الحديث السادس

55 3 2
                                    


الحديث السادس
من اصبح وامسى والدنيا او الاخرة اكبر همه

الاربعون حديثاً118
بالسند المتصل الى محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان وعبد العزيز العبدي ، عن عبد الله بن ابي يعفور ، عن ابي عبد الله عليه السلام قال : «من اصبح وامسى والدنيا اكبر همه ، جعل الله الفقر بين عينيه وشتت امره ولم ينل من الدنيا الا ما قسم له ومن اصبح وامسى والآخرة اكبر همـه ، جعـل الله الغنى في قلبه وجمع لـه امـره »(1). 

(1) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب حب الدنيا ، ح 15 .الاربعون حديثاً119
الشرح

 اعلم ان للدنيا والآخرة اطلاقات حسب آراء ارباب العلوم ولدى مقاييس معارفهم وعلومهم ولا يكون البحث عن حقيقتها على ضوء المصطلحات العلمية بمهمة لدينا ، فان بذل الجهد في فهم الاصطلاحات والرد والقبول والجرح والتعديل يحول دون بلوغ القصد . 
 وانما المهم في هذا الباب هو فهم الدنيا المذمومة التي على طالب الآخرة ان يتحرز منها . وما يعين الانسان على النجاة ، وسوف نبين ذلك ان شاء الله في بضعة فصول ، ونسال الله تعالى التوفيق في سلوك هذا الطريق . 

فصل
في بيان كلام مولانا المجلسي ـ رحمة الله عليه ـ في حقيقة الدنيا المذمومة
 يقول المحقق الخبير والمحدث المنقطع النظير مولانا المجلسي رحمة الله عليه : 
 (فاعلم ان الذي يظهر من مجموع الآيات والاخبار على ما نفهمه ان الدنيا المذمومة مركبة من مجموع امور تمنع الانسان من طاعة الله وحبه وتحصيل الآخرة ، فالدنيا والآخرة ، ضرتان متقابلتان فكلما يوجب رضى الله سبحانه وقربه فهو من الآخرة ، وان كان بحسب الظاهر من اعمال الدنيا كالتجارات والصناعات والزراعات التي يكون المقصود منها تحصيل المعيشة للعيال لامره تعالى به وصرفها في وجوه البر ، واعانة المحتاجين ، والصدقات ، وصون الوجه عن السؤال وامثال ذلك ، فان هذه كلها من اعمال الآخرة وان كان عامة الخلق يعدونها من الدنيا . 
 والرياضات المبتدعة والاعمال الريائية ، وان كان مع الترهب وانواع المشقة فانها من 

الاربعون حديثاً120
الدنيا لانها مما يعبد عن الله ولا يوجب القرب اليه كاعمال الكفار والمخالفين) انتهى كلامه (1) . 
ونقل المجلسي ـ رحمه الله ـ عن احد المحققين :

 «دنياك وآخرتك عبارة عن حالتين من احوال قلبك ، والقريب الداني منهما يسمى الدنيا وهي كل ما قبل الموت ، والمتراخي المتاخر يسمى آخرة ، وهي ما بعد الموت . فكل مالك فيه حظ وغرض ونصيب وشهوة ولذة في عاجل قبل الوفاء ، فهي الدنيا في حقك ...» (2) . 
 يقول الفقير الى الله : ان الدنيا مرة تطلق على نشاة الوجود النازلة والتي هي دار تصرم وتغير ومجاز ، والآخرة تطلق على الرجوع من هذه النشاة الى ملكوت الانسان وباطنه والتي هي دار بقاء وخلود وقرار . وهاتان النشأتان متحققتان لكل نفس من النفوس وشخص من الاشخاص . وعلى العموم ، لكل كائن مقام ظهور وملك وشهود . وتلك هي مرتبته النازلة الدنيوية . ومقام باطني ، وملكوت غيبي ، وهي النشاة الصاعدة الاخروية . وهذه النشاة النازلة الدنيوية وان كانت ناقصة بذاتها وانها آخر مراتب الوجود ، ولكن لما كانت مهد تربية النفوس القدسية ، ودار تحصيل المقامات العالية ، ومزرعة الآخرة ، فانها من احسن مشاهد الوجود واعز النشآت ، وهي المغنم الافضل عند الاولياء واهل سلوك الآخرة . ولولا هذه الامور الملكية والتغييرات والحركات الجوهرية ، الطبيعية والارادية ، ولولا ان يسلط الله تعالى على هذه النشاة التبدلات والتصرمات ، لما وصل احد من ذوي النفوس الناقصة الى حد كماله الموعود ودار قراره وثباته ، ولحصل النقص الكلي في الملك والملكوت . 
 ان ما ورد في القرآن والاحاديث عن ذم هذه الدنيا ، لا يكون عائدا في الحقيقة الى الدنيا من حيث نوعها او كثرتها ، بل يعود الى التوجه نحوها وانشداد القلب بها ومحبتها . 
 وعليه ، يتبين من ذلك ان امام الانسان دنياءان : دنيا ممدوحة ودنيا مذمومة . فالممدوح هو الحصول في هذه النشاة وهي دار التربية ودار التحصيل ومحل التجارة لنيل المقامات واكتساب الكمالات والاعداد لحياة ابدية سعيدة ، مما لا يمكن الحصول عليه دون الدخول الى هذه الدنيا ، كما جاء في خطبة لمولى الموحدين امير المؤمنين عليه السلام ردا على من ذم الدنيا : 
 «... ان الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزود منها ، ودار موعظة لمن اتعظ بها . مسجد احباء الله ، ومصلى ملائكة الله ، ومهبط وحي الله ، ومتجر اولياء الله . أكتسبوا فيها الرحمة ، وربحوا فيها الجنة ...»(3) . 

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Jul 04, 2019 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

الاربعون حديثاًWhere stories live. Discover now