٩- سأثق بك !•

374 35 6
                                    

الفصل التاسع

تقلبت على الفراش بفوضوية محتضنة الوسادة بين ذراعاي وانا اشعر بهناء الراحة بعد يوم شاق ومخيف ، فتحت عيناي ببطء وخمول لأبصر الغرفة ذات الإضاءة الخافتة بسبب المساحة الصغيرة التي يدخل منها نور الشمس من اعلى الجدار
بالتفكير بما حدث بالأمس استطعت التهرب من مواجهة تيم بحجة التعب والوقت المتأخر للنوم ولكن اليوم لا مهرب ابداً ، إلا اذا اصطدم رأسه بشيء ما وفقد ذاكرة احداث الأمس.
بماذا أفكر ليس وكأني ارغب بفعلها ! ألا يكفيني شعور الموت في الامس على يديه ؟
وصلت لأنفي رائحة قهوة زكية ، هل أنا أتوهم ام أني لم أعد أميز الروائح ؟
نهضت لأروي فضولي ، غسلت وجهي ورتبت شعري ثم بدلت ثياب النوم قبل ان اخرج لأكتشف ما يحدث ، المنزل هادئ ذو إشراقة مبهجة والرائحة تعبق المكان.
التفت نحو الصالة ، كان هناك برقي يسكب كوبين من القهوة التي أعدها بأنفاس راقية وضوء الصباح يشع من خلفه حيث النافذة ، بقميصه الأسود ذو دو نقوش بنية جانبية الاكمام مع بنطاله ترابي اللون حتى ثنيات الثياب كانت دقيقة، مظهر كلاسيكي كافي لأن يشعر القلب بالدفئ !
ابتسمت براحة وانتعاش " صباح الخير "
انتبه إلى وجودي حينما كان سيرفع الكوب المنقوش بلمعة فضية قرب أنفاسه ، نظر لي بهدوء
ثم رد تحية الصباح بابتسامة خافتة بالكاد بان انحناء اطراف شفتيه كـ ابتسامة
- صباح الخير.
خطوت نحوه بعفوية وابتسامة بلهاء اناظر الطاولة  " اشعر بأن هذا الصباح جميل جداً ، هل الكوب الثاني لي ؟ "
- لا.
" هل ستشرب الاثنين أم تنتظر احداً ما؟ "
- لقد كنت انتظر استيقاظ شخص ، ولكنه تأخر بسبب كسله وقد فوت كوبه.
جلست بجوراه أتظاهر بالغباء وكأني لم أكن المقصودة بكلامه
" اها من الجيد إذاً انه تأخر ، فأنا أرغب بتذوق القهوة التي يعدها السيد تيم "
- سأسمح لكِ يا خادمتي العزيزة بمشاركتي قهوة الصباح لمجهودك الذي بذلتيه امس.
هه وهل ذاك مجهود يستحق الذكر ! الافضل لي تجنب تذكره وفي الاستغباء النجاة
ارخيت جسدي للخلف استناداً على الاريكة أُمدد ذراعاي نحو الاعلى بتملل
" حقاً لقد كان عمل المنزل متعباً امس "
- وكأنكِ التزمتي البقاء به.
" بالطبع "
وضع الفنجان من يده وما إن لامست قاعدته سطح الطاولة حتى خفق قلبي بتوتر لتفرغ تيم بالحديث عن الامر
- إذاً .. والذي حصل امس ؟
أُعلن الان يا سادة عن بدء مهاراتي السينمائية في التمثيل فاستقمت في جلستي اتصنع التعجب
" وهل حدث شيءٌ ما امس ؟! "
انثنى طرف ثغره بابتسامة ساخرة
-ألا تعرفين ؟ هذا يدل على انكِ لم تكوني في المنزل !
" هل انت جاد ؟ انا لم اقترب إنشاً واحداً من الباب
انتظرتك طويلاً لقد عدت متأخراً واتجهت نحو غرفتك بدون اي كلمة "

هز رأسه بتفهم ولا أجزم بأني سأقتنع بتصديقه كلامي ، من يجيد التمثيل هنا بيننا بالضبط ؟!
- إذاً ...
قاطعته وانا انظر بعينيه بأسف كدت ان اتكلم ولكن اوقفت تفكيري بسمة عيناه ! هل عيناه تختلفان عن البرود أم ماذا ؟! وكأنه يستمتع بحديثي
استدركت الوضع سريعاً واكملت ما كنت سأقوله
" لا بد وانك كنت ترى حلماً سيئاً امس بعدما ثملت وتتوهم بسببه "
نظر لي مطولاً وانا قلبي يخفق بتوتر هل سيصدق وأنجو ، فاجئني عندما ادار وجهه للجهة الاخرى يخفي نصف وجهه خلف كفه ورغم هذا استطعت لمح ابتسامته الواسعة وبياض اسنانه المرتصة دلالة على قهقهته خفيةً ويحاول تمالك نفسه وحفظ الهيبة وبرود السيد امامي
- أيتها الساذجة ذاك المشروب لم يكن نبيذ وإنما عصير تفاح.
هذا ما همس به بضحكة خافتة وما زال لم ينظر لي
في أي موقف اصبحت فيه ؟ انا محتارة فعلياً ماذا افعل الان ! ألست مدركة لفشلي بالتمثيل واشرد بابتسامته كالساذجة ؟! استفيقي استفيقي
إيليااااااااااااا اهربي من هنا قبل ان تلقي حدفكِ
انه يشير اني عندما تتبعته إلى الميناء وتلك الزجاجة التي كان يرتشف منها لم تكن نبيذ ولم يكن يثمل ، مجرد عصير .. عصير تفاح !
هل هذا يصدق ؟ لا يعقل كم أني اظلمك يا تيم
انتفضت بتوتر افرك جبيني بتفكير بأي شيء
" ههههه اممم ههه لا بد وأني انا من كنت احلم "
رفع رأسه اخيراً يحمحم ثم قال بطبيعته الهادئة
- لابد وان حلمنا كان مشتركاً أمس
نهضت بتوتر من فوري ادلك جبيني
" هه.هههه فعلاً يا للعجب "
- إلى اين انتي ذاهبة ؟
اين انا ذاهبة اين انا ذاهبة وأين عساي ان أذهب ؟ أيوجد مكان اختفي فيه عن الوجود لكي ابتعد عن هذا الموقف المتوتر ، امسك يدي برفق لأجد نفسي قد هبطتُ جالسة فابتسمت بغباء وارتشفت من فنجان القهوة بصمت كما يفعل هو وأحاول ان اعلق نظري على اي شيء ...
يبدو انه يحب الهدوء منزله هادئ جداً لا يشغل التلفاز ولا يتبضع اشرطة افلام او مسلسلات ، اتخيل لو انه يملك آلة الـ فونوغراف التي تقوم على تشغيل الاسطوانات الموسيقية القديمة ، ربما يضعها في زاوية ما من هذا البيت فاعتقد بأن ذوقه قريباً لهكذا اجواء نوعاً ما ..
حاولت ان اتجنب النظر له واحافظ على متعة دخول النسيم العليل للمنزل الهادئ ، انا وهو في هذا الجو الجميل وبيننا اكواب القهوة الراقية ، أيفترض بي وصف هذا بأنه جميل ؟
انهيت القهوة لأخذ كوبه الفارغ معي إلى المطبخ وغسلهم ، جففت يدي وخرجت ليقابلني بنظره
تباً اننا على وشك العودة للحديث من جديد واختبار عقاب ! وكأنه يشير لي بالقدوم له وحان وقت الحساب ولكن حظي الجميل أنقذني على غير عادته لأسمع صوت جرس الباب فأستدركت الامور ورتبتها على الفور
- إلى اين ؟
" إلى الباب ، لا بأس إن فتحته انا ، صحيح؟ "
اكتفى بأن يشير لي نحو الباب بلا مبالاة وهذا بما معناه ان لا بأس بذلك ، حسناً لأعترف بالأمر انا جريت نحو الباب قبل ان يفسر عقلي حركة يده
فتحت الباب وعلى وجهي ابتسامة واسعة لإنتصاري بالانسحاب من الموضوع ولكن ما باتت إلا ان تضمحل ابتسامتي وتتلاشى امام تلك الواقفة امامي ، إنها جارته جيما لقد استرجعت ذاكرتي عما حدث امس .. وذاك الطيف !
لاحظ تيم وقوفي الطويل صامتة وتلك الأخرى ترمقني بنظرات متلبسة ، هل هي طبيعية أم لا ؟ الالتباس سهل للغاية إن كان من جسد بشري إلى آخر لذلك لم اعد أجرؤ على القيام بخطوة واحدة

أعمى البصيرةWhere stories live. Discover now