١١- نزهة صغيرة !•

440 39 30
                                    

الفصل الحادي عشر

أضاءت الشمس في لهيبها وأخمدت كل ذرة مشاعر باردة ، أيقظت الطيور والأصوات الملحنة
وعبثت بملامح البشر الساكنة ، ولكن ما غاب فكرها عنه بأن ولا من الممكن ان تستطيع الوصول لذاك النائم في ظل ستائر غرفته ولا حتى السيطرة عليه
كيف لها ان توجه اشعتها لرجل القوانين وتنظر له مباشرةً ؟! رجل القوانين لم يعد كذلك.
لقد خرق أقوى قوانينه واصبح ملتزماً بحماية فتاة لا يدرك سبب لقراره ! كان قد عاني من الليل طويلا فقد كان مُقلقاً ومربكاً ، كان يعشق المنزل الهادئ وان يقطن وحيداً بمفرده ولكن شعر بأن منزله موحش عندما تكون غائبةً عنه
راودته الكوابيس والاحلام المزعجة عنها ، ومنذ متى شخص مثله يفكر بأحد غير نفسه ؟ لقد تغير تيم كثيراً منذ ان دخلت إيليا لحياته وشتت نظام دربه
انتفض بسرعة وكأنه كان ينتظر الصباح بفارغ الصبر ليطفئ نار القلق في داخله ومحاولة اخفاءه بقناع برودته وجموده
تحرك نحو الباب وقد انهى تجهيز نفسه وقرر ان يتناول الفطور مع إيليا محاولاً مصالحتها بشيءٍ ما قد يسعدها حتى تلين مشاعرها وتعود للمنزل
فتح الباب لتقابله مسببة الكوارث كلها وقد كانت تنتظره امام الباب حتى تستطيع رؤيته وهي تجهز كامل مهارات الدلال والغنج عندها
ومن غيرها ؟ " الجارة جيما "
تكلمت برقة وهي تمثل بأنها متفاجئة
" تيم يا لها من صدفة لقد كنت سأطرق الباب ولكن انت ... "
قاطعها ببرود :- لما انتِ هنا ؟
عدلت خصلات شعرها بتوتر من اسلوبه البارد والجاف معها " لقد فكرت بأنك لن تحتاج خادمة بعد الان فأنا بجانبك ويمكنني القيام بأمور المنزل بدل خادمتك التي استقالت "
صر على اسنانه والتفت يتأكد من إقفال الباب وهو ينطق :- إنها ليست خادمة
احتقن وجهها باحمرار لتسأل بضيق
" طالما انك لا تراها خادمة لما تعيش في منزلك "
- واللعنة ! لست مضطراً لأبرر لكِ كل شيء لا اذكر بأن بيننا معرفة حتى ، لنكون صريحين لهذا الحد !

كلامه الحاد ونفاذ صبره بانفجاره بها ، فاجأها لأنه لم يكن يوماً هكذا ! لقد كان محتالاً يتعامل بلطف مواطن مسالم والجار المحبوب فقط كي لا يتم كشفه بأنه المجرم القاتل المأجور وعملة كل شيء خارج القانون ؛ هو رجل القوانين !
ولكن بما ان مهماته قد وصلت حدها من الفقر بسبب انشغاله عن قبولها وجوثن لا يكف عن اتصالاته يحاول فهم كل شيء فمساره قد ابتعد عن حياته الاعتيادية ...
وعلى سيرة ذاك العجوز كان قد رن هاتف تيم بإتصال منه
" لقد تغيرت ، لم تكن هكذا .. منذ ان "
قاطع كلامها المقهور بقوله ببرود :
- اعتذر انا في عجلة من أمري ، قد نتكلم لاحقاً.
تركها ومضى دون الالتفات لها او ان يدع مجالاً لقول كلمة زائدة ؛ رفع هاتفه إلى اذنه يجيب على الاتصال
- اهلاً جوثن ، كيف صحتك يا رجل ؟
جاء ذاك الصوت ذو البحة الفخمة من تقدم عمره
- ما زلت كما أنا ، السجائر تنسيك الصحة تماماً
ابتسم تيم بخفة مندمجاً في الحوار
- لا تسأل عنها ؛ ما أخبار العمل ؟
- هذا ما جعلني اتصل بك ، هل انت جاهز ؟
- ومنذ متى لم أكن جاهزاً ! ما نوع اللعبة ؟
- حفلة راقصة
- ما بال الأعمال النبيلة هذه الأيام !
- سنحتاج إيليا معنا.
نفث الدخان من جوفه بعد أول رشفة من سجارته التي اشعلها مندمجاً في دوره السيء
- جد شخصاً غيرها
- ولما ؟
- فقط لا أريد توريطها بقبح اعمالي.
- وحتى إن عرفت مكان الحفل ؟
- أين !
- قصر هايستون.
توقف عن السير وقد حُبست انفاسها والدخان قابع داخله ، عيناه قد ازدادت حدةً وفي تلك الحدقة تجري حقبة الماضي الأليم ، القصر المحترق ، قصر العائلة المنافقة ينافقون بعضهم ويخدعون بعضهم باستمرار ، نطق بصوت حاد من بين اسنانه :
- إذاً لن أضمن بقاء رأس احد في مكانه.
- ستقتل ؟
- إنها مسألة شخصية وحالة مصير متدمر.
الامر الان لم يعد بالنسبة له مجرد مهمة ينفذها ويستلم ثمن الاداء ، اصبح ثأر وشعلة انتقام تغلي في عروقه.
- ماذا عن إيليا والوضع بينكما ؟
تذكر تيم احداث الامس ليبتسم في سره وقد اكمل سيره يقول :
- لقد عرفت كامل الحقيقة عنها بعد ان وثقت بي وانا لن استغلها.
- اخبارٌ جيدة ، ألن تخبرني بما عرفته عنها ؟
- إن ارادت هي ذلك فستخبرك بنفسها.
- هكذا إذاً.
- اسمع احتاج لوسيلة مواصلات لا يهمني دراجة أم كانت مركبة ام شاحبة أم طائرة ، لقد تكسرت اقدامي يا رجل.
- سأوافيك إذاً عند الساعة الرابعة بما طلبته وبتجهيز خطة الذهاب.
- هذا ما أُفضل سماعه ، أراك لاحقاً .
اغلق هاتفه بابتسامة راضية تعلوا شفتيه ، أخذت قدماه قياس الطريق حسب الممرات الضيقة المختصرة ، والتي غالب من بها يعرفه حق معرفة ويبتعد عن طريقه فـ في مثل هذه الازقة تُكثر الجرائم والاعمال القذرة
بعد عدة دقائق من الدخول والخروج في الازقة وصل إلى باب المبنى يرفع رأسه نحو الطابق الأخير وفي خلده يفكر ما الطاقة التي ستجعله قادراً على الصعود إلى هناك ، دخل إلى المبنى يقصد المصعد فوجد بأن احداً ما قد سبقه وقام باستعماله ، ضرب الارض بقدمه بسخط وهو ينظر إلى أرقام الطوابق التي يتجاوزها المصعد
دقق النظر بحذر ليجد بأن الرقم توقف عند الطابق الأخير ! جزم قبضة يده محاولاً السيطرة على تفكيره وشكوكه وقد اخذ السلالم ركضاً بكل ما أُتي من مهارة ورشاقة وسرعة ، سبعة طوابق ! من يستطيع اجتياز كل هذا دفعة واحدة ومسار واحد
حينما وصل إلى السطح انخفض يسند ذراعيه على ركبتيه وهو يلهث محاولاً التقاط انفاسه واستنشاق الصعداء
رفع بصره الحاد ليقابل من اثبت شكوكه بأكملها يقف أمام باب منزلها يطرقه برقة وباقة الورد يسندها على ذراعه الأخرى بكامل اناقة والطقم الرسمي حديث الطراز وتصنع النبالة
- ومنذ متى ؟
نظر له فيرسوس بجمود بملامح لا يمكن تخيل كمية العداوة بينهما وكأن ناراً مستعرة ستحرق كل شيء على هذا السطح
- على الأقل لدي شيءٌ منه حقيقي.

أعمى البصيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن