الحديث الثاني

46 0 0
                                    



الحديث الثاني
الرياء

الاربعون حديثاً44
 بالسند المتصل الى محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم ، عن ابيه ، عن ابي المغرا ، عن يزيد بن خليفة قال : قال ابو عبد الله عليه السلام : كل رياء شرك . انه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل لله ، كان ثوابه على الله» (1) . 

(1) اصول الكافي ـ المجلد الثاني ـ كتاب الايمان والكفر ـ باب الرياء ـ ح 3 .الاربعون حديثاً45
الشرح :

 اعلم ان الرياء هو عبارة عن اظهار وابراز شيء من الاعمال الصالحة او الصفات الحميدة او العقائد الحقة الصحيحة ، للناس لاجل الحصول على منزلة في قلوبهم والاشتهار بينهم بالصلاح والاستقامة والأمانة والتدين ، بدون نية الهية صحيحة . وهذا الامر يتحقق في عدة مقامات .
المقام الاول : وله درجتان : 
 الاولى : وهي ان يظهر العقائد الحقة والمعارف الالهية ، من اجل ان يشتهر بين الناس بالديانة ، ومن اجل الحصول على منزلة في القلوب ، كأن يقول : «اني لا اعتبر ان هناك مؤثرا في الوجود الا الله» ، او ان يقول : «اني لا اتوكل على احد سوى الله» او ان يثني على نفسه كناية او اشارة بامتلاك العقائد الحقة ، وهذا الاسلوب هو الاكثر رواجا . فمثلا عندما يجري حديث عن التوكل او الرضا بقضاء الله ، يجعل الشخص المرائي نفسه في سلك اولئك الجمع بواسطة تاوّهه او هز راسه . 
 الثانية : وهي ان يبعد عن نفسه العقائد الباطلة وينزه نفسه عنها ، لاجل الحصول على الجاه والمنزلة في القلوب ، سواء اكان ذلك بصراحة القول ام بالاشارة والكناية . 
المقام الثاني : وفيه ايضا مرتبتان : 
 احداهما : ان يظهر الخصال الحميدة والملكات الفاضلة ، والاخرى : ان يتبرا مما يقابلها ، وان يزكي نفسه للغاية نفسها التي اصبحت معلومة .
المقام الثالث : 
 وهو الرياء المعروف عند الفقهاء الماضين ـ رضوان الله عليهم ـ وله ايضا نفس تلكما 

الاربعون حديثاً46
الدرجتين ، احداهما : ان ياتي بالاعمال والعبادات الشرعية ، او ان ياتي بالامور الراجحة عقلا ، بهدف مراءاة الناس وجلب القلوب ، سواء ان ياتي بالعمل نفسه بقصد الرياء ، او بكيفيته ، او شرطه او جزئه بقصد الرياء على الشكل المذكور في الكتب الفقهية . ثانيهما : ان يترك عملا محرما او مكروها بنفس الهدف المذكور . 
 ونحن نشرح في هذه الاوراق ، بعضا من مفاسد كل واحد من هذه المقامات الثلاثة ونشير الى ما يبدو علاجا لها على نحو الاختصار . 

المقام الاول ( الرياء )وفيه عدة فصول
فصل
 اعلم ان الرياء في اصول العقائد والمعارف الالهية اشد من جميع انواع الرياء عذابا واسوأها عاقبة ، وظلمته اعظم واشد من ظلمات جميع انواع الرياء . وصاحب هذا العمل اذا كان في واقعه لا يعتقد بالامر الذي يظهره ، فهو من المنافقين ، اي انه مخلد في النار ، وان هلاكه ابدي ، وعذابه اشد العذاب . 
 واما اذا كان معتقدا بما يظهر ، لكنه يظهره من اجل الحصول على المنزلة والرتبة في قلوب الناس ، فهذا الشخص وان لم يكن منافقا الا ان رياءه يؤدي الى اضمحلال نور الايمان في قلبه ، ودخول ظلمة الكفر الى قلبه ، فان هذا الشخص يكون مشركا ، ولكن في الخفاء ، لان المعارف الالهية والعقائد الحقة ، التي يجب ان تكون خالصة لله ، ولصاحب تلك الذات المقدسة ، قد حولها ـ المرائي ـ الى الناس ، واشرك فيها غيره ، وجعل الشيطان متصرفا فيه ، فهذا القلب ليس لله . 
 ونحن سنذكر في احد الفصول ؛ ان الايمان من الأعمال القلبية ، وليس هو مجرد علم ، وقد جاء في الحديث الشريف : «كل رياء شرك» . 
 ولكن هذه الفجيعة الموبقة ، وهذه السريرة المظلمة ، وهذه الملكة الخبيثة ، تؤدي بالانسان في النهاية ، الى ان تصبح دار قلبه مختصة بغير الله ، وتؤدي ظلمة هذه الرذيلة بالانسان تدريجيا الى الخروج من هذه الدنيا بدون ايمان . 
 وهذا الايمان الخيالي الذي يمتلكه هو صورة بلا معنى ، وجسد بلا روح ، وقشر بلا لب ، ولا يكون مقبولا عند الله تعالى ، كما اشير اليه في حديث مذكور في كتاب الكافي ، عن علي بن 

الاربعون حديثاًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن