الفصل الأول "تعارف"

28K 335 23
                                    

احذر هذه المنطقة اللعينة !
ما إن تطأ قدمك أرضها ستشعر بالمهابة ..
أحداث متوالية تتابع كأنها أمسية صاخبة في جوف ليل هادئ
يوم الولادة ويوم الممات صخب يصم الأّذان فتلك المنطقة لا تهدأ من صراخ الأطفال أو السيدات أو ضحكات الرجال العالية الآتية من القهوة
ومهما ظهرَ لك من ترابط بينهما إلا أن الشيطان يقف حائلاً ...فاحذر أن تسلم أذنيك للشر فتغدو كمن يتراقص علي سيف حاد !
....................
الفصل الأول
"اللقاء الأول"
ليست كالريف أو الحضر ، فقط منازل متراصة تتفاوت في العلو والانخفاض والمنظر الخارجي ينم عن تلك المنطقة الشعبية المتأججة بالسكان
الأحاديث حتى وإن كانت هامسة تستطيع سماعها فهنا الكل يعرف بعضه يكفي أن تقول فقط أنك ابن تلك المنطقة !

*******
وقفت في شرفتها مائلة بجزعها العلوي علي الرف تراقب المارة ، وتستمع لأحاديث النساء العالية أسفل طابقها واللاتي يقفن في الشرفات هن الأخريات يشتكين بصوتٍ مسموع
"والله يختي الواد مغلبني لا بيروح دروس ولا نيلة .. مقضي كل يومه في لعبه اسمها بوبجي ، إيه بوبجي دي يختي "
أردفت أم محمود بصوتٍ عالٍ وهي تشتكي من ابنها لجارتها سامية التي كانت تستمع إليها باهتمام وهي تقوم بنشر غسليها على الأحبال النحاسية
" معرفش والله ..ومين سمعك يختي الصبيان دول عايزين قطع رقابيهم الواد ابني من ساعة ما دخل الكلية هو كمان ولا بيذاكر ولا ملتفت لأي حاجة مقضيها مع البنات شمال ويمين "
أطلقت أم محمود سبة علنية تضع بها كل مُقتها لأولادها .. بينما ابتسمت زهراء التي تستمع كل يوم لنفس الموقف ..ونفس السبة .. ونفس الشكوى من أم محمود لسمية التي لم تدخر ما بوسعها من أجل الصراخ عالياً لابنتها الصغرى حتي تأتي لها بباقي الغسيل !
تململت زهراء لتغير وقفتها ليرن خلخالها الفضي الذي التفَ حول قدمها البيضاء بحلقاته الخمس التي تصدر رنات مُتتابعة كلما تحركت ..
"معلش يا أم محمود سايبة الأكل علي النار هخش أشوفه وزي منتي عارفة المزغودة بنتي مبتعملش حاجة "
لوت أم محمود شفتيها بتهكم وهي تُشيح بيدها للداخل وتتحدث بغيظ دفين
"الحال من بعضه .. مش فاضيين غير للمرايات والذواق كل شوية .. روحي شوفي يا حبيبتي وراكِ إيه ونبقي نكمل كلامنا بعدين "
مطت زهراء شفتيها المطلية بلون أحمر زاهٍ بعدم رضا وهي تشهد نهاية الحديث اليومي بين أم محمود وسامية ، والذي يشتعل من الظهر إلي قرب العصر بين الشرفتين المتجاورتين ..
"هسلي نفسي بإية دلوقتي ؟ "
نطقت بخيبة أمل وهي تحني رأسها لأسفل تنظر إلي الشارع ، ما بين بائعي الخضار والفاكهه الذين يفترشون الأرض وكل منهم ينادي علي بضاعته ليجذب الناس .. والمارة منهم العائد من مدرسته أو عمله ، أو السيدات اللاتي عُدن من السوق تواً ويحملن الأكياس بصعوبة ...

كادت تستسلم وتدخل إلى غرفتها لولا أنها لمحت ما بدد ضيقها ليحل محله ابتسامة هادئة ثم سرعان ما تحولت لعابثة وهي مُثبتة نظرها لأسفل
دخلت إلي غرفتها تلك المرة بسعادة ثم وقفت أمام المرآة تمشط شعرها الأسود الغجري الكثيف والذي انتشر علي ظهرها بتمرد حتى وصل إلى خصرها ، عدلت من وضع أحمر شفاهها لتزيده قوة وأكثر حُمرة ...
بدلت عباءتها الفضفاضة لفستانٍ أحمر ضيق ينتهي عند ركبتيها ويديه تحتضن معصمها بشريطة من الدانتيل الأسود
فأصبحت ذات مظهر متمرد خاصة بنظرة التحدي التي ظهرت بعيونها السوداء ذات الأهداب الكثيفة والطويلة ..
اليوم أول لقاء بينها وبين خاطف أنفاسها وسبب اضطراب قلبها عند رؤياه ...يافوز
عشق من طرفها وحدها فالأخر لا يعرف سوى أنها رفيقة شقيقته .. وأنها ابنه المعلم باسم .. غير ذلك هو لا يعرف سوى عمله فقط !
خرجت من غرفتها تبحث عن والدتها بعينيها إلى أن وجدتها تجلس تتابع التلفاز ، فحاولت ألا تلفت إنتباهها حتى لا تُعلق على ما ترتديه ككل مرة فآثرت أن تتحدث وهى على أعتاب باب المنزل
" ماما أنا نازلة أشتري شوية حاجات من تحت وهعدي علي سمر أقعد معاها حبة "
لم يحدث ما تمنت وانتبهت إليها إبتهال حتى أنها قامت من مكانها ونظرت إليها بتفحص من أعلى لأخمص قدميها ثم لوت شدقتيها بعنف وهي تهتف بسخرية
" متضيقي الفستان شوية كمان يا ست زهراء لحسن كده مينفعش ؟ "
زفرت زهراء في ضيق ثم رسمت بسمة مُصطنعة علي وجهها واقتربت من والدتها التي كانت تدفعها برفق
"إيه يا ماما من إمتى وانتِ بتدققي علي لبسي وخروجي ؟ ده حتي ابويا معملهاش "
دفعتها إبتهال وذهبت لتجلس مرة أخرى مكانها وأردفت و هي تنتقي حبات اللب الأصفر من الطبق أمامها وتأكله بغيظ
"مين يشهد للعروسة .. منتِ بنت أبوكِ "
اقتربت منها زهراء مرة أخري وقبّلتها من وجنتها حتي طبع أحمر الشفاه علي خد سميرة ، ثم ابتسمت بحُب وهي تحتضنها من ذراعها
" عيب عليكِ ده انتِ الكل في الكل يا مامتي ... وبعدين أنا مش هتأخر خالص هي ساعة واحدة بس هقعدها هناك "
ربتت سميرة علي يد ابنتها بحنو أموي وأعطتها موافقتها بشرط أن تُبدل ثيابها
قبلتها زهراء مرة أخري من وجنتها الثانية وتهتف بمرح وهي تدلك وجنتي والدتها برفق
"خلاص بقى يا مامتي سبيني على راحتي أخر مـرة هلبس الفستان ده "
انسحبت للخارج فور أن أتمت جملتها لئلا تسمع زجر أخر من والدتها ، وبقرارة نفسها أنها ستغير ثيابها ما إن يتم المراد وتحصل على ما أردات !
" بردو مبدلتش الفستان اللي لابساه ... ماشي يا زهراء لما تيجي "
سارت زهراء في الحارة بخيلاء متعمدة أن تطرق بكعب حذاءها العالي ، تتمايل بقدها النحيف ورنة خلخالها تصدح كمعزوفة وتخبر أبناء الحي عن صاحبة الرنة المشهورة ...
زهراء ابنة الحاج باسم أبو سماعيل جزار المنطقة وأحد كبراءها والذي يلجأ إليه الكثير لحل مشاكلهم وأخذ مشورته ..
تزوجَ في سنٍ صغير وأنجبَ ولداً سافر إلي الخارج يعمل كمحاسب وابنه أنهت للتو دراستها من كلية الأداب قسم علم نفس ... زهراء !
رغم أنها خريجة جامعة إلا أنها مُتأثرة بحارتها في الكثير من حديثها ... ملبسها ... طريقة الحدي وانبثاق تلك النظرة ذات الحاجب المرفوع تنم عن خبرة واسعة بين جلسات سيدات الحارة العظيمات ...
زينتها التي تعشقها من الخلاخيل الفضية العديدة التي تمتلكها ، وأساور اليد الذهبية التي تزين معصمها في حركة جريئة تنم عن عراقة سيدة الحارة !

منطقة الحب محظورة  " كاملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن