الفصل السادس "نيران الثأر"

5.6K 171 12
                                    


............
الفصل السادس " نيــران الثـأر "
حكايات القهوة التي لا تنتهي محظورة خارج حدود " الحـارة" التي تضمهم .. هنا ولدوا وهنا يعيشون برضا ...
تلك الأحداث التي لا تُنسي بعيداً عن صخب الحياة وضوضاء المشاعر الزائفة !
هنا كلاً منهم علي سجيته ، وفطرة أثقلتها الهموم وثقّلتها التجارب .
فحينما تسمعهم تدرك أنك تشبههم حتي لو لم تكن ... منهم !
......
لم تصدق ما رأته .. يافوز يحاول تقبيل فتاة وتلك الفتاة لم تكن سوى ملك!!
وضعت يدها على فاهها تكتم شهقة كانت ستفضحها لو انسلت خفية واستندت على الحائط حتى لا يرونها ،قلبها يقعر الطبول خلف صدرها وقد انتابها بعض الدوار والشعور بالغثيان من منظرهم .. المقزز!
يحاول تقبيل فتاة تصغره بست سنوات وهي مستسلمة ، كانت خائفة من أن تنظر مرة أخرى حتى لا تجد الفعل قد تم وأنه يقبلها !
كم تمنت أن تكون مكان تلك الفتاة لتكون شفتيها هي التي تستقبل قبلته ، ويداه على خصرها المرسوم !!
ادارت رأسها يمينًا ويسارًا وداخلها أغلقت صفحة يافوز تلك قبل أن تتوحل أكثر بحبه ..
يكفيها سلاطة لسانه وعجرفته وفي الأخير يتمادى بأفعاله مع تلك الحيزبون الصغيرة والتي حتمًا التفت حوله كالحية الرقطاء طالما هي مستسلمة بين يديه كالقطة !
رحلت عائدة لسمر وبعد دقيقتين كان يخرج مهندمًا ملابسه بعد أن القم الأخرى حجرًا مُخبرًا إياها أنه كان اختبارًا وقد رسبت به بجدارة .. فمن سيقبل بفتاة قبلها وتحسسَ كل شبر من جسدها ..



....
جلست أم أيمن مع أم مصطفي تروي لها ما حدث لابنها وزوجته علي يد زهراء التي لقنته درساً أمام الجميع حينما ضربَ أميرة وطرحها أرضاً في الشارع بسبب أنها تأخرت عن الحد الذي حدده لعودتها بعشر دقائق لينطلق سريعاً حيث بيت أهلها ويبدأ بالسباب والضرب أمام القيل والقائل ، وقد انتهزَ فرصة أن والدها قعيد ووالدتها لن تقدر عليه .. لكنه لم يعلم ان زهراء هي التي ستتصدى له !!
وبصدى أنها عنفته اجتمعَ بعض الرجال ومن ضمنهم يافوز وقاموا بضربة حينما فشلوا بالتحدث معه !!
"البت المزغودة يختي فاكرة نفسها فتوة الحتة .. وقومت الحتة كلها علي مصطفي وهو بيأدب مراته ... الراجل مغلطش يا ولاااد !!"
أردفت أم ايمن بغل واضح مُذكّره جارتها بما حدث بابنها الراقد علي فراشه لا يُبارح غرفته منذ ذلك اليوم المشؤوم !
ولم تنسَ أن تبث سمها وهي تدّعي الشفقة علي مصطفي ..
برمت أم مصطفي شفتيها بضيقٍ واضح وكزت علي أسنانها بغيظ وهي تهتف
"والله لأوريها علي اللي عملته في ابني ده !! .. ده يا حبه عيني راقد طول اليوم وملوش سيرة غير أميرة .. أميرة النيلة والسواد "
ثم استطردت بحدة لم تخفَ علي الحية الرقطاء التي تجلس بجانبها
"والله لأندمهم هما الاتنين ..أميرة أنا هعرف أجيبها من شعرها راكعة لحد هنا ، أما العايقة التانية دي هعرف أجيبها كويس أوي !! "
حتي أن أم أيمن انقشعت علي نفسها وأخذت تردد داخلها بقلق
"ده إنتِ وليه قادرة إنتِ وابنك .. بقي تبهدلوها ومش عايزينها تطفش !! .. يلا وأنا مالي "
كانت قد انتهت من بث سمها الذي ستطوله يداها يوماً ما لتستأذن علي الخروج في حين أخبرتها أم مصطفي أنها ذاهبة لتعيد أميرة مرة أخري لتبتسم أم أيمن بنزق قبل أن تسبقها للخارج ..
رأس الحية إن فُصل عن الجسد لا فائدة .. فما الذي سيحدث إن أكلت الحية نفسها !!
.........
كانت تنظر له متوجسة خيفه من أن يقوم بأخذ ثأره المتأخر !!
تنهدت بثقل ثم حملت الصينية التي رُص عليها الإفطار وتقدمت من غرفته وقرأت بعض الآيات قبل أن تدخل إليه .. فهي منذ تلك الحادثة الليلية وهي لم تلتقِ به
تلك هي المواجهه الأولي بينها وبين ذلك الفهد !
"اتفضل يا بيه الفطار .. حضرتك عايز حاجة معينة للغدا طنط هيام قالتلي أسألك ؟"
كان وجهها أرضاً ، حديثها مُضطرب وليس بتلك السهولة تُملي عليه ما أخبرتها به هيام ..
نظرَ إليها مطولاً محاولاً سبر أغوارها .. الفتاة الماثلة أمامه ماهي إلا صغيرة تضع قماشة تداري خصلات شعرها الناعم والذي تدلت منه بعض الخصلات علي استحياء خارج منديلها المربوط علي رأسها ، عيناه منطفئتان ويداً جارَ عليها الزمن ..
استرعي انتباهه كلمة (طنط) ليرفع حاجبه الأيمن ويتحدث بمرح
"طنط !! ... ماما بقت طنط إمتي دي .. ؟"
هربَ الدم إلي وجنتيها التي تخضبتا باللون الوردي فأجابت وهي علي وضعها بنبرة يشوبها الخوف
"أنا ممليش دعووة .. طنط أقصد الست هياام هي اللي قالتلي أقولها كده "
قطبَ حاجبيه بدهشة ثم ما إن عاد إليه مرحه وهو يهتف
"مالك اتخضيتي كده ليه .. أنا مقصدش حاجة ، أصل حتي أولاد أختي بينادولها هيام !! ... "
"العين متعلاش عن الحاجب "
همهمت بخفوت ليتلقط حروفها بصعوبة وهو يتمتم بينما يقطع العيش بيده
"عين إيه وحاجب إيه .. إحنا ف مستشفيي ابنتِ .. مفيش الكلام ده عندنا "
ضيقت عينيها باستغراب ثم ارتسمَ علي ثغرها الصغير ابتسامة هادئة لتبادر بسؤالة بينما يأكل
"بس مش غريبة يعني يا باشا حضرتك ظابط وبتتكلم عادي يعني "
ابتلعَ ما في فاهه ثم قهقهَ عالياً حتي أنها شردت في ابتسامته التي زينت وجهه الوسيم ، وما لبثت أن عادت للواقع علي كلامه
"مش شرط يعني نكون مكشرين طول الوقت .. كفاية الشغل اللي بيجبرنا علي كده ، أجي كمان في البيت وأمشي ب111 ده حتي عيبة في حق هيام !! "
وعلي إثر ذِكر اسم والدته اندفعت إلي المطبخ بعدما استأذنت منه بكلمات مقتضبة حتي تلحق بالغداء ثم عادت إليه مرة أخري تخرج رأسها فقط وجسدها يتوارى خلف الحائط في منظر عفوي منها جعله يقف مشدوهاً أمام طلتها ..
"حضرتك مقولتش هتتغدى إيه ؟ "
........
في اليوم التالي
"سمك لأ يا ماما عارفة إني مبحبوش !! "
أردفت زهراء بضيق وهي تعقد ذراعيها لصدرها باحتجاج بينما والدتها تقف أمامها تنظف السمك لتهتف بقلة حيلة
"هعملك مكرونة تاكليها .. وبعدين افرض جوزك بيحب السمك وعايزك تعمليهوله ... هتقوليله إيه معلش مبحبوش "
أجابت زهراء بنزق مُشيحة بيدها بانفعال
"أيوة يبقي ياكل عند أمه .. أو نجيبه من برا "
زجرتها سميرة بنظرة ثم تحركت مرة أخري من أمامها هاتفة بحاجب أيمن مرفوع وفم ملتوٍ
"ساعتها هيلعنوا اللي ربوكِ وعلموكِ ... وهيقولوا ما شاء الله علي التربية الجميلة ، وغصب عنك هتعمليه "
"يووه بقا "
تأففت بضيقٍ واضح حتي سمعت اسمها بصوتٍ هادر .. وكان الصوت لباسم والدها
"زهراااء "
قطبت سميرة حاجبيها بدهشة وهتفت لزهراء التي تخشبت من نبرته الهادرة
"هو بيزعق كده ليه .. هببتي إيه يا موكوسة "
"والنِعمة ما عملت حاجة .. "
همهمت بخفوت قبل أن تذهب حيثُ يجلس والدها لتجد إمارات الغضب مرتسمه علي وجهه ونظرته إليها لا تبشر بالخير أبداً !!
"خير يا بابا "
جلست أمامه بينما انطلقَ هو معنفاً إياها بقسوة
"هيجي منين الخير !! ... ينفع اللي عملتيه ده ؟؟ تضربي مصطفي في الشارع إييه ؟؟ فتوة محدش مالي عينك ولا إيه ؟"
دافعت عن نفسها قائلة بلهفة
"العفو يا بابا مقصدش والله بس زي ما حضرتك شايف محدش اتدخل وأميرة كانت هتموت في إيده .. ده زقها وكان ه..."
قاطعها باسم بصرامة وهو يدق بعصاه أرضاً
"ملناش دعوة باللي بيحصل بينهم راجل ومراته... إنتِ مالك بيهم ؟؟"
"يابابا "
هدرَ بها بصرامة وهو ينهي النقاش الذي أخذَ من طاقته
"هي كلمة واحدة !! ... متدخليش بين حد وإياكِ أسمع منك شكوي تانية عنك ، مش هخليكِ تعتبي الشارع ده تاني ... فاهمة !! "
ثم انصرفَ إلي غرفته بينما التمعت عيناها بالدموع فهربت إلي غرفتها كما عادتها لتؤويها عن أعين الناس
التقطت نفساً عميقاً بعد أن أفرغت شحنة بكاءها فالتعنيف الذي تلقته خصوصاً من والدها ألمها بقدر شعورها أنها مخطئة !! ... فهي مُدلله أبيها ...يسرى صدره.. وخاطفة أنفاسه لأول مرة يكلمها بتلك القوة بل ويتعهد علي قطع قدمها من الخروج !
استندت بجزعها علي سور الشرفة الخاص بها لتعود إليها ذكرى أول تعامل بينها وبين مغرورها الوقح (يافوز) ابتسمت بشرود وهي تتذكر حديثه الذي أعادها باكية إلي غرفتها وطريقته في ازدرائها حينما أخبرها أنها مطلقة !! ... وعند تذكرها ذلك اللقب تجهمَ وجهها وزمت شفتيها بضيق .
تذكرت حينما كانت تقف أمامه علي أعتاب باب منزلهم وتعرقلت ليصيبها الخجل إثر مجيء تلك الذكرى المشؤومة !! ... نظرته حينها كانت ثاقبة ولو كانت النظرات تقتل لأردتها قتيلة فورها !
رغم أن الذكريات تنتابها دفعة واحدة إلا أن نظراته لم تروح عن خلدها لحظة !!
حتى يوم أن ضربت ذلك المتحرش عاقبة بنظرته الساخرة وحديثه اللاذع ..حتي أن يومها لم تسلم من سلاطة لسانه رغم أنها ليست مخطئة !!
كانت ستسامحه لولا أنه فطرَ قلبها حينما وجدته يهم بتقبيل ملك دون حياء
أدمعت عينيها بغزارة حينما داهمتها تلك الذكريات البائسة لتحني وجهها وتظهر عليها علامات الضعف وهي تهمهم بقهر
"كفايـة عليك كده يا يافوز .. كنت صفحة وانقفلت ، أنا أروح للي يستاهلني "

مسحت دموعها بظهر يدها ثم استدارت لتدخل غافلة عن زوج العيون التي تراقبها منذ أن خرجت إلي الشرفة حينما كان يريد الدلوف للمتجر ..
وفي طريقها للدخول تلاقت عينيها بإبريق عسله فابتسمَ لها ببشاشة وحياها بيده لتبقي تنظر إليه لوهله بانشداه ثم رمقته بجمود غلفَ قلبها قبل ملامحها من رأسه لأخمص قدميه واتجهت للداخل مرة أخرى بينما هو بقى يحدق في شرفتها مرددًا بقلق
"هي شكلها هتيجي فوق دماغي ولا إيـه ؟"
...........

مرة أخري تلتقي به .. أو أنها هي من خططت وأرادت ذلك اللقاء !!
ابتسمت له بحبور وهي ترد تحيته بنبرة فرحة حينما وجدته يجلس علي كرسيه في الشرفة كعادته
ليعاود هو سؤالها بلهفة
"اتخطبتي ولا لسه ؟! "
تلجلجت قبل أن تجيب فحتي لو أصابها الخجل من حديثه ، ذلك الموضوع يلمس وتراً حساساً داخلها ..وهي تحاول التخلص منه !
"اااا لأ لسه "
"اممممم "
لم تفهم المغزى من همهمته لكنها تمنت أن يكون لها معني واحدًا أن يأتي إليهم مُقترناً بأبوية ليطلب يدها ... وكم كان حلمها سابقاً قبل أن يسافر بعيداً
حُب طفولتها ، وصديقها المفضل ، وزوجها المستقبلي كما كانت تحلم رحلَ في فترة ليعود بعد ثماني سنوات ومازال قلبها يحمل الحب إليه .. لكن هل سيكون هو مُحملاً بنفس الشغف أم يكون قد تزوجَ هو الأخر ... وعند تلك النقطة لم تمهل نفسها التفكير وهتفت بدون وعي
"وإنت بقي إتجوزت ؟"
هزَّ رأسه نافياً فلعنت نفسها علي سؤالها الأحمق .. فقد مرَّ بعض الوقت وهو لا يتحدث ... قررت الدخول قبل أن تتحدث لما ستندم عليه لاحقاً لاعنة نفسها بقوة
في حين هتفَ هو ..
"لسه مستني اللي كنت واعدها زمان "
تباً ... أنفاس متسارعة .. دقات قلبٍ كمن في ماراثون الجري ... شفتان متهدجتان وحروف أبت أن تُنطق رغم توسل صاحبها !
التفتت إليه مرة أخري دقات قلبها تتعالي حتي قاربت أن تفضحها لتغمغم بعد أن رمشت باستيعاب
"وافرض كانت اتجوزت ساعتها كنت هتعمل إيه ؟ "
كان سؤالها عتاب أكثر منه افتتاحاً للنقاش فهي تتحدث دون وعي .. ودون حساب للمخاطر فقد انتفخت أوداجه وازدادت عينيه قتامة .. فلونهما الزبرجدي لم يستطع الوقوف أمام عاصفة غضبه ..
" علي جثتي ... أنا كنت متابع أخبارها وأنا برا يعني مش نايم علي وداني .. واستحالة كنت هخلي حد يجي جنبها حتي مش يتقدم "
"بس فعلاً في ناس اتقدمت !! وأخر مرة كنت ه.... "
ابتلعت باقي حروفها علي ما تفوهت به لتضع يدها علي فمها بصدمة.. فها هي لثالث مرة يتعذر علي عقلها أن يتفوه بما هو أحق له ..
ابتسمَ لزلتها بظفر ... فكلاهما يعلمان أن الحديث الدائر عنهما .. فلم المراوغة !!؟
"ءء أنا هدخل لماما جواا ءء عشان أجهز معاها الغدا وكده .. سلام "
هربت للداخل وتركته يبتسم لخجلها ورقتها المعهودة كما كانت لم تتغير ..
فيبدو أن الشرفة هي مصدر الحب .. والاعتراف المتبادل ، فلقد شهدت أنواع الحب العديدة .. منهم حباً لم يكلل حتي الآن سوي بنظرة هادئة وابتسامة ، وحباً انتهي باعتراف وردي حالم ... علي أن يكون للأخرين بقية !
-يتبع-
#سارة_عاصم

منطقة الحب محظورة  " كاملة"Where stories live. Discover now