16- أول يوم في العمل !•

269 18 11
                                    


- هل ستغادرين ؟
" لا، لن أُغادر الفندق اليوم "
- إذاً لمن تتألقين بهذا الشكل !
توقفت عن تعديل أقراط الأذن الفضية فلقد حشر إيثان أنفه بفضول مما أثار استغرابي فهذه ليست من عاداته ، لن أسأله لأن جوابه سيكون - أبحث عن تسلية - " أتألق لنفسي فاليوم هو اليوم الأول في وظفيتي "

- لندعوا الله بألا تحدث مزيداً من الكوارث
رمقته بطرف عيني وهو مستلقي على السرير عرضاً يجعل رأسه متدلي من الطرف يراقبني " أذكر بأنه ليس من مصلحتك تعكير مزاجي " دحرج نظره وزفر بملل يهمس : - هذا تنمر واضح.
تجاهلته ووقفت بدرامية أتأمل مظهري في المرآة ، أترك شعري منسدلاً تارةً وأرفعه تارةً أخرى بحيرة العودة للعمل بعد انقطاع أمر مُربك " يا إلهي ! " صحت وجثوت على الأرض بيأس ، هبط إيثان بجانبي ينظر لي عن قرب وهو يميل برأسه نحوي ضاماً ركبتيه ، لا يجد شيئاً يفعله
- متوترة ؟
تنهدت إنه واضح جداً رغم ان حماسي في البداية كان يفوق الحدود فلقد سَبقت ضياء السماء وأنا جالسة أفكر ، كيف سيبدأ عملي ؟ هل سأنجز شيئاً جيداً ؟! هل سأمتلك رفاقاً أشاركهم ! أبعدت خصلات شعري عن وجهي بحيرة وقلت
" عملي يتعلق بمظهري ، لم يأخذ أحد من قبل وظيفة كهذه ! تحسين النفسية ؟ كيف لي أن أعرف بأشياء كهذه"
- أنتِ بالطبع لن تَصبغي وجهكِ بالألوان وترتدين زي مهرج أو دجاجة السعادة.
أتخيل مظهري بأنف أحمر وشعر مستعار ضخم فوق رأسي أو داخل دمية محشوة بحرارة الجحيم ، تلوثت مخيلتي بإختصار ، نفضت رأسي ووجهت إليه إستنكار" من أين تُفكر ؟ "
- من رأسي أعتقد
تجاهلت وجوده مجدداً ورميت بنفسي للخلف بصمت أحدق بالسقف الترابي بشرود ، تباً الوقت يمضي لا أريد الذهاب للعمل أنا غير جديرة بأي شيء
- برأيي كوني على طبيعتكِ ، واجعلي نمطكِ أبيض
رددت خلفه بشرود " نمط أبيض ؟ "
- أجل ، ستايلٌ أبيض كـطبيبة الروح.
رائع ! ملاك ناصعة البيضاء تمنح الراحة لناظرها ؛ ونعم يصطدم بي طفل صغير ويلوث ثيابي البيضاء بالشوكولا خاصته ، انا سأختلط بالزبائن ليس وكأني عروس يوم زفافها او مختصة علم نفس لكن لحظة ! طبيبة الروح ؟
" لكني لا أوثر بأرواح البشر. "
- صحيح ، ولكن البشر يمتلكون صحبة من الأرواح دائماً وستسمعين الكثير من الثرثرة منهم.
يبدو الأمر وكأنه جربها من قَبل ! إنه خبير كبير على الرغم انه لم يمضي كثير من الوقت بهيئة شبح ، أعني ليس كالبقية ،اعتدلت بجلوسي وتمتمت لأغيظه " إذاً أنت الوحيد الصامت ! "
- ربما أُصبت حديثاً بعدوى الثرثارة إيليا.
كان جوابه سريعاً مما أدهشني إنه ثرثار ! هل نتبادل الأدوار هنا ؟ " أنا محتارة فعلاً من الذي تلقى العدوى من الأخر ! "
بالتفكير بالأمر هذه الوظيفة مناسبة لي بوحود الأرواح ، أعني لَن أُضطر للتجول في الشوارع بحثاً عن الأرواح ومساعدتهم لجمع الطاقة ! سأكون بوضع مجنونة في حالة مزرية أمام الشعب ، إذاً هذا جيد سيأتون هم إلي وأنا أساعدهم بطريقة خفية بمظهر لائق وبوظيفة محترمة داخل فندق ملكي ! وااه تيم وجدت لك فائدة أخيراً ، قهقهت بدون إدراك مما جذب إنتباه إيثان ليبتسم بسخرية قائلاً :- أود أن أرى كيف سيطردك مديركِ في يومكِ الأول.
حمحمت بمكر ثم قلت " للأسف لن يتسنى لك ذلك لأنك سَتُطرد أولاً. " فائدة أخرى لتيم إنه يوم سعده ، عقد إيثان حاجبيه بتفكير :- لما ؟
" لأن مديري هو ذاك اللعين الذي ركلك خارج المدينة "
نصصت بأصابعي عند -ذاك اللعين- كما يسميه ورفعت حاجباي بإنتصار مع ابتسامة متواضعة ، جفل إيثان لوهلة ثم صاح :- أتمزحين ؟
حركت رأسي بالنفي لينتفض يحوم في الغرفة ذهاباً وإياباً
- هذا يعني .. سأهلك لا مفر من ذلك.
بدا مهموماً لكسله ، لا أستطيع فهم مشاعره لأني لم أخوض الأمر ولكن لا أنكر بأن نذالة تيم مستفزة من جميع نواحيها ; تحرك يسحب منجله متوعداً : - سأنتقم .
" وماذا يمكنك أن تفعل ؟ " سخرت منه بطريقة واضحة فرمقني بنظرة مظلمة جعلني أخفف من سخريتي وأنا أكمل
" ألا تعلم بأنك ستواجه كثير من الأشخاص على هذا النحو ؟ لا يعقل بأنك ستنتقم من كل شخص يطردك "
- مَن عَلمكِ الاندماج الروحي لن يَعلم بأمر السحر !
ها قد بدأ سيبقى يذكرني بتعليمي أمور الإندماج وهو يدلف من الجدران بتوعد ويخرج من أخرى" ولما تبدو كأنك ستواجه عفريتاً ما ؟ "
- لقد واجهت بالفعل ، طاقتك تجعل الجميع يحوم حَولكِ.
" إذاً فائدة ثالثة لـ تيم ! انا ناكرة للجميل حقاً. "
بالتفكير بالأمر لولا سحر تيم لكنت هالكة بسبب الكيانات الشيطانية وبسببي تضرر إيثان عند قدومنا وفي حالة روح انجيلا هذه علي التقصد بإستخدام الطاقة ، بالطبع لن ألتصق بـ تيم كالعلكة ولكني سأجد حلاً .. حلاً مؤقتاً ولكن لا أدري إلى متى ! جذب انتباهي سكون إيثان ويبدو أنه يفكر بأمور مشابهة للتي تدلف إلى رأسي ، نظر نحوي بعيون خضراء قلقة مترددة قبل ان يهمس ببطئ
- ولكن .. تعلمين بأن السحر يختفي عندما تنتهي عقوبة الروح المتمردة.
" أجل " رددت بهدوء ، لكل شيء نهاية ولا زال الأمر مبكراً على التفكير بالأوقات السيئة القادمة
- مِن الصعب الوصول لتلك الروح.
سعلت بتوتر ونظفت حلقي جيداً وانا أزيح نظري عنه وقد شعر بأني أخفي مصيبة ، هذا الرجل قلقه في مكانه ماذا سيفعل إن علم ؟ يرمي نفسه من الطابق المئة
" في الحقيقة .. هي ذاتها التي أقمت معها الإندماج. "
- انتِ كارثة !
صاح بي لأكتفي بهز رأسي وانا أزم شفتاي بتفكير ، مقتنعة بذلك والاعتراف ليس عيباً حياتي بأكملها كارثة
- رميتِ نَفسكِ في النيران لأجله
" كنت سأفعلها مع أي أحد عالق بالنيران. "
مالذي جاء على ذكر هذا ؟ الجميع يحاول إقحامي مع تيم أكثر أم ان هناك شيء واضح انا لا ألاحظه ! لكني مازلت مصرة كنت لأنقذ أي أحد يحاصره الخطر
- لم تقنعيني بالشكل الكافي.
" سأتأخر إن بَقيت أُجاريك هكذا. "
زفرت بضجر ودفعته خارجاً من أقرب جدار لي لقد صرف وقتي حقاً ونجح بتدمير توتري ، إنه مجنون ! فتحت دولاب الملابس متأملة الألوان المختلفة ، لنجرب اقتراح مختص الأزياء ذاك ، واللعنة إيثان يوم بَعد يوم يصبح فضولي أكبر ناحية من تَكون ! أخرجت من هناك طقماً رسمياً ناصع البياض بذلةً رسمية تجلب الفخر حقاً وأخشى ما ستجلب لاحقاً ...
أرتديته سريعاً وجذبت شعري أحزمه للخلف ذيل حصان ، على الرغم أنه ليس طويلاً ولكنه لطيف ، تركت الخصل الأمامية مبعثرة على جبهتي ، نفس عميق نعم أنا الأن في أتم الإستعداد ... خرجت من الممر وكان علي المرور عند سيادة المدير لأستلم بطاقة العمل والتعرف على النظام هنا ، طرقت الباب بهدوء هل حقاً سيكون هنا في الصباح الباكر بعد سهره أمس لوقت متأخر ! جاءني صوته المخملي من خلف الباب
- تفضل
ارتجفت أناملي وأنا ألمس المقبض ، تباً لما ترتجف ؟ توتر ؟ بالطبع ، لا شيء اخر الأمر اشبه بدخول قاعة مدير المدرسة وأنا فقط افتقد أيام العمل وهذا من فرط حماسي
- تنفسي ، سيفزع مديركِ إن رأى وجهكِ أزرق كالسنافر.
عاد إيثان يتجول حولي يطل برأسه امام وجهي كل ثانية ويلقي تعليقاته " أقسم إن أفسدت الأمر سأساعد بطردك لدولة أخرى وليس خارج المدينة فقط "
رفع يديه بإستسلام وملامحه تحمل الفزع لمجرد تخيل الأمر :- أنا فقط أريد أن ألقي نظرة على هذا المدير.
تنهدت بإنزعاج واتمنى ان أحافظ على تركيزي وهو يتجول حولي ، دلفت إلى غرفة الإدارة ذات الرائحة الفخمة التي تحتل الرئة فوراً ! بحثت عنه بنظري لأجده يقف في يسار الغرفة عند الستائر الترابية يدخن سيجارته ، هذا الشيء الوحيد الذي لا يستطيع الإقلاع عنه " صباح الخير سيدي المدير " لم أستطع إخفاء الحماس في نبرتي فالتفت كلياً وتعلقت أنظاره علي من رأسي حتى أخمص قدمي بصمت أربكني ولكنه ما لبث إلا أن ضَحك ثم ابتلع بقية ضحكته يحاول التماسك وحمحم مغادراً مكانه قادماً نحوي
- هذه المرة الأولى التي يزور فيها ملاكاً مكتبي.
أنكست رأسي انظر للون ثيابي ثم أعدته بهدوء إلى ملامحه التي تصرخ بالضحك " انت لا تسخر مني ، صحيح ؟ "
- لا بالطبع أنـ ..
التفت أريد المغادرة بضجر ولكنه تحرك محاولاً إمساك ذراعي يوقفني ، وكيف لـ إيثان أن يبقى ساكناً ! وقد اتسعت عينيه وسارع يدفعني حتى لا يلمس تيم ذراعي ، وكم كان تصرفه أحمقاً لأني وقعت أرضاً
- اسف اسف لم أقصد إسقاطكِ، أردت فقط تجنب طردي.
كدت ان أصرخ به اللعنة عليك يا إيثان ولكني ركزت على هذا الذي أمامي ، ردة فعل تيم؟ وقد وجد فتاة قد اندفعت فجأةً بواسطة اللاشيء ووقعت أرضاً ، أي مقابلة عمل فاشلة هذه ! سرق سمعي ضحكته بعد ان تصنم لثواني بسبب ما حدث ثم مد يده نحوي يتمتم :- لا عليكِ الأرض نظيفة لن تتسخ ثيابكِ.
نظرت إلى يده التي تعرض علي المساعدة للنهوض ثم بطرف عيني إلى إيثان الذي ينظر بترجي ، زفرت بسخط ونهضت وحدي متجاهلةً يده وانشغلت بنفض ثيابي ، لن يكمل البياض الناصع يومه على خير.
قادني نحو أرائك الجلوس الذهبية وكانت بيننا الطاولة الزجاجية ، من ناحية الثياب إنه يبدو فخماً بشكلٍ رائع قميص خمري اللون تاركاً الازرار الأولى حرةً مع بنطال أسود يبدو لطقمٍ رسمي ، والسترة ؟ إنها معلقة على كتفيه ولم يكلف نفسه بإدخال ذراعيه بأكمامها ، قاطع انشغالي بالنظر بقوله : - عليكِ الحذر
وليت اهتمام لحديثه ، حذر ! مِما ؟ حبس ضحكته قبل أن يكمل :- لا عصير ، لا شوكولا ، وابتعدي قدر كافي عن الأطفال
أسندت جبيني على كفي بنفاذ صبر ، وانا التي كنت أظنه سيتكلم بشيء جدي ! ما اللعنة التي جعلتني آتي لهنا ؟
كان علي أن أوضح حتى لا يبقى تعليقه على طقمي كامل النهار " كان علي العمل على المظهر بما أني تلمست جانباً من التحسين النفسي في عملي لذا .. "
رفعت رأسي أركز بعينيه ، نفس عميق ثم أكملت
" هلا حدثتني عن عملي "
هز رأسه بتفهم ثم استطرد القول : - عملكِ التنظيم.
" لم أفهم ، أليس التنظيم من صلاحيات المدير ؟ "
- أجل ، لكن أريدكِ أن تبقي بالقرب مني.
هذا صريحاً جداً ، سأصبح هكذا بوضع مكشوف للعائلة ، أود وبشدة معرفة ما يعلمه عما حدث في تلك الحفلة بالتأكيد لن تصمت عائلة هايستون على ذلك اليوم ولو أنها سردت بذلة لسان ، ما يمنعني من الاستفسار هو بأن باب هذا الحديث مازال مغلقاً ولست مستعدة بعد لمواجهة العاصفة القابعة خلفه ، تدخل إيثان منفعلاً بدرامية
" لست موافقاً على هذا ! "
بالطبع لا أحد يسمعه سواي ونحن نتشارك أيضاً نفس الجحيم " ما هي وظيفتي بالتحديد ؟ "
- إضافة اقتراحات تحسين ، كما سنزودكِ بمكتب صغير إذا أردتِ ملاحظة أي شيء عن أصحاب المواعيد والصفقات ولديكِ الصلاحيات الكاملة لكل ما تريدين فعله"
مد لي ملفاً حفيف الأوراق ربما مكون من ورقتين أو ثلاثة كان علي قرائتهم وهذا ما يسمى اعتقد .. " بالعقد"
بينما هو قد استرخى واضعاً قدم على الأخرى مترقباً أي سؤال قد أطرحه ، ولكن من قد يضع شروط كهذه ؟
المدير يجب ان يعلم بكل تحركات الموظف ، هل يفعل هذا مع جميع موظفينه ! هذا غريب .. أرى هنا أيضاً منح مكان لسكن الموظف ، هل أصفه بالراعي الان ؟
" مكان إقامة ؟ "
- إن أردتِ سنعطيكِ غرفة في الفندق ، أو يمكنكِ الإنتقال للمنزل.
" منزل ؟ "
- أجل ، تعلمين منزل رجل القوانين سابقاً.
ظننته يقصد منزلي ، أعني غرفةً على أحد سطوح المباني لكنه جريء كفاية حتى يلفظ جملة رجل القوانين ، هل أصبح من الماضي ؟ ام ان المنزل هو من تم التخلي عنه وليس اللقب ؟
" وأنت أين تَقطن ؟ "
- في الفندق بالطبع.
همس إيثان بإذني وكأن تيم سيسمعه " لنغادر هذا الجحيم إذاً "
" ربما سأختار المنزل " رمقت إيثان بطرف عيني نظرة - لم أفعل ذلك لأجلك - نعم أكون نذلة بجدارة في بعض الاحيان ، بقي تيم صامتاً لمدة حتى قال بتفهم
- حسناً ، لكِ بطاقتكِ
مد لي بطاقة مغلفة بغلاف شفاف عليها اسمي وتعريف بمهنتي مع شريط طويل أصفر اللون يحمل ثقلها ربما لأضعه حول عنقي تعريفاً عني، وبالفعل قد أرتديتها " لا بأس بها " .
- جيد.
استقام بطوله وأشار لي للتقدم معه قائلاً :- تبقى لكِ معرفة مكتبكِ.
نظرت إلى إيثان ببهجة وهمست في صيحة صامتة " سأحصل على مكتب ! " رفع حاجبيه يشك في الأمر :- أليس عملكِ الحالة النفسية ؟ ما فائدة المكتب إذاً !
كلامه فيه شيءٌ من المنطق وجهت سؤالي ناحية تيم " هل حقاً تحتاج وظيفة كهذه إلى مكتب ؟ "
كان قد تقدمني وأنا لحقت به بإستغراب أراقبه كيف ضم كفيه خلف ظهره يسير بإستقامة كالنبلاء ؛ همهم ثم أردف :
- يتوجب ذلك ، تستطيعين ملاحظة أمور لا أتمكن من رؤيتها لدى ضيوف مكتبي.
" وأنت ستثق بكل ما أخبرك به ؟ "
سؤالاً عفوياً أدى إلى توقفه عن السير ساكناً للحظة ثم التفت لي ببطء يسأل :- هذا السؤال مألوفٌ لي .
" لم تكن إجابتك واضحة ذاك اليوم "
- ورغبتكِ في الإختفاء أيضاً لم تكن واضحة !
رداً سريعاً ! هذا السؤال هو السبب في جعلي أنهي كل شيء ولكن لم أتوقع ان يرميني القدر مجدداً أمامه لأعاود السؤال بلا تفكير ، حركت رأسي أنفض الأفكار التي تغزوه لا أحب أوقات العتاب " حدث كل شيء فجأة"
تكلم إيثان بحيرة :- ما هي علاقتكما بالضبط ؟
كدت ان أرد عليه بــ - معارف قدامى - ولكني تذكرت وجود هذا الواقف أمامي وقد جذب انتباهي بصوته
- أنا أثق.
حاول تجنب التقاء البصر بي وهو يوزع نظره نحو الجدران والأرفف " ماذا ! " استفسرت بغباء مما جعله يزفر وينقر على جبيني نقرة قوية " أوتش من عَلمك هذه الحركات" دلكت جبيني خشية أن يترك هذا علامة ، تشتت أنفاسي حينما أنخفض لطولي يتمتم :
- أثق بكل ما يلفظه ثغركِ المبتسم.
ارتسمت على شفتيّ ابتسامة لا إرادية وكادت الطمأنينة أن تقتحم جوفي ولكن مالبث إلا أن استوعبت الأمر " أنا حقاً أخشى بأن يكون أحد منهم أجرى لك غسيلاً للدماغ "
رفع حاجبيه مع ابتسامة وقد عبثت أنامله عند ذقنه متظاهراً بالتفكير : - لنرى .. لا، لا أتذكر.
هذا الممثل البارع إنه يلهو بإستمرار كأن لا يوجد شيء آخر يفعله ، أولاً التظاهر بنسياني والأن تغيراً جذرياً كأنه شخصاً آخر " أنت ماكر بالفعل "
كاد أن ينقر جبيني مجدداً إلا أني هرولت مبتعدة أحميها بـ كفي ، يا لتنمر المدراء ! قهقه بخفة ثم أشار ناحية طاولة خشبية قرب باب مكتبه ، إنه كموقع السكرتير أو ما شابه مع حاسوب بسيط وأكثر ما جذب نظري الكرسي الجلدي ذهبي اللون يبدو من مظهره أنه يمنح الكثير والكثير من الراحة ، قادتني قدماي ناحيته وألقيت بجسدي عليه نعم هذا ما أتحدث عنه أين أضعت حياتي قبل هذه اللحظة!
قاطعني صوته عن تأملاتي وإدارتي للكرسي يميناً ويساراً :- بواسطة هذا البرنامج
أحتل كفه ماوس الحاسوب وهو يشير ناحية برنامج على سطح المكتب في الشاشة بينما ذراعه الأخرى مستندة على رأس الكرسي خاصتي، أكمل :- يمكنكِ الإطلاع على مواعيد ضيوف مكتبي ، وإن أردتِ إخباري في شيء فالهاتف بجواركِ.
نقلت نظري ناحية الهاتف المركون على الطاولة بيساري " حسناً "
- سيأتي أول ضيف بعد دقائق ، لذا توخي الحذر
" هل الممر مراقب أيضاً ؟ "
- هذا أمر مؤكد.
لوح لي ثم تحرك خافياً يديه في جيبيّ بنطاله وقبل أن يفتح باب مكتبه نظر لي بهدوء ، عندما لاحظت بأن وقوفه قد طال أدرت بصري إليه بإستغراب " ماذا ؟"
- سيكون كل شيء على ما يرام ؟.
أومأت له بتعجب من أمره وقد زفر بهدوء ودخل مكتبه حيث لم أعد أتمكن من رؤيته ، ليس وكأن سيقتحم أحدهم المكان بأسلحته ! أرخيت جسدي بهدوء أراقب الصمت ، لا أحد هنا وإيثان ! صفعت جبيني بغباء لقد اختفى ذلك المعتوه مجدداً أو إن صح القول طُرد من نقرة ، لم أستطع السيطرة على ضحكتي وأنا اتخيل الأمر ؛هذا ظلم.
يستحسن أن يستغل الوقت في البحث عن جسده بدلاً من كل هذه المعاناة.
لم يمضي كثير من الوقت وإذ بأصوات تكسر الصمت ، في البداية طرقة خطوات تليها زمجرة جماهير خلفه تجعل الأبدان تقشعر، أشبه اعتصامات تدخل الممر وكان هذا ما يحدث بالفعل ..
" اللعنة عليه "
" أود خنق هذا الظالم "
" لا لا إغراقه تبدو فكرة جيدة لن يجد أحد جثته ليدفنه "
" وكيف سنأخذه للبحر يا غبي ؟ "
ظهر أخيراً من خلال الممر رجل عريض المنكبين وكبير في العمر يبدو ذلك من لحيته التي تغزوها البياض وشاربيه الكثيفين ، شعره أسود مصفف ولكن الشيب يأخذ خصلة واحدة منه ، توقف قرب مكتبي عاقداً ذراعيه خلف ظهره وقد تمتم في شيء ما أتوقع سؤال ربما ! ولكن بسبب ضجة الأرواح التي خلفه لم أستطع فهمه فجميعهم يتكلمون في وقتٍ واحد وآخرون يحاولون ضربه ولكنهم يمرون من خلاله فقط 
" اعذرني لم أسمعك جيداً !"
رمقني بإزدراء ونظرة متعالية لأنه سيضطر ان يتكلم مجدداً ثم قال ببطء واختصار :- السيد هايستون موجود ؟
" إن كنت تقصد المدير هنا فهو أجل .. أعني ينتظرك في الداخل، تفضل "
ما هذا الارتباك الأحمق ! كدت ان أصفع وجهي بغباء إلا اني تمالكت نفسي كي لا أبدو غريبة أكثر من ذلك ، رسمت ابتسامة بلهاء لهذا الضيف الأول الذي تجاهلني وتقدم بالدخول إلى مكتب تيم بينما بقية الأرواح كادوا ان يدخلوا معه لولا اني جذبت نظرهم حينما قلت
" أعتقد بأني سأستضيفكم عندي أيها السادة. "
التفتوا لي أربعة أرواح بينما البقية اختفوا وكأنهم كانوا قادمين للمساندة ، تقدم إلى أطولهم يهتف بدهشة
" تستطيعين رؤيتنا ! "
صفعه الثاني على مؤخرة رأسه " أنظر لطاقتها أيها الأحمق "
" هل ستساعدينا ؟ " هذا الثالث كان بريئاً جداً بعينيه الواسعتين ، ولكن هذا لن يسرق قلبي ! أخذت نفساً عميقاً قبل أن أقول بهدوء
" أستطيع ضربكم أيضاً إن لم تصمتوا لثانية "
تحدث أخيراً ذلك الملثم والذي كان صامت واقفاً مكانه منذ البداية " هه تريدين إقناعي أن ضربتك لن تمر من خلالي ! " لقد أشغل عقلي عن الرد عليه ، لا أستطيع رؤية ملامحه .. إنه ملثم والشرائط البيضاء تلف وجهه وكامل جسده ، كدت أن أغرق في رؤية حادثة أليمة عندما وصلت إلى عينيه ولكن ثرثرة أحدهم أيقظتني
" أعطيه واحدة إنه يستحق "
" لا أدري مالذي يجعلني أبقى واقفاً هنا ! "
تَحرك ذلك الملثم مبتعداً ناحية الباب على وشك الدخول ، همست له " لا أنصحك بالدخول "
رمقني بطرف عينه ببرود ثم تجاهلني مخترقاً الباب بجسده الطيفي ولم تمضي سوى ثانيتين حتى سمعنا صوت صراخه ولم يخرج بعدها ؛ قفز ثلاثتهم لخلفي بفزع وسأل أحدهم " ماذا يوجد هناك ؟ "
أجبت بهدوء" وَحشٌ خرج من أعماق الجحيم "
صاح البريء بتهالك بشكل طفولي هذا الشخص كوميدي جداً " لاااا ماذا حدث لدومبيدرو !! "
تنهد أطولهم يقول" تعلم ان اسمه مستعار وما تزال تناديه به "
" أتعجب كيف يتمكن من لفظه ، إنه أطول من حياتي السابقة!"
ضَربت على الطاولة بضجر ويكاد رأسي ينفجر بسببهم ، زفرت بحدة ودلكت جبيني حتى انتبهت انهم صمتوا ! استدرت بالكرسي إلى الخلف حيث كانوا يقفون لكني لم أجدهم ، عجباً .. أعدت جسدي للأمام لأجد رؤوسهم الطيفية على سطح الطاولة بينما بقية أجسادهم أسفلها نطقوا بصوت واحد " تبحثين عنا ؟! " تراجعت بفزع حتى اصطدم الكرسي بالجدار ، تنفست بسرعة وهمست لهم " ما لعنتكم !! " يختفون فجأةً ويظهرون فجأةً يثرثون يتشاجرون يشتمون بعضهم ، ما الذنب العظيم الذي ارتكبه هذا الضيف حتى تلاحقه كل هذه الكارثة ؟ من حسن حظه أنه لا يلاحظهم " أسمع لا طاقة لي بالنظر اللي حادثة موت كل واحدٍ منكم لذا .. أخبروني لما تلاحقون هذا الرجل ؟"
-هل تحادثيني ؟
- لا إنها تكلمني أنا كانت تنظر لي.
- أرجح بأن كلامها موجه لنا جميعاً.
نظرا كليهما له بينما انا صفعت نفسي بيأس ، تذكرت أمر الكاميرا لأرفع رأسي إليها بسرعة تباً إنها تعمل ! لا يُعقل بأنه يراني كيف أُجن وأصفع نفسي وأفزع ملتصقة بالجدار .. مؤكد بأنه منشغل مع ضيفه ، هبطت أسفل الطاولة أكاد أبكي ما هذا اليوم المنحوس والمحرج! أنا حتى لم أنتقل إلى عملاء الفندق بعد ، كيف سأكمل يومي؟
خرج الطيف ذو الملامح اللطيفة من تحت الأرض جالساً القرفصاء مثلي مقابلاً لي ، رفع نظره إلى الأعلى لأجد أن كل من الاثنين يجلسان فوق الطاولة صامتين ، أعتقد بأنهم توقفوا عن الإستغباء ، قال الذي أمامي ويبدو أصغرهم عمراً لهؤلاء الشباب " هل تريدين معرفة كيف وصل بنا الأمر إلى هنا ؟ "
أومأت له لأسمع صوت قادم من فوق الطاولة " بدأ الأمر عند موت دومبيدرو "
" هذا ليس اسمه الحقيقي. "
" أعلم لقد نسينا اسمه وهو أحمق يخترع لقباً "
لا يتوقفون عن مقاطعة بعضهم ، هذه المرة الأولى التي أقابل أرواحاً بهذا الشكل .. يبدون منسجمين وكأنهم على معرفة لبعضهم مسبقاً " هل أنتم أصدقاء ؟ "
أطل أوسطهم برأسه يهمس بتعجب أضحكني " كيف عرفتي ذلك ؟ " حركت رأسي بالنفي ثم قلت " ليس من الصعب تخمين هذا "
عاد أصغرهم للحديث مستلماً الدفة " كنا نعمل ثلاثتنا في صحافة مستقلة ؟ "
" أي صحافة ؟ " سألت بتفاجئ هل هم صحفيين حقاً ! أجابني أطولهم وأقول أعقلهم
" لم تكن مشهورة لم تكن كأي فقرة أخبار " قاطعه الأوسط وهو يصيح بدرامية " تعرض الحقيقة ولا شيء سوى االحقيقة " أعطيناه ثلاثتنا نظرة تجعله يود دفن روحه ، إنهم مسلين حقاً ولم أدرك بأن الفضول تفاقم داخلي حينما أكمل بحزن وهو يتذكر " تعرفنا على الشاب المحترق لم يكن يستطيع الكلام ، حدثنا عن قصته كتابةً على الأوراق وهو مستلقى يحرك كفه فقط "
تمتم أصغرهم بأسى " إنه دومبيدرو "
كاد الأوسط أن يقول مجدداً جملته لكني قاطعته أقول " أعلم أعلم ليس اسماً حقيقياً " ضحك كالأبله فتجاهلته وسألت البقية " ماذا كانت قصته ؟ "
" كان يعمل مرشداً سياحياً "
" في شركة ذلك اللعين القابع في الداخل "
" دومبيدرو احترق إثر حادث وهو ينقذ مجموعة السياح المسؤول عنهم ، وتوفي بعد قضاء يومين في المستشفى"
" كان المعين الوحيد لعائلته ، إنهم الأن يتضورون جوعاً "
كل منهم قد تقاسم القصة يروي بإنفعال مما جعلني أسأل بإستغراب" لما ؟ ألم يتكفل بعائلته بما أنه أنقذ الشركة ! "

أعمى البصيرةWhere stories live. Discover now