22

300 31 21
                                    

اصطفت أسلاك الكاميراتِ أمامه، وتم شعال الأضواء من صناديق سوداء مُركزة على طاولة تضم كرسيين، وخلفهما شاشة ملتوية تعرض مناظر من العاصمة سول، واحتفالِ الخريف القائم.

رتب المايكروفونات، وأعد الشريط المناسب داخل جهاز الريل، ثم شابك أجهزته على لوحة كثيرة المنافذ. صدح صوت من خلفه: سيبدأ البث الحي، مقابلة مهندس النبات الحيوي، تشوي سانغووك. جميعًا خذوا استعداداتكم.

تكرر النداء ثلاث مراتٍ قبل أن يضع كيونغسوو أصابعه على مفاتيح الماستر، وقد بدأ المذيع يسأل ضيفه، عن نوعٍ جديدٍ من المحاصيل المعالجة.

صوت المذيع الحاد كان مألوفًا له، يجعله يخفض الصوت دون أن يضطر للانتباه لأنه فعل. الإتقانُ بابه التكرار وليس التركيز، جفناه كانا ثقيلين، وحركة أصابعه وحدها تتكرر، ثم فجأة أحدهم مد يده أمامه ورفع زر الماستر الذي يقود حديث الضيف، حيث كان منخفضًا وبالكادِ يُسمع.

انتبه حينها للتنبيهات بقربه، وللخلل الجسيمِ في صوت الضيف. وأحدهم اقتاده من كتفه وهمس له: هل أنت بخير؟ أنت تتعرق.

شعر بالحرارة لحظتها، تدارك أن الجو بدا له حارًّا. لسعته عيناه وأصابه ألم في معدته، إن خطأ كالذي ارتكبه الآن يعد دمارًا مهنيًّا. ما الذي دهاه؟ وكيف شرد دون أن يعي أين؟

هزه زميله بهدوء مجددًا: هل أنت بخير؟ هل تريد أخذ راحة؟

كان أحد عمال الكواليس قد أخذ مكانه، لم يكن بنفس الكفاءة لكنه لم يكن ليبقي الصوتين المختلفين في مستوى واحد.

حنى رأسه ثم تم إبعاده عن الموقع. هذا كان آخر ما سيتوقعه، دائمًا ما عمل على تقديم مهنته على أي شيء، فلم يخطئ مرة بأي شكل، حتى عندما أصيب ابن أخيه بحادثٍ وكان غير مستقرٍ آنذاك، أتى وقدم كل ما لديه ببراعة.

فكيف له أن يقحم توتره الراهن في مهنته التي يحب؟

انطوى على معدته وتنفس بسرعة، يسقط من قيادة زميله له، لا يريد أن يضعف إلى هذا الحد، هو أقوى من ذلك.

لا شيء على وجه التحديد يمكنه التفكير به، وهذا ما يقلقه. أنَّ اللاشيء لم يكن عدمًا بل كان غبارًا يكسو حقيقة. ونفضها احتاج جهدًا وشجاعة.

لملم نفسه ووقف بسرعة وقوفًا مُجهِدًا، ومشى عدة خطواتٍ ولحقه زميله: أنت حتمًا لست بخير، أسيروقك أن تأخذ استراحة مَرضيّة؟ سأقودك للمنزل.

يريد أن يخبره، أنه يود لو يرتاح اليوم، وأنه لا يرغب بجعله يرافقه. لكن كيف له أن يفعل؟

فغر فاهه يحاول إخراج صوته كما فعل مرة أمام جونغإن. هو يستطيع الحديث، أجل!

لكنه أخفق، وضميره هدأه حين لم يقترف الحديث. كلا، لم يكن ضميرًا، بل الحقيقة التي يكسوها الغبار.

أجلسه زميله على أحد الكراسي: سأزاول عملي إن كنت تشعر أنك قادر على تدبر أمرك، سأعلمهم بحالتك لا تقلق.

كان يبدي تراحمًا معه، لكنه سرعان ما بدى منزعجًا وتملص منه. في النهاية لم يكن حتى يعرف اسمه، هل سيقدم له خدمة مجانية؟ فليس كيونغسوو بشخصٍ ذو صحبة مفيدة، وليس له معه مصلحة.

وقف وترك خلفه حقيبته المكعبة، يمشي نحو منزله. جونغإن كذلك صمم وأصر وألح وبادر في إعطائه العلاج والتدريب، ولم يكن يبدو كمن يبحث عن مصلحة. سيرمي بكل التفسير نحو الفضول تجاه المناهضة ضد النفسانيين.

منزله. وصل وجمع طاقته للدخول، إنهما يومان منذ بدأ جونغإن بزيارته، فلماذا يذكّره الكرسيان به؟ ألأنه قلّما يزوره أحدهم؟

كان الوحيد الذي زاره وتمكن من رؤية الزاوية المعزولة من الغرفة، غير المطربين الذين يزورونه لساعة واحدة ناهيك عن بيون بيكهيون، هو جونغإن. والذي نعثها وبث فيها عاصفة بعثرت ثباته وأحالته عهنًا منفوشًا.

كان في صباه يسد أذنيه بكفيه حين يحدثه أحدهم، لأنه لم يرد أن يطيع، أن تتغير نظرته لأي شيء، ثم سيقول ما يريده بصوتٍ قاطع لا جدال فيه. لذا كره، ومن كل قلبه، حين يتم إسكاته بالقوّة. حتى لو لم يعنفه أحدهم ولم يتم الصراخ عليه قط، فجده كان يحميه.

غطى أذنيه وأصدر أنينًا، انهمرت عيناه وانقلبت أحشاؤه حين تدفق الدم في أوردته بصورة غير معهودة، ركض نحو الحوض واستفرغ، ملقيًا بشيء بين كل ذلك.

تكدس شيءٌ ما في عنقه حين شعر بالراحة في معدته، ثم أخبرته المرآة أنها هنا، وأنه يبدو محاطًا بهالة لم تكن هناك قبلًا. كان يبدو حيًّا بالرغم من كل شيء، تنبعث من وجهه ألوانٌ كانت بلا ألوانٍ منذ زمنٍ بعيد.

ابتسم لها، ثم توجع بصوتٍ خفيفٍ من ألم حنجرته، تحمحم وتأوه، يصغي للصوتٍ الأوهن والأقرب له لأول مرة، صوته كان أجهر، يشبه المطربين ذوي طبقة الباريتون، ولديه صوتٌ حادٌ إضافيٌ يشبه هؤلاء أصحاب طبقة التينور المنخفضة. صوته كان كصوتين في آن، أحدهما يعزِف والآخر يُغني. أكل هؤلاء أناسٌ يعيشون داخله؟

هل سيحق له الحديث مجددًا؟ أسيفسح له ذلك الغبار المجال؟

رتب هيئته ومنزله، يجازف بإخراج حوض السوسنة ووضعها على الطاولة الوحيدة، يتخلص من السوسنة الميتة ويستبدلها بباقة صناعية، ثم أخرج الطائر المعدني، حرر ساقه، وأعطاه كوبًا ليركع له ويستقيم ثم يركع ويستقيم مجددًا بإيقاع منتضمٍ كالنبض.

تناول طعامًا ثم جلس واسترخى، يحاول قول شيء ما مجددًا لولا أن أسكته صوت جرس الباب، انتفض وابتلع محاولاته، ثم نظر للساعة، التي أصبحت الثالثة والربع.

شد الملاءة على السرير ثم اتجه للباب. يفتحه قبل أن يتحقق من هوية الطارق، فمن عساه يكون غير الأسمر؟ الذي لا يربطه به سوى التزام وتوق.

_____

ديو-يحدق بالشاشة لمدة ثلال ساعات وتسعة وعشرين دقيقة وست ثوان فاصل ثلاثة بالمئة-:مرحبًا.

ديو-بعد ثلاث ساعاتٍ أخرى-: وداعًا.

صه K_BROmanceWhere stories live. Discover now