الفصل العاشر " النهـاية"

7.3K 199 59
                                    


الفصل العاشر "النهـاية"
إنهـا النهاية .. فاسطروها كما تشاؤون !
............
وقفت تطالع قبر والدتها بصمت باكٍ ، تتحرق شوقاً لأن تمكث بأحضانها دقيقة واحدة .. الفترة التي قضتها بعيدةً عنها علمتها أن لا حب دون مُقابل سوى حُب الأم .. أي حُب لا يُضاهيها مهما بلغ !
لم يكن لديها أصدقاء
أبيها لم يكن يعرفها بسبب سكره الدائم
الرجل الذي أحبت أخبرها بعينيه أنه يزدريها ..
كانت الوحيدة التي تداوي جروحها المكلومة وتربت علي ضعفها وتلبي احتياجها للأمان ...
تنهدت ثم ابتلعت شهقاتها داخلها ما ابتلعت مرارة الأيام وشقاءها المُضني .. حرب شعواء داخلها ما بين إنهاء حياتها وأن ترقد جوار والدتها أو تتحلى بالقوة القشرية التي أكسبتها لها الأيام !
سمعت صوت خطواتٍ خلفها جعل الخوف يدب بأوصالها .. تكرر صوت تكسر أغصان الشجر تحت الأقدام مرة أخرى لتقف هي بخوف لاعنه نفسها أن تأتي بمثل هذا الوقت للمقابر .. بعد الفجر !! أي خطأٍ ألقت نفسها به تلك الغبية ؟
ازدردت ريقها بخوف شديد وبتلقائية مالت تستند علي قبر والدتها تستمد منه الأمان رغم أن الثرى يواريها
شعرت به يقف خلفها فأغمضت عينيها وهمست دون وعي والدموع مُنسابة علي وجهها بغزارة
" ماما "
شعرت به يحتضنها من الخلف يرفعها عن الأرض متشبثاً بها وبصوتٍ هادئ رخيم اعتادت على سماعة وتلقي الأوامر منه
"متخافيش ده أنا فهد !"
لم تستطع الحديث كله ما فعلته هو البكاء تحتضن وجهها بكفيها الصغيرين النحيلين .. بينما هو يهدهدها بحنان بالغ ينبثق من نبرته الرخيمة وعينيه تمنحها أمان بلا حدود
"إهدي إهدي .. أنا هنا "
وما إن نطقَ حتى تعالت شهقاتها المبتلعة وتجردت من مرارتها لتبكي بصوتٍ عالٍ وكلمات غير مفهومة تلفظها كأنما تلفظ كل سيء من حياتها ...
انتظرَ حتى هدأت .. لا يعلم كم من الوقت لكنه كان كافياً لأن تخرج من المقابر ويشترى لها بعض الطعام بعد أن عاتبها بعينيه لجسدها النحيل ..
"جاي ليه ؟"
فظة !! .. هذا ما فكرَ به تواً .. وقبل أن يرد عدَّ حتى العشرة ليبدو هادئاً ليخرج صوته بهدوء مفتعل
"بصالحك"
"لأ"
"ليه ؟"
"من غير ليه .. إرجع مطرح ما جيت !"
اقتربَ منها غير آبهاً بهتافها بألا يقترب منها وعلى حين غُرة أمسكها من ذراعها بعد أن أوقعت ما تأكله أرضاً
"بقولك إية أنا جاي هنا يا قاتل يا مقتول .. ومش هسيبك غير وإنتِ موافقة"
"ماما وبابا مو..."
قاطعها بحدة قابضاً على ذراعيها بقوة آلمتها
"ملكيش دعوة بأمي وأبويا .. خليكِ ف نفسك دلوقتي "
نزعت يديها منه قائلة بشراسة
"وأنا بقولك لأي يا فهد .. مش هتكسرني تاني "
شدَّ شعره بإنزعاج واضج وتلك الذكرى تلوح بمخيلته مرة أخرى ..
التفتَ لها متجاهلاً ألمه الداخلي تجاهها وهتفَ باستجداء
"شيماء ادي نفسك فرصة كمان .. إنت مش شايفة أنك كده بتنهي كل حاجة بسهولة .. غلطت .. أيوة وبعترف بغلطي بس مش كل عقاب يبقى نهاية كل حاجة .. "
أكملَ بابتسامة ساحرة يراقب قسمات وجهها التي لانت بعض الشيء
"يمكن إحنا منعرفش بعض سنين بس الشهور دي كافية إنها تخليني أحبك ..أنا شفت بنات كتير بس إنتِ غيرهم إنتِ مختلفة في كل حاجة ، في طريقتك .. ضحكتك ..اللون الأزرق محدش جميل فيه غيــرك !! .. وده لوني المفضل فتخيلي إنتِ بالنسبالي إيه ؟"
كادت أن تبكي من فرط عاطفته الجياشة نحوها .. يهتف بانفعال ثم قهر إلي أن همسَ بالأخر بما دغدغَ مشاعرها للتو !
استعادت رباط جأشها ورغم اشتعال وجنتيها بالحمرة إثر كلامه الصريح إلا أنها أردفت بازدراء وقد سبقته للسيارة
"هديك فرصة تانية .. والأخيرة يا فهد باشا"
استدار ناحية السيارة هاتفاً بمرح متوعداً بقضاء يومٍ معها
" ده إنتِ اللي باشا والله "ش
.............
"هتفردي وشك إمتى يا مدام مريم ؟"
هتفَ حانقاً يجلس بجانبها على الأريكة بمنزلهم وهى مُديرة وجهها للناحية الأخرى .. غاضبة !
أكملَ من بين أسنانه وهو على وشك أن يفلت منه زمام الأمور ، فالمدللة تخاصمه بسبب طريقته أخر مرة !
"طب بصيلي عشان نتكلم بالراحة .. أنا غلطان وإنتِ غلطتي صح ؟"
التفتت إليه مُضيقه عينيها وأردفت بضيق جلي مُتخصره
"غلطت في إيه بقى إن شاء الله ... مش أنا شرشوحة إيه اللي مخليك متمسك بّيا بقى .. روح لواحدة من مستواك ومتخافش على اسمك معاها"
أمسكَ يديها جاذباً إياها لتجلس بجانبه ثم طبعَ قبله علي ظهر يدها بحنان وأردف بابتسامة هادئة .. فمن أقبلت على مشارف الثلاثين مازالت طفلة تحتاج لمن يحايلها حتى تصفى !!
"بصي يا روما إنتِ غلطتي لما وقفتي قدامها في يوم المفروض إنه بتاعك ومش بس كده صوتكو كان جايب أخر الشارع وإحنا واقفين .. "
كادت أن تتحدث لتقاطعه لكنه أكمل بحزم
"وفوق كل ده مسمعتيش كلامي لما قولتلك اسكتِ .. والله لو حد تاني كان زمانه ضربك بالقلم علي خدودك دي عشان تحرمي "
بتلقائية وضعت يديها على وجنتيها الممتلئتين ونظرت إليه بخوف طفولي جعله يحدجها بملامح مُبتسمة
"بس أنا مكنتش هعمل كده متقلقيش .. بس عايزك تسمعي الكلام أنا كنت هاخدلك حقك متقلقيش طول منا عايش مفيش حاجة وحشة هتحصلك "
احتضنته بلهفة مغمضة عينيها
"ربنا ميحرمنيش منك أبداً "
صمتت لوهله تفكر في حديثه بجدية لتدرك أنه على حق لكن لا ضير من التدلل عليه .. تعرف أنه سيستقبلها بصدرٍ رحب
" خلاص متزعلش أنا مكنش ينفع فعلاً أعمل الفضيحة دي ... بس أنا زعلانة منك إنك زعقلتي اليوم ده !!"
"متزعليش مكنش قصدي أنا كنت متعصب .."
أحنت شفتيها كالأطفال وأردفت مرة أخرى بعدما انتزعت قربها منه وابتعدت إلى أخر الأريكة
"بتضحك عليّا بكلمتين كل مــرة ..و أنا مش هتنازل أنا عايزة أتغدى برا"
ضيّقَ عيناه زاماً شفتيه ليهتف بعدها بمرح
"يا خبيثة بترسمي وتدوري قولي إنك عايزة تخرجى بقى وأنا أخرجك"
اقتربت منه مُتشبثة بذراعه مبتسمة بمشاكسة
"الحقيقة أنا بستغل الفرص جداً .. ودلوقتي أسيبك عشان أروح ألبس بقى "
قطب حاجبيه بجدية مُصطنعة
"بس أنا موافقتش "
رفعت رأسها تشمخ بأنفها وأردفت بزهو
"بس أنا خلاص قررت وقولت إننا هنخرج .. أحب أسمع اعتراضك اللي مش هيتنفذ"
رفعَ يديه أمام وجهه هاتفاً بمزاح
"خلاص يا باشا اللي تشوفه "
انطلقت تتبعها ضحكات متتالية وهو بنظرات عاشق مُتيم اهتدى لطريق قلبه !
..............
يافوز وزهراء
وقفت تتأبط بذراعه بعد أن تمَ كتب الكتـاب وسط عائلتها وحارتها التي ساندتها وعرفت لأول مـرة معنى أن يكون الفـرح دونَ مُقابل ، أن تكـون المساعدة فقط لأنهم جيـران !
نظرت إليه بعشقٍ دفين وقلبها يخفق بضراوة تتأمله في قميصه الأبيض وبنطاله الأزرق من القماش ، راقبت عيناه الصافية .. لن تنكر أنها لأول مـرة ترى تلك النظرات بعينه لكنها فرحـه !! .. الأمر الذي كان تعتقده مستحيلاً قد تمَ ودون أن تدري ..
لاحَ بمخيلتها ذكرى أو لقاء وثاني وثالث حتى اليوم !! ، بعض الكلمات تُنطق داخلها جعلتها تبتسم وهي تتأمله وعيناها تفيضان بالحُب
"يا مدام"
"أو مُطلقة "
"انت بتكدب الكدبة وتصدقها ولا إيه ؟"

"أهزقك تعيطي ... أقولك كلمة حلوة تعيطي !! ؟"
"بتضحكي على إيه ؟؟"
انتشلها من شرودها بصوته الرخيم وابتسامته الجانبية التي تزيده وسامته .. يخصها بها وحدها بتلك البسمة وقد أصبحت لا تفارقه ...

ضحكَ عالياً حتى جذب أنظار الحاضرين لتلكزه زهراء في ذراعه وهى تبتسم بحرج للمدعوين ثم التفتت إليه هاتفه بحنق
"وطي صوتك إنت فاكر إننا لوحدنا ولا إيه ؟؟ مش في ناس !"

شددَ من ضمته لها وهمسَ بأذنيها نبرة ماكرة
"ده كتب كتابي يعني أعمل اللي أنا عاوزه !! .. ولا عندك إعتراض ؟."
أجابته بخجل وقد اصطبغت وجنتيها باللون الأحمر المماثل للون فستانها الهادئ
أما حمرة شفتيها انتقت لون بنى هادئ لا يلمع كما أمر !
اللعنة حتى ذلك اليوم اليتيم المُنتظر هاتفها وأمرها بكل صلف ألا تضع مساحيق تجميل وتكتفى بحمرة شفاه هادئة إذا كانت تريد أن يمر اليوم بسلام ..
"لا معنديش .. "

سألته بخفوت وهي تتمنى ألا تعرف الإجابة
"طب وملك ؟"
وضع يده على شفتيها هامسًا
" مفيش ملك فيه زهراء وبس

جذبها من يدها فور نطقها إلى الأسفل بعدما استأذن والدها بأنهما سيسهران بالخارج .. احتضنت والدتها ووالدها علي عجاله وسمحت لنفسها بأن يختطفها الليلة !
وقد بدأ موسم الاختطاف .. فبعد أن أصبحت ملكه فمحبب لها أن تكون مُختطفة من قِبله
كانَ صامتاً طوال الطريق ، فقط صوت السيارة في الطرقات الحجرية .. حتى توقفت بمكان على الطريق لا يمر منه سوى السيارات
"اقلعي الصندل وانزلي "
وبالمثل خلعَ حذاءه ونزلا إلى محيطٍ أخضر نابت بالحشائش القصيرة
ازدردت ريقها قاطبها حاجبيها بتوجس لتفعل ما قاله ، وتتبعه حينما نزلَ من السيارة فهى لم ترَذلك الجانب المجنون منه قبلاً
أوقفها أمام السيارة المضاءة مصابيحها من الأمام ثم ابتعدَ ليشغل أغنية إنجليزية ويمسك بيدها متمايلاً ببطء معها على الألحان الرومانسية هامساً بعشق
"الأحمر ميبقاش أحمر غير عليكِ .. والعناد اللي بيعصبني منك ده من غيره الحياة تبقى باردة .. إنتِ السبايسي اللي في حياتي .. وأنا راضي "
تأمل فستانها الأزرق الذي يغطي كاحليها برضا وحذاءها الفضي اللامع ورغم ما ترتديه .. يعشق تفاصليها حتى أساور يدها التي تخلت عن بعضها يعشق رنتها حينما تُشيح بيدها .. خلخالها الفضي حلقاته تُشبه الألماس تبدو به مثل الملكـة تسير على الأرض بخيلاء
"زهراء يمكن مشوفتيش مني وش حلو .. بس أنا معرفش إمتى حبيتك ، يمكن قريب أو يمكن من أول يوم جيتي المحل فيه ... "
قاطعته تضع رأسها علي كتفه وتتمايل بخفه واضحة مُحيطة عنقه بيدها
"مش مهم إمتي وفين .. المهم دلوقتي .. بقيت مدام يافوز "
دغدغت الكلمة أذنه ليلتقط يدها مقبلاً إياها بلطف وقد تأزر القمر المكتمل لينعكس على رقصتهما الهادئة المُفعمة بمشاعر الأمن .. الاهتمام ... والعشق الدفين !
صدحت كلمات الأغنية عالياً ويافوز يرددها بأذنها بهدوء تام لتتراقص علي ألحانه هو وصوته الذي يحركها ومن خلفها كلمات الأغنية تنبعث من مسجل السيارة
Dancing in the dark .. you between my arms
Barefoot on the grass ... listening to our favorite song
When I saw you in the dress .. looking so beautiful
I don't deserve this .. darling you look perfect tonight
....
تمت بحمد لله
...

عايزة ريڤيوهات قمرز بقى

منطقة الحب محظورة  " كاملة"Kde žijí příběhy. Začni objevovat