٢- مهمة رجل القوانين.

538 40 16
                                    


الفصل الثاني

أحاطت به مخالب الحياة لتلوثه بسوادها ؛ ولكن قلبه ما زال ينبض في سجن محجوب الرؤية مما جعل قلبه أعمى ...

بدأ النهار بالنسبة له كأي نهار ، مظهره كان مختلف عن المعتاد حيث ظهر بشكل شاب طائش مشاكس في سيارته الرمادية قديمة الطراز
جال الطرقات المهجورة معلناً المباشرة في المهمة وقد وجد التوقيت المناسب ، حيث لم يتنشط الناس بعد حتى يخرجوا لأعمالهم ..
قد يخيل له العيش بحياة طبيعية بعيدة المنال عن حاله هذه
أدار المقود بسرعة راكناً السيارة في مدخل لمتاهة الأزقة ، ترجل من سيارته بأناقة لبساطة الطرد الذي سيوصله ..
تحرك بصمت قاصداً زقاق معقد ضيق بعض الشيء يصل بين جداريه انبوب غازي ضخم تابع لشركة مجاورة من المنطقة ؛ وقد استنتج تيم ذاك الخلل في الانبوب الذي يهرب رائحة غاز ثقيلة
أطرق ببصره إلى الزاوية حيث ذاك الصندوق الخشبي المركون هناك ، مربع الشكل ومطلي بالأسود، تفحصه بعينيه لما يبدو عليه كبير الحجم بعض الشيء ، احتار في طريقو نقله موزع نظره يميناً ويساراً إن كان أحد يراه لكن هذا المكان مهجور ! خمن أنه لربما يحتوي أسلحة او مواد ممنوعة ، ومن قوانينه عدم التدخل او فتح الأشياء المطلوب منه نقلها ..
وَضع الصندوق في المقاعد الخلفية وعاد ليقبع في مكانه امام المقود ، نظر إلى المرآة الأمامية مرتباً تنسيق شعره المنسدل بنعومة ؛ أعاده للخلف وشغل محرك السيارة منطلقاً
" كان هذا أسهل مما توقعت .. أأمل ان يكون نهاراً جيداً "
طوال الطريق وهو يقاطع الصمت بتقليبه للراديو بضجر لا شيء يجذب اهتمامه من اخبارٍ او أغاني ؛ أطرق على مسامعه تأوه خافت صادراً من خلفه مما جعله يطفئ الراديو ليتأكد مما سمعه
دام الصمت ثلاث دقائق قطعه صوت سعال خافت صادر من خلفه ، انتفض جسده والتفت حواله يبحث عن مصدر الصوت ..
" النجدة ! "

صوت ضعيف هز كيانه وجعله يوقف السيارة في مكانها صامتاً دون حراك يحدد جهة الصوت
" أرجوكم .. أكاد اختنق ! "
نظر إلى الصندوق بصدمة لسماعه ذاك الصوت البشري يصدر منه ، نفث نيران الهواء بروي ينبه نفسه
" القانون الثالث لا يجب فتح الطرد .. لا يجب ! "

لم يكمل تأكيد الجملة حتى قاطعه ذاك الصوت مجدداً يصيح بنفاذ صبر " افتحوا هذه اللعنة ! "
فشل بغلب فضوله والسيطرة عليه ، دفع باب السيارة وكاد ان يتجه نحو المقاعد الخلفية بغضب إلا أنه توقف وابتعد مسافة عن السيارة والشك يَنغز برأسه ؛ هل يُعقل أن يكون الطرد عبارة عن بشري ملتفاً بالقنابل !
تغير الامر عن فكره ... من الممكن ان تنفجر الضحية في أي لحظة بواسطة مؤقت أو بسبب الحركة الشديدة
والأقوى من كل هذا، كان الصوت أنثوي !
اخرج مسدسه مِن جيبه الخلفي وأبقاه بيده ، تنفس بقوة قبل أن يتجه ناحية الباب الخلفي ويفتحه ببطء ، حرك ذراعيه وأزال الغطاء بحذر كاشفاً عن ذاك الكائن ناصع البياض، هذا المظهر لم يكن غريب عليه .. لقد شاهده من قبل بنحوٍ مختلف !
مظهر هذا الفتاة ...
الشعر الثلجي القصير ، معصوبة العينين ومقيدة بإحكام خوفاً من ان تتمكن من الهرب ، وكأنها كانت تحاول مسبقاً كثيراً وليست اول مرة !
جال بعينيه بحيرة وصدمة لماذا هي بالتحديد ؟ قابلها امس ليستلمها في مهمة باليوم الثاني ، هل هناك أحد يتقصد ذلك أم انها صدفة ! حركت رأسها محاولةً إنزلاق العصابة عن عينيها ، كان عليه ان يعود إلى وعيه ويتوقف عن التحديق بها بصدمة ، لم يجد أي شيء يدل على القنابل يلتصق بها ولكن لا يَعلم محتوى هذا الصندوق ! شَهقت إيليا بصدمة عندما قام برفعها إليه فتجد نفسها تدفن أنفها في قميصه فجأةً وهي لا تَعرف من يكون! لكن رائحة التقطتها جعلت شعور غريب يواردها " أنت ما الذي تفعـ..!" ابتعلت بقية الكلام عندما أحست بالسلاح البارد عند ظهرها لتكمل بخوف" صدقني لَم أخبره بشيء ، لا تَقتلني" لَم يكن يقصد توجيه المسدس إليها بل كان فقط يسندها عليه بواسطة يده التي تمسك السلاح بينما يده الأخرى كانت تتفحص الصندوق لكنه توقف عن ذلك عندما سَمع جملتها الأخيرة ! وجه نظر إليها بشك يسأل " تخبرين من!"
عَقدت حاجبيها لوهلة كأنها تُفكر ومترددة في قول الاسم أم لا " فيرسوس "
- لا أعرفه.
" هل يمكنك أن تدعني أولاً ؟! "
أفلتها ليهبط جسدها بقسوة في الصندوق ، شتمت وسط تأوهها ولو كانت حرة لركلته إلى المريخ غلاً " بدأت أَشعر بالملل حقاً، لما لا تقتلون بعضكم وأرتاح أنا ! لا مهلاً لن أرتاح حتى وأنتم أموات "
- يُفضل أن تَخفي صوتكِ لأني لا أكترث بمعرفة من يَطلبكِ، أنتِ مجرد طرد علي إيصاله.
خرج مغلقاً باب السيارة بقوة وعاد لمكانه امام المقود اما هي فقد شرد عقلها لثواني تدقق في ذهنها متى سمعت صوته فإنه مألوفٌ عليها .
" مهلاً ! طرد ؟ هل وجدت طرداً يتنفس من قبل ؟ "
- أجل، إنه خلفي مباشرةً.
قَضمت شفتها بغيظ لكنها توقفت بسكون ما إن بدأت الأمور تتضح لها ، تفوهت بسؤال " إذاً أنت لست من العصابة ؟ "
نظر بطرف عينه إليها عبر المرأة الامامية ثم اجاب باختصار " لا "
" يا إلهي، طرف جديد ! " صاحت بفزع مما سبب بإنزعاجه وقد دلك حاجبيه بصداع " أنا فقط عامل توصيل لعين، حسناً ! " صاح بها هو الأخر مما جعل الصمت يمر بينهما، عاودت إيليا قطعه بعد ان تم استيعاب كلامه " أخبرتكَ أنا لستُ طرداً يا عامل التوصيل، ربما لن أعود حية من هناك"
- التزمي الصمت والهدوء كي أَضمن لكِ الوصول حية.
لم يفكر بالشفقة عليها حتى واقنع نفسه بأن يتصرف كما لو انه لم يرها لا الان ولا قبل ذلك مع ان الامر يبدو خديعةً له ! بأن يخطفون فتاة ويعطوه مهمة احضارها كـ طرد ، تنهدت بتعب قبل أن تقول" أريد أن ينتهي كل هذا
أسند ساعده على النافذة يعبث بأنامله عند ذقنه بينما يده الأخرى تحتل المقود ولم يستطع منع فضوله حينما سأل بجفاء محاولاً عدم الإهتمام " هل الأمر سيء لهذا الحد؟"
" أنت تعتبر طرف خارجي، صحيح ؟ "
همهم بصمت موافقاً مما جعلها تأخذ راحتها بالكلام على الرغم من انها لا تراه ولا تستطيع التحرك ، قالت بيأس
" أحدهم يَطلب منك الإفصاح عما تَعرفه والأخر يهددك إن نَطقت بحرف ستُقتل، الأول صالح والثاني خائن"
- ومن الخاطف ؟
" أنت. "
- أخبرتكِ لا علاقة لي.
" إذاً دعني "
- وافقت على المهمة ولا أستطيع التراجع في كلمتي.
" إذاً ستَحمل ذنب موتي "
- لا أكترث بزيادة المحصلة.
التزمت الصمت طوال الطريق مما جعله يظن بأنها قد غفت فتكلم ليجذب انتباهها " لقد عبرنا الحدود "
تلفظت بهدوء واستسلام " إذاً .. "

تنحنح قائلاً ببرود " عليكِ اخذ قيلولة صغيرة "
" تطلب مني ان افقد وعيي ! "
فتح باب السيارة قائلاً "  لكني قلتها بعبارةٍ ألطف "
سمعت صوت إغلاقه للباب الامامي واتجاهه نحو بابها وفتحه لتهب الرياح نحوها ، اقترب منها مما حجب الرياح من النفاذ إليها ، سألته بصوت مرتجف " ماذا ستفعل ؟ "
أجابها ببرود " اهدئي "
وغزها بإبرةٍ صغيرة في عنقها ذات مفعول منوم
تأوهت عند وغزها وما إن ابتعد عنها قليلاً حتى احست بالدوار وكأن كل شيء يتحرك باستمرار من حولها
" عندما تستيقظين ستكونين في مركزهم "
" إن خَرجت من هذا المكان حية، هل يمكننا أن نلتقي مجدداً ؟! "
" لما ! "
زادت سرعة تنفسها وتكلمت بإبتسامة باهتة " لكي أحطم رأسك اللئيم " فقدت توازنها لتتهاوى عند ذراعه فتجمد في مكانه متذكراً الليلة الماضية حين تشبثت بذراعه مذعورة " سأنتظر إذاً " اختفت إبتسامة السخرية عن شفتيه عندما بدأ ضميره بمخاطبته؛ هل عليه وضعها تحت رحمتهم ؟ بقي يقنع نفسه بأن لا علاقة به بما يحصل معها ..
أزال العصابة عن عينيها واستطاع ان يرى ملامحها كاملةً بهذا الوضوح ..
عَدل من جلوسها ثم وضع غطاء الصندوق وهو يراقب كيف يختفي جسدها في الظلام حتى اختفت داخله
بضميرٌ مسحوق أوصلها حيث البوابة وتحرك بعض الرجال يلتقطون الطرد كما يسموه !
قطعت سلسلة افكاره عندما اقترب أحد الرجال عند نافذة السيارة يتلفظ بخشونة " لقد أتممت عملك بنجاح كـ العادة " - ناوله حقيبة معدنية سوداء متوسطة الحجم كالتي يضعون بها الأموال واكمل - " تفضل أجرتك "
سلمهم الطرد كما سموه وتناول الحقيبة ببرود ثم حرك المقود هاماً بالذهاب " لكني لم أعرف اسمك بعد !"
توقف مكانه صامتاً والسيارة تنتظر التحرك والرجل ينتظر إجابته ، تكلم دون التفات إليه " القاعدة الاولى لا إفصاح عن الاسماء "
انهى النقاش في جملته الباردة وأطلق العنان لسيارته يبعثر خلفه ضباب من تراب الأرضية ، تاركاً إياها خلفه كما تركها في المرة السابقة

أعمى البصيرةWhere stories live. Discover now