الحديث الخامس

Start from the beginning
                                    

(1) فروع الكافي ، المجلد الثالث ، باب المسألة في القبر ، ح 6 ، ص 236 .الاربعون حديثاً112
للمحسود جلبت لنفسك عذاب وضغط فكري آخِرَين ويعتبر عذابك هذا نعمة له وهكذا . وعليه ، فانك تكون دائما في عذاب وشقاء وتعاسة وغم ، وهو في نعمة وسرور وانبساط . وفي الآخرة ايضا يكون حسدك له نفعا له ، وخصوصا اذا كان الحسد قد دفع بك الى الغيبة والافتراء وسائر الرذائل ، مما يستوجب اخذ حسناتك واعطائها له ، فتعود انت مفلسا ، ويزداد هو نعمة وعظمة . 
 لو انك امعنت الفكر في هذه الامور لاقدمت على تطهير نفسك من هذه الرذيلة وانقذت نفسك من هذه المهلكة . ولا تظنن ان الرذائل النفسانية والخلق الروحية غير ممكنة الزوال ، ان ظنونا باطلة توحيها اليك النفس الامارة والشيطان لكي تنحرف عن سلوك الآخرة واصلاح النفس . فما دام الانسان في دار الزوال وعالم التبدل هذا ، فمن الممكن ان يتغير في جميع صفاته واخلاقه ، ومهما تكن صفاته متمكنة ، فانها قابلة للزوال ما دام حيا في هذه الدنيا ، وانما تختلف صعوبة التصفية وسهولتها نتيجة شدة هذه الصفات وخفّتها . 
 ومن المعلوم ان ازالة صفة حديثة الظهور في النفس انما يتحقق بقليل من الجهد والترويض ، كالنبتة في ايامها الاولى التي لم ترسل جذورها الى الاعماق بعد ولم تتمكن من التربة . ولكن اذا تمكنت تلك الصفة من النفس واصبحت من الملكات المستقرة فيها ، فانه يصعب ازالتها ، ورغم ان ازالتها ممكنة ، كاقتلاع شجرة ضخمة معمرة ضربت بجذورها في اعماق التربة ، فكلما تقاعست وابطات في مساعيك لاقتلاع جذور المفاسد من قلبك وروحك ، ازداد تعبك وعنائك في اجتثاثها . 
 فيا عزيزي ؛ ان الوقوف منذ البداية دون تسرب المفاسد الاخلاقية او العملية الى مملكة ظاهرك وباطنك ، ايسر بكثير من اخراجها بعد توغلها ، لان ذلك يتطلب الكثير من العناء والجهد . واذا تسربت ، فانك كلما اخرت التصدي لاخراجها ، ازداد الجهد المطلوب منك وضعفت قواك الداخلية . 
 يقول شيخنا الجليل والعارف الكبير الشاه آبادي (روحي فداه) : ان الانسان في عز شبابه وقوة فتوّته يكون اقدر على الوقوف بوجه المفاسد الاخلاقية ،وافضل في اداء واجبه الانساني . فلا تتركوا هذه القوى تضيع من ايديكم ، ويستولي عليكم ضعف الشيخوخة ، وعندئذ يصعب عليكم التوفيق في مساعيكم ، وحتى لو انكم وفقتم ، فان ذلك الاصلاح سوف يتطلب منكم الكثير من المشقة والتعب . 
 وعليه ، اذا فكر الانسان العاقل في المفاسد ووجد انه غير داخل فيها ، فانه يستطيع ان يمنع نفسه من التلوث بها ، واذا وجد نفسه ـ لا سمح الله ـ مبتلاة بها ، فخير له ان يسرع في اصلاح نفسه قبل ان تتجذر تلك المفاسد فيه ، واذا كانت ـ لا سمح الله ـ قد تجذرت فيه فعليه 

الاربعون حديثاً113
ان يبذل كل جهد مستطاع في سبيل اقتلاع تلك الجذور لئلا يصل الى مرحلة اللاعودة في البرزخ والآخرة ، لانها اذا اعطت ثمرها ، وخرج صاحبها بخلقة الفاسد من هذه الدنيا المتبدلة في هيولاها والمتغيرة في جوهرها ، خرج امر اقتلاعها من يديه ، وهيهات ان يتبدل خلق من الاخلاق النفسانية في الآخرة او في البرزخ . 
 جاء في مضمون حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ان الخلود في الجنة او في النار منوط بنية الانسان . فالنوايا الفاسدة ، التي هي وليدة الاخلاق الرذيلة ، لا يمكن ان تزول الا بزوال منشئها . 
 ان الملكات في ذلك العالم تكون على درجة من شدة الظهور وقوته بحيث ان زوالها اما لا يكون ممكنا ، فيكون صاحبها مخلدا في النار . واما اذا امكن بالضغوطات والمشاق والنيران ازالتها ، فان ذلك قد يحدث ولكن بعد قرون ربوبية . 
 فيا ايها الانسان العاقل ! ان ما يمكن ان تصلحه في شهر او في سنة مع التعب القليل الدنيوي وبمحض اختيارك واضعا حدا لشقائك في الدنيا والآخرة ، لا تهمله لكيلا يوردك موارد الهلاك . 

الاربعون حديثاًWhere stories live. Discover now