنزل لشراء أحاجي وألغاز كي يلعب بها الصغير، هو أكيد من أنه سوف يفشل بالبداية ولكن عليه المحاولة بأي حال، أثناء ما كان متجها إلى سيارته ويضع نظارته الشمسية رأى آخر شيء توقع رؤيته على الأقل في ذلك الوقت، أحمد بسيارته و إلى جواره فتاة، لم يعلم من هي بالبداية ثم نزل أحمد وفتح لها الباب ليهلع حسام بشدة إنها سارة!، نزلت وتحدثا معا قليلا "حاسة أنك أحسن؟"
هزت رأسها موافقة ثم تمتمت وهي تشد على ثيابها "مش عاوزة حد يعرف ..أي حد"
هز رأسه بعيون دامعة وركبت في السيارة التي كان يركن أحمد خلفها، وحالما غادرت سار خلف السيارة تماما، لم يسمع حسام أي مما بينهما ولكن المحل الذي يشتري منه الألغاز لصغيره لا يبعد سوى شارعين فقط عن منزله، ما الذي تفعله سارة مع أحمد؟ ولم لا يريدان لأحد أن يعلم بأنهما سويا؟!.
ركب سيارته وانطلق خلفهما وهو واجم، ولكنه استشعر شيئا سيئا وكريها للغاية يحدث بينهما.
نزلت سارة أمام البوابة وبعد دقيقتين دلف محمد وحسام خلفها مباشرة، ونزل من السيارة على الفور ليلحق بأحمد سأله بهجوم "كنت بتعمل إيه؟!" ونظر باشمئزاز لملابسة المبعثرة بشدة، أغلق أحمد عيونه بتعب وصفق باب سيارته وصعد وهو واهن إلى الأعلى، ظل بغرفته ممسكا بهاتفه يريد أن يهاتفها وبشدة ولكنها أوصته بألا يهاتفها مطلقا وأنها هي من سوف تطلبه.
دلفت والدته عليه "يلا يا حبيبي عشان تتغدى" ثم اقتربت أكثر بحذر منه لتجد عيونه محمرة وهو واجم بشدة وكأنه كان يبكي، هلعت عليه "مالك يا أحمد في إيه؟!"
"أنا.. أنا.. أنا حقير أوي يا ماما أحقر إنسان على الأرض" وارتمى بحضنها يبكي بشدة ولم تفهم منه أبدا سبب حزنه الشديد هذا!.
***
صعد حسام واجما بشدة، أعطى الصغير الألعاب بذهن مغيب، فرح أحمد بها وفتحها وأخبره أن يعلمه عليها "مش وقته يا أحمد .. أنا تعبان من الشغل" توسل له الصغير ولكن حسام صعد وهو يخلع سترته ببطء وحزن، ترك أحمد الألعاب وفقد اهتمامه بها فنادته أمل التي كانت يائسة من حسام الذي لا يفعل أي شيء جيد للآخر على الإطلاق "حبيبي أنا هعملك عليها الألعاب اللي بابا جبها دي حلوة أوي يا أحمد زي ألعاب حور بالظبط" فعاد الصغير لها كي تعلمه وبدأت هي بذهن شارد.
عاد عبد الرحمن إلى المنزل ليجد سارة بالمطبخ تعد الطعام رغم أنه تأخر عن موعده، لم يسألها لأنها كانت شاردة للغاية، وضعت الطعام ولم تأكل أي شيء "سارة ..سارة مش هتاكلي" نظرت له قليلا وهزت رأسها "مالك؟" هزت رأسها بلا وكأنها تخبره بلا يوجد شيء.
نظرت للطعام وحاولت إجبار نفسها على تناوله، رفعت الملعقة إلى فمها وأنزلتها، رفعتها مرة أخرى ولم تحتمل وذهبت إلى الحمام تفرغ معدتها، استغفر ربه كثيرا فهي كانت أفضل صباحا ما الذي حدث لها؟!، حاول مساعدتها ولكنها رفضت "يا سارة أنتِ دايخة خليني أساعدك!" هزت رأسها رافضة ولم تتحدث واستندت بهدوء إلى الأعلى وأغلقت عليها باب الغرفة بالمفتاح، لم تخرج أبدا وعبد الرحمن كان قلقا عليها، ألصق أذنه وجدها تصلي وتبكي طول الوقت، لمدة ساعتين ظل يذهب ويجيء عليها ولكنها لم تفعل شيئا سوى الصلاة والبكاء ثم بالعاشرة أغلقت الضوء فعلم أنها خلدت إلى النوم.
في الصباح حاول محادثتها بحذر شديد "سارة مش عاوزك تفهميني غلط بس اللي حصل أكيد سبب لك اكتئاب إيه رأيك نروح للدكتور أنا كمان هروح معاكي، أدور على حجز؟"
نظرت له ودمعت عيونها بشدة "أنا مش مجنونة!"
"يا حبيبتي محدش قال كده وبعدين الاكتئاب ده حاجة شائعة جدا"
"طلقني"
بحلق غير مصدق أبدا "سارة أنتِ بتقولي إيه أنا مش قصدي حاجة أنا بقولك أنا نفسي هروح للدكتور وهتابع!"
"لو شايف أني مجنونة ومحتاجة لدكتور يبقي طلقني حالا فاهم ولا لاء" وصعدت متعثرة إلى غرفتها بالأعلى.
استغفر ربه كثيرا وصعد لها ولكنه لم تجبه، جاءه هاتف من علا بالشركة فالمصائب تنزل عليه واحدة تلو الأخرى، أخاه العزيز أمر بصرف مواد للبناء سيئة وعلى عبد الرحمن هدم كل شيء والبدء من جديد، أي ذنب ارتكب ليبتلي بأخ ملعون مثله!.
لم تتحدث سارة مع عبد الرحمن مطلقا وكانت ترفض أي شيء منه وترفض أي لمسة منه ولا تدعه يقربها أبدا، وكل يوم تذهب إلى والدتها تضع رأسها بحجرها دون أن تتحدث وتبقى هكذا حوالي الساعة ثم تعود إلى شقتها، حاولت السيدة وفاء معرفة ما بها ولكنها فشلت وتحدثت مع عبد الرحمن وأخبرها بأنه أراد أخذها إلى الطبيب ولكنها لا تحدثه منذ ذلك اليوم، سألت السيدة وفاء بقلق بالغ "يعني هي عندها إيه؟"
"أعتقد اكتئاب وحاد كمان بس أنا مش دكتور أنا بس هسيبها تهدا شوية وأعرض عليها تاني لأنها مش راضية تبوص ف وشي من ساعة ما قولت لها"
"إحنا نكلم أمل وآية نخليهم يطلعوا لها ويقولوا لها عشان متزعلش منك"
تنهد عبد الرحمن "أفضل بردو".
صعدت آية وأمل وانتظرت السيدة وفاء بالأسفل مع عبد الرحمن وهي تفرك يدها بقلق، دلفت آية وأمل بهدوء وجدوها تصلي، وحينما انتهت ربتت آية عليها "تقبل الله يا سارة"
هزت رأسها وسألت بصوت هامس "عاوزين حاجة؟"
نظرت أمل لآية بقلق "سارة أنتِ متغيرة أوي اليومين دول مبقتيش تروحي الدار ليه؟"
تمتمت بهمس لنفسها وكأنها تذكرت شيء هام "الدار!"
مسدت آية ذراعها "سارة يا حبيبتي أنتِ محتاجة تروحي لدكتور المرض مفيهوش مكابرة وأنتِ نفسيتك تعبانة أوي"
تاهت النظرة الحزينة الهائمة وأشتعل لهيب الغضب بعينها، هلعت كل من أمل وآية هذه ليست أختهم أبدا، صرخت بكل قوتها عليهما وهي لم تفعل ذلك في حياتها من قبل قط " أنا مش مجنونة أمشو أطلعوا برا متورونيش وشكوا تاني أبدا فاهمين"
" يا سارة أهدي بس.."
صرخت بقوة "براااا"
جزعت كل من أمل وآية وخرجتا وصفقت الباب بوجههما، بكت السيدة وفاء بشدة بالأسفل لأن حالتها وصلت إلى هذا السوء ورفعت رأسها تسأل عبد الرحمن "طب والعمل هنعمل إيه الوقتي؟"
جلس بتعب شديد على الأريكة وهز رأسه بأنه لا يعلم.
نزلت في اليوم التالي صباحا ولكن وجهها لم يكن شاحبا مثلما اعتاد، تضع لمسة من مساحيق التجميل ورغم أن هذه ليست عادتها إلا أن عبد الرحمن فرح لأنها كانت هادئة أثناء ما كانت تحضر الفطور سألها "هتروحي فين النهاردة؟"
تمتمت دون أن تنظر له "الدار"
"كويس تحبي أجي أخدك ونتغدى هناك وبعدين نروح سوا؟"
"لا هرجع مع سالي"
"طيب تنزلي معايا"
"لا لسه هنضف الأطباق"
تركها وشأنها وحين فتح الباب وجد السيدة وفاء تجلس إلى كرسي وباب المنزل مفتوح، وحالما رأت عبد الرحمن وقفت على الفور "عامله إيه الوقتي؟"
طمأن قلقها وهو غير مقتنع البتة "أحسن هتروح الدار الوقتي"
"بجد! طيب هنعمل إيه ينفع نجيب الدكتور لها هنا"
تنهد عبد الرحمن فالمرض النفسي من أسوأ الأمراض التي يتعرض لها البشر، إذ لا يمكنك ابتلاع حبة أو حتى إجراء عملية جراحية كي تشفى، بل يحتاج إلى رعاية واهتمام ومتابعة، والأهم من ذلك كله هو استعداد المريض للتحسن وتقبل فكرة العلاج وهو ما لا يوجد لدى سارة أبدا "أنا بقول نسبها تروح الدار وهي هتبقى أحسن مع الولاد هناك"
"طيب أنا هكلم سالي تاخد بالها منها"
هز رأسه موافق "يا ريت".
بعد هذا اليوم خفت عدائية سارة كثيرا وأصبحت هادئة مرة أخرى، وعندما كان يقتضي الأمر وتجتمع بأحمد لم يكن ينظر لها ويستفز عبد الرحمن مثلما اعتاد، كان هادئا كثيرا على غير العادة واستغرب الجميع هذا، ظنوا أنه ربما شعر بأنها مريضة وليست طبيعية وقرر تركهما وشأنهما، حتى أنه كف عن العبث بالشركة ومعاندته في كل شيء وكان يعطي توقيعه وهو صامت تمام، كل هذه الأمور جعلت الشك يعلو بقلب حسام بشدة وظن أن هناك شيئا ما بين سارة وأحمد.
***
خرج حسام ليلا من غرفته ليشرب، مر بغرفة الصغار وجدها مفتوحة على غير العادة، كريم وأحمد نائمان ومريم تغمغم مع نفسها بسريرها، استمع إلى بكاء أمل ولكنها كانت بالغرفة المجاورة ساجدة وتدعوا الله بحرقة بأن يسامحها على تقصيرها في حق طفليها "يا رب سامحني يا رب سامحني واغفر لي والله يا رب ما كنت أعرف، أنا اللي موتهم بإهمالي".
كانت منهارة من البكاء ولم يعد يستطع حسام التحمل، هو السبب لا هي، هو السبب في كل هذا، هو من ألح عليها بالحمل مرة أخرى قبل أن يكبر أحمد رغم أنه يعلم بأنه كان طفلا صعبا للغاية، هو من مل من المنزل وهجره وهجرها بل ولم يكف عن أذيتها ووصفها بالكلام السيئ، عن مدى تغير جسمها وإهمالها وشقاوة الصغير، ألقى بكل شيء على كتفها وحدها لأنه وببساطة مل هذا، مل كل شيء، لم تكن هذه طباعة يوما فهو دائما عاشق للسهر والسفر والخروج، وكلما طلب منها الذهاب معه كانت تتحجج بالإرهاق وبالصغار، لم يكن يعلم مقدار ما تعانيه، لم يعلم إلا عندما أجبره محمد على المكوث مع الصغار، علم حينها مدى تفانيها وتعبها وحرصها على فعل كل شيء جيد من أجله ومن أجل صغاره، لكنه لم يستطع الذهاب والحديث معها ليس كبرا وإنما خجلا، أجل خجل من نفسه ولأنه لا يعلم إذا ما كان مزاجه المتقلب سوف يهجرها مرة أخرى، فقبل حبسه مع الصغار كان يقرر وبشكل جدي ترك أمل والانفصال عنها وترك الشركة والانفصال عن شركته، أراد أن يعيش حرا طليقا بلا قيود رغم حب العائلة ودفء وجود المرء بها، إلا أنه كما يوجد حب يوجد أيضا الكثير من الأيام الصعبة وليس من السهل أبدا تحمل كل ذلك الألم، لذلك أراد الذهاب بعيدا وحده دون قيد.
يقر بأنه فقد هذه الرغبة الآن ولكن ماذا لو عاودته؟ ما هو مصير أمل حينها؟!، نفض كل الأفكار عنه وذهب لاحتضنها بشدة وبكل قوته رغم رفضها له ولكنها استسلمت في النهاية إلى نحيب وبكاء على صدره، تبكي أجنتها التي قتلتها بإهمالها، بكي حسام هو الآخر "لا يا أمل أنا السبب أنا السبب"
نظرت له ولم تصدق أبدا أنه أخيرا تحمل مسؤولية شيء ما، أي شيء في حياتها البائسة هذه، بكي بشدة وقبل رأسها "مليش عين أقولك سامحيني .. بس مش عارف أعمل إيه تاني" ضمها له، لم يعلم أي منها إلى متى ولكنها غفت على صدره، وأخيرا شعر بها، كل ما أملته فقط أن يشعر بها.. أن يضمها ويربت عليها ولا شيء آخر في تلك اللحظة.
***
لم تستمع إلى أي من اقتراحات سالي التي فرحت بشدة عندما علمت أن الأرض المجاورة للدار عبد الرحمن هو من أشتراها، دلفت شيماء تخبر سارة بملل فهي تعلم أن سارة عادت لعبد الرحمن "الموز تحت ومش راضي يمشي"
"أحمد!"
تمتمت شيماء بهيام "هو في غيره"
"أنزله أنا يا سارة أقول له أنك مش موجودة؟"
"لا أنا هنزل" استغربت منها الفتيات وبشدة فهي كانت ترفض مقابلته.
وقفن يتلصصن عليها من خلف الشباك كعادتهن، دلف أحمد من البوابة ومعه كيس صغير "إيه اللي جابك هنا؟!"
"مش عارف أتلم عليكي في البيت وأنتِ مش راضية تخليني أطلبك أطمن عليكي أزاي؟"
"قولت لك لو في حاجة أنا هتصل بيك"
كانت ممسكة ببطنها بهلع "أرجوك أمشي ومتجيش هنا تاني وأنا لما أعوزك هطلبك"
"طيب أنتِ كلتي حاجة؟" هزت رأسها بلا مد لها كيس الطعام "طيب كلي" حالما وصلت رائحة ما بالكيس لأنفها هرعت إلى السور وأفرغت معدتها، ناولها منديلا وسأل بقلق بالغ "لسه الغثيان عندك مرحش" هزت رأسها بنعم "حتى بعد 3 شهور؟!"
تمتمت بتعب شديد "أيوة"
نفخ بنفاذ صبر "تعالي أخدك لدكتور تاني أحسن"
"لا أنا ارتحت خلاص مع ده وأرجوك تمشي بقى وخد الكيس ده معاك مش طايقة ريحته"
نفخ بقلق "يا سارة كده غلط عليكي أوي" ونظر إلى بطنها بأسى "أنتِ مش بتاكلي حاجة خالص"
"صدقني بحاول ومش قادرة أرجوك أمشي الوقتي وأنا هكلمك بكرة عشان تقابلني"
فرك وجهه بيد واحدة وأخرج عدة أوراق من جيبه ودفتر أزرق " الدفتر أهه مش عارف غيرتي رأيك ليه أنا كنت هسلمه ليه على العموم ده عقد البيت باسمك"
تمتمت بهلع "إيه! بسرعة كده؟!"
رفض بسخط "هو إيه اللي بسرعة أنا صابر عليكي بقالي قد إيه أنا جبت أخري آخر مدة ليكي أسبوعين يا سارة فاهمة أسبوعين"
دمعت عيونها ورفضت بشدة "مستحيل أديني وقت أكتر من كده مقدرش .. مقدرش يا أحمد"
أشار بنفاذ صبر على رقم 2 "سارة أسبوعين وإلا أنتِ عارفة أنا هعمل إيه" وضعت يدها على فمها غير مصدقة قصر هذه المدة، جلست بتعب على الأريكة الحديدية بالحديقة ودموعها تتساقط ببطء، تنهد أحمد وذهب الغضب من صوته وجلس إلى جوارها "يا سارة أنتِ بتأجلي قدر محتوم .. وأنت عارفة إن في وقت مش هينفع تخبي فيه زي الوقتي وهيبان عليكي يبقى ليه تخبي، صدقيني أنا بعمل كده لمصلحتك أنا جهزت البيت وأوعدك إن كل حاجة هتمشي زي ما أنتِ عاوزة خدي أتفرجي على الصور "
هزت رأسها بلا "بعدين"
"طيب تعالي أوصلك البيت أحسن شكلك تعبانة"
"لا هروح مع سالي"
"طيب تروحي حالا متتأخريش" هزت رأسها بنعم، نظر لها بقلق لبرهة ثم انصرف.
حملت سالي حقيبة سارة الواجمة التي لم تتحرك من مكانها ونزلت سريعا قبل أن تصعد لها وتواجه نظرات استنكار الفتيات، حالما رفعت رأسها ووجدت سالي سألتها بتعب "سالي ممكن تروحيني؟"
"أحسن بردو تعالي"
ابتعدتا عن الدار منذ حوالي النصف ساعة وسارة تركن برأسها وكأنها نائمة ولكنها لم تكن كذلك سالي أكيدة من هذا "سارة قولي لي بصراحة لو أحمد بيضايقك..." هزت سارة رأسها بلا "أنتِ متأكدة"
"مفيش حاجة يا سالي"
"يا سارة أنت كلك على بعضك متغيرة بقالك شهور على الحال ده، لبسك شكلك سكوتك أنتِ مش سارة ولا تقربي لها"
نظرت سارة إلى سالي بوجوم، هل تخبرها؟ ولكن ما الفائدة؟ ما الذي سيحدث علي أي حال؟ لا شيء مجرد المزيد من الأسى، لا فائدة من ذلك، فصمتت تماما إلى أن وصلت إلى منزلها.
نزل عبد الرحمن بها مساءا، باتت تزين وجهها حتى بالمنزل وملابسها هي الأخرى غريبة، كل شيء تغير بها يا الله لم يعد يحتمل، لم يعد لديه صبر، لم يعد يعلم ما بها، كل شيء أصبح صعبا للغاية معها، كل شيء...
حاولت السيدة وفاء وكل من أمل وآية المزاح والحديث معها ولكنها كانت واجمة ولم تستقبل شيئا منهن ولا حتى من الصغار، حالما بدأوا بوضع العشاء تلاحقت أنفاسها بشدة وتابعها أحمد بلهفة لاحظها حسام جيدا، هرعت إلى الحمام وتقيأت بشدة أكثر من كل مرة حرفيا، كانت تشعر بأن هذه هي النهاية وأن روحها سوف تنفصل عن جسدها الآن، ولكن لم يحدث وأسفت هي لذلك بشدة.
أمسكتها والدتها وأجلستها، كانت كقطعة قماش مبللة بين يديها، بكت السيدة وفاء بشدة عليها "اسم الله عليكي مالك بس يا سارة مالك يا حبيبتي؟!"
حاولت آية مسح وجهها بالمياه ولكنها رفضت بشدة، تأملتهم قليلا وهم خائفون عليها وأشاحت بنظرها متألمة بعيدا عنهم وهمت بالصعود إلى منزلها، وعندما ذهبت آية خلفها تمتمت بجمود "مش عاوزة حد يجي معايا عاوزة أقعد لوحدي"
صعدت على السلم ببطء بسبب قدمها وجلس عبد الرحمن بتعب يفرك وجهه، لم يعد يعلم ما العمل، ربت محمد على ظهره والتفت النسوة حول بكاء السيدة وفاء، تسلل أحمد إلى الخارج ولكن حسام كان يتابعه، لقد شعر بذلك شعر بأنه سوف يتبعها.
حث محمد عبد الرحمن على الصعود، سار بتعب شديد وتسلل حسام خلفه دون أن يشعر، ربما من الأفضل أن يعلم عبد الرحمن بما يحدث وينتهي من عذابه هذا فهم لا يستحقون على أي حال.
صعد بتعب وبخطى ثقيلة واهنة، ولكن قبل منزله بطابق واحد استمع إلى صوت أحمد يعنف سارة من بين أسنانه وهي تبكي وتتوسل له، جمد مكانه وعجز جسده عن الحراك رغما عنه "أرجوك يا أحمد أنت قولت لي أسبوعين ليه رجعت في رأيك"
زمجر بها بغيظ شديد "أنتِ مش شايفة حالتك بقت عاملة ازاي، مستحيل هصبر عليكي أكتر من كده أنتِ فاهمة ولا لاء"
توسلت له "طيب أسبوع واحد"
من بين أسنانه وبتحكم شديد "يوم الخميس يا سارة فاهمة يوم الخميس بعد ما يروح الشركة تنزلي بالشنطة وهاخدك ونمشي إلا أقسم بالله هنزل أقولهم كل حاجة تحت الوقتي ويحصل زي ما يحصل"
"لا لا خلاص خلاص حاضر.. حاضر يوم الخميس" كانت ترجوه بشدة
هدأ لهاثه "أطلعي على أوضتك وأقفلي الباب عليكي وخدي بالك من الطرحة لتقع قدامه فاهمة خدي بالك"
همست "حاضر"
بنفس اللهجة الآمرة "أدخلي" دلفت وسمع صوت إغلاق الباب خاصته وصوت المصعد وهو ينزل إلى الأسفل.
تجمد كل عصب وخلية بجسده، لم يتخيل هذا في أشد وأحلك أحلامه ظلمة وضراوة، كل شيء تهاوى فوق رأسه كما لم يحدث من قبل، وبدا العالم وما فيه أتفه من أن يفتح فمه ليصيح أو ليصرخ أو حتى ليتحدث، ربما لشدة الألم.. الألم الذي نهش قلبه أكثر من أي وقت مضى، إذا ما كان يظن أنه تعرض لصدمات وآلام في الماضي فهو مخطئ تماما فهناك أنواع أشد عذابا وها هو يذوق مرارتها، فقد توازنه ولكن حسام أمسك به سريعا، هلع بعينه لأن حسام سمع ما سمعه، بدا هذا واضحا من اشمئزازه الشديد.
تجاهل عبد الرحمن نظرته، شفقة عليه أم غضب منهما لا يعلم ماهيتها ولا يبالي بشيء في الوقت الحاضر، نزل بحذر شديد إلى القاعة الرياضية وتوازنه اختل كما لم يحدث من قبل، هو القوي دائما الشامخ كالجبال جاء ما دكه بالأرض ولن يعود كما كان في السابق من قبل قط.
تحدث حسام باشمئزاز وهو منحنى أمامه "ميستهلوش أبدا تعمل في نفسك كده طلعهم برا البيت، طلعهم برا حياتك كلها يا عبد الرحمن مضيعش نفسك عشانهم أقسم بالله ما يستهلوا" توسل حسام عبد الرحمن الذي بدا وكأنه يجلس بعالم آخر يشاهد أشياء خفية عن أعين حسام، أوشك عبد الرحمن على فقدان وعيه وأخذ حسام يربت عليه بقوة حتى أفاق وحين فعل ذلك وقف وهم بالصعود.
أمسك حسام به يمنعه "هتعمل إيه مضيعش نفسك عشانها متستهلش"
هز عبد الرحمن رأسه بلا "هطلعهم من حياتي هما الاتنين بكرا كل شيء هينتهي"
هلع حسام وأمسك به بشدة "عبد الرحمن استنى .."
قاطعه "متقلقش الغلطة غلطتي من البداية وبكرا هصلحها ومش هبوص ورايا تاني أبدا"
صعد عبد الرحمن ومر بغرفتها وحاول ألا يتوقف أمامهاـ صوت بكائها في الصلاة واضح، هل يؤنبها ضميرها؟!، ترى هل سوف يسامحها الله على فعلتها؟، زحف إلى غرفته وجلس بتعب شديد على حافة السرير، يمسك برأسه الذي يكاد يتناثر إلى أشلاء متفرقة في أنحاء الغرفة لشدة ما يشعر به من ألم، هو عشقها الحقيقي، ربما لم تنسه يوما مثلما لم ينسها هو يوما، ولكن لم عادت؟ لم فعلت به ما فعلته؟ لم استغلت عشقه لها وجعلته أداة انتقام طيعة من أخيه؟ وفي النهاية تقرر هجره! حسنا لن ينكسر أمامهما مرة أخرى أبدا، غدا سوف يهجرها قبل أن تهجره...
***
دلف حسام إلى شقته واجما بشدة، وجد أحمد يلعب بالأرض حمله وضمه وصعد به إلى الأعلى ودلف إلى أمل التي تبدل حفاضات التوأم، رفعت رأسها "كويس أنك جبته بنده عليه بقالي ساعة عشان يغسل أسنانه وينام"
ربت حسام على شعر أحمد "أنا ها جهزه متقلقيش"
"مالك يا حسام؟" رفعت رأسها بقلق شديد، صحيح أنهما يتحدثان منذ مدة وإن كان بحذر شديد من الطرفين، ولكن حسام كان وجهه لا يفسر أكثر من أي وقت آخر، تركت ما بيدها ولم تشح بعينها عنه.
ازدرد لعابه "أمل أنا عاوز أقولك حاجة"
انحبست أنفاسها "قول!"
"أنا عاوز أمشي وأسيب البيت" هلعت بشدة "عاوز أدور على بيت تاني نعيش فيه غير هنا"
"ليه؟، وأزاي؟!!" لم تستوعب أمل أبدا الفكرة، فهي مع أخوتها منذ أول يوم زواج لها!.
ترك الصغير أرضا وذهب لها يربت على كتفها ويهدأ من الهلع الذي نشب بجسدها "أمل صدقيني ده أحسن لينا وهيقلل الضغط علينا كتير البيت مبقاش زي الأول وعمره ما هيرجع زي الأول، أنا هبدأ ادور على مكان مناسب وصدقيني ده أحسن لينا وللولاد وبالذات أحمد أنتِ بنفسك بتشتكي أنك مش قادرة تسيطري عليه ومش عارفة تعاقبيه لأن ماما وطنط بيبوظوا الحزم اللي بتحاولي تعامليه بيه، أحسن ليا وليكي أحسن لحياتنا مع بعض وأوعدك أني هتغير وهشيل معاكي مسؤولية كل حاجة بس خلينا نمشي من هنا وفي أسرع وقت"
جلست على السرير تلهث، ما يقوله حسام مغري ومخيف في نفس الوقت، مغري لأنها سوف تستطيع السيطرة على حياتها أكثر من ذلك وعلى تربية أحمد بالذات دون أي تدخل خارجي من الأهل، ومخيف لأنها اعتادت العيش بينهم ولا تتخيل ترك والدتها ولا إخوتها ولا حتى السيدة نور بعد أن اعتادت وجودها كل هذه السنوات "أزاي يا حسام نسبهم.. وماما وطنط نور هتقدر تسبها؟!"
جلس إلى جوارها ولف ذراعه حولها "ده الوضع الطبيعي يا أمل إحنا بنشيل مسؤولية حاجات مش بتعتنا الوضع اتغير في البيت من زمان وصدقيني لما أقولك أنعه هيتغير للأسوأ ومش هيرجع طبيعي تاني، خلينا نمشي إحنا ملناش ذنب في أي حاجة بتحصل ولادنا أولى بوقتنا" كانت نصف مقتنعة بما يقوله فهزت رأسها برعب شديد موافقة.
"بكرا تبدأى تحضري الشنط وأنا هجيب شركة للنقل"
هلعت منه "مش معقول بالسرعة دي!"
"أيوة أنا بفكر في الموضوع بقالي مدة وشوفت كذا شقة اختاري اللي تريحك وفي خلال مدة بسيطة هكون جهزتها وننقل على طول" بدا الأمر مرعبا كثيرا بالنسبة لها، قبل حسام رأسها "أنا هجهز أحمد للنوم فكري على مهلك وأنا متأكد إن ده الأحسن لينا كلنا يا أمل".
***
جلست آية الي جوار محمد "الأمور كل مدى بتسوء"
"فعلا البيت كأنه مات، في حاجة وحشه هتحصل يا آية أنا أسف مش عاوز أخوفك بس .. أنا خايف"
هزت آية رأسها "فعلا وبالذات سارة خايفة عليها أوي وسكون أحمد ده مش مطمني أبدا ومكنتش متخيلة كده بس بقاله شهور ساكت ومش بيعمل الفصول بتاعته، هنعمل إيه يا محمد؟"
"هناخد بالنا منهم أنتِ تركزي مع سارة وأنا مع أحمد .. نفسي كل حاجة ترجع زي الأول مش هيأس أبدا"
هزت آية رأسها موافقة واستندت على ذراعه "وأنا كمان نفسي أوي إن شاء الله هترجع زي الأول"
ربت محمد علي يدها "إن شاء الله".
***
نزل صباحا قبل أن تخرج من غرفتها ومر على والدته التي كانت تعد طاولة الفطور "ماما كنت عاوز منك حاجة"
"خير يا عبد الرحمن"
"خير إن شاء الله" وابتسم بتعب شديد "في مفاجأة عاوز أقولكوا عليها خلي البيت كله يتجمع النهاردة على الغدا"
"خلاص يا حبيبي هقول لهم"
ربت على ذراعها وانصرف وفي الرابعة عاد وكانت كل من آية وأمل والسيدة وفاء بالأسفل عدا سارة، صعد ووجدها تقرأ القرآن الكريم، من الجميل أن يكون لديها ضمير حي! ولكنه يشك بأنه سيتمكن من مسامحتها يوما ما على ما فعلته به، ثم أتى باللوم على نفسه مرة أخرى "أنت من فعل كل هذا، أنت من أجبرها على حبك وعلى الزواج منك تحمل نتائج فعلتك أيها الغبي".
تمتم بوجوم لها "ماما بلغتك إن الغدا تحت النهاردة؟" هزت رأسها بنعم "قاعدة عندك بتعملي إيه؟"
"أ.أصل مش عاوزة أتغدى"
"معلش تعالي على نفسك المرة دي أنزلي ساعديهم في تحضير السفرة" كانت لهجته آمرة لم تعرفها أبدا من قبل، لم تعتد سوى الدلال والحنان منه، رأى نظرة الاستغراب في عينيها وعلم ما تشعر به وأخبر نفسه بأنه كان عليه فعل ذلك منذ زمن، كم كان أحمقا حين صدقها وصدق دموعها البريئة؟ حسنا سوف يلقي بها على جنب ولن يلتفت وراءه مرة أخرى.
دلف إلى غرفته يغسل وجهه ويبدل ثيابه بأخرى ويضع العطر، عليه أن يكون متأنقا وأن يلعب لعبته بمهارة، رغما عنه فتح جزء الدولاب خاصتها "ترى هل حزمت أغراضها أم لا تزال هنا؟!" نظر إلى المكان المخصص لملابس نومها ولم يكن به قطعة واحدة وباقي أغراضها موجودة بمكانها، فرك ذقنه بغيظ شديد وذهب إلى غرفتها وفتح الدولاب بعنف، لم يجد سوى أغراض قليلة للغاية ولم تكن تلك الملابس بينها، لم يتحكم بغضبه وبعثر أغراضها أرضا في غيظ وسقط دفتر أزرق اللون أرضا، دفتر يميزه جيدا لأنه رآه في يد أحمد منذ عدة أيام بالحديقة، فتحه ليجد نصفه الأول مملوء بخطها توقف عند آخر صفحة وقرأ
"ليس أمرا هينا مطلقا ولكن علي فعلها، لا أعلم كيف سوف أجد الشجاعة الكافية لذلك بعد، عليه أن يعلم كي يتركني وشأني ولكن الوقوف في وجهه وإخباره بأنه لم يكن شيئا في حياتي وأنني لم أحبه يوما.. إخباره بأنه هو من فرض نفسه وحبه علي ..أن قلبي ليس علي له أي سلطان ليس أمرا هينا البتة، ربما ورقة أو رسالة سوف تفي بالغرض.. أشك في أنه سوف يتمكن من مسامحتي يوما.. ولكن أقسم أنه لا يوجد لدي أي حل آخر".
أغلق الدفتر غير مصدق أبدا، صرخ بكل قوته " ملاعيــــــن" وحطم الدولاب خاصتها تحطيما، أخذ يهدر بأنفاسه وعدل من شعره وملابسه ووضع الدفتر في حزامه الخلفي خلف سترته "سوف ينهي كل ذلك الآن".
جلس الجميع على الطاولة، هناك مسحة من الحزن سائدة والكل له أسبابه الخاصة، يحاولون ادعاء تناول الطعام جميعا حتى حسام الذي كان يأكل بشراهة ولا شيء يسد شهيته لم يتناول شيئا يذكر منذ عدة أيام، أخذ يحرك حبات الأرز بعشوائية بشوكته ولاحظت السيدة نور التي تجلس على رأس الطاولة وجوم الجميع، فربتت على يد عبد الرحمن الذي يجلس إلى يسارها "مش هتقول لينا المفاجأة اللي أنت محضرها يا عبد الرحمن"
ابتسم لها بثقة ونظر إلى الجميع مدعيا الإشراق "أنا هتجوز".
ذهبت مسحة البسمة التي كانت على وجوههم استعدادا للمفاجأة السارة وحل مكانها وجوم وبحلقة شديدة غير مصدقين أبدا "أنت بتقول إيه؟!"
تمتمت والدته غير مصدقة البتة، ادعى العبث "جرى إيه يا نور مش عاوزة تفرحي بحفيد ابنك الكبير؟!، لا حفيد إيه قولي أحفاد أنا ناوي أغرق البيت عيال"
تمتمت مرة أخرى غير مصدقة "أنت اتجننت في عقلك؟!"
رفعت السيدة وفاء التي تجلس في مواجهته مباشرة يدها إلى فمها غير مصدقة أبدا، أسف عليها ولكن ابنتها لم تترك مجالا آخر أمامه، جاوب والدته بهدوء وواقعية "إيه هو أنا مش راجل ومن حقي أخلف ولا إيه؟ وبعدين هسيب كل اللي بعمله ده لمين أنا؟ من حقي يكون ليا وريث يشيل اسمي ويملي عليا البيت".
كانت سارة تنكمش حرفيا وتتضاءل إلى جواره، تركت الشوكة التي كانت تدعي تناول الطعام بها وأخفضت يدها تخفي الارتعاش الذي أصيبت به، بارك حسام له بصوت عال "ألف مبروك يا عبد الرحمن أنت تستاهل كل خير وإن شاء الله قبل ما السنة دي تخلص تكون شايل ولي العهد على إيدك"
نظر الجميع إلى حسام غير مصدقين أبدا فرحته وحياه عبد الرحمن بيده يشكره على مباركته بسعادة، بدأت أنفاس أحمد تعلو وتهبط بشدة ونظرت السيدة نور برعب له، تمكنت السيدة وفاء أخيرا من التحدث، لم تعد تحتمل على ابنتها أكثر من ذلك "قومي معايا يا سارة"
"علي فين يا طنط وبعدين مش هتباركي ليا ولا إيه؟".
كانت أنفاسها متهدجة بشدة وبالكاد استطاعت التحدث "أنت حر يا بني تعمل اللي أنت عاوزه ربنا يوفقك بس أنا وبنتي هنمشي من هنا النهاردة"
أمسكت السيدة نور بيدها "تمشي تروحي فين؟" وعلت نبرتها بشدة "أنت حرقت البيت باللي فيه عشان تتجوز عليها؟! الهزار السخيف ده مش عاوزة أسمعه تاني اعتذر من مراتك وحماتك حالا"
كانت نبرتها حازمة وصوتها عاليا للغاية، ولكن عبد الرحمن كان ممتلئا بأحقاد الخيانة الذي تعرض لها حتى أذنيه فانحنى على سارة يحدثها "قولي لهم أنك موافقة يا سارة أنت مش بنفسك بتقولي لي أنك كنت هتبقى أحسن أب؟!" ووضع ذراعه وحاوطها " ثم أنت يا حبيبتي في شقتك فوق معززة مكرمة وطلباتك كلها هتوصلك " كان يتحدث وعينه بعين أحمد "بابك مقفول عليكي حتى السلم مش هتشوفيه تاني وعاوزك ترتاحي على الآخر من النهاردة مفيش جمعية ولا في دار وفي أوامر للأمن على البوابة أنك متخطيش برا باب البيت" وانحنى وقبل يدها وعينه لا تزال تحدق بعين أحمد "أنا يا حبيبتي عاوز راحتك على الآخر واطمني مش هسيبك أنا هتجوز هنا، الأستاذ هيفضي كراكيبه النهاردة من الشقة عشان العمال هتيجي بكرا توضبها عشان الدخلة آخر الشهر"
رفعت سارة رأسها بهلع شديد تأخذ أنفاسها برعب وتنظر إلى أحمد الذي جلس كالعاجز أمامها، نزلت دموعها وهي غير مصدقة وكأنها تخبره بأن ينقذها، بأن يخرجها من هنا، لم يحتمل ندائها الصامت فزمجر بعبد الرحمن "طلقها "
"بعينك" ذهب الهدوء من صوت عبد الرحمن وبدأت نبرة الوعيد تعلو بحنجرته، ترك كتف سارة وبدأ بتناول الطعام والجميع غير مصدقين لما حدث للتو، همت سارة بالوقوف فزمجر بحدة انتفض لها جميع الجالسين "راحة فين؟!"
ارتعش جسدها للشدة التي تحدث بها، عضت شفتيها واستجمعت أي من قوتها وبالكاد همست "طالعه فوق"
"المكان اللي أنا فيه أنتِ تبقي فيه، أقعدي" كان يصرخ بها تقريبا فخر جسدها على الكرسي بيأس.
وقف محمد بغضب فهو حاول إقناع نفسه بأن ما يحدث مزحة سخيفة وبلا طعم "أنت زودتها أوي فيه جري إيه في عقلك "
رد عليه ببرود "واحد وعاوز يبقى أب إيه الجريمة في كده لا عيب ولا حرام"
كان الألم على وجه سارة واضح بشدة لأحمد وكأن هناك من جلب قطعة زجاج وسار ببطء شديد على ظهرها يشقه به ببطء وتلذذ، هكذا كان يجلدها عبد الرحمن بكلماته، بل وكلماته كان لها وقع أصعب عليها.
صرخ محمد به "فوق يا بني آدم!، سارة قومي معايا"
كشر عبد الرحمن عن أنيابه "خروج مفيش مش هتتحرك في أي مكان أنا مش فيه وطول ما أنا في الشغل هقفل الباب عليها وتخليك في حالك وفي شؤونك الخاصة"
فارت السيدة وفاء من الغضب "أنت فاكر إن ملهاش أهل؟!"
وصرخت به السيدة نور "أنت هتبطل قله أدبك دي ولا لاء؟!"
بدأ جسد سارة بالارتعاش ونظرت لأحمد مرة أخيرة تستنجد به، وقف سريعا ومد يده لها "قومي معايا حالا مش هتستني لحظة هنا".
أطلق عبد الرحمن ضحكة تكهن مريرة من أحمد "إيه بوظت المخطط بتاعك؟"
وضعت سارة يدها على وجهها غير مصدقة وحاولت السير مبتعدة عنهم، حاول أحمد اللحاق بها ولكن حسام جذبه من ذراعه بحدة "خليك مكانك مراته وحر فيها متدخلش " كان وجه حسام مشمئزا للغاية من أحمد، وبدأ الجميع يفهم أن تعاون حسام هذا ينطوي على شيء خطير للغاية!.
سد عبد الرحمن الطريق على سارة "علي فين؟!، أنت فاكرة أن عيلة مفعوصة زيك تقدر تلعب عليا أنا!"
كان ضخما للغاية وغضبه في أوجه، بدأت تتراجع بوهن للخلف، حاول أحمد التخلص من حسام ولكنه لم يفلح أخذ يصرخ على عبد الرحمن "سبها أوعي تتعرض لها أنت فاهم؟"
أمال رأسه بغضب بالغ وكان على وشك الانفجار وهي حرفيا لم تعد تستطيع التحمل، أخرج الدفتر الخاص بها من خلف سترته ونطق بشر وهو يلوح به "ده إيه؟!، فاكرة نفسك إيه بالظبط؟" سألها وهو يصرخ وصفق الدفتر أرضا بغضب وانقض على ذراعيها يعنفها كما لم يفعل من قبل "أنت أحقر شيء قابلته في حياتي فاهمة أكتر حاجة ندمان عليها"
لم يحتمل أحمد ما يفعله عبد الرحمن بسرعة وأزاح حسام بكل قوته وركض نحو سارة يخلصها منه "يا غبي أنت مش فاهم... "
قاطعة عبد الرحمن باشمئزاز "أنا فاهم كويس أوي" وقذف بسارة ناحية أحمد الذي كان يركض ناحيتها، التقطها في آخر لحظة قبل أن تسقط "أنتو الاتنين أقذر وأحقر حاجة قابلتها في حياتي لايقين على بعض أوي، أنتِ طالق طـــالق طـــــــالق"
"أفهم الأول.."
قاطعت سارة صراخ أحمد وتوسلت له وهي تحكم قبضتها على ثيابه كي لا تسقط أرضا "خلاص خدني من هنا أرجوك "
"يا سارة.."
"الوقتي يا أحمد"
أستمع إلى همسها وأحكم ذراعه حولها كي لا تسقط ونظر الجميع لهم غير مصدقين أبدا، وحالما خرجوا من باب الشقة تمتم عبد الرحمن وهو يبحلق في الفراغ "أساميهم متتذكرش في البيت صدفة" كان منهكا بشدة وظل على حاله.
بدأت السيدة وفاء تستوعب أخيرا ما حدث "لا لا بنتي مستحيل لا ..لا" وسارت بخطى واهنة إلى الشرفة لتجد أحمد يحمل سارة بين ذراعيه وذهب ناحية سيارته " لا .. م .. م ..."
صرخت أمل وآية بشدة في رعب "مامــــا"
هرعوا نحوها وهم يبكون بشدة، حاولوا إفاقتها والسيدة نور تنظر لعبد الرحمن بهلع، بدا وكأنه في عالم آخر وكأنه تحول إلى صغر، سوف يرتكب جريمة لا شك عندها بذلك، هو فقط فر من أمامه لأنه ليس في حالته الطبيعية، ذهبت له وبيد مرتعشة بدأت تهزه "عبد الرحمن .. عبد الرحمن رد عليا يا حبيبي" وضعت يدها على فمها غير مصدقة، لقد تدمرت عائلتها تماما وفقدت ولديها ولكن سارة من المستحيل أن تفعلها، لا تثق بابنها ولكنها تثق بسارة "ترى هل أثر عليها بشكل ما؟!، اللعنة على الجحيم الذي تعيشه!".
أجلست السيدة نور عبد الرحمن وهو كالتمثال الحجري لا يراهم ولا يسمعهم، كل الصور وكل الأشياء تتداخل في عقله بشكل مؤلم، لم تدافع عن نفسها بالكذب حتى! هل هذا ما أرادته دائما؟ حريتها؟ ها هي قد نالتها، بدأ يشعر بتربيت يد على وجنته عدة مرات وبدأ يغلق ويفتح جفونه، نظر إلى والدته وجدها تبكي وتصرخ به كي يفيق، نظر لها ولم يستوعب شيئا، سمع بكاء شديد ومحاولات جمة من محمد والفتيات كي تفيق السيدة وفاء وبدأ يتذكر ما فعله للتو، وقف وسار ببطء وركب المصعد ولم يلتفت إلى نداء والدته به، بعد مدة أفاقت السيدة وفاء من إغمائها تتمتم بهستيرية باسم ابنتها، حالما استعادت وعيها وذهب محمد إلى حسام الذي يبدو أنه يعلم الكثير "أنطق فيه إيه؟"
"أنت أعمى ما شوفتش!" نهره حسام بوقاحة.
أمسك محمد بمقدمة ملابسة بعنف "بقولك أنطق يا بني آدم تعرف إيه؟"
"الاتنين على علاقة ببعض وكانوا هيهربوا بكرا  سوا"
صرخت آية بشدة به "أخرس يا حقير أوعى تتكلم عليها، سارة مستحيل تعمل كده"
هزه محمد بعنف "أنت عارف أنت بتجيب في سيرة مين؟ عارف عقوبتها إيه عند ربنا وشروطها إيه عشان تنطقها على لسانك؟!" كان صراخ محمد به هيستريا.
أزاح يده عن ملابسه بعنف ونادى على صغيره "أحمد تعالا هنا حالا" وأمسك بهاتف سارة الذي سقط منها أرضا أثناء ما كان عبد الرحمن يعنفها بشدة، ووضع أصبع الصغير فبصمته معرفة لديها لأنه يلعب على هاتفها دائما، جلب الرسائل الواردة بينها وبين أحمد وقرأ بصوت عال وغاضب بشدة عليهم آخر رسالتين لأن الجميع يعنفه وينعته بالكذاب "جهزي شنطتك بكرا الساعة 9 بالظبط حطيها في الأسانسير وأنا هاخدها ونتقابل في أول الشارع"
"ممكن نأجلها أسبوع واحد بس"
"لا مش ممكن أنا صبرت على الوضع ده كتير بكرا يا سارة وإلا هقولهم واللي يحصل يحصل".
وضعوا أيديهم على وجوههم غير مصدقين أبدا وألقى حسام بهاتفها باشمئزاز شديد من يده "وزمجر بمحمد "المثالية والشرف كله طلع هوا هوا الاتنين يستهلوا بعض فعلا"
"بقولك أخرس يا بني آدم متجبش في سيرتها" وبخه محمد وإن كان بصوت أهدى هذه المرة.
قال حسام وهو يلهث "بقولك إيه أنا قرفت أنا هاخد مراتي وولادي كفاية أوي عليا كده تعب أعصاب"
لوح له محمد بوقاحة "مع السلامة خد الباب في إيدك وأنت ماشي" وعاد إلى السيدة وفاء يهدئ من روعها "أكيد في حاجة إحنا مش فاهمينها سارة مستحيل تعمل كده يا طنط"
أمسكت بيده بشدة وهي مفطورة من البكاء واللوعة "مش كده يا محمد قولهم.. أنا مربياها.. أنا مربياها والله.. بنتي مستحيل تعمل كده"
"أيوة يا طنط أهدي أرجوكي أهدي.. هنلاقي سارة ونفهم منها كل حاجة".
بكاء شديد ورعب دلف إلى قلب الجميع، وبعد ساعتين بالضبط من ذهاب سارة مع أحمد كان عبد الرحمن يصرخ على فاطمة بالأسفل بهياج شديد، ويلقي بملابسها وكل أغراضها على السلم والسيدة وفاء تتمنى لو تذهب من هنا بسرعة، ولكن الصدمة شلت قدميها، لم تكن تقوى حتى على الصعود إلى شقتها بالأعلى، أثناء صراخ عبد الرحمن الهستيري صعق الجميع لوجود أحمد يقف أمام باب المنزل عيونه محمرة بشدة ويبدو وكأنه كان يبكي، صرخت السيدة نور "ايه اللي جابك يا غبي أمشي من هنا بسرعة هيقتلك!"
بينما دبت الحياة في قدم السيدة وفاء وذهبت مترنحة له تصرخ عليه "سارة فين؟ بنتي فين؟ قولوهم أنها بريئة ومستحيل تعمل كده يا أحمد"
دلف أحمد وبدأ ببكاء ونحيب، سمع عبد الرحمن أصوات ترجي السيدة وفاء ونزل يهرول على السلم يقسم بقتل الحقير الذي عاد، قبل أن يستطيع أحمد أن يفتح فمه كان تلقى لكمة مبرحة من عبد الرحمن، استسلم له تماما ولكل ما يفعله به وأخذ يبكي بشدة، لكمه عبد الرحمن بقوة حتى أطاح به بعيدا ولم يقاوم بل دفن رأسه بالسجادة التي ألقاها عليها وأخذ يبكي، انقض عليه مرة أخرى ولم يستطع أحد تخليصه منه وتحدث أحمد بصعوبة "هي عملت كده عشانك" وبكي بشدة وكأنه طفل صغير "سارة بتموت"
هلع الجميع وأولهم عبد الرحمن، جذب أحمد من ملابسه بشدة يسأله "انطق سارة فين؟!".

نهاية الفصل
Please vote if you like it 😍 😊

مذكرات حائر الجزء الثاني "الحلم الضائع" بقلم هالة الشاعر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن